انقلاب آخر في أقل من عام: ما الذي يحدث في مالي؟

في 18 أغسطس 2020, أطاح الجيش في مالي بالرئيس “إبراهيم بوبكر كيتا” في أعقاب الاحتجاجات المناهضة لحكومته. وقد أُدِين هذا الانقلاب العسكري على المستوى الإقليمي والأفريقي والدولي, وعلقت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (الايكواس) عضوية مالي من مؤسستها وفرضت عليها عقوبات شملتْ حظرا جويا وتعليق المعاملات المالية إلى حين تشكيل حكومة انتقالية تؤدي إلى إجراء انتخابات حرة وشفافة وبالتالي استعادة النظام الدستوري.

وبالفعل, تشكلت الحكومة الانتقالية مع تولّي كل من “باه نداو” و “مختار وان” منصبي رئيسها ورئيس وزرائها على التوالي. كما تولّى قادةٌ من الانقلابيين مناصب مختلفة على رأسها منصب نائب الرئيس لـ “أسيمي غويتا”.

على أنه منذ بداية الفترة الانتقالية تحفّظ بعض القادة السياسيين في مالي من الحكومة الانتقالية, وبدا جليًّا أن هناك عدم ثقة عميقة في الجيش. وقد طفا هذا التطوّر إلى السطح منذ حوالي أسبوعين, حيث كان هناك خلافات بين رئيس الحكومة “باه نداو” ورئيس وزرائها “مختار وان” من جهة, وبينهما والجيش من جهة أخرى تتعلق بمحاولة الطرف الأول إبعاد بعض القادة الانقلابين من تشكيل حكومة جديدة.

ورغم الخلافات تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة مساء يوم الاثنين دون منح شخصيتين من قادة الانقلاب (وهما وزير الدفاع ووزير الأمن الداخلي) أي منصب فيها. فتَبِع إعلان التشكيل الحكومي بساعتين خبرُ احتجاز العسكر للرئيس ورئيس الوزراء مع استيلاء “غويتا” نائب الرئيس (وأحد قادة الانقلاب) على السلطة. وبهذا شهدت مالي في يوم 24 مايو (2021) انقلابا عسكريا ثانيا في أقل من عامٍ؛ إذ استقال الرئيس “باه نداو” ورئيس الوزراء ” مختار وان” من منصبيهما أثناء احتجازهما العسكري يوم الأربعاء الماضي.  

محاولة إصلاحٍ فاشلة أم تنفيذ أجندة أجنية؟

إن إمعان النظر في بيان “غويتا” نائب الرئيس (وقائد الانقلاب) يؤكد رأي البعض في سبب الانقلاب الجديد والذي تمثّل في أن الرئيس ورئيس الحكومة أرادا إقصاء العسكر من الحكم وأنهما حاولا تنزيه الحكومة المالية من التشويه الذي جلبه انقلاب أغسطس 2020 العسكري. وقد نبّهّهُمَا الجيش عليه ولكنهما أصرا على خطتهما وأعلنا تشكيل الحكومة الجديدة دون إشراك الوزيرين من المؤسسة العسكرية.

وفي المقابل, يشعر البعض أن التطور الجديد لم يخلُ من دور قوة أجنبية؛ إذ اتّهموا كُلًّا من الرئيس ورئيس الحكومة بأنهما نفّذا أجندة فرنسية من خلال طرد المقربين من الروس (وزيري الدفاع والأمن الداخلي), وذلك لأن الوزيرين كانا يخططان لتبديل نفوذ فرنسا بالنفوذ الروسي في مالي.

وهناك وجهة نظر أخرى ترى عكس ما سبق تماما, ولكن الرأي الأول يلقى صدى في الأوساط السياسية والأكاديمية.

إدانات وتهديدات

يمكن ملاحظة موقف بعض الأحزاب السياسية (مثل CODEM, YELEMA وغيرهما) من خلال بياناتها التي يمكن تصنيفها إلى مجموعتين: الأولى أدانت الانقلاب العسكري في ساعاتها الأولى ودعت الجيش إلى الإفراج عن الرئيس وعقد جلسة تشاورية عامة بمشاركة الجيمع. والثانية أبدتْ عن قلقها فيما يحدث ودعت إلى عقد حوار سياسي شامل.

وبالتالي لم تأتِ بيانات الأحزاب السياسية في مالي بجديد, حيث تعوّدت الساحة السياسية إدانة الأحزاب للعملية الانقلابية من حيث المبدأ, ولكنها أيضا تبدي استعدادها للمشاركة في الحكومة التي سيطر عليها الانقلابيون.

وقد قابل رئيسا المجلس الأعلى الإسلامي والكنيسة الكاثوليكية الجيش في ليلة الحادثة, كما أصدر رؤساء منظمات المجتمع المدني في الداخل المالي والشتات بيانات أدانوا فيها الانقلاب. وأعلنت النقابة الوطنية للعمال في مالي عن تعليق الإضراب الذي بدؤوه بداية الأسبوع الماضي إلى حين تهدأ الأوضاع السياسية. إضافة إلى إدانة وبيان من تجمّع المحامين.

من جانب آخر, توالت التنديدات الإقليمية والأفريقية والتهديدات الدولية إثر انتشار خبر احتجاز رئيس الحكومة ورئيس وزرائها؛ إذ صدرت بيانات من قبل لجنة متابعة المرحلة الانتقالية في مالي المكونة من الايكواس والاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة في مالي ودول غربية – كفرنسا وألمانيا وبريطانيا ووالولايات المتحدة الأميركية – أدانوا فيها الانقلاب الجديد وطلبوا الإفراج الفوري عن المحتجزين، كما أكّدوا دعمهم الكامل للسطات الانتقالية المالية وهددوا بتعليق عضوية مالي وقطع المساعدات عنها.

وأشار الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في تصريحاته على هامش قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسيل خلال يومين أن الاتحاد الاوروبي يدعم الحكومة الانقالية داعيا الجيش إلى ترك الحكم, قائلا إنه لا يمكن السماح بحدوث “انقلاب داخل انقلاب”, كما أكد بأن فرنسا قدمت طلب اجتماعٍ عاجل حول مالي في مجلس الأمن.

الرأي العام

إن ضعف أداء الحكومة المؤقتة طوال الأشهر التسعة الماضية يعني أن المواطن المالي قد لا يجد دافعا حقيقيا للخروج في احتجاج والدفاع عن رئيس الحكومة ورئيس وزرائها. وهذا ينعكس في تراجع شعبية رئيس الحكومة, خاصة في ظل وجود شكاوى من أن التشكيل الحكومي الأخير لم يكن على المستوى المطلوب، وأن الانقلاب لم يكن سوى حرب مصالح بين النخبة الحاكمة.

وبالنسبة للشباب في مالي, فإنه لا يمكن استقراء مواقفهم من التطور الجديد. ومع ذلك يمكن ملاحظة اتجاهين في تحركاتهم العامة وحواراتهم على المواقع الاجتماعية: الاتجاه الأول كان من الرافضين للانقلاب العسكري وكوّنوا تجمعا باسم “لِنُنْقذْ الديموقراطية من الانقلابيين (sauvons la démocratie des putschistes) ويشمل بعض الشخصيات الشابة النشطة في الساحة السياسية. وقد دعوا من خلال التجمع إلى ضرورة إرجاع الرئيس ورئيس الحكومة إلى الحكم؛ والاتجاه الثاني كان من أنصار العسكر, وقد دعووا إلى تجمّع أمام السفارة الروسية خلال الأيام الماضية.

ماذا بعد حل الحكومة؟

لقد أصبح نائب الرئيس “غويتا” الحاكم الفعلي الوحيد في مالي (بعد استقالة الرئيس ورئيس الوزراء), ولكنه أيضا يواجه تحديات شرعية. وقد أفادت تقارير أن النقاش جارٍ بينه (كممثل الجيش) ووفد “الايكواس” حول الوضع الجديد, وأن هناك اقتراحات مختلفة بما فيها تعيينه في منصب رئيس البلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية وغيرها من المقترحات التي تجري التفاوض عليها ويرفض وفد الايكواس بعضا منها. كما اقترح الجيش أيضا من حركة 5 يوينو ترشيح شخص جديد لرئاسة الحكومة مما قد يمنح الجيش شرعية على انقلابها وسيمكنها من مواجهة التهديدات الدولية.

وعليه, يمكن القول بأن استقالة الرئيس ورئيس الوزراء وتركيز الحكم على يد الجيش والانقلابيين يُرجع مالي إلى نقطة البداية؛ ليتجدد النقاش مرة أخرى حول كيفية تحقيق الاستقرار وتنفيذ الإصلاحات التي تطلّع إليها الماليون عندما تظاهروا ضد حكومة الرئيس السابق “بوبكر كيتا”.

باحث في العلوم السياسية - مالي.