حسين حبري: من ساحات الكفاح ضد الاستعمار إلى الموت خلف القضبان

في 24 أغسطس 2021, أعلنت السلطات السنغالية عن وفاة الرئيس التشادي الأسبق “حسين حبري” الذي حكم تشاد خلال الفترة 1982 – 1990. وياتي هذا الإعلان بعد مرور 4 أشهر من مقتل الرئيس السابق “إدريس ديبي إتنو” في أبريل الماضي أثناء المواجهات مع المعارضة المسلحة في شمال تشاد.

من هو “حسين حبري” ؟

ولد “حسين حبري” في 13 أغسطس 1942 في “فايا لارجو” شمال تشاد.  وينتمي إلى قبيلة “أَنَكزا” التي تعتبر إحدى فروع قبائل التبو التي تتواجد في كل من تشاد والنيجر وليبيا والسودان.

حصل “حبري” بعد تعليمه الابتدائي على وظيفة في الإدارة الكولونيالية الفرنسية وأدى مهارته واجتهاده إلى حصوله على منحة للدراسة في معهد الدراسات الدولية العليا في باريس. وأكمل دراسته الجامعية في العلوم السياسية في باريس، وعاد إلى تشاد في عام 1971.

وقد حصل “حبري” أيضا على شهادات علمية أخرى بما فيها الدكتوراه من معهد الدراسات الدولية العليا. وعمل في وزارة الخارجية بضعة أشهر.

مسيرته السياسية

التحق “حبري” في عام 1971 بـ “جبهة التحرير الوطني لتشاد” (فرولينات FROLINAT) التي كانت تقاتل ضد الاحتلال الفرنسي. وتولّى قيادتها قبل أن قبل أن يؤسس مجلس القوات المسلحة للشمال (فان) مع “كوكوني عويدي” – شخصية أخرى من شمال تشاد.

وخلال الفترة من 1978 – 1979 عُيِّن “حبري” رئيسا للوزراء من قبل “فليكس معالوم” (حكم تشاد من 15 مايو 1975 حتى 29 أبريل 1979). ولكنّ الزعيمين اختلفا في قضية إدماج القوات المسلحة الشمالية إلي الجيش الوطني التشادي. وقد استغلت جبهة “فرولينات” بقيادة “قوكوني عويدي” الفرصة بتحرير جزء كبير من شمال تشاد المحتلة من قبل المستعمر الفرنسي.

وفي عام 1979 استطاع المتمردون الوصول إلى العاصمة وسقط نظام “فليكس معلوم”, ما أدى إلى تشكيل أول حكومة انتقالية تشادية في عام 1978 باسم “حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية”، في لاغوس العاصمة السابقة لنيجيريا؛ ترأّس “قوكوني عويدي” الداعم لليبيا هذه الحكومة الانتقالية, بينما شغل “وادال عبد القادر كاموقي” من جنوب تشاد منصب نائب الرئيس، وتولّى “حسين حبري” من شمال تشاد والموالي للغرب منصبَ وزير الدفاع.

على أنه وقع خلاف بين قادة حكومة الوحدة الوطنية, خاصة بين “عويدي” و “حبري”. وقد أدت المنافسات الشخصية بين الحليفين السابقين إلى الحد من فعالية الحكومة الانتقالية وساهمت في النظر إلى “عويدي” على أنه دمية بيد الزعيم الليبي “معمر القذافي”. فقاد “حبري” تمردا داخليا أدى إلى انقلاب ضد “عويدي”.

ولأجل استعادة السلطة, اتفق “عويدي” مع ليبيا في 15 يونيو 1980 من أجل الحصول على الدعم والذي حصل عليه بالفعل, وعاد “عويدي” إلى تشاد مع قوات ليبية وقوات تابعة له, مما منحه انتصار في العاصمة التشادية انجمينا في 16 ديسمبر 1980, ليضطرّ “حبري” وقواته للهروب إلى الكاميرون.

كيف صعد “حبري” إلى الحكم في تشاد؟

في عام 1980 احتلت ليبيا قطاعَ “أوزو” – شريط أرضي في شمال تشاد على طول الحدود مع ليبيا, وذلك في محاولة للسيطرة على جميع الأراضي التشادية. بل وأعلنت في 6 يناير 1981 عن دمج الأراضي التشادية-الليبية لتصبح دولة واحدة.

إن الإعلان السابق أثار حفيظة التشاديين والدول الأفريقية, كما أثار غضب فرنسا – المستعمرة السابقة لتشاد. وكان موقف معظم منتقدي تلك الخطوة الليبية أن إعلان الدمج بين البلدين من طرف واحد فقط وبهذا الأسلوب، وفي ظل الظروف التي كانت تشاد تمر بها؛ يعني أن خطوات “القذافي” هي فقط لاحتلال تشاد.

وفي نوفمبر 1981 دخل “حبري” في حرب مباشرة مع ليبيا لتحرير الأراضي التشادية المحتلة من قبل القوات الليبيّة. وقد نجح في ذلك في فترة وجيزة حيث استطاع تحرير كل هذه الأراضي التشادية بما فيها قطاع “أوزو”.

وفي 7 يونيو 1982, استولى “حبري” على الحكم في تشاد وألغى منصب رئيس الوزراء. وكان نظام حكمه متأثرا بتهديد من ليبيا التي سعتْ بكل السبل لإعادة “عويدي” إلى سدة الحكم في تشاد.

وقد أنشأ “حبري” بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة قوةَ شرطة سرية عُرفت بـ “مديرية التوثيق والأمن”. وحصل على دعم كبير من كل من الولايات المتحدة (التي قدمت له مئات الملايين من الدولارات كمساعدات) وفرنسا, حيث كانتا تسعيان إلى إضعاف وزن “القذافي” في المنطقة.

وقد أدت مساعدة ليبيا لـ “عويدي” إلى تمكّنه من السيطرة على الجزء الشمالي لتشاد, بينما الجزء الجنوبي تحت سيطرة “حبري” حتي عام 1986 عندما تدهورت العلاقة بين ليبيا مع “عويدي”, حيث أفادت مصادر بأن “القذافي” حاول تصفية “عويدي” في غرب طرابلس في عملية أسفرت عن مقتل اثنين من حراس “عويدي” وإصابته بجروح بالغة؛ فطالب “عويدي” من قواته الانضمام إلي قوات “حبري”.

يُذكر أن عهد “حبري” اتسّم بالقمع والتعذيب وقتل الآلاف من النشطاء والسياسيين والعسكريين المعارضين لنظامه. كما اتُّهِمت حكومته بتطهير عرقي ضد إثنيات مختلفة بما في ذلك “سارا” والحجريون والزغاوة، كما اتُّهِم بقتل واعتقال أعضاء هذه المجموعات الإثنية إذا ما اعتقدت حكومته أن قادتهم يشكلون تهديدًا لنظامه.

سقوطه وملاحقته قضائيًّا

ظل “حبري” في الحكم حتى عام 1990, حيث سقط نظامه بعد معارك ضارية مع قوات “الحركة الوطنية للإنقاذ” بقيادة الرئيس السابق “إدريس ديبي” الذي استولى على الحكم بعد هروب “حبري” إلى السنغال.

على أن سقوط “حبري” لم يكن سوى الإيذان لمسلسل جديد في حياة “حبري”, حيث طالب الكثيرون محاكمته بشأن الانتهاكات إبان حكمه؛ وقد جمّعت “الرابطة التشادية لضحايا القمع السياسي والجريمة” جميع المعلومات الممكنة والمتعلقة بضحايا نظامه. وقد أفاد تقرير لجنة تقصي الحقائق في عام 1992 بأن نظام “حبري” ارتكب 40 ألف جريمة من جرائم القتل السياسي، و200 ألف حالة من حالات التعذيب.

وفي عام 1999، تقدمت “الرابطة التشادية لنصرة حقوق الإنسان والدفاع عنها” بطلب إلى منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” بإحالة “حبري” إلى العدالة في السنغال. وقام الباحثون في منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” بزيارة تشاد مرتين للاطلاع على الوثائق التي أعدتها رابطة الضحايا المذكورة والاجتمع بالضحايا والشهود من أجل توثيق شهاداتهم.

وبهدف تدعيم الشكوى ورفع الدعوى كأفراد ومنظمات؛ نظمت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” تآلفا بين المنظمات غير الحكومية التشادية والسنغالية والدولية، شملت “الاتحاد الدولي لجمعيات حقوق الإنسان”، و “منظمة الحقوق الدولية”، إلى جانب مجموعة من المحامين السنغاليين الذين يمثلون مصالح الضحايا.

وقد وُضِع “حبري” قيد الإقامة الجبرية في السنغال في عام 2005, واعتُقِل في 30 يونيو 2013 من قبل الشرطة السنغالية. وقد أشاد الرئيس “إدريس ديبي” بهذا الاعتقال بقوله إنه كان خطوة نحو “أفريقيا الخالية من كل شر، أفريقيا المجردة من كل الديكتاتوريات”.

وقد اتهمته محكمة السنغال المنبثقة عن الاتحاد الأفريقي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتعذيب خلال السنوات الثماني التي قضاها في السلطة في تشاد. وحُكِم ، حُكم عليه أيضًا بالإعدام غيابياً لارتكابه جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة تشادية.

وقد صاح “حبري” أثناء انتظار بدء محاكمته في 20 يوليو 2015 قائلا: “يسقط الإمبرياليون. (المحاكمة) مهزلة للسياسيين السنغاليين الفاسدين.. للخونة الأفارقة. لخدام أمريكا”.

وتصريحه أدى إلى إخراجه من قاعة المحكمة وبدأت المحاكمة بدونه. وفي 21 يوليو 2015 أُجِّلت المحاكمة إلى 7 سبتمبر 2015 ، بعد أن رفض محاموه المشاركة فيها.

وقد وجدت الدوائر الأفريقية الاستثنائية في 30 مايو 2016 أن “حبري” مذنب بارتكاب جرائم اغتصاب واستعباد جنسي, وأنه أمر بقتل 40 ألف شخص خلال فترة رئاسته لتشاد. وبالتالي حكمت عليه بالسجن المؤبد في سجن “دو كاب مانويل” بالسنغال, ليكون الحكم هو المرة الأولى التي تدين فيها محكمة مدعومة من الاتحاد الأفريقي حاكماً سابقًا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، والمرة الأولى التي حاكمت فيها محاكم دولة معينة حاكمًا سابقًا لدولة أخرى على جرائم ضد الإنسانية.

وفي 7 أبريل 2020 مُنح “حبري” إجازة خارج السجن لمدة شهرين، حيث استخدم السجن لاحتجاز معتقلين جدد في الحجر الصحي لوباء كوفيد-19. وعاد إلى السجن في 7 يونيو بعد الانتهاء من إجازته.

وفاته

في 24 من شهر أغسطس 2021, أعلن وزير العدل السنغالي المحامي “مالك سال” عن وفاته “حسين حبري” في السجن, وذلك بعد أسبوع من عيد ميلاده التاسع والسبعين (79) وبعد دخوله المستشفى في داكار لإصابته بفيروس كوفيد-19 أثناء وجوده في السجن قبل أسبوع.

وفي حدّ تعبير وزير العدل السنغالي الذي أشاد بموقف بلاده وطريقتها في التعامل مع ملف “حبري”: “يجب أن نكون جميعا فخورين بالطريقة التي استقبلنا فيها حبري”، مضيفا أنه “صمدت السنغال رغم الضغوط الدولية. وكل ما يمكننا القيام به هو الصلاة من أجل راحة روح حبري”.

كاتب صحفي من تشاد.