المتحدثون في ندوة “خلق المعرفة ونشرها في أفريقيا”: تحقيق التنمية في إفريقيا رهين ببناء مجتمعات المعرفة
نظّمت الأفارقة للدراسات والاستشارات يومي 26 و27 أغسطس 2022, أولى ندواتها الحوارية عن بعد بعنوان “خلق المعرفة ونشرها في أفريقيا”, وشارك فيها باحثون في الشؤون الإفريقية من المغرب ونيجيريا ومالي وموريتانيا ومصر وجمهورية إفريقيا الوسطى. وأثنى المشاركون على هذه المبادرة لإيلائها أهمية كبيرة للمعرفة وخلقها ونشرها واعتبارها لبنة أولية وأساسية لتحقيق التنمية والتقدم في القارة الإفريقية.
وتناولت الجلسة محاور وقضايا متعلقة بالتأثير على السياسة الإفريقية بالمعرفة, وعملية إدارة المعرفة للتنمية, ودور الإعلام في خلق مجتمعات المعرفة, والتحديات التي تواجه النشر الأكاديمي والحلول المحتملة لها. كما تطرقت إلى العلاقة بين الفلسفة والتنمية البشرية في السياق الإفريقي وكيف يمكن توجيه الثورات والتحركات المطالبة للتغيير نحو أسس معرفية تلبّي عمليات بناء الدولة والتنمية التي تحتاجها القارة في القرن الحادي والعشرين والعصر الرقمي. بالإضافة إلى إمكانات الصحافة الاستقصائية والبياناتية للمساهمة في الازدهار بإفريقيا.
وفيما يتعلق بخلق مجتمعات المعرفة والتأثير بها على السياسة الإفريقية؛ كشف المتحدثون إلى أن المؤسسات الاستشارية واحدة من الوسائل المؤثرة في عمليات خلق المعرفة إذا كانت هذه المؤسسات متجذرة في القضايا المحلية وخبيرة في المبادرات التي تمس حاجة السكان والمواطنين, مؤكدين على أن الحضارات والمجتمعات المتقدمة على مرّ التاريخ كانت تعتمد على المعرفة والفاعلين في عمليات نشر العلوم الإنسانية. وبالرغم من قلة اهتمام بعض الحكومات الإفريقية الحالية بالمعرفة ووسائلها وأدوات نشرها, إلا أن تاريخ القارة الإفريقية وحضاراتها وممالكها في مناطق مختلفة أكّد على أن إفريقيا تملك تجارب غنية في هذا المجال, والمطلوب اليوم هو دراسة هذه الإنجازات التاريخية ودعم إبداعات الشباب التي قد تحدّ من هجرة العقول الإفريقية, إضافة إلى إيلاء أهمية قصوى للمؤسسات التعليمية ومخرجاتها.
وفيما يتعلق بإدارة المعرفة؛ فهي عملية ضرورية لأنها ترتبط بمجالات كثيرة حساسة ولكونها وسيلة أساسية للإدارة الناجحة. وإدارة المعرفة تجعل المعرفة نفسها مبدأ أوليا من مبادئ نجاح أي حكومة أو أنظمة سياسية, وتضع في المقدمة القدرات المعرفية للأفراد والجامعات والمراكز البحثية التي تسهّل الوصول إلى المعرفة والمشاركة فيها وتوزيعها والمحافظة عليها واسترجاعها.
ويجعل تأثيرُ العولمة وسرعة التقدم التكنولوجي على التجمعات البشرية في القرن الحالي المعرفةَ أساس الهيمنة والنفوذ. ويُظهر جميع المؤشرات أن مظاهر القوة في عالم الغد هو الاهتمام برأس المال البشري واستغلال طاقات وقدرات سكان القارة في عملية التنمية البشرية المستدامة. ومن حيث إدارة المعرفة والتنمية هناك حاجة للانتقال من النظريات والأطروحات إلى الواقع التطبيقي بما يلائم تحديات القارة والتحولات السريعة في جميع المجالات دون إهمال تكنولوجيات البيانات وجمع المعلومات وتصنيفها لتمكين مستخدمي الأنظمة والخدمات المعرفية من الوصول إليها وقت الضرورة. ويمكن تحقيق كل هذا من خلال إجراء مقابلات وحوارات مع أصحاب الخبرات والفاعلين في السياسات التنموية الوطنية والعلوم الإنسانية والوسائل الحديثة التي تنعكس على المجتمعات الإفريقية بشكل إيجابي وتمكّن الدول الإفريقية من المنافسة على مستوى العالم.
وهناك مهام كبيرة على عاتق المؤسسات الإعلامية الإفريقية نظرا لعلاقتها مع عمليات خلق مجتمعات المعرفة في وقتٍ يُغيّب الإعلام العالمي دور الأفارقة في بلورة المعارف العالمية والانفجار المعلوماتي. وأصبح الإعلام الرقمي اليوم يؤدي بعض أدوار الإعلام التقليدي المؤثر في المجتعمات والمراحل الإفريقية المختلفة. وإذا كان دور الإعلام ليس مقتصرا فقط على استخدام الوسائل المختلفة لإبراز التطورات والتجارب التنموية بدول القارة وحضاراتها وتاريخها والدعاية لأسواقها السياحية وغيرها؛ إلا أن العلاقة بين الإعلام ونشر المعرفة علاقة تأثير متبادل يمكن ملاحظتها في المفاهيم المتعلقة بالقيم الإنسانية وبوتقة التواصل والتفاهم والثورة المعلوماتية والابتكارات التكنولوجية التي يغتنمها شباب القارة اليوم في دول مثل نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا ومصر وغيرها لتطوير القطاعات المالية والزراعية والصحية.
وتعدّ عملية البحث العلمي والنشر الأكاديمي من وسائل تطوير المجتمع وتغييرها ومن الأدوات التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة. وعلى هذا تتطلب عملية خلق مجتمعات المعرفة والتأثير بها إيلاء أهمية لمعالجة التحديات التي تواجه النشر الأكاديمي في إفريقيا والاهتمام الحكومي بنتائج المشروعات البحثية وتوصيات المؤتمرات والاجتماعات الدراسية التي قد تسهم في تعزيز التنمية في الدول الإفريقية.
ومن مؤشرات الأزمة في مجال النشر الأكاديمي بإفريقيا أن هناك نقصا ملحوظا لمراكز النشر والتوزيع للأعمال والكتب الأكاديمية والمجلات العلمية داخل إفريقيا, بينما تتجذر مناهج التعليم وطرق التدريس في عدة دول إفريقية من الحقبة الاستعمارية والأفكار التى تقوّي المؤسسات العلمية الغربية وتضعف المؤسسات العلمية الإفريقية التي تعاني بالفعل ضعفا في البنى التحتية اللازمة والموارد الرقمية والتمويل الكافي.
وأشار متحدثو الندوة إلى أن بإمكان الفلسفة الإفريقية مساعدتَنا في فهم المشاكل التي تواجه خلق المعرفة في القارة الأفريقية, وبإمكانها أن تعزز أنماط إنتاج المعرفة التي تحتاجها القارة. ودراسة تاريخ إفريقيا وفلسفتها قد تحدد الموقف الإفريقي تجاه العلم الحديث والقضايا المعاصرة, خاصة وأن المعرفة القائمة على أسس فلسفية إفريقية قد تحوّل المجتمعات الإفريقية العادلة إلى مجتمعات أكثر حرية, وبغمكانها تقديم الإجابات لأهم عوامل عدم المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أظهرت أزمة كوفيد-19 تداعيات عدم وجود بحث علمي مستقل وفعال والافتقار إلى الموارد العلمية والتكنولوجية الكافية وقلة القدرات التصنيعية في الجنوب العالمي بشكل عام وإفريقيا بشكل خاص, إذ كانت النتيجة أن اعتمدت معظم أنظمة الرعاية الصحية الأفريقية على ما يسمى بـ “النوايا الحسنة” من شمال العالم واللقاحات المستوردة.
وأشّرت الاحتجاجات والتحولات السياسية التي شهدتها إفريقيا في السنوات الأخيرة على أن التحركات المطالبة للتغيير لم تكن مبنية على أسس معرفية تلبّي عمليات بناء الدولة التي تحتاجها إفريقيا في القرن الحادي والعشرين. هذا بالرغم من أن 40 من أصل 54 دولة في القارة الأفريقية شهدت بين عامي 2005 و 2014 احتجاجات وانتفاضات شعبية بأشكالها المختلفة على المستويين المحلي والوطني. وتكمن معادلة المعرفة في الأخطاء المتكررة لهذه التحركات المطالبة للغيير في أن هذه الانتفاضات غالبا ما تفاقم الوضع في الدول التي تحدث فيها, كما يمكن رؤية الفجوات المعرفية في الأيديولوجيات والأطراف التي ترفض إحداث التغييرات الاجتماعية والسياسية المنشودة في القارة.
ختاما, أشاد المشاركون بدور الصحافة الاستقصائية والبيانات في تعزيز الازدهار الإفريقي القائم على المعرفة, حيث يجب أن تساهم البيانات والمعلومات الإحصائية في تحقيق الحوكمة الرشيدة وكشف فساد الشركات والمؤسسات والظلم الاجتماعي, إلى جانب تقديم قصص قوية مؤثرة وكشف الحقيقة, وبالتالي تكون البيانات مرآة لتأكيد أو نفي ظاهرة أو قضية معينة ووسيلة لاستكشاف اتجاهها واستشراف المستقبل من خلالها.
الأفارقة للدراسات والاستشارات ستنشر أوراق الندوة ضمن سلسلة كتبها القادمة, ويمكن مشاهدة نقاشاتها وتفاصيل الحوارات على اليوتيوب عبر الروابط التالية:
اليوم الثاني باللغة الانجليزية
أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.