اللغة العربيّة وأهميّتها في نيجيريا

إن المتأمّل في تاريخ نيجيريا الدينيّ والسياسي القديم ليجزم القول إن اللغة العربيّة قد أتى عليها حين من الدهر أخذت فيه من القوّة والارتقاء نصيب الأسد وسيطرت على عقول وثقافات أهلها في جوانب كثيرة في حياتهم دينيّة وسياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة  ومما يدلّ على ذلك ما ثبت في تاريخ نيجيريا المسطور من أنّ اللغة العربيّة قد كانت في زمن من الأزمنة لغةَ المراسلات والمساجلات وخلال العصور الوسطى ساهمت الممالك الأفريقيّة  الإسلاميّة التي سادت في فترة من الزمن في شرقيّ القارة الأفريقيّة وفي غربيّها  مساهمة كبيرة في ترسيخ اللغة العربيّة بين السّكان بل وفي نقل  الحضارة والفكر الإسلامي فكانت في هذه البلدان الأفريقيّة- التي نيجيريا جزء لا يتجزّء منها- لغة دين وتجارة وعلاقة قديمة جدا وسياستها.

ولذلك نجداللغة العربيّة تترك أثرها القويّ في اللغات النيجيريّة المحليّة ولا سيّما لغة الهوسا والفلاني قد استخدمت منذ ذلك التاريخ في كتابة اللغة الفلانيّة  والهؤساوية وغيرهما ولا تزال إلى اليوم . ولعلّي لا أطيل عليكم إذا نقلت –كلاما مطوّلا في بيان حال اللغة العربيّة قبل أن أن يثور المستعمر الأوربي على هذه الأرض ويضرب عليها وعلى حضارتها وتقاليدها بِخَيْلها ورَجِلها وأرادت أن تمحُوَ من تاريخ نيجيريا لغة العربيّة  حضارة وثقافة.

وقد قال الدكتور محمّد عبده يماني- الإعلاميّ السعوديّ السّابق: “ولاشكّ أن المتتبّع لتاريخ انتشار اللغة العربيّة فيما عرف بمملكة “صكت” أو “خلافة صكت” التي عرف فيما بعد بنيجيريا الشماليّة يلاحظ أنّ هناك أدوارًا أساسيّة  لعبها الرِّجال المحليّون وحرصوا فيها على جعل اللغة العربيّة هي اللغة الرسميّة المستعملة حتى أنّ الشّيخ عبد الله فودي شقيق الشيخ عثمان بن فودي قد خاطب هو وأخوه قبائلَ الفلاني جميعَهم وأخذ ينصحهم بتعلّم اللغة العربيّة لأنّها لغة القرآن ولأنّها أفضل اللغات … وكانت اللغة العربيّة كما ذكرنا تتمتّع بمركز مرموق ولهذا عندما دخل المستعمرون الأوربيّون إلى هذه البلاد حاولوا التّقليل من أهميّة اللغة العربيّة  وإحلال اللغة الإنكليزيّة محلّها.. واستخدموها …في الكتابة و الدواوين و المحاكم الشّرعيّة وفي القضاء واستخدمها أئمة المساجد إلى غير ذلك وعندما دخل المستعمرون هذه البلاد بذلوا حهود كبيرة لكي يزيلوا اللغة العربيّة وحاولو كما ذكرنا جعل اللغة الإنكليزيّة هي اللغة الرسميّة للبلاد وكذلك في الدواوين والمكاتب ولم تسلم من ذلك إلا المساجد.

هكذا زعم المؤلّف والصحيح أن المساجد هي الآخر ضحيّة من ضحايا الحرب التي فرضتها الهزيمة النفسيّة التي حلّت بالمسلمين فترى أكثرهم لا يخشى الله حيث يرقى المنبر ويتبجّج بإتقانه الجيّد لللغة الإنكليزيّة ويهجر لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم !!!!! ) فقط وكذلك القضاء..”(1) قال الشيخ آدم عبد الله الإلوري – رحمه الله رحمة واسعة –:” ومن غريب ما ترى العينان وتسمع الأذنان أن يضْحَى الانكليزي والفرنسي بكل نفس ونفيس وينفق كل غال ورخيص لنزع لغات الأمم من ألسنتها وتلقينها الانكليزيّةأو الفرنسيّة حتى تُصبِح هذه اللغة رسميّة في جميع العالم ثم نرى المسلم العربي (قلت: وغير العربي) يعاون الانكليزي أو الفرنسي على قتل العربيّة وانتزاعها من ألسنة العرب والمسلمين وتلقينهم الانكليزيّة أو الفرنسيّة بدلها ” (2) ا.هــ

وقال الدكتور عيسى ألبي أبوبكر –الملقّب بأميرشعراء نيجيريا-:” وفي مطلع القرن العشرين الميلادى الذى ارتفع فيه الأدب في بلاد العرب حتى فاق الإنتاج العلمى والأدبي فيه العصر الأموى والعباسى اللذين يعتبران أزهي العصور الأدبية في البلدان الإسلامية، حاول الاستعمار الإنجليزى أن يعوق المسلمين في نيجيريا عن دراسة اللغة العربية، وعمل جاهدا أن يثنيهم عنها، وذلك بجعل لغته الإنجليزية اللغة الرسمية “وأصبح من يعرفها سيدا مطاعا، فطلع سعدهم وغرُب سعد غيرهم وكسدت تجارته حين ربحت تجارتهم فانساق الناس وراء لغتهم وآدابهم” (3). وهذا الذي نبّه عليه العلامة الألوري وغيره  ليس في العرب فحسب بل هذه الهزيمة النفسيّة عمّت وتفاقمت وربما أخذ العرب منها نصيب الأسد وقد ذكر البرفيسور مرتضى بدماصي  بجامعة لاغوس تجربة له شخصيّة تخبرك مبلغ الهزيمة النفسية بالعرب والمسلمين قال – حفظه الله – :”وقد شاهد كاتب البحث – يعني نفسه- حادثين غريبين في لندن ديسمبر 1991مـ وهو يومئذ في إجازة سبتيّة في لندن , أولا: عقد مؤتمر دولي في جامعة لندن حول تدريس وترجمة اللغة العربية وقد حضر المؤتمر كبار أساتذة اللغة العربية من مختلف أنحاء العالم بما فيها الوطن العربي . والغرابة في الأمر أن الأساتذة العرب في هذا المؤتمر قدّموا أبحاثهم باللغة الانكليزيّة  وقد تم تقديم ورقتين اثنتين فقط باللغة العربية أحدها قدمها أستاذ بريطاني الجنسيّة اسمه توني وهو يدرس اللغة العربيّة في جامعة أميركا بالقاهرة والورقة الثانية قدمها كاتب هذا البحث أي د.مرتضى بدماصي…..”(4).

وعلى كلّ حال وما زالت أمارات التغيّر تبسم شفاها و  وصار الوضع يغيّر وجهه العبوس ويبشّر بخير قادم إن شاء الله . قال الدكتور مرتضى بوصيري في جامعة ولاية لاغوس :” وبعد سنوات قليلة بدأت وضعيّة العربيّة والإسلاميّة تتغيّر شيئا فشيئا بفضل إنشاء مدرسة الشريعة الإسلاميّة بكنو سنة 1934م وبتأسيس المدارس العربية في جنوب نيجيريا مثل مركز التعليم العربي الإسلامي بأغيغي(قلت سنة 1952مـ ) والمدرسة الخراشيّة بإبادن , والمعهد العربي النيجيري بإبادن [سنة 1958مـ ]كلّها بمساعدة العرب التجّار بنيجيريا”(5).

وقال الدكتور عيسى ألبي أبوبكر في جامعة إلورن :” في ظل هذا الموقف العدائى السافر ضد العربية، ظهرت نخبة طيبة من علماء هذه البلاد لحماية اللغة وإنعاشها من جديد, فأسسوا المراكز والمعاهد لتعليم الأجيال اللغة والدين، وألفوا الكتب وخطبوا في المساجد بالعربية الفصيحة جاعلين قضايا الساعة موضوعات خطبهم، والذى أحرز قصب السبق في هذا المضمار الشيخ آدم عبد الله الإلورى.ومن الأسماء اللامعة في تقديم عجلة اللغة العربية إلى الأمام الشيخ محمد ناصر كبرا في كنو، والوزير جنيد بن غطاط في صكتو، والشيخ إبراهيم صالح في ميدغورى صاحب التآليف العديدة، ومن الأكاديميين الدكتور على أبوبكر صاحب كتاب (الثقافة العربية في نيجيريا) في بوشى، والدكتور شيخو سعيد غلادنث صاحب (حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا) والشيخ مصطفى السنوسى صاحب اللسان القوّال والقلم السيّال في لاغوس، وينضم إلى هؤلاء العلماء أساتذة الجامعات والكليات التى فيها أقسام اللغة العربية لما ينشرونه من مقالات ودراسات في مجالات تخصصهم وما يقومون به من جهود للإشراف على البحوث العلمية الجامعية بمراحلها ومستوياتها.”(6).

وقد أدّى كلّ هذا إلى فتح عيون بعض الناّس من جديد للعناية والاهتمام بدراسة العربيّة ليعرفوا أنّ لها مستقبلا نيّرا وكما وجدنا اعتناق غير المسلمين للدّراسات العربيّة والإسلاميّة في نيجيريا وقد سبقهم في ذلك المستشرقون مما يدلّنا على أهميّة اللغة العربيّة وثقافاتها في نيجيريا حتى على غير المسلمين ,الأمر الذي جعلها من اللغات الأجنبيّة المعترف بها على الصعيد الدَّوْلي ومن اللغات الأجنبيّات التي تُدرَس وتُخصَّص في دراستها في كثير من جامعات نيجيريا وبهذا يؤمن معي قارئ هذه  الرسالة بأن اللغة العربيّة ليست لغة دين وعقيدة فحسب, بل هي علاوة على ذلك لغة الثقافة والحضارة والمدنيّة الحديثة .كما أنّه يجب أن ننوّه بذكر الجهود المشكورة التي تبذل –مؤخّرا- في الشبكات الاجتماعية في دفع عجلة هذه اللغة إلى الأمام في نيجيريا فقد حاول طلبة العلوم العربية خاصة في بلاد يوربا على اختلاف مشاربهم وتلوّن تخصصاتهم  أن يحرّكوا سواكن حساباتهم وصفحاتهم على الفيسبوك بما يضحك ويبشر بمستقبل ساطع لهذه اللغة في نيجيريا العملاقة. والجدير بالذكر أنّ اللغة العربيّة على تفاقم هذه العراقيل لابدّ وأن تجد طريقها للبروز لكثرة أهميّـتها في نيجيريا وأن الاستعمار وأفراخها مهما حاولو من تهميشها وتقليل شأنها لا ينجحون وذلك للأمور الآتية :

1- أنّ الحقائق التاريخيّة وغير التاريخيّة في القارة الأفريقيّة بصفة عامة وفي نيجيريا خاصة مسجّلة باللغة العربيّة ,قال البروفيسور حامد الثاني عميد كلية الآداب الأسبق في جامعة ولاية لاغوس النيجيرية :”استخدم بعض قصور بلاد يوربا قبل الاحتلال البريطاني وبعده علماءًا سجّلوا الوقائع المحلية وأجروا المراسلات إما باللغة العربية الصرفة أو لغة يوربا المكتوبة بالحروف العربية.وتوجد أدلة هذه الظاهرة تتمثل في الوثائق والمخطوطات المتوفرة بمركز تقييد المخطوطات العربية التابعة لمهعد الدراسات الإفريقية بجامعة إبادن” (7), وإذا ثبت هذا فالأفريقي لا يستغني حضارةً وثقافةً بل ووجودًا في عالم الأمم عن اللغة العربيّة لأن الأمة بتاريخها “فالأمة التي لا تاريخ لها كالشجرة التي لا جذور لها تموت غدًا إن لم تكن قد ماتت اليوم أو بالأمس القريب أو البعيد “كما يقول محمود شيت خطاب.(8)

2- أنّ عددا من مفردات اللغة الهوساوية واليورباويّة – وهما جزء كبير من حضارة أفريقيا عامة ونيجيريا خاصة- مرتبطة باللغة العربية ارتباط الفرع بالأصل .

3- أن الكتابة العربيّة هي أول كتابة عرفتها الإنسان الأفريقي – والنيحيري بدلالة التضمن- قبل مجيئ المستعمرين.

4- أنّ اللغة العربية مقبولة بلاأدنى شك لدى جمع غفير من الشعب النيجيري والدليل على ذلك هو أن جل سكان هذا الوطن الكبير مسلمون واللغة العربية جزء لا يتجزّء من الإسلام وباللازم من حياتهم التعبدية اليومية ,وهذا يعني أن أكثر من خمسين بالمائة من الشعب النيجيري متكلمون باللغة العربية بطبيعة دينهم (9)

وبهذه الأمور وغيرها يتبيّن أهميّة اللغة العربية في نيجيريا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1-أفريقيا لماذا؟ – الدكتور محمّد عبده يماني ص : 71-74

2-  نظام التعليم العربي وتاريخه في العالم الإسلامي للشيخ آدم الألوري ص 130

3- اللغة العربية وآدابها في نيجيريا آفاق التطور والازدهار , د. عيسى ألبى أبوبكر, قسم اللغة العربية، جامعة إلورن, إلورن نيجيريا ص:2

4-  الدراسات الإسلامية في الجامعات النيحيرية  وقضية العلمنة, مقالة  كتبها الدكتور مرتضى بدماصي في مجلة الحضارة التي تصدرها جامعة ولاية لاغوس العدد السادس 2003مـ ص : 82.

5- انظر مقالة بعنوان “حيويّة اللغة العربيّة ومستقبل دارسيها في البيئة النيجيريّة” للدكتور مرتضى بوصيري في مجلة الحضارة التي تصدرها جامعة ولاية لاغوس, العدد السادس ,يونيو 2003مـ , ص :58

6- اللغة العربية وآدابها في نيجيريا آفاق التطور والازدهار , د. عيسى ألبى أبوبكر, قسم اللغة العربية، جامعة إلورن, إلورن نيجيريا ص:

7- مقالة بعنوان “المدارس الإسلامية ومستقبل دارسي اللغة العربية في نيجيريا” للبرفيسور حامد الثاني ,في بحوث أسبوع الشيخ آدم عبد الله الإلوري الثقافي السنوي,العدد 1 ,السنة 1 , إبريل 2001مـ- محرم 1422هـ ص:110.

8- العسكرية العربية للعسكري لواء الركن محمود شيت خطاب .

9- راجع مقالة بعنوان : نقل الأدب اليورباوي إلى اللغة العربيّة قضايا وآمال, لمشهود محمود جمبا في مجلة الحضارة التي تصدرها جامعة ولاية لاغوس العدد السادس 2003مـ ص:65- 66.

 

مترجم نيجيري وباحث دكتوراه مهتم بقضايا اللغة العربية والدراسات الإسلامية في نيجيريا.