تطورات إفريقيا في عام 2022 وتوقعات عام 2023

الأفارقة للدراسات والاستشارات تُعرِض التطورات المهمة التي أثّرت في القارة في عام 2022 من أجل تقديم التوقعات لعام 2023.

كتبه: عبد الواسع مجيب

المقال متوفر باللغة الانجليزية هنا

على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، كانت التطورات في إفريقيا بجميع تداعياتها مختلطة بين التقلبات والاستقرار؛ كان عام 2022 حافلًا بالنجاحات والاضطرابات السياسية والتوسع والركود الاقتصاديين والتحديات الاجتماعية والقضايا الأمنية. ومن أجل تقديم التوقعات لعام 2023 تُعرِض الأفارقة للدراسات والاستشارات الأحداث المهمة التي أثّرت في القارة في عام 2022.

المشهد السياسي

في عام 2022 تحوّل المشهد الديمقراطي في إفريقيا إلى ممارسة سياسية غامضة؛ إذ مع موجات الانقلابات والانتخابات والعنف الانتخابي بدت القارة وكأنها عالقة في تذبذب الحكم المدني المستقر. وتوفر التطورات في خمسة بلدان – مثل بوركينا فاسو وغينيا بيساو وأنغولا وكينيا والسنغال – نقطة انطلاق مهمة لاستطلاع توجهات القارة السياسية.

ففي بوركينا فاسو؛ هزّ انقلاب عسكري في سبتمبر 2022 والذي أطاح بالرئيس المؤقت “بول هنري سانداوغو داميبا” واستبدله بالنقيب “إبراهيم تراوري” بسبب عدم قدرته المزعومة على التعامل مع التمرد الإرهابي في البلاد. وكان “داميبا” قد وصل إلى السلطة في وقت سابق في انقلاب عسكري في فبراير 2022 – قبل ثمانية أشهر فقط. واعتمادا على تقارير مختلفة كان العامل الرئيسي وراء موجة الانقلاب التي اجتاحت البلاد في عام 2022 عدمَ قدرة القادة على التعامل مع التمرد المسلح.

وقد اكتسبت ظاهرة الانقلاب في غرب إفريقيا مزيدًا من الأهمية بعد محاولة انقلاب في غينيا بيساو في فبراير 2022. وأعلن الرئيس “أومارو سيسوكو إمبالو” لاحقًا أنها انقلاب فاشل بعد ساعات قليلة من محاولته، قائلاً: “لم يكن مجرد انقلاب، إنه محاولة لقتل الرئيس ورئيس الوزراء وكل أعضاء الحكومة، لأن الجيش لم يكن متورطا في ذلك”. وكشفت التقارير عن مقتل نحو 11 عنصرا من قوات الأمن في البلاد في الحادث الذي وُصف بأنه “اعتداء على الديمقراطية”.

وعلى الرغم من أن “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS) – الكتلة الإقليمية الذي يجمع جميع دول غرب إفريقيا – أعادت تأكيد معارضتها الصريحة لأي استيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها بوسائل غير دستورية، إلا أنها لا تغيّر حقيقة أن تغييرات الأنظمة السياسية لهذه البلدان عبر انقلابات ستجذب العنف والتطرف والجريمة عبر الوطنية.

ولم تقتصر الأحداث المرتبطة بالديمقراطية الأفريقية في عام 2022 فقط على انقلاب بوركينا فاسو ومحاولة الانقلاب في غينيا؛ إذ أجرت دول مثل السنغال وكينيا وأنغولا انتخابات بارزة. ففي 31 يوليو 2022 أجرت السنغال انتخاباتها العامة حيث خاض الرئيس الحالي “ماكي سال” صراعًا صعبًا مع مرشح المعارضة، على الرغم من أن الأخير أكد أنه هزم الرئيس في الانتخابات بعد إعلان فوزه. وساهمت الخصومات في أعمال العنف التي اندلعت قبل الانتخابات، والتي قال محللون إنها وضعت البلاد على طريق فقدان سمعتها الديمقراطية. ويعتقد المراقبون أن سعي الرئيس “سال” لولاية ثالثة قد تزيد الاضطرابات.

من ناحية أخرى، أجرت كينيا وأنغولا انتخابات رئاسية في أغسطس 2022؛ وبالنسبة لكينيا كانت منافسة محتدمة بين شخصيتين من كبار السياسيين في البلاد، “رايلا أودينغا” المدعوم من قبل الرئيس السابق “أوهورو كينياتا” و “ويليام روتو” الذي كان نائبا للرئيس “كينياتا”. وشهدت الانتخابات ظهور “روتو” فائزا على “أودينغا” الذي رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية، زعم أن نتائج الانتخابات شابتها مزاعم أنشطة إجرامية واحتيالية ومنع وكلاء حزب “أودينغا” من الوصول إلى مراكز انتخابية مختلفة. ولجأ “أودينغا” إلى القضاء ولكن المحكمة العليا في كينيا أصرت على أن “روتو” كان الفائز الصحيح في الانتخابات.

أما انتخابات أنغولا؛ فقد أُجْرِيت في أغسطس 2022 وكانت خامسة الانتخابات التي تُجرى في البلاد منذ الاستقلال، وأفرزت نتائجها مرة أخرى الرئيس الحالي “جواو لورنسو”، الذي اتُهمت حكومته بالتزوير الانتخابي والتحيز القضائي وقمع وسائل الإعلام المستقلة. وكمثل المعارضة الكينية، استأنفت المعارضة الأنغولية تحدّي فوز “لورنسو”، ولكن الهيئة الانتخابية الأنغولية لم تُعِره أي اعتبارٍ مشيرة إلى أنه تمت الموافقة على نتائج الانتخابات قبل استئنافها. وهذا الانتصار للحزب الحاكم يعني لدى البعض أن حكم الرئيس “جواو لورينسو” المتهم بالاستبداد مستمرٌّ.

الآفاق الاقتصادية

كان لوباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية آثارهما على إفريقيا في عام 2022؛ إذ في حين لا تزال القارة تواجه تداعيات كوفيد-19 بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 مما ترك أثرا بالغا على اقتصادات دول القارة. أو في حدّ تعبير رئيس غانا “نانا أكوفو أدو” : “كل رصاصة وقنبلة وقذيفة تصيب هدفًا في أوكرانيا تضرب جيوبنا واقتصاداتنا في إفريقيا”.

وقد نمَت العديد من الاقتصادات في أفريقيا جنوب الصحراء بوتيرة قياسية قبل الوباء؛ إذ شهدت إثيوبيا ورواندا، على سبيل المثال، بعضًا من أسرع التوسعات في العالم – بمتوسط يزيد عن 7.5 بالمائة سنويًا على مدى العقدين الماضيين. ولكن في أعقاب الوباء كشفت تقارير فقدان حوالي 22 مليون وظيفة ودفع 30 مليون شخص في القارة إلى الفقر المدقّع, وأدى أيضا إلى وقوع بعض البلدان في الركود.

فدولة غانا، على سبيل المثال، تكافح مع أزمة اقتصادية عميقة؛ إذ تعاني من تضخم أغرق البلاد في ركود اقتصادي كامل. ووفقًا للبنك الدولي ارتفع معدل التضخم في البلاد من 13.9 في المئة في يناير إلى 37.2 في المئة في سبتمبر، وقفزت أسعار الديزل والبنزين بنسبة 88.6 في المئة و 128.6 في المئة على التوالي؛ وارتفعت أسعار المياه والكهرباء بنسبة 27.2 في المئة و 21.6 في المئة على التوالي هذا العام. وأسعار المواد الغذائية ليست محصنة حيث ارتفعت بنسبة 122 في المئة. وبعد العديد من المحاولات الفاشلة للعودة إلى المسار الصحيح حصلت البلاد على دعم الإنقاذ من صندوق النقد الدولي (IMF) للمرة السابعة عشرة.

وبالنسبة للبلدان الأخرى، لا يزال النمو والانتعاش يحدثان بمعدلات متفاوتة. ولكن معظم البلدان الغنية بالموارد في القارة – أنغولا ونيجيريا، باستثناء جنوب إفريقيا – شهدت تحسنًا في الأداء الاقتصادي من الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ ارتفع زخم النمو في أنغولا ونيجيريا في عام 2022 بمقدار 2.7 و 0.2 نقطة مئوية على التوالي، وذلك بسبب الزيادات في أسعار النفط والأداء الجيد في القطاع غير النفطي. بينما كان عدم تحسن جنوب إفريقيا يرجع إلى قيودها الهيكلية.

القضايا الاجتماعية والأمنية

تعتبر أفريقيا من أكثر المناطق تأثراً بالآثار الضارة لتغير المناخ، ولا تزال الجهود العالمية للتصدي لها قاصرة. ففي عام 2022 عانت دول مثل نيجيريا والنيجر وتشاد والبلدان المجاورة من الآثار السلبية للمشاكل المناخية في إفريقيا حيث اجتاحت الفيضانات أجزاء كبيرة من البلدان وأدت إلى نزوح أكثر من 1.5 مليون شخص، ودمرت المستوطنات والأراضي الزراعية. وفي حدثت الفيضانات نتيجة لسقوط أمطار فوق المتوسط طوال موسم الأمطار عام 2022، اكتشف الباحثون أن الفيضانات في نيجيريا كانت مدفوعة بفتح سد “لاجدو” في الكاميرون، وهو جزء من نظام إدارة النهر المصمم للعمل جنبًا إلى جنب مع سد جاري البناء في نيجيريا.

ومن الناحية الأمنية؛ وجدت بعض مناطق القارة صعوبات في تأمين حلول مجدية لقضاياها الأمنية؛ إذ في عام 2022 كان الصراع داخل الدول واللصوصية وهجمات الخطف على الطلاب والركاب من أكبر التهديدات الأمنية التي حدثت في إفريقيا. وكشف تقرير صدر في عام 2022 أن 18 دولة على الأقل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعاني من نزاعات مسلحة مستمرة. ودول مثل بوركينا فاسو والكاميرون وإثيوبيا ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا والصومال وجنوب السودان والسودان من الدول الإفريقية التي شهدت نزاعات خطيرة. وتفيد التقارير أن النزاعات في هذه المناطق أدت إلى نزوح أكثر من 9.6 مليون شخص داخليًا وأصبح أكثر من 4.7 مليون شخص لاجئين. ولا تزال بنين وبوروندي وتشاد وكينيا ومدغشقر وأوغندا هي الدول الست الوحيدة التي شهدت نزاعات مسلحة منخفضة الكثافة في عام 2022.

توقعات لعام 2023

من حيث المشاركات السياسية الحيوية والعمليات السياسية التي سيكون لها تأثير عميق على المسارات السياسية لأفريقيا؛ ستتوجّه بعض الدول الكبيرة من حيث تعداد السكان والنفوذ في القارة – مثل نيجيريا وسيراليون وزيمبابوي وليبيريا ومدغشقر – إلى صناديق الاقتراع في عام 2023. وهذه الانتخابات ستساهم في تقرير المسير المستقبلي أو أخذ الخطوة الأولية نحو الحوكمة الرشيدة والتنمية.

ففي نيجيريا؛ حددت أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان يوم 25 فبراير 2023 لانتخاب الخليفة القادم للرئيس الحالى “محمد بخاري” الذي ينتهى عهده في السلطة بعد ثماني سنوات من الحكم. لذا يسعى حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” (All Progressives Congress) الحاكم للاحتفاظ بالسلطة في الانتخابات المقبلة. وقد رشّح الحزب الحاج “بولا أحمد تينوبو” الحاكم السابق لولاية لاغوس، كمرشحه الرئاسي, بينما رشّح “حزب الشعوب الديمقراطي” (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي الحاج “أتيكو أبو بكر”, نائب رئيس الدولة السابق, إلى جانب مرشحي ستة عشر حزبا آخر الذين سيخوضون الانتخابات للتنافس على أعلى منصب في البلاد. ومن التوقع العام أن يكون الرئيس القادم من أحد هذه الأحزاب الثلاثة: حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم, أو “حزب العمل” (Labour Party) المعارض, أو “حزب الشعوب الديمقراطي” المعارض الرئيسي.

وفي سيراليون, سيسعى الرئيس الحالي “جوليوس مادا بيو” للحصول على تفويض جديد في يونيو 2023. كما سيخوض المعارض “نيلسون تشاميسا” البالغ من العمر 44 عامًا الانتخابات العامة في زيمبابوي في 2023 ضد الرئيس الحالي “إيمرسون منانغاغوا” البالغ من العمر 80 عامًا، والذي حكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس “روبرت موغابي” في انقلاب عام 2017. والتوقعات العامة حيال هذه الانتخابات احتمال أن لا تأتي النتائج بجديد سواء من حيث عملية إجراء الانتخابات أو الفائز فيها.

وفي وقت لاحق من عام 2023، ستمنح ليبيريا ومدغشقر الفرصة لناخبيهما لاختيار رئيسيهما؛ إذ في ليبيريا سيحثّ الرئيس “جورج وياه” الناخبين على منحه فترة ولاية ثانية في 10 أكتوبر، لكن الأحزاب السياسية المتعاونة لمعارضته تأمل أيضًا في الاستفادة من سلسلة فضائح الفساد التي اتهموا “وياه” وتراجع شعبيته. وفي مدغشقر ستشهد الانتخابات سعي الرئيس “أندري راجولينا” مرة أخرى لولاية ثانية في انتخابات كان من المتوقع أن تكون تنافسية للغاية.

وبالنظر إلى موسم الانتخابات هذه وتحديات انعدام الأمن المستمرة في إفريقيا؛ يسهل تأجيج الاضطرابات الاجتماعية والأمنية في عام 2023 باستغلال أزمة الإرهاب، أو باستغلال الخاسرين غير الراضين بالنتائج فضلاً عن السخط العام من المؤسسات السياسية والنخب الحاكمة وضعف الخدمات العامة.

ومن ناحية التنافس الدولي على إفريقيا ومع حلول قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي عقدت في أواخر عام 2022؛ ساشهد القارة في عام 2023 المزيد من التحركات الاستراتيجية بين روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا لزيادة تأثيرها على إفريقيا ودولها ومناطقها.

وأخيرا؛ ستستمر الاقتصادات الأفريقية في عام 2023 في مواجهة العواقب الناجمة عن كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية, وخاصة أن مجموعة متنوعة من الصدمات الداخلية والخارجية، بما في ذلك ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكاليف الاقتراض وضعف الطلب في أسواق التصدير الرئيسية, أعاقت الانتعاش الاقتصادي في عام 2022. وهذه الصدمات قد تضعف الآمال الاقتصادية في عام 2023 حتى وإن كان من المتوقع أيضا أن تكشف دول إفريقية مختلفة عن استراتيجياتها الجديدة للتعافي الاقتصادي والتغلب على هذه التحديات.

 

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.