السنغال: ما التحديات التي تواجه خطة “سال” لولاية رئاسية ثالثة في ظل الوضع السياسيّ الحالي؟

إن الدولة الحالية لا ترغب في ترشّح عثمان سونكو نظرًا لخطابه التجديدي في السياسة، وتمسّكه بالراديكاليّة في المعارضة، ومحاولته لإثارة الملفات الساخنة في اقتصاد الدولة وخططها المستقبلية في إنتاج الغاز الطبيعيّ، وهذه الأمور كلها مهددة لرئاسة ماكي سال وأسرته ووزرائه وأعوانه ومناصريه. وبالتالي كان الهدف الأوْلى لديهم إسقاطه من الوهلة الأولى اعتمادا على التجارب السابقة في النزاعات السياسية.

استجدّ الوضع السياسيّ السنغاليّ جراء الملف القضائيّ الجديد الذي يطارد زعيم المعارضة عثمان سونكو، ويتمثّل ذلك في تصريح له بيّن فيه وجود تقرير رسميّ يوضّح سرقة الوزير السابق مام مباي نيانغ أموال الدولة يقدّر بـ 29 مليار فرنك سيفا عن طريق استغلاله مشروع برنامج المناطق الزراعية المجتمعية “Prodac”، وعلى ذلك تم رفع شكوى ضدّه بارتكاب جريمة التشهير؛ وأصبحت القضية تأخذ مسارًا سياسيّا كسابقتها المتمثل في ملف الاغتصاب – وكأنه فرصة جديدة لتأكيد فرضيّة رغبة السلطة الحاكمة في إعاقته للترشّح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024م.

وتبقى القضيّة الأخيرة معقّدة قانونيّا لزعيم المعارضة نظرًا لتصريحاته المثيرة في شأنها، حيثُ أكّد بتوفّر المعلومات الكاملة لديه حول القضيّة واحتفاظه بتقرير عنها، وذكر في تصريح آخر بعد التحقّق معه أنه وجد التقرير في الانترنت؛ ومن هنا يطرح السؤال نفسه عن مدى تأكّد زعيم المعارضة من الخبر الذي وزّعه على الملأ بدون وجود تقارير إدارية رسميّة، الأمر الذي يقود ناقده إلى القول بعدم مصداقيته حتّى في بعض أخبار الفساد التي كان يعلنها سابقًا، أو كانت المعلومات تصل إليه من دون إجراء التحقق عنها.

ومن المنطلق السابق، يأتي التساؤل عن مصدر معلومات عثمان سونكو؟ وإن كان بالفعل يتلقّاها من أنصاره المنخرطين في العمل الإداريّ الوطنيّ فهنالك احتمال إيقاعه في فخّ نشر الأخبار العالقة في مصنع الطهي السياسيّ المستمدّ من الفساد الإداريّ للدولة. وكما يُحمّل جزءا من المسؤوليّة بناء على تصريحاته، فإنه السلطة بالمقابل تُحاول انتهاز واستغلال هذه الفرصة لإقصائه من المنافسة السياسية في السنغال لمنعه من الترشّح في الرئاسيّات القادمة كما فعلتْ سابقًا مع كريم واد وخليفة صال.

هذا, وفي الوقت الذي أظهرت قرائن متعددة على مستوى الإدارة التنفيذية للسلطة بوجود تلاعب ماليّ في مشروع Prodac؛ فقد استند زعيم المعارضة سونكو على فرضيّة رغبة الحكومة السنغالية الحالية في إقصائه مما يوجب عليه مواجهة أفراد الحكومة سياسيّا عبر تعبئة الرأي العام من أجل التجمهر وراءه لدعمه في مشروعه السياسي؛ ونتج عن هذا سلسلة من الانتهاكات التي مورس في حقّه أثناء ذهابه وعودته من المحكمة. وبطبيعة الحال، ورغم الإنجازات المتعددة للسلطة الحاكمة، فإنها قامت بالعديد من الانتهاكات في الشأن العام، بما في ذلك الفساد الإداريّ، والتلاعب بالمال العام وتهديد خزائن الدولة بشراء الذمم السياسية.

واستنادًا إلى هذه المعطيات فإن الدولة الحالية لا ترغب في ترشّح عثمان سونكو نظرًا لخطابه التجديدي في السياسة، وتمسّكه بالراديكاليّة في المعارضة، ومحاولته لإثارة الملفات الساخنة في اقتصاد الدولة وخططها المستقبلية في إنتاج الغاز الطبيعيّ، وهذه الأمور كلها مهددة لرئاسة ماكي سال وأسرته ووزرائه وأعوانه ومناصريه. وبالتالي كان الهدف الأوْلى لديهم إسقاطه من الوهلة الأولى اعتمادا على التجارب السابقة في النزاعات السياسية.

الرئيس “ماكي سال” وأسباب قمعه للمعارضة السياسية

بالإشارة إلى ما سبق ذكره، فإنه بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2019، أراد الرئيس ماكي سال ضبط إيقاع المعارضة في السنغال، ومدّ يده إلى المعارض الأول إدريس سيك الذي انضمّ إليه في حكومته. ويبدو أنّ الرئيس سال استخفّ بوزن عثمان سونكو السياسيّ نظرًا لكونه الرجل الثالث بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وسرعان ما تغيّرت الظروف حتّى أصبح هو المعارض الأول في السنغال نتيجة تعبئته السياسية، وأُسند إليه تجميع رأي المعارضة باسم “ائتلاف يوّي أسكنوي”، حيثُ حاول الائتلاف مناهضة السلطة في الانتخابات البلدية والتشريعية الماضيتين، ومنذ تلك الفترة، ومع اقتراب رئاسيات 2024، تسعى سلطة الدولة إلى النظر في مدى إمكانية الترشّح للولاية الثالثة بعد أن كان الترشّح لها خارج الحسابات استنادًا إلى تصريحات الرئيس سال حولها وما تمّ تدوينه في الدستور من اكتفاء الرئيس بولايتين فقط. وفي خضم البحث حول القراءات الدستورية انبثقت روح المقاومة من المعارضة تنديدًا وتهديدًا، ونتج عن ذلك وجود ملفات قضائية على عاتق زعيم المعارضة عثمان سونكو، الأمر الذي أدّى إلى قيام سلطة الدولة بتحقيق سياسة الترويع مواجهةً للمعارضة في تنديدها للتلاعب القضائيّ من أجل إقصاء المعارضين.

وعليه يمكن إيجاز أسباب قمع المعارضة إلى الآتي:

1- تمهيد الترشّح للولاية الثالثة: تقوم المعارضة على رفض ترشّح رئيس الدولة ماكي سال للولاية الثالثة التي تخالف نصّ الدستور الوطني السنغالي، بينما يحاول الرئيس سال فرض إرادته للترشّح من منطلق التأويلات الدستورية وعدم تعداد الولاية الأولى التي كانت مدتها 7 سنوات. وهذا النزاع بين الجانبين أدى إلى استغلال سلطة الدولة الملفات القضائية لبعض المعارضين لتقليل فرص مشاركتهم – وقد يصل الأمر إلى منع المعارضة من الترشّح.

2- إجراء تحقيقات حول خطط المعارضة: تشهد الساحة السياسية السنغالية بعد أحداث مظاهرات مارس 2023 العديد من الاعتقالات، حيث اعتقل العديد من رؤوس حزب “باستيف” (Patriotes africains du Sénégal pour le travail, l’éthique et la fraternité) الذي يرأسه المعارض عثمان سونكو؛ وذلك كله إجراءات تمهيدية من السلطة للبحث عن حيل المعارضة وخططها التي تعمل عليها في شنّ الحرب ضدّها، ومن ثمّ العمل على إعاقتها واتهامها وإدانتها. وتفيد التحقيقات الأولية بإلصاق تهمة المسّ بأمن الدولة للمعتقلين من حزب “باستيف”؛ وذلك نظرًا لخشونة الخطاب السياسي لديهم، وممارستهم التنديد بشتّى الأشكال.

3- دواعي سياسيّة: تبقى السياسة بما تمثّلها من ظروف ومصالح، تؤدى إلى مساعي الحزب الحاكم لكبح جماح المعارضة أيًا كان نوعها من أجل البقاء في الحكم؛ ولو احتاج ذلك استغلال مؤسسات الدولة في شأن ذلك حراسةً ومراقبةً.

4- ترويع الآمنين وإلهاء الشعب: أن للدولة أدوارا عديدة في العنف المنتشر في مظاهرات الشعب الأخيرة، حيث تُحاول الحكومة جعل الاعتقالات وقمع المعارضة كآلة قانونية لترويع منتقديها والخارجين ضد خططها. وقد يكون إحداث العنف أحيانا من أجل ضبط سيرورة أعمال الدولة وإلهاء المواطنين عن العديد من المطالبات في ظلّ انتشار أمواج المعارضة السياسية. بالإضافة إلى تعجيل الإجازات المدرسية وغيرها تفاديا من إسهام المدرسة في عملية التنديد والاحتجاج.

وتجدر الإشارة إلى أن الاستبداد السياسيّ القمعيّ مقابل الإرهاب السياسي الفكريّ وجهان لعملة واحدة، وحيث يكمّل كل واحد منهما الآخر. ويؤشر الوضع الحالي على ضرورة إعمال العقل في تقدير مواقف ردّات الفعل، والحنكة في تبسيط إجراءات المقاومة, كما أن هناك حاجة للتسلّح بضوابط الحيطة والحذر من أجل الإصلاح السياسي عبر قنوات الحوار حفاظا للسلم والأمن والاستقرار.

التحديات التي تواجه خطة “سال” للفترة الرئاسية الثالثة

بالإضافة إلى النقاط والمعطيات سابقة الذكر، يمكن إجمال أهم التحديات التي تواجه خطة الرئيس ماكي سال للفترة الرئاسية الثالثة في النقطتين التاليتين:

1-التحدّي الدستوريّ: يصعب على الرئيس ماكي سال إقناع الشعب السنغالي بشرعيّة فترة رئاسته للولاية الثالثة؛ وذلك لكونه ناهض سابقا حكومة عبد الله واد حين أرادت الترشّح للولاية الثالثة، وقدم إصلاحات دستورية 2016 للحدّ من فوضى الولاية الثالثة. ومع ذلك، فإن له مساحة دستورية للتأويل بالشرعيّة، وربما يكون المجلس الدستوريّ قادرًا على إخراجه من هذا التحدّي المليء بالمخاطر السياسية والأمنيّة – حتى وإن كان هذا لا يضمن له سهولة المرور في الانتخابات القادمة نظرًا للاعتبارات الأخرى مع تعدد وجوه المعارضة.

2-التحدّي السياسيّ والأمنيّ: تشتهر دولة السنغال بتميزها في التداول السلمي للسلطة والاستقرار الديمقراطي؛ ومع ذلك ستكون رغبة الرئيس سال للترشح للولاية الثالثة اختبارا حقيقيّا عن مدى تمسّكه بمبادئ الديموقراطية وعدم عزمه تهديد النظام السياسي السنغاليّ، الأمر الذي يقود إلى القول بأن ردّات الفعل في هذا الشأن يلزمه العديد من الخطوات الأمنية لمراقبة ممتلكات الدولة واستقرارها دون انتهاك حرمات المواطنين. ويلزم تخطّيه هذا التحدّي تنازله عن خطة الترشّح، أو تضعيفه جبهات المعارضة بشكل يساهم في إسكات العدد الكبير من معارضيه بين مواطني السنغال.

في سياق رئاسيات عام 2024

مما سبق يمكن القول بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في السنغال ستكون استثنائية؛ وذلك بالنظر لما تخفيها الأحداث الجارية من تفسيرات مختلفة. ويمكن قراءة هذه الاستثنائية من جانب ائتلاف المعارضة حيثُ أنه يظهر في مجريات الأحداث تارة بعدم امتلاك معظم قادته الجُرأة اللازمة في مساندة عثمان سونكو – أحد أعضائه الذي يُعدّ زعيم المعارضة الحالي.

ويُستنتج أيضا من ردّات فعل ائتلاف المعارضة -جراء استهداف السلطة حزب “باستيف” – أن التضحية بـ عثمان سونكو قد تكون من أجل توسيع مساحة الفرصة لدى الليبراليين منهم، حيث يظهر في المعطيات القضائية الحالية تجريد عثمان سونكو من الأتباع سواءً على مستوى الحزب أو على مستوى الائتلاف حيث بقي وحيدًا أمام القضاء، ولم يبق له إلاّ جمهوره الذي يتغنّى بهم.

ومن هنا يأتي السؤال عن مدى جاهزية الشعب السنغالي في ظل التخبّط الملحوظ أثناء المظاهرات والتهديد الأمني وتدمير الممتلكات. ويبدو من تصريحات سلطة الدولة أنها عازمة للحد من الفوضى نظرًا للخسائر الكبيرة جراء المظاهرات السابقة. هذا بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة للمدعي العام متهما بعض أنصار حزب باستيف بتدبير خلايا إرهابية للمساس بأمن الدولة وتقويض نظامها، كما خرج عثمان سونكو بعد ذلك بساعات منددا ومنكرا جميع الاتهامات التي تلفظها المدعي في تصريحه، حيث أكّد على ضرورة مواصلة النضال بالمظاهرات يوم 29، 30 مارس و3 أبريل 2023م تنديدا على الأعمال الجائرة التي تقوم بها السلطة من اعتقالات ومضايقات.

ومن التساؤلات الأخرى الطارئة على الساحة: ماذا سيحدث لو أدانت المحكمة عثمان سونكو ومنعته السلطة من الترشّح؟ فهل سيكون أنصاره قادرين على إنجاح ثورته علماً أنه مُنع سابقًا من الترشّح في الانتخابات التشريعية دون مقاومة تُذكر في حينه، أو أن ترشّحه الرئاسيّ هو الحمل الثقيل الذي لا يُسقطه أنصاره عنه ولو بمقابل الاستعدادات العسكرية والسياسية التي تعهدها رئيس البلاد للوصول إلى مآربه.

ومن ناحية أخرى، الرئيس ماكي سال بتصريحاته الأخيرة في إحدى الصحف الفرنسية أبدى اهتماما كبيرًا في المغامرة بالترشّح للولاية الرئاسية الثالثة. ويعيد المحللون السياسيون ذلك إلى المشاريع الكبيرة التي تعهدها سال وخاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الدولية واهتمامه بمواصلة سبر أغوار الغاز الطبيعي من أجل مواصلة المشاريع التنموية في الوقت الذي لم يجد لنفسه بديلاً مناسباً على مستوى حزبه السياسيّ.

ومهما يكن من أمر، فإن مشاركة عثمان سونكو في الانتخابات ستقلل من فرصة الرئيس سال للولاية الثالثة. وإن أُقصيَ سونكو مع مشاركة سال فستكون فرص المعارضة ضئيلة للفوز أو استدراك المنافسة. هذا، إلى جانب التطورات الجديدة التي قد تطرأ في الساحة السياسية في ظل موجة الانشقاقات المتعددة بين الأطراف السياسية.

 

أكاديمي سنغالي متخصص في القانون المقارن وكاتب في الشؤون الإفريقية.