قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023: إقليم الساحل يتصدر التصنيف

يمثل تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023 جهدًا هامًا في رصد تمدد الأنشطة الإرهابية في العالم ولاسيما في إقليم الساحل، كما ان تطور مقارباته في السنوات الأخيرة يوحي بمقبولية أكبر وتفهمًا متزايدًا لخطورة الظواهر الإرهابية في القارة الأفريقية وضرورة الاهتمام العالمي بمواجهتها بسبل متعددة وليست المقاربة الأمنية وحدها كما يتضح من سطور التقرير الذي لم يتجاوز المائة صفحة.    

بات تقرير مؤشر الإرهاب العالمي واحدًا من اهم الأدبيات الدورية التي تتناول ظاهرة الإرهاب بمقاربات معقدة ومتشابكة ومناهج تحليل متنوعة تتجلى في تقديم إحصاءات وتحليلات موجزة تؤشر إلى توسع الظاهرة في مختلف أرجاء العالم. وقد صدر التقرير الأخير([1]) في مارس الفائت ليميز مرور عشرة أعوام على إصدار معهد الاقتصاد والسلام (سيدني) للتقرير الذي يلقى رواجًا كبيرًا ومتصاعدًا في دوائر إعلامية وأكاديمية هامة.

صورة عامة

ضم التقرير، الذي لم يتجاوز حجمه مائة صفحة، أربعة أقسام تلت الملخص التنفيذي والنتائج الرئيسة وتقديم نبذة عن المؤشر بشكل عام بمناسبة مرور عشرة اعوام على صدوره. وكان إقليم الساحل الأفريقي حاضرًا في هذا العرض بالإشارة المهمة إلى الزيادة الحادة في الأنشطة الإرهابية فيه على مدار 15 عامًا بنسبة تفوق 2000%، وتشابك العوامل السياسية مع تصاعد الإرهاب مع ما شهده الإقليم من وقوع ستة محاولات انقلابات عسكرية منذ اعلام 2021 نجحت منها أربعة، مع تصاعد الأزمة الغذائية وسوء حالة مياه الشرب والاستقطاب الإثني والصراع الرعوي وتفاقم التدخل الخارجي في أزمات الإقليم (سوماء من قوى تقليدية مثل فرنسا أو غير تقليدية مثل الصين وروسيا راهنًا). كما لفت العرض إلى تصدر إقليم الساحل بؤر الإرهاب في العالم إذ شهد الإقليم في العام 2022 وفيات من الإرهاب أكثر من الحوادث التي شهدتها أقاليم جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا معًا. وجاءت هذه الخلاصة رغم ما كشفت عنه “النتائج” من تراجع أعداد قتلى الحوادث الإرهابية في العالم في العام 2022 إلى 6701 فرد في تراجع مثل 9% مقارنة بالعام 2021، تراجع أعداد الحوادث بنسبة 28% في الفترة نفسها لتصل إلى 3955 حادثًا (وهو التراجع الذي عاد بالأساس لتراجع الأعمال الإرهابية في أفغانستان والشرق الأوسط).

النتائج

جاء القسم الأول ليعرض “النتائج” التي توصل لها التقرير عن العام 2022، ورصد التقرير تأثر إقليم الساحل أكثر من غيره بالأعمال الإرهابية رغم التحسن النسبي الذي شهدته كل من نيجيريا والنيجر. وقاد هذا التدهور ما شهدته بوركينا فاسو ومالي من زيادات كبيرة في الوفيات جراء الأعمال الإرهابية بنسبتي 50%، و56% ليرتفع عدد الوفيات إلى 1135 و944 على الترتيب. مع ملاحظة اعتلاء بوركينا فاسو قائمة أكثر دول العالم تضررًا بالأعمال الإرهابية حسب مؤشر عدد الوفيات تلتها مالي (حسب الأرقام المذكورة توًا)، ثم الصومال (755) وباكستان (643)، وأفغانستان (633). كما رصدت احصاءات التقرير مسئولية الدول الأفريقية عن النسبة الغالبة من ضحايا الأعمال الإرهابية في العالم أجمع؛ إذ كانت بوركينا فاسو وحدها مسئولة عن 17%، ثم مالي (14%)، والصومال (11%)، ونيجيريا (6%)، والنيجر (3%)، للتجاوز النسبة الإجمالية لأفريقيا في هذا المؤشر 51%.

كما رصد القسم تطورات أنشطة جماعة شباب المجاهدين النشطة في الصومال على الأقل منذ صيف العام 2006. وقدم التقرير عرضا موجزا لأنشطة الجماعة في كينيا والصومال، مع زيادة أعداد ضحاياها في العام 2022 بنسبة 23% وتركز هذه النشطة الإرهابية في العاصمة مقديشو. كما تناول القسم (ضمن عرلاضه لأربعة جماعات رئيسة في العالم) جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تكونت في العام 2017 في إقليم الساحل كتحالف للجماعات السلفية الجهاية المسلحة (وأبرزها جبهة تحرير ماسينا، وأنصار الدين وجماعات تابعة للقاعدة في المغرب الإسلامي). وركز تناول هذه الجماعة على إبراز تكتيكاتها وتطورها في العام 2021-2022.

واختتم القسم بعرض لأكثر عشرة دول تضررًا في العالم من الأنشطة الإرهابية وهي أفغانستان وبوركينا فاسو والصومال ومالي وسوريا وباكستان والعراق ونيجيريا والميانمار والنيجر، لتقتسم قارتا آسيا وأفريقيا القائمة وحدهما.

اتجاهات في الإرهاب

أما القسم الثاني فقد جاء بعنوان “اتجاهات في الإرهاب”، واستعرض التقرير أهم هذه الاتجاهات منذ العام 2007، مع ملاحظة أن أغلب الأعمال الإرهابية في العام 2007-2008 دارت حول بؤرتي العراق وأفغانستان، وأنه بعد أحداث الربيع العربي وظهور “الدولة الإسلامية” حدث تصاعد في الإرهاب في الشرق الأوسط لاسيما في سوريا والعراق، بالتزامن مع تصاعده البارز في نيجيريا. كما شهد إقليم الساحل، بعد ذروة الأعمال الإرهابية في العالم في العام 2015 ومقتل أكثر من 10 آلاف فرد في أعمال إرهابية، زيادة كبيرة في عدد العمليات الإرهابية به كانت الكبر من نوعها في الأعوام الخمسة الأخيرة (2017-2022).

واحتلت بقاع متفرقة في إقليم الساحل (حسب التقرير) أبرز مواقع العمليات الإرهابية في العالم في الفترة 2020-2022 وهي أقصى شمال شرق نيجيريا، والمناطق الحدودية وتخومها بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وركز أغلب القسم على الظواهر الإرهابية في “الغرب” وأبعادها الأيديولوجية من قبيل صعود “اليمين المتطرف”.

واختتم القسم بتناول الاتجاهات الإقليمية في الإرهاب ومؤشراتها في الفترة 2012-2022 ولاحظ أن إقليم “أفريقيا جنوب الصحراء شهد الهجمات الأكثر خطورة، وقتل نحو ثلاثة أفراد في كل هجوم مفرد، كما شهد الإقليم عدد عمليات إرهابية يفوق عدد ضحايا الإرهاب في إقليم آسيا- الباسفيك وأمريكا الوسطى والكاريبي وأوروبا وامريكا الجنوبية وروسيا وأوراسيا مجتمعة في الفترة 2007-2022. واختتم القسم تناوله لاتجاها الإرهاب الإقليمية بتناول لأفريقيا جنوب الصحراء (\44 دولة) وتصنيفها وفق المؤشر حيث احتلت بوركينا فاسو والصومال ومالي ونيجيريا والنيجر والكاميرون وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد وكينيا قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب في الإقليم بدرجة تبدأ من 8.564 في المؤشر (بوركينا فاسو). ولاحظ الجزء التقرير أن جيبوتي شهدت التدهور الكبر في المؤشر في الإقليم في العام 2022 مع ما شهدته من أول حادث إرهابي منذ نحو ثمانية اعوام وقتل خلاله ثمانية جنود في أكتوبر 2022 في قاعدة عسكرية. واتهمت وزارة الدفاع الجيبوتية “جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية” Front for the Restoration of Unity and Democracy (FRUD) بضلوعها في الحادث. كما سجلت بنين وتوجو تدهورًا ملموسًا في المؤشر في العام 2022 بسبب انتشار أنشطة “التطرف الجهادي” من إقليم الساحل المجاور.

10 سنوات من مؤشر الإرهاب العالمي: الإرهاب والسلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2012-2022)

يقدم القسم رؤية شاملة لتطور حالة الإرهاب في الإقليم في العقد الفائت ويلاحظ في افتتاحيته تراجع أثر الإرهاب في الإقليم بشكل ملموس للغاية بعد ذروته في العام 2016 حيث كان الإقليم مسئولًا في هذا العام عن 57% من جميع ضحايا الإرهاب في العالم. وبحلول العام 2022 تراجع الرقم بشكل كبير ووصل إلى نسبة 12%، وتزامنت هذه الحقبة مع صعود وسقوط (تنظيم) “الدولة الإسلامية” وتراجع العمليات الإرهابية وتغير تكتيكاتها. غير أن مؤشر الإرهاب العالمي يلاحظ –إجمالًا- ملاحظة ملفتة وهي أن تراجع الإرهاب في الإقليم منذ العام 2017 لم يكن مرتبطًا بمستوى مشابه من التحسن في السلمية peacefulness إذ ظل الإقليم الأقل سلمًا في العالم وفقًا للمؤشر. وفي العام 2022 كان مستوى السلام في الإقليك أقل من حاله قبل عقد وسجل تراجعًا 5%. ثم تناول التقرير في قسمه الرابع إقليم الساحل منفصلًا في دلالة على أهمية وخطورة ظاهرة الإرهاب في الإقليم إلى جانب الاهمام الغربي التقليدي بالإقليم في ظل التطورات في السياسات الدولية الراهنة

إقليم الساحل الأفريقي: استدامة الإرهاب؟

ركز القسم (الذي يقترب من ثلث حجم التقرير) حصرًا على تناول الإرهاب في إقليم الساحل (والتي صنفها التقرير في 10 دول هي بوركينا فاسو والكاميرون وغامبيا وتشاد وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال)، مؤكدًا في البداية على مواجهته آثار تصاعد عدم الاستقرار السياسي والتوترات الجيوسياسية المتضخمة واستخدام وسائل مكافحة الإرهاب الخشنة لتحجيم التهديد المتصعد من قبل الجماعات “الجهادية السلفية” والقضاء عليها. ولاحظ القسم مواجهة الساحل لتحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية متشابكة، وأن هذه التعقيدات ترجح استدامة الحيلولة دون الشروط اللازمة لتحقيق سلام إيجابي وإخراج الساحل من دائرة العنف والهشاشة.

كما أن عجز حكومات الإقليم عن توفير الأمن الفعال قد شجع الجماعات الإرهابية على مواصلة أنشطتهم عبر السيطرة على الأراضي وجعل الساحل بشكل متزايد أكثر عنفًا. وسعت الجمااعت افرهابية والعصابات الإجرامية لاستغلال الفراغات السوسيو- اقتصادية والسياسية لصالحها. ورغم أن الساحل شهد أعلى زيادة في عدد ضحايا الإرهاب فإن بقية أفريقيا جنوب الصحراء تشهد أيضًا زيادات منتظمة مع ارتفاع عدد ضحايا الإرهاب من 472 في العام 2013 إلى 1159 في العام 2022. وتمثل موزمبيق والصومال أكبر الدول التي شهدت زيادات في النشاط الإرهابي في العام الماضي، إذ تضاعفت اربعة أضعاف في موزمبيق ونحو 96% في الصومال منذ العام 2013.

وفيما يتعلق بسياق الإرهاب في الإقليم يؤكد التقرير أنه يقع في الغالب كتكتيك داخل وضع صراعي، وتستخدمه جماعة تسعى لتحقيق تغيير سياسي. وقد غذت العديد من العوامل الأزمة الجارية في الساحل بما في ذلك لاتغير المناخي وتردي الحوكمة والاستقطاب الإثني وسوء استغلال أجهزة الأمن الحكومية ، والصراع الرعوي ونمو أيديدولوجية الإسلام السلفي العابر للقوميات والصراع على استخراج الموارد الطبيعية (لاسيما الذهب) ووجود فاعلين خارجيين (مثل فرنسا)، وهي عوامل أسهمت جميعها في استمرار ظاهرة الإرهاب في الساحل.

وفيما يتعلق بالاستراتيجيات والتكتيكات الإرهابية لاحظ التقرير مواجهة إقليم الساحل تحديات أمنية من الجماعات الإثنية- القومية، والمنظمات الإرهابية، وجماعات العصابات الإجرامية. وأنه كانت هناك في الماضي فترات من التعاون والتنسيق والسلم بين عدد من المجموعات الإرهابية، واندماج جماعات صغيرة في جماعات إرهابية أكبر حجمًا وانتشارًا. وتشير الدراسات إلى استخدام جماعات مثل نصرة الإسلام (التابعة للقاعدة) النزعة الشعبوية الرعوية لتكوين تحالفات، فيما تستخدم جاماعت أخرى نظامًا أكثر تراتبية. ويجسد النظام الرعوي الشعبوي بشكل رئيس في الفولاني حيث استغلت الجماعات الإرهابية معاناة هذه المجموعات من الفساد والاستغلال والضرائب الباهظة لحشد عناصر من بينها. كما تصاعد نمط إقدام الجماعات الإرهابية على قتل القادة المحليين، وهو نمط آخذ في التصاعد بشكل كبير مستقبلًا. ويمثل استهداف زعماء القبائل والعمد واعضاء المجالس المحلية والقادة الدينيين وسيلة هامة لتحقيق فراغ سلطة في المنطقة التي تسعى الجماعات الإرهابية للسيطرة عليها لاحقا.

خلاصة

يمثل تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023 جهدًا هامًا في رصد تمدد الأنشطة الإرهابية في العالم ولاسيما في إقليم الساحل، كما ان تطور مقارباته في السنوات الأخيرة يوحي بمقبولية أكبر وتفهمًا متزايدًا لخطورة الظواهر الإرهابية في القارة الأفريقية وضرورة الاهتمام العالمي بمواجهتها بسبل متعددة وليست المقاربة الأمنية وحدها كما يتضح من سطور التقرير الذي لم يتجاوز المائة صفحة.

ــــــــ

[1] Global Terrorism Index 2023, Institute of Economics and Peace, March 2023 https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2023/03/GTI-2023-web-270323.pdf

- باحث متخصص في الشئون الأفريقية، ومنسق أبحاث وحدة أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية ببيروت.
- حاصل على دكتوراه الفلسفة في الدراسات الأفريقية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.