من ZWD إلى ZiG: نظرة في محاولة زيمبابوي الأخيرة لتأمين استقرار العملة
لقد تم دعم العملة الجديدة باحتياطيات الذهب من قبل بنك الاحتياطي الزمبابوي، إيمانا بإمكانية السيطرة على التضخم من خلالها و قدرة البلاد على الحصول على عملة مستقرة، بما أن الذهب مورد لا يتوفر منه سوى كمية معينة، فسيكون المعروض منه محدودا، وتحديد سعر صرف ثابت ممكنا. وبالإضافة إلى ذلك، كون الذهب يتمتع بقيمة جوهرية، سوف يساعد العملة في الحفاظ على قيمتها بمرور الوقت.
تكافح زيمبابوي من أجل الحصول على عملة مستقرة القيمة منذ ما يقرب من نصف قرن، غير أن التضخم المفرط يقف كحجرة عثرة أمام كل محاولة تقوم بها الحكومة لإصدار عملة محلية يتم بها إجراء الأنشطة الاقتصادية المحلية. وإن المحاولة الأخيرة التي قام بها بنك الاحتياطي الزيمبابوي (RBZ) بوضع عملة ZiG – وهي عملة مدعومة باحتياطيات الذهب – تعطي بصيص أمل للاقتصاد المتضرر من التضخم المفرط، مع العلم بأن لا يمكن التأكّد من صلاحية هذه العملة الجديدة لتحقيق الاستقرار المنشود إلا بعد معرفة ما سيقتضيه قوانين العرض والطلب.
نظرة موجزة في الجهود السابقة
بعد حصول زيمبابوي على الاستقلال في عام 1980، تم وضع الدولار الزيمبابوي (ZWD) ليحل محل الدولار الروديسي مباشرة. وكانت في البداية خطوة وطنية ممتازة، أن يكون هناك عملة تحمل اسم البلاد دون الاسم الذي فرضه الأسياد المستعمرون. ولكن في غضون سنوات قليلة، بدأت قيمة ZWD تنخفض، وازداد انخفاضها بسبب الفقر والبطالة بحلول نوفمبر 1997. هكذا استمرت قيمتها في الانخفاض والانحطاط، وبحلول يوليو 2006، انخفضت قيمتها السوقية إلى جزء من مليون واحد من الجنيه الإسترليني، وصار الجنيه الاسترليني الواحد يعادل 1,000,000 دولار زيمبابوي. وفي أغسطس 2006، أعاد بنك الاحتياطي الزيمبابوي تسمية ZWD، حيث أطلق عليه اسم ZWN، والذي بلغت قيمته ألف ZWD، ثم في عام 2008 تم وضع ZWR، وفي عام 2009، أصبحت العملة تعرف بـــ ZWL ، فتمت إزاحة العملات الأخرى.
ورغم تلكم المحاولات، لم تستقرّ عملة البلاد بل استمرت في الانخفاض، حتى صارت قيمته تنخفض بشكل يومي. وأصبح الوضع سيئًا للغاية لدرجة أنه تم تداول ورقة نقدية بقيمة 100 تريليون دولار. و سمحت الحكومة أيضا باستخدام العملات الأجنبية مثل الراند الجنوب الأفريقي، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني، والدولار الأسترالي، والبولا البوستواني، والدولار الأمريكي لتساعد في إجراء العمليات التجارية داخل البلاد. وفي نهاية المطاف، تم التخلي عن الدولار الزيمبابوي كعملة معتبرة قانونيا في عام 2009، وتم إلغاء تداوله في عام 2015، وأضمنت مؤسسة حماية الودائع (DPC) دفع أصحاب الحسابات ما يستحقونه، إلى أن تم سداد جميع المستحقين بالكامل في نهاية أبريل 2016.
عملة جديدة في زمبابوي
أصبح مصطلح “العملة الجديدة” عبارة مبتذلة في زيمبابوي، لأنه لم يعد يبدو جديدا لهم، إذ كانوا يسمعونها بين الفينة والأخرى، حيث كانت الحكومة تضع عملة جديدة من حين إلى حين، ولا تكاد تلبث طويلا حتى تبدأ في فقدان قيمتها تدريجيا، وتصبح عديمة القيمة في غضون عام أو عامين. ونتيجة لهذا، فقد الزيمبابويون الثقة في الحكومة. و رغم إصدار بنك الاحتياطي الزيمبابوي (RBZ) للأوراق النقدية، أصبح رجال الأعمال في زيمبابوي يفضلون الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي لإجراء العمليات التجارية، غير أن لاستخدامها حدوده الخاصة حيث يصعب على المبتدئين الحصول عليها، وكذلك لا تنعكس قيمتها في كمية أو نوعية البضائع التي يتم شراؤها. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالتعامل التجاري بالعملات الأجنبية، وهي عدم وجود الصرف، حيث قد يضطر العميل إلى شراء بضائع إضافية لم يخطط لشرائها سابقا بسبب ندرة الصرف.
وفي نوفمبر 2016، اتخذ بنك الاحتياطي الزيمبابوي قفزة أخرى، بأن وضع سندات لتحلّ محل عملة قانونية، لتخفيف النقص النقدي داخل البلاد وتسهيل العمليات التجارية. وكانت هذه السندات مدعومة بقرض بقيمة 200 مليون دولار أمريكي، وهي من فئات 2 دولار و5 دولارات و10 دولارات و20 دولارًا و50 دولارًا و100 دولار، علما بأن هذه السندات لم تكن عملة في حد ذاتها، لكنها عملة قانونية مرتبطة بالدولار الأمريكي. وعلى سبيل المثال، يمكن للزيمبابويّ الذي لديه سندات بقيمة دولارَيْن، شراءُ سلعٍ بقيمة دولارَيْن بمجرد تقديم السندات إلى العميل. وكان هذا مقبولاً عند عامة الشعب، إلى جانب مجموعة من العملات الأجنبية الأخرى.
وفي عام 2019، أصدر بنك الاحتياطي الزيمبابوي دولار التسوية الإجمالية الآنية (RTGS)، المعروف باسم زِيمدولار (ZWL)، وصارت العملة القانونية الوحيدة للتجارة في البلاد، التي يتم بها إجراء العمليات التجارية داخل البلاد. وكانت مصحوبة بعملات معدنية من فئات 1 سنت، و5 سنتات، و10 سنتات، و25 سنتًا، و50 سنتًا، و1 دولار، و2 دولار. ومع هذا التطور، لا تُستخدم هذه العملة الجديدة إلا نادرا بسبب قيمتها المنخفضة، حتى 2 دولار و5 دولارات من ZWL، نادرًا ما يتم استخدامها، بل تُستخدم فئات 10 و20 دولارًا و50 دولارًا و100 دولار فقط في إجراء العمليات التجارية على مستوى الدولة.
ولسوء الحظ، لم يتم تحقيق استقرار قيمة العملة المحلية في البلاد رغم محاولات متعددة. فتم تقنين العملات الأجنبية من جديد بعد أن ألغي استخدامها، ومع عودتها بدأت قيمة دولار RTGS في الانخفاض. فبدأ الزيمبابويون في الاعتماد على عملات أجنبية متعددة في إجراء العمليات التجارية، بعد أن فقدوا الثقة في الحكومة وبنك الاحتياطي الزيمبابوي مرة أخرى. فظل دولار RTGS العملة الرسمية لزيمبابوي مع قيمتها المنخفضة من فبراير 2019 حتى أبريل 2024.
ظهور عملة مدعومة بالذهب
لم يتخلّ بنك الاحتياطي الزيمبابوي عن سعيه لتأمين عملة مستقرة للبلاد، و في محاولة أخيرة لتحقيق ذلك، تم وضع عملة جديدة في 5 أبريل 2024 سمِّيتْ ZiG، والتي تعتبر العملة السادسة لزيمبابوي منذ الاستقلال في عام 1980. وهناك خاصية ما في هذه العملة الجديدة جعلتها أكثر امتيازا من سابقاتها، وهي كونها مدعومة بالذهب.
ولقد تم دعم العملة الجديدة باحتياطيات الذهب من قبل بنك الاحتياطي الزمبابوي، إيمانا بإمكانية السيطرة على التضخم من خلالها و قدرة البلاد على الحصول على عملة مستقرة، بما أن الذهب مورد لا يتوفر منه سوى كمية معينة، فسيكون المعروض منه محدودا، وتحديد سعر صرف ثابت ممكنا. وبالإضافة إلى ذلك، كون الذهب يتمتع بقيمة جوهرية، سوف يساعد العملة في الحفاظ على قيمتها بمرور الوقت.
علاوة على ذلك، لقد أدّت الطباعة المستمرة لمزيد من الأوراق النقدية من قبل الحكومة وبنك الاحتياطي الزيمبابوي، إلى اضمحلال ثقة الزيمبابويين في الحكومة، حيث سبب في تدفق الأوراق النقدية المتداولة، وبالتالي نتج في ارتفاع معدل التضخم المفرط. لكن وجود العملة المدعومة بالذهب سيجعل الحكومة أكثر مسؤولية من الناحية المالية، حيث لا تستطيع الحكومة طباعة المزيد من الأوراق النقدية، وسيتم تقليص الإنفاق المفرط نتيجة لذلك، مما قد يساعد في بناء الثقة في النظام.
تحديات العملة المدعومة بالذهب
توجد تحديات متعددة قد تعوق دون نجاح العملة المدعومة بالذهب، أهمها كون دعم العملة بالذهب أو أي معدن ثمين آخر أمرًا جديرًا بالثناء في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكنه يعتبر الآن قديما لم يعد يستعمل في هذا القرن، إذ يبدو أمراً لا يناسب العصر. ومنها أن استدامة هذه العملة تتعلّق بتحقيق التوازن، حيث يمكن أن يتقلب سعر الذهب في السوق العالمية، فيؤدي انخفاض سعره إلى إضعاف العملة. ومنها أيضا أن اعتماد معيار الذهب لا يمنع الحكومة تلقائياً من التلاعب بالعملة، لأن الحكومة لا تزال مسؤولة عن كمية الذهب المستخدمة لدعم العملة. وإذا لم تتم إدارتها بشكل جيد، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار العملة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لمعيار الذهب تأثيرا محدودا على الاقتصاد الحديث، لأن اقتصادات هذا العصر أصبحت أكثر تعقيدًا، حيث يلعب الائتمان والتجارة الدولية والإنفاق الحكومي دوراً مهماً في استقرار أي عملة وفي مراقبة التضخم، ويذهب إلى ما هو أبعد من مجرد العرض.
سبل المضي قدما
تستخدم معظم الاقتصادات الحديثة نظام العملات الورقية، حيث لا ترتبط قيمة العملة بشكل مباشر بسلعة أو أي معدن ثمين مثل الذهب. ويقوم البنك المركزي بإدارة توفير النقود من خلال أدوات مختلفة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي. فالجنيه الإسترليني مثلا عملة حرة التعويم لا يدعمها أي شيء ولكنه يخضع لقوانين العرض والطلب، في حين أن الدولار الأمريكي مدعوم بقدرة الحكومة على توليد الإيرادات من خلال الضرائب والديون وإجبار الآخرين بشكل رسمي على استخدام الدولار الأمريكي في إجراء العمليات التجارية، إلا أن الوضع في زيمبابوي مختلف، حيث كانت المحاولات لتحقيق استقرار العملة قد باءت بالفشل. وإن عملة ZiG – على الرغم من وجود عيوبها الخاصة – يمثل فرصة أخرى للحكومة لتحقيق الاستقرار في عملتها. إذنن، ليس أمامها خيار آخر سوى المضي قدمًا واستخدام ZiG لتحقيق الأهداف المرجوة، مع ضرورة اتخاذ الخطوات الآتية لتحقيق ذلك.
أولاً، يجب على الحكومة أن تكون يريئة نظيفة، إذ الشفافية والانضباط يبنيان الثقة. ولتنجح عملة ZiG، يجب على الناس أن يثقوا في قدرة الحكومة وانضباطها في استخدام العملة لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار. وبدون الثقة، فسترتفع قيمة العملة وستنخفض مثل أخواتها السابقة، حتى ولو ارتفعت قيمة المعدن المستخدم لدعم العملة.
ثانيًا، منذ أن بدأ توزيع أوراق ZiG من 30 أبريل 2024، كانت تواجه تحديات القبول والاستخدام على نطاق واسع بسبب ما شهدته البلاد من شأن العملة الجديدة في تاريخها حيث تتضاءل قيمتها خلال فترة قصيرة من الزمن. وهذا يتطلب الكثير من الإقناع والتفاني من جانب الحكومة حتى يثق الشعب في طريقة تعامل الحكومة مع العملة الجديدة. ويعتمد استقرار عملة البلاد أيضًا على كيفية إدراك الشعب للعملة. إذا رأوا أنها ذات قيمة واستخدموها في التعاملات التجارية بهذه العقلية، فستصبح ذات قيمة.
ثالثا، يتعين على الحكومة التحكم في إنفاقها والحفاظ على الانضباط المالي. وقد شهدت البلاد قيام الحكومة بطباعة أموال أكثر مما هو ضروري، وأدى الإنفاق المفرط إلى التضخم. ولكي تنجح عملة ZiG، يجب تجنب التلاعب من قبل الحكومة أو بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وفي الختام، إن استقرار العملة يتمّ بعمل مستمر، ويتطلب تكاتف الأيدي حتى تنجح بالفعل. وهذه المحاولة السادسة من زمبابوي للحصول على عملة محلية مستقرة، هي مشروع يمكن تحقيقه بالتفاني والانضباط.
أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.