البنى التحتية الرقمية في غرب أفريقيا بحاجة إلى استثمارت ضخمة
إن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية في غرب أفريقيا مهم للغاية لتطوير الابتكار والنظام البيئي الرقمي، وبناء القدرات والمهارات الرقمية، وإنشاء البيانات والحوكمة الرقمية، والتحول الرقمي الشامل، وتعزيز الاقتصاد الرقمي الذي يعد عامل تمكين لمختلف فئات الدخل في جميع أنحاء المنطقة.
إعداد: أويباميجي أديسوجي – باحث لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات
نقله إلى العربية (بتصرّف): أحمد عبد الرحيم البدوي
النسخة الانجليزية من المقال متوفرة هنا
تلعب البنى التحتية الرقمية في أي مجتمع معلوماتي واقتصاد رقمي دورا بالغ الأهمية, حيث يمكن لتطوير البنية التحتية، وتنمية القوى البشرية العاملة، والسياسات الاقتصادية، والجودة المؤسسية، أن توفر منصةً قابلة لازدهار الاقتصاد الرقمي. وقد أثبت خبراء التنمية أن البنية التحتية الرقمية العامة، مثل نُظم التعريف الرقمي، ونظم الدفع الرقمية، والنظم البيئية الموثوقة للبيانات، تدعم المعاملات والاتصالات الرقمية، وتُمَكِّن الأفراد والكيانات في القطاعين العام والخاص من إيجاد حلول أخرى والبناء عليها. ولذلك، يعد التكامل السلس بين هذه النظم أمرًا ضروريًا لإطلاق منتجات وخدمات أكثر تقدمًا.
وقد أصبح من بين الأجندات المهمة أيضا ضمان وجود بنية تحتية مرنة وآمنة لاستضافة البيانات, وتطوير أحكام حماية البيانات والأمن السيبراني, وخاصة أن القارة الإفريقية تشهد تطورا هائلا في اختراق سوق الأجهزة الرقمية المحمولة، حيث تمثل الأجهزة المحمولة إحدى التقنيات العديدة التي تعمل على دفع تقدم أفريقيا نحو المستقبل الرقمي بشكل سريع. وقد كشفت الدراسات التي أجراها الاتحاد الدولي للاتصالات أن “الدول النامية” مثلت %67 من اشتراكات الهاتف المحمول في العالم بحلول نهاية عام 2006، مع توقعات إيجابية بشأن إمكانات النمو المستقبلية. كما كشفت دراسة أخرى أجراها الاتحاد العالمي للاتصالات المتنقلة (GSMA) أنه عند حلول نهاية عام 2020، كان %46 من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (حوالي 495 مليون شخص)، قد اشتركوا في خدمات الهاتف المحمول.
وتعتبر نيجيريا، الواقعة في غرب أفريقيا، سوقًا واسعًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا، حيث تضم %82 من مشتركي الاتصالات ونسبة %29 من حيث استخدام الإنترنت، حسبما أشارت جمعية هيئات تنظيم الاتصالات في غرب أفريقيا (West Africa Telecommunications Regulators Assembly = WATRA)، والتي ذكرت أيضًا أن المساهمة المقدّرة لصناعة الهاتف المحمول في الناتج المحلي الإجمالي لغرب إفريقيا تبلغ 70 بليون دولار, ببينما أوضح التقرير الذكائي للهواتف المحمولة لعام 2019 لغرب أفريقيا، من قِبَل الاتحاد العالمي للاتصالات المتنقلة (GSMA)، أن النظام البيئي للهاتف المحمول يوظف مائتي شخص بشكل مباشر. إضافة إلى أن القطاع يوظف ثمانمائة ألف وظيفة في القطاع غير الرسمي، وستمائة ألف في الاقتصادات الأخرى. ويتوقع الاتحاد أن يصل عدد مشتركي الهاتف المحمول في غرب إفريقيا إلى 248 مليونًا مع 442 مليون اتصالٍ عبروحدة تعريف المشترك (شريحة SIM)، وأن يصل مبلغ إيرادات واستثمارات العاملين في القطاع 18 مليون دولار أمريكي في عام 2025. ومن أكبر العوائق التي تحول دون استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول, من وجهة نظر المستهلكين؛ القدرة على تحمل التكاليف، وانخفاض مستويات معرفة القراءة والكتابة والمهارات الرقمية، والافتقار إلى الملاءمة أو عدم وجود الصلة، والمخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن.
الحلقة المفقودة
تؤدي البنية التحتية الرقمية غير الكافية في هذا العصر إلى تعزيز عدم المساواة والفقر بين مواطني العالم. وفي قارة أفريقيا يعد اقتصاد الإنترنت واحدًا من أكبر الفرص الاستثمارية المتاحة التي يتم التغاضي عنها، مع إمكانيته إضافةَ 180 مليار دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي للقارة بحلول عام 2025، حسبما جاء في تقرير مؤسسة التمويل الدولية (International Finance Corporation) وتقرير غوغل لاقتصاد أفريقيا عام 2020. ويقول محلّلون أن توسيع شبكات الهاتف المحمول، و زيادة روابط الألياف وتحسينها، و بناء سعة مركز البيانات، يُعدّ من أعظم فرص الاستثمار في البنية التحتية الرقمية في إفريقيا.
وتوفر هذه القطاعات الفرعية المحددة إمكانات كبيرة للنمو, كما أنها ضرورية لتعزيز الاتصال وتخزين البيانات وقدرات المعالجة في القارة. وفي غضون ذلك، قامت البلدان الأفريقية بمدّ أكثر من 1.389 مليون كيلومتر من أسلاك الألياف الأرضية، وقد تم تشغيل ما يقرب من 936,000 كيلومتر منها في عام 2018. بل إن مشروع “2Africa cable system“ – الذي هو أكبر مشروع تحت سطح البحر، والذي سيطوف القارة الأفريقية بأكملها بطول 23.000 متر كابل بحري عالي السرعة بطول ميل – كان من المتوقع أن يشمل 21 عملية إنزال في 16 دولة أفريقية، فيضيف سعة الإنترنت في القارة، بمجرد اكتماله في عام 2024.
وقد تحسنت القدرة على الشراء – التي تقاس بسعر 1 جيجا بايت للهاتف المحمول – بشكل ملحوظ من 10.5% من الدخل القومي الإجمالي الشهري للفرد عام 2019 إلى %5 عام 2021، خاصة في بنين (من %21 إلى %3.2) والصومال (من %18.1 إلى %1.7). و في 14 مارس 2023، تم الإبلاغ عن انقطاع خدمة الإنترنت على نطاق واسع في نيجيريا وغانا والسنغال وساحل العاج (كوت ديفوار)، مما أدى إلى صعوبة الوصول إلى العديد من المنصات الإلكترونية وتعطّل العمليات المصرفية على الإنترنت. وعلى الرغم من كون بعض الصعوبات قد اختفت بعد حادثة انقطاع خدمة الانترنت بأيام؛ إلا أن الجدول الزمني الذي استغرق أسابيع لإصلاح المشكلة أشّر على جسامة المشكلة وواقع الوصول إلى الإنترنت في القارة, وخاصة أن الكابلات المتأثرة هي تلك الخاصة بنظام كابلات غرب أفريقيا (West Africa Cable System)، وكابل ساحل أفريقيا إلى أوروبا (Africa Coast to Europe)، و MainOne، و SAT3.
وفي حين أن حل مشاكل انقطاع خدمة الإنترنت, مثل تلك الأخيرة, ليس أمرا مستحيلا، وأنها هي مسألة وقت فقط؛ إلا أن المحللين أثاروا مخاوف بشأن الفجوة في النظام البيئي للبنية التحتية الرقمية، وخاصة قلة المنافسة بين مقدّمي الخدمات العاملين داخل المنطقة. بينما المستثمرون يواجهون في معظم الأوقات تحديات بسبب السياسات والإصلاحات الحكومية في غرب إفريقيا، حيث تخضع قطاعات الاتصالات في بعض البلدان لسيطرة السلطات فقط. وإلى الآن، ما زالت أصول البنية التحتية الرقمية تتطلب نفقات رأسمالية أكبر، ومن المرجح أن تتزايد الحاجة إلى حلول تمويل أكثر تنظيماً. وقد تشجع التكاليف المرتفعة لبناء مراكز البيانات الضخمة وتشغيلها، التحولاتِ نحو مصادر تمويل بديلة تعمل على استخدام رأس المال بشكل أكثر كفاءة.
تمهيد الطريق
تشهد أسواق الهاتف المحمول تطوراً سريعاً في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد تم القيام باستثمارات ضخمة في مجال الاتصال الدولي، والعمود الفقري الوطني، وشبكات التواصل. ومع ذلك، لا يزال اعتماد التقنيات الرقمية من قبل الأسر والشركات والحكومات في المنطقة، متخلفًا عن مناطق أخرى في العالم، لوجود اختلاف رقمي كبير بين المناطق الحضرية والريفية، والجندر، وحجم الشركة. ويواجه الإقبال على التكنولوجيات الرقمية، أيضا عدة عوائق بسبب محدودية الاتصال بالإنترنت، وغلاء السعر، وفقدان الجودة العالية، مع عدم توفر الخدمات الرقمية الكافية على نطاق واسع لجذب الطلب للتكنولوجيات الرقمية، إلى جانب انخفاض مستويات المعرفة الرقمية.
ومن أجل سد هذه الفجوة، ستتطلب استثمارات البنية التحتية الرقمية 250 ألف محطة قاعدة جديدة لــ 4G، وما لا يقل عن 250 ألف كيلومتر من الألياف في أفريقيا، وفق ما يقوله الخبراء. ومع الانتقال إلى شبكات 5G، فإن الحاجة المتزايدة لتخزين البيانات ستضيف فقط إلى هذه المطالب. وفي المناطق النائية والريفية، هناك حاجة ماسة إلى استثمارات لتوسيع خدمة الواي-فاي ونشر الأقمار الصناعية، للوصول إلى 100 مليون شخص.
ومؤقتا، هناك حاجة ملحة للتركيز بشكل خاص على البنية التحتية الرقمية في أفريقيا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التأثير التنموي. وقد أظهر البنك الدولي وجود علاقة مباشرة بين الاقتصاد الرقمي ومستويات التنمية.
وبما أن الخبراء قد أثبتوا أن هناك مجالات مختلفة تحتاج إلى سياسات، من ضمنها البنية التحتية الرقمية للاتصال، ونماذج الأعمال الرقمية، والخدمات المالية الرقمية، لتوفير الخدمات الرقمية المناسبة عبر القطاعات الاقتصادية، والمنصات الرقمية العامة وخدمات الحكومة الإلكترونية لتهيئة بيئة مواتية للأعمال التجارية وجذب الطلب للتكنولوجيات الرقمية، والمهارات الرقمية، والشمول بين الجنسين، والقدرة على معالجة فجوات المعرفة الرقمية؛ يتعين على واضعي السياسات في غرب أفريقيا أن يقوموا بتصميم وتنفيذ السياسات الكفيلة بتعزيز الاستثمار الكبير في البنى التحتية الرقمية ورأس المال البشري، وتوفير إطار سياسي مستقر ويمكن التنبؤ به.
وقد نصح الخبراء أيضا دول غرب إفريقيا, مثل السنغال, بتنفيذ الإصلاحات التي من شأنها تعزيز المنافسة وتحسين إدارة أصول الاتصالات العامة، كما نصح دولة توغو أن تقوم بخصخصة مشغل الاتصالات المملوك للدولة، وأن تفتح البلدان المتضررة الأخرى أسواق الجملة والتجزئة على الإنترنت للمنافسة، مما يسمح بزيادة مشاركة القطاع الخاص واستثماراته في قطاع الاتصالات.
ولذلك، ستؤدي زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية في منطقة غرب أفريقيا إلى سد الفجوة الرقمية، مما يجعل خدمات الإنترنت في المنطقة أقل تكلفة، ويعزز المنافسة بين مقدمي الخدمات، ويحسن البنية التحتية الأساسية لفتح فرص جديدة.
أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.