منتدى التعاون الصيني – الأفريقي 2024: عصر جديد للشراكة الصينية الأفريقية.

لقد نجحت دول العالم الثالث، مثل الصين والدول الإفريقية، في تحقيق الاستقلال والتنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وظلت تسعى إلى تصحيح المظالم التاريخية لإجراءات التحديث. وكانت الصين حكومةً وشعبًا تواصل في مدِّ يدِ العون للدول النامية، والدول الأقل نموا، والاقتصاداتِ منخفضةِ الدَّخل في أفريقيا، حيث تقدم عددا كبيرا من القروض الميسرة منخفضة الفائدة والاستثمارات، لتحديث البنية التحتية لدول أفريقيا. ولقد حدث سابقا أن أزالت الصين عن 27 دولة إفريقية أقل نموا، السعرَ الجمركي على 98% من المواد المستوردة من تلك الدول، كما وقعت اتفاقيات ثنائية للحثّ على الاستثمار وحمايتها مع 34 دولة إفريقية، فضلا عن اتفاقيات التجنب المزدوج مع 21 دولة إفريقية، في حين بلغت واردات الصين من السلع الأفريقية 60.1 بليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، بزيادة نسبة 14% على أساس سنوي.

وبالإضافة إلى ذلك، لقد شهدت القارة الأفريقية ارتفاعًا سريعا في الاستثمار الصيني المباشر، حيث تجاوز رصيد الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 40 بليون دولار في نهاية عام 2023. ولقد أشار وزير الدولة الإثيوبي السابق للصناعة والتجارة، تيكا جيبريسوس إنتيهابو – في مقابلة مع صحيفة جلوبال تايمز – إلى أن التعاون بين الصين وأفريقيا مركَّز على إنجاز مشاريع البنى التحتية، وهو أمر بالغ الأهمية للتنمية. وتؤكد الصين على أن بناء البنى التحتية أمر ضروري لتحقيق النمو والتقدم. ويقول آلان خان، المدير الأول لشؤون الشركات في جامعة ديربان للتكنولوجيا، في ديربان بجنوب أفريقيا، ما نصّه: “بينما تكثّف البلدان الأفريقية جهودها لتعزيز التجارة البينية الأفريقية، هناك حاجة إلى بناء بنى تحتية عالية الجودة، مثل الطرق والسكك الحديدية، لضمان سلامة نقل البضائع ودعم التجارة في القارة”.

منتدى التعاون الصيني- الأفريقي (FOCAC)

يعد منتدى التعاون الصيني الأفريقي FOCAC المنصة الأكثر شمولا لتعزيز العلاقات الصينية الأفريقية. ويهدف منذ إنشائه في عام 2000 إلى تسهيل الحوار الجماعي والتعاون العملي بين الصين وأفريقيا. ومن الأمور المركزية في عمليات هذا المنتدى، المؤتمرات الوزارية واجتماعات القمة التي تعقد كل ثلاث سنوات، والتي تستضيفها الصين والدول الأفريقية بالتناوب. وتكون هذه التجمعات منصات للمناقشات رفيعة المستوى، وتنسيق السياسات، وتصميم أُطر التعاون. ومن الجدير بالذكر أن المنتدى يؤكد على التعاون العملي من خلال مبادرات مثل صندوق التنمية الصيني الأفريقي، وصندوق التعاون الصيني الأفريقي في مجال القدرات الصناعية، ومبادرة “الحزام والطريق”، بهدف تسهيل تطوير البنية التحتية، والتصنيع، والنمو المستدام في جميع أنحاء أفريقيا. ومن خلال الجهود المشتركة في إطار المنتدى، ومعرض الصين الدولي للاستيراد، والمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي، حققت الصين وأفريقيا تقدما مستمرا وقويا في مجالات الصناعة والزراعة والصحة، ما يجسد المرونة والحيوية الفريدة للدول الأفريقية في علاقاتها مع الصين.

ومع ذلك، فقد أثارت ارتباطات الصين في أفريقيا انتقادات في السنوات الأخيرة بسبب عبء ديون أفريقيا الزائد، حيث تضاعفت القروض الصينية في أفريقيا بخمسة أضعاف ليصل إلى 696 بليون دولار بين عام 2000 – عندما تم إنشاء المنتدى- وعام 2020، وتمثل القروض الصينية الآن 12% من مجموع الديون العامة والخاصة في أفريقيا، ما يجعل الصين لاعبا رئيسيا في النقاش حول قدرة أفريقيا على تحمل الديون، والاقتراض المناسب، غير أن الصين لا تميل إلى قبول إعفاء الديون أو إلغائها، كما اكتشفت البلدان المثقلة بالديون مثل أنجولا، وإثيوبيا، وكينيا، وزامبيا. و  أشار مركز سياسات التنمية العالمية، التابع لجامعة بوسطن، إلى أن الإقراض الصيني انخفض من ذروته البالغة حوالي 28 بليون دولار في عام 2016 إلى حوالي 1 بليون دولار في عام 2022 و 4.6 بليون دولار في عام 2023. و وفقا لبي بي سي أفريقيا، تسعى دولة كينيا للحصول على تمويل لمشاريع البنى التحتية المتعددة، بما فيها استكمال مشروع خط السكك الحديدية القياسي العابر للحدود الوطنية إلى أوغندا، والذي أوقفته الصين في عام 2020. ويأتي هذا على الرغم من ديونها الضخمة للصين، والتي أثارت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وهناك مصدر قلق آخر من دول أخرى، مثل جنوب أفريقيا، وذلك كون الميزان التجاري بين الصين وأفريقيا يميل لصالح الصين أكثر.

محتوى منتدى التعاون الصيني- الأفريقي 2024

لقد تم عقد قمة المنتدى السابقة افتراضيا في بكين و داكار بالسنغال في عام 2021، بسبب الإجراءات الاحترازية المفروضة بسبب فيروس كورونا. وتم التعهد فيها بمواصلة التعاون الاقتصادي والسياسي. وفي الوقت الحالي، يضم منتدى التعاون الصيني الأفريقي 53 دولة أفريقية كأعضاء فيه – وهي القارة بأكملها باستثناء إيسواتيني، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع تايوان ضد سياسة “صين واحدة” التي تنتهجها بكين – وكذلك تحظى مفوضية الاتحاد الأفريقي بالعضوية في المنتدى – وهي الكتلة القارية المكلفة بضمان التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء -. ولقد انعقدت القمة لهذا العام  في بكين، في فترة ما بين 4 سبتمبر إلى 6 سبتمبر 2024، وأجري من خلالها المؤتمر الوزاري التاسع لمنتدى FOCAC. وتعد هذه القمة أكبر حدث دبلوماسي استضافته الصين في السنوات الأخيرة، حيث حضرها رئيس الاتحاد الأفريقي، و رؤساء دول من الصين ومن 53 دولة أفريقية ، و وفود الحكومات، و وزراءها للخارجية والتعاون الاقتصادي. وحملت القمة عنوان “تضافر الجهود لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني- أفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك”. وتمت معالجة مسائل مهمة في القمة، منها نظام الحكم، والتصنيع، والتطوير الزراعي، وتحسين التعاون في تمويل البنية التحتية في الصين عبر مبادرة “الحزام والطريق”. ويأتي اجتماع هذا العام في الوقت الذي تبدو فيه علاقات الصين الطويلة الأمد مع إفريقيا أكثر أهمية بالنسبة لبكين، وسط تصاعد الاحتكاكات مع واشنطن، كما تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على تكثيف جهودهما الخاصة لجعل أفريقيا شريكة لها، والوصول إلى معادنها الحيوية. وهذا ما يعتبره بعض المحللين محاولةً لمواجهة التقدم الذي حققته الصين على الصعيد السياسي، وفي قطاع الموارد في القارة السمراء. ولا ينظرون إلى الصين على أنها السبب الرئيسي لضائقة الديون الأفريقية في معظم الحالات، حيث تدين البلدان الأفريقية أيضًا بمبالغ ضخمة للبنوك المتعددة الأطراف والمقرضين من القطاع الخاص. لكن قروضها الضخمة أدت إلى زيادة أعباء الديون، وتعرضت بكين لانتقادات لعدم التحرك بسرعة كافية أو المرونة في مساعدة البلدان المتعثرة أو المعرضة للخطر.

وقد لخص المحللون محتوى القمة في أربع نتائج رئيسية :

فالأولى، دخول الصين في شراكات استراتيجية مع جميع الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، حيث قامت الصين بإنشاء أو رفع شراكاتها الاستراتيجية مع إجمالي 30 دولة خلال القمة.

والثانية، الارتقاء بالعلاقات العامة بين الصين وأفريقيا إلى مستوى مجتمع صالح لكل الأحوال و ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد. وبفضل ما يقرب من 70 عاما من الجهود المتضافرة، أصبحت العلاقات الصينية الأفريقية الآن في أفضل حالاتها في التاريخ.

والثالثة، صياغة اقتراح من ست نقاط بشأن الجهود المشتركة بين الصين وأفريقيا لدعم التطوير والتقدم، حيث أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أنه يتعين على الصين وأفريقيا تعزيز التقدم العادل والمنصف، والمنفتح والمربح للجانبـين، والذي يضع الشعب في المقام الأول، و يتميز بالتنوع والشمول، والملاءمة للبيئة، و يدعمه السلام والأمن. وقد حظي هذا الاقتراح بقبول واسع النطاق بين الزعماء الأفارقة، وأصبح محل إجماع سياسي بين الصين وأفريقيا.

والرابعة، وضع مخطط للتعاون بين الصين وأفريقيا للمضيّ قدما، حيث قام الجانبان بتبني “خطة عمل بكين” لتعزيز التعاون الصيني الأفريقي في السنوات الثلاث المقبلة. وأعلن الرئيس الصيني، عن عشرة إجراءات شراكةٍ جديدة تعزم الصين على اتخاذها مع أفريقيا لدعم التقدم في السنوات الثلاث المقبلة، و ستغطي مجالات التعلم المتبادل بين الحضارات، والازدهار التجاري، والتعاون في السلسلة الصناعية، والاتصال، والتعاون التنموي، والصحة، و الزراعة، و سبل العيش، والتبادلات الشعبية، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك.

التوقعات المستقبلية

في الوقت الحالي، تعد أفريقيا المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم من حيث النمو الاقتصادي والسكاني. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للقارة كما أصبحت أكبر مصدر للاستثمارات والقروض للعديد من البلدان الأفريقية. وبالنسبة لقمة هذا العام، يقول الخبراء أنها لا تعكس فقط الترحيب الصادق الذي قدمته الدول الأفريقية وشعوبها لمساعدات الصين في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا وتحسين سبل المعيشة على مر السنين، بل يسلط الضوء أيضًا على الجاذبية القوية للتطوير الصيني في دول الجنوب في العالم، بما في ذلك الغالبية العظمى من الدول الأفريقية. ومع ذلك، لا ينبغي لتقدم أي بلد أن يكون نسخة بسيطة من نماذج البلدان الأخرى؛ بل ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الجوانب المحلية الفريدة لكل بلد.

وعلى الرغم من أن أفريقيا استفادت من منتدى التعاون الصيني الأفريقي، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من المشاركة الاستباقية، إذ الارتباطات الأفريقية غالبا ما تكون مخصصة لغرض معين وسيئة التنظيم، الأمر الذي يضع القارة في وضع غير مؤاتٍ بشكل واضح. و يتعين على البلدان الأفريقية أن تصبح أكثر استراتيجية، وأن تضم الأصوات غير الحكومية، وأن تضع في اعتبارها مخاطر الاقتراض غير المقيد وغير الخاضع للمساءلة والمحاسبة، من خلال ترسيخ المزيد من الشفافية في اتفاقيات  FOCAC، وأن تضمن وضع المصالح الوطنية قبل المصالح الشخصية من قبل الممثلين الأفارقة. و هناك حاجة أيضًا إلى آليات مراقبة مستقلة ومعززة بين قمم منتدى التعاون الصيني الأفريقي لتقييم الالتزامات، و تحديد المشاكل ومجالات التحسين، وضمان وصول الفوائد إلى المواطنين العاديين، الذين يطالبون – بحق- بقدر أكبر من إبداء الرأي والمساءلة في طريقة تعامل حكوماتهم مع الشركاء الأجانب. وفي المقام الأول من الأهمية، يجب على الحكومات الأفريقية أن تدرك أن الصين، أو أي جهة فاعلة أخرى، غير قادرة على تنمية أفريقيا، و أن أفريقيا سوف تتطور بعرقها وجهدها، وبالتالي تجب إدارة العلاقات مع الشركاء الخارجيين بهذا الفهم.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.