
أزمة ديون إثيوبيا وقرض صندوق النقد الدولي: فصل جديد لأديس أبابا؟
تواجه إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، عدة تحديات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، حيث قد تدمرت البلاد بسبب الصراعات المسلّحة، وجائحة كوفيد-19، والصدمات المناخية الشديدة. وقد تسببت هذه الأزمات المتراكمة في خسائر فادحة في اقتصاد البلاد، حيث تركتها تحت عبء ديون كبير قدره 28 بليون دولار، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام. ثم ازداد طين البلاد بلة لكونها تتصارع مع معدل مرتفع للتضخم، حيث ارتفع إلى نحو 20%. وقد أدى ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للإثيوبيين، الأمر الذي جعل تحمل تكاليف الضروريات مثل الغذاء والدواء صعبا عليهم. ثم أدى النقص في احتياطيات العملات الأجنبية إلى تفاقم الأزمة، ما جعل استيراد السلع والخدمات الأساسية أمرا شاقا مكلّفا على البلاد.
وبالرغم من هذه التحديات الرهيبة، تعلق حكومة رئيس إثيوبيا آمالها على حزمة الإنقاذ المالي من المقرضين الدوليين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي. وبعد أشهر من المفاوضات المكثفة بين إثيوبيا وصندوق النقد الدولي، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على اتفاقية قرض بقيمة 3.4 بليون دولار، لمدة أربع سنوات، في يوم الاثنين، 29 يوليو 2024. وجاء في تصريح المجلس ما نصه: “وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على ترتيب تسهيل ائتماني ممتد بقيمة 2.556 بليون من مخصصات حقوق السحب الخاصة (حوالي 3.4 بليون دولار أمريكي) لإثيوبيا. و سيمكن هذا القرار من صرف فوري يعادل 766.75 مليون ن مخصصات حقوق السحب الخاصة (حوالي بليون دولار أمريكي). وستدعم حزمة التمويل التي تمتد لأربع سنوات خطط السلطات للإصلاح الاقتصادي المحلي لمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي، واستعادة القدرة على تحمل الديون الخارجية، وإرساء الأسس لنمو أعلى وشامل يقوده القطاع الخاص. ويعتبر التسهيل الائتماني الممدد ترتيبا يتوقع أن يحفز التمويل الخارجي الإضافي من شركاء التنمية والدائنين، وفقا لصندوق النقد الدولي.
ويأتي شريان الحياة هذا في لحظة حرجة بالنسبة لإثيوبيا التي تكافح من أجل البقاء واقفة على قدميها وسط المياه المضطربة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. ويعتقد الخبراء الماليون أن اتفاقية القرض هذه، خطوة حاسمة نحو الانتعاش الاقتصادي، وشهادة على تصميم البلاد على التغلب على تحدياتها وبناء مستقبل أكثر إشراقا لشعبها. وشهدت على ذلك المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، حيث قالت في بيان: “هذه لحظة تاريخية بالنسبة لإثيوبيا”، والقرض هو شهادة على “التزام البلاد القوي بالإصلاحات التحويلية”.
ما الذي أدى إلى القرض؟
إن التحديات الاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا في السنوات الأخيرة تشمل النقص الحاد في النقد الأجنبي، وارتفاع التضخم، والعجز الكبير في الميزانية. ويرى بعض المنتقدين أن تحمل المزيد من الديون قد يؤدي إلى زيادة تدهور اقتصاد البلاد بدلاً من تخفيف مشاكلها، علما بأنه قد ازداد عبء ديون البلاد بشكل كبير، مع ارتفاع الدين الخارجي من 13.5 بليون دولار في عام 2015 إلى أكثر من 26 بليون دولار في عام 2022. وقد أدت جائحة كوفيد-19 والصراعات المستمرة في منطقة تيغراي إلى تفاقم هذه التحديات. ومن أجل التغلب عليها، شرعت الحكومة الإثيوبية في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وخفض التضخم، وتحسين بيئة الأعمال. غير أنه تعتقد الحكومة أن البلاد بحاجة ماسة إلى تمويل كبير لتحقيق هذه الإصلاحات، ما أدّى إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض جديد.
ومن الجدير بالذكر أن مشاكل الديون في إثيوبيا بدأت تخرج عن نطاق السيطرة منذ عدة سنوات، حيث شرعت البلاد في برنامج طموح لتطوير البنية التحتية، تم تمويله إلى حد كبير من خلال القروض الأجنبية. وأظهرت التقارير في ديسمبر 2023 أن البلاد أصبحت ثالث دولة تتخلف عن سداد الديون في أفريقيا خلال عدة سنوات بعد فشلها في سداد دفعة “قسيمة” بقيمة 33 مليون دولار على سنداتها الحكومية الدولية الوحيدة. كما كشفت بيانات من Statista أنه من المتوقع أن يرتفع الدين الوطني في إثيوبيا بشكل مستمر بين عامي 2024 و2029 بمقدار 93 بليون دولار أمريكي. ومن المتوقع أيضا بعد عشر سنوات أن يصل الدين الوطني إلى 156.69 بليون دولار أمريكي، وبالتالي يصل إلى ذروة جديدة في عام 2029. وقد بدأت أزمة ديون إيثيوبيا في الظهور جليا حين عجزت عن سداد 33 ميلون دولار على سندات دولية بقيمة بليون دولار.
ورغم أن نية إثيوبيا كانت تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، فإن الواقع كان أكثر تعقيدا بكثير، حيث قد زاد عبء ديون البلاد بشكل كبير، ما جعل الوفاء بالتزامات السداد صعبا على إثيوبيا. و هذا ما جعل البعض يتساءلون عن الحكمة وراء تحمل إثيوبيا المزيد من الديون، وخاصة عندما تكون هناك مخاوف بشأن قدرة البلاد على سداد قروضها القائمة. وعلى سبيل المثال، ركّز كيري روبيا في مقالته المنشورة منذ أربعة أشهر تقريبا على الكيفية التي خففت بها إثيوبيا قواعدها للفوز بالاستثمارات وقرض كبير من صندوق النقد الدولي، وكيف سمحت الحكومة الإثيوبية للعملة المحلية للبلاد “البير” بالتداول بحرية دون أن يحدد البنك المركزي سعره. لكن مؤيدي القرض يقولون أنه من الضروري تلبية الاحتياجات الاقتصادية الفورية للبلاد، وأن الأموال سيتم استخدامها لدعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والرعاية الصحية. ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق من ضرورة معالجة الأساسيات الاقتصادية للبلاد قبل تحمل ديون إضافية.
شروط القرض
يأتي هذا القرض بمجموعة من الشروط التي تهدف إلى دعم خطة الإصلاح الاقتصادي في البلاد. ويقدم القرض، الذي يتم صرفه بموجب ترتيبات التسهيل الائتماني الموسع، تمويلا ميسرا بشروط مواتية، بما في ذلك معدل فائدة صفر، وفترة سماح مدتها 5.5 سنوات، وفترة سداد مدتها 10 سنوات. ومع ذلك، فإن القرض مشروط بتنفيذ إثيوبيا لإصلاحات اقتصادية محددة. ويتعين على البلاد خفض عجز ميزانيتها من خلال ضبط أوضاع المالية العامة، وهو ما ينطوي على زيادة الإيرادات وخفض النفقات غير الضرورية. وهذا يتطلب إدارة مالية منضبطة كما قد يستدعي تدابير تقشفية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على إثيوبيا تنفيذ تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم، الأمر الذي قد يشمل رفع أسعار الفائدة أو تقليل المعروض النقدي. وقد يكون لهذا تكاليف اقتصادية قصيرة المدى، لكنه ضروري لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. ويجب على البلاد أيضًا معالجة النقص في النقد الأجنبي من خلال إصلاح نظام سعر الصرف، ما قد يسمح بسعر صرف أكثر مرونة. وقد يتطلب ذلك تخفيض قيمة العملة، ما قد يؤثر على الواردات والتضخم. وعلاوة على ذلك، يتعين على إثيوبيا أن تنفذ إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال، وزيادة الكفاءة والشفافية والقدرة التنافسية. وقد يشمل ذلك تبسيط القواعد التنظيمية، والقضاء على البيروقراطية، وتعزيز نمو القطاع الخاص. وفي حين أن شروط القرض مواتية، فإن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قد يمثل تحديًا بالنسبة لإثيوبيا. وذلك لأن البلاد تواجه عقبات اقتصادية وسياسية كبيرة، بما في ذلك القدرة المؤسسية المحدودة والقيود الاقتصادية. ومع ذلك، إذا تمكنت إثيوبيا من تنفيذ هذه الإصلاحات بنجاح، فيمكن أن يوفّر القرض دفعة مطلوبة بشدة لاقتصادها. لقد أظهرت البلاد التزاماً بالإصلاح في الماضي، ومع الدعم الدولي، قد تتمكن من التغلب على تحدياتها الحالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
آثار القرض
إن لهذا القرض آثارا كبيرة على اقتصاد إثيوبيا، إذ يهدف إلى تخفيف أعباء الديون وتحسين ثقة المستثمرين. وقد تجذب اتفاقية القرض أيضًا المزيد من المستثمرين، كما قد يؤدي الصرف الفوري لمبلغ بليون دولار إلى تعزيز ثقة المستثمرين وتوفير شعور بالارتياح لمجتمع الأعمال، الذي كان يكافح من أجل الوصول إلى النقد الأجنبي. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمار والنشاط الاقتصادي حيث يستفيد المستثمرون من تحسن الظروف الاقتصادية. وقد ينظر بعض المستثمرين إلى اتفاقية القرض على أنها خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار في اقتصاد إثيوبيا، وتوفير ضخ النقد الأجنبي الذي اشتدت الحاجة إليه لدعم واردات البلاد وتخفيف النقص في النقد الأجنبي.
ومع ذلك، قد يكون لدى بعض المستثمرين أيضًا مخاوف بشأن شروط القرض، والتي قد يكون من الصعب على إثيوبيا تنفيذها. على سبيل المثال، قد تؤدي تدابير ضبط أوضاع المالية العامة إلى خفض الإنفاق الحكومي، ما قد يؤثر سلبيًّا على النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يتطلبها القرض، نظرا للمشهد السياسي والاقتصادي المعقد في إثيوبيا. وقد تدفع هذه المخاوف بعض المستثمرين إلى اعتماد نهج الانتظار والترقب، والانتظار لمعرفة كيفية تنفيذ الحكومة لشروط القرض قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية كبرى. وفي شهر مايوا، ظهرت تقارير تفيد بأن بعض المستثمرين الباكستانيين أبدوا رغبة قوية في الانخراط في مختلف قطاعات الاستثمار من خلال الاستفادة من الفرص المتاحة في إثيوبيا. وقد يرى المستثمرون الآن أن القرض خطوة ضرورية نحو معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا واستعادة الاستقرار في الاقتصاد. ومع ذلك، يبقى للحكومة الإثيوبية أن تخطو الحركات الصحيحة وأن تعمل على التزامها بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتي ستظهر كمؤشرات إيجابية إلى درجة توقد في قلوب العديد من المستثمرين جذوة الأمل في أن يمثل القرض نقطة تحول في حظوظ إثيوبيا الاقتصادية.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.