قمة “أفريقيا الجديدة” 2024 في الرياض ومستقبل التعاون السعودي الأفريقي.

كانت المملكة العربية السعودية تقيم علاقات دبلوماسية مع القارة الأفريقية منذ السبعينيات، وتم تعزيزها في عام 2018 بتعيين وزير دولة مخصّص للشؤون الأفريقية. وكذلك كانت المملكة موقعًا للحج والتجارة لعدة قرون حيث يقصدها الناس من مختلف البلدان لغرض أداء الحج والتجارة، وازداد ارتيادهم إياها مع ظهور إمكانيات السفر الجوي. وتمتلك أفريقيا، المعروفة باحتياطياتها الهائلة من المعادن والغاز والنفط والأراضي الصالحة للزراعة ومصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، جزءًا كبيرًا من الموارد الطبيعية في العالم، بحيث تعتبر القارة موطنا لجميع المعادن الثمينة تقريبا، لكونها تضم حوالي 30٪ من احتياطيات المعادن في العالم. وبناء على هذا، تمثّل احتياطيات بلدان مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر وأنجولا وليبيا أكثر من ثلثي الثروة المعدنية في أفريقيا، ويرجع السبب في ذلك إلى وفرة النفط الخام وغيره من الموارد القيمة، و إلى وفرة الذهب في جنوب أفريقيا خاصة. وفي السنوات الأخيرة، اكتسب الشرق الأوسط مكانة بارزة في مجال التمويل العالمي، متأثرا بعوامل مثل التنويع الاقتصادي، وصناديق الثروة السيادية الكبيرة، وتضاؤل قدرة التمويل العالمي، مما أدى إلى البحث عن مصادر جديدة لرأس المال الاستثماري. ومع “العودة القوية” لأسعار النفط منذ عام 2021، تمكنت دول الخليج من الإنفاق بكثرة، بينما في الطرف الآخر من العالم، يواجه أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في الولايات المتحدة و أوروبا أسوأ أزمة تمويل منذ عقد من الزمن. وفي حين أن الشرق الأوسط يعد وجهة مرغوبة للاستثمار، فإن أكبر ما يثير الاهتمام والإعجاب هو اهتمام المنطقة المتزايد بإفريقيا.

وعلى مر السنين، لقد تطور المشهد الاقتصادي بشكل كبير، الأمر الذي دفع كلاً من المملكة العربية السعودية والدول الإفريقية إلى تنويع مصالحها. و قد شهدت المبادرات المشتركة السابقة استثماراتٍ في قطاعات الطاقة والزراعة والتكنولوجيا. ويعكس هذا التزامًا مشتركًا بخلق علاقة اقتصادية أكثر توازناً واستدامة تتجاوز الحدود التقليدية للتعاون في مجال الطاقة. وبينما تستمر المملكة في التحديث والتطور، فإنها تحافظ أيضًا على علاقات قوية وتاريخية مع أفريقيا، وكان الموقع الاستراتيجي الذي تحتلّه المملكة كمركز يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، يجعلها لاعباً أساسياً في التجارة الإقليمية والعالمية. وتتمتع المملكة بعلاقة طويلة الأمد مع الدول الأفريقية، حيث قد قدمت أكثر من 45 بليون دولار من المساعدات لدعم البرامج التنموية والإنسانية في جميع أنحاء القارة. وعززت القمة السعودية الإفريقية الأولى التي عقدت في نوفمبر 2023 التزام السعودية بالتنمية الإفريقية، مع التركيز على توسيع التجارة ودعم انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة الدول العشرين. ويشير هذا وذاك إلى إدراك المملكة للدور الحاسم الذي تلعبه أفريقيا في الشؤون العالمية وحرصها على تعزيز الشراكات عبر القارة.

 التحالف السعودي الأفريقي المتنامي في العقود الأخيرة.

أكدت المملكة العربية السعودية في القمة السعودية الإفريقية الأولى على روابطها التاريخية مع القارة الإفريقية، وعلى اهتمامها بتطوير العلاقات مع كافة الدول الأفريقية في المجال السياسي والاقتصادي والاستثماري والتجاري والتنموي والثقافي والاجتماعي. وكانت تلعب دوراً محورياً في الجهود الدولية والإقليمية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومحاربة الجماعات الإرهابية والتطرف، وتحسين القدرات الأمنية للدول الأفريقية. ونظراً لاهتمام المملكة الخاص بالقارة الأفريقية، فقد بلغ إجمالي استثماراتها في أفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة 49.5 بليون ريال، كما يبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في القارة 47 شركة، تعمل في مجالات الطاقة المتجددة، والأغذية والمشروبات، وخدمات الأعمال، والخدمات المالية، والمنتجات الاستهلاكية.  ثم تعهدت المملكة بتخصيص 41 بليون دولار من التمويل على مدى العقد القادم لدعم بلدان أفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى، مع تخصيص 25 بليون دولار  كذلك للاستثمارات الأجنبية المباشرة من قبل الشركات السعودية الخاصة. ولقد كشف هذه الالتزامات وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار لـــ “أفريقيا الجديدة” في الرياض، والتي حضرها مستثمرو القطاع الخاص وممثلو هيئات التمويل الكبرى. وبحسب تصريح الجدعان، يشمل مبلغ الـ 41 بليون دولار مبادرة تنمية إقليمية بقيمة 1 بليون دولار، وتمويلًا بقيمة 5 بيلون دولار للشركات الناشئة الأفريقية، و10 بليون دولار تمويلًا من بنك التصدير والاستيراد السعودي (Saudi EXIM (Bank، كما سيتم استثمار 25 بيلون دولار من قبل القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية. وأشار الجدعان أيضًا إلى أن تحالفًا من هيئات التمويل الإقليمية المدعومة من دول الخليج يستعدّ لمنح الدول الأفريقية قروضًا بقيمة 50 بيلون دولار بحلول عام 2030. ويضم هذا التحالف، المعروف باسم مجموعة التنسيق العربية (ACG)، الصندوقَ السعودي للتنمية، و صندوقَ أبو ظبي للتنمية، والمصرفَ العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، وصندوقَ النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية.

 ما هي “قمة أفريقيا الجديدة”؟ 

تم عقد قمة “أفريقيا الجديدة” في الدورة الثامنة لمبادرة مستقبل الاستثمار السعودية (FII) في فترة ما بين اليوم 29 و 31 شهر أكتوبر 2024، مع مشاركات إضافية بدأت في 27 أكتوبر 2024 في الرياض. وتهدف مبادرة مستقبل الاستثمار، التي تحمل عنوان “آفاق لانهائية”، إلى عرض كيف يمكن للاستثمار أن يقود مستقبلا مستداما ومزدهرا، بجمع القادة المؤثرين لدفع حدود الإمكانات البشرية نحو السموّ. و تَعِدُ هذه القمة بأن تكون بوتقة تنصهر فيها الأفكار المبتكرة، حيث تجمع القادة العالميين ورجال الأعمال والقادة السياسيين والإعلاميين وصناع القرار في مجالات التمويل والذكاء الاصطناعي والاستدامة والطاقة والاقتصاد الجغرافي والفضاء وغيرها. وفي حين أن الهدف الأساسي للقمة هو استكشاف كيف يمكن للاستثمار أن يكون بمثابة حافز لمستقبل مزدهر ومستدام، فللقمة أهداف أربعة رئيسية، وهي كالتالي: 

         إقامة علاقات جديدة من خلال تسهيل العلاقات التجارية بين المديرين التنفيذيين والقادة و رجال الأعمال والمهنيين من القارة الأفريقية والمستثمرين، وخاصة أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط.

         تقديم رؤى حول المخاطر والفرص من خلال تزويد المندوبـيـن بحسابات مباشرة عن المخاطر والفرص والتحديات وقصص النجاح للاستثمار في الشركات الأفريقية في جميع مراحل مشاريعهم.

         تحفيز تدفق رأس المال بتشجيع الاستثمار الأجنبي في أفريقيا من خلال عرض الاستراتيجيات والأساليب والآليات والفرص في المشهد الاقتصادي المتنوع في القارة.

         استكشاف القطاعات الناشئة من خلال مناقشة القطاعات الناشئة ذات إمكانات النمو العالية في أفريقيا، مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والزراعة والترفيه.

ولقد تأسس معهد مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)  في عام 2017 لإقامة قمة سنوية لربط الناس والاستثمار في الحلول الممكنة، ثم تطور إلى مؤسسة عالمية غير ربحية ذات ذراع استثمارية. وتأتي هذه القمة بعد دورة 2023، التي تم فيها الإعلان عن اتفاقيات بقيمة 19 بليون دولار، بحسب التقرير السنوي للكيان. وقد أعرب عن أهمية القمة الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة، ريتشارد أتياس، قائلا: “الأفق اللامتناهي ليس مجرد شعار، بل هو دعوة واضحة لتوسيع رؤيتنا الجماعية واحتضان آفاق المستقبل اللامحدودة حيث لا يعرف الاستثمار حدودا بل يعمل من أجل غد أفضل للجميع”.

وأكد محافظ صندوق الاستثمارات العامة، رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية، و رئيس معهد FII، ياسر الرميان، على دور القمة كمحفّز للعمل والتقدم والحلول، مشيرا إلى أن المبادرة سهلت صفقات تزيد قيمتها على 125 بليون دولار. و يُعد معهد مستقبل الاستثمار أكبر معهد استثماري في الشرق الأوسط، حيث يجذب أكثر من 7000 من القادة العالميين في مجالات السياسة والأعمال والمال. وفي هذا العام، بدأت القمة بحدث سابق ركز على أفريقيا، وشارك فيها رفيعو المستوى مثل الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، الذي شدد الرئيس السنغالي على استعداد السنغال للاستثمار، خاصة في التصنيع والطاقة الخضراء والتكنولوجيا الرقمية، وشارك فيها أيضا رئيس  بنك  UBA النيجيري، توني إلوميلو. ولقد تناولت القمة موضوعات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي والصحة والتعليم والابتكار. وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أثناء المناقشات، أن المملكة العربية السعودية ستعمل مع الدول الأفريقية لخلق فرص استثمارية مفيدة. و أشار إلى أنه توجد لدى المملكة مساعدات تنموية بالمليارات في جميع أنحاء القارة، مع زيادة إجمالي الاستثمارات إلى ما يقرب من 45 بليون دولار، تصل إلى غالبية الدول الأفريقية. وكذلك شدد الفالح على أهمية التعاون لدفع النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار من الشركات السعودية المشهود لها بفعاليتها وطموحها.

 العلاقات السعودية الإفريقية: المصالح المتبادلة. 

أثبت نورمان رول، المستشار الكبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية  (CSIS)، أن المستوى العالي لمشاركة الدول في مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) يعكس ثقة القطاع الخاص القوية في الإصلاحات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية وطموحات السعودية ودول الخليج. وقال رول، الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية لمدة 34 عاما، في منشور على موقع  X : “ينبغي النظر إلى الإمكانات التحويلية لبرامج المملكة من حيث التنمية في أفريقيا وربط البنية التحتية بين أوروبا وآسيا”. وقال محلل آخر أنه من المؤكد أن الاستثمار في أفريقيا ليست جديدة بالنسبة للرياض، ويبدو هذه المرة أن السعوديين مصممون على اللحاق بالقارة الأفريقية. وفي مقابلة مع شركة  Africa Newsالإعلامية، أشار هشام لحميسي، الخبير الجيوسياسي و أمين معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام  (GIPRI)إلى أن “المملكة العربية السعودية لديها رؤية استراتيجية متقدمة جدًا و قوية جدًا على المدى الطويل، وأفريقيا جزء لا يتجزأ من هذه الرؤية”.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.