الزراعة المستدامة في أوغندا: الممارسات والسياسات

تمتلك دولة أوغندا الواقعة في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية جمالا يستحق الإشادة به، حيث تحتفظ البلاد بنسبة وفيرة من أراضيها لتكون محميّة للحياة البرّية، مزيّنة بالنّباتات المورقة، ومجموعة من الحياة البرية الطبيعية، والطيور النادرة والمناظر الطبيعية الخلابة، كما أنها تفتخر باحتوائها على أكبر بحيرة للمياه العذبة في القارة، وشلالات قوية جدًا، ومنبع أطول نهر في العالم، وكمية هائلة من الحيوانات البرية، ولها أسود تتسلق الأشجار، بل يمكن القول أنها تمتلك أكبر عدد من الغوريلا الجبلية في الكرة الأرضية، الأمر الذي يجعلها تستحق فعلا لقب “لؤلؤة أفريقيا” كما تُلقب بها.

الوضع الحالي للزراعة في أوغندا

تعتبر الزراعة قطاعًا مهمًا جدًا لاقتصاد أوغندا، حيث كانت بمثابة أبرز وسيلة لكسب العيش للعديد من الأوغنديين. وتعتبر القهوة وقصب السكر والقطن والكسافا والذرة والفول السوداني والفاصوليا وفول الصويا من المحاصيل الرئيسية التي يتم إنتاجها في أوغندا، والتي يتم تصديرها في الغالب كمحصولات البيع، مما يجلب عوائد نقدية أجنبية للدولة. وكان معظم السكان العاملين في أوغندا يعملون في قطاعات الزراعة والغابات وصيد الأسماك، وفقًا لوزارة الزراعة والصناعة الحيوانية ومصايد الأسماك (2017). و يوظّف القطاع الزراعي في أوغندا أكثر من 70% من سكان البلاد وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (2023). وفي السنة المالية 2022/2023، قُدِّر للزراعة أكثر من 24% من الناتج المحلي الإجمالي لأوغندا. وعلى الرغم من كون 80% من أراضيها صالحة للزراعة، لم يتم استغلال إلا 35% منها فقط للزراعة. وهذا ينبئ أن هناك الكثير من الإمكانات في القطاع الزراعي حيث لا يزال تحقيق الكثير أمرا ممكنا بالموارد المتاحة.

ومع  كل هذا وذاك، فإن القطاع الزراعي في أوغندا يواجه الكثير من التحديات، كان في طليعتها تغيّر المناخ، حيث تشكل تقلبات درجات الحرارة، وكثرة هطول الأمطار أو قلتها، والظواهر الجوية غير العادية أو الشديدة، وحالات الجفاف والفيضانات، تهديداً خطيراً للزراعة في أوغندا. وتتأثر المحاصيل الزراعية بشدة بل يؤدي الوضع أيضا إلى فقد المواشي. وفي بعض الحالات، تُفقد أراضٍ زراعية بأكملها بسبب الفيضانات والجفاف؛ ما يجعل التربة صعبة للزراعة، و يؤثر تدهور التربة الناجم عن التآكل واستنزاف المغذيات وحموضة التربة تأثيرا سلبيا على إنتاج المحاصيل، كما أن عدم توافر المياه النظيفة والعذبة أو محدودية الوصول إليها لريّ الأراضي الزراعية يعيق التقدم في المزارع. وكذلك يؤثر انتشار الآفات والأمراض التي تفاقمت بسبب تغير المناخ سلبا على المحاصيل الزراعية والمواشي. وبالإضافة يواجه المزارعون من قلة فرص الحصول على الأموال اللازمة لتمويل أعمالهم الزراعية، كما تشكل صعوبة الوصول إلى الأسواق أيضًا تحديًا خطيرًا حيث يتكبد المزارعون دائمًا خسائر في منتجاتهم، ثم كان الاعتماد المفرط على أساليب الزراعة التقليدية وأساليب زراعة الكفاف يؤدي أيضاً إلى نقص كميّة المحصول الزراعي.

إن للزراعة غير المستدامة التي تمارَس بالطرق التقليدية في أوغندا عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية وخيمة في البلاد، كما للزراعة الأحادية، والري المكثف، والرعي المفرط، وضعف الدورة المحصولية، وإدارة التربة عواقب كثيرة. وقد تكون أساليب الزراعة التقليدية عرضة للتآكل، ما يؤدي إلى استنفاد المغذيات وانخفاض صلاحية التربة للزراعة. وقد يؤدي تطهير الأراضي و قطع الأشجار لإفساح المجال للأراضي الزراعية إلى تعطيل النظام البيئي، ما يؤدي إلى تدمير الموائل وفقدان التنوع البيولوجي، كما أن استخدام الأسمدة الكيماوية القوية، قد يؤدي إلى تلويث المياه وتلويث الهواء وانبعاثات الأسمدة. وتتأثر سبل العيش الريفية بالممارسات الزراعية غير المستدامة، بحيث يؤدي انخفاض الطاقة الإنتاجية إلى انخفاض المحاصيل وانخفاض الدخل، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم الفقر بين المزارعين الريفيين، كما أنهم معرضون لمخاطر صحية لأنهم يتعرضون للأسمدة الكيماوية القوية والأمراض التي تنقلها المياه.

الزراعة المستدامة في أوغندا

يشير مصطلح “الاستدامة” إلى استخدام الموارد المتاحة مع تجنب استنزافها للحفاظ على توازنها وتوافرها للجيل القادم. والزراعة المستدامة في هذا السياق، هي الممارسات الزراعية التي تعطي الأولوية للحفاظ على البيئة والتوازن والمسؤولية الاجتماعية والنمو الاقتصادي مع إنتاج غذاء صحي كافٍ لإطعام الأمة وغذاء احتياطي لدعم النقد الأجنبي. وإن الممارسات الزراعية المستدامة التي يمكن أن تحظى بتطبيقات واسعة النطاق في أوغندا كثيرة جدا، ويمكن لكل واحدة منها أن تساعد البلاد في مكافحتها ضد آثار تغير المناخ وتحسين قطاعها الزراعي بشكل كبير.

فالزراعة الإيكولوجية من ضمن هذه الممارسات، وهي التي تدمج المبادئ البيئية في النظام الزراعي السائد، وتركز على التنوع البيولوجي وصحة التربة والمرونة البيئية. ومنها الزراعة العضوية التي تركز على استخدام المدخلات والعمليات الطبيعية للحفاظ على صحة التربة وتوازن النظام البيئي. وفي هذه الطريقة يتم تجنب استخدام المواد الكيميائية التي قد تكون ضارة بالبيئة وتشكل خطراً على صحة المزارعين. و تعتبر الزراعة المحافظة على الموارد طريقة أخرى تقلل من اضطراب التربة، وتحافظ على غطاء التربة وتنويع المحاصيل، وتعزز صحة التربة وإنتاجيتها. و يمكن الأخذ بالزراعة الحراجية للتعويض عن المساحات الكبيرة من الغابات التي تم قطعها لإفساح المجال للزراعة، حيث يتم في هذه الطريقة دمج الأشجار مع الشجيرات، بجانب الزراعة وتربية المواشي لخلق استخدام مستدام ومنتج للأرض، بحيث يتم زرع الأشجار لتكون مصدات للرياح، فيتم دمج أشجار الفاكهة مع المحاصيل السنوية. وتعمل تقنية زراعة الغابات هذه على تحسين وزيادة التنوع البيولوجي والقدرة على الصمود. وهناك ممارسات زراعية مستدامة أخرى، مثل الإدارة المتكاملة للآفات، وتناوب المحاصيل، وتجميع مياه الأمطار، وإدارة رعي الماشية، والزراعة الذكية مناخياً، والتي يمكن أن تساعد المزارعين على إنتاج محاصيل مقاومة لتأثير تغير المناخ.

حاليا، تسير دولة أوغندا نحو تحقيق الاستدامة في قطاعها الزراعي، حيث قد بذلت الدولة على مر السنين جهودًا لتحسين قطاعها الزراعي وتطويره، من خلال الأخذ بالممارسات التكنولوجية الحديثة، مع التركيز على حماية البيئة، وتعزيز الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه والتنوع البيولوجي في البلاد. ويتم كذلك إعطاء الأولوية للتطبيق العملي الاقتصادي، ودمج إنتاج المحاصيل الزارعية والمواشي بطريقة تزيد من إنتاجها وأرباحها، كما أنها تبذل جهودًا لضمان دعم المجتمعات الزراعية المحلية بالأدوات والأسمدة العضوية والمعرفة لتحسين إنتاج المحاصيل الزراعية والحيوانية. ومع وجود الكثير من الإمكانات وتوافر الموارد، فيمكن  لممارسات الزراعة المستدامة في أوغندا أن تقطع شوطا طويلا في ضمان الأمن الغذائي وحماية البيئة والنمو الاقتصادي للبلاد.

السياسات الداعمة للزراعة المستدامة في أوغندا

هناك العديد من السياسات التي وضعتها حكومة أوغندا لدعم الممارسات الزراعية المستدامة والأخذ بها على نطاق واسع في البلاد، منها سياسة اعتماد أوغندا للمعيار العضوي الأوغندي (UOS) في عام 2004، والتي تتطلب دمج الممارسات البيولوجية والثقافية والميكانيكية التي تعزز تدوير الموارد، وتعزيز التوازن البيئي والحفاظ على التنوع البيولوجي. ومنها أيضا مسودة أصدرتها الحكومة الأوغندية بشأن سياسة الزراعة العضوية الأوغندية في عام 2009، والتي نتجت في زيادة صادرات المنتجات العضوية من أوغندا، وساهمت في نمو اقتصادها. وفي عام 2013، تم اعتماد السياسة الزراعية الوطنية، كما تم اعتماد سياسة تغير المناخ بعد ذلك في عام 2015. وفي نفس العام، وقعت أوغندا على الاتفاقية الدولية لأهداف التنمية المستدامة (SDGs)  والتي أصبحت تعرف باسم اتفاق باريس. وفي عام 2018 طوّرت الحكومة السياسة البيئية الوطنية، بعد أن قامت ببناء منصة للمحادثات والنزهات حول حماية البيئة والحفاظ عليها. وبالإضافة، هناك رؤية وطنية لأوغندا،  وهي استراتيجية تنمية تحمل اسم رؤية أوغندا 2040، وهدفها تحويل أوغندا من حالتها الحالية إلى مجتمع مدني ومزدهر بحلول عام 2040.

و لقد أطلقت الحكومة مبادرات مختلفة لتعزيز الزراعة المستدامة وتعزيز البحوث الزراعية في البلاد، تشمل المنظمة الوطنية للبحوث الزراعية (NARO)التي تعمل على تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل المقاومة للمناخ؛ والاتحاد الوطني للمزارعين في أوغندا (UNFF)، الذي يدعم منظمات المزارعين؛ وشبكة الزراعة المستدامة (SAN)، التي تعترف بالمزارع المستدامة؛ والشبكة العضوية الأفريقية (AON)، التي تشجع الزراعة العضوية، والتنمية والتمويل الزراعي في أوغندا؛ والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) الذي يدعم صغار المزارعين. وقد سهلت هذه السياسات والمبادرات، المصمّمة لتعزيز الزراعة المستدامة وحماية البيئة في أوغندا، انطلاق بدء المشاريع الناجحة.

فالزراعة المستدامة مستقبل الزراعة في أوغندا، ويجب أن يواصل كل من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص المزارعين بذل الجهود لتحسين الممارسات الزراعية المستدامة في البلاد، للاستفادة بكفاءة من الموارد الطبيعية المتاحة حاليا في البلاد، وتعزيزها وإتاحتها للجيل القادم.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.