العلاقات النيجيرية الهندية: ما هي مجالات الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا؟

إن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى نيجيريا في يوم السبت الموافق 16 نوفمبر 2024، جدّدت الاهتمام بالعلاقات النيجيرية الهندية. وإن هذه الزيارة الرسمية هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى نيجيريا منذ 17 عاما، وفقا لتقارير وسائل الإعلام، التي سلطت الضوء على الأهمية القصوى للعلاقات بين البلدين. وكانت الجالية الهندية في نيجيريا تتمتع بتاريخ طويل، من حيث تدفق العديد من الهنود إلى نيجيريا تجّارا ورجال أعمال منذ قديم، وقد أصبحوا اليوم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع النيجيري، ويساهمون في النمو الاقتصادي والتنمية في البلاد، كما يلعبون دورًا مهمًا في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.

زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا

تشكل العلاقات التاريخية بين الهند ونيجيريا جزءًا من أساس قوي للعلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين، وإن لكلتيْ الدولتين تاريخا مشتركا من الاستعمار، وهما عضو في حركة عدم الانحياز. وقد انبعثت زيارة رئيس الوزراء الهندي هذه، نتيجةَ عزم حكومة الهند على تعزيز علاقاتها مع نيجيريا، تماشيا مع أهداف الهند الاستراتيجية في أفريقيا، حيث قد تركت الصين وروسيا بالفعل انطباعًا دائمًا. ويمكن أيضا رؤية اهتمام الهند المتزايد في سياق الدور الذي تلعبه أفريقيا في منطقة المحيط الهندي والموارد المهمة التي تمتلكها القارة، مثل المعادن التي تحتاجها الهند لمصنوعاتها مثل السيارات الكهربائية. وخلال الزيارة، تعهد البلدان بتعزيز العلاقات في مجالات رئيسية، بما فيها مجال التنمية الاقتصادية ومجال الدفاع ومجال الرعاية الصحية والأمن الغذائي، وبالتالي تتمثل خطوة الالتزام بتعزيز العلاقات هذه، مؤشرا على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الهند ونيجيريا.

عقد الزعيمان، ناريندرا مودي و بولا تينوبو، اجتماعا على انفراد، وأعقبه محادثات ثنائية وسياسية موسعة، حيث ناقشا مختلف مجالات التعاون. وأثمرت الزيارة توقيعَ الطرفين على ثلاث مذكرات تفاهم حول برنامج التبادل الثقافي، والتعاون في المسائل الجمركية، وفي مجال المسح. علاوة على ذلك، اتفق الزعيمان على وضع اللمسات الأخيرة على العديد من الاتفاقيات الأخرى والتوقيع عليها في المستقبل القريب، منها معاهدة المساعدة القانونية المتبادلة، ومعاهدة تسليم المجرمين، ونقل الأشخاص المحكوم عليهم، ومعاهدة الشراكة في الزراعة والقطاعات المرتبطة بها، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومعاهدة الاستثمار الثنائي، ومعاهدات أخرى. وكذلك أسفرت المناقشة الثنائية بين الزعيمين عن اتفاق مهم لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن البحري وتبادل المعلومات الاستخبارية. ثم اتفقت الدولتان على اتخاذ إجراءات منسقة لحماية طرق التجارة البحرية ومكافحة القرصنة، بسبب تزايد التهديدات في خليج غينيا والمحيط الهندي، كما تعهدا بمواصلة التدريبات البحرية المنتظمة والعمليات المشتركة لمكافحة القرصنة في خليج غينيا لحماية الطرق البحرية الحيوية، لكي يخلف ذلك تأثيرا إيجابيا على الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية. ومن المتوقع أن تعمل كل هذه الاتفاقيات على تعزيز وتوسيع مجالات التعاون الثنائي بين الهند ونيجيريا وتعزيز شراكتهما الاستراتيجية في مختلف القطاعات.

التعاون الاقتصادي والدفاعي بين البلدين

لقد قام الزعيمان بتسليط الضوء على العلاقة الاقتصادية الناشطة بين الهند ونيجيريا خلال المحادثات، علما بأن الهند تعتبر أكبر شريك تجاري لنيجيريا و مساهما كبيرا في اقتصادها، بحيث ثبت إحصائيا بأن الهند شريكة تجارية رئيسية لنيجيريا، بحيث وصلت التجارة الثنائية إلى 7.89 بليون دولار في فترة ما بين 2023 و 2024. ومع العلم بأن نيجيريا ثاني أكبر شريك تجاري للهند في المنطقة الأفريقية، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية مبلغ 11.8 بليون دولار في فترة ما بين 2020 و 2023، كما أن شركة جيريا قد أشادت بأكثر من 200 شركة هندية تعمل حاليًا في نيجيريا، باستثمارات يبلغ إجمالها حوالي 27 بليون دولار في مختلف القطاعات. وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون الاقتصادي بين الهند ونيجيريا نموا سريعا، واحتلت الهند مكانة مرموقة باستثماراتها في قطاعات مثل النفط والغاز والأدوية والبنية التحتية في نيجيريا، لتصبح أكبر دولة مستثمرة في الاقتصاد النيجيري. وكذلك يستمر نشاط الشركات النيجيرية التي تستثمر في الهند، خاصة في مجال الزراعة وإنتاج الأغذية، وبهذا يتضح جليا بأن العلاقة الاقتصادية بين الهند ونيجيريا، تقدر على تحقيق النمو بشكل أسرع في السنوات المقبلة.

وهناك مجال رئيسي آخر تمت مناقشته خلال المحادثات بين الرئيسين، وذلك مجال مكافحة الإرهاب، حيث أظهر البلدان التزامهما بمواصلة التدريبات البحرية المنتظمة والعمليات المشتركة لمكافحة القرصنة في خليج غينيا لحماية الطرق البحرية الحيوية. وجاء في البيان المشترك الصادر من التقرير الرسمي للزيارة ما نصه: “كرر الزعيمان إدانتهما القاطعة للإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما فيها حركة الإرهابيين عبر الحدود، وشبكات تمويل الإرهاب والملاذات الآمنة. ودعَوَا إلى عدم التسامح إطلاقا مع الإرهاب، والإسراع في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية الشاملة بشأن الإرهاب الدولي، واعتمادها في إطار الأمم المتحدة. وكذلك الإسراع في تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، فتم الاتفاق بينهما على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.”

هذا، مع العلم بأن للتعاون الدفاعي بين الهند ونيجيريا جذورا تاريخية، حيث لعبت الهند دورًا حاسمًا في إنشاء أكاديمية الدفاع النيجيرية وكلية الحرب البحرية. أضف إلى ذلك، كون البلدين يتمتعان بعلاقة دفاعية قوية، بحيث توفر الهند التدريب والدعم للقوات النيجيرية. وكانت البحرية الهندية تشارك بنشاط في خليج غينيا، بتقديم التدريب ودعم القوات البحرية النيجـيرية، بل قامت سفينة البحرية الهندية (INS) Sumedha بزيارة ميناء لاغوس – نيجيريا، في أكتوبر 2023، لتعزيز الأمن البحري ومكافحة القرصنة. ويحظى هذا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أهمية بالغة في مكافحة التهديد المتزايد الذي يشكله الإرهاب في المنطقة. وبما أن البلدين ملتزمان بتبادل المعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات ومبادرات بناء القدرات لتعزيز جهودهما في مكافحة الإرهاب، يتعين على القوات البحرية الهندية والنيجيرية تعزيز تعاونهما لضمان سلامة طرق التجارة البحرية، وخاصة في خليج غينيا.

التعاون في مجال الطاقة والزراعة بين البلدين

يعد التعاون في مجالي الطاقة والزراعة بين الهند ونيجيريا من المجالات الرئيسية الأخرى التي ناقشها الزعيمان، وتم الإقرار بأن يتلقى القطاعان دفعة كبيرة بعد المحادثات، حيث أدرك الزعيمان الإمكانات الهائلة المتوفرة لتحقيق التعاون في مجال الطاقة المتجددة ومجال الزراعة والأمن الغذائي. بهذا يتوقّع أن تدعم خبرة الهند في مجال الطاقة المتجددة، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية، جهودَ نيجيريا لتنويع مصادر الطاقة لديها وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء.

ويلاحظ أن التعاون الهندي النيجيري في مجال الطاقة، قد نما نموا سريعا في السنوات الأخيرة، بحيث تستثمر الشركات الهندية بنشاط فعّال في قطاع النفط والغاز في نيجيريا، لأن موارد نيجيريا النفطية والغازية، ما زالت توفّر فرصًا كبيرة للتعاون في مجال الطاقة مع الهند، حيث تختزن أراضي نيجيريا كمية نفطية هائلة، تولد ما يقرب من 90٪ من إيرادات البلاد من النفط والمنتجات ذات الصلة. ومن ناحية أخرى، كانت الهند في المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر استيرادا للنفط على مستوى العالم، حيث يأتي جزء كبير من مستورَداتها النفطية من الشرق الأوسط. وما على الحكومة النيجيرية الآن سوى الاستمرار في تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع الهند، بعد أن تم توقيع الاتفاقيات بشأن هذا المجال بين البلدين.

أما بالنسبة للقطاع الزراعي، فإن الزراعة قطاع ذو أهمية بالغة في اقتصاد نيجيريا، حيث توظف ما يقرب من 70٪ من السكان، بل ساهم بنسبة 25.18٪ فى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. وعلى الرغم من وجود أكثر من 70 مليون هكـتار من الأراضي الصالحة للزراعة، لا يخضع منها للزراعة غير حوالي 44٪ منها حاليا. علما بهذا، قد تتجه استثمارات الهند نحو هذا القطاع، زيادةً على الاستثمارات الحالية التي قامت بها بعض الشركات الهندية في مزارع زيت الطعام، والتي تهتم بزراعة الحبوب في نيجيريا. وقد سبق أن أظهرت الأبحاث أن الشركات الهندية كان لها نصيب في القطاع الزراعي في نيجيريا. ومن الضروري إذن بالنسبة للبلدين، إعطاء الأولوية للثقة المتبادلة والاحترام والتفاهم على أساس الشراكة بينهما.

خاتمة

تشير زيارة رئيس الوزراء الهندي لنيجيريا في هذه الفترة التي تتسم بالمنافسة الجيوسياسية الشديدة، إلى خطة نيودلهي (عاصمة الهند) الجيو-استراتيجية، وخاصة في سياق التنافس مع الصين، والنضال من أجل الوصول إلى خليج غينيا. كما أن عزم الهند على دعم أولويات التنمية في نيجيريا من خلال خطوط الائتمان الميسرة والخبرة الفنية، يمكن أن تستخدمه نيجيريا لمواجهة تحديات التنمية، خاصة في مجالي الطاقة والزراعة.

وينطوي نشاط الهند المتنامي في نيجيريا على العديد من الإمكانات، لا سيما فيما يتعلق بتعريف الشركات الأفريقية بالتطورات الجديدة في التكنولوجيا ومهارات العمل الحديثة. ومن الممكن أن تغتنم حكومات أفريقية أخرى فرصة زيادة تواجد الشركات الهندية في أفريقيا كمصادر للتكنولوجيا والمهارات والمشورة المناسبة للتنمية الاقتصادية.

ورغم أن نجاح هذه الشراكة سوف يعتمد على التزام البلدين بتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، فإن التعاون القوي بين نيجيريا والهند سوف يكون له فوائد بعيدة المدى، أبرزها تعزيز التجارة والاستثمار، وتحسين الأمن، وتحقيق التنمية بشكل سريع.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.