
وساطة قطر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: هل تعدّ انتصارا دبلوماسيا؟
تتجول عشرات الجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، والعديد منها ما خلفتْه حربان إقليميتان في نهاية القرن العشرين أَوْدَتَا بحياة الملايين. وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية تتهم دولة رواندا بانتهاك معاهدة حقوق الإنسان الرئيسية للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وأنها تدعم منذ عام 2021 متمردي حركة M-23 – التي تعدّ واحدة من حوالي 100 جماعة مسلحة نشطة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية-، وأنها هي المسؤولة عن عمليات القتل الجماعي والنزوح الجماعي وتدمير المدارس والبنية التحتية وعملية النهب. لكن رواندا تنفي دائما كل هذه الاتهامات. وقد أدى الصراع المستمر إلى واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أدى إلى نزوح أكثر من 7 ملايين شخص.
تتطلع قطر إلى حقبة من التحول والنمو، مدعومة باستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (NDS-3)التي بدأت تأخذ بها. ولقد كانت مسيرتها من كونها ذات اقتصاد قائم على الهيدروكربونات إلى الوقوف الآن على أعتاب اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، مسيرة تستحق الإشادة بها. وإن رؤية قطر 2030، التي تشكل جوهر استراتيجية الحكومة لتطوير وتنويع الاقتصاد والنهوض بالإدارة البيئية والتنمية الاجتماعية، سوف تشكّل سياستَها في فترة ما بين 2024 و 2028. وقد أقرّ سعادة الدكتور عبد العزيز بن ناصر آل خليفة، الأمين العام للمجلس الوطني للتخطيط(NPC)، في هذا العام، أن الاقتصاد القطري لا يزال يشهد معدلات نمو ملحوظة. وبالإشارة إلى بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، تم الكشف عن معدل نمو حقيقي قدره %2.4 مقارنة بعام 2023، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 713 بليون ريال قطري بالأسعار الثابتة في عام 2024، ارتفاعًا من 697 بليون ريال قطري في عام 2023.
وتُعدّ الوساطة في النزاعات كطرف ثالث ركيزةً أساسيةً في السياسة الخارجية القطرية، حيث قد أكسبتها هذه الدبلوماسية مكانةً عالميةً رفيعة. ولفهم دبلوماسية السلام في قطر، يفيدنا النظر في نشأتها في سياق المبادئ الأساسية للوساطة وملامح ممارستها عبر التاريخ في الشرق الأوسط، وغالبًا ما يكون نفوذ قطر في أفريقيا خياليًا أكثر منه حقيقيًا. فعلاقاتها مع الدول الأفريقية حديثة العهد نسبيًا – باستثناء المغرب العربي وموريتانيا والسودان – ، ولا تزال في طور التكوين إلى حد كبير. وعلى الرغم من تزايد افتتاح السفارات الأفريقية في قطر منذ عدة سنوات، إلا أن أسباب نمو هذه التبادلات وعواقبها لا تزال متنوعة للغاية، إذ لكل دولة أفريقية أهدافها ودبلوماسيتها الخاصة من جانبها.
في ديسمبر 2017، قام سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بجولة في غرب إفريقيا، وهي أول زيارة له إلى المنطقة. وقد أثبتت هذه الزيارة، التي شملت غينيا وكوت ديفوار وغانا، اهتمامَ قطر بالحفاظ على علاقات إيجابية مع دول العالم. وفي عام 2019، زار سمو الأمير دولة رواندا وقام كذلك بأول زيارة له إلى نيجيريا، إذ كانت السياسة الخارجية لدولة قطر، تستند إلى مجموعة من المبادئ المنصوص عليها في دستورها، بما فيها تعزيز السلم الدولي والأمن الدولي من خلال تشجيع الأخذ بالحل السلمي في النزاعات الدولية وبناء التحالفات، وإيجاد حلول للنزاعات من خلال الحوار والوساطة مع احترام حقوق الدول ذات السيادة. وفي نوفمبر 2019، وقّعت قطر والكونغو اتفاقية لإقامة علاقات دبلوماسية في نيويورك، حيث وقع سعادة السفيرة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، نيابة عن قطر، بينما وقع سعادة السفير إجناس جاتا مافيتا وا لوفوتا، المندوب الدائم للكونغو لدى الأمم المتحدة، نيابة عن جمهورية الكونغو الديمقراطية. علاوة على ذلك، فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الدولة الفرنكوفونية الأكثر سكانًا في العالم، ورابع أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا. وخلال زيارة الرئيس تشيسكيدي، شهد صاحب السمو الأمير وفخامة الرئيس توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين حكومتي البلدين. واتفقا على تعزيز الاستثمارات المتبادلة وحمايتها، والتعاون الاقتصادي والتجاري والتفاهم لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي، كما اتفقا على الشراكة في خدمات النقل البحري والجوّي.
وفي عام 2022، تعهدت قطر بالتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لمشاريع التكيف مع المناخ في البلدان الأفريقية المعرَضة لآثار تغير المناخ، بما في ذلك تمويل برامج التخفيف من الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى توفير الطاقة المتجددة في مجتمعات كانت بأمس الحاجة إليها. وفي عام 2024، ساهمت قطر في إنشاء صندوق فيرونغا أفريقيا الأول في رواندا، والذي تم إطلاقه بمبلغ 250 مليون دولار لتعزيز الخدمات الاجتماعية ونمو القطاع الخاص في المجالات المبتكرة في رواندا وبقية أفريقيا. ويجب التنويه بأنه كان من بين مبادئ السياسة الخارجية القطرية، الالتزام بالجهود الدبلوماسية مع مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي. ومن ثم، فإن الأدوات والإمكانات التي جعلت قطر معروفة كوسيط ناجح، هي مجموعة من عوامل مختلفة قوية مثل الروابط السياسية القوية على نطاق واسع، والموارد المالية الضخمة، والموثوقية والحيادية. ومؤخرا، تم عقد اجتماع ثلاثي استضافته دولة قطر بتاريخ 18 مارس 2025 بالدوحة، جمع فخامة الرئيس بول كاغامي رئيس جمهورية رواندا، وفخامة الرئيس فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، بتوسط حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، لغرض إجراء محادثات السلام. ويأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي تكثّف فيه الدول الغربية العقوبات على رواندا بسبب دعمها المباشر لجماعة حركة M-23 المتمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أفاد بيان مشترك بعد الاجتماع بأن وقف إطلاق النار يجب أن يكون “فوريا وغير مشروط”.
ما أمر الوساطة؟
تتجول عشرات الجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، والعديد منها ما خلفتْه حربان إقليميتان في نهاية القرن العشرين أَوْدَتَا بحياة الملايين. وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية تتهم دولة رواندا بانتهاك معاهدة حقوق الإنسان الرئيسية للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وأنها تدعم منذ عام 2021 متمردي حركة M-23 – التي تعدّ واحدة من حوالي 100 جماعة مسلحة نشطة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية-، وأنها هي المسؤولة عن عمليات القتل الجماعي والنزوح الجماعي وتدمير المدارس والبنية التحتية وعملية النهب. لكن رواندا تنفي دائما كل هذه الاتهامات. وقد أدى الصراع المستمر إلى واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أدى إلى نزوح أكثر من 7 ملايين شخص. ومنذ أوائل عام 2022، كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يسعى إلى التوسط في الصراع المستمر في الكونغو بسبب علاقاته الوثيقة مع كل من تشيسكيدي وكاغامي. وفي يناير 2023، حاولت قطر استضافة محادثات السلام بين الأطراف المتنازعة، مع حضور ممثلين عن أنغولا وكينيا والاتحاد الأفريقي، لم يتم ذلك إلا في 18 مارس 2025.
تأثير الوساطة
في 23 مارس 2025، رحبت دولة قطر بالبيانين الصادرين عن جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا بشأن التزامهما بإنهاء الصراع وتخفيف التوترات في المنطقة الشرقية من الكونغو، وذلك بشأن بيان حركة M-23، حيث أعلنت عن قرب انسحابها من منطقة واليكالي. واعتبرت قطر ذلك خطوة إيجابية مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وأشار إيفون مويا سيمانجا، من كلية دراسات الصراع في جامعة سانت بول في أوتاوا بكندا، إلى أن قطر دولة صغيرة في الشرق الأوسط تعزم على ترسيخ قدمها في الساحة الدولية. وأضاف قائلا بأن “حكومتها تستخدم السياسة والرياضة والدبلوماسية والاقتصاد أيضًا لتحقيق أهدافها المتوخاة”.
ومع ذلك، فإن الاستثمارات الكبيرة التي تمتلكها قطر تجعلها شريكًا استراتيجيًا مهمًا لرواندا، فشركة الطيران القطرية وحدها تمتلك ما يقرب من نصف أسهم شركة الطيران المملوكة للدولة في رواندا، ولديها حصة %60 في مطار بوغيسيرا الدولي بالقرب من العاصمة الرواندية كيغالي، مع العلم بأن شركة مطار بوجيسيرا، هي الشركة التي تقوم ببناء مطار دولي جديد في جنوب كيغالي. وباستثمارٍ لا يقل عن 2 بليون دولار، يعد هذا أكبر استثمار قطري في أفريقيا. وفي عام 2021، وقع مركز قطر للمال (QFC) وشركة رواندا فاينانس (RFL) مذكرة تفاهم لتعزيز التنمية الدولية في البلدين.
وإلى جانب ذلك، تشكل حماية الاستثمارات المتوقعة بين قطر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتطوير البنية التحتية للمطارات والموانئ، وتعزيز قدرات الخبراء القطاعيين، والتعاون في مجال الطيران والبحري بين البلدتين، أساسًا متينا للعديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها وزير الخارجية الكونغولي ماري تومبا نزيزا، و وزير المواصلات والاتصالات القطري جاسم سيف أحمد السليطي في 29 مارس 2021، بالدوحة، بحضور الرئيس فيليكس تشيسيكيدي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. و يفيد التقرير الإعلامي أيضًا بأنه، تتعلق الاتفاقيات في مجال البنية التحتية ببناء و تمويل ثلاثة مطارات رئيسية، وهي مطارات ندجيلي وندولو في كينشاسا ولوانو في لوبومباشي. وتتعلق أيضًا بتطوير البنى التحتية البحرية الاستراتيجية مثل موانئ ماتادي وكينشاسا وبوما، حسبما أفادت رئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تخص الوثائق الأخرى الموقّعة بين البلدين شركة البريد والاتصالات الكونغولية (SCPT)، واندماج شركة الطيران القطرية في مشروع شراكة قطر- جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتعلق بدعم الدولة الكونغولية من خلال الشراكة مع هيئة شركة الطيران (RVA) لتطوير وبناء وتمويل تلك المطارات الثلاثة الرئيسية. وبالنسبة لمشروع مطار ندجيلي، ظهرت خطة تنفيذ المشروع في أوائل عام 2010 بينما بدأت دراسات الجدوى المسبقة في عام 2013. وتم إطلاق المشروع رسميًا في عام 2018 مع شركة صينية كمقاول. وللأسف، توقفت دراسات الجدوى والأعمال المادية حيث تم إنجاز %60 منها. وفي عام 2024، أعلنت شركة الطيران القطرية عن توسيع نطاق أعمالها لتشمل عاصمة الكونغو، كينشاسا، ما يتيح زيادة عدد الرحلات وزيادة القدرة الاستيعابية إلى لواندا وأنجولا ومناطق أخرى.
ما بعد تأثير الوساطة
أكدت دولة قطر على أن تعزيز دور الدول الأفريقية في مواجهة التحديات التي تواجه الأمن والتنمية العالمية في أفريقيا أمر بالغ الأهمية، بالإضافة إلى تعزيز السلام العالمي والأمن الدولي، فضلا عن تسريع تنفيذ خطة الاتحاد الأفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة 2030. ولفتت دولة قطر إلى الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا ومواردها الغنية وتزايد عدد سكانها الذي يتوقع أن يتجاوز 2.5 بليون نسمة بحلول عام 2050- حيث تجعل القارة لاعباً مركزيّا لا غنى عنه في تشكيل المستقبل العالمي. ورغم ذلك، استولت حركة M-23 على مساحات واسعة من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، بما فيها المدينتين الرئيسيتين جوما وبوكافو، في صراع أدى إلى نزوح حوالي نصف مليون شخص منذ يناير. وقال بعض الدبلوماسيين بأن الولايات المتحدة تدعم جهود الوساطة التي تقوم بها قطر، التي لعبت دور الوسيط في عدة صراعات في السنوات الأخيرة. وفي الآونة الأخيرة، قام الاتحاد الأفريقي بحثّ جميع أصحاب المصلحة على الحفاظ على الزخم الذي تولد في الدوحة والعمل بشكل جماعي نحو التنفيذ الكامل للالتزامات المتفق عليها. وتبقى مفوضية الاتحاد الأفريقي على استعداد تام لدعم هذه الجهود ومرافقتها، بما يتماشى مع تفويضها لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء القارة.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.