تحوّل دراماتيكي في ميزانية 2025 لجنوب أفريقيا: بِمَ يعود على الاقتصاد؟

تمرّ عملية الموافقة على الميزانية الوطنية في جنوب أفريقيا بإجراءات مهمة جدا، إذ تهيمن الميزانية على الإنفاق الحكومي السنوي وتجعله يتوافق مع أهداف سياسة جنوب أفريقيا وغاياتها. وتعتبر عملية المزانية دورة مستمرة تمتدّ من أبريل إلى مارس من كل عام، كما تعدّ إجراء الموافقة عليها من أهم وظائف البرلمان. وكان من ضمن هذه الإجراءات، تشاور عام واسع النطاق، وفق متطلبات قانون المالية، ويُسمح لوزير المالية أن يطالب مداخلات الجمهور العام قبل إلقاء الخطاب الرسمي الذي يتم فيه عرض محتوى الميزانية، غير أن قدرته على قبول الاقتراحات محدودة. ونظرا لمدى التقنية التي تتسم بها الميزانية، يتعين على الخزانة الوطنية أن تركز جهودها عند تصميم الميزانية على التواصل مع الحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية. ومن ثمّ تضمن العملية حصول الجمهور على فرصة تقديم المداخلات عند اتخاذ القرارات النهائية.

ولقد أشارت سلطات جنوب إفريقيا إلى أن ميزانية 2025 تضع الأساس لنمو اقتصادي أسرع وتواصل في تحقيق الاستقرار للتمويل العام. ويُظهر الوضع الاقتصادي الحالي أن التوقعات الاقتصادية لجنوب إفريقيا بدأت تتحسن ببطء، حيث يتوقع أن يبلغ المعدل المتوسط لنموالناتج المحلي الإجمالي %1.8 على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كما يتوقع أن يستقرّ الدَّيْن عند %76.2 من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل، نتيجة استقرار تكاليف الدين، التي استهلكتْ 22 سنتًا من كل راند من إيرادات هذا العام. وفي ضوء ضغوط الإنفاق الجديدة والمستمرة، قررت الحكومة زيادة الإيرادات  من ضريبة القيمة المضافة، بما فيها زيادات معدل ضريبة القيمة المضافة المقترحة بمقدار نصف نقطة مئوية في كل من العامين المقبلين، فيكون من شأن الاستثمار في البنية التحتية الاستراتيجية ودعم توفير فرص العمل والحفاظ على سياسة مالية مواتية للنمو، أن يدعم سياسة الحكومة على المدى المتوسط.

الاستراتيجيات والنضالات بين حكومة جنوب أفريقيا الائتلافية

ألقى وزير مالية جنوب أفريقيا، إينوك غودونغوانا، خطاب ميزانية البلاد لعام 2025 في 12 مارس، ولم يكد ينتهي من الإعلان عن زيادة ضريبة القيمة المضافة بنسبة %0.5 للسنة المالية الحالية حتى صدرت ردود فعل قوية، مع العلم بأن إدارة ترامب في الولايات المتحدة، قد فرضت في الآونة الأخيرة رسومات جمركية بنسبة %30 على جميع واردات جنوب أفريقيا، فمن المرجّح أن تكون ضربة قوية لاقتصادها المتعثّر أساسا. ولقد تشكلت حكومة جنوب أفريقيا الائتلافية بعد أن فقد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته في العام الماضي لأول مرة منذ نهاية نظام الفصل العنصري عام 1994. وكشفت مفاوضات الميزانية عن وجود انقسامات داخل الائتلاف بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنافسه القديم، حزب التحالف الديمقراطي – ثاني أكبر حزب في الائتلاف -، حيث عارض زيادات الضرائب، ودعا إلى مراجعة شاملة للإنفاق الحكومي. وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وحزب التحالف الوطني، وحزب إنكاثا للحرية، هي الأحزاب الرئيسية المؤيدة للميزانية، بحصولها على حوالي 196 صوتًا. وهذا يعني أن إقرار الميزانية يتطلب من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحصول على خمسة أصوات إضافية على الأقل.

وفي غضون ذلك، أثار وزير المالية إينوك جودونجوانا الشكوك حول قدرة حزب التحالف الديمقراطي على البقاء في الحكومة، قائلا: “لا أعتقد أنه يمكنك التصويت ضد الميزانية، وغدًا تريد أن تبقى وتكون جزءًا من تنفيذها. لا يمكن أن يكون الأمر كذلك”، بينما قالت هيلين زيل، رئيسة المجلس الفيدرالي للتحالف الديمقراطي، بأن حزبها يسعى الآن إلى الحصول على مرسوم قضائي يمنع السلطة الموكلة لجمع الضرائب من تنفيذ الزيادة بنسبة %0.5 على ضريبة القيمة المضافة في الأول من مايو. وقالت ما نصّه: “يستند طلب الأمر القضائي هذا إلى نضالنا القانوني في عدم اعتبار إعلان وزير المالية عن زيادة ضريبة القيمة المضافة وإلغاء اعتماد البرلمان للإطار المالي”.

وقد حددتْ خطة الحكومة الواسعة للإصلاح الهيكلي زيادةَ أداءِ البنية التحتية اللوجستية للبلاد – كحلّ – من خلال جذب شركاء الأسهم من القطاع الخاص، وكذلك من خلال تفويض الرقابة السياسية على ميناء كيب تاون من المقاطعة الوطنية إلى مقاطعة كيب الغربية، والتي يسيطر عليها حزب التحالف الديمقراطي. ويقول بعض الخبراء بأن المستقبل الاقتصادي لجنوب إفريقيا معلّق في الميزان – بدءا من مسألة زيادة ضريبة القيمة المضافة، وتوقعات النمو المتواضعة، إلى شأن التصويت البرلماني غير المستقر. ماذا سيكون مصير شأن التمويل للبلاد؟

ما الذي ينتظر اقتصاد جنوب أفريقيا؟

ليس من الواضح بعد ما إذا كان حزب التحالف الديمقراطي سيترك الحكومة في هذه المرحلة، بحيث سيتساءل الأعضاء عما إذا كانت هذه هي نقطة التحول للحزب أم يجب البقاء والانتظار على الأقل حتى تطلع نتيجة القضية من المحكمة. هذا ما قاله لبي بي سي البروفيسور ويليام جوميد، وهو أكاديمي في كلية الحوكمة بجامعة ويتس في جوهانسبرج. وقال أحد المراقبين بأن خصخصة جوانب البنية التحتية العامة للسكك الحديدية هي إحدى خطط الحكومة لتحسين أداء الاقتصاد، إذ تعود ملكية معظم البنى التحتية لشركة تراسنت التي تواجه هاوية الديون، وهي شركة السكك الحديدية والموانئ الحكومية. ولذلك تحتاج الحكومة إلى جعلها مساهما أو شريكا استراتيجيا في الأسهم. أما بالنسبة للعديد من مواطني جنوب أفريقيا، فالحاجة ماسة إلى أن يقوم الحزبان الأكبران بحلّ الخلافات بينهما بشكل سلمي والعمل معا، أو أن يخاطر كل منهما برؤية البلاد تغرق في أزمة اقتصادية أعمق بينما يتجاوز معدل البطالة 30% حاليا. وسيتجلى في الأيام المقبلة أي منقلب ينقلب اقتصاد جنوب أفريقيا بخصوص الميزانية.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.