التغيرات المناخية وأثرها على الأمن الإنساني في أفريقيا

تُعد ظاهـرة تغير المناخ أبـرز التهديـدات التـي تواجـه دول العالـم، فلم يعد يقتصر تغير المناخ على ارتفاع وتيـــرة الطقـــس السيء المتمثلة في الفيضانات وموجـــات الجفـــاف والتصحــر، وإنمـا أصبحـت تنطـوي علـى جملـة مـن التداعيـات المتشـابكة التـي تهـدد الأمن الإنساني بأبعاده المختلفة بما في ذلك الأمن الغذائـي والمائـي بشكل يفاقم من الضغـوط الاقتصادية والاجتماعية ويؤثـر سـلبا علـى الاستقرار السياسـي، حيث تتم الإشارة إلى تغير المناخ باعتباره تهديدًا أمنيًا يضعف من قدرة الدول على التعامل مع أنماط الطقس القاسية والجفاف وتدهور الأراضي والفيضانات وغيرها من التغيرات المرتبطة بالمناخ، وقد أثر تغير المناخ بشكل كبير على المجتمعات الفقيرة في البلدان النامية وخاصة تلك الموجودة في أفريقيا.

حيث تشهد القارة الافريقية تغير المناخ بمعدلات أسرع من المتوسط ​​العالمي ويتفاعل تغير المناخ مع التوترات السياسية الإقليمية والصراعات العنيفة، ومع تأثير الظروف المناخية المتغيرة على توافر الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والإنتاجية الزراعية فإن المستويات المنخفضة من القدرة على الصمود أمام التغييرات المناخية الهائلة تعمل على تضخيم الآثار المترتبة على تغير المناخ وتؤثر على الأمن الإنساني في أفريقيا فمن المتوقع أن تشهد القارة الافريقية خلال السنوات المقبلة تغيرات غير مسبوقة في درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، مما يسفر عن تصاعد الصراعات العنيفة وارتفاع مستويات الفقر والأزمات الغذائية، ويرتكز هذا المقال على دراسة آثار تغير المناخ على الأمن الإنساني في أفريقيا.

التغييرات المناخية في أفريقيا

على الرغم من أن الدول الصناعية هي المحرك الرئيسي للاحتباس الحراري العالمي والتغيرات المناخية الشديدة ورغم أن مساهمة القارة الافريقية في كمية الانبعاثات المسببة للاحترار البيئي لا تتجاوز 4% من الإجمالي العالمي ، فإن البلدان الأفريقية تصنف ضمن الأكثر تضررا من تبعات تغير المناخ الكارثية التي تتسبب في انحدار التنوع البيولوجي البيئي الغني في القارة الأفريقية وتساهم في زيادة انعدام الأمن الغذائي والنزوح والتنقل وتهدد ملايين من سبل العيش، كما تساهم في الصراعات على الأراضي وانتقال الأمراض الحيوانية التي قد تؤدي إلى المزيد من الأوبئة، وكما هو الحال فإن محاولات وقف جميع انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي لا يمكن أن تخفف من الألم الذي يلحقه تغير المناخ.

فقد تسبب التغير المناخي في أفريقيا في ارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة مع توالي أعوام الجفاف وتغير أنماط سقوط الأمطار وحدوث فيضانات مما أثر بصورة مباشرة على الإنتاج والاقتصاد واستقرار المجتمعات الهشة التي تعاني أصلاً مشكلات تنموية وصعوبات معيشية، مما بات يهدد بحدوث أزمة غذائية حادة في عدة دول في أفريقيا، كما أنه أصبح يضعف الآمال التي كانت تسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاكتفاء الذاتي ، وتعد دول وسط وغرب أفريقيا من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية كونها تعاني من مشكلات تنموية واقتصادية وبيئية ولأنها لم تستعد بما يكفي لمواجهة آثار تغير المناخ، إضافة إلى موقعها الجغرافي وتنوع تضاريسها وتوفرها على مقدرات طبيعية هائلة مما يجعلها معرضة بصورة كبير لأخطار التغير المناخي.

ومن المتوقع أن تشهد البلدان الواقعة في إفريقيا ضمن 15 درجة من خط الاستواء ارتفاعًا في وتيرة موجات الحر حيث تشهد إفريقيا الوسطى والجابون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والمناطق الساحلية في شمال أنغولا بالفعل متوسط ​​8-10 موجات حر سنويًا، بينما تواجه أوغندا وشرق إفريقيا وكينيا وإثيوبيا بالإضافة إلى الساحل الأطلسي لجنوب إفريقيا أيضًا وتيرة متزايدة من موجات الحر، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بشكل أسرع في جنوب أفريقيا بمقدار درجتين مئويتين ، وكذلك في أجزاء من ناميبيا وبوتسوانا حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بشكل ملموس وربما يُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى إزالة الغابات.

وتشير بعض التقديرات من المنظمات الإقليمية الافريقية والاتحاد الافريقي إلى أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة للتغيرات المناخية فإن ما يصل إلى 118 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع سيتعرضون للجفاف والفيضانات بحلول عام 2030، وهو ما سيضع أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعرقل النمو بشدة في القارة السمراء، وبالتالي فعلى البلدان الأفريقية أن توجد حلولا مناسبة تساهم في التخفيف من المخاطر المتعلقة بالتغييرات المناخية.

الدول الأكثر تضرراً  بالفيضانات في أفريقيا (2024)

  • جنوب السودان – تضرر 4 ملايين شخص، وتشريد 380 ألف شخص.

  • تشاد – تضرر 1.9 مليون شخص، و570 حالة وفاة، وفقد 400 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.

  • نيجيريا – 321 حالة وفاة، و2854 جريحًا، و740,734 نازحًا، و1,373,699 متضررًا.

  • جمهورية الكونغو الديمقراطية – أكثر من 300 قتيل، وتضرر ما يقرب من 300 ألف منزل، وأصيب العديد من الشعب بالأمراض المنقولة بالمياه.

  • كينيا – 291 قتيلاً، و267 قتيلاً، و159 مفقوداً، وأكثر من 500 ألف نازح.

الدل الأكثر تضرراً بالجفاف في أفريقيا (2024)

  • زامبيا – تضرر 6 ملايين شخص، و52 ألف طفل من سوء التغذية، وبلغت الأضرار الاقتصادية 941 مليون دولار.

  • زيمبابوي – 7.6 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، وتضرر 3500 رأس من الماشية، وأكثر من 2.3 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة.

  • ملاوي – واجه حوالي 4.2 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأكثر من 6 ملايين معانون من الجوع وسوء التغذية بسبب الظروف الجوية القاسية، و2 مليون هكتار من المحاصيل المتضررة.

  • مدغشقر – أكثر من 2.3 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، وتضرر 15% من السكان منطقة ماناجاري و5% من سكان منطقة ماناكارا بشدة.

  • إثيوبيا – تضرر أكثر من 8 ملايين شخص، وافتقر حوالي مليون شخص إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، حيث جفت 1500 نقطة مياه، وتضرر ما يقرب 2.4 مليون رأس من الماشية في منطقة أمهرة.

العلاقة بين التغيرات المناخية والامن الإنساني

يهتم الأمن الإنساني بالسلامة من التهديدات المزمنة مثل الجوع والمرض والقمع وكذلك الحماية من الاضطرابات المفاجئة والضارة في أنماط الحياة اليومية سواء في المنازل أو الوظائف أو المجتمعات ، ويؤثر تغير المناخ بشكل متزايد على الأمن الإنساني في جميع أنحاء العالم بشكل عام وفي أفريقيا بشكل خاص ، حيث يشكل تغير المناخ تهديدًا كبيرًا للأمن الإنساني في أفريقيا ، ففي أفريقيا تعتمد سبل العيش بشكل أساسي على الموارد والبيئة المعتمدة على المناخ حيث يمكن أن تؤدي الأمطار غير المتوقعة وموجات الحرارة والفيضانات إلى إثارة المنافسة على الغذاء والمياه .

كما يمكن أن يؤدي انخفاض الناتج الزراعي إلى خسارة الدخل لشريحة واسعة من السكان وتتسبب موجات الجفاف والفيضانات والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر في دفع السكان إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى في بلدانهم كل عام ، فتغير المناخ يزيد من ندرة الموارد ويزيد من سوء العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية القائمة ، كما لا ينبع الخطر من تغير المناخ في حد ذاته بل أيضا من كيفية تفاعل الضغوطات المرتبطة بالمناخ مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية وتعد قدرة أفريقيا على التكيف مع الآثار السلبية لتقلبات المناخ والتعامل معها ضعيفة عمومًا .

آثار التغيرات المناخية على الامن الإنساني

لقد تم تحديد تغير المناخ أو الاحتباس الحراري العالمي باعتباره أزمة إنسانية وبيئية رائدة في القرن الحادي والعشرين، وتعتبر القارة الافريقية من أكثر مناطق العالم تأثراً بتداعيات ظاهرة التغييرات المناخية في وقت تعاني فيه القارة من صعوبات كبيرة في إدراك أهدافها التنموية يأتي التغير المناخي وتداعياته السلبية ليثقل كاهل القارة بالمزيد من الأعباء ويضع أمام مساعيها التنموية المزيد من العراقيل، وتتمثل آثار التغييرات المناخية في التالي؛

• الأمن الغذائي: تعد الزراعة الوسيلة التي توفر سبل العيش لنحو ثلاثة أرباع سكان أفريقيا حيث تعد الزراعة أكبر نشاط اقتصادي منفرد في القارة وتعتمد الزراعة في الأساس على مياه الأمطار وتؤدي موجات الجفاف الشديدة والممتدة والفيضانات وفقدان الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التصحر وتآكل التربة إلى تقليص المحاصيل الزراعية والتسبب في فقدان الماشية، الأمر الذي يعرض السكان الريفيين والرعاة للخطر، وقد تأثرت المناطق الرعوية بشدة بالجفاف المتكرر مما أدى إلى زعزعة استقرار الأسواق المحلية وتفاقم انعدام الأمن الغذائي ، كما يُتوقع أن تغيُّر المناخ سيؤدى إلي تقلص في المساحة الصالحة للزراعة وضعف الإنتاجية المرتقبة خاصة في المناطق شبه القاحلة والقاحلة .

• الأمن المائي: التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على الأمن المائي في أفريقيا وهي تعد من أكبر التحديات التي تواجه القارة في الوقت الراهن. فعلى الرغم من أن أفريقيا تضم العديد من الموارد المائية المهمة إلا أن تغير المناخ يعمق العديد من المشاكل المتعلقة بالمياه في القارة مما يؤثر بشكل مباشر على حياة السكان والتنمية المستدامة ، حيث تؤدي التغيرات المناخية إلى تغير أنماط هطول الأمطار مما يزيد من خطر نقص المياه في بعض المناطق وفيضانات في مناطق أخرى ، كما تتسبب التغييرات المناخية في ارتفاع درجات الحرارة مما يسفر عن تبخر المياه وتناقص الموارد المائية مما يزيد من حدة التنافس على المياه وزيادة التوترات حول الوصول إلى الموارد المائية ويهدد الأمن المائي.

• الهجرة والنزوح : النزوح البيئي هو مصطلح تم تقديمه لأول مرة في عام 1985 من قبل عصام الحناوي وهو باحث مصري ويوصف النازح البيئي بأنه شخص أجبر على ترك موطنه التقليدي بشكل دائم أو مؤقت بسبب اضطراب بيئي كبير تسبب فيه الناس والطبيعة، مما يعرض وجوده للخطر ويؤثر بشكل خطير على حياته، وقد أسفرت التغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة على القابلية للسكن في بعض المناطق وازدياد حالات الهجرة والنزوح البيئي مما يؤدي إلى حدوث خلل في التوزيع الجغرافي.

• ارتفاع معدلات الفقر وسوء الأحوال المعيشية : يؤثر تغير المناخ على حياة الناس في المجتمعات ويُنظر إليه على أنه تهديد كبير لسبل العيش ويعد التأثير الاقتصادي لتغير المناخ في أفريقيا كبيراً بدرجة لا يمكن تحمل تبعاتها، ويرجع ذلك إلى تدهور الموارد الطبيعية والخسائر في المحاصيل الزراعية أو انخفاض الإنتاج السمكي وارتفاع أسعار الغذاء جميعها عوامل تؤثر سلبًا على الشرائح الأفقر من السكان بسبب ضعف مواردهم وإمكاناتهم ولعل ذلك سوف يسهم بوضوح في زيادة نسبة الفقراء والمهمشين في أفريقيا.

• التأثيرات الصحية : تؤثر الزيادات في درجات الحرارة والتغيرات في أنماط هطول الأمطار وزيادة درجة ملوحة المياه بشكل كبير على صحة السكان في جميع أنحاء أفريقيا على ديناميكيات الأمراض المعدية المنقولة بالنواقل والمياه والأغذية والقوارض ، فمع ازدياد الفيضانات يتعرض الناس لخطر انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا والتيفوئيد بالإضافة إلي زيادة انتقال الأمراض على غرار الملاريا والحمى الصفراء وحمى الضنك والتهاب السحايا ويزيد من احتمالات تعرض النساء الحوامل لارتفاع ضغط الدم بما سيؤثر بالتبعية على ارتفاع نسب وفيات الرضع حيث لا تقتصر تأثيرات المناخ على الأمن البيئي أو الغذائي، لكنها تشمل الأمن الصحي والمجتمعي للأفراد خاصة داخل المناطق الفقيرة.

• إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي: إن تغير المناخ وتأثيراته على أفريقيا تتسارع من خلال إزالة الغابات ففي حين ان الغابات توفر موطناً لآلاف الأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، فإنها تحارب أيضاً آثار تغير المناخ في أفريقيا من خلال تخزين كميات هائلة من الكربون فوق وتحت الأرض، وقد أدت إزالة الغابات الناتجة عن قطع الأشجار غير القانوني لاستخدامها في الأغراض المنزلية كالطهي والتدفئة إلى انخفاض التنوع البيولوجي في إفريقيا وإضعاف القدرة على التكيف مع تغير المناخ.

ختاما

أدَّى تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية واتساع أبعادها المحلية والإقليمية إلى توجيه الاهتمام إلى مستوى الضرر الذي يسببه هذا التحدي على الأمن الإنساني في الدول الإفريقية، حيث تشكل الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية تهديد كبير للأمن الإنساني، فلم يعد يُنظَر إلى تغير المناخ باعتباره تحديًا بيئيًا فقط فقد تزايدت المخاوف الدولية بشأن التأثير الشديد لتغير المناخ علي الأمن الإنساني، حيث يؤثر تغير المناخ على الأمن الإنساني بطرق متعددة فتغيرات المناخ وتقلباته لديها القدرة على تهديد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والسياسي وكذلك يؤثر أيضًا على الصحة العامة كما ثبت أن تغير المناخ له تأثير على الأمن الغذائي والفقر والزراعة وسبل العيش المستدامة، وبالتالي يمكن القول بشكل قاطع أن تغير المناخ له تأثير مضاعف على جميع جوانب الحياة البشرية ويُنظر إليه على أنه أكبر تهديد للبشرية في القرن الحادي والعشرين وهذا يتطلب بذل جهود متضافرة واستراتيجيات شاملة للتعامل مع التحديات المرتبطة بالكوارث الطبيعية الناجمة عن المناخ وكذلك الحد من انبعاثات الكربون التي تعد السبب الأكبر لتقلب المناخ والعمل على تطوير حلول مستدامة تساعد في تعزيز مرونة المجتمعات المحلية وحماية الأمن الإنساني.

ــــــــــــــــــ

المراجع

  1. Josephine Khaoma W. Ngaira: Impact of Climate Change on Agriculture in Africa by 2030, Research Paper ( Lagos: Scientific Research and Essays, Vol.2 ,2020) .
  2. Robert Becker and Elliot Boateng, “Climate Change: A Friend or Foe to Food Security in Africa?”,Environment, Development and Sustainability Journal (Netherlands: Springer Nature, Vol.24 , 2022 ) .
  3. Lotsmart Fonjong a, Frank Matose b, David A. Sonnenfeld c , Climate change in Africa: Impacts, adaptation, and policy responses , Global Environmental Change ( Amsterdam  : Elsevier , 89, 2024 ) .

باحثة دكتوراه في العلوم السياسية.