رسومات ترامب الجمركية على الدول الأفريقية: تحول في الدبلوماسية التجارية

لقد طغت العلاقات التجارية غير العادلة على التجارة الخارجية الأفريقية منذ العصور الاستعمارية، ولا تزال أفريقيا مندمجة بشكل غير متماثل في التجارة العالمية حتى اليوم، بحيث لا تزال تهيمن على التجارة الخارجية الأفريقية، صادراتُ المواد الخام والزراعية من ناحية، و وارداتُ السلع للاستهلاك من ناحية أخرى. ويكمن أحد أسباب عجز أفريقيا الحالي عن الاستفادة بشكل كامل من توسع التجارة العالمية في التقسيم الاستعماري  للعمل، والذي تستمر عواقبه  في الظهور جليا على الهياكل الاقتصادية بدرجة أكبر بكثير من غيرها.

ومع ذلك، تعتمد أفريقيا على التجارة الخارجية بشكل أكبر من المناطق الاقتصادية الأخرى واللاعبين العالميين الآخرين، مثل الاتحاد الأوروبي أو أمريكا الشمالية التي تتعامل مع 63% و40% على التوالي من أعمالها مع جيرانها الإقليميين، مثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا. وتتلخص الأسباب الرئيسية لتبعيَّة أفريقيا في هذا الصدد، في كون السوق البينية الأفريقية مجزّأة، وفي عقود من التكامل الإقليمي والقاري الراكد، وارتفاع تكاليف التعاملات التجارية، وما يقابلها من حواجز جمركية وغير جمركية أمام التجارة، الحواجز التي ترجع -جزئيًا على الأقل- إلى شبكات التجارة الخارجية الاستعمارية الجديدة المنافسة للبلدان الأفريقية الناطقة بالانجليزية والفرنسية والبرتغالية، مثل شبكة “سادة أفريقيا” الفرنسية.

في طليعة هذا الشهر، قدّم الرئيس دونالد جيه ترامب عددًا من السياسات الاقتصادية الهادفة إلى إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية، تحت شعاره “أمريكا أولاً”. وفي حين تم إيلاء الاهتمام لحربه التجارية مع الصين والنزاعات الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، فإن السياسات التجارية الموضوعة بخصوص أفريقيا تمثّل أيضًا خروجًا كبيرًا عن الاستراتيجيات الأمريكية السابقة في التعامل التجاري مع القارة الأفريقية. وذلك بفرض إدارة ترامب رسوماتٍ جمركية كبيرة على مجموعة واسعة من السلع المستوردة من الدول الأفريقية في 3 أبريل 2025، كجزء من استراتيجية أوسع لمعالجة العجز التجاري الأمريكي وتشجيع التصنيع المحلي. وادعى الرئيس ترامب بأن السياسات السابقة تسمح لدول أخرى أن تنهب أمريكا من ثرواتها، وأن تحتال على حقوق دافعي الضرائب منذ أكثر من 50 عامًا. أما التعريفات الانتقامية المفروضة على الولايات المتحدة فستؤثر في الغالب على الدول ذات التصنيع الثقيل. فالمكسيك مثلا تشتري 70% من صادرات نيو مكسيكو، من ضمنها إنفاق بلايين الدولارات على  رقائق أشباه الموصلات الأمريكية والمكونات الكهربائية التي تعود لاحقًا إلى الولايات المتحدة في السيارات والأجهزة المكسيكية الصنع، بينما ترسل تكساس ما يزيد على 20 بليون دولار من الرقائق وقِطَعِ السيارات والمعدَّات الكهربائية إلى المكسيك. وبشكل عام، تمثل صادرات الولاية المتجهة جنوبًا نسبة 5% من ناتجها المحلي الإجمالي. ومن شأن الرسومات الجمركية أن تؤثر أيضًا على صادرات ولاية أوهايو من السيارات والمعادن بقيمة 5 بليون دولار إلى كندا، بالإضافة إلى صادرات ولاية ماين من الخشب والورق البالغة 320 مليون دولار.

رسومات ترامب الجمركية: موجة عارمة عبر الاقتصادات الأفريقية

أفاد البيت الأبيض بانطلاق تنفيذ فرض الرسومات الجمركية بنسبة 10% في 5 أبريل، على أن تبدأ الرسومات الجمركية الكبرى في 9 أبريل، مع التوقع أن تدرّ الرسومات الشاملة مئات المليارات من العائدات السنوية لتمويل المشاريع الرئيسية في الولايات المتحدة. ويقول محلّل بأن الآثار المترتبة على هذه السياسات الأمريكية المتجددة في عهد الرئيس دونالد ترامب، سوف تؤثر بشدة على الأسواق الأفريقية، خاصة بالنسبة للبلدان التي كانت تعتمد منذ فترة طويلة على الوصول التفضيلي من خلال قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA). و صارت دول مثل ليسوتو وجنوب أفريقيا تبحث عن بدائل من خلال تعزيز التجارة الإقليمية من خلال أطر أخرى، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) والسعي وراء اتفاقيات تجارية ثنائية جديدة.

ويرى رئيس مجموعة بنك التنمية الأفريقي أكينوومي أديسينا، وسط مواجهة أفريقيا للتمويل العالمي المتضائل والرسومات الجمركية العالية والتوترات الجيوسياسية، بأنه يجب على أفريقيا أن تفطم نفسها عن الاعتماد على المساعدات الخارجية، وأن ترسم مستقبلها بشكل عاجل من خلال الاعتماد على الذات، والشراكات الاستراتيجية، والاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة. وأفاد بأن التفكيك الأخير لوكالة مساعدات التنمية الرسمية في الولايات المتحدة، والتدابير المماثلة المناهضة للمساعدات في أجزاء أخرى من أوروبا، يعني انتهاء صلاحية جداول التنمية القديمة التي اعتمدت عليها أفريقيا سابقا. أضف إلى ذلك أنه تم وضع 47 دولة من أصل 54 دولة أفريقية تحت رسومات أمريكية زائدة، وستكون آثار ذلك ناتجة في انخفاض كبير في الصادرات وتوافر النقد الأجنبي في البلدان الأفريقية، ما  سيرسل موجات صادمة أخرى عبر الاقتصادات الأفريقية.

ولقد تعرضت دولة ليسوتو لأعلى معدلات الرسومات الجمركية التي فرضتها حكومة دونالد ترامب على دول أفريقيا، وسيتعين على الأميركيين الذين يجلبون البضائع منها دفع ضريبة استيراد إضافية بنسبة 50%، إذ كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري كبير مع ليسوتو، التي تبيع المنسوجات – بما في ذلك الجينز والماس – إلى أميركا، حيث استوردت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 237.3 مليون دولار من ليسوتو في عام 2024 بينما صدرت إليها فقط بضائع بقيمة 2.8 مليون دولار، وفقًا لبيان البيت الأبيض. بهذا، كان معدل الـ 50% بالنسبة لليسوتو جزءًا مما وصفه ترامب بـ”الرسومات الجمركية المتبادلة” المفروضة على الواردات من عشرات الدول. و ردا على هذا التطور، أفاد وزير التجارة في ليسوتو، موخيثي شيليل، بأن الحكومة تعزم على إرسال وفد خاص إلى واشنطن لإجراء النقاش ضد الإجراء التجاري الجديد. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عنه قوله للصحفيين ما نصّه: “كان مصدر قلقي الأكبر هو الإغلاق الفوري للمصانع وفقدان الوظائف”. وفي عام 2022، كانت نيجيريا ثاني أكبر وجهة للصادرات الأمريكية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وفي 2023، صدرت نيجيريا ما قيمته 6.29 بليون دولار من البضائع إلى الولايات المتحدة، بينما استوردت من البضائع ما قيمته 3 بليون دولار، ما ترك الولايات المتحدة مع عجز تجاري قدره 3.29 بليون دولار.

الاستجابات الاستراتيجية لرسومات ترامب الجمركية

لقد  أشار أحد المراقبين إلى أن تلك الرسومات الأمريكية تلغي فعليا قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، وهو برنامج يوفر للدول المؤهلة في المنطقة إمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية ويعمل تحت شعار “التجارة، ولا المساعدات”. ويضمن القانون وصول السلع الأفريقية إلى السوق الحرة، كما يساعد في تصنيع القارة، مما أدى إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل. وأفاد وزير التجارة لجنوب أفريقيا باركس تاو في مؤتمر صحفي ما نصه: “القول بأننا سنفرض رسومًا جمركية متبادلة دون أن نفهم أولاً كيف توصلت الولايات المتحدة إلى 31% سيكون له نتائج عكسية”، مضيفًا أن ​​الرسوم الجمركية المتوسطة في جنوب إفريقيا على الواردات تبلغ 7.6%.. وأضاف الوزير تاو بأن الحكومة لن تزيل المزايا التي تتمتع بها شركات صناعة السيارات الأمريكية في إطار برنامج تطوير إنتاج السيارات، وهو برنامج لحوافز الإنتاج.

وكذلك أفاد وزير الخارجية لجنوب أفريقيا رونالد لامولا بأن رسومات ترامب تلك، قد ألغت فعليًا المزايا التي تمتعت بها الدول الأفريقية بموجب قانون النمو والفرص الأفريقية. وأثبت الوزراء بأن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة تؤكد حاجة جنوب أفريقيا إلى تسريع جهودها الرامية إلى تنويع أسواق صادراتها، مشيرين إلى أسواق أخرى في آسيا والشرق الأوسط باعتبارها فرصا محتملة. وفي غضون ذلك، أكّدوا بأن الحكومة سوف تسعى إلى دعم الصناعات الأكثر تضررا من الرسوم الجمركية، بما فيها صناعة السيارات والزراعة والأغذية المصنعة والمعادن. وفي ظل تحقيق الاقتصاد المتنوع واعتبار الصين شريكها الأول، ربما تتطلع جنوب أفريقيا الآن إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة بحثاً عن أسواق جديدة.

تحويل التحديات إلى فرص في أفريقيا

يرى كاكو نوبوكبو، الخبير الاقتصادي والوزير السابق في حكومة توغو، أن رسومات ترامب الجمركية سوف تضر أكثر بالدول الأفريقية التي كانت تعاني من الأزمات السياسية. وبالتالي، يتحتم على الدول الأفريقية تعزيز سلاسل القيمة الوطنية والإقليمية الخاصة بها، كحواجز ضد الرسومات الجمركية. ولكن يرى المؤيدون لسياسة زيادة الرسومات أن الرئيس ترامب قد جلب الصدق المنعش إلى العلاقات التجارية، وطالب بالمنفعة المتبادلة وتحمل المسؤولية. وأشاروا أيضًا إلى أن بعض الدول تحتاج إلى تحمل المسؤولية عن الخطوات التي تتعارض مع المصالح أو القيم الأمريكية.

غير أن الرئيس دولناد ترامب أعلن في 9 أبريل، إيقاف تنفيذ هذه السياسة الجديدة مؤقتا لمدة 90 يومًا، ويشمل هذا الإيقاف جميع الرسومات المفروضة على جميع البلدان باستثناء الصين فقط، وذلك بعد أن تحولت أسواق السندات والأسهم إلى خسران بعد أقل من يوم من تنفيذ السياسة عليها. وفي الوقت نفسه، زاد الرئيس ترامب الرسومات الجمركية على البضائع الصينية من 104% إلى 125%. ولقد أثبت الخبراء بأنه كان من المتوقع أن تؤدي هذه الرسومات المفروضة على البلدان الأفريقية إلى خفض عائدات التصدير للعديد من الدول المستفيدة من قانون AGOA. واستجابة لذلك، تتطلع البلدان إلى تنويع اقتصاداتها، وتعزيز سلاسل التوريد الإقليمية، والانخراط في الدبلوماسية الاستراتيجية. ويجري أيضًا استكشاف القنوات القانونية والمنتديات المتعددة الأطراف كوسيلة أخرى لتحدي تلك الرسومات الجمركية، والسعي نحو شروط تجارية أكثر ملاءمة. فمن أجل بناء اقتصادات قادرة على الصمود، يجب على أفريقيا أن ترسم مستقبلها، بالاعتماد على الذات لا على إحسان الآخرين، وبالاعتماد كذلك على بناء تحالفات موثوقة، والاستفادة من الفرص في الديناميكيات العالمية، مع وضع أفريقيا في المقام الأول. وعندها فقط سوف تستعيد أفريقيا عظمتها مرة أخرى.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.