
الإيكواس تواجه ضريبة جديدة من اتحاد دول الساحل – نعمة أم نقمة؟
لم تزل منظمة الإيكواس تبذل جهودها بالطرق الدبلوماسية لتوطيد الصلة بينها وبين الأعضاء المنفصلة عنها (مالي بوركينا فاسو و النيجر) والمتسمية الآن باتحاد دول الساحل (AES). تسعى نحو ذلك وهي تؤكد موقفها الراسخ بأن باب العلاقة بينهما مفتوح دائما. فقد صرّح بالقول الرئيس السنغالي المكلف بقيادة المفاوضات باسم المنظمة في يوليو 2024، أن هناك تطورا ملموسا وتقدما إيجابيا بعد المفاوضات، وأضاف قائلا أنه لا يوجد لدول اتحاد الساحل مانع يمنعها من الحفاظ على علاقتها مع الإيكواس في وسط الاضطرابات الأمنية المستمرة في المنطقة على يدي القاعدة وأيسيس.
بيد أن الخطوة الجريئة من هذه الدول الساحلية تنبئ أن هذه النوايا الدبلوماسية الحسنة لم تثمر المرجوّ، بل العكس ما أثمرته، حيث أعلنت دول اتحاد الساحل فرض ضرائب بنسبة %0.5 على جميع السلع والبضائع المستوردة من أعضاء منظمة الإيكواس باستثناء السلع الإنسانية، بادعاء أن ذلك وسيلة لتمويل حركاتها وأنشطتها. و بما أن هذه الخطوة تشكل تهديدا مباشرا للتجارة الحرة داخل المنطقة، قررت منظمة الإيكواس عقد مؤتمر طارئ لإجراء المناقشة حول خطوتها التالية.
نظرة ثاقبة على النزاع بين الإيكواس واتحاد دول الساحل
تواجه الإيكواس صعوبة كبيرة في تحديد خطوتها واتجاهها عند ما تفاقم تهديدات الانفصال من قبل المجالس العسكرية في مالي و بوركينا فاسو والنيجر؛ هل تتمسك بمبادئها فتقوم باستبعاد الدول التي أُجريِت انقلابات عسكرية فيها حتى تُعيد بناء حكوماتٍ ديموقراتية لصالح المواطنين؟ أم تُساوم على مبادئها للحفاظ على وحدةٍ شكليةٍ على الأقل، فتسمح للحكومات العسكرية بالعودة إلى المنظمة؟. مع العلم بأنه قد فقد منظمة الإيكواس الاعتبار والدعم بين المواطنين في بعض الدول الأفريقية الغربية، الذين يرونها تمثل مصالح القادة فقط دون النصالح العامة، وفق إشارة مدير برنامج أفريقيا في مركز ويلسون للأبحاث في بواشنطن.
ونظراً للصعوبات العملية الكامنة في تشكيل المجموعات الاقتصادية بين الدول المستقلة، استغرقت عملية تشكيل الإيكواس عشر سنوات بعد اتخاذ قرار التشكيل من اللجنة الاقتصادية لأفريقيا. فتم تأسيسها -وهي تتضمن خمس عشرة دولة أفريقية – منذ خمسين عاما بهدف التعاون والتوحيد بين الدول الأعضاء، ولرفع مستوى المعيشة بين شعبها، والحفاظ والترويج على الاستقرار الاقتصادي. ولقد شهدت مالي وبوركينا فاسو والنيجر انقلابات عسكرية في السنوات الماضية، مع دعم شعبها للقادة العسكريين. وبذلك ساءت العلاقات بين الإيكواس وهذه الدول الثلاثة. و بعد سلسلة محاولات دبلوماسية، وفرض العقوبات غير الإنسانية، والتهديد بالتدخل العسكري، والسياسات الانعزالية التي تهدف بالضغط على إعادة الأخذ بالحكم الديموقراتي في تلك الدول، انفصلت الدول الثلاثة – مالى، بوركينا فاسو، النيجر- من الإيكواس في يناير 2024، وأعلنت تشكيل جبهة أخرى باسم تحالف دول الساحل. و يعد هذا ضربة قوية لم توجه مثلها على الإيكواس منذ تأسيسها، كما أنه خطوة إلى الوراء في سياسة التحرر التجاري. وتتلخص مبررات هذه الدول لانسحابها في عدم وجود دعم المنظمة في مكافحة الإرهاب وفرض العقوبات غير القانونية عليها، والاعتقاد بأن المنظمة تنحاز لفرنسا، الأمر الذي دفع تحالف دول الساحل إلى التعاون مع روسيا لمواجهة الضغوط وتحدي هيمنة الإيكواس في المنطقة.
فتكوّن تحالف دول الساحل من نحو 72 مليون نسمة تحت رئاسة دولة مالي، بتوقيع من رؤساء مالي و بوركينا فاسو والنيجر، على اتفاقيات بشأن معاهدات عدم الاعتداء الأمني، والتعاون في المجالات الاقتصادية والنقدية والاجتماعية. ورأى المحللون أن تأسيس تحالف الدول الساحل تطور مهم في المشهد السياسي والأمني لغرب أفريقيا. وكما يعتقد البعض أن الانسحاب من الإيكواس سوف يزيد طين الأمن بلّة في المنطقة. ويقول أحد المسؤولين الكبار في الأمم المتحدة أن منطقة الساحل – شبه القاحلة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى والتي تضم الدول الثلاث المنسحبة من الإيكواس – تعاني من حركات التمرد الإرهابية، وتمثل إحصائية الوفيات فيها الآن ما يقرب من نصف جميع الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم. وعلاوة على ذلك، هناك خطر عظيم في إمكانية تحول هده الدول إلى منطقة غير خاضعة للمراقبة والمحاسبة، تحظى بحماية روسيا مقابل الذهب، فتعيش على الاتجار غير المشروع بالبشر والبضائع عبر الصحراء الكبرى.
الآثار المحتملة للضريبة على غرب أفريقيا
فرضت تحالف دول الساحل -المتكونة من مالى بوركينافاسو والنيجر- ضريبة جديدة على البضائع المستوردة من دول غرب أفريقيا أعضاء منظمة الإيكواس، وستُطبق هذه الضريبة المعروفة بــــــ “الضريبة الكونفدرالية” (PC-AES) رسومًا بنسبة 0.5%، بهدف تمويل أنشطتها. وأعرب المحللون بأنه يصعب التنبؤ عن مستقبل منطقة الساحل، إذ هذه الخطوة تجعل مستقبل المنطقة غامضة جدا، إذ الضريبة هذه تُشير إلى قرب نهاية محتملة للتجارة الحرة في غرب أفريقيا، كما تُمثل تدهورًا أسوأ في الوضع الدبلوماسي بين الكتلتين. وفي الواقع، لقد بذلت منظمة الإيكواس جهودا كثيرة لإزالة الحواجز التجارية بين أعضاءها الخمس عشرة، الأمر الذي أصلح التكامل الاقتصادي في المنطقة بشكل ملحوظ.
وبالتالي، يحذر المحللون من أنه مع إمكانية هذه السياسة أن تولد إيرادات قصيرة الأجل لدول تحالف الساحل، غير أنها قد تأتي بنتائج وخيمة عليها كذلك فيما بعد، وقد يؤدي ذلك إلى غلاء السلع مثل الأغذية والأسمنت وهلم جرا، وإلى الارتفاع في تكاليف الاستيراد كذلك، ما سيؤثر سلبياً على الاقتصادات التي تعاني من عدم الاستقرار في المنطقة فتتعطل التجارة الإقليمية بسبب ذلك. وقد يصل الضرر إلى نيجيريا باعتبارها أكبر اقتصاد في غرب أفريقيا – وفق تقرير مجموعة البنك الأفريقي للتنمية لعام 2020- من حيث إعاقة التقدم الاقتصادي الإقليمي بعد إلغاء اتفاقيات التجارة عبر الحدود والمبادرات الاقتصادية الناتجة عن انسحاب تلك الدول الثلاث من الإيكواس. علاوة على ذلك، تشكّل هذه السياسة خطراً كبيرا على كيان الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تعتمد على التجارة السلسة المستمرة لاستدامة عملياتها. أما تكاليف التعاملات التجارية المتزايدة والصعوبات التنظيمية، فسوف تؤديان إلى خنق نمو الأعمال التجارية، ما قد ينتج في فقدان الوظائف وانخفاض النشاط الاقتصادي.
تطلع في المستقبل نحو حل التوترات بين الإيكواس وتحالف الدول الساحل
يؤكد جويل أهوفوجي، رئيس قسم الاتصالات في منظمة الإيكواس على أنه ستناقش المنظمة علاقاتها المتوترة مع تحالف دول الساحل خلال اجتماع استثنائي للمجلس، مُقرر عقده في 22 أبريل، دون أن يعطي أي معلومة حول الخطوات المتوقعة، ما يفيد بأنه لم تحدد الإيكواس بعد خطوتها التالية. أكد أهوفوجي أنه ستتم في الاجتماع كذلك مناقشة ضريبة 0.5% وآثارها المحتملة على التجارة في المنطقة. وقد يبدو الترحيب بآراء الأعضاء الموقوفين مؤقتا أمرا مثيرًا للجدل، إلا أن هذا سيتماشى مع التزام الكتلة بمواصلة التعاون مع الأعضاء الموقوفين. والآن يتطلب الوضع كحل الجمعَ بين استراتيجيات اقتصادية، ومكالمات سياسية، والتعامل مع القطاعات الخاصة، لأن غرب أفريقيا الآن في مفترق الطريق حيث تحدد خياراتُها اليوم مستقبل المنطقة اقتصاديا.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.