خروج رواندا من إيكاس(ECCAS): تغيير لمجرى الأمور

كانت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (ECCAS) هيئة اقتصادية إقليمية للدول الواقعة في المنطقة الوسطى من أفريقيا. و تسعى – منذ أن تم تأسيسها بتوقيع معاهدة في ليبرفيل في عام 1993 – إلى تعزيز التنمية الإقليمية، ودعم التكامل الاجتماعي والاقتصادي، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي من خلال التعاون. ثم تحوّلت الكتلة إلى “مفوضية” بعد إجراء إصلاحات معينة في ديسمبر 2019، على أمل تحقيق مستقبل مشترك في بيئة يسودها السلام والأمن والاستقرار، والتنمية المستدامة، والحُكم الرشيد، والتحسين المستمر في ظروف معيشة المواطنين، والحرية، والعدالة، كما نُصَّ عليها في أهدافها الجديدة.

وتعد الكتلة ضمن المجموعات الاقتصادية الإقليمية المعترفة بها من قبل الاتحاد الافريقي (AU)، وبصفتها إحدى أعمدة الجماعة الاقتصادية الأفريقي (AEC)، يتوقع منها أن تلعب دورًا مهمًا في تنفيذ خطة التكامل القاري، غير أن طموحات الكتلة في دفع عجلة التنمية الإقليمية إلى الأمام، واجهت تحديات متعددة على مدى السنوات.ومن  ضمنها، الانسحاب الرسمي الأخير لدولة رواندا من الكتلة، ما يستدعي  النظر في حالة الكتلة الراهنة، ويثير مخاوف بشأن تأثيرات هذا الانسحاب المحتملة.

كانت الكتلة تتكون من احدى عشرة دولة قبل انسحاب دولة رواندا، حيث تحمل عضويتها أنغولا، و بوروندي، والكاميرون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، والغابون، والكونغو، ورواندا، وساو تومي وبرينسيبي. وبهذا الانسحاب من رواندا أصبحت الكتلة مكونة من عشرة أعضاء فقط تراكم تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة أمامها.

رحلة  منظمة إيكاس: الانتصارات والتحديات

كان هنك ستة مجالات رئيسية  محددة  كأولويات الكتلة لتحقيق أهدافها عبر الاعتماد الذاتي الإقليمي، في نص المعاهدة التأسيسية للكتلة. وتشمل هذه المجالات التكامل السياسي عبر التعاون السياسي لتحقيق السلام والأمن، والتكامل الاقتصادي والمالي من خلال إنشاء سوق مشترك يضمن حرية حركة السلع والتجارة، والتكامل المادي من خلال تطوير البنية التحتية الإقليمية، والتكامل البيئي لضمان الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية في الريف، والتكامل الاجتماعي وتطوير الإنسان للقضاء على الفقر وتحقيق الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية، والتكامل المؤسسي عبر الإصلاح التنظيمي، بيد أن هذه المجالات قد شهدت نكسات كبيرة، ما أدى إلى قلة نسبة نجاحها بالمقارنة بمجموعات اقتصادية إقليمية أخرى.

ولقد واجهت مجموعة إيكاس منذ تأسيسها عوائق عديدة تعرقل جهودها الرامية إلى تحقيق التكامل الإقليمي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي طليعتها عدم الاستقرار السياسي المستمر والنزاعات المستمرة التي لا تزال تواجهها على مدار السنوات. فكل من أزمة الأنجلوفونيين في الكاميرون، والمظاهرات المتواصلة ضد الرئيس الحالي بول بيا، لتوليه الحكم منذ عام 1982، والاشتباكات بين الجماعات المتمردة والميليشيات والقوات الحكومية في جمهورية أفريقيا الوسطى، والأنشطة العنيفة التي تقوم بها العديد من الجماعات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا سيما من قبل متمردي حركة M-23، والتمرد الانفصالي في كابيندا بأنغولا، والهجمات المتمردة والصراعات الداخلية في تشاد، تشكل جزءا من أسباب الزعزعة السياسية في المنطقة الوسطى، ما قد أدى إلى غياب الثقة بين قادة كتلة إيكاس، الأمر الذي يعيق تنمية المنطقة.

كما أن عدم التنويع الاقتصادي والاعتماد المفرط من قبل الدول الأعضاء على الموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن في اقتصادها، يُعد من التحديات الاقتصادية الكبرى التي تعاني منها مجموعة إيكاس، حيث أظهرت أداء ضعيفًا في تعزيز التجارة الإقليمية مقارنةً بكتلات أخرى مثل “سادك” و”إيكواس”.  وقد عانت بين عامي 1992 و1999، من أزمات مالية حادة نتيجة لعوامل عدة، منها تخلّف الدول الأعضاء عن دفع مستحقاتها، مما أدى إلى إبطاء تنفيذ المشاريع التنموية وتأخيرها.

لماذا انسحبت رواندا من مجموعة إيكاس؟

لقد سبق أن انسحبت رواندا من منظمة إيكاس مؤقتًا عام 2007، من أجل التركيز على عضويتها المنظمات الإقليمية الأخرى، مثل مجموعة شرق أفريقيا (EAC) والكوميسا (COMESA). ثم عادت إلى منظمة إيكاس في عام 2016، بهدف توسيع آفاقها الاقتصادية وتعزيز نفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة. أما الانسحاب الأخير المعلن في 7 يونيو 2025، فلم يكن بدافع موازنة الانخراط في المنظمات الإقليمية الأخرى، بل كان تعبيرًا عن عدم رضى رواندا بأساليب إدارة الكتلة. والسبب وؤاء الانسحاب هذه المرة، كان نزاعًا حول رئاسة الكتلة الدورية.

وبينما تحتفظ غينيا الاستوائية بمنصب الرئاسة،  كانت رواندا تطالب بحقها في قيادة الكتلة للفترة 2025-2026، مستندة إلى المادة 6 من معاهدة إيكاس، واعتبرت رواندا استمرار غينيا الاستوائية في منصب الرئاسة “محاولة مفروضة من قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية” لتقويض حقوق دولة رواندا. ويجب التنويه بأنه قد سبق استبعاد رواندا من المشاركة في قمة إيكاس الثانية والعشرين في كينشاسا عام 2023، برئاسة الكونغو الديمقراطية. واشتكت رواندا على هذا الاستبعاد إلى الاتحاد الأفريقي، واصفةً إياه بـ “غير القانوني والمتعمد”. ولكن تجاهل الاتحاد لشكواها، عزز من موقف رواندا بأن المبادئ الأساسية للكتلة لم تعد تُحترم. ولهذا عدّ وزير الخارجية الرواند منظمة إيكاس من أضعف الكيانات الاقتصادية التابعة للاتحاد الأفريقي، مشيرًا إلى خلل القيادة كمشكلة أساسية لديها.

 تداعيات انسحاب رواندا من إيكاس

يحمل انسحاب رواندا من مجموعة إيكاس تداعيات حرجة ليخلفها على المشهد السياسي للكتلة، والتكامل الاقتصادي، والأمن الإقليمي.  وبالنظر إلى الضعف الهيكلي وعدم الفاعلية المتأصلة التي عانت منها المجموعة منذ فترة طويلة، يسهل القول بإن انسحاب رواندا نتيجة لوجود انحيازات سياسية بين الدول الأعضاء. كما تساهم الصراعات طويلة الأمد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والاتهامات الموجهة إلى رواندا بدعم متمردي حركة M23 — والتي تفندها رواندا دائما — في تبرير انسحاب رواندا المعلن من المجموعة.

ومن ثم، فلا تقتصر هذه التداعيات على مجرد انسحاب عضو عادي، بل كان من الممكن أن تترك آثارًا سياسية خطيرة تتجاوز ذلك.  فالانسحاب، القائم على اتهامات بالتلاعب وإنكار الحقوق، يُضعف فعالية المجموعة المؤسسية، ويعزز التوترات وفقدان الثقة بين دول وسط أفريقيا. كما يسلط الضوء بوضوح على تفكك الآليات السياسية داخل المجموعة. وقد تأثرت شرعية إيكاس بشكل مباشر سلبيا، منذ أن تم الإعلان عن الانسحاب، ، حيث استمر النقاد في تبرير انسحاب رواندا ووجهوا الانتقادات للمجموعة، مشككين في قدرتها على العمل بفعالية كهيئة إقليمية.ويؤكد على ضعف الكتلة وعجزها عن فرض نفسها كهيئة إقليمية فعالة، تصريح الدبلوماسي الأمريكي السابق، تيبور ناجي، بأنها “الأقل فاعلية بين المجموعات الإقليمية في أفريقيا، وأنها لا تقوم بأكثر من عقد الاجتماعات.”

وكان عدم الالتزام بالقوانين، وعدم احترام المبادئ، وعدم الالتزام بالمعاهدات التأسيسية، في قائمة الاتهامات الموجهة إلى المجموعة من قبل رواندا. وقد تهيئ هذه الاتهامات مخرجا سريعا لدول أعضاء أخرى ترغب في الانسحاب، حيث يمكن أن تبدأ كل دولة عضو في التشكيك في جدوى عضويتها إذا أصبحت الانحيازات السياسية معيارًا لتطبيق القواعد واتخاذ القرارات. فالثقة السياسية وتأثيرها بين أعضائها المتبقين والمجتمع الدولي، باتت الآن على المحك بعد انسحاب رواندا.

وتتمثل إحدى التداعيات الأخرى لانسحاب رواندا في التهديد المحتمل لتحقيق التكامل الاقتصادي في المنطقة. فمعلوم أن مجموعة إيكاس قد عانت لسنوات من صعوبات مالية، مما جعل سعيها نحو تحقيق التكامل الاقتصادي مهمة صعبة للغاية. ولا تمثل التجارة البينية بين دول الجماعة سوى 5% فقط من إجمالي التجارة الأفريقية، وهو ما يعكس صعوبات كبيرة في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أعضائها.

وأيضا، أصبحت المجموعة، بسبب هذا الانسحاب – على الرغم من ضعف تكاملها الاقتصادي –  عرضة للتفكك الاقتصادي أكثر. ويُحتمل أن تتأثر سلبيا منطقة دار السلام، التي تُعد شريان إمداد مهم لدولة ارواندا جراء ذلك. وربما نشهد في الأيام المقبلة تعقيدًا في تدفقات التجارة الثنائية بين رواندا والدول الأعضاء الأخرى في الجماعة، ولا سيما جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تُعد شريكًا تجاريًا بارزًا لرواندا.

لقد واجهت المجموعة صعوبات كبيرة سابقا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية في الوقت المحدد، حتى في ظل عضوية رواندا. ومن المتوقع أن تواجه مشاريع البنية التحتية الإقليمية الكبرى — مثل نظام خط أنابيب أفريقيا الوسطى — تأخيرات أطول، بسبب غياب دور رواندا في التوسط في النزاعات، ما يمكن أن يترك هذه المشاريع عرضة للصراعات الإقليمية.

ومع كل ذلك، كشف انسحاب رواندا عن هشاشة إيكاس الاقتصادية فقط، بدل انهيار المجموعة، وأثبت أن خطواتها نحو التكامل الاقتصادي غير كافية. كما أن انسحاب عضو رئيسي كرواندا، المنفتحة على فرص التكامل مع مجموعات إقليمية أخرى مثل مجموعة شرق أفريقيا (EAC) والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA)، يقلل من فرص المجموعة في أن تصبح سوقًا متوازنًا إقليميًا. وقد تبدأ الدول الأعضاء الأخرى في تحويل تركيزها نحو السعي للتكامل الاقتصادي خارج المجموعة، من خلال خلق أو تعزيز علاقات تجارية ثنائية مع مناطق أخرى.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن انسحاب رواندا — باعتبارها دولة تمتلك قدرات عسكرية — سيُضعف من قدرة مجموعة إيكاس العسكرية على الاستجابة للتهديدات الأمنية في المنطقة. ولا بد من أن يقلل غياب رواندا عن آليات السلام والأمن التابعة للمجموعة، مثل مجلس السلام والأمن في أفريقيا الوسطى (COPAX)، من قدرة إيكاس للتكتل في مواجهة الجماعات المسلحة والتعامل مع التهديدات الأمنية عبر الحدود.

كما أن انسحاب رواندا جاء في وقت حرج، حيث تتواصل فيه محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن النزاعات المستمرة في شرق الكونغو، وقد يؤدي ذلك إلى انتكاسة حادة في تنفيذ اتفاقيات السلام.

فالكتلة بحاجة ماسة -وبشكل عاجل- إلى التخفيف من وبال تداعيات انسحاب رواندا على تنمية المنطقة، وذلك عبر الشروع في إصلاح داخلي جاد من خلال تقييم ذاتي شامل لمدى فعاليتها العامة، بهدف إعادة بناء الثقة بين الدول الأعضاء، وإظهار حوكمة رشيدة وذات مصداقية، وتنشيط جهودها في تحقيق التكامل الاقتصادي.

 

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.