
اتفاق السلام برعاية الولايات المتحدة: هل بإمكانه إصلاح العلاقات بين رواندا والكونغو الديمقراطية؟
تأثرت كونغو الديمقراطية في منتصف التسعينات بعواقب الإبادة الجماعية في رواندا تأثرا عظيما، فكان كالبنزين يزيد نار التوترات والصراعات المجتمعية السابقة اشتعالا، بالإضافة إلى الحوكمة الجشعة والتصرف اللامبالي من قبل الحكومة الكونغولية في مقاطعاتها الشرقية. في عام 1994، خلال فترة ما بين 6 أبريل ومنتصف يوليو، استمرت الفوضى لمدة 99 يومًا، وفقد ما يقارب 500,000 إلى 800,000 من التوتسي والهوتو المعتدلين حياتهم في رواندا في إبادة جماعية مخططة بشكل منهجي.
منذ عام 1996، لعبت العلاقة الثنائية بين رواندا وكونغو الديمقراطية دورًا حاسمًا في إصلاح الوضع في شرق كونغو، غير أنه لم يمض وقت كثير في ذلك حتى انهارت العلاقات، مما أدى إلى عداء مرير ودامٍ بين البلدين، تخلّله مواجهات عسكرية، ونهب لموارد الكونغو الطبيعية، ومقتل أكثر من 6 ملايين شخص. وكان مؤتمر غوما الذي يعتبر أضمن خطوة نحو إحلال السلام بشرق الكونغو، من خلال التوصل إلى اتفاق سلام بين العديد من الفصائل المتحاربة، لم يدم نجاحه لفترة طويلة، بل سرعان ما تلاشى الاتفاق بعد استئناف القتال في عام 2008.
وفي ديسمبر 2024، سيطرت إحدى الجماعة المتمردة المسلحة في شرق كونغو المعروفة بــــ M23 على عاصمتي غوما وبوكافو، وهي تدعي حماية أقلية قبائل التوتسي، بينما في الحقيقة أججت الاضطرابات في تلك المنطقة التي تعاني من صراعات مسلحة ونزاعات على المعادن، وقد أدى الصراع إلى تعطيل إيصال الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، حيث لا تزال العديد من الأماكن غير آمنة، مما يترك النازحين بلا احتياجاتهم الأساسية.
تتهم جمهورية الكونغو الديمقراطية دولة رواندا بدعم جماعة M23 بالسلاح والقوات، لكن رواندا تنكر هذه الاتهامات على الرغم من تأكيدات الأمم المتحدة والولايات المتحدة. وفي مارس 2025، دعا الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي إلى الهدنة خلال محادثات مفاجئة بوساطة أمير قطر في الدوحة. وفي أبريل 2025، وقعت وزيرة الخارجية الكونغولية تيريز كايكوامبا فاغنر ونظيرها الرواندي أوليفييه ندهونغيري إعلانًا برعاية أمريكية في واشنطن، بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، و نذر الطرفان باحترام سيادة كل منهما الآخر وصياغة اتفاقية السلام لإنهاء الأعمال العدائية في شرق الكونغو. وتم هذا في 27 يونيو 2025 حيث وقع وزيرا خارجية رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على اتفاق السلام برعاية الولايات المتحدة، بهدف تعزيز السلام طويل الأمد وزيادة التعاون الاقتصادي والأمني. وكان عدد سكان الكونغو الديمقراطية يزيد على من 110 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد سكان رواندا 14 مليونًا.
التغيير الوشيك وسط جهود الولايات المتحدة
في أبريل 2025، تحاور الرئيس الكونغولي مع مسعد بولس – رجل أعمال لبناني أمريكي ووالد زوج ابنة ترامب تيفاني، والذي عُيِّـن مستشارا كبيرا لشؤون إفريقيا – عن اتفاق حول التعدين. وقال تشيسكيدي في خطاب تم بثه يوم الاثنين بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لاستقلال الكونغو عن بلجيكا: “الاتفاق الذي وقعه وزيرا خارجية بلدينا خلال حفل رسمي ترأسه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو… يفتح الطريق أمام عهد جديد من الاستقرار والتعاون والازدهار لأمتنا”. وصف الرئيس تشيسكيدي هذا الاتفاق أيضا بأنه “تاريخي”، وأنه يمثل “نقطة هامة حاسمة” لإنهاء الصراع. وأضاف قائلا: “هذا الاتفاق ليس مجرد وثيقة؛ بل إنه وعد بالسلام للشعب” المتأثر بالنزاع في شرق الكونغو. وأظهر رغبته في “إعادة فرض سلطة الدولة بالكامل على جميع الأراضي الوطنية”، رغم كون بعض أجزاء واسعة تحت سيطرة جماعة M23 منذ شهور. والاتفاق—الذي تم التفاوض عليه عبر قطر منذ ما قبل تولي ترامب الحكم—لا يتناول صراحة المكاسب الإقليمية التي حققتها جماعة M23 المناهضة للحكومة.
ومع ذلك، يقول الخبراء أن المشاعر مختلفة لدى المراقبين المشتكين والمتضررين من النزاع في شرق كونغ، على الرغم من احتفال البيت الأبيض بانتصاره الدبلوماسي في التوسط بين الجارتين المتنازعتين. قال مايكل أوديامبو، خبير السلام في منظمة “إيريني إنترناشيونال” في أوفيرا بشرق الكونغو، (وهي منطقة فقد 250,000 نازح إمكانية الوصول إلى المياه بسبب تخفيضات ترامب في المساعدات) ما نصه : “أعتقد أن الأكثرية من المواطنين العاديين لا يتأثرون بالاتفاق، وسيترقبون إن كانت هناك نتائج إيجابية فعلًا”.
يشير أوديامبو إلى أن التدخل الأميركي في النزاع قد يسبب التوتر الزائد للمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة—مثل منطقة روابايا الغنية بالمعادن، التي تسيطر عليها جماعة M23، وقد يشعرون بالقلق أكثر من شعورهم بالراحة. واستطرد قائلا : “هناك قلق من أن يُفرض السلام الأمريكي بالقوة، كما رأينا في إيران. فالكثير من المواطنين يريدون فقط السلام، ورغم أن [الاتفاق] مُزيَّن بعبارات السلام، هناك قلق من أن يؤدي إلى عنف مستقبلي يمكن تبريره بحماية أمريكا لمصالحها التجارية”.
عصر جديد للعلاقات بين رواندا والكونغو الديمقراطية؟
يرتكز الاتفاق على ما أصبح اليوم سمة متكررة في إدارة ترامب؛ وهي الوصول إلى المعادن المهمة للولايات المتحدة. ومن المحتمل أن الجهاز الذي تقرأ منه هذا النص يحتوي على معادن نادرة مثل التنتالوم أو التنجستن أو الكولتان المُستخرجة من الكونغو أو رواندا، بل تدخل هذه المعادن في تصنيع أغلب المعدات الدفاعية المتطورة اليوم. لكن للتكنولوجيا عواقب؛ فقد تم توجيه الأموال من مناجم هذه المعادن لتمويل النزاع والفساد المرتبط به.
فالصين، التي تحتكر صناعة الكوبالت في الكونغو، لا تزال تراقب هذا الاتفاق عن كثب، نظرًا لجشعها أيضا على هذه المعادن لصناعتها التحويلية وأغراضها الدفاعية والتجارية. وهناك اعتقاد بأنها زودت كلا من الكونغو ورواندا بالأسلحة. لكن هذا الاتفاق قد يضع قدرة الصين على المناورة في المنطقة على محك الضعف. و لروسيا كذلك تاريخ راسخ مع الكونغو، ومن المؤكد أنها ستكون جاهزة لنشر معلومات مضللة حول نوايا الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى الخطة الأمنية، يحدد الاتفاق استراتيجية اقتصادية ثلاثية الأبعاد للمساعدة في استقرار المنطقة وربطها بالمصالح الأمريكية. أولاها، يدعو إلى تعزيز التعاون بين كينشاسا وكيغالي في مجالات الطاقة الكهرومائية، والحدائق الوطنية، وتجارة المعادن القانونية. ويسعى إلى إنشاء سلاسل إمداد واضحة “من المنجم إلى المعدن المكرر”. وثانيتها، يهدف الاتفاق إلى تعزيز الروابط الإقليمية عبر منظمات مثل مؤتمر دول البحيرات الكبرى، ومجموعة شرق إفريقيا، والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا. وعلى هذه الهيئات أن تساهم في تعزيز التجارة، وجذب المستثمرين، وإيقاف التهريب، مع إجراء عمليات تدقيق لضمان الشفافية. وثالثتها، يتوقع من الولايات المتحدة أن تقوي دورها لضمان الوصول إلى المعادن المهمة لصالح صناعات التكنولوجيا والطاقة النظيفة، بما فيها الموارد الموجودة في مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو، ومناطق أخرى.
فهناك أكثر من 100 مجموعات مسلحة نشطة في شرق كونغو، وتعد جماعة M23 (المدعومة من رواندا ) أكثرها نشاطا. و في مطلع هذا العام، حققت هذه الجماعة تقدمًا كبيرًا حيث استولت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو والمناطق الغنية بالمعادن. ومع ذلك، أشارت جماعة M23 إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة، لن يكون ملزمًا لها. وقد أدى الصراع المستمر في شرق الكونغو إلى نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص. ووصفت الأمم المتحدة الأزمة بأنها “واحدة من أطول وأعقد وأسوأ الأزمات الإنسانية على وجه الأرض”.
الاستقرار الإقليمي في الميزان
حسب آراء المراقبين، يعتمد مصير هذا الصراع إلى حد كبير على التزام البلدين وشركائهما الإقليميين والدوليين. ويشكك البروفيسور تشيبانغو كالالا، خبير القانون الدولي بجامعة كينشاسا، في التزام رواندا، قائلاً: “لا تحترم رواندا توقيعها”، مشيرًا إلى فشل اتفاق عام 2004. وأضاف: “اليوم، تفعل رواندا عكس ما تعهدت به في 2004”. ثم استطرد منتقدا عدم الاتفاق في تحقيق العدالة بشأن الجرائم السابقة، مشيرًا إلى قضية تعويض ضحايا العمليات العسكرية الرواندية في كيسانغاني ومناطق أخرى من شرق الكونغو. وقال لإذاعة RFI: “هناك من يسعى للسلام، لكن لا أحد يتحدث عن المجازر وعن تدمير الأرواح والممتلكات التي سببتها رواندا. هل لهؤلاء الضحايا حق في التعويض أم لا؟ لا أحد يتحدث عن ذلك، ولا سلام بدون عدالة”.
وبالنسبة للمحلل السياسي كريستيان موليكا، فإن تدخل الولايات المتحدة يُضفي على الاتفاق ثقلاً خاصًا. وقال: “الخصوصية هنا هي مشاركة الولايات المتحدة وقدرتها على فرض هذا الحوار، وهو ما لم تستطع الحلول الأفريقية تحقيقه”. وأشار إلى النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي للولايات المتحدة وقطر، اللتين نجحتا حيث فشلت المبادرات الأفريقية، حيث قال: “لم تُثمر الحلول السابقة الجوانب الاقتصادية. نعلم أن الولايات المتحدة مهتمة بتأمين إمدادات المواد المعدنية، وبالتالي فإن هذا البُعد الاقتصادي يُعزز الدبلوماسية الأمريكية”.
ولا شك في أنه قد يؤدي وصول أمريكا إلى المعادن بموجب الاتفاق، إلى استمرار العوامل التي أطالت أمد النزاع، مثل عمالة الأطفال، والفساد، والعنف المدمر، والنهب البيئي، إذا لم يُدار الأمر بعناية. كما أن طبيعة مشاركة الولايات المتحدة في تنفيذ الاتفاق دبلوماسيًا واقتصاديًا على المدى الطويل لا تزال غير واضحة. وسيزيد الأمر تعقيدًا تخفيض قدرات الولايات المتحدة في برامج المساعدات والتنمية، والتي تُعد أدوات فعالة لبناء السلام. كما سيكون إشراك النساء—اللواتي عانين بشدة في هذا النزاع—ومجموعات أخرى مهمشة، أمرًا أساسيًا مهما لضمان السلام الدائم.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.