
ما تعنيه قمة ترامب المصغّرة مع أفريقيا للسياسة العالمية: النتائج والرؤى
في التاسع من يوليو، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خمسة قادة أفارقة في مأدبة غداء بالبيت الأبيض، وكان التوقع السائد أن تحتل التجارة مكانة بارزة ضمن مجموعة متنوعة من بنود جدول الأعمال المحتملة.
وضمت قائمة القادة الأفارقة المدعوين الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي، والرئيس الليبيري نيوما بواكاي، والرئيس الغابوني برايس أوليغي نغيما، والرئيس الغيني بيساو عمرو سيسوكو إمبالو، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني. وتدل مشاركتهم على اختيار استراتيجي من جانب الولايات المتحدة، حيث أشارت محادثات القمة المصغرة إلى أن إدارة ترامب حوّلت تركيزها إلى الدول الأفريقية ذات الأهمية الاقتصادية والأمنية الخاصة في بروتوكول سياستها الخارجية.
وبالنسبة لترامب، قد تُسهم استضافته لمثل هذه القمة بشكل كبير في تغيير صورته كشخص غير مهتم إلى حد كبير بقارة قد توغلت فيها الصين على منذ عقود، إذ لم يستضف ترامب قمة الولايات المتحدة مع الزعماء الأفارقة خلال فترة ولايته الأولى كما لم يقم بزيارة القارة ــ وكان الرئيس السابق جو بايدن هو من تابع جهود أوباما في أفريقيا في ديسمبر 2022.
مناقشات القمة: التركيز على التجارة والأمن
شدد الرئيس دونالد ترامب في القمة على الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تتمتع بها أفريقيا، وأعرب عن عزمه الراسخ على إنشاء شراكات تجارية ذات منفعة متبادلة، لا سيما مع الدول المدعوة والقارة عمومًا، تماشيًا مع سياسته القائمة على “دعم التجارة لا المعونة”. وفي كلمته، أشاد بالدول الممثلة ووصفها بأنها “أماكن نابضة بالحياة، بأراضيها القيّمة، ومعادنها الغنية، ومخزوناتها النفطية الهائلة، وشعبها الرائع”. بينما أشاد القادة الأفارقة الحاضرون بالموارد الطبيعية الهائلة التي تزخر بها القارة، وشددوا على أهمية استغلالها من خلال استثمارات ضخمة. وقد عرض كل منهم جواهر موارد بلاده على طاولة التجارة ساعيا للحصول على استثمارات من الرئيس الأمريكي.
في غضون ذلك، أشار الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في كلمته إلى وفرة الموارد لبلاده “لدينا موارد هائلة… ولدينا فرص استثمارية واعدة”، مُدرجًا المنغنيز واليورانيوم والليثيوم ضمن الموارد غير المستغلة في موريتانيا. وأكد الرئيس الغابوني برايس أوليغي نغيما على حاجة بلاده إلى شركاء مستعدين للمساعدة في دعم عمليات التحويل للمواد الخام، بدلًا من مجرد استخراجها. وقال: “لسنا دولًا فقيرة، بل دول غنية بالمواد الخام. لكننا بحاجة إلى شركاء يدعموننا ويساعدوننا في تطوير هذه الموارد من خلال شراكات مربحة للجميع”. وكذلك عرض الرئيس السنغالي فاي فرصًا استثمارية في قطاع السياحة السنغالي، بما فيها مشروع ملعب جولف مقترح.
وكانت إحدى النتائج الملموسة للقمة، خطة تطوير مشروع منجم بوتاش بانيو في مايومبا، غابون، حيث أعلنت مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) عن خطتها لتمويل تطوير هذا المشروع، و وقعت اتفاقيتها بحضور رئيس غابون، أوليغي نغيما.
وإلى جانب التجارة، سلّطت مناقشات القمة الضوء أيضًا على المخاوف الأمنية الحاسمة للولايات المتحدة، مثل تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، اللتين وُصفتا بأنهما قضيتان ذواتا أولوية قصوى لإدارة ترامب. كما انتهز الرئيس ترامب الفرصة لتسليط الضوء على جهود الولايات المتحدة في حل النزاعات الأفريقية. واستشهد باتفاقية السلام الأخيرة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، والتي وُقّعت في البيت الأبيض برعاية إدارته ،كمثال على المشاركة الدبلوماسية الأمريكية ، وحظي بإشادة القادة الأفارقة حيث أثنوا على دوره في اتفاقية السلام.
التوقعات المستقبلية للعلاقات الأمريكية الأفريقية
كتبت راما ياد، مديرة مركز أفريقيا في المجلس الأطلسي، في تحليلٍ لها قبل تنصيبها: “يمكن لأفريقيا أن تتوقع تغييراتٍ جوهرية من الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة”. وبينما اتبع دونالد ترامب في ولايته الأولى سياسةً خارجيةً باسم “أمريكا أولاً”، وهو ما تعهد به مجددًا، توقعت ياد أن “المركزية الجديدة” التي تتمتع بها أفريقيا على الساحة العالمية ستستلزم تكيفًا مع النهج الأمريكي.
ويبدو أن إدارة ترامب تُسرّع من وتيرة تحول تركيزها نحو الدبلوماسية التجارية والمعاملاتية في علاقاتها مع أفريقيا، مستغلةً التجارة والاستثمار والقوة كأدواتٍ لترسيخ نفوذها في القارة. ويلاحظ أنه تم عقد القمة بعد أيامٍ فقط من محو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) رسميًا من الوجود، بعد ستة عقود من تأسيسها. وأشارت إدارة ترامب تبريرا لهذه الخطوة إلى ضرورة تماشى التمويل الأمريكي الخارجي مع سياسته “أمريكا أولاً”، مع إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية. ومع ذلك، أثارت خطوته هذه انتقادات واسعة النطاق من جانب العديد من منظمات الإغاثة.
علاوة على ذلك، يكشف اختيار الدول المدعوة عن نية الولايات المتحدة في إعطاء الأولوية للإمكانات الاقتصادية، والثروة المعدنية، والأهمية الإقليمية في تعاملها مع الدول الأفريقية. فبينما تسعى الولايات المتحدة للوصول إلى الثروة المعدنية الغنية لهذه الدول، فإن الدول المدعوة ستجذب استثمارات أمريكية ضخمة، ما سيساهم بشكل كبير في تعزيز إنتاجها المحلي ونموها الاقتصادي. وقد تحظى هذه الدول أيضًا بنقل سهل لصادراتها إلى الولايات المتحدة، حيث أشار الرئيس ترامب في القمة إلى إمكانية إعفاء هذه الدول الأفريقية الخمس من الرسومات الجمركية الجديدة المقرر تطبيقها في الأول من أغسطس.
فالقمة تُمثِّل بالفعل نقطة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، كما أنها تُمثل اختبارًا لكيفية أداء السياسة الخارجية الجديدة لإدارة ترامب فيما يتعلق بالتعامل مع أفريقيا، حيث يمهد انتقالها من تمويل التنمية إلى دعم العلاقات التجارية الاستراتيجية الطريقَ للاستثمارات والنمو الاقتصادي. كما أن القمة تثير مخاوف بشأن الآثار الأوسع نطاقًا على التنمية الأفريقية في التعاملات الدبلوماسية المستقبلية

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.