العلاقات الدبلوماسية بين جنوب السودان وأوغندا: لماذا كانت أكثر أهمية من أي وقت مضى؟

انفصلت جنوب السودان عن دولة السودان في يوليو 2011 بعد صراع أهلي طويل ودموي. وكان رئيس أوغندا، يويري موسيفيني، من أوائل رؤساء الدول الذين اعترفوا بسيادة جنوب السودان بعد انفصالها، وكان له دور فعال في مساعدتها في حالتها الناشئة. وقد ساهم توطيد العلاقات بين أوغندا وجنوب السودان المجاورة نتيجةً لهذا الإجراء في تحقيق سيادة جنوب السودان.

وكانت الدبلوماسية الثنائية حاسمةً بالنسبة لأوغندا في تعزيز الاستقرار والسلام في كلٍّ من جنوب السودان وأوغندا. وعلى الرغم من توقيع البلدين عددًا من الاتفاقيات لتعزيز تعاونهما الاقتصادي والأمني، مثل مذكرة تفاهم بشأن التجارة والاستثمار واتفاقية التعاون العسكري التي تتيح لهما التعاون في قضايا مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية المشتركة، لا تزال هناك قضايا أخرى عالقة قد تُلحق الضرر بعلاقاتهما الثنائية.

سياسة الترابط بين الدول

في البداية، كانت العلاقات بين أوغندا وما أصبح يُعرف اليوم بجنوب السودان عابرة للحدود الوطنية، حيث كانت المنطقتان شاركَتَا حدودًا طويلة تعتبر مواطن عدة مجموعات عرقية منذ الحقبة الاستعمارية وتأسيس الحكومات المركزية. وتطلبت إدارة شؤون هؤلاء السكان في المناطق الحدودية التنسيق بين الحكومات الاستعمارية.

وقد التحق سكان جنوب السودان بالمدارس في أوغندا منذ أربعينيات القرن الماضي، كما فرّ الكثيرون عبر الحدود عام ١٩٥٥ بحثًا عن ملاذ آمن في أعقاب تمردات – وما تلاها من قمع حكومي – في الإقليم الاستوائي. وهذا هو ما مثّل بداية اتجاهين لا يزالان موجودين حتى اليوم: سكان جنوب السودان يبحثون عن التعليم في أوغندا، وسكان كل دولة يبحثون عن ملاذ آمن في الأخرى.

وأضافت الحروب الأهلية السودانية (1963-1972 و 1983-2005) حربًا بالوكالة إلى العلاقات الثنائية، إذ كانت جنوب السودان لا تزال جزءًا من السودان، وخلال الحرب الأولى، كانت السودان في تحالف مع مصر. وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، قامت إسرائيل بتدريب متمردين وتسليحهم في جنوب السودان، مستخدمةً إثيوبيا وأوغندا كقنوات اتصال. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، وجد اللاجئون الأوغنديون ملاذًا آمنًا في جنوب السودان، حيث تعمل معهم أيضا عناصر من الجيش الأوغندي.

ثم اتسع نطاق الحرب بالوكالة خلال الحرب الأهلية الثانية. حيث شرعت السودان وإثيوبيا في البداية (1983-1991) في تسليح متمردي بعضهما البعض، لكن العداء بين كمبالا والخرطوم تصاعد خلال التسعينيات، واشتدّت الحرب بالوكالة. كان للرئيس الأوغندي يوفيري موسيفيني وحركته للمقاومة الوطنية علاقات وثيقة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق. ردّت الخرطوم بتسليح وتدريب الجماعات المتمردة في شمال أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بما فيها جيش الرب للمقاومة.

ونتيجة لهذا التدخل المتبادل، اتّسمت العلاقات السودانية الأوغندية خلال التسعينيات بالبرودة. وسُمح للحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان بالتصرف داخل أوغندا، حيث كان مئات الآلاف من جنوب السودان يعيشون في مخيمات اللاجئين. ومع الجهود المبذولة لإنهاء الصراع في السودان، تحسّنت العلاقات بين الخرطوم وكمبالا خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وسمح الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير للجيش الأوغندي بملاحقة جيش الرب للمقاومة داخل السودان، في حين ساهم موسيفيني في الضغط على قرنق للتفاوض على حل للحرب الأهلية السودانية.

في الآونة الأخيرة، نُشرت قوات أوغندية في جنوب السودان لدعم الرئيس سلفا كير في مواجهة القوات الموالية لنائب الرئيس ريك مشار. وتنتشر القوات الخاصة الأوغندية في جوبا، العاصمة، وفي أماكن أخرى بجنوب السودان. ويقول المراقبون أن المواجهة التي وقعت بين كير ومشار، الذي قاد القوات المعارضة في حرب أهلية بين عامي 2013 و2018، والتي أودت بحياة مئات الآلاف، دفعت الأمم المتحدة إلى التحذير من أن هذه الدولة الفتية قد تكون على شفا صراع شامل على أسس عرقية.

وكانت قوات مشار، التي يغلب عليها النوير، متحالفة مع ميليشيا الجيش الأبيض خلال الحرب الأهلية، لكن حزبه ينفي اتهامات الحكومة بوجود صلات مستمرة. وصرح قائد الجيش الأوغندي، موهوزي كينيروغابا، وهو أيضًا نجل موسيفيني، مؤخرًا بأنه أمر القوات الأوغندية بإيقاف مهاجمة الجيش الأبيض طالما أنه يوقف هجماته ضد القوات الأوغندية. ويقول حزب مشار بأن التدخل الأوغندي يمثل انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على جنوب السودان. ويقول المحللون إن كير (البالغ 73 عاما) يبدو أنه يحاول تعزيز موقفه وسط استياء داخل معسكره السياسي وتكهنات حول خطة خلافته.

العوامل وراء علاقات جنوب السودان – أوغندا الدبلوماسية

على الرغم من وجود علاقات قديمة بين الدولتين، فهناك عدة عوامل مهمة ساهمت في توثيق العلاقات بينهما، وهي كالآتي:

1- الأمن واستقرار الحدود: حيث تعايشت مجتمعات عديدة تعيش على طول الحدود لسنوات عديدة، وتشاركت روابط ثقافية واجتماعية واقتصادية. ومع ذلك، أصبحت الحاجة إلى حدود واضحة أكثر إلحاحًا، ومع نمو البلدين وتطورهما مؤخرًا، حيث قد أدى اكتشاف الموارد الطبيعية، كالذهب والماس والرخام، حول مثلث إيليمي وداخلها، إلى تعزيز الرغبة في الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما زاد من الحاجة إلى اتفاقية حدودية نهائية.

وتعود المشاكل في الحدود إلى ترسيم الحدود الذي تم إجراؤه خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية بين السودان، الذي كانت جنوب السودان جزءًا منه و أوغندا. وعلى الرغم من إنشاء لجنة ترسيم حدود مشتركة (وإن كانت لا نهرف متى تم إنشاءها بالضبط)، فقد فشلت البلدتان في الاتفاق على نقاط الحدود. وقد اشتبكت قوات من أوغندا وجنوب السودان في يوليو 2025 على طول الحدود بين بلديهما، في تبادلٍ لإطلاق النار خلَّف أربعة قتلى على الأقل، وفقًا لمسؤول عسكري أوغندي، مع اشتعال التوترات بشأن ترسيم الحدود المتنازع عليها. وقد شكّل قادة البلدين لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن عملها لا يزال مستمرًا، وفقًا للتقرير. وقد سبق أن صرح مسؤولون من كلا البلدين بأنهم يتوقعون التوصل إلى قرار حاسم في عام 2027. وعلى الرغم من وقوع اشتباكات حدودية متفرقة على مر السنين، إلا أن تبادل إطلاق النار بين الحليفين العسكريين نادر.

2-  ديناميكيات اللاجئين: تُعد أوغندا أكبر دولة مضيفة للاجئين في أفريقيا وثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد اللاجئين، حيث تستضيف حاليًا 1.93 مليون لاجئ، مع أكثر من 1 مليون منهم دون سن 18 عامًا. وقد وصل أكثر من 630 ألف لاجئ إلى أوغندا منذ ذلك الحين، ويستمر وصول الآلاف أسبوعيًا، ليصل إجمالي عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من جنوب السودان إلى أكثر من 900 ألف.

ومع ذلك، تواجه الاستجابة الإنسانية حاليًا واحدة من أسوأ أزمات التمويل منذ عقود، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد زار دومينيك هايد، مدير العلاقات الخارجية في المفوضية، مؤخرًا مستوطنات اللاجئين التي تستضيف السودانيين وجنوب السودان في أوغندا، وحذر من إمكانية حدوث موت المزيد من الأطفال بسبب سوء التغذية، و وقوع المزيد من الفتيات ضحايا للعنف الجنسي، وترك المزيد من الأسر بلا مأوى أو حماية ما لم يتدخل العالم، مع نفاد تمويل الطوارئ في سبتمبر.

فسياسة اللاجئين التقدمية في أوغندا، تتيح للاجئين العيش والعمل والحصول على الخدمات العامة، غير أن نقص التمويل يؤثر سلبيا بشكل كبير على تقديم المساعدات ويهدد بتقويض سنوات من التقدم. حاليًا، لا يتلقى اللاجئون سوى ثلث ما يحتاجونه سنويًا لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

3- التجارة والبنية التحتية: بلغت صادرات أوغندا إلى جنوب السودان 536.46 مليون دولار أمريكي خلال عام 2023، وفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية (COMTRADE).  وفي مارس 2025، برزت جنوب السودان كوجهة التصدير الرئيسية لأوغندا، متجاوزةً دولة كينيا، وفقًا لبيانات بنك أوغندا. ويشير تقرير إعلامي إلى أن هذا يمثل تغييرًا كبيرًا في المشهد الاقتصادي للمنطقة، ويسلط الضوء على العلاقات التجارية المتنامية بين أوغندا وجنوب السودان. وبالمثل، تُظهر البيانات أنه في يناير 2025، صدّرت أوغندا بضائع بقيمة 55.9 مليون دولار أمريكي (206 مليار شلن) إلى جنوب السودان، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 54% عن شهر ديسمبر 2024 الذي صدّرت فيه البلاد بضائع بقيمة 25.4 مليون دولار أمريكي (94 مليار شلن). كما دفع هذا الارتفاع جنوب السودان إلى المركز الأول، لتنزل كينيا إلى المركز الثالث.

ويقول الخبراء أن هذا التحول يمثل طفرة كبيرة لاقتصاد أوغندا، الذي يسعى إلى تنويع أسواق صادراته. ومن المتوقع أن يستمر الطلب المتزايد من جنوب السودان على البضائع الأوغندية، بما فيها الأسمنت ودقيق الحبوب وقضبان الحديد الخام، في دفع نمو التجارة الثنائية.

وعلاوة على ذلك، يُعد هذا التطور أيضًا دليلاً على العلاقات الاقتصادية المتنامية بين أوغندا وجنوب السودان، والتي تم تعزيزها من خلال العديد من اتفاقيات التجارة الإقليمية ومشاريع تطوير البنية التحتية. وهناك إيمان بأنه في الوقت الذي تسعى فيه أوغندا إلى توسيع قاعدة صادراتها وتقليل اعتمادها على الأسواق التقليدية، فإن نمو التجارة مع جنوب السودان يعد تطورًا مرحبًا به.

مع ذلك، لا تزال إجراءات الجمارك في جنوب السودان مُرهقة، ويعود ذلك إلى ضعف قدرات الموظفين وعدم كفاءة إدارة الجمارك. كما أن سوء حالات طرق التنقل وكثرة الحواجز والمدفوعات غير الرسمية بين المراكز الحدودية وجوبا تُزيد من تكلفة التجارة. ويتسم نمط التجارة الحالي بين الاقتصادين بعدم التماثل الشديد، إذ ينبع النمو السريع فقط من الزيادة الهائلة في صادرات أوغندا إلى جنوب السودان.

كما أنه تلعب النساء أدوارًا مهمة، وإن كان هذا غير رسمي إلى حد كبير، إذ هنّ حساسات للظروف الأمنية المحلية. وحتى مع النمو الأخير في التجارة، لا تزال القيود المادية والمؤسسية في التجارة كبيرة، ومن شأن معالجة هذه القضايا أن تُعزز فرص جنوب السودان التجارية مع جيرانه، وأن تُحافظ على علاقاته التجارية معهم (البنك الدولي، 2025).

4- الدبلوماسية الإقليمية وتكامل جماعة شرق أفريقيا: تتمتع جنوب السودان بعضوية في الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. وفي يوليو 2012، وقّعت جنوب السودان على اتفاقيات جنيف. كما تقدم بطلب للانضمام إلى رابطة دول الكومنولث، معتبرةً أنها كانت جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، ولأنه تتمتع بمجاورة جمهوريتين من الكومنولث، هما كينيا وأوغندا. وفي 11 نوفمبر 2011، قدّمت جنوب السودان طلبًا للانضمام رسميًا إلى جماعة شرق أفريقيا (EAC)، وهي منظمة إقليمية تضم بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا، فأصبحت عضوًا كامل العضوية في الجماعة الإقليمية في 5 سبتمبر 2016. وقد انضمت جنوب السودان إلى جماعة شرق أفريقيا في وضع مختلف عن الدول الشريكة السابقة من حيث أهدافها واحتياجاتها التنموية. وبما أنه يتمتع إطار عمل جماعة شرق أفريقيا المتطور بإمكانية إطلاق العنان لنمو اقتصادي هائل، فمن مصلحة جنوب السودان الاستفادة من هذا الإطار، ودمج نظام الجمارك الجديد، والاستفادة من مرونة السياسات.

عصر جديد من التعاون قد يُشكّل مستقبل شرق أفريقيا

لقد خلّفت عواقب التكامل غير المرغوب فيه الذي مارسه المستعمرون في سعيهم الحثيث للسيطرة على أفريقيا وتقسيمها، في أفريقيا عددًا لا يُحصى من المشاكل المستعصية التي تحتاج إلى حل، بدءًا من التنافسات العرقية، واضطرابات الأقليات، والتعصب الديني، ووصولًا إلى الحروب الأهلية، منذ السنوات الأولى للاستعمار، وخاصةً في عصور ما بعد الاستعمار. ومن المؤسف أن هذه التجارب اتخذت باستمرار نهجًا دمويًا عنيفًا وقاتلًا بارزًا، ناهيك عن تأثيرها في عرقلة الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية للدول الأفريقية في عصور ما بعد الاستعمار.

على الرغم من أن مجموعة شرق أفريقيا (EAC) أصغر حجمًا مقارنةً بالمجموعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية الأخرى، إلا أنها تُعدّ اليوم من أكثر المجموعات الإقليمية تقدمًا من حيث الأدوات القانونية. وقد طبّقت الاتحاد الجمركي في عام 2005 والسوق المشتركة في عام 2010؛ وتتوقع الدول الشريكة تطبيق الاتحاد النقدي بحلول عام 2023 مع مواصلة السعي نحو اتحاد سياسي.

ويجب القول أنه من شأن التسوية السلمية لقضية الحدود، أن تجنّب المزيد من العنف وتوطّد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين جنوب السودان وأوغندا، حيث ستستفيد كلتا الدولتين بشكل متبادل، ما يزيد من التجارة والتعاون الأمني والاستقرار الإقليمي. كما أنه من شأن حلّ النزاع الحدودي سلميًا أن يُشكّل مثالًا إيجابيَّا للدول الأفريقية الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة. وتوصي دراسة الوضع بضرورة تعزيز مستويات فعالية السلام والاستقرار لازدهار الدبلوماسية الثنائية في أوغندا وجنوب السودان. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إقامة حوار منتظم رفيع المستوى. علاوة على ذلك، لا بد من تضافر الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين الشقيقين، لا سيما في ظل تنامي الدبلوماسية الثنائية في أوغندا وجنوب السودان. وكذلك يوصي الخبراء بتضافر الجهود لتعزيز بناء الثقة بينهما.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.