ملخص نتائج زيارة صدام خليفة حفتر إلى تشاد

شهدت العلاقات الثنائية بين تشاد وليبيا تطورات مهمة في تاريخها، حيث توطدت العلاقات بينهما في بادئ الأمر بعلاقات ودية، ثم تعرضت للجمود والتوتر في الثمانينيات من القرن العشرين. وفي هذه الفترة، وقع المشير خليفة حفتر أسيرا للجيش التشادي، إذ نقل أكثر من مرة داخل المدن التشادية. ثم سمح له بعد الإفراج عنه بمغادرة الأراضي التشادية، واتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية. وفي التسعينيات من القرن العشرين تحسنت العلاقات بين البلدين، وطويت الصفحة الظلماء التي أدت إلى اقتتال بين البلدين واندلاع الثورة الليبية في 27 فبراير 2011، وسقوط نظام معمر القذافي.

ومنذئذ،كانت جمهورية تشاد تعترف بحكومة خليفة حفتر كغيرها من الدول العالم بمشروعيتها، وبذلت جهودا رامية في استتاب الأمن والاستقرار في ليبيا، حيث شاركت في عديد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية من أجل إعادة بناء الدولة في ليبيا. وفي هذا الإطار سجل رئيس جمهورية تشاد زيارة إلى ليبيا في 17 يوليو 2024، والتقى بنظيره الليبي، حيث تتطرقا إلى عديد من المواضيع ذات اهتمام مشترك.

ومن ثم، قام صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية في الجيش الليبي، بزيارة رسمية إلى تشاد في 1 أغسطس 2025، نيابة عن والده المشير خليفة حفتر، ونزل بمطار حسن جاموس الدولي حيث استقبله معالي وزير الدفاع والجيوش الجنرال إسحاق مالو. وبعد جلسة استراحة قليلة، اتجه صدام خليفة حفتر إلى قصر توماي، حيث في استقباله رئيس الجمهورية، قائد قوات المسلحة، المشير محمد إدريس ديبي إتنو. وفي هذا اللقاء تناول المشير مع ضيفه مجموعة من القضايا ذات اهتمام مشترك للبلدين.

نتائج المحادثات بين المشير ديبي وصدام خليفة حفتر

-تعزيز التعاون العسكري والأمني : شهدت دولة ليبيا نتيجة أحداث الربيع العربي 2011 الفوضى والتهديدات الأمنية الجديدة، والتي تجسدت في تفاقم العمليات الإرهابية، والعصابات الإجرامية، والتهجير، والاتجار البشري، وتبييض الأموال، وغيرها من العمليات غير القانونية والشرعية والمخالفة للمبادئ الإنسانية السمحة. وأنهكت هذه التهديدات الأمنيةُ الدولةَ الليبية والشعب الليبي في آن واحد. ولهذا قام رئيس أركان القوات البرية في الجيش الوطني الليبي صدام حفتر بالزيارة إلى تشاد، باحثا مع رئيس جمهورية تشاد مشير محمد إدريس ديبي إتنو طرق تعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين، و كيفية وضع أليات لمكافحة الإرهاب والشبكات الإجرامية العابرة للحدود.

-الاستقرار في جنوب ليبيا: تعد ليبيا من الدول المنهارة منذ سقوط الإدارة السابقة إلى الوقت الراهن، وبالكاد يتم تقسيمها إلى عدة دويلات أو إلى دولتين على الأقل جنوب ليبيا وشرقها. واستقرت في جنوب ليبيا مجموعة من الميلشيات، والمرتزقة، والجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، إضافة إلى المعارضة المسلحة ( جبهة الوفاق) ضد النظام القائم في تشاد. وهذه المجموعات هي التي تسيطر على جنوب ليبيا إلى الحدود التشادية الليبية، وكذلك الحدود الليبية النيجرية، وتستغل هشاشة الأمن في المنطقة الجنوبية والمناطق المجاورة لها لتعزيز شبكاتها الإجرامية داخل الحدود المثلث للدول. وقد باحث صدام حفتر مع الرئيس التشادي المشير محمد إدريس عن طرق تعزيز الاستقرار في منطقة جنوب ليبيا، وطرد الميليشيات والمرتزقة، وطلب الرئيس التشادي من حفتر، رئيس أركان القوات البرية في الجيش الليبي، أن يقوم بطرد المعارضة المسلحة التشادية، التي جعلت من جنوب ليبيا مقرا لها، وتهدد الأمن والاستقرار في تشاد.

-ملف معتقلين تشاديين في سجون ليبيا: عرفت سجون ليبيا معتقلين تشاديين منذ سقوط النظام السابق إلى اليوم، وجاءت هذه الاعتقالات التعسفية بدون محاكمات تذكر، حيث دفعت عائلات المعتقلين أموالا هائلة مقابل الإفراج عن أبنائهم، لكن المشكلة لم تحل رغم كل المحاولات. لذلك اهتم مشير تشاد بالقضية وناقشها مع رئيس أركان القوات البرية، والمبعوث الخاص للمشير حفتر إلى تشاد.

-فتح الحدود وتفعيل التبادل التجاري: أعلنت السلطات التشادية رسميا إغلاق حدودها البرية مع ليبيا بالكامل في 6 يناير 2017، وأقرت المناطق الحدودية كمناطق عمليات عسكرية بهدف منع تسلسل مجموعة إرهابية ومتمردة، مع العلم بأن طول الحدود بين البلدين يمتد قرابة 1400 كيلو متر مربع. ولقد اتخذت السلطات التشادية هذه الخطوة بعد أن استطاعت مجموعات مسلحة عبور حدودها، والدخول إلى أراضيها، ما أثار قلق السلطات. وقد طالب المشير أثناء حديثه مع صدام حفتر بإعادة فتح الحدود وتفعيل التبادل التجاري بين البلدين، مع العلم بوجود عوامل مشتركة عديدة قد تربط بين البلدين، منها روابط دينية، وثقافية، وعرقية، ولغوية.

-مشروع بناء طريق استراتيجي يربط بين مصر وتشاد وليبيا: وقعت تشاد مع شركة المقاولين العرب اتفاقية بناء طريق يربط بين تشاد وليبيا ومصر. وبدأ المقاولون العرب بدراسة خاصة حول المشروع. وقد سبق لليبيا التوقيع مع نفس الشركة لبدء تنفيذ المشروع، كما صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في فبراير 2025 بهذا المشروع. ويظهر من هذا أن الدول الثلاث تسعى لبناء علاقات اقتصادية وطيدة من جهة، ومن جهة أخرى تسعى لتعزيز التبادل التجاري بين الدول الثلاث، إضافة إلى التكامل الاقليمي بينهم. وقد دار النقاش حول هذا المشروع خلال اللقاء بين المشير وضيفه، وأبدى كل منهما رغبته في تنفيذ المشروع بشكل سريع، وذلك سعيا للتنوع الاقتصادي، والتكامل الإقليمي، إضافة إلى الاستفادة من خيرات وثروات الآخرين.

 الخلاصة

تحمل الزيارة الأخيرة لرئيس أركان القوات البرية في الجيش الليبي إلى دولة تشاد دلالات عديدة تتعلق بالجانب السياسي والأمني، والجانب الاقتصادي والتنموي للبلدين. وتظهر الزيارة أيضا أن البلدين يتقاسمان نظرة سياسية موحّدة، وقد تـتفقان في كثير من القضايا، وكلاهما متحالفان مع روسيا والإمارات العربية المتحدة، وتَسْعَيَانِ للتحرير من قبضات الاستعمار الغربي الموحش، وتبنيان تحالفات استراتيجيات جديدة تعزز من سيادة بلديهما.

وعلى الرغم من كون الأهداف المعلنة للزيارة إيجابية، إلا أنه يمكن توقع بعض السلبيات المحتملة التي قد تنجم عنها، مثل تعزيز الانقسام في ليبيا بطريقة غير مباشرة، حيث تمت الزيارة باسم فصيل واحد من الفصائل المتنازعة في ليبيا –وهو فصيل حفتر-، لا باسم دولة ليبيا الموحدة. وقد تزيد هذه الزيارة من التوتر السياسي في ليبيا، ومن تعقيد الجهود الدولية والمحلية لتوحيد المؤسسات الليبية.

كان ملف المحتجزين التشاديين في ليبيا من ضمن الموضوعات التي دار حولها المحادثات، وعلى الرغم من أنه تم التصل إلى نتيجة إيجابية بشأنه، غير أن غياب سلطة مركزية ليبية موحّدة قد يسبب في عدم استدامة أي اتفاق لشأن ملف المحتجزين. وقد ينظر إلى تسليم هؤلاء المحتجزين إلى تشاد من قبل فصيل واحد على أنه خطوة غير قانونية، مما قد يثير انتقادات قانونية.

فالوضع السياسي المعقّد في ليبيا، والديناميكيات الجيوسياسية في منطقة الساحل والصحراء، يجعل من المحتمل أن تؤدي هذه الزيارة إلى تعقيد الأزمات القائمة في البلدين.

د. حسن كلي ورتي

باحث تشادي متخصص في العلاقات الدولية ومهتم بالشأن الأفريقي