قمة ‎قوّاد الدفاع الأفارقة لعام 2025: استراتيجيات طموحة نحو تحقيق مستقبل أكثر أمانا

بلغ إحصاء جرائم القرصنة واللصوصية في النصف الأول لهذا العام 90 حادثا تم الإبلاغ عنها دوليّا، وذلك بزيادة قدرها 50% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، وهو أعلى عدد من الحوادث المبلَّغ عنها لنفس الفترة منذ عام 2020، وفقاً لتقرير ”القرصنة والسطو المسلح ضد السفن للفترة من 1 يناير إلى 30 يونيو  2025″، الصادر من المكتب البحري الدولي. وذكر التقرير كذلك أنه على الرغم من انخفاض أعداد الحوادث، لا يزال خليج غينيا يشكل أخطارا كبيرة على سلامة الطواقم، وما زال يبقى منطقة تتطلب توخي الحذر المستمر فيها. وبالإضافة إلى ذلك، سجلت المنطقة 12 حادثة اختطاف مستأثرة بنسبة 87% من جميع حوادث اختطاف الطواقم على مستوى العالم في النصف الأول من عام 2025. فالمياه الإقليمية لمعظم الدول الأفريقية معرضة للخطر لأن السيطرة السيادية تمارس بشكل كامل بسبب عدم كفاية الوعي بالمجال البحري وضعف القدرة على الاستجابة، ومن المتوقع أن يزداد حجم التهديدات ما لم تعزز الحكومات الأفريقية قدراتها الأمنية.

‏‎لا تزال إصلاحات قطاع الأمن والحوكمة عنصراً مهما في الهيكل الأفريقي للسلام والأمن، ولا تزال معترفا بها كشرط مسبق أساسي للحكم الرشيد ومنع نشوب النزاعات وإعادة الإعمار بعد انتهاء النزاع وبناء السلام. وتعد أيضا إصلاحات قطاع الأمن وإعادة توجيه المؤسسات والأجهزة الأمنية عاملا مهما في تمكين حاسم للجهود المطلوبة لإسكات البنادق في أفريقيا، من أجل خلق أفريقيا الآمنة والسالمة المتوخاة في التطلع الرقم 4 من أجندة 2063. ولهذا تضاعف أفريقيا جهودها – على المستوى القاري والإقليمي والوطني – لتطوير الهياكل التعاونية اللازمة للأمن البحري. ويعكف الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على وضع استراتيجيات بحرية متكاملة. أما على المستوى التنفيذي، فإن مفهوم المناطق البحرية الذي يسمح لمجموعات من الدول بالتعاون في السعي لتحقيق المصالح الأمنية البحرية المشتركة، هو ابتكار مهم في هذا الصدد.

‏‎ولقد أقر وزير الشؤون الخارجية السابق والممثل الدائم السابق لنيجيريا لدى الأمم المتحدة، إبراهيم أغبولا غمباري، بأن أفريقيا تواجه أزمة أمنية غير مسبوقة مع وجود ما لا يقل عن 1000 جماعة متمردة تعمل الآن في جميع أنحاء القارة. وقال على حد تعبيره: “هناك الآن أكثر من 1,000 جماعة متمردة في أفريقيا، والعدد يرتفع باستمرار. فالجماعات الاقتصادية الإقليمية التي أنشئت لغرض دفع التكامل الاقتصادي، تضطر الآن إلى تركيز الكثير من اهتمامها للإرهاب واللصوصية والتمرد”. وإن لم تُتخذ تدابير عاجلة وعملية، فإن أفريقيا مهددة بأن تصبح منطقة حرب دائمة“.

وكذلك، أشار الاتحاد الأفريقي من خلال مفوضه للشؤون السياسية والسلم والأمن، بانكولي أديويي، إلى مخاوف مماثلة. ووفقًا لأديويي، فإن خطورة التهديدات من خلال النمو السريع للإرهاب في أفريقيا هائلة ومذهلة، حيث تم تسجيل أكثر من 3,400 هجوم إرهابي في القارة في عام 2024 وحده، مما أسفر عن مقتل أكثر من 13,900 شخص. ومن ثم دعا القادةَ الأفارقةَ إلى تقديم ”حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية التي تناسب الجميع“.

‏‎في غضون ذلك، اختتمت قمة قواد الدفاع الأفارقة –وهي الأولى من نوعها على الإطلاق – في أبوجا، العاصمة النيجيرية . وقد جمعت هذه القمة التي عُقدت في فترة ما بين  25 إلى 27 أغسطس 2025، 37 قادة من قواد الدفاع الأفارقة مع شخصيات مهمة أخرى لبحث سبل مواجهة التهديدات التي طالما عانت منها مختلف المناطق.  وبعد ثلاثة أيام من المحادثات المكثفة خلفت القمة للمشاركين فيها عزما راسخا على حل القضايا الأمنية الملحة في القارة من خلال توثيق العلاقات والخطوات العملية. وتناولت القمة التحديات الحرجة مثل الإرهاب والقرصنة والحرب الإلكترونية والجرائم العابرة للحدود. وشدد المشاركون على الحاجة الماسة إلى إدارة أكثر صرامة للحدود لوضع الحد على انتشار الإرهاب واللصوصية والاتجار غير المشروع. كما دعوا إلى تعزيز العمليات المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدابير مكافحة التطرف للتغلب على الشبكات المتطرفة.

‏‎لماذا تعتبر القمة نقطة تحول الاستراتيجية الأمنية لأفريقيا؟

لقد ازدادت قوة الاستجابات التي تقودها أفريقيا للتحديات الأمنية ردحا من الزمن. فعلى سبيل المثال، بدأ الاتحاد الأفريقي (AU)  العمل على إصلاح هيكلية السلام والأمن الخاصة به. وتمت إعادة تفعيل صندوق السلام التابع للاتحاد الأفريقي وتعبئة 400 مليون دولار لعمليات السلام. ونتيجة لذلك، قرر مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2719 تمويل ما يصل إلى 75% من عمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي. وهذا يدل على زخم واضح.

فقمة قواد الدفاع الأفارقة هذه  تجمُّع مرموق للقادة العسكريـيـن من جميع أنحاء القارة الأفريقية. ووفقًا للجهة المنظمة، يجمع هذا الحدث التاريخي كبار مسؤولي الدفاع من جميع الدول الأفريقية لمناقشة التحديات الأمنية الحرجة وتعزيز التعاون ووضع استراتيجيات مشتركة لضمان السلام والاستقرار في جميع أنحاء أفريقيا. علاوة على ذلك، تمثل القمة فرصة مهمة لتعزيز الدبلوماسية العسكرية وتبادل الخبرات وبناء نهج موحد للأمن القاري. ومن خلال الحوار التعاوني والشراكات الاستراتيجية، تهدف هذه القمة إلى تعزيز قدرة الدول الأفريقية على التصدي للتهديدات الأمنية التقليدية والناشئة على حد سواء.

وفي القمة، قال الرئيس النيجيري بولا تينوبو، ممثلاً بنائب الرئيس كاشيم شيتيما، بأن حجم التهديدات التي تواجه القارة يتطلب عملاً جماعيًا ومعلومات استخباراتية مشتركة واستراتيجيات منسقة. وذكر تينوبو: ”من الصحاري حيث يستشري التمرد إلى أعالي البحار حيث تجوب القرصنة، ومن الممرات الصامتة للجريمة الإلكترونية إلى الشبكات القاسية للمجرمين العابرين للحدود، لا تحترم أي من هذه المآسي الحدود، ولا ينبغي أن تحترم استجابتنا لها“.

وكذلك، شدد الرئيس على أن القمة يجب أن تكون أكثر من مجرد تقارب في الزي والألقاب، بل يجب أن تكون بمثابة دعوة لحراس أفريقيا. وأضاف قائلا: “هذه هي اللحظة المناسبة لإعادة تقييم أهدافنا العسكرية في التطلع الجماعي لجعل أفريقيا آمنة. لقد حان الوقت لصياغة عقيدة جديدة للدفاع القاري، عقيدة متجذرة في الثقة والاستخبارات المشتركة والاستراتيجية المنسقة“.

و حثّ رئيس وزراء جمهورية غينيا السابق، لانسانا كوياتي، في كلمته، القادةَ الأفارقة على السعي وراء تحقيق الأمن الجماعي، مؤكداً أن السلام يظل أساس التنمية المستدامة في القارة. ذكر السيد كوياتي بأن اجتماع قواد الدفاع من جميع الدول الأفريقية كان بمثابة خطوة تاريخية في مواجهة الإرهاب وانعدام الأمن، قائلا :”لأول مرة يجتمع قواد دفاع القارة بأكملها معًا. وهذا يدل على مدى أهمية الموضوع. فبدون السلام، لا توجد تنمية“.

‏‎بالإضافة إلى ذلك، دعا رئيس أركان الدفاع النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، في كلمته الترحيبية، نظراءه من 54 دولة أفريقية إلى الالتزام ببناء قارة خالية من الخوف، مؤكدًا أن ”ساحة المعركة تتطور، والتهديدات أصبحت رقمية وغير متماثلة وغير مرئية بشكل متزايد“. وأضاف أن هذه القمة المعنونة بــــ “مكافحة التهديدات المعاصرة للسلم والأمن الإقليميين في أفريقيا: دور التعاون الدفاعي الاستراتيجي”، يوفر فرصة نادرة لتشكيل جبهة موحدة ومواءمة للعقائد العسكرية.

‏‎ماذا ينتظر الأمن ألأفريقي بعد القمة؟

في هذا القرن الحادي والعشرين، غالباً ما تكون التحديات المعقدة والديناميكية داخل أفريقيا بلا حدود، بحيث يمكن للصراعات المحلية أن تزعزع استقرار المناطق بسرعة مع قدرتها على التوسع بشكل كبير. وقد دفعت أحداث القرصنة البحرية في غرب أفريقيا المنطقةَ إلى دائرة الضوء، وسلطت الضوء على قدرة الكيانات الإجرامية على التكيف. ويكشف تحليل بأثر رجعي لعام 2021 عن انخفاض ملحوظ بنسبة 54% في إجمالي أعمال القرصنة والجريمة البحرية بشكل عام، مما يشير إلى اتجاه إيجابي عن العام السابق. ومع ذلك، يجب التعمق أكثر في تعقيدات حوادث محددة وطريقة عملها وهويات الجماعات المتورطة فيها. وفي الوقت الذي تتصدى فيه الجهات المعنية لهذه التحديات، يلزم فهم نقاط الضعف البحرية في المنطقة فهماً واضحاً.   وبينما تستفيد القوات البحرية الأفريقية وشركاؤها الأجانب من الفرص التي توفرها التكنولوجيا لتحسين السلامة والأمن، أدت التكنولوجيا إلى تحديد هوية المجرمين في البحر والقبض عليهم وملاحقتهم قضائياً، مما يجعلها حاسمة في تعزيز الأمن البحري. ولهذا لا يمكن إنكار مزايا استخدامها في الأمن البحري.

‏‎ومما جرت عليه المناقشات في القمة هو أهمية الاستثمار في تسخير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة لتعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتعطيل المجموعات المعادية قبل أن تهاجم. كما تم تحديد تعزيز الأمن البحري في خليج غينيا والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط باعتباره أمرًا مهما لحماية طرق التجارة الرئيسية في أفريقيا.

‏‎بعد التوقيع على مذكرة تفاهم بين قادة الدفاع الأفارقة في القمة التي اختتمت في أبوجا، حصلت نيجيريا على حقوق استضافة معرض الدفاع الدولي 2026، وهو بلا شك إنجاز كبير للقمة. ويقول الخبراء أن هذه الخطوة تشير إلى التزام متجدد بتعزيز التعاون الدفاعي الإقليمي وعرض الابتكارات المحلية. وبعيداً عن مجرد العرض، يتضمن المعرض عناصر مصممة لإحداث تطورات عملية. وستعقد قمة دفاعية مخصصة تجمع الوزراء والقادة العسكريين ومستشاري الأمن القومي وصناع القرار لإجراء حوارات متعمقة حول السياسات والاستراتيجيات.

ولا شك أن ذلك يتماشى مع الإجماع المتزايد على أن أفريقيا تكون أقوى عندما تتحد دولها وتتصرف بهدف مشترك وتتشارك مع بعضها البعض بالطريقة الصحيحة لحل التحديات المشتركة والمشتركة. كما أنه يتماشى مع الفكرة القائلة بأن تجزئة جهود مكافحة الإرهاب لا تخدم سوى الجناة الذين يزدهرون من خلال زرع الانقسامات، ومن هنا تأتي الحاجة إلى استجابة موحدة وعاجلة تركز على تعزيز وحدة الهدف والحوار والثقة والعمل المنسق. هذا يحقق جيدا القول المعروف، بأن الطبيعة الديناميكية والعابرة للحدود الوطنية للإرهاب تعزز حقيقة واحدة؛ وهي أن تهديد الأمن في أي مكان هو تهديد للأمن في كل مكان.

‎حثّ الجنرال موسى النيجيري جميع المشاركين في القمة على تحويل قرارات القمة إلى إجراءات ملموسة في أوطانهم. وقال: ”ليُذكر هذا التجمع كنقطة تحول للعمل الحاسم والجماعي“. وكذلك أثنى الرئيس بولا أحمد تينوبو على دعمه والقادة الأفارقة و وزير الدفاع النيجيري وجميع المساهمين الذين ضمنوا نجاح القمة. وإلى جانب ذلك، أكد الجنرال موسى: “أن الدفء والشراكات التي بُنيت هنا تعكس روح الوحدة الأفريقية الدائمة. وستستمر هذه الروابط في النمو في السنوات القادمة.” فقمة قوّاد الدفاع الأفارقة لعام 2025 تمثل لحظة حاسمة في التعاون الأمني القاري، حيث أرست الأساس لتحالفات استراتيجية أقوى قبل انعقاد دورتها المقبلة.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.