
هل مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا مشرق؟ – استكشاف العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا
تقع أفريقيا في ملتقى التحديات التنموية والمناخية والأمنية في الوقت الحالي. ومع تزايد المنافسة العالمية على الموارد والتكنولوجيا والنفوذ في أفريقيا، أصبحت الأهمية الاستراتيجية لإقامة نوع جديد من العلاقات مع أفريقيا محتّمة للولايات المتحدة. ومع وجود سوق أفريقية تضم أكثر من 1.3 بليون نسمة وناتج محلي إجمالي مجمع يتجاوز 3.4 تريليون دولار، وأصبح توسيع التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا أمرا ذا أولوية استراتيجية واضحة لكلا الجانبين.
ولقد تبدلت العلاقة بينهما على مدار العشرين سنة الماضية، حيث ظلت الواردات الصينية من أفريقيا -التي يشكلها استيراد منتجات البترول والتعدين- أعلى من واردات الولايات المتحدة منذ عام 2011، بل صارت أعلى بثلاثة أضعاف تقريبا من واردات الولايات المتحدة من القارة في عام 2022، بعد أن كانت واردات الولايات المتحدة من أفريقيا أعلى بكثير من الواردات الصينية في عام 2001.
وبالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت الولايات المتحدة وجهة لنسبة %21 من الصادرات في عام 2000، غير أنه انخفضت هذه النسبة إلى حوالي %5 بحلول عام 2020، وبذلك أصبحت الولايات المتحدة الآن تصطفّ وراء الصين والهند وجنوب أفريقيا كأبرز وجهات التصدير. ويُعرف الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة ودول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى باسم قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، وهو اتفاق يوفر وصولاً معفياً من الرسومات الجمركية إلى سوق الولايات المتحدة لبعض المنتجات من البلدان المؤهلة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك لتشجيع النمو الاقتصادي وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
ومع ذلك، يمكن أن تؤثر اتجاهات السياسة الأمريكية الحالية والمستقبلية على مسار قانون “أغوا”، مما قد يضر بالاقتصادات الأفريقية. ففي بداية إطلاق البرنامج، كان 90% من واردات الولايات المتحدة من أفريقيا عبارة عن نفط. ولكن قد انخفض النفط اليوم إلى حوالي 20% من العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وبموجب قانون “أغوا”، تصدر الدول الأفريقية الآن ما يزيد عن 6 بليون دولار سنوياً من السيارات والملابس والمواد الغذائية والسلع المتخصصة.
ما هو قانون النمو والفرص في أفريقيا؟
أنشئ قانون النمو والفرص في أفريقيا -المشهور باسم “أغوا”- لتوفير وصول معظم الصادرات القادمة من البلدان المؤهلة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى سوق الولايات المتحدة، مع إزالة الرسومات الجمركية. ويتطلب هذا القانون أيضاً عقد تجمع سنوي، يُعرف باسم منتدى “أغوا”، بين المسؤولين الأمريكيين ومسؤولي الدول المستفيدة من القانون لمناقشة القضايا المتعلقة بالتجارة وتنفيذ القانون. أضف إلى ذلك أن قانون “أغوا” يوفر التوجيه لوكالات حكومية أمريكية مختارة فيما يتعلق بأنشطتها لدعم التجارة والاستثمار في المنطقة.
يُعد هذا القانون ركيزة أساسية للسياسة التجارية الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2000. ووفقاً للمسؤولين، يسعى الكونغرس، من خلال “أغوا”، إلى زيادة العلاقات التجارية والاستثمارية الأمريكية مع القارة، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال التجارة، وتشجيع سيادة القانون والإصلاحات الموجهة نحو السوق. وقد يمدد الكونغرس التفويض للبرنامج، المقرر أن ينتهي في سبتمبر 2025، ويعدل البرنامج لتعزيز أولويات أخرى للكونغرس في المنطقة، مثل تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية الأمريكية مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وزيادة المشاركة الإقليمية في سلاسل القيمة العالمية.
في الكونغرس الأخير، قدم عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي جيمس ريش (جمهوري عن أيداهو) وكريس كونز (ديمقراطي عن ديلاوير) قانون تجديد وتحسين “أغوا” لعام 2024. واقترح القانون الجديد تمديد “أغوا” لمدة 16 عاماً، حتى عام 2041. وبالمثل، في ديسمبر 2024، قدم النائب جون جيمس (جمهوري عن ميشيغان) قانون تمديد وتعزيز “أغوا” لعام 2024، والذي اقترح تمديد البرنامج لمدة 12 عاماً، حتى عام 2037. وبغض الطرف عن الفرق في مدة التمديد، كان كلا مشروعي القانون متفقين إلى حد كبير في وضع أساس مهم لاتفاق أكثر فعالية يعكس حقائق التجارة اليوم. ومع ذلك، فشل كلاهما في إقراره، مما جعل مستقبل “أغوا” غير مؤكد.
لم تتوزع فوائد “أغوا” بالتساوي في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فعلى الرغم من أن بعض الدول كانت أكثر نجاحاً في الاستفادة من البرنامج، فقد واجهت دول أخرى عقبات كبيرة، مثل جنوب أفريقيا. وفي بلدان أخرى، أدى عدم الاستقرار السياسي وأوجه القصور الاقتصادي إلى إضعاف المشاركة في “أغوا” كما حدث في إثيوبيا، حيث تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في صراع تيغراي. وقد أدت التغييرات غير الدستورية للحكومات من خلال الانقلابات العسكرية التي وقعت في غينيا ومالي، إلى تعليق استفادتها من “أغوا”.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الافتقار إلى التنفيذ الكافي للإصلاحات الاقتصادية، والتنويع، والاندماج في سلاسل القيمة العالمية إلى الحد من تأثير “أغوا” في عدد من البلدان. ونتيجة لهذا القصور، كافحت دول مثل الكاميرون، وموريتانيا، وبوروندي، وغينيا الاستوائية، وإريتريا للاستفادة من “أغوا”، مما قوض قدرتها على الحفاظ على الأهلية والاستفادة الكاملة من التفضيلات التجارية.
دائرة التغيير: الرسوم الجمركية الأمريكية وآفاق النمو الأفريقية
يُنسَب إلى قانون “أغوا” الفضل في دعم مئات الآلاف من الوظائف في أكثر من 30 دولة مؤهلة. وقد خُفِّف تأثيره بسبب الرسوم الجمركية الثنائية التي فرضها ترامب في أغسطس، والتي عرّضت المنتجات التي كانت تُصدر معفاة من الرسوم الجمركية بموجب “أغوا” لضرائب استيراد أمريكية تتراوح بين 10% و 30%. لكن هناك بعض المؤشرات على أن “أغوا” سيُجدد، حيث صرح مسؤول في البيت الأبيض لرويترز بأن إدارة ترامب ترغب في تمديد الاتفاق لمدة عام واحد.
قد يؤدي هذا الارتفاع المفاجئ في الرسوم الجمركية إلى تعطيل العلاقات التجارية طويلة الأمد وإلحاق ضرر كبير بالمصدرين الأفارقة، لا سيما في القطاعات المحمية للغاية مثل المنسوجات والملابس، حيث وفر “أغوا” وصولاً حاسماً للسوق حتى الآن. على سبيل المثال، ستشهد كينيا تضاعف متوسط تعريفة الاستيراد الأمريكية الموزون تجارياً لديها ثلاث مرات تقريباً، لتقفز من 10% إلى 28%. وبالنسبة لمدغشقر، فسوف تتضاعف لتصل إلى 23%.
ويمكن العثور على مثال رئيسي لتأثير الاتفاق في كينيا، حيث سمح لقطاع المنسوجات والملابس في البلاد – مصنع الجينز، على سبيل المثال – بالمنافسة بفعالية مع المصدرين الآسيويين كما في بنغلاديش وفيتنام. في عام 2024 وحده، صدرت البلاد ما قيمته 470 مليون دولار (350 مليون جنيه إسترليني) من الملابس إلى الولايات المتحدة، مما دعم أكثر من 66,000 وظيفة مباشرة، ثلاثة أرباعها تشغلها نساء، وفقاً للتحالف الكيني للقطاع الخاص. أصبحت مصانع مثل “شونا إي بي زد” (Shona EPZ) مصادر مهمة للعمالة، خاصة للشباب الذين عانوا من أجل العثور على عمل مستقر في اقتصاد صعب.
علاوة على ذلك، أثبت قانون “أغوا” قيمته الكبيرة لدول مثل كينيا وليسوتو، ومصير الآلاف من العمال، مثل جوان وامبوي البالغة من العمر 29 عاماً، مرتبط بمستقبل القانون، إذ يقول المحللون إن نهاية الاتفاق قد تعني نهاية وظيفة السيدة وامبوي التي عملت في “شونا إي بي زد”، حيث ساعدت في خياطة الملابس الرياضية للسوق الأمريكية حصرياً، لمدة ستة أشهر فقط. وفي ذلك الوقت القصير، أصبح راتبها هو الركيزة الأساسية لأسرتها. فهي تعيل ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات، وشقيقتيها في الكلية، بالإضافة إلى والدتها. وتقول إن فقدان وظيفتها سيؤثر على ما هو أكثر من حياتها الخاصة. وتسأل السيدة وامبوي بنبرة قلقة، ويداها وقدماها تتحركان بالتزامن على آلة الخياطة وهي تخيط قطع القماش: “إذا انتهى “أغوا”، إلى أين سنذهب؟”
بالنسبة لها، لم يعنِ الأجر المنتظم مجرد دخل، بل يعني الكرامة والقدرة على دفع الرسوم المدرسية، وتوفير الطعام على المائدة، ومكّنها من التطلع إلى مستقبل أفضل. تقول وهي تطوي قطعة القماش التي خيطتها للتو: “سوف يضربني ذلك بشدة إذ سأبدأ في البحث عن وظيفة جديدة، مع العلم أنه من الصعب العثور على عمل في كينيا”. وتضيف السيدة وامبوي قائلة: “معظم الناس هنا مأُخذون من الشوارع، وكانوا سابقا مدمنين على المخدرات. إذا انتهت صلاحية قانون “أغوا”، فقد يعودون إلى هناك، وهم هنا مُصلَحون”.
تدفع كينيا 10% على الصادرات التي لا يشملها “أغوا”، وهي ليست كثيرة. وسيكافح الصانعون الكينيون للتنافس مع المنافسين في آسيا، على الرغم من أن بعض الدول الآسيوية قد تواجه تعريفة أمريكية أعلى، وذلك بسبب محدودية سلسلة التوريد المحلية في كينيا حيث يتم استيراد معظم المواد الخام، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار الإقراض ونفقات التشغيل.
التوقعات المستقبلية
يقول المراقبون بأن السنوات العشر القادمة ستشكل المسار الاقتصادي لعقود قادمة، ويجب على الولايات المتحدة أن تبني على استثمارها السردي من خلال ترسيخ قدر أكبر من اليقين للمستثمرين الأمريكيين والأفارقة. لكن ما يكاد يصبح أزمة يمثل فرصة للصين، منافسة الولايات المتحدة، التي طالما استقطبت الدول الأفريقية وتقدم لها الآن شريان حياة.
صرح الخبير الاقتصادي النيجيري بيسمارك ريواني لشبكة CNN قائلاً: “نحن (أفريقيا) ذاهبون مباشرة إلى أحضان الصين”. وقال ريواني عن التحول المتوقع لأفريقيا نحو الصين، التي برزت في السنوات الأخيرة كأكبر شريك تجاري ثنائي للقارة: “هذه هي النتيجة المؤسفة”.
ويعتقد ريواني أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تلهم أفريقيا “لبناء المرونة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التجارة غير المتوازنة”. والأهم من ذلك، أضاف قائلا: يجب أن تكون القارة “أكثر توجهاً نحو تنمية الداخل بدلاً من الاعتماد على الخارج”.
قد يساعد تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) في تخفيف هذا الوضع، ولكن مثل هذا التعديل سيكون صعباً ويتطلب وقتاً طويلاً. فبعد مرور أربع سنوات على تنفيذ منطقة التجارة الحرة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، لا يزال المستهلكون البالغ عددهم 1.5 بليون نسمة في القارة والناتج المحلي الإجمالي الإجمالي البالغ 3 تريليونات دولار مقسَّمين إلى أسواق مصغرة معزولة.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.