تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر

شهد المشهد السياسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجيًا وتغييرات جذرية، مع تزايد عدد الدول التي تتبنى الحكم العسكري، وتكتسب دعمًا شعبيًا للإطاحة بالحكومات المنتخبة، وتتحدى صلاحية المؤسسات الديمقراطية في القارة. فمنذ عام 2020، شهدت كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا، وتشاد، والسودان، والغابون انقلابات عسكرية أو تغييرات مدعومة من الجيش للسلطة.

ولقد شهدت مدغشقر أيضا، وهي رابع أكبر جزيرة في العالم والواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا،  أزمة سياسية حادة في الآونة الأخيرة، في أعقاب الإطاحة بالرئيس أندريه راجولينا واستيلاء الجيش على السلطة، بقيادة فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات العسكرية النخبة (CAPSAT).

وكانت هذه الدولة الجزرية، التي عُرفت سابقًا باسم جمهورية مالاغاش، قد شهدت انتقالًا غير دستوري مماثلاً للسلطة في عام 2009، حين استولى الرئيس أندريه راجولينا على السلطة من الرئيس المنتخب ديمقراطيًا مارك رافالومانانا عبر انقلاب عسكري، إثر ما يقرب من ثلاثة أشهر من الاحتجاجات العنيفة. وإن استيلاء فيلق “كابسات” على السلطة في مدغشقر مؤخرا، يجعل هذا التحول غير الدستوري للسلطة  الانقلاب العاشر الناجح من قبل مجلس عسكري أو حكومة مدعومة من الجيش في أفريقيا منذ عام 2020.

احتجاجات “الجيل زد مدغشقر” والتصعيد السياسي

نبعت الأزمة السياسية لعام 2025 في مدغشقر من احتجاجات حاشدة، نفذها الشباب الملغاشي الذين شكّلوا حركة جديدة عُرفت باسم “الجيل –زد”  (Gen-Z). وقد بدأت في أواخر سبتمبر 2025 في العاصمة أنتاناناريفو، ثم استمرت في الانتشار بسرعة إلى ولايات أخرى في أوائل أكتوبر 2025 بسبب الردود القمعية من الحكومة ضد المتظاهرين.

وفي البداية، كان السبب وراء الاحتجاجات، كما نادى به المتظاهرون ومُثِّلَ على اللافتات واليافطات، هو الفشل المستمر لإدارة الرئيس أندريه راجولينا في توفير الكهرباء وإمدادات المياه بشكل موثوق، بالإضافة إلى العديد من المظالم الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد.

ووفقًا للتقارير، كان ثلث سكان مدغشقر فقط يحصلون على الكهرباء قبل الأزمة، حيث يعاني غالبية المواطنين من انقطاع يومي للتيار الكهربائي قد يستمر من 10 إلى 13 ساعة، ومن نقص في المياه قد يمتد لأيام أو أسابيع، مما يجعل الحياة الأساسية صعبة للغاية بالنسبة لهم. وفي محاولة لمعالجة الوضع المتصاعد، أقال الرئيس راجولينا وزير الطاقة في 26 سبتمبر 2025، وأعلن كذلك حل الحكومة بأكملها في 29 سبتمبر 2025، تلاه تعيين الجنرال العسكري روفين فورتونات زافيسامبو رئيسًا جديدًا للوزراء في 6 أكتوبر 2025. ومع ذلك، فشلت هذه الخطوات في تلبية مطالب الجمهور.

على المدى الطويل، سرعان ما تحولت مطالب الاحتجاجات، متجاوزة المطالبة بإصلاح انقطاعات الكهرباء والمياه، وتطورت إلى مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة، تطالب بإصلاح شامل للنظام السياسي، مع دعوات المتظاهرين إلى استقالة الرئيس أندريه راجولينا.

التدخل العسكري

دخلت الاحتجاجات مرحلة جديدة في 11 أكتوبر 2025، عندما أعلن فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات الفنية والإدارية النخبة، المعروف باسم “كابسات”، تمردَهُ ودعمه للمظاهرات التي يقودها “الجيل زد”. وبما أن هذه الوحدة هي الأكثر نفوذاً في مدغشقر والعمود الفقري التقني والإداري واللوجستي للجيش بأكمله، فإن قرارها بالانضمام إلى المحتجين في ساحة “بلاس دو 13 ماي” الرمزية، قد وفّر لحركة “الجيل زد” الدعم العسكري اللازم لتحدي الحكومة. وهذا يعني أن هذه الوحدة، التي لعبت دورًا محوريًا في انقلاب عام 2009 الذي أوصل الرئيس أندريه راجولينا إلى منصب الرئيس الانتقالي، انقلبت في نهاية المطاف على الرئيس، الذي كان حليفاً سابقاً لها، وبالتالي نتج هذا الانشقاق في انهيار الدعم السياسي للرئيس أندريه راجولينا.

بدأت الرحلة نحو التغيير غير الدستوري للسلطة في 12 أكتوبر 2025، عندما أفادت التقارير أن الرئيس راجولينا قد فرَّ من البلاد إلى مكان مجهول، مدعيا وجود تهديدات بالغة الخطورة على حياته كأسباب لفراره. ومع ذلك، حاول –وهو في  العزلة – القيام بحلّ الجمعية الوطنية لمدغشقر في 14 أكتوبر 2025، بعد إصدار مرسوم من مخبئه، في محاولة لمنع عزله. ولسوء الحظ، تجاهل المشرعون مرسومه وشرعوا في عزله بالإجماع، ما أحدث فراغًا في أهم منصب سياسي في البلاد.

وفي أعقاب التصويت على العزل، أعلن العقيد مايكل راندريانيرينا، قائد “كابسات” وناقد شعبي للرئيس أندريه راجولينا، علنًا أن القوات المسلحة قد تولت السلطة، في خطوة اعتُبرت على نطاق واسع إنقاذًا للبنية السياسية المنهارة في البلاد. ووكذلك علَّق العقيد دستور البلاد وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري مُكلف بالعمل نحو انتقال إلى حكم مدني في غضون 18 شهرًا إلى عامين، فتمّ تنصيبه رئيسًا مؤقتًا في 17 أكتوبر 2025.

ولقد برّر العقيد راندريانيرينا هذه الخطوة في تصريحاته، بالادعاء بأنها لم تكن انقلابًا بل إجراء ضروريًا لأن البلاد كانت على حافة الانهيار. وقال راندريانيرينا: “اليوم يمثل نقطة تحول لأمتنا، فالشعب الملغاشي نفسه متعطش لتغيير عميق في طريقة حكم بلادنا”.

لقد لفت استيلاء الجيش على السلطة انتباه العالم، وأثار إدانة مختلف الدول وتعليق عضوية مدغشقر في المؤسسات الدولية. فبينما أصدرت الأمم المتحدة إدانة لتغيير السلطة، قام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي فورًا بتعليق عضوية مدغشقر داعيا إلى نقل فوري للسلطة إلى إدارة مدنية. وفي خطوة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية، عيّن الرئيس العسكري المؤقت رجل الأعمال المعروف هيرينتسالاما راجوناريفيلو رئيسًا جديدًا لوزراء مدغشقر، نظرًا لخبرته وعلاقاته مع المنظمات الدولية التي تتعامل مع الحكومة الملغاشية.

حاليًا، لا يزال الوضع السياسي في مدغشقر يبدو هشًا حيث تتطلع الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش إلى كسب الشرعية وتخفيف الضغط الدولي، بينما تقع على عاتقها في الوقت ذاته مهمة تلبية توقعات المحتجين الذين غذّت حركتهم هذا التغيير.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.