
النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل
تشهد القارة الإفريقية منذ عقود سلسلة من النزاعات المسلحة التي تتفاوت في حدتها وأسبابها، لكنها تتقاطع جميعًا في كونها تهديدًا مستمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتعد التنمية المستدامة في إفريقيا هدفاً استراتيجياً يتقاطع مع طموحات الشعوب ورؤى الاتحاد الإفريقي في تحقيق نهضة شاملة بحلول أجندة 2063. غير أن هذا المسار يصطدم بتحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها النزاعات المسلحة التي ما زالت تُثقل كاهل القارة. فالعنف المسلح، سواء في شكل حروب أهلية، أو صراعات عرقية ودينية، أو نزاعات على الموارد، يؤدي إلى استنزاف الموارد الاقتصادية، وتعطيل الاستثمارات، وإضعاف مؤسسات الدولة، فضلاً عن تفاقم مشكلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. كما يساهم في تدهور البيئة، وتراجع التعليم والصحة، ويُعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة. ومن ثم، فإن دراسة العلاقة بين النزاع المسلح والتنمية المستدامة في إفريقيا تكشف عن جدلية معقدة، حيث يهدد استمرار العنف فرص التقدم، في حين أن غياب التنمية بدوره يغذي دوامة النزاع. ولأهمية الموضوع يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على انعكاسات النزاعات المسلحة على مسارات التنمية المستدامة في إفريقيا، واستكشاف سبل كسر هذه الحلقة المفرغة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.
النزاع أو الصراع؛ هو ظاهرة طبيعية لا غنى للبشر عنها. ينشأ النزاع من عدم المساواة والتمييز والهيمنة والإقصاء والظلم، التي تصاحب التنافس بين الأفراد والجماعات على الموارد والمنافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية الشحيحة. قد يكون النزاع داخلياً أو بين الأفراد. ويمكن أن يعبر عن نفسه بطرق عنيفة أو غير عنيفة. يعُد تدني التنمية البشرية وتدهور البيئة من أشد المشكلات التي تواجه البشرية في نهاية القرن العشرين. فالصراعات المسلحة من صنع الإنسان. وتشُكلّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جوهر التحدي العالمي الراهن المتمثل في الصراعات المسلحة، وهو تحد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية[1].
أنواع النزاع المسلح
هناك ثلاثة أنواع من النزاعات يقُرهّا القانون الدولي الإنساني:
– النزاع المسلح الدولي، وهو وفقاً للمادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 في جميع حالات الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح قد ينشأ بين طرفين أو أكثر من الأطراف، حتى لو لم يتم الاعتراف بحالة الحرب، تنطبق الاتفاقية أيضاً على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي للأراضي. هذا يعني أن وقوع نزاع مسلح دولي أمر واضح، أي أنه صراع بين قوات مسلحة قانونية لدولتين مختلفتين.
– النزاع المسلح الثاني، المعُترف به في القانون الدولي الإنساني هو ظاهرة جديدة تعُرف باسم “النزاع المسلح المُدول”. ويمكن أن يحدث هذا النوع من النزاع عندما تنشب حرب بين فصيلين مختلفين يتقاتلان داخلياً، ولكنهما مدعومان من دولتين مختلفتين. ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من النزاع، الذي نشب في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام ١٩٩٨، عندما تدخلت قوات من رواندا وأنغولا وزيمبابوي وأوغندا لدعم جماعات مختلفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
– النزاعات المسلحة غير الدولية، هي نزاعات مسلحة ذات طابع غير دولي تحدث على أراضي أحد الأطراف المتعاقدة في (اتفاقية جنيف، 1949) كما تنطبق أيضاً على الوضع الذي يكون فيه النزاع داخل الدولة بين الحكومة وقوات المتمردين. وهذا يعني أن أحد الأطراف المعنية هو جهة فاعلة غير حكومية بطبيعتها.[2]
بالنظر إلى حالة إفريقيا جنوب الصحراء نجد إن معظم النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى داخلية وتحدث في “دول هشة” ذات مؤسسات اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية ضعيفة. الدول الهشة معرضة بشدة لاندلاع النزاعات المسلحة، وهناك علاقة واضحة بين النزاعات المسلحة الداخلية والتخلف. ينشأ هذا الارتباط من تحويل الموارد الوطنية، التي تمتلك القدرة على تحسين مستويات معيشة المواطنين العاديين، نحو السعي إلى الحرب. علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي والفساد المنتشر المرتبطان عادة بالنزاعات المسلحة الداخلية، يخلقان حلقة مفرغة من الفقر والعنف تعيق تقدم الدول النامية.[3]
أسباب النزاع المسلح في إفريقيا جنوب الصحراء
أن الأسباب الرئيسية للنزاعات المسلحة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء معقدة، وتعُزى إلى عوامل متعددة مثل الاستعمار، والتوترات العرقية، وضعف الحكم، لقد كان لوصول الأوروبيين وما تلاه من عملية استعمارية تأثيراً عميقاً على مسار التاريخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. سعت قوى أوروبية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، إلى تقسيم القارة، مستغلة مواردها وسكانها كمصدر للعمالة الرخيصة. أدى هذا التقسيم إلى تغييرات كبيرة في النسيج السياسي والاجتماعي للقارة، حيث أعُيد رسم حدود إفريقيا بالكامل لخدمة المصالح الاقتصادية للقوى الاستعمارية بشكل أفضل. نتيجة لذلك، عندما بدأت دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الحصول على استقلالها منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، واجهت مهمة شاقة تتمثل في توحيد هذه الكيانات الاستعمارية المصطنعة في دول قومية متماسكة ومستقرة. وقد امتلأت هذه العملية بالصراعات والتحديات، حيث كافحت الجماعات العرقية والسياسية المختلفة لتحديد هويات وطنية جديدة وإقامة أنظمة حكومية، وقد دفع هذا؛ العديد من هذه الجماعات العرقية والسياسية إلى حمل السلاح، سواء لغرض تقرير المصير، أو الاندماج في الحكم[4].
يعتبر سوء الإدارة والفساد والفقر أسباب رئيسية للنزاع المسلح؛ لقد كان سوء الإدارة وعدم فعاليتها عائقاً كبيراً أمام التنمية وسبباً رئيسياً للصراعات المسلحة في إفريقيا. لقد مرت كل دولة في إفريقيا بشكل أو بآخر من أشكال سوء الإدارة. فسوء الإدارة هو مقدمة للفساد، هذان الاثنان مترابطان جوهرياً. لقد أساءت الدول في إفريقيا إدارة موارد الدولة وأضعفت مؤسسات الحكم مما أدى إلى جمود اقتصادي ومخاوف سياسية وانهيار السلام الاجتماعي والاستقرار. واليوم، يشكل هذان العاملان سبباً رئيسياً للصراعات العنيفة والصراعات الأهلية في جنوب وغرب إفريقيا[5].
بالنسبة للفقر قد لا يكون سبباً للعنف، ولكنه قد يكون محُفزِّاً للصراع العنيف. ويعُدَ الفقر أحد أبرز الانتكاسات في إفريقيا، وقد يؤُديِّ إلى النزاع. بالنظر إلى هذا من منظور نظرية الاحتياجات الإنسانية، عندما لا يتم تلبية الاحتياجات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى صراعات عنيفة. الفقر ليس فضيلة. على الرغم من وجود بيئات فقيرة حيث يعيش الناس في سلام نسبي، إلا أن هناك حالات يمكن أن يكون فيها الفقر محفزاً للعنف[6].
نماذج على الجماعات المسلحة في إفريقيا
يجادل مايكل بهاتيا Michael Bhatia (2005) بأن العدد المتزايد للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية في جميع أنحاء القارة (أي الميليشيات مثل حركة إم 23 في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجماعات المتمردة مثل الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون، والمتطرفين مثل حركة الشباب في القرن الإفريقي) قد أدى إلى عودة نوع آخر من تصنيف النزاعات، وقد استخُدمت مصطلحات مثل “التطرف العنيف” و”الإرهاب” و”التمرد”، لتصنيف أشكال مختلفة من العنف غير الحكومي على أساساً دوافعها[7].
ترتفع عدد البلدان الإفريقية المتضررة سنويا بالنزاعات العنيفة من متوسط ما قبل الاستقلال الذي يقل عن ثلاثة بلدان خلال الخمسينيات، إلى أكثر من 12 بلدا خلال التسعينيات، قبل أن ينخفض إلى ما دون تسعة بلدان خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يمكن تمييز أربعة عصور من الصراع منذ الاستقلال؛ سنوات ما بعد الاستقلال مباشرة، والتي اتسمت بالنضال من أجل التحرير والشرعية المتنازع عليها؛ وسنوات الحرب الباردة، والتي اتسمت بالحروب بالوكالة؛ وسنوات الانتقال بعد الحرب الباردة والتي اتسمت بالصراعات المتكررة التي دعمها الإقصاء الاقتصادي والسياسي؛ وعصر الجهات الفاعلة غير الحكومية، والذي اتسم بالجماعات المتطرفة والعنف العالمي[8].
ينتشر في الجنوب العالمي العديد من الجماعات المتطرفة على سبيل المثال؛ بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، برزت الجماعة إلى الصدارة العالمية بعد اختطاف 274 تلميذة في شيبوك، نيجيريا، في أبريل 2014. ومنذ ذلك الحين، قتلت الجماعة الآلاف، واختطفت عشرات الآلاف، وشردت ما يقرب من مليوني شخص، وعادة ما ترتبط بوكو حرام بالتطرف الإسلامي لأن اسمها يمكن ترجمته إلى أنه يعني حظر التعليم الغربي. وقد دفعت دعواتها لتطبيق الشريعة الإسلامية الصارمة في الأراضي التي تسيطر عليها الكثيرين إلى استنتاج أنها في الأساس، حركة تمرد أصولية. عندما بدأت الجماعة في عام 2002 كانت تسمى جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. وقد شجبت الفساد وعدم المساواة والبطالة وفشل الحكم في شمال نيجيريا، وخاصة بين النخبة الدينية. وقد حصلوا على لقب بوكو حرام لأن السكان المحليين شبهوا دعوتهم لإحياء شمال نيجيريا بالجهود المماثلة التي بذلها الزعماء الدينيون الإسلاميون خلال الحكم الاستعماري البريطاني، الذين رأوا ثقافتهم وسبل عيشهم مهددة بسبب دخول التأثيرات الغربية. وقد أدى الصراع في حوض تشاد إلى الهجرة القسرية لآلاف الأشخاص إلى مناطق مثل شمال نيجيريا، مما أدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة[9].
مثال آخر حركة الشباب في كينيا؛ وهي حركة كانت تنتقم من دور كينيا في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال والتي يعتبرها معظم الصوماليين احتلالا. تعود أسباب الهجمات الإرهابية في كينيا إلى تاريخ طويل من الصراعات العرقية، وسياسة الإقصاء التي حرمت العديد من الصوماليين. وقد أقر الرئيس الكيني أوروهو كينياتا Uruhu Kenyattaبهذه النقطة في مقابلة عام 2014 كما ساهمت النزاعات الحدودية، وقضايا حقوق الأراضي، واستمرار وجود مخيم داداب Dadaab للاجئين (حيث يعُتقد أن العديد من الشباب الصوماليين قد تحولّوا إلى التطرف وجنُدّوا من قبِل الجماعات المتطرفة) في تفاقم الوضع[10].
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدراسات أظهرت وجود علاقة بين النزاعات المسلحة والفشل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال؛ أدت الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة في سيراليون إلى انهيار البنية التحتية للبلاد، مما أدى إلى وفاة ما يقُدر بنحو 50 ألف شخص يعُزى مباشرة إلى النزاع. وقد أعاق هذا الوضع التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية في مجالات مثل الصحة العامة، وقد تسببت النزاعات المسلحة في تدهور النظم الصحية وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال. تعكس هذه النتيجة التأثير المدمر للحرب والعنف على تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة، ألا وهو ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للأفراد من جميع الأعمار.[11]
الآثار المترتبة على النزاع المسلح
لقد شكلّت الآثار الناجمة عن هذه النزاعات المسلحة عائقاً أمام النمو الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية. وقد خلفّت هذه الصراعات آثاراً مدمرة على الأرواح والممتلكات والأنشطة الاقتصادية في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، اتخذت ديناميكيات النزاعات في إفريقيا أبعاداً جديدة، حيث تعرضّت معظم الدول، مثل نيجيريا والصومال وليبيا، لخطر النزوح. مالي، وإثيوبيا، والسودان، وتشاد، والكاميرون، وبوركينا فاسو، على سبيل المثال لا الحصر، تعاني من تحديات التمرد. إضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف من ظهور أشكال جديدة من الصراعات المسلحة في المنطقة (مثل الهجمات المعادية للأجانب، وقطع الطرق، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختطاف، وغيرها). لتلك النزاعات آثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة، إذ يزُعزع السلام في المجتمع، مما يؤدي إلى خسائر بشرية وبيئية ومادية تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تعويضه. وقد يؤدي هذا إلى أضرار لا يمكن تصورها في الأرواح البشرية وفي ظل بعض الظروف يؤدي النزاع إلى زيادة أعداد اللاجئين والنازحين. فقد أدى انتشار الصراعات في إفريقيا إلى تراجع الأنشطة الإنتاجية، مما تسبب في ندرة واسعة النطاق، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، مما أثر سلباً على القدرة الإنتاجية في بعض البلدان[12].
إن الطبيعة المتعددة الأبعاد للصراعات وتداعياتها ضرورية لفهم الترتيبات المناسبة للأنشطة الاقتصادية في أي بلد. وفي حالة إفريقيا على وجه الخصوص، لم تكُرس سوى دراسات قليلة جهوداً تجريبية لدراسة مدى تأثير النزاعات المسلحة على التنمية المستدامة. ومن بين الدراسات دراسة إيزوها Ezeoha2015 التي فحصت الآثار الديناميكية للصراعات المسلحة على النمو الاقتصادي والرفاهية في إفريقيا، وكشفت أن شدة الصراع أثرت سلباً وبشكل كبير على النمو والرفاهية الاقتصادية. كما فحص بويريري Poireri 2012 آثار النزاع المسلح على التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكشف أن الصراعات المسلحة (وخاصة الحروب الأهلية) كان لها تأثير سلبي على الأداء التعليمي. علاوة على ذلك، أن معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية تأثرت سلباً خلال فترات الأزمات[13].
ووفقاً لتقرير التنمية المستدامة لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقرير التنمية المستدامة في إفريقيا لعام 2022، يسلط كلا التقريرين الضوء على افتقار إفريقيا إلى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في عام 2030. مع درجة مؤشر 53.6، مما يدل على أن المنطقة حققت حتى الآن ٪53.6 فقط من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ولا تزال تترك فجوة قدرها ٪46.[14]
أن النزاع المسلح يؤدي دائماً إلى كارثة إنسانية. خلال الفترة الأخيرة لعقدين من الزمن، كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر مناطق العالم تضرراً من النزاعات. من بين أكثر 24 دولة تضرراً من الحروب بين عامي 1980، 1994، كانت عشر دول إفريقية، وصنُفت أربع منها (ليبيريا وأنغولا وموزمبيق والصومال) ضمن الدول الخمس الأكثر تضرراً في العالم (تقرير وزارة التنمية الدولية البريطانية، 2021). كان النزاع مسؤولاً عن وفيات وتشريد أكثر من المجاعة أو الفيضانات. وقد أثر نطاق وطبيعة الحرب بشكل مباشر على حياة ملايين الأفارقة[15].
ومن آثار النزاع المسلح فقدان البنية التحتية؛ لقد ألحقت الحرب أضراراً بالغة بالبنية التحتية لإفريقيا. فقد تأثرت الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها من البنى التحتية الحكومية. وخلال الحرب، كان هناك ندرة في الاستثمار في البنية التحتية وصيانتها. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، فقدت إفريقيا أكثر من خمسين في المائة من بنيتها التحتية للنقل، وكان العديد من الخسائر بسبب الصراع. ولهذه الخسارة تأثير فوري وطويل الأجل على الاقتصادات الإفريقية. ففي الوقت الحالي، تزيد من الفقر. فعلى سبيل المثال، لا يوجد في جنوب السودان تقريباً شبكة طرق قابلة للتطبيق نتيجة لسنوات من الحرب الأهلية. وهذا يضر بشدة بسبل عيش السكان، الذين يعتمدون على تجارة الماشية مقابل الحبوب كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. ففي شمال شرق نيجيريا على سبيل المثال، لم تتمكن الحكومة من إعادة بناء هذه البنى التحتية التي احترقت مثل المدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد وغيرها[16].
أما آثار النزاع المسلح على الاقتصاد؛ فقد ارتفعت النزاعات المسلحة المسجلة في إفريقيا بشكل ملحوظ من 35 % في عام 1998 إلى %173.1 (الذروة) في عام 1999 مع انخفاض مماثل في نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.1 % إلى 3.9% بين عامي 1998 / 1999. ويبدو أن هذا يشير إلى وجود علاقة سلبية بين نمو النزاعات المسلحة المسجلة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، في عام 2000، كان هناك انخفاض كبير بنسبة 88 % في نمو النزاعات المسلحة المسجلة بينما انخفض النمو الاقتصادي أكثر إلى 3.3 %. وتجدر الإشارة إلى أن النزاعات لا تمثل التقلب الكلي في نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن العوامل الاقتصادية الكلية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى مسؤولة أيضاً. والجدير بالذكر أنه عندما كان نمو النزاعات المسلحة يرتفع، كان الناتج المحلي الإجمالي ينخفض. كان النمو في النزاعات المسلحة المسجلة والناتج المحلي الإجمالي متذبذباً خلال الفترة بين عامي 1998، 2014.[17]
علاوة على ذلك، يحُدد الوضع الأمني في بلد ما، على الأرواح والممتلكات والأعمال التجارية، إلى حد كبير، حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي. ومن المفهوم أن المستثمرين يهتمون بالوجهات ذات المخاطر المنخفضة على مواردهم. شهد عام 1999 نمواً كبيراً في النزاعات المسلحة، ما رافقه انخفاض في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة. ويعود هذا النمو الكبير في النزاعات المسلحة إلى المعارك وعنف الميليشيات الذي أثر على معظم أنحاء دول مثل أنغولا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وإثيوبيا ونيجيريا والسودان وأوغندا. ومع ذلك، كان هناك انخفاض حاد في عام 2000 مع تقلبات عالية نسبياً خلال الفترة المتبقية بينما بدأ الاستثمار الأجنبي المباشر في الارتفاع من عام 2000. كان الاستثمار الأجنبي المباشر في ذروته مع نمو منخفض مماثل للنزاعات المسلحة في عام 2011. والمثير للدهشة أن نمو النزاعات المسلحة ارتفع بشكل فلكي بنسبة 111 ٪ في عام 2013. وقد تميزت الفترة بالعديد من النزاعات المسلحة في العديد من البلدان الإفريقية كانت هذه النزاعات المسلحة بسبب التمرد والانتفاضة العربية والقتل خارج نطاق القضاء.[18]
وبالنسبة للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي فقد درُست العلاقة بين النزاع المسلح وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. وتشير أبحاث سابقة إلى تأثير سلبي للعنف على إمكانية الحصول على الغذاء وتوافره. وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حوالي نصف الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية و 80 % من الأطفال الذين يعانون من التقزم يقيمون في بلدان تعاني من النزاعات المسلحة أو العنف على نطاق واسع. يمكن للعنف أن يقُوضّ الأمن الغذائي بخفض إنتاج الغذاء ومخرجاته. ويدُمرّ النزاع المسلح ويفُاقم تدهور رأس المال البشري والمادي، والبنية التحتية، والثروة الحيوانية، والمحاصيل، ويرتبط بالسرقة وتدمير الأرض. إن الإنتاج الزراعي وسبل العيش والدخل مقيدون بالاضطرابات الناجمة عن العنف. إن عدم القدرة على الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية يؤثر أيضاً على الإنتاج الزراعي. كما إن التغيرات في مشاركة القوى العاملة، الناجمة عن تدمير وتدهور البنية الأساسية والموارد بالإضافة إلى نزوح العمال بسبب العنف، تؤدي إلى المزيد من خفض الإنتاج الزراعي والعمالة. لا تقتصر آثار النزاعات على تدمير الإنتاج الزراعي وتعطيله فحسب، بل تشُكلّ أيضاً تحديات لوجستية أمام المنتجين في توصيل الغذاء إلى الأسواق، ويؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع أسعار الغذاء، مما يؤدي إلى سوء التغذية وارتفاع معدلات نقص التغذية.[19]
ومن آثار النزاعات المسلحة الوصول المحدد إلى المياه والصرف الصحي؛ تؤثر النزاعات المسلحة على الوصول إلى المياه وتوفيرها بشكل مباشر وغير مباشر. للنزاع آثار سلبية على جودة المياه وكميتها وإمكانية الوصول إليها وتوفيرها من خلال استهداف وتدمير البنية التحتية للمياه أثناء النزاع المسلح. أن التدمير المتعمد لأنابيب المياه وأنظمة الضخ، يتسبب في تدهور أو تعطل محطات معالجة المياه بسبب الأعطال ومشاكل الصيانة، وتلويث المسطحات المائية السطحية والجوفية بالمتفجرات أو المعدات العسكرية، تشُكل أنابيب المياه التالفة أو أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي غير الفعالة مخاطر جسيمة[20].
تؤثر النزاعات المسلحة أيضاً على التنمية البشرية بشكل مباشر وغير مباشر، وتظهر هذه التأثيرات على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية تميل البلدان التي تعرضت التنمية البشرية. وعلى الرغم من التحسينات العامة في معدل وفيات الرضع الملحوظة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، فإن البلدان التي تعرضت للعنف في الفترة 2000- 2019 مثل السودان وسوريا ونيجيريا وتشاد – لم تظُهر أي تحسن يذُكر في وفيات الرضع مقارنة بالدول المسالمة أو الأقل عنفاً. قد تؤثر النزاعات على معدل وفيات الرضع من خلال تدمير الخدمات الصحية، وتقييد الحركة، وتدهور الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء. كما قد يكون للعنف آثار طويلة الأمد على معدل وفيات الرضع من خلال التأثيرات المشتركة على النمو الاقتصادي، والمساواة في الدخل، وأمية الشابات – وهي أقوى ثلاثة عوامل تنبؤ بتباين معدل وفيات الرضع.[21]
ومن أعمق آثار النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التأثير الشديد على صحة السكان المحليين ورفاهيتهم. ونظراً لتشابك الصحة البدنية والعقلية، فإن آثار النزاعات المسلحة على الصحة البدنية، كالوفيات والإصابات وسوء التغذية، تلُقي بعواقب وخيمة على الصحة النفسية. فالمعاناة والصدمات والضغوط الهائلة التي تفرضها النزاعات المسلحة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية وعصبية واضطرابات ناجمة عن تعاطي المخدرات. ونظراً لأن النزاعات تشُكل مصادر مستمرة للتجارب والضغوط اليومية للمتضررين، فإن هناك مخاطر متزايدة للإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية الشائعة وانخفاضاً كبيراً في مستوى الرفاهية.[22]
للنزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى آثار مدمرة على التعليم ومحو الأمية في المنطقة. ووفقاً لتقرير صادر عن الشراكة العالمية من أجل التعليم (2018)، فإن احتمالية انقطاع الأطفال عن الدراسة في البلدان المتضررة من النزاعات تزيد بأربع مرات عن نظرائهم في الدول المستقرة. وينبع هذا التفاوت من الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية التعليمية، وتجنيد القاصرين كجنود أطفال، والنزوح الجماعي للطلاب والمعلمين على سبيل المثال، في جنوب السودان، انقطع أكثر من 400,000 طفل عن الدراسة بسبب العنف المستمر. في عام 2014 وحده، تم الإبلاغ عن 913 هجوماً على المدارس في 22 دولة متأثرة بالصراع، مما أدى إلى غرس مناخ من الخوف وانعدام الأمن بين الطلاب والمعلمين وتفاقم ضعف نتائج التعلم للأطفال. غالباً ما تستخدم الفصائل المتحاربة الاستهداف المتعمد للمؤسسات التعليمية لفرض سيطرتها أو ترهيب السكان أو تهجيرهم[23]. وجد الباحثون أنه خلال النزاعات المسلحة، تخُفضّ الدولة نفقاتها التعليمية بنسبة 3.1 % إلى 3.6 % سنوياً. كما وجدوا أن النزاع يقُلل من الالتحاق بالتعليم. ولعل هذا الأمر أكثر إثارة للقلق، إذ من المرجح أن يستمر هذا التأثير لفترة طويلة بعد انتهاء الصراع[24].
يبرز الفقر والجوع كعواقب حتمية في بؤر النزاع، حيث ينتشران على أوسع نطاق. وقد لوحظ أن النزاعات، كالحروب الأهلية، يمكن أن تسُبب فقراً. يقُاس الفقر بمؤشرات مختلفة لرفاهية الفرد، بما في ذلك الحالة الغذائية، ومتوسط العمر المتوقع، ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب. ونتيجة لذلك، مع تفاقم الفقر، يتفاقم الجوع[25].
يعد النزوح أحد الآثار الشائعة للنزاع المسلح، ويشير إلى الحركة القسرية للأشخاص من ديارهم بسبب العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الأمن الآخر ويواجه النازحون بسبب الصراع مخاطر صحية، حيث يعيشون غالباً في ظروف مكتظة وغير صحية في المخيمات والمناطق الحضرية مع محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. وقد يواجهون أيضاً صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية.[26]
في توثيق النزاعات المسلحة في إفريقيا، أظهرت دراسة أن الحرب الأهلية في السودان أودت بحياة 1.3 مليون شخص منذ عام 1983، مما تسبب في تدمير الأنشطة الإنتاجية وممتلكات السكان المدنيين. وكان لذلك عواقب وخيمة بعيدة المدى، لا سيما انخفاض إنتاجية البلاد وانتشار الأمراض والجوع بين السكان. وبالتالي، فإن آثار النزاعات المسلحة عديدة ومتعددة الأوجه. وبالتالي، تؤدي الحروب إلى تضرر السكان القادرين والمنتجين، مما يحولهم إلى سكان عالة، بالإضافة إلى زيادة عدد اللاجئين والنازحين وانتهاكات حقوق الإنسان. وفي ظل هذه الظروف، يتأثر مستوى إنتاجية البلد بشكل كبير، وتستغرق عملية التعافي وقتاً أطول بكثير[27]. أدت تجربة السودان وجنوب السودان، وتسلل الإرهاب إلى بعض الدول الإفريقية، إلى زيادة أعداد القتلى في إفريقيا. وتتمثل العناصر الرئيسية لهذه المأساة في ملايين المشردين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم، وتزايد عدد الضحايا المدنيين المباشرين، وارتفاع مستويات العنف والإيذاء والتشويه التي يعاني منها غير المقاتلين[28]. لا شك أن النزاعات مدمرة لأي بلد، بتكاليف قابلة للقياس وغير قابلة للقياس. وبالتالي، قد تجد البلدان صعوبة في استدامة النمو الاقتصادي والتنمية بسبب غياب البيئة المواتية. في إفريقيا، كان استمرار النزاعات المسلحة أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تخلف المنطقة. ونتيجة لذلك، تجسدت آثار الأزمات في كوارث وأحداث أخرى تهُدد بقاء المجتمع، ودمار قد يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية ومادية وبيئية واسعة النطاق تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تداركه.[29]
فبينما تكون العواقب المباشرة للنزاعات وخيمة، فإن العواقب غير المباشرة أسوأ بكثير. فالنزاعات ” تعكس مسار التنمية” لذا فإن التوصية السياسية الأولى والأكثر أساسية في هذه المقالة هي أن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ مخاطر النزاعات في الاعتبار. ولإنهاء الصراعات المسلحة في إفريقيا وفقاً ل أريمو Aremu 2010، يجب معالجة الاقتراحين التاليين بشكل شامل: القيادة الملتزمة والصادقة، والقضاء على الفقر.
أولاً: الالتزام بالقيادة الصادقة
تحتاج الدول الإفريقية إلى قادة ملتزمين ومخلصين، يقُدمون القدوة، ويكونون بمثابة حكام صالحين ومسؤولين ومتجاوبين مع جميع مكوناتها وشعوبها، بما يعُزز السلام والوئام داخل حدود بلدانهم. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:
– التوزيع المتساوي للموارد؛ يجب على القادة الأفارقة ضمان توزيع عادل للموارد بين مختلف المناطق الجيوسياسية في بلدانهم. ولا ينبغي تهميش أي مجموعة لكسب دعم وتعاون الجميع.
– تعزيز سيادة القانون؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً السعي لتعزيز سيادة القانون. وهذا يشمل تكافؤ فرص الوصول إلى العدالة لجميع المواطنين بغض النظر عن وضعهم، واحترام قرارات المحاكم من قبِل الحكومة وأصحاب النفوذ، وإجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة. فعندما يعزز القادة سيادة القانون، يضُمن التعايش السلمي بين الناس والانتقال السلمي للسلطة من حكومة إلى أخرى. وبالتالي، يمُكن القضاء بسهولة على النزاعات المتعلقة بالخلافة، المتفشية في إفريقيا.
– حماية حقوق الإنسان الأساسية؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً تعزيز وحماية وضمان حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيهم. وعلى وجه الخصوص، ضمان الحقوق الأساسية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والدين.
ثانياً: القضاء على الفقر
دون جدال يذُكر، يمُكن القول بجرأة إن الفقر هو أصل كل الشرور في إفريقيا. فالفقير الذي تعرض للإذلال الاقتصادي والصدمة المالية، قد لا يكون في كامل قواه العقلية. لذا، قد يكون من المناسب القول إن الجائع مجنون. فهو قادر على السرقة والقتل والتشويه والتدمير. كما أن الفقر يهُين الإنسان ويؤثر سلباً على نفسيته. لذا، فإن القضاء على وحش الفقر، أو في أسوأ الأحوال الحد منه، من أهم أدوات تحقيق السلام والاستقرار في إفريقيا التي تعُاني من الحروب والصراعات. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:
– المساواة في الوصول إلى التعليم النوعي؛ ينبغي على الحكومات في إفريقيا أن توفر لمواطنيها فرصاً متساوية للحصول على تعليم نوعي. وقد تجلى بوضوح في الأهداف الإنمائية للألفية أهمية التعليم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأي دولة. ولا شك أن التعليم ركيزة أساسية للتنمية البشرية والمجتمعية.
– أيضاً توفير فرص عمل مربحة للشباب؛ ينبغي على الحكومات الإفريقية السعي جاهدة لتوفير فرص عمل مجزية لجميع مواطنيها، وخاصة الشباب. وينبغي إنشاء صناعات ومصانع لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجي المعاهد العليا في الدول الإفريقية. كما ينبغي على الحكومات تشجيع الزراعة من خلال الزراعة الآلية، وتوفير الأدوات والتقنيات الزراعية الحديثة للمزارعين بأسعار مناسبة. فإلى جانب القضاء على مشكلة الجوع، سيعزز هذا بلا شك التمكين الاقتصادي للشباب ويقضي على البطالة.
– الأجر المناسب لموظفي الخدمة المدنية؛ ينبغي أن يحصل موظفو الحكومة على أجور مناسبة، وأن تبُنى ترقياتهم على الكفاءة والأداء. ينبغي أن تكفي رواتبهم لإعالة أسرهم. وهذا سيسُهم بشكل كبير في الحد من حالات اختلاس المال العام واستغلاله[30].
ختاماً، يتضح مما تقدم أن النزاعات المسلحة في إفريقيا لا تُعد مجرد أحداث عابرة في تاريخ القارة، بل هي ظاهرة بنيوية ذات امتدادات عميقة تمس مختلف مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فقد ساهمت هذه النزاعات في تقويض الأسس الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال استنزاف الموارد الطبيعية والبشرية، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل المشاريع الاستثمارية، وإضعاف قدرة الدول على رسم وتنفيذ استراتيجيات تنموية طويلة الأمد. كما أدت إلى تفاقم أزمات إنسانية متكررة، تجسدت في موجات نزوح ولجوء ضخمة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانتشار الأوبئة وسوء التغذية، الأمر الذي جعل القارة في وضع هش لا يساعدها على بلوغ أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
وإذا كان العنف المسلح أحد أبرز معوقات التنمية، فإن استدامة التنمية بدورها تمثل شرطاً ضرورياً لإخماد النزاعات المسلحة. فالتجارب التاريخية تكشف أن غياب العدالة الاجتماعية، وتهميش بعض الفئات، وضعف الحكم الرشيد، يفتح المجال أمام عودة دوامة العنف، وهو ما يجعل التنمية والسلم وجهين لعملة واحدة. ومن هنا، يفرض الواقع الإفريقي الحاجة إلى تبني مقاربة شاملة تربط بين فض النزاعات وبناء السلام من جهة، وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، في إطار يعزز المشاركة المجتمعية، ويعتمد على العدالة في توزيع الموارد، ويقوي مؤسسات الدولة الوطنية.
كما أن الدور الإقليمي والدولي لا يقل أهمية عن الجهود المحلية، إذ ينبغي للاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع المنظمات الدولية، أن يعمل على دعم مبادرات السلام، وتوفير التمويل الكافي لإعادة الإعمار، وتعزيز سياسات التنمية المندمجة التي تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية لكل دولة. إن مستقبل إفريقيا مرهون بقدرتها على كسر الحلقة المفرغة بين النزاع والتخلف، وصياغة نموذج تنموي إفريقي أصيل قائم على الاستقرار، العدالة، والاستدامة. وبذلك فقط يمكن تحويل القارة من مسرحٍ للصراعات المتكررة إلى فضاءٍ واعد للسلام والتنمية، يفتح آفاقاً متعددة للأجيال القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
[1] – Peter, Sesan A. (2025). Linking Armed Conflict, Peace and Development in Africa: The Changing Character. P. 425, 426. https://www.researchgate.net/publication/388958879
[2] – Ibid. P. 427, 428.
[3] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). Armed conflicts in Sub-Sahara Africa: Impacts on United Nations Sustainable Development Goals. Nnamdi Azikiwe Journal of Political Science (NAJOPS). Vol. 9(3). P. 15.
[4] – Ibid. P. 14.
[5] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[6] – Ibid.
[7] – Gilpin, Raymond. (2019). Understanding the Nature and Origins of Violent Conflict in Africa. P. 23. https://africacenter.org/wp-content/uploads/2019/05/Understanding-the-nature-and-origins-of-violent-
[8] – Ibid. P. 24.
[9] – Gilpin, Raymond. (2019). P. 27.
[10] – Ibid.
[11] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.
[12] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). ARMED CONFLICTS AND ECONOMIC GROWTH IN AFRICA. P. 2, 3. https://aercafrica.org/wp-content/uploads/2020/11/B10-Oyinlola-Adeniyi-and-
[13] – Ibid. P. 13.
[14] – Ibid.
[15] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[16] – Ibid P. 432.
[17] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 6.
[18] – Ibid. P. 7.
[19] – Vesco, Paola & Baliki, Ghassan and other. (2025). The impacts of armed conflict on human development: A review of the literature. World Development journal homepage: p. 11. www.elsevier.com/locate/worlddev
[20] – Ibid. p. 10.
[21] – Ibid. p. 3.
[22] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 20.
[23]– Ibid. P. 19.
[24] – GATES, SCOTT & STRAND, HAVARD. (2012). Development Consequences of Armed Conflict. World Development Vol. 40, No. 9, pp. 1713–1722. P. 1716. http://dx.doi.org/10.1016/j.worlddev.2012.04.031
[25] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.
[26] – Ibid. P. 16.
[27] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 12.
[28] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[29] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 11.
[30] – Peter, Sesan A. (2025). P. 435, 436.
دعاء عبدالنبي حامد
باحثة دكتوراه تخصص فلسفة إفريقية حديثة ومعاصرة - كلية الآداب/جامعة القاخرة-مصر.