رحلة نيجيريا نحو انتخابات عام 2023 والمنافسون الرئيسيون

بقلم: حامد ج. سليمان

ترجمة: جمعة حبيب الله أبيودن

النسخة الانجليزية من المقال متوفرة هنا.

لقد تم تحديد موعد انتخابات عام 2023 في نيجيريا لتقع في اليوم الخامس والعشرين (25) من فبراير واليوم الحادي عشر (11) مارس, بناءً على الجدول المعتمد لدى الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات (INEC)، وهي الهيئة الرقابية للانتخابات في البلد. بينما ستقع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اليوم الخامس والعشرين(25)، تقع الانتخابات الولائية في ثمانية وعشرين ولاية وانتخابات مجلس النواب لستة وثلاثين مجلسًا في الحادي عشر (11) من شهر مارس.

ونظرًا لما تمر به نيجيريا من التحديات؛ أصبح من المتوقع أن تتصادم المصالح وتحتدم النزاعات لأنها “مباراة” يستغل فيها القوي الضعيف، وما على الشعب النيجيري سوى الانتظار لمعرفة ما إذا كانت ورقة الاقتراع أقوى من رصاصات البنادق، والعكس صحيح.

وفيما يتعلق بالانتخابات، فإنّ نيجيريا تمر الآن بنقطة تحوّل تجعل النيجيريين منقسمين فيما بينهم, وهي فرصة اعتاد السياسيون النيجيريون استغلالها لصالح طموحاتهم السياسية. وقد أصبح السياسيون الآن نشطاءً سياسيًّا مستغلين صفحات التواصل الاجتماعي لتشويه الأحداث وتزييف الحقائق، يعلون بها أصواتهم بكلّ وضوح وصخب.

ومع أنّ نظام الانتخابات النيجيرية قد خول للشعب حق الترشيح والاختيار بجدارة، إلا أن الملاحظ أنّه قد تم استقطاب هذا الحق لفئة من الناس من خلال العرابة السياسية.

مستجدات السياسة النيجيرية

إن طبيعة النظام السياسي في نيجيريا أصبحت قائمة على ملئ البطون والميولات السياسية. وتوجهت السياسة النيجيرية نحو إشباع هذه الحاجيات لدى الشعب ليكون المال والمواد الغذائية من أهم المغريات المؤثرة في خيارات الأنشطة الانتخابية. وبناءً على ارتفاع درجة الفقر في نيجيريا، فليس من الصعب معرفة كيف يمكن التحكم على الأفراد للتصويت خارج إراداتهم وقناعاتهم من أجل نيرات نقدية (عملة نيجيريا) أو كيس أرز.  فأصبح السياسيون النيجيريون يمنحون الشعب الفوائد المالية مقابل الديمقراطية من خلال استغلالهم فرص احتياجات المقترعين بتوفير أكياس أرز ومال.

وقد انطلقت بذلك سياسة ملئ البطون، وتُدُووِلت صور السياسيين وأحزابهم مبعثرة في مواضع حسّاسة على أكياس الأرز وغيرها من صنوف الأطعمة. وكانت النتيجة وخاصة لتفاقم الفقر أن أصبح الشعب النيجيري منقادين لأهواء السياسيين الذين يقيّدون حاجاتهم بسياسة ملئ البطون. ويهدف السياسيون النيجيريون بهذه الخطة إلى اختيار مجموعة من الجمهور الناخبين يطلب منهم التنازل عن حقهم الأساسي في اقتراع مندوبيهم في الحكومة مقابل بدل وقضاء حاجة قصيرة الأجل.

وقد دأب من ينتصر لسياسة ملئ البطون على توجيه صنيعهم بأنه مع فراغ البطن لا تستطيع الحكومة القيام بأي استثمار هام ملموس في البنية التحتية، وبناءً على ذلك أصبح شراء أصوات الناخبين مؤشّرًا رائدًا في حركات السياسة النيجيرية لحدّ أنّه لا يعدّ ماهرًا محنّكًا كل سياسيّ لا يهتم سرًّا أو علانية بتوفير السيولة المالية في صالح طموحاته السياسية.

وفي حين يروّج للشعب بأنّ الديمقراطية أحسن نظام حكومي في العالم؛ تمارس الديمقراطية عند البعض على أساس سياسة ملئ البطون! فكان لهذا أثرًا سلبيًّا في إجراءات الانتخاب وفي كون الانتخابات حرة وعادلة.

ولهذه السياسة أثر في قلة اعتناء الحكومة بالمشاريع الوجوديات الهامة في البنية التحتية وعائق دون التنمية الحقيقية في نيجيريا, مثل قلة المدارس والمستشفيات وتعبيد الطرق والطاقة والمياه وغيرها من المصالح الديمقراطية. فالدولة التي هذه صفتها تبقى أسباب الفوز في الانتخابات في قراها وأريافها بين الفئة الفقيرة سهلة ميسورة لما يتوقع منهم من بيع أصواتهم وحقوقهم بطبقات أطعمة مقابل تجاهل الاهتمام بالبنية التحتية الضرورية.

فيما يظهر ومع قرب انتخابات عام 2023 فقد دخلت صفحات المواقع الاجتماعية النيجيرية في حرب كلامية صاخبة, مفادها أن حزبًا سياسيًّا قد يفوز بمليون صوت بتوفير أساسيات مثل الطعام والمال! فأصبح من الصعب أن يترك الشعب النيجيري هذه التفاهة مع بزوغ عام 2023.

ومما يندى له الجبين أنه سيخرج  نفس هذا الشعب بعد انتخابات عام 2023 ليندّدوا بوجوب محاسبة الحكومة في نجاح إدارتها والتشكي من تدهور حالات الطرق، وعدم استقرار الطاقة وتصاعد معدّل البطالة، وعدم الأمان إلى غير ذلك من المشاكل. لكن للأسف، مع توزيع الأطعمة للجوعى استطاع السياسيون النيجيريون من شراء وفاء الشعب، بينما لا يعرف الكثير أنه قد ضحّي بالبنية التحتية الضرورية من مدارس ومستشفيات وطرق وطاقة ومياه وغيرها من المصالح الديمقراطية لصالح سياسة ملئ البطون. لكن كيف وقد ضاعت الديمقراطية النيجيرية في ظل هذه المغامرة الحكومية.

انتخابات عام 2023: لمن قصب السبق؟

قد أطلق على الانتخابات الرئاسية لعام 2023 بأنّها سباق ثلاثي-الفرسان. بين مرشّح حزب العمل (LP) الوالي الأسبق بولاية أنمبرا، السيد “بيتر أوبي” (Peter Obi)، ومرشح الحزب التقدّمي (APC) الوالي الأسبق بولاية لاغوس، السيد “بولا تنوبو” (Bola Ahmed Tinubu)، وبين مرشح الحزب القومي (PDP) نائب الرئيس الأسبق بنيجيريا، “أتيكو أبوبكر” (Atiku Abubakar).

هذه نتيجة استطلاع أعلنته مؤسسة أَنَب وأشرفت عليه شركة “إن أو أي” للاستطلاعات أوائل سبتمبر، حيث أسفرت النتائج عن تنبؤ مفاده أن قصب السبق سيكون لمرشّح الانتخابات الرئاسية عام 2023 تحت حزب LP السيد “بيتر أوبي”، في إعلان أصدره ووقع عليه في يوم الخميس رئيس ومؤسس المؤسسة، السيد أتيدو بيتا سيد الذي ادعى أن الاستطلاع أُجرِي في جميع المناطق الجيوسياسية الست. “أسفرت الاستطلاعات سباقًا متقاربًا بين “أوبي”، ومرشح الحزب التقدمي (APC) “بولا تنوبو”, و “أتيكو أبوبكر” مرشح الحزب القومي (PDP).”

وورد في التصريح أن “منافسون منافسون آخرون استقطبوا أصواتًا ضئيلة إحصائيًّا. وأسفرت النتائج عن زيادة مهمة للسيد بيتا أوبي حيث عزم 21% من المشاركين في الاستطلاع على التصويت له لو فرض أن الانتخابات واقعة ذلك اليوم مقابل 13% لكلّ من بولا أحمد تنوبو وأتيكو أبوبكر الذين احتلا معًا المرتبة الثانية.”.

بحسب ما ورد في الاستطلاع، يوجد تأهّب قوي من الفئة العمرية ما بين 46 و60 للتصويت كما أشار الاقتراع إلى معدّل الجاهزية للتصويت عمومًا بأنّه تقريبًا 8 في 10 من الناخبين المسجلين عازمون على التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة. وقد تكون انتخابات فبراير 2023 ذات نشاط محطم للرقم السياسي النيجيري في حال استمرار عزم الناخبين المسجلين واهتمامهم.

على أنه رغم أن نتائج الاستطلاع أسفرت عن اتجاهات مهمة؛ إلا أنّ الناخبين المحايدين غير المثقفين قد يشكّلون عائقًا دون الوصول إلى كرسي الرئاسة لإمكانية أن يقلّب الناخبون المترددون رأس اللعبة على عقب نظرًا لعددهم.

في حين أنّ الأحزاب المعارضة قد ردت على هذه الإحصائيات الخيالية التي تنبأت بفوز مرشح حزب العمل بيتا أوبي حيث أعلن معسكر الحملة الانتخابية لحزب APC رفضه لنتائج استطلاع (إن أو أي) في تصريح له قائلا “إنها غير منسجمة مع الواقع النيجيري”. وأضافت معسكر الحملة بأنّ الاستطلاع الذي قامت به مؤسسة إن أو أي يحمل تصريحات غريبة وغير واقعية عن الانتخابات الرئاسية وأنّ استطلاع (إن أو أي) خارج القياس في الأوقات الحرجة الأخيرة للانتخابات حسب البحث”. كما ناقش التصريح مستدلا بأن “مؤسسة “إن أو أي” قد نشرت في أكتوبر 2014 مع استعدادٍ للانتخابات الرئاسية مارس 2015 نتائج الاقتراع المحتمل” المبنية على تصنيف الألفة ودراسة الأفضلية الصافية”.

ادعت شركة (إن أو أي) في استطلاع عام 2015 بأنّ للرئيس “غودلوك جوناتان” أعلى معدّل حسب تصنيف الألفة يصل 99%، وفي المقابل رأت الشركة هزيمة “محمد بخاري” مرشح حزب APC حينئذ، بدعوى أنه مرشح حدودي وأنّه سيحتاج إلى علاقات عامة لتحسين أدائه. لكن من الفائز بعد الأنشطة الانتخابية؟ فاز مرشح حزب APC والرئيس الحالي محمد بخاري. ولم يكن هذا أوّل تجربة مع إن أو أي التي استغلت محسوبيتها السياسية وقت الانتخابات لنشر إحصائيات مزورة” كما ادعت الحملة.

في الحقيقة، لا يعدّ الاستطلاع أو الاستفتاء الواقع في مواقع التواصل النيجيري مؤشّرًا مهمًّا يؤثر في صناديق الاقتراع. ولذلك عُدّ كثير من أنصار مرشح حزب العمل “بيتا أوبي” بأنّهم مجاهدوا لوحة المفاتيح الذين لهم عويل شبكي في حال أنّ الكثير منهم لم يسجلوا لبطاقات الاقتراع، مع ما عرف به الشماليون من استقطاب أعلى فرز للأصوات.

ولن يكون من العجب لو لم يستطع “بيتا أوبي” الفوز بقصب السبق في الانتخابات العامة لعام 2023؛ لأنّ شهرته لا تتجاوز مواقع التواصل، ولأنّ عدد متابعيه في مواقع التواصل لا يقاس بعدد معارضيه خارج الشبكة.

مؤشرات قد تساعد في معرفة الفائز

لا شكّ أن السياسة تمثل لعبة نرد، فالمنافسون الثلاثة البارزون شخصيات معروفون في السياسة النيجيرية، وفيما يبدو، تكون الانتخابات الرئاسية القادمة مباراة بين حزب أي بي سي وبي دي بي في مرة أخرى. بينما يرى أنصار مرشح حزب العمل “بيتر أوبي” بأنّه مرشح مختلف وإن كان سابقًا من أعضاء حزب بي دي بي حتى شهر مايو 2022 الذي انسحب من الحزب على هامش نزاعات من أجل حامل تذكرة الترشّح للانتخابات الرئاسية في صالح الحزب.

وفيما يتعلق بأنصار أي بي سي، تختلف المؤشرات والمعايير لدى أسرة بولا تنوبو (بات) من انفعالية إلى “محفظة مقاولين” إلى “رجال أعمال لا يستطيعون العيش خارج السقف الحكومي”. وكما عبّر بعض المحللين السياسين، أنصار أي بي سي وتنوبو قوم لا يعيشون إلاّ كلاًّ على الحكومة وعلى عوائد النظام الفاسد ليكون قوام عيشهم الحكومة، وعليه ستعمل أسرة بات على إبقاء دولة الحزب الحاكم. كما توجد مؤشرات أخرى، حسب تصريحات أكثر أنصاره، منها إسهاماته الإنسانية وكونه صانع الملوك، سياسيًّا استيراتيجيًا خبيرًا في جانب كونه مسلمًا يترشح معه نائب مسلم. لكن مع ذلك تتأثر هذه المؤشرات سلبيًّا بأداء الحزب الحاكم تحت إدارة الرئيس بخاري.

وبالعكس، يبدو أن أسرة أتيكو الذين هم أنصار بي دي بي رأسماليون لم يتم لهم الانتفاع من حكومة أي بي سي السيئة، وأملهم أن يجدوا في دولة أتيكو منفذًا لجمع المال من خزانة الدولة، فكانوا مستعجلين لانتزاع السلطة من الحزب الحاكم بغض النظر عن سجلهم السيئ في إدارة البلاد لسبعة أعوام مضت. وربما تكون مؤشرات نجاحهم في سياسة ملئ البطون أو نحوًا من ذلك إضافة إلى وعود.

ويبدو أن أتباع حزب العمل والذي اشتهرت بــ” أوبيدأنت” (Obidients) ثوريون يدّعي أكثرهم بأنهم شخصيات مستقلة لا يهمهم سوى إيجاد حكومة فعّالة. ويدعون لإعادة تشغيل نيجيريا بقواها وطاقاتها المتعددة، وإنهاء عهد الفساد والانحلال إلاّ أنّ الإشكال وارد فيما لو كان وجودهم الإعلامي قادر على اختراق صناديق الاقتراع. ومن أهمّ مؤشرات نجاح هذا الحزب تجمع القوى الشبابية في ربوع البلاد حوله.

يمكن الآن أن نخلص إلى أنّه مهما يكن الأمر، ستعكس نتيجة انتخابات 2023 القادمة في الحكومة الجارية من حيث مخلّفاتها من وجه والانتقادات الموجهة إليها من وجه آخر، ومن حيث الجانب الإيجابي والسلبي لحكومة بخاري، فعّالية الرئيس الحالي ومواضع نقصه وجهة النظر الشعبي، الصمود الشبابي وغير ذلك مما يدور في هذا الفلك مما يعدّ من محدّدات المستقبل.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.

أتيكو أبوبكرانتخابات 2023بولا أحمد تينوبوبيتر أوبيرئاسيات نيجيريامحمد بخارينيجيريا
Comments (0)
Add Comment