“ساو تومي وبرينسيبي”: عندما تعاني “منارة الديمقراطية” من اضطرابات سياسية

كانت جمهورية “ساو تومي وبرينسيبي” الديمقراطية مستعمرة برتغالية سابقة تقع في خليج غينيا قبالة الساحل الغربي الاستوائي لوسط أفريقيا. وتتكون الدولة من أرخبيلين يحيطان بالجزيرتين الرئيسيتين – “ساو تومي” و “برينسيبي” – اللتين تفصل بينهما حوالي 150 كيلومترًا, وحوالي 250 و 225 كيلومترًا قبالة الساحل الشمالي الغربي لدولة الغابون. وتشمل الدولة أيضا العديد من الجزر الصخرية، بما في ذلك “رولاس” وجنوب جزيرة “ساو تومي” و “كاروتشو” و “بيدراس” و “تينهوزاس” جنوب “برينسيبي”([1]).

وتعد الدولة صغيرة من حيث المساحة التي تبلغ 960 كيلومترًا مربعًا فقط (أي حوالي 1.2 ضعف مساحة مدينة نيويورك الأمريكية), وتشمل ساحلًا إجماليًا يبلغ 209 كيلومترات. كما يبلغ عدد سكانها 228،987 نسمة بحسب بيانات الأمم المتحدة في 3 ديسمبر 2022. ومنذ السنوات الماضية اكتسبت البلاد لقب “منارة الديمقراطية” في إفريقيا حيث تصنفها باستمرار منظمة “فريدوم هاوس” على أنها “حرة” بسبب مؤسساتها الديمقراطية القوية وحرياتها المدنية([2]).

وتحتل “سان تومي وبرينسيبي” في مؤشر إبراهيم للحكم الأفريقي المرتبة الثانية عشرة في إفريقيا بنسبة 60.4 في المئة من حيث الحوكمة الشاملة، مع مرتبة أعلى من حيث المشاركة الديمقراطية([3]) حيث أجرت البلاد انتخابات رئاسية في عام 2021 إلى جانب انتخابات برلمانية في 25 سبتمبر 2022.

وعلى الرغم من نجاح هذه العمليات الانتخابية، إلا أن هناك بوادر وجود اضطرابات سياسية خفية أظهرتها أحداث يومي 24 و25 من نوفمبر الماضي.

انتخابات عامي 2021 و 2022

حقّقت “ساو تومي وبرينسيبي” استقلالها في عام 1975، وشهدت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي إصلاحات سياسية أرست دعائم الديمقراطية. ولكن البلاد تشهد منذ أكثر من العقدين الماضيين منافسات محتدمة بين النخبة السياسية والطبقة الحاكمة, حيث وقعت محاولات انقلاب مختلفة أبرزها في عام 2003 عندما فشلت محاولة الانقلاب العسكري ضد حكومة الرئيس “فراديك دي مينيزيس” الذي حكم بين عامي 2001 و 2011([4]).

وقد أجرت “سان تومي وبرينسيبي” سلسلة من الانتخابات, بما في ذلك الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي فاز فيها رئيس الوزراء السابق “إيفاريستو كارفالو” في جولة الإعادة رغم ما شابتها من اتهامات بارتكاب مخالفات ومقاطعتها من قبل “مانويل بينتو دا كوستا” – أول رئيس لـ “ساو تومي وبرينسيبي” من 1975 إلى 1991.

وفي حين حكم “إيفاريستو كارفالو” من 2016 إلى 2021؛ فقد أجريت أيضا في 18 يوليو 2021 انتخابات رئاسية دون حصول أي مرشح رئاسي على أغلبية الأصوات، وأُجّلت جولة الإعادة مرارا قبل إجرائها في 5 سبتمبر 2021 مع فوز زعيم المعارضة والوزير السابق “كارلوس فيلا نوفا” من حزب “العمل الديمقراطي المستقل” (ADI) حيث حصل على 58 في المئة من الأصوات، متغلبًا على “جيلهيرم بوسر دا كوستا” من “حركة تحرير ساو تومي وبرينسيبي – الحزب الاشتراكي الديمقراطي” (MLSTP-PSD)([5]).

وتعدّ دولة “ساو تومي وبرينسيبي” أيضا نموذجًا للديمقراطية البرلمانية في إفريقيا بالرغم من أن سلطة البلاد تناوبت عدة مرات بين حزبين: “حركة تحرير ساو تومي وبرينسيبي – الحزب الاشتراكي الديمقراطي” (MLSTP-PSD) و “الحزب الديمقراطي المستقل” (ADI) الحاكم الحالي في المنصب الرئاسي ومنصب رئيس الوزراء.

وكانت آخر الانتخابات التشريعية في البلاد ما أجريت في 25 سبتمبر 2022 والتي فاز فيها “باتريس تروفوادا” من حزب “ADI” المعارض بنسبة 46.8 في المئة من الأصوات, بينما احتل المرتبة الثانية حزب “MLSTP-PSD” بزعامة “خورخي بوم جيسوس” (رئيس الوزراء السابع عشر الذي حكم من 3 ديسمبر 2018 إلى 10 نوفمبر 2022) من حيث الأصوات. وفي 3 أكتوبر خصصت المحكمة الدستورية مقاعد برلمانية على أساس قوة التصويت مما أعطى حزب “ADI” الأغلبية المطلقة (30 مقعدًا) في مجلس النواب المكون من 55 مقعدًا([6]).

وتعني نتائج جولة الإعادة لرئاسيات سبتمبر 2021 والانتخابات التشريعية لسبتمبر 2022 أن حزب “ADI” وحلفائه الآن على رأس الحكومة التنفيذية وفي المنصب الرئاسي, كما أن حصول الحزب على الأغلبية المطلقة الانتخابات التشريعية يُنهي تعايشه وحلفائه مع أحزاب أخرى في الحكومة – وهو وضع قادر على تحفيز التوتر السياسي بين مؤيدي الأحزاب المتنافسة والاضطرابات من الذين لم يرضوا بالنتائج والنظام السياسي الجديد.

محاولات انقلاب فاشلة

تغيرت المشاهد السياسية في “ساو تومي وبرينسيبي” خلال 27 عاما الماضية بين الاستقرار النسبي إلى انتفاضتين عسكريتين قصيرتي العمر وغير دمويتين. كما أدت الخلافات الداخلية المتكررة بين الأحزاب السياسية إلى تغيير متكرر في القيادة ومحاولات انقلاب فاشلة في أعوام 1995 و 1998 و 2003 و 2009([7]). وقد تدخل أيضا في إطار المحاولات الانقلابية الفاشلة في البلاد ما أعلنه رئيس الوزراء “باتريس تروفوادا” أنه في يومي 24 و 25 نوفمبر 2022 تعرّض مقر القوات المسلحة للهجوم وأن حكومته أحبطت ما أسماه “محاولة انقلاب” عنيفة لتخريب النظام الدستوري([8]).

وكان من بين المتهمين بالوقوف وراء أحداث يومي 24 و 25 نوفمبر 2022: “دلفيم نيفيس” الرئيس السابق للجمعية الوطنية الذي ترشّح للانتخابات الرئاسية لعام 2021 بدعم من “حزب التقارب الديمقراطي” واحتل المركز الثالث بنسبة 16.88 في المئة من الأصوات خلف “غويلهيرمي بوسر كوستا” الذي احتل المركز الثاني و “كارلوس فيلا نوفا” الفائز النهائي بالرئاسة. وقد طعن “دلفيم نيفيس” في نتائج هذه الانتخابات بدعوى حدوث “تزوير انتخابي منتشر”, ولكن المحكمة الدستورية رفضت دعواه.

وكشفت الحكومة عن مقتل أربعة أشخاص إثر الهجوم بما في ذلك ضابط عسكري شارك في محاولة انقلاب سابقة, واعتقال “دلفيم نيفيس” وجنود عسكريين آخرين – متعهدة بإجراء “جميع التحقيقات لتحديد الأسباب” و “ظروف الوفيات” والمسؤولين عن “محاولة الانقلاب”. وأرسلت البرتغال – القوة الاستعمارية السابقة – فريقا من المحققين والخبراء من الشرطة القضائية وخبراء في الطب الشرعي بعد طلب حكومة “ساو تومى وبرينسيبي”, وذلك للمشاركة فى التحقيق في الحادثة والعمل مباشرة مع السلطات القضائية في البلاد([9]).

كتيبة “32” وعلاقتها بسياسة “ساو تومي وبرينسيبي”

يستنتج من تصريحات رئيس الوزراء “تروفوادا” أنه من بين المتورطين في محاولة الانقلاب ومدبيرها 12 جنديًا ومقاتلًا سابقًا, وأن هؤلاء الجنود مقاتلون من مجموعة كتيبة “32” المعروفة أيضا بـ “كتيبة بوفالو” (Buffalo Battalion)، وأن واحدا من الأربعة الذين قُتلوا أثناء المواجهة المسلحة لإحباط المحاولة كان “أرليسيو كوستا” أحد زعماء الكتيبة.

وقد تأسست كتيبة “32” (32 Battalion) في عام 1975. وكانت كتيبة مشاة خفيفة تابعة لقوة دفاع جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري, وتألفت النسبة الكبرى منها من مقاتلين سابقين في “الجبهة الوطنية لتحرير أنغولا” (FNLA). وتم حل الكتيبة في مارس 1993 نتيجة المفاوضات بين “الحزب الوطني” الذي حكم جنوب إفريقيا من عام 1948 حتى عام 1994، وبين حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” الحاكم الحالي منذ عام 1994([10]).

وفي حين انتقل بعض أعضاء كتيبة “32” بعد حلها إلى وحدات أخرى في قوة دفاع جنوب افريقيا؛ فقد ساعد أعضاء آخرون من الكتيبة في تأسيس شركات عسكرية خاصة قاتلت في العديد من البلدان الإفريقية وشاركت في حروبها الأهلية كما هي الحال في أنغولا وسيراليون. إضافة إلى غينيا الاستوائية التي اتُّهِموا فيها بالمشاركة في محاولة الانقلاب على الرئيس “تيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو” عام 2004.

وفيما يتعلق بـ “ساو تومي وبرينسيبي”؛ فإن جنود كتيبة “32” المتهمين بمحاولات انقلاب عامي 2003 و 2022 هم الساوتوميون الذين انضموا إلى جنود نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينيات من القرن الماضي لمحاربة “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” (MPLA) وحلفائها الكوبيين. وقد عاد هؤلاء الجنود الساوتوميون بعد حل الكتيبة في عام 1993 ليصبحوا أطرافا مؤثرين في سياسة “ساو تومي وبرينسيبي” وأمنها.

كيف يمكن تفسير أحداث نوفمبر 2022؟

بالرغم من وصف الحكومة ما حدث في يومي 24 و25 نوفمبر الماضي على أنه محاولة انقلاب, ورغم الروابط المشتركة بين هذه الأحداث ومحاولة انقلاب 2003؛ إلا أن هذه الأحداث الأخيرة تختلف عما حدث في عام 2003 في أنها لم تكن بسبب مظالم الجنود الساوتوميين, ولكنها لأسباب سياسية معقدة نظرا لتطورات المشهد السياسي في السنوات الماضية. بل كان موقف البعض أن “أرليسيو كوستا” (زعيم انقلاب 2003 وأحد جنود كتيبة “32” المتهم بتدبير المحاولة الأخيرة) مجنَّدٌ من قبل أطراف سياسية غير راضية عن الانتخابات الأخيرة بعد فوز حزب “العمل الديمقراطي المستقل” (IDA) في الانتخابات الرئاسية في يوليو 2021 والانتخابات التشريعية التي أجريت في سبتمبر 2022([11]).

ويعضد التفسبر السابق حقيقة أن أحد المتهمين بتدبير المحاولة الانقلابية هو الرئيس السابق للجمعية الوطنية “نيفيس” المتهم أيضا بتعمّد تأخير جولة الإعادة بعد الجولة الأولى غير الحاسمة من رئاسيات عام 2021, حيث ألغى عدة جلسات برلمانية لتحديد موعد جولة الإعادة آملا تأجيل التصويت إلى ما بعد الموعد النهائي المسموح به كي يصبح هو – كرئيس للجمعية الوطنية – رئيسًا مؤقتًا للبلاد وفقًا للدستور. وقد فشلت خطته وفاز “كارلوس فيلا نوفا” من حزب “ADI” في جولة الإعادة برئاسة البلاد, كما تربّع حزب “ADI” في 25 سبتمبر 2022 على البرلمان عندما أصبح “تروفوادا” من الحزب رئيسًا للوزراء بعد فوزه في الانتخابات التشريعية.

على أن قراءة الوضع الحالي وعوامل المحاولات الانقلابية السابقة تعطي وجهة نظر أخرى؛ وهي أن ما حدث قد لا يكون محاولة انقلاب في حد ذاته، وذلك نظرا لتقارير الهجوم على الثكنات للاستيلاء على الأسلحة وأنه بعد إحباط الهجوم صباحًا مبكرا اعتُقِل العديد من المتهمين بالتورط في الأحداث، بمن فيهم “أرليسيو كوستا” و “دلفيم نيفيس”. وأفادت تقارير بأن “أرليسيو كوستا” وثلاثة من المحتجزين أُعدِموا بعد الظهر خارج نطاق القضاء، وهو تطور جديد غير مسبوق في تاريخ البلاد.

أما “نيفيس”؛ فقد أطلق سراحه رغم التهمة الموجهة إليه. بل وصرّح هو أن اعتقاله كان محاولة لإسكاته سياسيا وللقضاء عليه “كما فعلوا بالآخرين”([12]). ويعني هذا أن سرعة تصنيف الحكومة “الهجوم على أنه محاولة انقلاب من قبل أشخاص رفضوا قبول نتائج الانتخابات” قد تخدم مصالحها كما قد تكون تحريفا للواقع.

جدير بالذكر أن اقتصاد “ساو تومي وبرينسيبي” تاريخيًا يعتمد على الزراعة حيث تصدّر على صادراتها الكاكاو والبن وزيت النخيل, وتزداد شهرة البلاد مؤخرا كأحد الأماكن السياحية البديلة, وخاصة في ظل انخفاض إنتاج الكاكاو في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وسوء الإدارة. ومنذ حوالي 20 عاما تسعى البلاد إلى تطوير حقول النفط في مياهها التي توجد بها احتياطيات نفطية كبيرة، ولكن المشروع لم يثبت حتى اليوم جدواه التجاري بالرغم من أن المتوقع في عام 2004 أن تبدأ “ساو تومي وبرينسيبي” في تلقي أموال النفط بعد إصدار تراخيص حفر لتسع مناطق نفطية بحرية تمتلكها البلاد بالاشتراك مع نيجيريا.

ويضاف إلى ما سبق أن عوامل الاضطرابات في عامي 1995 و 2003 كانت في الأساس مرتبطة بخيبة أمل الجنود لظروفهم السيئة ومحاولة الدفاع عن المصالح التجارية من قبل “الجبهة الديمقراطية المسيحية” – الحزب السياسي الذي شكّله جنود كتيبة “32” السابقين. وفي حالة محاولة انقلاب عام 2003 كانت هناك مخاوف من قبل الجنود المشاركين فيها من عدم التوزيع العادل لثروة النفط التي بدت وشيكة وقتذاك([13]). وبعد ما يقرب من 20 عامًا لم تبدأ علمية التنقيب عن النفط ولم تتدفق الأموال النفطية المتوقعة.

ومهما يكن, فإن عوامل أحداث نوفمبر 2022 الأخيرة سياسية في الأساس بغض النظر عما ذكرته تقارير إخبارية مختلفة أن قادة هذه العملية قالوا إنهم حاولوا الإطاحة بالحكومة بسبب الفقر المنتشر في البلاد. وتعني الاضطرابات السياسية وتطورات المشهد السياسي الأخيرة أن نجاح عملية التنقيب عن النفط في المستقبل قد تمنح البلاد أصعب اختباراها للديمقراطية والحكم الرشيد.

ــــــــــــــــ

[1] – Sao Tome and Principe. Britannica, available at https://bit.ly/3Uxx6GU

[2] – Freedom In The World 2022: São Tomé and Príncipe. Freedom House, available at https://bit.ly/3F8lZhE

[3] – São Tomé and Príncipe. Ibrahim Index of African Governance (IIAG), available at https://bit.ly/3EXS8IZ

[4] – Seibert, G. (2003). The Bloodless Coup of July 2003 in São Tomé e Príncipe. Lusotopie, 10(1), 245-260.

[5] – Africa News (2021). Opposition candidate Carlos Vila Nova wins Sao Tome presidency: partial results. Available at https://bit.ly/3UyGPg2

[6] – Africa News (2022). Sao Tome opposition wins legislative vote. Available at https://bit.ly/3HaEq8j

[7] – Forcas Armadas de Sao Tome e Principe, FASTP. Global Security, available at https://bit.ly/3XYjkzM

[8] – Sao Tome and Principe government thwarts overnight coup attempt. Reuters, available at https://reut.rs/3Y0J4vl

[9] – Euro News (2022). Portugal sends coup investigators to São Tomé and Príncipe. Available at https://bit.ly/3UzRPtq

[10] – Scheepers, M. (2014). Striking Inside Angola with 32 Battalion. Scientia Militaria: South African Journal of Military Studies, 42(1), 139-144.

[11] – Peter Fabricius (2022). São Tomé and Príncipe’s hidden turbulence. ISS, available at https://bit.ly/3EXQIxS

[12] – AFP (2022). Coup allegations a bid to eliminate me, says Sao Tome opponent. Available at https://bit.ly/3h1ePns

[13] – Seibert, G. (2003). Coup d’état in São Tomé e Príncipe: domestic causes, the role of oil and former’Buffalo’Battalion soldiers. Institute for Security Studies Papers, 2003(81), 12.

- المدير التنفيذي للأفارقة للدراسات والاستشارات.
- باحث نيجيري مهتم بالتحولات السياسية والقضايا الاجتماعية والتنموية والتعليمية.
- حاصل على دكتوراه في الأصول الاجتماعية والقيادة التعليمية من الجامعة الإسلامية بماليزيا.

انتخابات ساو تومي وبرينسيبيساو تومي وبرينسيبيمحاولات الانقلاب في ساو تومي وبرينسيبيمحاولات انقلاب فاشلةمنارة الديمقراطية
Comments (0)
Add Comment