صالح محروس محمد ، باحث في الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/author/salehmahrous/ مؤسسة بحثية استشارية. Wed, 03 May 2023 09:26:01 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5.2 https://i0.wp.com/alafarika.org/ar/wp-content/uploads/2022/08/cropped-Alafarisc-favc-1.png?fit=32%2C32&ssl=1 صالح محروس محمد ، باحث في الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/author/salehmahrous/ 32 32 209004356 ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/ https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/#respond Tue, 02 May 2023 08:14:19 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5573

الصراع الجاري يزكيه اختلاف مصالح البرهان وحميدتي وأهداف القوى التي تدعمهما وترى مصالحها مع إحدى طرفي الصراع - وهو ما ما قد يطيل أمد الحرب ويصعّب إمكانية توقّع أوان انتهاء القتال -، وخاصة أن الجانبين يعلنان السيطرة على مواقع رئيسية في السودان، مع ورود أنباء عن معارك في مناطق مختلفة وفي أماكن بعيدة عن العاصمة الخرطوم.

ظهرت المقالة ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

اندلع في 15 أبريل 2023 القتال بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بـ حميدتي). وهذا التطور بمثابة مساعي الهيمنة الجديدة على السلطة وتتويج لما يعتبره الطرفين صراعًا وجوديًا تحركه مصالح طرفي الصراع وأهداف قوى دولية أخرى في الدولة الغنية بموارد كثيرة والواقعة في موقع استراتيجي على المستوى الإفريقي والدولي مما يجعل الجميع يريدون “جزءًا” من السودان.

وقد خلف القتال ما لا يقل عن 500 قتيل، وفرار أكثر من 50,000 شخص من السودان بحلول يوم  28 أبريل 2023 (والأعداد بالتأكيد في تزايد مع استمرار الحرب)، وقيام الحكومات من جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا والأمريكتين بإجلاء مواطنيها من المعلمين والطلاب والعمال وموظفي سفارتها من العاصمة الخرطوم.

وفي حين أن إجلاء الأجانب من السودان قد يؤدي إلى تقاعس المجتمع الدولي من أدوارها للضغط على الأطراف المتنازعة وحل الأزمة في أقرب وقت ممكن؛ فإنه قد يفسح المجال أيضا إلى الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة سيكون مدمرًا بالنسبة للسودان وسيخلق أيضًا تموجات يمكن الشعور بها في إفريقيا وجميع أنحاء العالم الجيوسياسي، وأيضًا يشعر بمرارتها وقسوتها الشعب السوداني في المقام الأول ودول الجوار وتؤثر على العالم كله.

الأهمية الاستراتيجية للسودان

لا شك أن أهمية موقع السودان الاستراتيجي وسواحله الطويلة على البحر الأحمر الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بآسيا، هو أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم؛ إذ يتمتع السودان بموقع استراتيجي على البحر الأحمر الذي يمر عبره ما يقرب من 10 في المائة من التجارة العالمية، وتربط قناة السويس الأسواق الآسيوية والأوروبية. وكذلك حدود السودان مع دول ذات أهمية استراتيجية أخرى؛ إذ تحدها من الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد من الغرب ومصر من الشمال وإريتريا من الشمال الشرقي وإثيوبيا من الجنوب الشرقي وليبيا من الشمال الغربي وجنوب السودان من الجنوب والبحر الأحمر. وفي عام 2022 قُدِّر عدد سكان السودان بـ 45.7 مليون شخص وتعتبر ثالث أكبر دولة أفريقياً وعربياً من حيث المساحة. وتحتلّ السودان مكانة كبيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, ليس فقط لحدودها مع المنطقة, بل لعلاقاتها التاريخية مع دولها مما تجعل السودان بوتقة الثقافات الإفريقية والعربية الاسلامية.

ويعدّ السودان موقع اندماج نهري النيل الأبيض والأزرق, حيث من هناك يشكّلان النيل الرئيسي الذي كشفت تطورات العقود الماضية أن إدارة مياهه بشكل آمن أمر بالغ الأهمية لاستقرار المنطقة, وبخاصة أن مصر – جارة السودان الشمالية – تعتمد بنسبة 90 في المائة على النهر لتزويدها بالمياه، بينما تتطلع إثيوبيا إلى الشرق لمضاعفة توليد الكهرباء من خلال مشروع بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل والذي بدأت إثيوبيا ملأها بين عامي 2020 و 2021 دون اتفاق مع مصر.

ثم هناك للسودان موارد معدنية هائلة؛ إذ تعد ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، ولها احتياطيات نفطية كبيرة وتنتج أكثر من 80 في المائة من الصمغ العربي في العالم – أحد مكونات المضافات الغذائية والطلاء ومستحضرات التجميل- بالإضافة إلى الموارد الزراعية والحيوانية التي تنعم بها السودان, الأمر الذي أوجد تنافسا دوليا عليها للاستفادة من خيراتها. ومساعي أطراف أجنبية مختلفة، مثل روسيا والولايات المتحدة والصين واسرائيل وتركيا وقوى خليجية مثل الإمارات والسعودية, لإقامة علاقات مع أطراف سودانية مختلفة لتحقيق مصالحها.

الجيش السوداني وفشل الانتقال الديمقراطي

يحظى الجيش السوداني بقيادة البرهان بدعم كثير من السودانيين منذ بدء القتال منتصف أبريل، حتى وإن كان الجيش السوداني وقادته ليسوا برآء من التورط في الوضع الحالي؛ إذ تحالف البرهان وحميدتي للإطاحة بـ عمر البشير في عام 2019 عرقلا مع القادة العسكريين الآخرين مساعي الانتقال إلى حكومة مدنية ديمقراطية بعد سقوط ما يقرب من ثلاثة عقود من حكم البشير الذي أطاح به الجيش إثر الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بسبب ارتفاع أسعار الخبز.

وإذا كان حكم البشير اتسم بعدة قضايا وتطورات, فقد كان على رأسها انفصال جنوب السودان عن الشمال, كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في جرائم حرب مزعومة في دارفور. وحكم السودان بعد الإطاحة بالبشير تحالفٌ غير مستقر بين الجيش والجماعات المدنية, وفاقمت الأزمة في عام 2021 عندما دبّر البرهان وحميدتي انقلابًا عسكريًا أطاح برئيس الوزراء المدني والحكومة وعلق الدستور.

ونشأت التوترات بينهما بعد انقلاب 2021 بعد اتفاق القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والقادة السياسيين المدنيين على إطار عمل جديد للانتقال الديمقراطي في ديسمبر 2022، حيث ظهرت أثناء المفاوضات أسئلة شملت دمجَ قوات الدعم السريع في الجيش السوداني, ومن سيتولى على قيادة الجيش الموحد ويكون تابعًا للآخر في ظل التسلسل الهرمي العسكري الجديد. بالإضافة إلى انحياز مختلف الأطراف الإقليمية والقوى الدولية لهما والاستفادة من مكانتهما لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في السودان.

جدير بالذكر أن البرهان هو زعيم الجيش السوداني في الأساس، كان وقت الإطاحة بالبشير المفتش العام للجيش. ويعزى إليه أيضا أداء دور بارز في عام 2000 إبان الأيام المظلمة لنزاع دارفور، حيث تقول بعض المصادر إنه التقى بحميدتي فيها لأول مرة في تلك الفترة. وعزز صعوده إلى السلطة السودانية من خلال كسب القوى الخليجية والأوروبية وقيادته لكتائب من القوات السودانية الذين خدموا مع قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي

يقود قوات الدعم السريع محمّد حمدان دقلو (حميدتي), وهو من مواليد 1975 في قبيلة الرزيقات والذي انقطعَ عنِ الدراسة في سنّ الخامسة عشر بعدما توجّه لممارسة تجارة الإبل والقماش وحماية القوافل. وتشكّلت قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي منذ تأسيسها من خلال مجموعة من الميليشيات (أوالمعروفة بالجنجويد) التي انخرِطت في الصراع الدائر في دارفور, وذلك من أجل محاربة الجماعات المتمردة في مناطق وأقاليم شملت دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق, في أعقاب الهجمات المشتركة التي شنها متمردو الجبهة الثورية السودانية في أبريل 2013 في شمال وجنوب كردفان.

ولقيت قوات الدعم السريع دعما مُباشراً من الرئيس السابق عمر البشير وصارت قوّة موازيّة ومنافسة للجيش السوداني حيث وصل عددها طبقا لبعض المصادر إلى 100 ألف مُقاتل ومجهّزة بالعتاد والسلاح. وانخرطت القوات مُباشرةً في صراعات محلية وسطَ تقارير حول ارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة, وأن حوالي 40 ألف مقاتل من قوات الدعم السريع شاركوا بين 2016-2017 في الحرب الأهلية اليمنية, بالإضافة إلى تواجد حوالي 1000 جندي من قوات الدعم السريع في ليبيا في يوليو 2019 لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

وتمكّنت قوات الدعم السريع من تمويل أنشطتها عبر أدوارها المختلفة وعلاقاتها الخارجية؛ إذ تلقت دعما من الدول الأوروبية والأفريقية لتسيير دوريات على الحدود مع ليبيا والحدّ من اللاجئين الإريتريين والإثيوبيين ووقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وهناك تقارير بين عامي 2017 و2019 بأن حميدتي استخدم قوات الدعم السريع للسيطرة على مناجم الذهب دارفور، وأن شقيقه عبد الرحيم – هو نائب رئيس قوات الدعم السريع – يترأس شركة الجنيد (Al Gunade) التي تعمل في مجال تعدين الذهب وتداوله في السودان والمتهمة في ديسمبر 2019 بارتباطها الوثيق مع قوات الدعم السريع من حيث المعاملات المالية. إضافة إلى شركتين أخريين داخل السودان وفي الإمارات العربية المتحدة التي يسيطر عليهما القوني حمدان دقلو – شقيق حميدتي.

الصراع الحالي ودور القوى الدولية

توقفت المفاوضات لحل القضايا العالقة بشأن إطار العمل الجديد للانتقال الديمقراطي في ديسمبر الماضي, وتصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي في الأسابيع التي سبقت أعمال العنف الحالية. وتصارع الجانبان للسيطرة على المؤسسات الرئيسية في السودان، حيث تركّز معظم القتال حول مواقع مثل القصر الرئاسي والمقر العسكري للقوات المسلحة السودانية ومطار الخرطوم.

ويتبادل كل من البرهان وحميتي الاتهامات بشأن من بدأ الاشتباكات في الخرطوم بالرغم من أن جميع المؤشرات تؤكد على أن كلا من البرهان وحميدتي كانا يتوقعان المواجهة ويستعدان لها وأنهما فقدا الثقة في العملية السياسية. ويؤكد هذا ما أفادت به التقارير بأنه في الأسابيع السابقة من اندلاع القتال نشرت قوات الدعم السريع أعدادًا كبيرة من مقاتليها في الخرطوم، بينما نشرت القوات المسلحة السودانية دبابات وأسلحة ثقيلة, وأنه قبل أيام قليلة من الاشتباكات انتشرت قوات الدعم السريع في مدينة مروي الواقعة في الجزء الشمالي من السودان ووقع القتال هناك.

وقد أصدر الجيش السوداني قرار حل قوات الدعم السريع, وتصنيف مقاتليها كـ “متمردين” ضد الدولة السودانية ووصف هجومها بـ “محاولة انقلاب” مع إصدار أوامر بالقبض على قائدها – حميدتي – ومحاكمته أمام القضاء.

وفي المقابل يصف حميدتي قائد الجيش السوداني – البرهان – بالانقلابي والإرهابي والإسلامي, وأنه يحاول إعادة فلول حكومة البشير والإسلاميين إلى السلطة, مؤكدا أن قوات الدعم السريع “تسعى للقبض عليه” وتقديمه إلى العدالة بسبب “العديد من أعمال الخيانة ضد الشعب السوداني”.

على أنه رغم المساعي الإقليمية المتتالية والدعوات الدولية المختلفة لتهدئة الوضع وإنهاء الأعمال العدائية والجهود مستمرة لتأمين وقف إطلاق النار؛ فقد ظهرت إشارات تؤكد دور القوى العالمية في الأزمة؛ إذ أدت الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية إلى اجتذاب السودان شركاء دوليين راغبين في مواردها وساعين لتحقيق أجنداتها الإقليمية.

وعلى سبيل المثال، رأت السعودية والإمارات العربية المتحدة في الإطاحة بالرئيس عمر البشير فرصة للقضاء على “الإسلاميين” وتحقيق الاستقرار في المنطقة والاستثمار في المشاريع الزراعية وموانئ البحر الأحمر. وفي عام 2017ألغت الولايات المتحدة عقوباتها طويلة الأمد ضد السودان، مما سمح للشركات الأمريكية بمتابعة مصالحها التجارية في السودان، وضغطت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على الخرطوم كي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل لصالح شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

بل وأيّدت الغرب قرار البرهان في ضرورة دمج قوات الدعم السريع إلى الجيش السوداني, إلى جانب ما يحظى به من دعم وتأييد من السعودية ومصر وفق رأي بعض المحللين السياسيين. هذا إلى جانب ما تناقلته بعض وسائل الاعلام عن دعم الإمارات لـ حميدتي, وكذلك إسرائيل ولخليفة حفتر في ليبيا, مما يؤشر على تعقيد الموقف الحالي.

وهناك عامل آخر مرتبط بالذهب السوداني؛ إذ بالرغم من العقاب المفروض على موسكو بعد غزو أوكرانيا عام 2022زوّد السودان روسيا بشريان حياة اقتصادي من خلال احتياطياته من الذهب. ويمكن تتبع اهتمام روسيا بالذهب السوداني إلى عام 2017 بعد اجتماع بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإنشاء شركة تابعة لمجموعة فاغنر الروسية التي تنشط الآن في بعض دول إفريقية. وهناك تقارير بأن موسكو أصبحت تدعم حميدتي منذ انقلاب 2019 بتوسعة نفوذه داخل السودان وسيطرته على أغنى مناجم الذهب في البلاد, وأنه يحصل في المقابل على مساعدة سياسية وعسكرية روسية, كما كشف مسؤولون أمريكيون أن مجموعة فاغنر عرضت على قوات الدعم السريع أسلحة شملت صواريخ أرض-جو.

وفي حين يرى البعض أن فرنسا قد تدعم البرهان لاستياء باريس من وجود فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى ومخاوف الحكومة التشادية من تصاعد أنشطة قوات الدعم السريع والمتمردين المسلحين التشاديين على الحدود التشادية السودانية؛ فإن للصين أيضا مصالح كبيرة في السودان وخاصة أنها أحد المستثمرين الرئيسيين في البلاد خلال حكم البشير وواحدة من الدول القليلة التي زودت النظام بالسلاح. وتعمل أكثر من 20 شركة صينية في التعدين السوداني باستثمارات إجمالية تزيد عن 100 مليون دولار. كما صدّر السودان منتجات بقيمة 780 مليون دولار إلى الصين في عام 2021. وتعدّ السودان أيضا جزءا من مبادرة “الحزام والطريق”, حيث منحت بكين السودان بين عامي 2011 و 2018 قروضًا تقدر بنحو 143 مليون دولار أمريكي واستثمرت في مشاريع مثل إنشاء خطوط أنابيب النفط السودانية وجسور النيل ومصانع النسيج وخطوط السكك الحديدية.

المخرج من الأزمة والسيناريوهات المحتملة

من خلال ما سبق اتضح أن الصراع الجاري يزكيه اختلاف مصالح البرهان وحميدتي وأهداف القوى التي تدعمهما وترى مصالحها مع إحدى طرفي الصراع – وهو ما ما قد يطيل أمد الحرب ويصعّب إمكانية توقّع أوان انتهاء القتال -، وخاصة أن الجانبين يعلنان السيطرة على مواقع رئيسية في السودان، مع ورود أنباء عن معارك في مناطق مختلفة وفي أماكن بعيدة عن العاصمة الخرطوم. وقد عزّز الصراعُ ظهورَ قراءات مختلفة ومزاعم سعي قوى أجنبية معينة وراء تحقيق مشاريعها في السودان على غرار انفصال جنوب السودان في عام 2011. وتشمل المزاعم أيضا فكرة مشروع تقسيم السودان إلى أربعة دول أو كونفدراليات تحت مسمى “الولايات السودانية المتحدة”.

وهناك دعوات من الدول المجاورة للسودان بقيادة كل من إثيوبيا وجنوب السودان وغيرهما من الدول الإقليمية التي ترى أن استقرارها في استقرار السودان وأمنه. كما تضمنت مبادرات مختلفة أخرى إلى وقف الحرب فورا حقنا لدماء السودانيين ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني والإسراع في المسار الديمقراطي ومشاركة المدنيين السودانيين في الحكم جنبا إلى جنب العسكريين, وأن طول الحرب واستمراره سيؤدي إلى تفتيت البلاد وتقسيمها, خاصة في ظل الظروف التي تمرّ بها دارفور والعوامل التي قد تؤدي إلى انفصالها.

ومن التوقعات والسيناريوهات المحتملة في حالة عدم التوصل السريع لمنطقة وسطى للحل:

الأول: أن تخرج غالبية الشعب السوداني في الشوارع مطالبين الطرفين بوقف الحرب لعدم توافر أدني مقومات الحياة. ويرجح نجاح هذا السيناريو في الضغط على الطرفين ويشكل واقعا جديدا، حتى وإن كان إجماع النسبة الكبرى على الخروج في مظاهرة تنديدا للطرفين مهمة صعبة في ظل الظروف القاسية الحالية والقصف المنشر في مختلف المناطق التي أجبر الجميع على الفرار من مساكنهم والنزوح إلى ولايات سودانية أخرى ودول مجاورة.

الثاني: أن يستعين طرفا الصراع – الجيش وقوات الدعم السريع –بقوى إقليمية مجاورة أو  دولية أخرى أو مرتزقة خاصة مثل فاغنر. وهذا السيناريو يحمل دمارا شاملا, وخاصة أن معظم الدول الإقليمية, مثل مصر وإثيوبيا وليبيا, متهمة مرارا بالتدخل في الشؤون السودانية, كما أن التقارير كشفت دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر ومجموعة فاغنر الروسية لـ حميدتي. وتتعرض مصر أيضا لاتهامات بدعم البرهان والجيش السوداني, بالإضافة إلى تقارير عن أسر جنود مصريين من قبل قوات الدعم السريع, الأمر الذي يجعل الحكومة المصرية حذرة في التعامل مع الصراع السوداني رغم تأثرها المباشر بتطوراتها.

الثالث: خضوع جنرالات الحرب للضغوطات الدولية أو قبول الوساطات الإفريقية التي يعززها المجتمع الدولي وقد ينتهي الأمر إلى فرض حكومة مدنية لمدة معينة في حالة رفض طرفا الحرب التوافق. على الرغم من أن كل واحداً منهم يحاول حتى الآن التغلب على الآخر وفرض الأمر الواقع عبر تكتيكات إعلامية وحربية مختلفة, إلا أن هذا السيناريو سيكون ممكنا في حال تراجع القوى الدولية من تأثيرها المباشر للصراع ودعمها لطرفي النزاع، إضافة إلى تنازل بعضها من امتيازاتها في السودان التي تشمل النفط والذهب والهيمنة على الممرات البحرية الاستراتيجية.

خاتمة

إن الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية للسودان يعني أن استمرار القتال أو انحداره إلى حرب أهلية سيؤثّر سلبا في حياة الملايين في السودان والمناطق المحيطة بها – وفي جميع أنحاء العالم. وأن معالجة الأزمة السياسية تتطلب أولا فهم كيفية ممارسة السلطة في البلاد وإعادة تقييم هيكل الوساطة في أي محادثات سياسية مستقبلية وتوازن القوى الداخلية المحلية والخارجية دون تجاهل تأكيد الالتزامات تجاه تطلعات السودانيين إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية.

 

ظهرت المقالة ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/feed/ 0 5573
علاقات تركيا مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: التاريخ والمجالات والتحدي الدولي https://alafarika.org/ar/5304/turkeys-relations-with-sub-saharan-africa-history-domains-and-the-international-challenge/ https://alafarika.org/ar/5304/turkeys-relations-with-sub-saharan-africa-history-domains-and-the-international-challenge/#respond Mon, 10 Oct 2022 13:52:22 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5304

لا شك أن القارة الإفريقية هي قارة المستقبل لغناها بمواردها الاقتصادية وكونها قارة بكر فيما يتعلق بمصادر الطاقة والمعادن رغم استنزاف الاستعمار لها. وتشهد إفريقيا منافسة دولية حادة في القرن الحالي بين  مختلف القوى الدولية, مثل روسيا والصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وإيران. على أن تركيا دخلت ساحة التنافس للأهمية الاقتصادية المتزايدة للمنطقة بالنسبة لتركيا […]

ظهرت المقالة علاقات تركيا مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: التاريخ والمجالات والتحدي الدولي أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

لا شك أن القارة الإفريقية هي قارة المستقبل لغناها بمواردها الاقتصادية وكونها قارة بكر فيما يتعلق بمصادر الطاقة والمعادن رغم استنزاف الاستعمار لها. وتشهد إفريقيا منافسة دولية حادة في القرن الحالي بين  مختلف القوى الدولية, مثل روسيا والصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

على أن تركيا دخلت ساحة التنافس للأهمية الاقتصادية المتزايدة للمنطقة بالنسبة لتركيا التي تحاول التنويع بعيدًا عن الشرق الأوسط وكسب الدعم الإفريقي على المستوى الدولي، وللرغبة التركية في الاستفادة من كبر عدد السكان المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وكانت التحديات التي تواجها القارة الإفريقية بمثابة زخم كبير ودفعة قوية للسياسة الخارجية التركية كي تمارس قوتها الناعمة.

خلفية تاريخية موجزة

تعد تركيا وريثة الإمبراطورية العثمانية, مما أن لها إرث حضاري وتاريخي في أفريقيا عموما وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فكانت دول منها تحت حكم الدول العثمانية, مثل السودان، وإرتيريا، وإثيوبيا، وجيبوتي، والصومال، والنيجر، وتشاد. وهناك للدولة العثمانية جهود في تحجيم الاستعمار البرتغالي في القارة الإفريقية والمحافظة على البحر الأحمر كبحيرة إسلامية لفترة طويلة والحفاظ على بلاد الحجاز التي تهم المسلمين على اعتبار عدد المسلمين وأهمية الإسلام لدى الكثيرين من الأفارقة.

وقد ظهرت الدولة العثمانية بشكل فعال في شرق إفريقيا وأقامت علاقات قوية مع سلطنة زنجبار في شرق أفريقيا ([1]) كما أقامت علاقات ودّ وصداقة مع إمبراطورية كانم– بورنو الموجودة في المناطق التي أصبحت اليوم جزءًا من النيجر والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ونيجيريا. بل توطدت العلاقات بين كانم– بورنو حيث وقّعت الامبراطورية اتفاقية دفاع مع الدولة العثمانية في عهد السلطان مراد الثالث (1574-1595)، وبحسب الاتفاقية أرسل السلطان لـ كانم بورنو تجهيزات وعربات عسكرية([2]).

وبدءًا من عام 1861 أصبح لدى العثمانيين ممثلون دبلوماسيون في إفريقيا الجنوبية. وشكّل تعيين “بي دي روبيكس” (PE de Roubaix) دبلوماسيًّا فخريًّا بكيب تاون بداية لسلسلة تعيينات استمرت حتى 14 فبراير 1916 عند وفاة أول دبلوماسي تركي واسمه “محمد رمزي بك” (كان قد عُيّن بتاريخ 21 أبريل 1914 في جنوب إفريقيا)([3]). وقامت الدولة العثمانية بإرسال الدعاة إلى رأس الرجاء الصالح التي تقع الآن في جنوب أفريقيا، فكان  “أبو بكر أفندي” شخصية تركية ذاع صيتها في جنوب أفريقيا، حيث تكوّنت صلات وارتباطات قوية بين مسلمي رأس الرجاء الصالح والدولة العثمانية بفضل جهوده وسعيه. وخير دليل على ذلك مشاركة مسلمي رأس الرجاء الصالح في حملات الدعم لإنشاء خط الحجاز الحديدي عن طريق جمع الأموال والمساعدات؛ إذ جُمِع بين عامي 1900 و1907 ما لا يقل عن 366.551 باوندًا من التبرعات([4]).

وفي نيجيريا الواقعة بغرب إفريقيا أسس “محمد شيتا بك” رجل أعمال ومحسن وزعيم المجتمع الإسلامي في لاغوس مسجدا معروفا باسمه (مسجد شيتا-بك) في عام 1894، وبعدها منحت الدولة العثمانية “محمد شيتا بك” صلاحيات ووسام الدولة العثمانية ولقب “بك” الذي يُعدّ من الألقاب المدنية المهمّة لدى الدولة العثمانية، كما أرسلت ممثلًا خاصًّا إلى نيجيريا الجنوبية. ولا يزال أفراد من عائلة “محمد شيتا بك” يؤدّون دورًا كبيرًا في الإدارة العامة في نيجيريا([5]).

على أنه بعد قيام الجمهورية التركية عام 1923 تدنّت العلاقات التركية الإفريقية إلى أدنى مستوياتها نتيجة العوامل الداخلية وطبيعة الدولة الجديدة ومحاولة ضمان استقلالها. وفي أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي ومع بدء فترة انسحاب الكولونياليين من المستعمرات اعترفت تركيا بجميع الدول التي حصلت على استقلالها، وسعت إلى إنشاء علاقات دبلوماسية معها، كما فتحت سفارات دائمة في تلك البلدان. وعلى سبيل المثال: تّعد القنصلية العامة التركية التي فُتِحت في لاغوس عام 1956 أول ممثل رسمي لتركيا في تلك المنطقة. واعترفت تركيا بغانا كدولة مستقلة عندما حصلت البلاد عام 1957 على استقلالها.

جدير بالذكر أنه في أواخر القرن الماضي حاولت تركيا الوصول إلى قارة إفريقيا بأكملها من خلال وثيقة “سياسة الانفتاح على إفريقيا” الصادرة في عام 1998([6]), وتبع ذلك خطة عمل تركية لترك النهج القديم ولتنشيط المشاركة على جميع المستويات في جميع أنحاء القارة. ولكنه في عام 1999 تسببت العوامل الداخلية والأزمة المالية في تأجيل معظم سياساتها المتعلقة بإفريقيا. وبعد صعود حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في تركيا عام 2002 وجدت السياسة التركية تجاه إفريقيا انتعاشا جديدا وجهودا حثيثة من خلال الجمع بين وسائل مختلفة واستراتيجيات تدعمها شركات ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني التركية.

قمة الشراكة التركية الأفريقية

أعلنت تركيا أن العام 2005 هو “عام إفريقيا”. وفي مارس من العام نفسه زار “رجب طيب أردوغان”، عندما كان رئيس وزراء, إثيوبيا وجنوب إفريقيا، ليصبح أول رئيس وزراء تركي يزور دول تحت خط الاستواء، وفي 12 أبريل 2005 حظيت تركيا برتبة “مراقب” في الاتحاد الإفريقي.

وقد منحت قمة الاتحاد الإفريقي التي عُقدت في يناير 2008 في أديس أبابا تركيا وصف “حليف استراتيجي” ([7]) وعقدت تركيا في الفترة من 18 إلى 21 مارس 2008 في إسطنبول قمة تركية إفريقية هي الأولى من نوعها تحت عنوان “التضامن والشراكة لمستقبل مشترك”, حضرها ممثلون من 50 دولة إفريقية([8])، مع عقد لقاءات ثنائية مع رؤساء ووفود 42 دولة في إطار القمة. وأعلن “علي باباجان” وزير الخارجية التركي آنذاك أن إفريقيا ستتبوّأ مكانة خاصة في السياسة الخارجية التركية([9]).

وتعدّ القمة التركية الإفريقية الثانية, التي عقدت في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية بين 19–20 من نوفمبر عام 2014, مؤشرًا على مكانة إفريقيا في سياسة تركيا الخارجية، حيث وافق الطرفان في هذا الاجتماع على استمرار خطط العمل التنفيذية حتى نهاية عام 2019 ورفع مستوى العلاقات الإستراتيجية ([10]).

وفي ديسمبر من العام 2016 انعقدت قمة الشراكة التركية الأفريقية الثالثة في اسطنبول تحت عنوان “شراكة معززة من أجل التنمية المشتركة والازدهار”. ومثّلت القمة مرحلة جديدة في علاقات تركيا مع الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية حيث أكدت تركيا فيها أن اهتمامها بأفريقيا ليس لمصلحة مؤقتة، وإنما هو التزام مستمر.

وقد حضر القمة الثالثة حوالي 16 رئيس دولة إفريقية، بما في ذلك “فيليكس تشيسكيدي” رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية والرئيس السابق للاتحاد الأفريقي، و “ماكي سال” الرئيس النغالي، و الرئيس “نانا أكوفو-أدو” من غانا، وممثلي الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، والرئيس الرواندي “بول كاغامي”، والرئيس الزيمبابوي “إيمرسون منانغاغوا”، و الرئيس النيجيري “محمد بخاري”. كما رافق هؤلاء الزعماء الأفارقة 102 وزيرا من بينهم 26 وزيرا للخارجية من 39 دولة.

جدير بالذكر أن لتركيا شركة استراتيجية مع الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) منذ عام 2008، كما تتعاون تركيا مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، بالإضافة إلى الشراكة التركية مع جماعة شرق إفريقيا (EAC)([11]).

مجالات علاقات تركيا مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى

عزّزت تركيا مشاركتها مع إفريقيا منذ عام 2005 في مجال الدبلوماسية والتجارة والاستثمارة والمساعدات والتعليم والمؤسسات الدينية والثقافية والأمن وإدارة الأزمات. وبالرغم من أن معظم المشاركة التركية في إفريقيا لا تزال تتركز في شمال إفريقيا؛ إلا أن دول منطقة جنوب صحراء القارة أصبحت محل الاهتمام التركي مع إيتاء أهمية كبرى للاعبين مهمين مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا.

ويمكن إيجاز مجالات العلاقات التركية تحاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في العناصر الرئيسية التالية:

أولا- العمل الدبلوماسي

تزيد تركيا من وجودها الدبلوماسي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بشكل متسارع, ويمكن ملاحظة الأهمية التي توليها تركيا لأفريقيا في تصريح للرئيس “رجب طيب أردوغان” خلال زيارته إلى موريتانيا في عام 2018 حيث قال: “نريد أن نسير مع إفريقيا، بينما يتم بناء النظام العالمي الجديد”([12]). وخلال زيارته للعاصمة السنغالية داكار في فبراير من عام 2022 تعهد الرئيس “أردوغان” بتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية قائلا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السنغالي “ماكي سال”: “سنواصل تعزيز علاقاتنا مع الدول الأفريقية على أساس حسن النية والتضامن”([13]).

وقد شهدت السنوات الأخيرة افتتاح عدد من السفارات التركية في دول إفريقية مختلفة تشمل غانا والكاميرون وساحل العاج وأنغولا ومالي ومدغشقر وأوغندا والنيجر وتشاد وتنزانيا وموزمبيق وغينيا وبوركينافاسو وموريتانيا وزيمبابوي. وكانت النتيجة أن ارتفع عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 فقط في عام 2002 إلى 44 عام 2022. وزاد عدد السفارات الأفريقية في أنقرة إلى 37 سفارة إفريقية. إضافة إلى الزيارات المتبادلة على المستوى الرفيع التي تزداد من عام إلى آخر. وعلى مدى العشرين سنة الماضية أدى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” 53 زيارة إلى 32 دولة أفريقية([14]).

ثانيا- التجارة والاستثمارات

تهدف تركيا من تعزيز وجودها بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فتح أسواق جديدة لمنتجاتها وتكنولوجياتها الأمنية والعسكرية. وقد نما حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا ستة أضعاف على مدى العشرين سنة الماضية، ومن 5.4 مليار دولار في عام 2003 إلى 25.3 مليار دولار في عام 2020. ولتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي شُكّلت مجالس عمل ووُقِّع عدد من الاتفاقيات. ويزداد عدد الرحلات الجوية بين الطرفين, حيث نظّمت الخطوط الجوية التركية في عام 2021 رحلات مباشرة إلى 46  مدينة مختلفة في 28 دولة إفريقية.

وتعتبر شركات البناء التركية من المشاركين والمستفيدين من العلاقات التركية الإفريقية؛ إذ أصبحت هذه الشركات منتشرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال مبادرات تركية في دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو وليبيا والنيجر والسنغال وسيراليون وجنوب السودان وتنزانيا وتوغو. وفي التوزيع الجغرافي لحجم الأعمال اليوم تمثل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 17 في المئة من مشاريع المقاولين الأتراك([15]).

ثالثا المجال الإنساني

ترسّخ تركيا جذورها في إفريقيا وتعزّز قوتها الناعمة عبر تقديم المساعدات الإنسانية والمالية والأنشطة التي تنفذها المؤسسات التركية مثل الهلال الأحمر ووكالة التعاون والتنسيق التركية (Türk İşbirliği ve Koordinasyon İdaresi Başkanlığı) ومؤسسة “معارف” التركية (Türkiye Maarif Vakfı). بالإضافة إلى المشاركة في مهام حفظ السلام والاستقرار التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا.

وفيما يتعلق بوكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)؛ فقد برزت جهودها في دول مختلفة ووسّعت من نطاق عملياتها منذ عام 2003، ولها مكاتب داخل إفريقيا لدعم مشروعات التنمية في مناطق مختلفة مع توقعات بزيادة عدد مكاتب الوكالة في القارة تزامنا مع زيادة عدد السفارات التركية([16]). وفي حين تقدم الوكالة أيضا مساعدات وهبات لأكثر الدول حاجة، وتكفلت بتعليم طلاب أفارقة على مستوى الجامعات والمدارس.

رابعا الوجود العسكري وتجارة السلاح

وقعت تركيا اتفاقيات مع أكثر من 25 دولة إفريقية في قطاعي الدفاع والأمن، منها رواندا والسنغال والكونغو ومالي ونيجيريا وإثيوبيا والسودان. وتضمنت هذه الاتفاقيات بجانب التصدير العسكري جوانب متعلقة بالتعاون في التصنيع العسكري، كما هو الحال مع جنوب إفريقيا، وتدريب قوات الجيش حيث تلقى قرابة 8000 جندي غامبي تدريبات تركية, وتلقت الشرطة في أكثر من 10 دول إفريقية تدريبات أمنية في تركيا في إطار “مشروع التعاون الدولي لتدريب الشرطة”.

وافتتحت أنقرة قاعدة عسكرية في مقديشو في سبتمبر/أيلول 2017، حيث يعد الصومال الذي يتمتع بميزات جيوستراتيجية مهمة، أحد أهم ساحات النشاط التركي في إفريقيا. وفي هذا الإطار كان الهدف المعلن للقاعدة تدريب قوات الجيش الصومالي حيث يتوقع أن يتم تدريب 10000 جندي سنوياً. بالإضافة لى قاعدة في سواكن السودانية وقاعدة الوطية العسكرية في ليبيا([17]).

وفي عام 2021 حققت تركيا طفرة كبيرة في مبيعات السلاح إلى إفريقيا، وهو ما شكل ذروة لاستراتيجية تركية متعددة الأبعاد لدعم حضورها في سوق الصناعات الدفاعية الإفريقية. واحتلت تركيا المرتبة 13 بين كبار مصدري السلاح في العام نفسه. ووفقاً لجمعية المصدرين الأتراك فقد حققت إفريقيا عام 2021 أعلى زيادة في الصادرات العسكرية وفق المناطق، حيث زادت بنسبة 700 في المئة من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار في الأحد عشر شهراً الأولى من العام المذكور. ومن أهم المشترين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفقاً لمبيعات عام 2021: بوركينا فاسو التي زادت وارداتها من 92 ألف دولار إلى 8 ملايين دولار، وكذلك تشاد من 249 ألف دولار إلى 14.6 مليون دولار، وارتفعت الصادرات إلى إثيوبيا من 234 ألف دولار إلى 94.6 مليون دولار.

الموقف الدولي من الوجود التركي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى:

يتمثل التحدي الأكبر لعلاقات تركيا مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في نقص المعلومات عن الطرف الآخر من كلا الجانبين وغياب الروايات الصحيحة وانتشار الدعايات المغرضة لتحقيق مصلحة خارجية. إلى جانب تركيز الطرف التركي في المجال الإنساني مما يسهم في انتشار فكرة أن إفريقيا بحاجة إلى المساعدات وأنها قارة الجوع والفقر والوباء والأزمات.

ويواجه الوجود التركي في إقريقيا أيضا منافسة قوية مع المعسكر الغربي المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا, والمعسكر الشرقي المتمثل في روسيا والصين, وأطراف أخرى مثل إيران وإسرائيل والإمارات وقطر والسعودية. ويعني هذا أن قدرة تركيا على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة والإفادة ستبقى محددات علاقاتها وتغلبها على منافسيها, وذلك لما لتركيا من إرث تاريخي وقبول ملحوظ لشراكتها ووجودها في معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ومن خلال ما سبق يمكن القول أيضا بأن تطوير علاقات تركيا مع المنطقة في المستقبل القريب سيكون مرهونا بفهم تركيا للخاصيات الإفريقية ومرونة استراتيجياتها مع دول القارة دون تجاهل الديناميات العالمية, وذلك لأن دول إفريقيا وأقاليمها ليست متجانسة, حيث لكل منها خصائص فريدة نتيجة للتركيبة العرقية والدينية المتنوعة والتاريخ الاستعماري الذي يؤثر في السياسة الأفريقية اليوم.

ــــــــــــــــ

([1])  انظر صالح محروس محمد ، الدين والدولة العثمانية مركز طروس للنشر والتوزيع، ط 2 ، الكويت 2022، ص 21 وما بعدها

([2])  Mehmet Ozkan,Turkey Discovers Africa, Implications and Prospects [SETA, 2008]

([3])  Tom Wheeler, Turkey and South Africa: Development of Relations 1860–2005 South African Institute of International Affairs.p.7

([4]) Ibid, p.9

([5]) Serhat Orakci,The emerging links between the Ottoman Empire and South Africa, International Journal of Turkish Studies, 14(1/2), 2008p. 47- 60

Mehmet Ozkan, and Birol Akgün. “Turkey’s opening to Africa. The Journal of Modern African Studies 48, no. 4   ( (6

2010: 525-546.

([7]) مؤسسة «ساتا» التركية للأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عدد سبتمبر 2008م، رقم 22.

([8]) Turkey, Africa begin cooperation summit. Mail & Guardian, 2008, from https://bit.ly/3Ta4hzO

(9)Nichole Sobecki. Turkey seeks economic salvation in Africa. 2009: from https://bit.ly/3fUUI9w

([10])Meliha Benli Altunisik, “Worldviews and Turkish Foreign Policy in the Middle East”, New Perspectives on Turkey, 40, 2009,p. 171- 194،

  ([11]) Ibid. 

([12])Necdet Burak Ozyurt, Turkey significantly increases its presence in Africa over recent 20 years. Azer News , 2022: from https://bit.ly/3MhvxtY

([13])Erdogan seeks to boost ties with Africa in four-day visit. Aljazeera, 2022: from https://bit.ly/3EoWBWp

([14] ) John Calabrese, Building in Africa: Turkey’s “Third Way” in China’s Shadow. The Middle East Institute (MEI), 2022: from https://bit.ly/3ehSfpj

([15] ) John Calabrese, Building in Africa: Turkey’s “Third Way” in China’s Shadow. The Middle East Institute (MEI), 2022: from https://bit.ly/3ehSfpj

([16]) Mehmet Ozkan,op.citp.9

[17]– عبدالقادر محمد علي، الحضور العسكري التركي في إفريقيا.. الدوافع والتحديات، مركز الجزيرة للدراسات، 2022: https://bit.ly/3SSgSYM

 

ظهرت المقالة علاقات تركيا مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: التاريخ والمجالات والتحدي الدولي أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5304/turkeys-relations-with-sub-saharan-africa-history-domains-and-the-international-challenge/feed/ 0 5304