تُعدّ نيجيريا، أكبر اقتصاد في إفريقيا وأكثر دولها سكانًا، في قلب منافسة جيوسياسية محتدمة بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة والصين. لم يعد هذا الصراع مقتصرًا على التصريحات الدبلوماسية أو المناورات السياسية، بل أصبح واقعًا ملموسًا يؤثر في توجهات نيجيريا الاقتصادية والأمنية والإقليمية. ففي الوقت الذي تُصدر فيه واشنطن تحذيراتٍ صريحة بشأن احتمال التدخل العسكري تحت […]
ظهرت المقالة نيجيريا في اختبار النفوذ الدولي: بين إنذارات واشنطن وتوسّع بكين أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
تُعدّ نيجيريا، أكبر اقتصاد في إفريقيا وأكثر دولها سكانًا، في قلب منافسة جيوسياسية محتدمة بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة والصين. لم يعد هذا الصراع مقتصرًا على التصريحات الدبلوماسية أو المناورات السياسية، بل أصبح واقعًا ملموسًا يؤثر في توجهات نيجيريا الاقتصادية والأمنية والإقليمية. ففي الوقت الذي تُصدر فيه واشنطن تحذيراتٍ صريحة بشأن احتمال التدخل العسكري تحت ذريعة حماية الاستقرار في المنطقة، تُوسّع بكين حضورها الاقتصادي عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية ومشروعات الطاقة والشراكات الاستراتيجية طويلة الأمد مع أبوجا. وسط هذه التحولات، تقف نيجيريا أمام تحدٍّ استراتيجي بالغ الحساسية: كيف يمكنها الموازنة بين مصالحها الوطنية وضغوط القوى العالمية المتنافسة، دون التفريط باستقلال قرارها السيادي أو الوقوع في فخ الاصطفاف السياسي؟ إن قدرتها على المناورة الذكية بين الشرق والغرب ستحدد ما إذا كانت ستظل فاعلًا مستقلاً في النظام الدولي الجديد أم ستتحول إلى ساحة تنافس للقوى الكبرى على أرض إفريقيا.
في بداية نوفمبر 2025، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدات علنية بالتدخل العسكري المباشر في نيجيريا، متذرعاً باتهامات بارتكاب “إبادة جماعية” ضد المسيحيين على يد جماعات إرهابية وميليشيات إسلامية متطرفة. وأصدر ترامب تعليماته لوزارة الدفاع الأمريكية بـ “الاستعداد للعمل”، محذراً من أنه إذا استمرت نيجيريا في السماح بقتل المسيحيين، فإن الولايات المتحدة ستوقف كل المساعدات والمعونات الموجهة للبلاد، وقد تشنّ عملية عسكرية “سريعة وقاسية”. ثم كان رد الفعل الصيني فورياً وحاسماً، حيث أعلنت الصين عن دعمها الثابت لنيجيريا، وأصدرت تحذيرات صريحة ضد أي تدخل أجنبي يُعتبر انتهاكاً لسيادتها. قالت متحدثة وزارة الخارجية الصينية مي نينج: “بصفتنا شريكاً استراتيجياً شاملاً لنيجيريا، تعارض الصين بشدة محاولات أي دولة أجنبية استخدام الدين أو حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى أو فرض عقوبات وتهديدات عسكرية”.[1]
يعكس هذا التبادل السريع ديناميكية جيوسياسية أوسع حيث تسعى القوى العالمية الكبرى للهيمنة على نقاط استراتيجية في إفريقيا، وتمثل نيجيريا إحدى أهم هذه النقاط.
لا تعكس استجابة الصين مجرد قلق إنساني. فالعلاقات الصينية-النيجيرية قد شهدت تطوراً كبيراً، خاصة بعد زيارة الرئيس تينوبو إلى بكين في سبتمبر 2024. أعلن الرئيسان شي جين بينج وتينوبو عن ترقية العلاقات بين البلدين إلى “شراكة استراتيجية شاملة”، وهي خطوة تعكس التعمق النوعي في العلاقات الثنائية.[2]
تحتل الصين موقعاً فريداً كأكبر شريك تجاري ثنائي لنيجيريا، والدائن الثنائي الأكبر. ويبلغ إجمالي الديون النيجيرية للصين حوالي 5 بليون دولار أمريكي، وهو استثمار ضخم يعكس المصالح الاقتصادية العميقة الصين في استقرار البلاد.[3]
ومع ذلك، فإن العلاقة تتجاوز التجارة التقليدية. دخلت الصين وافقاً في مشاريع كبرى للبنية التحتية من خلال مبادرة الحزام والطريق. وتشمل هذه المشاريع تحديث السكك الحديدية، وتطوير الموانئ العميقة (بما في ذلك ميناء ليكي العميق الذي يُعتبر أكبر ميناء في نيجيريا)، والاستثمارات في محطات الطاقة وشبكات الاتصالات. كما وقعت الدولتان عقوداً للتعاون في التطبيقات السلمية للطاقة النووية وإنشاء مناطق تجارية حرة.[4]
من جانبها، قامت الحكومة النيجيرية بتعديل سياستها التجارية لتحقيق توازن أفضل مع الصين. في فبراير 2025، تم تجديد اتفاقية المبادلات النقدية الثنائية بقيمة ملياري دولار لمدة ثلاث سنوات، وهو ما يوضح الالتزام المتبادل بتعميق العلاقات الاقتصادية والمالية.[5]
تحمل التهديدات الأمريكية عدة طبقات من التعقيد. ذلك لأن الرئيس ترامب يبرر علناً التدخل المحتمل بحماية المسيحيين من الاضطهاد، إلا أن المحللين يشيرون إلى أن هناك اعتبارات استراتيجية أعمق بكثير.[6]
أولاً، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها في غرب إفريقيا، بعد أن فقدت مواقع استراتيجية مهمة في المنطقة، بما فيها قواعد للطائرات بدون طيار في النيجر، حيث تم طردها من قبل الحكومات العسكرية التي اقتربت من روسيا والصين.[7]
ثانياً، تكتسب نيجيريا أهمية متزايدة كمصدر للمعادن النادرة والحرجة، حيث توجد رواسب كبيرة من الموناسايت الغنية بالليثيوم والنيكل والكوبالت والنحاس واللانثانوم والنيوديميوم والبراسيوديميوم، خاصة في شمال شرق نيجيريا، وهي معادن حيوية لتقنيات الدفاع والطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.[8]
ثالثاً، تأتي هذه التهديدات في سياق توتر متزايد بين واشنطن ونيجيريا بشأن قضايا تجارية. ولقد سبق أن فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 14% على واردات نيجيرية، فردّت نيجيريا بفرض حظر على 25 فئة من المنتجات الأمريكية. وكما ألمح البعض، قد يكون التهديد العسكري جزءاً من استراتيجية أوسع لإجبار نيجيريا على الامتثال للسياسات الأمريكية.[9]
أظهرت حكومة الرئيس تينوبو رداً متوازناً يعكس سياستها المعلنة للاستقلالية الاستراتيجية، إذ رفضت حكومته بشكل قاطع التهديدات الأمريكية باعتبارها انتهاكاً لسيادتها، وأعربت عن استعدادها للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، لكن في إطار يحترم السيادة الوطنية. وقال الرئيس تينوبو إن الحوار والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة يجب أن يكونا ممكنين، موضحاً أن نيجيريا والولايات المتحدة تتعاونان بالفعل بشكل وثيق على مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وشراء الأسلحة. لكن، حسب متحدث الرئاسة، قد تكون تهديدات ترامب مجرد “تكتيك تفاوضي”.[10]
ومن الناحية الجيوسياسية، اتبعت نيجيريا منهجاً يُعرّف بـ “الهدجينج الاستراتيجي” – حيث تعمّق التعاون الاقتصادي مع الصين والكتلة الناشئة بريكس بينما تحافظ على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تم قبول نيجيريا كـ “دولة شريكة” في بريكس في 2025، وهو ما يعكس تطلعات الدولة لتنويع شركاءها الدوليين.[11]
ويقول متحدثون حكوميون إن هذا المسار لا يعني الابتعاد عن الشركاء التقليديين بل التأكيد على مصالح نيجيريا الوطنية. صرّح وزير الخارجية يوسف تجار مراراً بأن الاستقلالية الاستراتيجية تعني “المحاذاة مع المصالح الوطنية بغض النظر عن الاتجاه الذي يأخذنا إليه”.[12]
تحمل هذه الديناميكية تأثيرات أوسع على الاستقرار الإقليمي والتوازنات العالمية.
أولاً، توضح الأزمة كيف أصبحت أفريقيا بشكل متزايد ساحة للمنافسة الجيوسياسية المباشرة. كما يلاحظ الباحثون، فإن الصراع على النفوذ في أفريقيا يعكس “مأساة السياسة العظمى” حيث تسعى الدول الكبرى لتعظيم مزاياها النسبية والسيطرة على الحلفاء الإقليميين.[13]
ثانياً، يشير الموقف النيجيري إلى أن الدول الأفريقية الكبرى قد بدأت تطور قدرة أكبر على المناورة والمقاومة. بدلاً من الخضوع للضغط الأحادي، تختار نيجيريا تنويع علاقاتها. لكن هذا يأتي بتكاليفه: فالمحاذاة الوثيقة جداً مع الصين قد تؤدي إلى خسارة الاستثمارات الغربية والوصول إلى الأسواق المالية الدولية، بينما الرضوخ لضغط واشنطن قد يؤثر على الأرباح الاقتصادية من الشراكة الصينية.[14]
ثالثاً، يجب أن يؤخذ في الاعتبار الدور الروسي الناشئ. بينما كانت الولايات المتحدة والصين تركز على نيجيريا، عمقت روسيا علاقاتها مع دول غرب إفريقية أخرى مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ويعني هذا التعقيد أن البيئة الأمنية الإقليمية تصبح أكثر استقطاباً وتشتتاً.[15]
بينما تحافظ نيجيريا على توازن دقيق بين الشرق والغرب، تظل التحديات الأمنية الداخلية أحد أبرز العقبات أمام استقرارها ونموها. فقد أدى تصاعد نشاط جماعات مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا إلى مقتل الآلاف، خصوصًا في المناطق الشمالية، وتسبب في نزوحٍ جماعي وأزمة إنسانية عميقة تهدد النسيج الاجتماعي للدولة. ومع ذلك، فإن هذا الواقع القاسي قد يشكّل أيضًا فرصة استراتيجية لإعادة بناء الدولة على أسس أكثر صلابة.
يمكن لنيجيريا أن تحوّل هذه التحديات إلى نقطة انطلاق نحو استقرار وتنمية مستدامين، من خلال استثمار الحوار القائم مع الشركاء الدوليين لدعم مشاريع الأمن والتنمية المتكاملة التي تخدم مصالحها الوطنية. كما يمكنها الاستفادة من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية لتعزيز التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، في مقابل توظيف الدعم الغربي – خاصة الأمريكي – لتطوير القدرات الأمنية ومكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، تبدو نيجيريا وكأنها تقف على مفترق طرق حقيقي؛ فاختبار النفوذ الدولي الحالي لا يقتصر على دبلوماسية اللحظة، بل يعكس منافسة عالمية عميقة على مستقبل إفريقيا. وبينما تمارس الولايات المتحدة ضغوطها، وتعرض الصين دعمها، تُظهر نيجيريا وعياً متزايداً بضرورة الحفاظ على استقلالية قرارها السيادي.
إن نجاح نيجيريا في هذا الاختبار سيتوقف على قدرتها في تحويل الصراعات إلى فرص، والمخاطر إلى أدوات لبناء القوة الذاتية. فإذا استطاعت معالجة جذور العنف الداخلي بطرقٍ تحترم سيادتها وتُعزز التنمية الشاملة، فستصبح نموذجاً إفريقياً في كيفية المناورة بين القوى الكبرى دون التفريط بالمصالح الوطنية. وفي جميع الأحوال، يراقب العالم عن كثب كيف ستتعامل أكبر قوة اقتصادية في إفريقيا مع هذا الاختبار الحاسم لاستقلاليتها وسيادتها.
تخوض نيجيريا اختباراً استراتيجياً حاسماً يحدد موقعها في النظام الدولي الجديد. نجاحها في الحفاظ على توازنٍ دقيقٍ بين واشنطن وبكين سيجعلها نموذجاً إفريقياً للدول التي تمارس استقلالية القرار في ظل تعدد الأقطاب. أما فشلها في إدارة هذا التوازن فقد يحوّلها إلى ساحة تنافس وصراع بالوكالة بين القوى الكبرى. فالمرحلة المقبلة ستُظهر ما إذا كانت نيجيريا قادرة على تحويل الضغوط الخارجية إلى فرصة لبناء قوة وطنية مستقلة ومستدامة.
[1]AllAfrica. (2025, November 4). Nigeria: Why China opposes U.S.’ threat of military intervention in Nigeria – Experts. Retrieved from https://allafrica.com/stories/202511050059.html
[2] Calabrese, J. (2025, April 21). Redefining the China-Nigeria partnership: From trade to development. Think China. Retrieved from https://www.thinkchina.sg/politics/redefining-china-nigeria-partnership-trade-development
Baobab Africa. (2024, September 4). Nigeria and China elevate ties to comprehensive strategic partnership. Retrieved from https://baobabafricaonline.com/2024/09/04/nigeria-and-china-elevate-ties-to-comprehensive-strategic-partnership/#:~:text=elevation%20of%20Nigeria%2DChina%20ties%20to%20that%20of%20a%20comprehensive%20strategic%20partnership
[3] Legit.ng. (2025, November 5). China defends Nigeria: 4 reasons Beijing attacks Trump over plans to strike Africa’s biggest economy. Retrieved from https://www.legit.ng/business-economy/economy/1681854-china-defends-nigeria-4-reasons-beijing-attacks-trump-plans-strike-africas-biggest-economy/
[4] Calabrese, J. (2025, April 21). Redefining the China-Nigeria partnership: From trade to development. Think China. Retrieved from https://www.thinkchina.sg/politics/redefining-china-nigeria-partnership-trade-development
Chinese Embassy in Nigeria. (2023, October 27). BRI: A path towards common development and a blueprint for China-Nigeria cooperation (by H.E. Cui Jianchun, Chinese Ambassador to Nigeria). Retrieved from https://ng.china-embassy.gov.cn/eng/zngx/cne/202310/t20231027_11169250.htm
[5] Calabrese, J. (2025, April 21). Redefining the China-Nigeria partnership: From trade to development. Think China. Retrieved from https://www.thinkchina.sg/politics/redefining-china-nigeria-partnership-trade-development
[6] Ghana Broadcasting Corporation. (2025, November 4). Trump’s threat of military action in Nigeria over alleged Christian killings sparks continental concern. Retrieved from https://www.gbcghanaonline.com/news/trumps-threat-of-military-action-in-nigeria-over-alleged-christian-killings-sparks-continental-concern/2025/
[7] Inada News. (2025, November 6). New York Times report reveals U.S. military plans on Nigeria after Trump’s threat. Retrieved from https://innonews.com.ng/2025/11/06/new-york-times-report-reveals-u-s-military-plans-on-nigeria-after-trumps-threat/
Premium Times Nigeria. (2025, May 28). Nigeria on the world stage: Assessing Tinubu’s foreign policy after two years. Retrieved from https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/797356-nigeria-on-the-world-stage-assessing-tinubus-foreign-policy-after-two-years.html
[8] Yahoo News. (2025, November 3). Trump threatens Nigeria with military action over alleged attacks on Christians. Retrieved from https://ca.news.yahoo.com/trump-threatens-nigeria-military-action-122901927.html
[9] The Papers Nigeria. (2025, November 4). Trump’s threat: US plots to endanger Nigerians for reasons – ex-president warns citizens. Retrieved from https://thepapers.ng/2025/11/04/trumps-threat-us-plots-to-endanger-nigerians-for-reasons-ex-president-warns-citizens/
[10] Yahoo News. (2025, November 3). Trump threatens Nigeria with military action amid claims of Christian persecution. Retrieved from https://ca.news.yahoo.com/trump-threatens-nigeria-military-action-122901927.html
[11] Okolieaboh, A. (2025, November 4). Nigeria’s strategic crossroads: Navigating U.S.–China tensions and the BRICS shift in Africa. PRNigeria. Retrieved from https://prnigeria.com/2025/11/04/nigeria-strategic-crossroads/#:~:text=Nigeria%E2%80%99s%20diplomacy%20resembles%20strategic%20hedging
[12] Enikanolaiye, A. (2025, June 2). Two years of Nigeria’s foreign policy under President Tinubu administration: An informed commentary – The Statehouse, Abuja. Retrieved from https://statehouse.gov.ng/news/two-years-of-nigerias-foreign-policy-under-president-tinubu-administration-an-informed-commentary/
[13] Okolieaboh, A. (2025, November 4). Nigeria’s strategic crossroads: Navigating U.S.–China tensions and the BRICS shift in Africa. PRNigeria. Retrieved from https://prnigeria.com/2025/11/04/nigeria-strategic-crossroads/#:~:text=Nigeria%E2%80%99s%20diplomacy%20resembles%20strategic%20hedging
[14] Ibid.
[15] Olagunju, O. O., & Ogunmola, G. O. (2025, March–April). The emergence of Russia in West Africa: Implication on Nigeria’s national security. International Journal of Humanities, Social Science and Management (IJHSSM), 5(2), 816-827. Retrieved from https://ijhssm.org/issue_dcp/The%20Emergence%20of%20Russia%20in%20West%20Africa%20Implication%20on%20Nigeria%20s%20National%20Security.pdf?
ظهرت المقالة نيجيريا في اختبار النفوذ الدولي: بين إنذارات واشنطن وتوسّع بكين أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ننطلق في عرض موجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من دولة مصر حيت تم الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير (GEM)، الواقع على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة. وتضمن الافتتحاح عروضاً ثقافية وعرضاً مبهراً لأشعة الليزر والألعاب النارية، وقد حضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسيدة الأولى، ووفود رفيعة المستوى، بما في ذلك شخصيات ملكية وكبار […]
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/11/08) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ننطلق في عرض موجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من دولة مصر حيت تم الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير (GEM)، الواقع على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة. وتضمن الافتتحاح عروضاً ثقافية وعرضاً مبهراً لأشعة الليزر والألعاب النارية، وقد حضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسيدة الأولى، ووفود رفيعة المستوى، بما في ذلك شخصيات ملكية وكبار المسؤولين، من عشرات الدول حول العالم. ويُعد هذا المشروع الضخم الذي بلغت تكلفته مليار دولار أمريكي أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة ويضم أكثر من 100,000 قطعة أثرية. والأهم من ذلك، يمثل الافتتاح المرة الأولى التي تُعرض فيها المجموعة الكاملة التي تضم أكثر من 5,900 قطعة أثرية تابعة لتوت عنخ آمون معاً، مما يوفر تجربة عرض غير مسبوقة للزوار. وشدد الرئيس السيسي على أهمية المتحف كرمز للتراث المصري وركيزة جديدة رئيسية لقطاع السياحة، مما يعكس رؤية الأمة لتأسيس المتحف المصري الكبير “كهرم رابع” بحد ذاته.
أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع ببيان مثير للجدل وعدواني للغاية، مهدداً فيه باتخاذ إجراء عسكري محتمل في نيجيريا. وزعم ترامب، في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي، أن الحكومة النيجيرية تفشل في كبح اضطهاد المسيحيين. وذكر أنه إذا استمرت الحكومة “في السماح بقتل المسيحيين”، فإن الولايات المتحدة ستوقف فوراً جميع المساعدات للبلاد.” وزاد عليه أنه قد يصل الأمر إلى التدخل العسكري في نيجيريا للقضاء على الإرهابيين الإسلاميين بالكامل، موجّها البنتاغون للاستعداد لـ “عمل محتمل”. وجاء هذا التهديد بعد يوم من تصنيف ترامب لنيجيريا “دولة مثيرة للقلق بشكل خاص” لانتهاكات الحرية الدينية. ورد رئيس نيجيريا بولا أحمد تينوبو على الفور على هذه المزاعم، مشيراً إلى أن وصف نيجيريا بدولة غير متسامحة دينياً “لا يعكس واقعنا الوطني” وأن لدى نيجيريا ضمانات دستورية لحماية مواطني جميع الأديان.
وفي الكاميرن، أدى الرئيس بول بيا البالغ من العمر 92 عاماً، والذي حكم الدولة لمدة 43 عاماً، اليمين الدستورية لولاية ثامنة كرئيس للكامريون في هذا الأسبوع، بعد فوزه في انتخابات 12 أكتوبر المختلف في صلاحيتها. وتم أداؤه لليمين في حفل أقيم في البرلمان في ياوندي لولاية جديدة مدتها سبع سنوات. ودعا الرئيس بيا، في خطابه الافتتاحي، إلى الوحدة كما ركز على أجندة اقتصادية جديدة للبلاد. وتشمل أولوياته وضع خطة خاصة لتوظيف الشباب بتمويل جديد وحوافز ضريبية، ومواصلة مشاريع البنية التحتية الكبرى، وتحديث الحوكمة العامة. وجاء هذا التنصيب على خلفية توترات ما بعد الانتخابات، بما في ذلك تقارير عن وفيات وأضرار في البنية التحتية بعد احتجاجات قمعتها قوات الأمن بعنف.
وفي تنزانيا، وُجهت تهمة الخيانة إلى ما يقرب من 240 شخصاً في تنزانيا يوم الجمعة، في أعقاب الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت بعد فوز الرئيسة سامية صولوحو حسن بإعادة انتخابها في انتخابات 29 أكتوبر مختلف في صلاحيتها. وقد مثل هؤلاء المتهمون أمام المحكمة في العاصمة التجارية دار السلام. ووفقاً لمصادر قضائية، أقرّ قرار الاتهام بارتكابهم لـجريمة “التآمر لارتكاب الخيانة” و “الخيانة” نفسها، وأنهم كانوا يهدفون إلى عرقلة الانتخابات وتخويف السلطة التنفيذية من خلال إتلاف الممتلكات الحكومية. وبما أن الخيانة تُعدّ جريمة لا يُسمح فيها بالكفالة، فهذا يعني أن المتهمين سيظلون قيد الاحتجاز حتى جلستهم المقبلة. ورغم إعلان فوز الرئيسة صولوحو حسن بأغلبية ساحقة بلغت 98% من الأصوات، لم ترض بها الأحزاب المعارضة التي مُنعت من المشاركة، و وصفت النتيجة بأنها “مهزلة”. وادعى حزب المعارضة “شاديما” أن عنف الانتخابات أدى إلى وفاة ما يقرب من 800 شخص، بينما تشير مصادر أمنية إلى أن الحصيلة قد تكون أعلى من ذلك. لكن الحكومة رفضت الكشف عن حصيلة رسمية للقتلى أو الجرحى جراء الاضطرابات، التي شهدت أيضاً إغلاقاً لخدمة الإنترنت لعدة أيام.
وفي السودان، أعلنت قوات الدعم السريع (RSF) شبه العسكرية في السودان، يوم الخميس، أنها توافق على هدنة إنسانية اقترحتها مجموعة الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة. ويأتي ذلك بعد فترة وجيزة من سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معقل للجيش السوداني في منطقة دارفور الغربية. وأعربت في بيانها عن استعدادها لتنفيذ الاتفاق والبدء فوراً في مناقشة ترتيبات وقف الأعمال العدائية والمبادئ الأساسية التي توجه العملية السياسية في السودان. ومع ذلك، بينما رحب باقتراح الهدنة مسؤول عسكري في القوات المسلحة السودانية (SAF) ، ذكر أن الجيش السوداني لن يوافق على هدنة إلا إذا انسحبت قوات الدعم السريع بالكامل من المناطق المدنية وسلمت أسلحتها، بما يتماشى مع مقترحات السلام السابقة.
و في موريتانيا، أكدت المحكمة العليا الحكم بالسجن لمدة 15 عاماً المفروض على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتهمة الفساد. ويمثل قرار المحكمة، الذي تم الانتهاء منه يوم الأربعاء، نهاية المسار القانوني للزعيم السابق، الذي استأنف حكماً أصدرته محكمة أدنى درجة. ولقد أُدين عبد العزيز، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عام 2008 وحكم لمدة عقد حتى عام 2019، بجرائم اقتصادية، بما في ذلك الإثراء غير المشروع وإساءة استخدام السلطة أثناء وجوده في منصبه. وكان فريقه القانوني قد جادل في وقت سابق بأن محكمة عليا للعدل فقط هي المؤهلة لمحاكمة رئيس سابق. ويُنظر إلى هذا الحكم التاريخي من قبل الكثيرين في حركة مكافحة الفساد على أنه انتصار كبير لسيادة القانون والمساءلة في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، والتي تعتبر ذات أهمية استراتيجية في مكافحة التشدد الإسلامي في منطقة الساحل.
وفي غينيا بيساو، انطلقت في يوم السبت الموافق في 1 نوفمبر فترة الحملات الانتخابية رسمياً، لانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 23 نوفمبر، وسط أجواء من التوتر السياسي. ومن اللافت للنظر أن الحملة بدأت دون مشاركة حزب الوحدة الأفريقية من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC)، المعروف بالقوة المعارضة المهيمنة في البلاد منذ الاستقلال في عام 1974، وذلك بعد قرار استبعاد من المحكمة العليا في سبتمبر لعدم الوفاء بالموعد النهائي لتسجيل المرشحين. وأدى هذا الإقصاء التاريخي، إلى جانب مزاعم بحدوث “انقلاب مؤسسي” ضد البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة من قبل الرئيس أومارو سيسوكو إمبالو، إلى زيادة عدم الاستقرار في الدولة الهشة سياسياً. وتُعتبر الانتخابات الآن اختباراً رئيسياً للاستقرار الديمقراطي، حيث تحثّ جماعات المجتمع المدني على عملية سلمية وشفافة.
وفي غينيا، دخل الزعيم العسكري الجنرال ممدي دومبويا، في السباق الرئاسي رسميا، مقدماً ترشيحه لانتخابات 28 ديسمبر. وصل دومبويا، الذي استولى على السلطة في انقلاب سبتمبر 2021، إلى المحكمة العليا يوم الاثنين لتقديم أوراقه رسمياً، متراجعاً عن تعهد سابق بأنه لن يترشح هو ولا أي عضو من أعضاء المجلس العسكري للمنصب. وقد تمكن من الترشيح بفضل دستور جديد اقترحه النظام العسكري وتمت الموافقة عليه في استفتاء سبتمبر، حيث ألغى الدستر الجديد الحظر المفروض على أعضاء المجلس العسكري من خوض الانتخابات بالتحديد. وقد أدان تحالف المعارضة، قوى غينيا النشطة (FVG)، ترشيح الجنرال على الفور، ووصفه بأنه “نقطة تحول كارثية” واتهم الجنرال بـ “الاستخفاف بالالتزامات الرسمية” لاستعادة الحكم المدني دون المشاركة فيه.
وبخصو مالي، خاطب الزعيم العسكري الجنرال أسيمي غويتا، مواطني البلاد يوم الاثنين عن شأن أزمة الوقود الحادة التي تمر بها مالي منذ شهرين تقريبا، وهو أول تعليق علني له على القضية منذ أن بدأت في سبتمبر. وتنبع الأزمة من حصار مستمر على واردات الوقود، قام بفرضه تنظيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المرتبط بالقاعدة. وقد أدى الحصار، الذي تسبب في تقطع السبل بمئات من شاحنات الوقود وارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 500% في بعض المناطق، إلى شبه توقف للاقتصاد، وإغلاق المدارس، ونقص حاد في الكهرباء. وخلال حديث الجنرال غويتا في مناسبة أقيمت في جنوب البلاد، أقر بالعواقب المميتة، قائلاً: ” يموت الناس أثناء مرافقة قوافل ناقلات الوقود؛ توجد كمائن على الطرق وتشتعل النيران في الناقلات وفي داخلها أشخاص يحترقون حتى الموت”. وحث غويتا الماليين على تقليل الرحلات غير الضرورية للمساعدة في تخفيف التأثير، بينما يواصل الجيش إعطاء الأولوية لنشر القوات لمرافقة قوافل الوقود إلى العاصمة باماكو.
وفي الختام، تشارك كينيا حالياً في مناقشات متابعة مع صندوق النقد الدولي (IMF) في جهود لتأمين برنامج مالي جديد بعد انتهاء برنامجها السابق البالغ 3.6 بليون دولار في وقت سابق من هذا العام. وأكد وزير المالية جون مبادي في هذا الأسبوع أن الحكومة تسعى للحصول على اتفاق جديد، يهدف بشكل أساسي إلى المساعدة في تثبيت سداد ديونها الخارجية المتصاعدة وتمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية. وتتمحور نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات الجارية حول تصنيف الديون المضمونة (Securitized debt)، وهي طريقة تستخدمها كينيا للاقتراض مقابل الإيرادات المستقبلية. وبينما ترى نيروبي أنها طريقة لتجنب تراكم المزيد من الديون التقليدية، يصرّ صندوق النقد الدولي على وجوب تصنيف هذا الاقتراض الإضافي كدين سيادي عادي. وأعرب الوزير مبادي عن ثقته في التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة، مؤكداً أهمية تأمين صفقة القرض الجديدة لتعزيز ثقة المستثمرين وضمان الاستقرار الاقتصادي.
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/11/08) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
تشهد القارة الإفريقية منذ عقود سلسلة من النزاعات المسلحة التي تتفاوت في حدتها وأسبابها، لكنها تتقاطع جميعًا في كونها تهديدًا مستمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتعد التنمية المستدامة في إفريقيا هدفاً استراتيجياً يتقاطع مع طموحات الشعوب ورؤى الاتحاد الإفريقي في تحقيق نهضة شاملة بحلول أجندة 2063. غير أن هذا المسار يصطدم بتحديات جسيمة، يأتي في […]
ظهرت المقالة النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
تشهد القارة الإفريقية منذ عقود سلسلة من النزاعات المسلحة التي تتفاوت في حدتها وأسبابها، لكنها تتقاطع جميعًا في كونها تهديدًا مستمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتعد التنمية المستدامة في إفريقيا هدفاً استراتيجياً يتقاطع مع طموحات الشعوب ورؤى الاتحاد الإفريقي في تحقيق نهضة شاملة بحلول أجندة 2063. غير أن هذا المسار يصطدم بتحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها النزاعات المسلحة التي ما زالت تُثقل كاهل القارة. فالعنف المسلح، سواء في شكل حروب أهلية، أو صراعات عرقية ودينية، أو نزاعات على الموارد، يؤدي إلى استنزاف الموارد الاقتصادية، وتعطيل الاستثمارات، وإضعاف مؤسسات الدولة، فضلاً عن تفاقم مشكلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. كما يساهم في تدهور البيئة، وتراجع التعليم والصحة، ويُعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة. ومن ثم، فإن دراسة العلاقة بين النزاع المسلح والتنمية المستدامة في إفريقيا تكشف عن جدلية معقدة، حيث يهدد استمرار العنف فرص التقدم، في حين أن غياب التنمية بدوره يغذي دوامة النزاع. ولأهمية الموضوع يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على انعكاسات النزاعات المسلحة على مسارات التنمية المستدامة في إفريقيا، واستكشاف سبل كسر هذه الحلقة المفرغة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.
النزاع أو الصراع؛ هو ظاهرة طبيعية لا غنى للبشر عنها. ينشأ النزاع من عدم المساواة والتمييز والهيمنة والإقصاء والظلم، التي تصاحب التنافس بين الأفراد والجماعات على الموارد والمنافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية الشحيحة. قد يكون النزاع داخلياً أو بين الأفراد. ويمكن أن يعبر عن نفسه بطرق عنيفة أو غير عنيفة. يعُد تدني التنمية البشرية وتدهور البيئة من أشد المشكلات التي تواجه البشرية في نهاية القرن العشرين. فالصراعات المسلحة من صنع الإنسان. وتشُكلّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جوهر التحدي العالمي الراهن المتمثل في الصراعات المسلحة، وهو تحد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية[1].
هناك ثلاثة أنواع من النزاعات يقُرهّا القانون الدولي الإنساني:
– النزاع المسلح الدولي، وهو وفقاً للمادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 في جميع حالات الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح قد ينشأ بين طرفين أو أكثر من الأطراف، حتى لو لم يتم الاعتراف بحالة الحرب، تنطبق الاتفاقية أيضاً على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي للأراضي. هذا يعني أن وقوع نزاع مسلح دولي أمر واضح، أي أنه صراع بين قوات مسلحة قانونية لدولتين مختلفتين.
– النزاع المسلح الثاني، المعُترف به في القانون الدولي الإنساني هو ظاهرة جديدة تعُرف باسم “النزاع المسلح المُدول”. ويمكن أن يحدث هذا النوع من النزاع عندما تنشب حرب بين فصيلين مختلفين يتقاتلان داخلياً، ولكنهما مدعومان من دولتين مختلفتين. ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من النزاع، الذي نشب في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام ١٩٩٨، عندما تدخلت قوات من رواندا وأنغولا وزيمبابوي وأوغندا لدعم جماعات مختلفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
– النزاعات المسلحة غير الدولية، هي نزاعات مسلحة ذات طابع غير دولي تحدث على أراضي أحد الأطراف المتعاقدة في (اتفاقية جنيف، 1949) كما تنطبق أيضاً على الوضع الذي يكون فيه النزاع داخل الدولة بين الحكومة وقوات المتمردين. وهذا يعني أن أحد الأطراف المعنية هو جهة فاعلة غير حكومية بطبيعتها.[2]
بالنظر إلى حالة إفريقيا جنوب الصحراء نجد إن معظم النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى داخلية وتحدث في “دول هشة” ذات مؤسسات اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية ضعيفة. الدول الهشة معرضة بشدة لاندلاع النزاعات المسلحة، وهناك علاقة واضحة بين النزاعات المسلحة الداخلية والتخلف. ينشأ هذا الارتباط من تحويل الموارد الوطنية، التي تمتلك القدرة على تحسين مستويات معيشة المواطنين العاديين، نحو السعي إلى الحرب. علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي والفساد المنتشر المرتبطان عادة بالنزاعات المسلحة الداخلية، يخلقان حلقة مفرغة من الفقر والعنف تعيق تقدم الدول النامية.[3]
أن الأسباب الرئيسية للنزاعات المسلحة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء معقدة، وتعُزى إلى عوامل متعددة مثل الاستعمار، والتوترات العرقية، وضعف الحكم، لقد كان لوصول الأوروبيين وما تلاه من عملية استعمارية تأثيراً عميقاً على مسار التاريخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. سعت قوى أوروبية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، إلى تقسيم القارة، مستغلة مواردها وسكانها كمصدر للعمالة الرخيصة. أدى هذا التقسيم إلى تغييرات كبيرة في النسيج السياسي والاجتماعي للقارة، حيث أعُيد رسم حدود إفريقيا بالكامل لخدمة المصالح الاقتصادية للقوى الاستعمارية بشكل أفضل. نتيجة لذلك، عندما بدأت دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الحصول على استقلالها منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، واجهت مهمة شاقة تتمثل في توحيد هذه الكيانات الاستعمارية المصطنعة في دول قومية متماسكة ومستقرة. وقد امتلأت هذه العملية بالصراعات والتحديات، حيث كافحت الجماعات العرقية والسياسية المختلفة لتحديد هويات وطنية جديدة وإقامة أنظمة حكومية، وقد دفع هذا؛ العديد من هذه الجماعات العرقية والسياسية إلى حمل السلاح، سواء لغرض تقرير المصير، أو الاندماج في الحكم[4].
يعتبر سوء الإدارة والفساد والفقر أسباب رئيسية للنزاع المسلح؛ لقد كان سوء الإدارة وعدم فعاليتها عائقاً كبيراً أمام التنمية وسبباً رئيسياً للصراعات المسلحة في إفريقيا. لقد مرت كل دولة في إفريقيا بشكل أو بآخر من أشكال سوء الإدارة. فسوء الإدارة هو مقدمة للفساد، هذان الاثنان مترابطان جوهرياً. لقد أساءت الدول في إفريقيا إدارة موارد الدولة وأضعفت مؤسسات الحكم مما أدى إلى جمود اقتصادي ومخاوف سياسية وانهيار السلام الاجتماعي والاستقرار. واليوم، يشكل هذان العاملان سبباً رئيسياً للصراعات العنيفة والصراعات الأهلية في جنوب وغرب إفريقيا[5].
بالنسبة للفقر قد لا يكون سبباً للعنف، ولكنه قد يكون محُفزِّاً للصراع العنيف. ويعُدَ الفقر أحد أبرز الانتكاسات في إفريقيا، وقد يؤُديِّ إلى النزاع. بالنظر إلى هذا من منظور نظرية الاحتياجات الإنسانية، عندما لا يتم تلبية الاحتياجات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى صراعات عنيفة. الفقر ليس فضيلة. على الرغم من وجود بيئات فقيرة حيث يعيش الناس في سلام نسبي، إلا أن هناك حالات يمكن أن يكون فيها الفقر محفزاً للعنف[6].
يجادل مايكل بهاتيا Michael Bhatia (2005) بأن العدد المتزايد للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية في جميع أنحاء القارة (أي الميليشيات مثل حركة إم 23 في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجماعات المتمردة مثل الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون، والمتطرفين مثل حركة الشباب في القرن الإفريقي) قد أدى إلى عودة نوع آخر من تصنيف النزاعات، وقد استخُدمت مصطلحات مثل “التطرف العنيف” و”الإرهاب” و”التمرد”، لتصنيف أشكال مختلفة من العنف غير الحكومي على أساساً دوافعها[7].
ترتفع عدد البلدان الإفريقية المتضررة سنويا بالنزاعات العنيفة من متوسط ما قبل الاستقلال الذي يقل عن ثلاثة بلدان خلال الخمسينيات، إلى أكثر من 12 بلدا خلال التسعينيات، قبل أن ينخفض إلى ما دون تسعة بلدان خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يمكن تمييز أربعة عصور من الصراع منذ الاستقلال؛ سنوات ما بعد الاستقلال مباشرة، والتي اتسمت بالنضال من أجل التحرير والشرعية المتنازع عليها؛ وسنوات الحرب الباردة، والتي اتسمت بالحروب بالوكالة؛ وسنوات الانتقال بعد الحرب الباردة والتي اتسمت بالصراعات المتكررة التي دعمها الإقصاء الاقتصادي والسياسي؛ وعصر الجهات الفاعلة غير الحكومية، والذي اتسم بالجماعات المتطرفة والعنف العالمي[8].
ينتشر في الجنوب العالمي العديد من الجماعات المتطرفة على سبيل المثال؛ بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، برزت الجماعة إلى الصدارة العالمية بعد اختطاف 274 تلميذة في شيبوك، نيجيريا، في أبريل 2014. ومنذ ذلك الحين، قتلت الجماعة الآلاف، واختطفت عشرات الآلاف، وشردت ما يقرب من مليوني شخص، وعادة ما ترتبط بوكو حرام بالتطرف الإسلامي لأن اسمها يمكن ترجمته إلى أنه يعني حظر التعليم الغربي. وقد دفعت دعواتها لتطبيق الشريعة الإسلامية الصارمة في الأراضي التي تسيطر عليها الكثيرين إلى استنتاج أنها في الأساس، حركة تمرد أصولية. عندما بدأت الجماعة في عام 2002 كانت تسمى جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. وقد شجبت الفساد وعدم المساواة والبطالة وفشل الحكم في شمال نيجيريا، وخاصة بين النخبة الدينية. وقد حصلوا على لقب بوكو حرام لأن السكان المحليين شبهوا دعوتهم لإحياء شمال نيجيريا بالجهود المماثلة التي بذلها الزعماء الدينيون الإسلاميون خلال الحكم الاستعماري البريطاني، الذين رأوا ثقافتهم وسبل عيشهم مهددة بسبب دخول التأثيرات الغربية. وقد أدى الصراع في حوض تشاد إلى الهجرة القسرية لآلاف الأشخاص إلى مناطق مثل شمال نيجيريا، مما أدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة[9].
مثال آخر حركة الشباب في كينيا؛ وهي حركة كانت تنتقم من دور كينيا في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال والتي يعتبرها معظم الصوماليين احتلالا. تعود أسباب الهجمات الإرهابية في كينيا إلى تاريخ طويل من الصراعات العرقية، وسياسة الإقصاء التي حرمت العديد من الصوماليين. وقد أقر الرئيس الكيني أوروهو كينياتا Uruhu Kenyattaبهذه النقطة في مقابلة عام 2014 كما ساهمت النزاعات الحدودية، وقضايا حقوق الأراضي، واستمرار وجود مخيم داداب Dadaab للاجئين (حيث يعُتقد أن العديد من الشباب الصوماليين قد تحولّوا إلى التطرف وجنُدّوا من قبِل الجماعات المتطرفة) في تفاقم الوضع[10].
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدراسات أظهرت وجود علاقة بين النزاعات المسلحة والفشل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال؛ أدت الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة في سيراليون إلى انهيار البنية التحتية للبلاد، مما أدى إلى وفاة ما يقُدر بنحو 50 ألف شخص يعُزى مباشرة إلى النزاع. وقد أعاق هذا الوضع التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية في مجالات مثل الصحة العامة، وقد تسببت النزاعات المسلحة في تدهور النظم الصحية وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال. تعكس هذه النتيجة التأثير المدمر للحرب والعنف على تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة، ألا وهو ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للأفراد من جميع الأعمار.[11]
لقد شكلّت الآثار الناجمة عن هذه النزاعات المسلحة عائقاً أمام النمو الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية. وقد خلفّت هذه الصراعات آثاراً مدمرة على الأرواح والممتلكات والأنشطة الاقتصادية في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، اتخذت ديناميكيات النزاعات في إفريقيا أبعاداً جديدة، حيث تعرضّت معظم الدول، مثل نيجيريا والصومال وليبيا، لخطر النزوح. مالي، وإثيوبيا، والسودان، وتشاد، والكاميرون، وبوركينا فاسو، على سبيل المثال لا الحصر، تعاني من تحديات التمرد. إضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف من ظهور أشكال جديدة من الصراعات المسلحة في المنطقة (مثل الهجمات المعادية للأجانب، وقطع الطرق، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختطاف، وغيرها). لتلك النزاعات آثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة، إذ يزُعزع السلام في المجتمع، مما يؤدي إلى خسائر بشرية وبيئية ومادية تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تعويضه. وقد يؤدي هذا إلى أضرار لا يمكن تصورها في الأرواح البشرية وفي ظل بعض الظروف يؤدي النزاع إلى زيادة أعداد اللاجئين والنازحين. فقد أدى انتشار الصراعات في إفريقيا إلى تراجع الأنشطة الإنتاجية، مما تسبب في ندرة واسعة النطاق، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، مما أثر سلباً على القدرة الإنتاجية في بعض البلدان[12].
إن الطبيعة المتعددة الأبعاد للصراعات وتداعياتها ضرورية لفهم الترتيبات المناسبة للأنشطة الاقتصادية في أي بلد. وفي حالة إفريقيا على وجه الخصوص، لم تكُرس سوى دراسات قليلة جهوداً تجريبية لدراسة مدى تأثير النزاعات المسلحة على التنمية المستدامة. ومن بين الدراسات دراسة إيزوها Ezeoha2015 التي فحصت الآثار الديناميكية للصراعات المسلحة على النمو الاقتصادي والرفاهية في إفريقيا، وكشفت أن شدة الصراع أثرت سلباً وبشكل كبير على النمو والرفاهية الاقتصادية. كما فحص بويريري Poireri 2012 آثار النزاع المسلح على التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكشف أن الصراعات المسلحة (وخاصة الحروب الأهلية) كان لها تأثير سلبي على الأداء التعليمي. علاوة على ذلك، أن معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية تأثرت سلباً خلال فترات الأزمات[13].
ووفقاً لتقرير التنمية المستدامة لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقرير التنمية المستدامة في إفريقيا لعام 2022، يسلط كلا التقريرين الضوء على افتقار إفريقيا إلى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في عام 2030. مع درجة مؤشر 53.6، مما يدل على أن المنطقة حققت حتى الآن ٪53.6 فقط من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ولا تزال تترك فجوة قدرها ٪46.[14]
أن النزاع المسلح يؤدي دائماً إلى كارثة إنسانية. خلال الفترة الأخيرة لعقدين من الزمن، كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر مناطق العالم تضرراً من النزاعات. من بين أكثر 24 دولة تضرراً من الحروب بين عامي 1980، 1994، كانت عشر دول إفريقية، وصنُفت أربع منها (ليبيريا وأنغولا وموزمبيق والصومال) ضمن الدول الخمس الأكثر تضرراً في العالم (تقرير وزارة التنمية الدولية البريطانية، 2021). كان النزاع مسؤولاً عن وفيات وتشريد أكثر من المجاعة أو الفيضانات. وقد أثر نطاق وطبيعة الحرب بشكل مباشر على حياة ملايين الأفارقة[15].
ومن آثار النزاع المسلح فقدان البنية التحتية؛ لقد ألحقت الحرب أضراراً بالغة بالبنية التحتية لإفريقيا. فقد تأثرت الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها من البنى التحتية الحكومية. وخلال الحرب، كان هناك ندرة في الاستثمار في البنية التحتية وصيانتها. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، فقدت إفريقيا أكثر من خمسين في المائة من بنيتها التحتية للنقل، وكان العديد من الخسائر بسبب الصراع. ولهذه الخسارة تأثير فوري وطويل الأجل على الاقتصادات الإفريقية. ففي الوقت الحالي، تزيد من الفقر. فعلى سبيل المثال، لا يوجد في جنوب السودان تقريباً شبكة طرق قابلة للتطبيق نتيجة لسنوات من الحرب الأهلية. وهذا يضر بشدة بسبل عيش السكان، الذين يعتمدون على تجارة الماشية مقابل الحبوب كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. ففي شمال شرق نيجيريا على سبيل المثال، لم تتمكن الحكومة من إعادة بناء هذه البنى التحتية التي احترقت مثل المدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد وغيرها[16].
أما آثار النزاع المسلح على الاقتصاد؛ فقد ارتفعت النزاعات المسلحة المسجلة في إفريقيا بشكل ملحوظ من 35 % في عام 1998 إلى %173.1 (الذروة) في عام 1999 مع انخفاض مماثل في نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.1 % إلى 3.9% بين عامي 1998 / 1999. ويبدو أن هذا يشير إلى وجود علاقة سلبية بين نمو النزاعات المسلحة المسجلة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، في عام 2000، كان هناك انخفاض كبير بنسبة 88 % في نمو النزاعات المسلحة المسجلة بينما انخفض النمو الاقتصادي أكثر إلى 3.3 %. وتجدر الإشارة إلى أن النزاعات لا تمثل التقلب الكلي في نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن العوامل الاقتصادية الكلية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى مسؤولة أيضاً. والجدير بالذكر أنه عندما كان نمو النزاعات المسلحة يرتفع، كان الناتج المحلي الإجمالي ينخفض. كان النمو في النزاعات المسلحة المسجلة والناتج المحلي الإجمالي متذبذباً خلال الفترة بين عامي 1998، 2014.[17]
علاوة على ذلك، يحُدد الوضع الأمني في بلد ما، على الأرواح والممتلكات والأعمال التجارية، إلى حد كبير، حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي. ومن المفهوم أن المستثمرين يهتمون بالوجهات ذات المخاطر المنخفضة على مواردهم. شهد عام 1999 نمواً كبيراً في النزاعات المسلحة، ما رافقه انخفاض في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة. ويعود هذا النمو الكبير في النزاعات المسلحة إلى المعارك وعنف الميليشيات الذي أثر على معظم أنحاء دول مثل أنغولا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وإثيوبيا ونيجيريا والسودان وأوغندا. ومع ذلك، كان هناك انخفاض حاد في عام 2000 مع تقلبات عالية نسبياً خلال الفترة المتبقية بينما بدأ الاستثمار الأجنبي المباشر في الارتفاع من عام 2000. كان الاستثمار الأجنبي المباشر في ذروته مع نمو منخفض مماثل للنزاعات المسلحة في عام 2011. والمثير للدهشة أن نمو النزاعات المسلحة ارتفع بشكل فلكي بنسبة 111 ٪ في عام 2013. وقد تميزت الفترة بالعديد من النزاعات المسلحة في العديد من البلدان الإفريقية كانت هذه النزاعات المسلحة بسبب التمرد والانتفاضة العربية والقتل خارج نطاق القضاء.[18]
وبالنسبة للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي فقد درُست العلاقة بين النزاع المسلح وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. وتشير أبحاث سابقة إلى تأثير سلبي للعنف على إمكانية الحصول على الغذاء وتوافره. وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حوالي نصف الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية و 80 % من الأطفال الذين يعانون من التقزم يقيمون في بلدان تعاني من النزاعات المسلحة أو العنف على نطاق واسع. يمكن للعنف أن يقُوضّ الأمن الغذائي بخفض إنتاج الغذاء ومخرجاته. ويدُمرّ النزاع المسلح ويفُاقم تدهور رأس المال البشري والمادي، والبنية التحتية، والثروة الحيوانية، والمحاصيل، ويرتبط بالسرقة وتدمير الأرض. إن الإنتاج الزراعي وسبل العيش والدخل مقيدون بالاضطرابات الناجمة عن العنف. إن عدم القدرة على الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية يؤثر أيضاً على الإنتاج الزراعي. كما إن التغيرات في مشاركة القوى العاملة، الناجمة عن تدمير وتدهور البنية الأساسية والموارد بالإضافة إلى نزوح العمال بسبب العنف، تؤدي إلى المزيد من خفض الإنتاج الزراعي والعمالة. لا تقتصر آثار النزاعات على تدمير الإنتاج الزراعي وتعطيله فحسب، بل تشُكلّ أيضاً تحديات لوجستية أمام المنتجين في توصيل الغذاء إلى الأسواق، ويؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع أسعار الغذاء، مما يؤدي إلى سوء التغذية وارتفاع معدلات نقص التغذية.[19]
ومن آثار النزاعات المسلحة الوصول المحدد إلى المياه والصرف الصحي؛ تؤثر النزاعات المسلحة على الوصول إلى المياه وتوفيرها بشكل مباشر وغير مباشر. للنزاع آثار سلبية على جودة المياه وكميتها وإمكانية الوصول إليها وتوفيرها من خلال استهداف وتدمير البنية التحتية للمياه أثناء النزاع المسلح. أن التدمير المتعمد لأنابيب المياه وأنظمة الضخ، يتسبب في تدهور أو تعطل محطات معالجة المياه بسبب الأعطال ومشاكل الصيانة، وتلويث المسطحات المائية السطحية والجوفية بالمتفجرات أو المعدات العسكرية، تشُكل أنابيب المياه التالفة أو أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي غير الفعالة مخاطر جسيمة[20].
تؤثر النزاعات المسلحة أيضاً على التنمية البشرية بشكل مباشر وغير مباشر، وتظهر هذه التأثيرات على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية تميل البلدان التي تعرضت التنمية البشرية. وعلى الرغم من التحسينات العامة في معدل وفيات الرضع الملحوظة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، فإن البلدان التي تعرضت للعنف في الفترة 2000- 2019 مثل السودان وسوريا ونيجيريا وتشاد – لم تظُهر أي تحسن يذُكر في وفيات الرضع مقارنة بالدول المسالمة أو الأقل عنفاً. قد تؤثر النزاعات على معدل وفيات الرضع من خلال تدمير الخدمات الصحية، وتقييد الحركة، وتدهور الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء. كما قد يكون للعنف آثار طويلة الأمد على معدل وفيات الرضع من خلال التأثيرات المشتركة على النمو الاقتصادي، والمساواة في الدخل، وأمية الشابات – وهي أقوى ثلاثة عوامل تنبؤ بتباين معدل وفيات الرضع.[21]
ومن أعمق آثار النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التأثير الشديد على صحة السكان المحليين ورفاهيتهم. ونظراً لتشابك الصحة البدنية والعقلية، فإن آثار النزاعات المسلحة على الصحة البدنية، كالوفيات والإصابات وسوء التغذية، تلُقي بعواقب وخيمة على الصحة النفسية. فالمعاناة والصدمات والضغوط الهائلة التي تفرضها النزاعات المسلحة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية وعصبية واضطرابات ناجمة عن تعاطي المخدرات. ونظراً لأن النزاعات تشُكل مصادر مستمرة للتجارب والضغوط اليومية للمتضررين، فإن هناك مخاطر متزايدة للإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية الشائعة وانخفاضاً كبيراً في مستوى الرفاهية.[22]
للنزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى آثار مدمرة على التعليم ومحو الأمية في المنطقة. ووفقاً لتقرير صادر عن الشراكة العالمية من أجل التعليم (2018)، فإن احتمالية انقطاع الأطفال عن الدراسة في البلدان المتضررة من النزاعات تزيد بأربع مرات عن نظرائهم في الدول المستقرة. وينبع هذا التفاوت من الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية التعليمية، وتجنيد القاصرين كجنود أطفال، والنزوح الجماعي للطلاب والمعلمين على سبيل المثال، في جنوب السودان، انقطع أكثر من 400,000 طفل عن الدراسة بسبب العنف المستمر. في عام 2014 وحده، تم الإبلاغ عن 913 هجوماً على المدارس في 22 دولة متأثرة بالصراع، مما أدى إلى غرس مناخ من الخوف وانعدام الأمن بين الطلاب والمعلمين وتفاقم ضعف نتائج التعلم للأطفال. غالباً ما تستخدم الفصائل المتحاربة الاستهداف المتعمد للمؤسسات التعليمية لفرض سيطرتها أو ترهيب السكان أو تهجيرهم[23]. وجد الباحثون أنه خلال النزاعات المسلحة، تخُفضّ الدولة نفقاتها التعليمية بنسبة 3.1 % إلى 3.6 % سنوياً. كما وجدوا أن النزاع يقُلل من الالتحاق بالتعليم. ولعل هذا الأمر أكثر إثارة للقلق، إذ من المرجح أن يستمر هذا التأثير لفترة طويلة بعد انتهاء الصراع[24].
يبرز الفقر والجوع كعواقب حتمية في بؤر النزاع، حيث ينتشران على أوسع نطاق. وقد لوحظ أن النزاعات، كالحروب الأهلية، يمكن أن تسُبب فقراً. يقُاس الفقر بمؤشرات مختلفة لرفاهية الفرد، بما في ذلك الحالة الغذائية، ومتوسط العمر المتوقع، ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب. ونتيجة لذلك، مع تفاقم الفقر، يتفاقم الجوع[25].
يعد النزوح أحد الآثار الشائعة للنزاع المسلح، ويشير إلى الحركة القسرية للأشخاص من ديارهم بسبب العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الأمن الآخر ويواجه النازحون بسبب الصراع مخاطر صحية، حيث يعيشون غالباً في ظروف مكتظة وغير صحية في المخيمات والمناطق الحضرية مع محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. وقد يواجهون أيضاً صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية.[26]
في توثيق النزاعات المسلحة في إفريقيا، أظهرت دراسة أن الحرب الأهلية في السودان أودت بحياة 1.3 مليون شخص منذ عام 1983، مما تسبب في تدمير الأنشطة الإنتاجية وممتلكات السكان المدنيين. وكان لذلك عواقب وخيمة بعيدة المدى، لا سيما انخفاض إنتاجية البلاد وانتشار الأمراض والجوع بين السكان. وبالتالي، فإن آثار النزاعات المسلحة عديدة ومتعددة الأوجه. وبالتالي، تؤدي الحروب إلى تضرر السكان القادرين والمنتجين، مما يحولهم إلى سكان عالة، بالإضافة إلى زيادة عدد اللاجئين والنازحين وانتهاكات حقوق الإنسان. وفي ظل هذه الظروف، يتأثر مستوى إنتاجية البلد بشكل كبير، وتستغرق عملية التعافي وقتاً أطول بكثير[27]. أدت تجربة السودان وجنوب السودان، وتسلل الإرهاب إلى بعض الدول الإفريقية، إلى زيادة أعداد القتلى في إفريقيا. وتتمثل العناصر الرئيسية لهذه المأساة في ملايين المشردين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم، وتزايد عدد الضحايا المدنيين المباشرين، وارتفاع مستويات العنف والإيذاء والتشويه التي يعاني منها غير المقاتلين[28]. لا شك أن النزاعات مدمرة لأي بلد، بتكاليف قابلة للقياس وغير قابلة للقياس. وبالتالي، قد تجد البلدان صعوبة في استدامة النمو الاقتصادي والتنمية بسبب غياب البيئة المواتية. في إفريقيا، كان استمرار النزاعات المسلحة أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تخلف المنطقة. ونتيجة لذلك، تجسدت آثار الأزمات في كوارث وأحداث أخرى تهُدد بقاء المجتمع، ودمار قد يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية ومادية وبيئية واسعة النطاق تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تداركه.[29]
فبينما تكون العواقب المباشرة للنزاعات وخيمة، فإن العواقب غير المباشرة أسوأ بكثير. فالنزاعات ” تعكس مسار التنمية” لذا فإن التوصية السياسية الأولى والأكثر أساسية في هذه المقالة هي أن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ مخاطر النزاعات في الاعتبار. ولإنهاء الصراعات المسلحة في إفريقيا وفقاً ل أريمو Aremu 2010، يجب معالجة الاقتراحين التاليين بشكل شامل: القيادة الملتزمة والصادقة، والقضاء على الفقر.
تحتاج الدول الإفريقية إلى قادة ملتزمين ومخلصين، يقُدمون القدوة، ويكونون بمثابة حكام صالحين ومسؤولين ومتجاوبين مع جميع مكوناتها وشعوبها، بما يعُزز السلام والوئام داخل حدود بلدانهم. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:
– التوزيع المتساوي للموارد؛ يجب على القادة الأفارقة ضمان توزيع عادل للموارد بين مختلف المناطق الجيوسياسية في بلدانهم. ولا ينبغي تهميش أي مجموعة لكسب دعم وتعاون الجميع.
– تعزيز سيادة القانون؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً السعي لتعزيز سيادة القانون. وهذا يشمل تكافؤ فرص الوصول إلى العدالة لجميع المواطنين بغض النظر عن وضعهم، واحترام قرارات المحاكم من قبِل الحكومة وأصحاب النفوذ، وإجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة. فعندما يعزز القادة سيادة القانون، يضُمن التعايش السلمي بين الناس والانتقال السلمي للسلطة من حكومة إلى أخرى. وبالتالي، يمُكن القضاء بسهولة على النزاعات المتعلقة بالخلافة، المتفشية في إفريقيا.
– حماية حقوق الإنسان الأساسية؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً تعزيز وحماية وضمان حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيهم. وعلى وجه الخصوص، ضمان الحقوق الأساسية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والدين.
دون جدال يذُكر، يمُكن القول بجرأة إن الفقر هو أصل كل الشرور في إفريقيا. فالفقير الذي تعرض للإذلال الاقتصادي والصدمة المالية، قد لا يكون في كامل قواه العقلية. لذا، قد يكون من المناسب القول إن الجائع مجنون. فهو قادر على السرقة والقتل والتشويه والتدمير. كما أن الفقر يهُين الإنسان ويؤثر سلباً على نفسيته. لذا، فإن القضاء على وحش الفقر، أو في أسوأ الأحوال الحد منه، من أهم أدوات تحقيق السلام والاستقرار في إفريقيا التي تعُاني من الحروب والصراعات. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:
– المساواة في الوصول إلى التعليم النوعي؛ ينبغي على الحكومات في إفريقيا أن توفر لمواطنيها فرصاً متساوية للحصول على تعليم نوعي. وقد تجلى بوضوح في الأهداف الإنمائية للألفية أهمية التعليم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأي دولة. ولا شك أن التعليم ركيزة أساسية للتنمية البشرية والمجتمعية.
– أيضاً توفير فرص عمل مربحة للشباب؛ ينبغي على الحكومات الإفريقية السعي جاهدة لتوفير فرص عمل مجزية لجميع مواطنيها، وخاصة الشباب. وينبغي إنشاء صناعات ومصانع لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجي المعاهد العليا في الدول الإفريقية. كما ينبغي على الحكومات تشجيع الزراعة من خلال الزراعة الآلية، وتوفير الأدوات والتقنيات الزراعية الحديثة للمزارعين بأسعار مناسبة. فإلى جانب القضاء على مشكلة الجوع، سيعزز هذا بلا شك التمكين الاقتصادي للشباب ويقضي على البطالة.
– الأجر المناسب لموظفي الخدمة المدنية؛ ينبغي أن يحصل موظفو الحكومة على أجور مناسبة، وأن تبُنى ترقياتهم على الكفاءة والأداء. ينبغي أن تكفي رواتبهم لإعالة أسرهم. وهذا سيسُهم بشكل كبير في الحد من حالات اختلاس المال العام واستغلاله[30].
ختاماً، يتضح مما تقدم أن النزاعات المسلحة في إفريقيا لا تُعد مجرد أحداث عابرة في تاريخ القارة، بل هي ظاهرة بنيوية ذات امتدادات عميقة تمس مختلف مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فقد ساهمت هذه النزاعات في تقويض الأسس الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال استنزاف الموارد الطبيعية والبشرية، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل المشاريع الاستثمارية، وإضعاف قدرة الدول على رسم وتنفيذ استراتيجيات تنموية طويلة الأمد. كما أدت إلى تفاقم أزمات إنسانية متكررة، تجسدت في موجات نزوح ولجوء ضخمة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانتشار الأوبئة وسوء التغذية، الأمر الذي جعل القارة في وضع هش لا يساعدها على بلوغ أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
وإذا كان العنف المسلح أحد أبرز معوقات التنمية، فإن استدامة التنمية بدورها تمثل شرطاً ضرورياً لإخماد النزاعات المسلحة. فالتجارب التاريخية تكشف أن غياب العدالة الاجتماعية، وتهميش بعض الفئات، وضعف الحكم الرشيد، يفتح المجال أمام عودة دوامة العنف، وهو ما يجعل التنمية والسلم وجهين لعملة واحدة. ومن هنا، يفرض الواقع الإفريقي الحاجة إلى تبني مقاربة شاملة تربط بين فض النزاعات وبناء السلام من جهة، وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، في إطار يعزز المشاركة المجتمعية، ويعتمد على العدالة في توزيع الموارد، ويقوي مؤسسات الدولة الوطنية.
كما أن الدور الإقليمي والدولي لا يقل أهمية عن الجهود المحلية، إذ ينبغي للاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع المنظمات الدولية، أن يعمل على دعم مبادرات السلام، وتوفير التمويل الكافي لإعادة الإعمار، وتعزيز سياسات التنمية المندمجة التي تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية لكل دولة. إن مستقبل إفريقيا مرهون بقدرتها على كسر الحلقة المفرغة بين النزاع والتخلف، وصياغة نموذج تنموي إفريقي أصيل قائم على الاستقرار، العدالة، والاستدامة. وبذلك فقط يمكن تحويل القارة من مسرحٍ للصراعات المتكررة إلى فضاءٍ واعد للسلام والتنمية، يفتح آفاقاً متعددة للأجيال القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – Peter, Sesan A. (2025). Linking Armed Conflict, Peace and Development in Africa: The Changing Character. P. 425, 426. https://www.researchgate.net/publication/388958879
[2] – Ibid. P. 427, 428.
[3] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). Armed conflicts in Sub-Sahara Africa: Impacts on United Nations Sustainable Development Goals. Nnamdi Azikiwe Journal of Political Science (NAJOPS). Vol. 9(3). P. 15.
[4] – Ibid. P. 14.
[5] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[6] – Ibid.
[7] – Gilpin, Raymond. (2019). Understanding the Nature and Origins of Violent Conflict in Africa. P. 23. https://africacenter.org/wp-content/uploads/2019/05/Understanding-the-nature-and-origins-of-violent-
[8] – Ibid. P. 24.
[9] – Gilpin, Raymond. (2019). P. 27.
[10] – Ibid.
[11] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.
[12] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). ARMED CONFLICTS AND ECONOMIC GROWTH IN AFRICA. P. 2, 3. https://aercafrica.org/wp-content/uploads/2020/11/B10-Oyinlola-Adeniyi-and-
[13] – Ibid. P. 13.
[14] – Ibid.
[15] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[16] – Ibid P. 432.
[17] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 6.
[18] – Ibid. P. 7.
[19] – Vesco, Paola & Baliki, Ghassan and other. (2025). The impacts of armed conflict on human development: A review of the literature. World Development journal homepage: p. 11. www.elsevier.com/locate/worlddev
[20] – Ibid. p. 10.
[21] – Ibid. p. 3.
[22] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 20.
[23]– Ibid. P. 19.
[24] – GATES, SCOTT & STRAND, HAVARD. (2012). Development Consequences of Armed Conflict. World Development Vol. 40, No. 9, pp. 1713–1722. P. 1716. http://dx.doi.org/10.1016/j.worlddev.2012.04.031
[25] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.
[26] – Ibid. P. 16.
[27] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 12.
[28] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.
[29] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 11.
[30] – Peter, Sesan A. (2025). P. 435, 436.
ظهرت المقالة النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ينطلق عرضنا لموجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من الكاميرون حيث فاز الرئيس بول بيا بفترة الولاية الثامنة في منصبه، بعد الإعلان الرسمي للنتائج من قبل المجلس الدستوري الكاميروني. وقد أعلن هذا المجلس فوز الرئيس الحالي البالغ من العمر 92 عاماً في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 أكتوبر بنسبة 53.66% من الأصوات، متغلباً على منافسه […]
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/11/01) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ينطلق عرضنا لموجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من الكاميرون حيث فاز الرئيس بول بيا بفترة الولاية الثامنة في منصبه، بعد الإعلان الرسمي للنتائج من قبل المجلس الدستوري الكاميروني. وقد أعلن هذا المجلس فوز الرئيس الحالي البالغ من العمر 92 عاماً في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 أكتوبر بنسبة 53.66% من الأصوات، متغلباً على منافسه الرئيسي، حليفه السابق عيسى تشيروما باكاري، الذي حصل على 35.19% من الأصوات. ويمدد هذا الفوز حكم بيا الذي دام أربعة عقود، لكنه أثار على الفور اضطرابات وتوترات جديدة في جميع أنحاء البلاد. وزعمت جماعات المعارضة والمجتمع المدني حدوث مخالفات خطيرة، مطالبة بإلغاء الانتخابات. وظهرت تقارير عن احتجاجات واشتباكات مع قوات الأمن في مدن مثل دوالا حتى قبل إعلان النتائج النهائية.
أجرت ساحل العاج انتخاباتها الرئاسية في هذا الأسبوع، حيث تم فرز الأصوات إلى الآن لصالح الرئيس الحالي الحسن واتارا، البالغ من العمر 83 عاما، والذي يسعى للحصول على ولاية رابعة في منصبه. سارت الانتخابات على الرغم من الخلاف الكبير من المعارضة، بسبب استبعاد العديد من المنافسين الرئيسيين ومنعهم من المنافسة، منهم الرئيس السابق لوران غباغبو ورجل الأعمال تيدجان ثيام، بأمر من قبل المفوضية الانتخابية. وعلى الرغم من إعلان اللجنة الانتخابية المستقلة عن نسبة إقبال أولية بلغت 50%، أشار المراسلون على الأرض إلى انخفاض نسبة الإقبال في العديد من مراكز الاقتراع في العاصمة أبيدجان. وذكرت بعثات المراقبين الدوليين، بما فيها بعثة الإيكواس وبعثة الاتحاد الأفريقي، أن الانتخابات جرت في “جو هادئ وسلمي”.
اندلعت احتجاجات واسعة النطاق وأعمال عنف في تنزانيا في أعقاب الانتخابات العامة يوم الأربعاء، بسبب ما أدانته المعارضة بشدة باعتباره “خنقاً” للعملية الديمقراطية. وما زال الاضطراب يتفاقم منذ يوم الانتخابات، بسبب استبعاد شخصيات معارضة رئيسية من بطاقة الاقتراع الرئاسية، وهي خطوة يقول عنها المعارضون أنه تم أخذها لصالح الرئيسة الحالية سامية صولوحو حسن وحزبها الحاكم (CCM). ورداً على الفوضى المتزايدة، فرضت الحكومة حظراً للتجول ليلاً ونفذت إغلاقاً لخدمة الإنترنت.
في مدغشقر، شكّل قائد الدولة العسكري الجديد، العقيد مايكل راندريانيرينا، حكومة مدنية بتعيين مجلس وزراء مدني جديد، بعد تعيينه رجل الأعمال هيرنتسالاما راجاوناريفيلو رئيساً للوزراء. ويأتي تشكيل مجلس الوزراء كطريق التهدئة المباشرة للقلق الدولي بشأن استيلاء الجيش على السلطة بعد فرار الرئيس السابق أندري راجولينا من البلاد في أعقاب أسابيع من احتجاجات الشباب الحاشدة على خلفية النقص وسوء الإدارة. وتعتبر هذه الخطوة محاولة لإضفاء الشرعية على المرحلة الانتقالية وتهدئة المخاوف المحلية والدولية.
وفي السودان، سيطرت قوات الدعم السريع (RSF) شبه العسكرية على مقر قيادة الجيش في الفاشر بالسودان، حيث شنت هجوماً متعدد المحاور في هذا الأسبوع باقتحام مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية (SAF). وأعقب ذلك سريعاً الاستيلاء على مطار الفاشر، مما يمثل الانسحاب الكامل للقوات المسلحة السودانية من المدينة. وقد أسس قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو بالفعل حكومة موازية باسم “حكومة السلام والوحدة” لإدارة الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مما يعزز بشكل كبير من نفوذ المجموعة في أي محادثات سلام مستقبلية ويشير إلى نقطة تحول حاسمة في الصراع.
وفي غانا، أعلنت الحكومة عن سياسة جديدة تفرض استخدام لغات الأم المحلية كلغات إلزامية في جميع المدارس الابتدائية. وقد أعلن وزير التعليم هارونا إدريسو عن هذا القرار في 24 أكتوبر، مؤكداً أنه يجب الآن استخدام اللغات المحلية كوسيلة أساسية للتدريس في المدارس الأساسية. وتمثل هذه السياسة تحولاً كبيراً عن هيمنة اللغة الإنجليزية لعقود، وتهدف إلى تحسين النتائج الأكاديمية والحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية بشكل كبير. وتهدف الحكومة إلى تصحيح التفاوتات في الوصول والأداء التي تفاقمت بسبب الحاجز اللغوي في المدارس العامة، مكلفة هيئة التعليم الغانية (GES) بضمان تنفيذ التوجيه على مستوى البلاد.
وفي مالي، اتخذت الحكومة إجراءً جذرياً بإغلاق جميع المدارس والجامعات في جميع أنحاء البلاد حتى 9 نوفمبر بسبب أزمة وقود متفاقمة وحرجة. وقد جعل النقص الحاد في الوقود التنقل شبه مستحيل بالنسبة للموظفين والطلاب، مما أجبر الحكومة على تعليق جميع الأنشطة الأكاديمية، ومن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع إلى إعادة جدولة الاختبارات الرئيسية. وتعتبر الأزمة إلى حد كبير نتيجة للوضع الأمني المستمر، وتحديداً الهجمات المتكررة من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تقوم بحصار الواردات من خلال استهداف شاحنات الصهاريج التي تسافر من السنغال وساحل العاج المجاورتين بشكل متكرر. وقد أدت الهجمات إلى شل سلسلة التوريد، مما أدى إلى إغلاق العديد من محطات الوقود في باماكو والمدن الإقليمية.
وافقت الجمعية التشريعية الانتقالية في بوركينا فاسو بالإجماع على مشروع قانون يحل رسمياً المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI). وينص القانون الجديد، الذي تم إقراره يوم الثلاثاء، على نقل جميع صلاحيات ومسؤوليات تنظيم الانتخابات على الفور إلى وزارة الإدارة الإقليمية. وتعتبر هذه الخطوة إصلاحاً يهدف إلى “تعزيز التماسك المؤسسي مع ميثاق المرحلة الانتقالية” وترشيد هياكل الدولة. ويأتي هذا الحل بناءً على توصية من الحوار الوطني ويشكل جزءاً من الإصلاحات الانتخابية الأوسع التي تقوم بها المجلس العسكري.
ورد في هذا الأسبوع أنه تم رفع نيجيريا وجنوب أفريقيا رسمياً من “القائمة الرمادية” العالمية لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تتبع الدول الخاضعة للمراقبة المتزايدة بسبب أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأعلنت مجموعة العمل المالي عن القرار في اجتماعها العام الذي عقد في باريس في أكتوبر 2025. وأشيد بالدولتين لإحرازهما “تقدماً كبيراً” في تنفيذ خطط عمل شاملة لتعزيز أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويُنظر إلى هذا الخروج من القائمة على أنه “تصويت بالثقة” ومن المتوقع أن يقلل من التدقيق الدولي، ويخفض تكلفة المعاملات، ويجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي إلى كلا البلدين.
وفي جيبوتي صوّت البرلمان بالإجماع في هذا الأسبوع على إلغاء الحد الأقصى للسن الدستوري للمرشحين لمنصب الرئاسة، وهي خطوة حاسمة تسمح للرئيس الحالي إسماعيل عمر جيله بالسعي المحتمل لولاية سادسة في انتخابات 2026. وتم إلغاء القيد العمري، الذي كان يبلغ 75 عاماً، من قبل جميع النواب الـ 65 الحاضرين في الجمعية الوطنية في تصويت جرى هذا الأسبوع. ومن المتوقع أن يوافق الرئيس جيله، البالغ من العمر 77 عاماً والذي يتولى قيادة دولة القرن الأفريقي منذ أكثر من عقدين، على القرار، والذي سيتبعه تصويت برلماني ثانٍ في 2 نوفمبر أو استفتاء وطني.
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/11/01) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
مقدمة عامة حول الكتاب في ظل التحولات الرقمية العميقة التي يشهدها العالم المعاصر، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أكثر المفاهيم المحورية في صياغة المستقبل البشري، علميًا، واقتصاديًا، وسياسيًا. إلا أن التناول العالمي لهذه التقنية غالبًا ما يغلب عليه الطابع التقني البحت، وتركز الخطابات السائدة على الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية دون النظر الكافي إلى الأبعاد الأخلاقية والثقافية، […]
ظهرت المقالة قراءة في كتاب الذكاء الاصطناعي في إفريقيا ولأجلها: مقاربة إنسانية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
في ظل التحولات الرقمية العميقة التي يشهدها العالم المعاصر، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أكثر المفاهيم المحورية في صياغة المستقبل البشري، علميًا، واقتصاديًا، وسياسيًا. إلا أن التناول العالمي لهذه التقنية غالبًا ما يغلب عليه الطابع التقني البحت، وتركز الخطابات السائدة على الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية دون النظر الكافي إلى الأبعاد الأخلاقية والثقافية، وخاصة في السياقات غير الغربية. من هنا تبرز أهمية كتاب AI in and for Africa: A Humanistic Perspective، بوصفه محاولة جادة لتضيق الفجوة بين التقدم التقني من جهة، والقيم الإنسانية والسياقات الإفريقية المحلية من جهة أخرى.
يتخذ هذا الكتاب طابعًا نقديًا وإنسانيًا، ويتجاوز المقاربات التقنية التي هيمنت على أدبيات الذكاء الاصطناعي. حيث يسعى المؤلفون الثلاثة؛ وهم باحثون من خلفيات متعددة تشمل اللسانيات، الإعلام، والدراسات الثقافية، إلى مساءلة الذكاء الاصطناعي انطلاقًا من زاوية أخلاقية إنسانية تضع الإنسان الإفريقي في قلب المعادلة، لا على هامشها. فلا يكتفون بطرح الأسئلة حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في إفريقيا؟، بل يتوسعون إلى سؤال أكثر عمقًا: لمن يُخدم الذكاء الاصطناعي؟ وعلى أي قيم يقوم؟.
يتناول هذا الكتاب إشكالية الذكاء الاصطناعي في السياق الإفريقي من منظور إنساني، في محاولة لتجاوز المقاربات التقنية البحتة، وإبراز الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي داخل القارة الإفريقية. الكتاب يُعد من المساهمات المبكرة التي تضع الإنسان الإفريقي في صلب النقاش حول الذكاء الاصطناعي، مستعرضًا التحديات والفرص التي تتيحها التكنولوجيا، ولكن من منظور نقدي، أخلاقي، وتنموي.
في هذا الإطار، يطرح الكتاب أن إفريقيا ليست مجرد ساحة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الغربية، بل يجب أن تكون فاعلًا ومؤطرًا لمستقبل هذه التقنية بناءً على خصوصياتها التاريخية، الثقافية، والاجتماعية. يتأسس هذا الطرح على وعي نقدي بتاريخ الهيمنة التكنولوجية الغربية، حيث يتم استيراد النماذج التقنية الجاهزة، وتُفرض على مجتمعات لم تشارك في صياغتها. ومن هنا، يُوظف الكتاب مقاربة ما بعد استعمارية (Postcolonial) لفهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد إنتاج صور التبعية والهيمنة الرقمية، ما لم يتم تفكيك البُنى الخطابية والمؤسساتية التي تتحكم في تصميمه وتطبيقه.
مع الإقرار بأهمية دراسة كيفية تفاعل جسم الإنسان مع التقنيات الممُكنّة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن تركيز هذا الكتاب ينصب على الرقمنة من منظور اجتماعي تقني، أي على كيفية تقاطع استخدام التكنولوجيا الرقمية، كالذكاء الاصطناعي، مع قضايا كالسلطة والمساواة والجنس، وغيرها. ولذلك، لا يتضمن الكتاب نقاشات حول المادية الاجتماعية، أو كيف “تتشكلّ وتعُاد تشكيل مجموعات من الجسد البشري والجهات الفاعلة غير البشرية باستمرار.
يتبنى الكتاب منهجًا متعدد التخصصات يجمع بين التحليل الفلسفي الإنساني، الدراسات الثقافية والنقدية، التحليل السوسيولوجي والتقني والاعتماد على دراسات حالة أفريقية توظف نظريات ما بعد الاستعمار في فهم العلاقة بين إفريقيا والتكنولوجيا الغربية هذه المقاربة تجعل الكتاب متفردًا عن الدراسات التقنية التقليدية للذكاء الاصطناعي.
يتكون الكتاب من مقدمة ومجموعة فصول مترابطة تتناول موضوعات مثل التحيز الخوارزمي، العدالة الرقمية، فجوة البنية التحتية، استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والزراعة والأمن، إضافة إلى دراسة الخطابات التي تصوغ صورة إفريقيا كـ “تلميذ رقمي” يحتاج إلى الإنقاذ. وتتمثل أهمية هذه الفصول في أنها تتعامل مع الذكاء الاصطناعي لا كمنتج تقني فقط، بل كخطاب اجتماعي وأخلاقي وسياسي يُشكّل الواقع ويعيد إنتاج موازين القوى.
نظرا للتفاوتات الكبيرة في أفريقيا فيما يتعلق بالجنس والعرق والعمل والسلطة، يجُادل الكتاب بأن القارة تحتاج إلى حلول ذكاء اصطناعي مختلفة لمشاكلها، حلول لا تقوم على الحتمية التكنولوجية أو تقتصر على تبني رؤى عالمية أوروبية أو غربية. ويتبنى الكتاب نهجا مناهضا للاستعمار في استكشاف ومعالجة قضايا مثل أزمة التنوع في الذكاء الاصطناعي، وغياب السياسات الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والمصُممة خصيصا لأفريقيا، والفجوة الرقمية الآخذة في الاتساع، والممارسة المستمرة لتجاهل أنظمة المعرفة الأفريقية في سياقات البحث والتعليم في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الكتاب يقترح عددا من الاستراتيجيات الإنسانية بهدف ضمان عدم استيلاء أفريقيا على الذكاء الاصطناعي بطريقة منحازة لقلة متميزة، إلا أنه لا يدعم فكرة أن تختار القارة ببساطة حلا واحدا يناسب الجميع.
وفي ضوء التنوع الغني لأفريقيا، يتبنى الكتاب ضرورة التعددية داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف المناطق. يدعو الكتاب إلى أن تتضمن سياسات الذكاء الاصطناعي الشاملة لأفريقيا أخلاقيات رعاية قائمة على العلاقات، تتناول بوضوح كيفية تداخل المشهد الأفريقي الفريد مع منظومة الذكاء الاصطناعي. كما يسعى الكتاب إلى توفير مبادئ ذكاء اصطناعي عملية يمكن دمجها في وثائق سياسات تلبي احتياجات أفريقيا.
يتساءل الكتاب عن دور الذكاء الاصطناعي في إفريقيا من منظور إنساني (اجتماعي تقني). ويهدف على وجه التحديد إلى استكشاف التقارب المعقد لهذه التكنولوجيا مع الحقائق الاجتماعية والاقتصادية لأفريقيا، مع الاعتراف بأن كيفية تطور الثورة الصناعية الرابعة في القارة لا تعكس ببساطة كيفية تطورها في المناطق المتقدمة من العالم. وبالنظر إلى ديناميكيات الجنس والعرق والعمل والقوة المعقدة في القارة، من بين أمور أخرى، فإن الموقف المتخذ هو أن ما نحتاجه هو حلول أفريقية لهذه القوى الديناميكية التي ليست مجرد مركزية أوروبية أو حتمية من الناحية التكنولوجية. ودون رفض أنظمة المعرفة الغربية تماماً، يتم توجيه دعوة إلى اتباع نهج مناهض للاستعمار في تصميم ونشر الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من أن انتشار الذكاء الاصطناعي في القارة ليس واسع الانتشار بعد، إلا أن الكتاب يشُدد على أن الذكاء الاصطناعي محدود النطاق ليس خالياً من المخاطر، وأن البشر هم من يطورونه ويطبقونه بطرق قد لا تكون بالضرورة مفيدة للجميع.
يطرح هذا الفصل أهمية معالجة الذكاء الاصطناعي من منظور إنساني، وليس فقط تقنيًا. ينتقد الخطابات التي تقدّم الذكاء الاصطناعي كحل سحري دون مراعاة للسياقات الإفريقية المعقدة. يدعو إلى مقاربة قائمة على الكرامة، العدالة، والتمكين المحلي.
على الرغم من أن المنظور الإنساني للذكاء الاصطناعي قد يبدو مزُعجاً لشركات التكنولوجيا حيث يعتبر البعض الإنسانية شعاراً فارغاً من المعنى. إلا أن هذا المنظور يأخذ في الاعتبار أن الأبعاد الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والبيئية أساسية لتطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي، دعا عدد من الباحثين في السنوات الأخيرة، ضمنياً أو صراحة، إلى منظور إنساني للتقنيات الحديثة في أفريقيا، ويمثلون مجموعة متنوعة من التخصصات، مثل القانون وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والطب والفلسفة. منذ البداية، ولتجنب أي لبس يعُرفّ جزئياً النهج الإنساني للذكاء الاصطناعي بأنه نهج لا يقتصر على استنطاق القيم والمبادئ الأخلاقية التي ينبغي أن يقوم عليها تصميم الذكاء الاصطناعي وتطبيقه، بل يضمن أيضاً كرامة ورفاهية البشر والبشرية. بالإضافة إلى ذلك، أفترض أن هذا النموذج يجب أن يقُيمّ باستمرار تأثير الذكاء الاصطناعي على البيئة الطبيعية، بما في ذلك الحيوانات.
بما أن جميع جوانب الذكاء الاصطناعي التي يتناولها هذا الكتاب تدُرس من منظور إنساني، فمن البديهي أن يبدأ الفصل بمناقشة الإنسانية التي اشتقُت منها الصفة. ويوُلي الكتاب اهتماماً لتفكيك المصطلح في سياق الفلسفة الأفريقية أوبونتو، والتي لها جذورها في الإنسانية الأفريقية ومبادئها الإنسانية. يبدو أنها تعُالج مخاوف أفريقيا بشأن الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي – إلى حد ما على الأقل.
الإنسانية والذكاء الاصطناعي؛ على الرغم من أن الباحثين يشيرون إلى نوع من الإنسانية العالمية التي تعترف بمختلف الأعراق والثقافات والتقاليد إلا أنها لا تزال نهجاً يميل لصالح الخطابات الأوروبية أو الغربية. يتجلى هذا الانحراف بشكل خاص في مجال الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بكيفية تدُرك المعرفة: تهُمشّ الأنظمة الغربية أنظمة المعرفة الأفريقية بانتظام، وهو اتجاه واضح في دمج التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في أنظمة الرعاية الصحية الأفريقية. وفي محاولة لمواجهة المخاوف الكبيرة بشأن كون الذكاء الاصطناعي متمركزاً حول الغرب في تصميمه وتنفيذه، فإننا ننظر إلى بعض مبادئ أوبونتو التي تناسب جزئياً على الأقل معالجة بعض هذه المخاوف.
أوبونتو والذكاء الاصطناعي؛ أوبونتو يقر بأن التنوع البشري فيما يتعلق بالقيم والعادات واللغة، على سبيل المثال، يجب احترامه، فهو فلسفة تعترف أيضاً بالتعددية، والتي لا يمكن المبالغة في أهميتها داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي. تقُر الإنسانية الأفريقية بالفرد، لكنها تنفر من الفردانية ذات الطبيعة المتطرفة، وفي جنوب أفريقيا، تجد الإنسانية الأفريقية تعبيرها في أوبونتو، والذي يعني حرفياً “الإنسانية” ويمكن تعريفه بأنه “مفهوم متعدد الأبعاد يمثل قيمة جوهرية في الأنطولوجيات الأفريقية. لقد كان هناك في السنوات الأخيرة انتشار للدراسات التي تدعو إلى أوبونتو إن وجود مبادئ ينبغي دمجها في التكنولوجيا، إذ إنها فلسفة تدعو إلى احترام كرامة الإنسان في العلاقات التي تتم عبر التكنولوجيا. على الرغم من أن التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، قد أنتجت إمكانيات لا تحُصى لتحقيق الصالح الاجتماعي، إلا أنها تهُدد أيضاً بزعزعة استقرار الروابط الاجتماعية. في الإطار الأخلاقي وحقوق الإنسان، من الضروري أن تحافظ أنظمة الذكاء الاصطناعي على التضامن من خلال التماسك الاجتماعي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان ومواجهتها، وكذلك للتأثير على التغيير الاجتماعي.
ما بعد الاستعمار وعدسات ما بعد الاستعمار؛ لا يمكن فصل مناقشة الذكاء الاصطناعي في القارة الأفريقية عن دراسة كيفية ترسيخ اختلالات القوة وعدم المساواة المرتبطة بهذه التكنولوجيا في الاستغلال الاستعماري. لذلك أن النظر إلى الذكاء الاصطناعي من منظور منُاهض للاستعمار أمر بالغ الأهمية.
على الرغم من الفوائد العديدة التي يحملها الذكاء الاصطناعي للمجتمع، إلا أن تصميمه ونشره يظُهر ان مشاكل تتعلق بالتنوع، لا تقتصر على تآكل القدرة البشرية على التصرف والهوية والخصوصية، على سبيل المثال لا الحصر، بل تهُدد أيضاً الظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة أصلاً للفئات المهمشة والضعيفة. في إطار اجتماعي تقني، ثمة حاجة ملُحة لفهم التداخلات المعُقدة لهذه المشاكل – لا سيما تلك المتعلقة بالعرق والجنس والسلطة والعمل عندما يتعلق الأمر بما وصف ب “مشكلة حوكمة الذكاء الاصطناعي المعُقدة.
تصوير الذكاء الاصطناعي على أنه أبيض؛ حتى البحث السطحي على الإنترنت عن كيفية تأطير الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام، وفي الثقافة الشعبية، وفي صناعة التكنولوجيا يكشف عن ميل لتصوير هذه التكنولوجيا على أنها بيضاء، ويؤكد ذلك عدد من الباحثين الذين تتراوح اهتماماتهم البحثية بين الأخلاق التطبيقية وعلوم الهندسة. وبالاستناد إلى العرق النقدي، في إطار نظرية “الذكاء”، التي تلُقي الضوء على العنصرية الخفية، ينُظرّ إلى أن تصنيف الذكاء الاصطناعي على أنه أبيض قد يعُزى جزئياً إلى الإطار العرقي الأبيض الذي ينُسب الذكاء والقوة والاحترافية إلى الثقافة البيضاء. وعلى الرغم من دحض الاعتقاد بأن العرق والذكاء مرتبطان، إلا أن العنصرية العلمية (علم العرق) لم تختف تماماً. ونظرا للمفهوم العنصري المستمر للتسلسل الهرمي للذكاء، فليس من المستغرب أن تتخلل تصوير الذكاء الاصطناعي باعتباره أبيض اللون صناعة الذكاء الاصطناعي: فالثقافة، البيضاء السائدة ببساطة لا تستطيع أن تتخيل آلة ذكية ليست آلة بيضاء.
المرأة في التكنولوجيا (الناشئة)؛ بالإضافة إلى إظهاره مشكلة عرقية، فإن الذكاء الاصطناعي، كغيره من التقنيات، له بعُد جندري، ينبغي النظر إليه من منظور “تعظيم الذكاء” خلال الحقبة الاستعمارية، لارتباطه بالنساء وإرث ما بعد الاستعمار الذي لا يزال، للأسف، يؤثر على تقدمهن في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي. وكما ذكُر سابقاً، كانت إحدى خرافات الحقبة الاستعمارية التي روج لها مستعمرو الدول الأفريقية هي أن الرجال البيض كانوا متفوقين عقلياً على الرجال السود، وأن هذه “الفكرة الجندرية عن التسلسل الهرمي للذكاء” امتدت إلى النساء أيضاً، حيث تم التعامل معهن كأطفال، ونفي قدراتهن الفكرية. في جميع أنحاء أفريقيا، فإن الفكرة النمطية القائلة بأن النساء لا يمكنهن النجاح في تخصصات العلوم والتكنولوجيا الهندسة والرياضيات (STEM) أو في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعني أن الاستبعاد (ICTs) الرقمي القائم على النوع الاجتماعي لا يزال متفشياً.
الاستغلال الخوارزمي؛ تعكس العقبات الموصوفة حتى الآن الطابع الاستعماري للعرق والجنس، إذ لا تزال آثار الاستعمار على السود رجالا ونساء مستمرة حتى اليوم. إذا كان الاستعمار يعُيد إنتاج هرميات العرق والجنس، فمن المتوقع أن يكُرر أيضاً الاستغلال الخوارزمي على عدة مستويات. مظهران من مظاهر الاستعمار في مجال الذكاء الاصطناعي حول القمع الخوارزمي والتحيز الخوارزمي، حيث يستلزم الأول منح امتياز لمجموعة من الناس على أخرى من خلال نشر الخوارزميات، بينما يستلزم الثاني مجموعات بيان اتغير تمثيلية تؤدي في النهاية إلى نتائج تمييزية. تنبع أمثلة عديدة على الروابط بين، القمع الخوارزمي والعنصرية الاستعمارية من الدراسات الأمريكية الشمالية، ولكن نشُرت العديد من الأمثلة مؤخراً في الأدبيات الأفريقية أيضاً.
في دراسة يسُتشهد بها على نطاق واسع بشكل متزايد بعنوان “الاستعمار الخوارزمي لأفريقيا”، تصف بيرهان Birhane كيف أعلن فيسبوك (ميتا) في عام 2016 أنه كان بصدد استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لرسم خريطة للكثافة السكانية في معظم أنحاء أفريقيا، والهدف هو تسهيل جهود الوكالات الإنسانية لتحديد مواقع الأسر وتوزيع المساعدات عليها. هل هذه المغامرة غير ضارة تماماً؟ تقول بيرهان أنه على الرغم من أنها ليست معارض للتكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في حد ذاتهما ترفضه هو قرار فيسبوك بتعيين نفسه كسلطة للسيطرة على القارة الأفريقية ورسم خريطته. ما يمثل مشكلة في احتكار التكنولوجيا من قبل شركات مثل فيسبوك وغيرها (مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون) هو أنها تقلل أو تمنع بشكل فعال محاولات الدول الأفريقية لتصميم ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. تحتاج أفريقيا إلى التحول عن كونها مجرد مستهلك للتكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتي تصنعها الغرب والشرق وإنتاج أدوات الذكاء الاصطناعي التي ستعالج التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفريدة للقارة.
إن الاستعمار في مجال الذكاء الاصطناعي واضح أيضاً من خلال الاختبار التجريبي، وهي ظاهرة تشمل الذكاء الاصطناعي في أفريقيا ومن أجلها اختبار أنظمة الذكاء الاصطناعي على الفئات الضعيفة والمهمشة لإثبات أو إبطال كفاءتها للمستخدمين في البلدان ذات الدخل المرتفع. وقد حدث مثال خبيث بشكل خاص لهذا النوع من الاختبارات عندما اختبرت كامبريدج أناليتيكا Analytica Cambridge خوارزمياتها على الانتخابات النيجيرية والكينية في عامي 2015، 2017 على التوالي، قبل استخدامها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الذكاء الاصطناعي الأخلاقي وصنع السياسات؛ هناك موقع مهم آخر للاستعمار يتعلق بالهيمنة المستمرة التي تمارسها الدول المتقدمة على السياسات التنظيمية التي تحكم الذكاء الاصطناعي: حتى البحث السريع عبر الإنترنت عن سياسات أو استراتيجيات الذكاء الاصطناعي يشير إلى أن معظمها قد نشأ في الشمال العالمي، مما أدى إلى استبعاد الدول النامية من إضافة أصواتها إلى ما يجب أن يشمله الذكاء الاصطناعي الأخلاقي. تشير مراجعة منهجية لإرشادات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي إلى أن دول الجنوب العالمي مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى قد تم استبعادها من النقاش، مما يترجم إلى رفض صريح لأنظمة وقيم المعرفة الأصلية.
نظرة إنسانية للحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي؛ يجب أن يكون واضحاً أن النظرة العامة المذكورة أعلاه لا تهدف بأي حال من الأحوال إلى إيصال فكرة اعتماد حل “واحد يناسب الجميع” لوضع سياسات تتعلق بالذكاء الاصطناعي الأخلاقي في أفريقيا. ففي نهاية المطاف، تعكس أفريقيا 54 دولة ذات سيادة تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع أجنداتها الاجتماعية والاقتصادية وثقافاتها الفريدة. ما نقترحه هو أن التفاوتات وعدم المساواة المزمنة في أفريقيا لا يمكن حلها بمجرد تبني سياسات أو استراتيجيات أوروبية غربية. هذه القضايا لا يمكن حلها بالحلول التكنولوجية وحدها: فالمخاطر المتُصورَّة للذكاء الاصطناعي على القارة تتطلب سياسات أخلاقية للذكاء الاصطناعي تبُرز البعد الإنساني أكثر بكثير من التركيز على العنصر التكنولوجي.
إذا أرادت القارة الأفريقية الاستفادة من الفرص الاجتماعية والاقتصادية التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فمن الضروري لها وضع سياسات فعاّلة حول هذه التقنية، تمنع ترسيخ الظلم التاريخي وعدم المساواة الهيكلية. ولتعزيز هذه السياسات، نقترح إنهاء استعمار الذكاء الاصطناعي، لا يرتبط بعقلية “نحن ضدهم” (أو “الغرب والشرق ضد البقية”)، بل بعقلية تفُضلّ الذكاء الاصطناعي المرُكزّ على الإنسان – “ذكاء اصطناعي عالمي حقيقي.
تضم أفريقيا 54 دولة ذات سيادة، ويبلغ عدد سكانها نحو 1.4 مليار نسمة، 3000 مجموعة أصلية، ونحو 2000 لغة، مما يجعلها أكثر تنوعاً من معظم القارات. ونظراً لهذا التنوع، سيكون من غير العملي اقتراح استراتيجية موحدة للذكاء الاصطناعي تعُالج مخاطره وفوائده للقارة. وحتى لو كانت أفريقيا قارة أكثر تجانساً، فإن فرض مجموعة موحدة من المبادئ الأخلاقية عليها سيقُلل من أهمية الآراء التعددية حول الذكاء الاصطناعي لصالح ما يسُمى بالمعرفة الموضوعية الشاملة عنه، والتي تتجاهل “الترابط والعلاقات المتشابكة المعقدة والمتغيرة”. على الصعيد العالمي، تشُير موجة المحاولات لصياغة مبادئ الذكاء الاصطناعي المجردة والقابلة للتعميم وفرضها على المجتمعات إلى قلة الاهتمام بالتشابكات المعقدة للذكاء الاصطناعي مع البيئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية والأخلاقية الفريدة للدول النامية.
المناقشات الأخلاقية حول الذكاء الاصطناعي؛ في الوقت الحاضر، تشُكل المفاهيم الغربية للنفعية والواجبات المنهجين المسُتخدمين بشكل شائع في النقاشات الدائرة حول الأخلاق والذكاء الاصطناعي، يطرح الفصل تميز بين أخلاق النفعية وأخلاق الفضيلة وملائمة أيا منهما للذكاء الاصطناعي. أن أخلاقيات الفضيلة لا ترُكز كثيراً على التكنولوجيا في حد ذاته كما هو الحال بالنسبة لسمات وتصرفات وخيارات مصمميها؛ فقد يرشد المطورين في”[صياغة] المناقشات الأخلاقية في سياق الظروف الاجتماعية المتغيرة (التي ربما أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي). في الممارسة العملية، وفي سياق الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فإن الأفراد الذين يستخدمون النفعية سينظرون إلى تصرفات الروبوت أو سلوكياته من حيث نتائج هذه التصرفات أو السلوكيات، بينما سيتجاهل أولئك الذين يستخدمون إطاراً أخلاقياً العواقب ويؤكدون بدلا من ذلك على نوايا الروبوت. سيكون اهتمام أخلاقيات الفضيلة منصباًّ أكثر على ما إذا كان مصممو الروبوت قد راعوا القيم الأخلاقية، مثل ضبط النفس والتعاطف، بدلاً من برمجته بالتفكير الأخلاقي. وإذا اتبُّع نهج أكثر تقنية، فسيتم التركيز، من منظور نفعي، على مبادئ مثل الاستقلالية والإحسان، بينما سيسُلطِّ منظور أخلاقي الضوء على “ما هو واجب، أو جائز، أو محظور. تظل النفعية إطاراً بارزاً يمكن من خلاله استجواب الأخلاق والذكاء الاصطناعي، نظراً لأن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها مثل المساءلة أو الخصوصية “يمكن تنفيذها بسهولة رياضياً” وبالتالي فهي موجهة نحو الحلول التقنية.
فيما يتعلق بمشكلة النوع الاجتماعي في الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالمرأة في عالم العمل(المستقبلي) وفي البيئات التعليمية، فإن النهج التكنوقراطي لتخفيف التفاوتات يتمثل في استثمار قدر كبير من الأموال في التقنيات والبنية التحتية التي تدعم الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تكمن المفارقة في أن الاستثمار التكنولوجي والبنية التحتية قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة الرقمية التي، تظُهر أكثر من بعُد أو مستوى. الفجوة الرقمية من المستوى الأول هي الأكثر شيوعاً بيننا جميعاً، وهي غياب التقنيات أو عدم المساواة في الوصول إليها. ومن المهم أن نشير إلى أن إرث الاستعمار هو أنه في حين استثمرت أفريقيا في التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، كان التقدم بطيئاً بشكل محبط.
يطرح الفصل أيضاً إشكالية اختراق البيانات الشخصية من خلال الذكاء الاصطناعي كما يطرح مناقشة تأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة البرية. ولضمان مراعاة الاعتبارات البيئية في تصميم وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، لابد من وضع مبادئ حول أخلاقيات الرعاية التي لم تعُر اهتماماً كافياً، ويرجع ذلك على الأرجح إلى، كونها نهجاً متأصلاً في “الأخلاقيات والمعارف المناهضة للاستعمار”. تعُد أخلاقيات الرعاية البيئية رداً مضاداً للتفكير القانوني والمجرد حول البيئة، وتشُدد على فكرة أن رعاية البشر ورعاية الطبيعة البيئة متلازمتان. بالنظر إلى الثروة الطبيعية الهائلة التي تزخر بها الدول الأفريقية والتهديدات التي يشكلها تطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقه على هذه الثروة، يمكن النظر في مفاهيم مختلفة لأخلاقيات الرعاية في سياق المبادئ التوجيهية الأخلاقية، مع وجود مفهوم شائع بشكل متزايد يدور حول المساعي البيئية المحلية.
الالتزامات النسوية والمشاركة تجاه الذكاء الاصطناعي؛ تقُر المبادئ الموضحة هنا بالعلاقات المشتركة المعقدة في إطار أخلاقيات الرعاية، مؤُيدة بذلك رؤية إنسانية للذكاء الاصطناعي تنُاقش وتعُالج الآثار المتعددة لهذه التقنية على البشر والبشرية والبيئة الطبيعية. تسُلطّ هذه المبادئ الضوء على ضرورة صياغة سياسات الذكاء الاصطناعي ليس من منظور المبالغة التكنولوجية، بل ضمن إطار يقُر بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي يجب أن تنبع من الإبداع المشُترك داخل مجتمعات محُددة.
بما أن الذكاء الاصطناعي جزء لا يتجزأ من المجتمع، فمن الأهمية بمكان ليس فقط مراعاة التصورات العامة لهذه التكنولوجيا، ولكن أيضاً استجواب الطرق المختلفة التي يتم بها تأطيرها وتنفيذها. وفيما يتعلق بهذا الأخير، فإن أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومة والصناعة والأعمال، لديهم ميل لوصف الذكاء الاصطناعي، وتطبيقه – حيثما كانت لديهم السلطة أو النفوذ – بطرق تميل إلى تمويه آثاره الأخلاقية والمعرفية.
إن إدراك الفجوة بين ما يعد به الذكاء الاصطناعي وما يحدث حالياً في القارة أمر بالغ الأهمية وتذكير بأنه على الرغم من أهميته، فإن توليد أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ليس حلا سحرياً لمختلف التحديات في القارة. إن معالجة تحديات الذكاء الاصطناعي في القارة جزئياً من خلال أخلاقيات رعاية قائمة على العلاقات، تقُر بأهمية صفات مثل المناصرة والشمولية والمشاركة والتعددية داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي. إن إبراز الذكاء الاصطناعي كظاهرة اجتماعية تقنية لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهله كمجال بحث علمي أو تقني.
في الفصل الثالث، تم الإشارة إلى أهمية أصحاب المصلحة في مجال الذكاء الاصطناعي. عند تحديد هؤلاء الفاعلين أو أصحاب المصلحة، أنه في حين أن أصحاب المصلحة الرئيسيين (أو الخبراء) مثل مطوري الذكاء الاصطناعي والشركات لهم “مساهمة مباشرة” في تصميم وتطبيق منتجاتهم، فإن أصحاب المصلحة الثانويين والثالثين لا يتمتعون بهذا الامتياز. يشمل أصحاب المصلحة الثانويون مجموعات المستهلكين وشركات الإعلان التي قد تتمتع بمستوى معين من المشاركة، بينما من المرجح أن الجهات الفاعلة من المستوى الثالث، والمكونة من عامة الناس، لا تشهد مشاركة مباشرة تذُكر في أنظمة الذكاء الاصطناعي. لجميع أصحاب المصلحة قيمة جوهرية، لكن تركيز هذا الفصل ينصب بشكل رئيسي على الجهات الفاعلة من المستوى الثالث، وخاصة الأفراد المهمشّين أو الضعفاء الأكثر عرضة للضرر من خلال تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً الجهات الفاعلة الثانوية، نظراً لأنها غالباً ما تظُهر معرفة سطحية بالذكاء الاصطناعي.
أن المجتمعات في جميع أنحاء العالم متناقضة إلى حد ما بشأن تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تدركه عموماً من حيث المخاطر بدلا من الفوائد، على الرغم من أنهم يلاحظون أيضاً بعض الاختلافات الرئيسية بين المناطق. على عكس البلدان الأخرى، يرى الأشخاص الذين يسكنون أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، على سبيل المثال، أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستجلب ضرراً أكثر من نفعها. فيما يتعلق بتصورات التهديدات المرتبطة باتخاذ القرارات الآلية، فإن سكان أفريقيا وشرق آسيا، على سبيل المثال، أقل قلقاً بشأن مخاطرها من سكان أوروبا أو أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أنهم لا يتطرقون صراحة إلى الرأي العام، إلا أنه وفقاً لمسح أجرته اليونسكو عام 2021 حول احتياجات بناء قدرات الذكاء الاصطناعي، فإن 21 دولة أفريقية فقط أعطت الأولوية للذكاء الاصطناعي في خططها على المستوى الوطني. من المؤكد أن الدول الأفريقية تسعى إلى استغلال التقنيات الناشئة، وتسعى جاهدة لتجاوز الانتهاكات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية.
في الواقع، تزدهر ريادة الأعمال الرقمية في القارة كنتيجة مباشرة للثورة الصناعية الرابعة، وحالات النجاح كثيرة. في هذا الصدد، وباستخدام نهج دراسة الحالة متعددة المواقع، تقدم دراسة العديد من الأمثلة على الطفرة التي تحدث حالياً، بدرجات متفاوتة، في 11 مدينة في جميع أنحاء أفريقيا الناطقة بالإنجليزية والفرنسية والبرتغالية. هذه المدن هي أبيدجان وأكرا وأديس أبابا وداكار وجوهانسبرغ/ بريتوريا وكمبالا وكيغالي ولاغوس ومابوتو ونيروبي وياوندي. ومع ذلك، تشير الدراسة أيضاً إلى أن المشاريع الريادية في جميع أنحاء القارة لا تترجم بالضرورة إلى التحرر من الإرث الاجتماعي والاقتصادي لأفريقيا. يعود ذلك جزئياً إلى أن جزءاً كبيراً من البنية التحتية الرقمية يقع في أيدي شركات غير أفريقية.
في حين أن هذه المساعي الرقمية مفيدة للمجتمع بشكل واضح، إلا أن لها جانباً مظلماً في إفريقيا. وفي هذا الصدد، فإن أحد أكثر أشكال التكنولوجيا غدراً هي التقنيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي يتم الاستيلاء عليها ببطء ولكن بثبات من قبل الديكتاتوريات الرقمية، والتي تصف الحكومات بتتبع حريات مواطنيها والتحكم فيها وتقويضها. في موجز سياسة حول الاستبداد الرقمي، هناك إشارة إلى أن التكنولوجيا التي تصنعها شركة ZTE الصينية (معدات الاتصالات Zhongxing) تسُتخدم في إثيوبيا لمراقبة كل من الصحفيين والمعارضة، بينما في دول جنوب إفريقيا مثل أنغولا وزيمبابوي، تسُتخدم التكنولوجيا الصينية مثل تلك التي تنتجها Cloud Walk لمراقبة المعارضين السياسيين على نطاق واسع. وفقاً لمسح عالمي أجُري عام ٢٠٢٠ حول التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، تلجأ ٨١ دولة على الأقل إلى نوع محدد من أنشطة التصيد الإلكتروني، يسُمى “الجنود السيبرانية”، ١٣ منها دول أفريقية تعُرفّ هذه القوات بأنها “جهات حكومية أو حزبية سياسية مكلفة بالتلاعب بالرأي العام عبر الإنترنت”، وتعمل عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي حاضر في كل مكان، فهو مدُمج في الهواتف الذكية، وروبوتات الدردشة، والمساعدين الصوتيين، وأنظمة تحديد المواقع العالمية، وفلترة البريد الإلكتروني العشوائي، وما إلى ذلك. ومع ذلك، لم يجُر سوى عدد قليل من الباحثين في أفريقيا دراسة معُمقّة لكيفية تأثير وسائل الإعلام على تصورات المجتمعات للذكاء الاصطناعي. بالطبع، ليست وسائل الإعلام وحدها هي التي قد تقصف عامة الناس برسائل مفادها أن الذكاء الاصطناعي غامض أو غير قابل للتفسير، مما يخلق انطباعاً بأنه لا يمكن تنظيمه من حيث التصميم أو التطبيق وأننا نواجه مصيراً لا مفر منه. بإيجاز المعضلة التي يواجهها الجمهور عند التفكير في الذكاء الاصطناعي عندما يدعي أن ” الأصوات الخائفة تطغى الآن على الأصوات المتفائلة”. في هذا الصدد، تشمل “الأصوات الخائفة” خبراء الصناعة والعلماء. أن التصورات العامة للمخاطر المحيطة بالذكاء الاصطناعي تتشكل إلى حد كبير من قبل الخبراء الذين يؤطرون هذه التكنولوجيا من حيث التهديدات الوجودية.
إن إزالة الغموض عن الذكاء الاصطناعي من خلال تحويل الانتباه عنه باعتباره تهديداً وجودياً إلى ما يمكن أن يفعله للدول النامية أمر أساسي وهو ما يسمى “تمريناً” في ” الفلسفة، وليس علم المستقبل. في تقييم لإمكانيات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، لاحظ أن إدراك فوائد الذكاء الاصطناعي العديدة عملية معقدة تعتمد إلى حد كبير على الثقة والابتكار في هذا المجال، والذي يتطلب جزئياً توفر بنية تحتية مادية كالكهرباء والاتصال بالإنترنت. ومن المهم بنفس القدر أن الابتكار يعتمد أيضاً على تبني المجتمعات لهذه التكنولوجيا ونشرها بشكل مفيد، بما يراعي المعايير والتوقعات الاجتماعية المحلية، بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والثقافية.
برز مفهوم “المواطنة الرقمية” في تسعينيات القرن الماضي في سياق التعليم، وقد عرُفّ على أنه يشمل كلا من الوصول إلى التكنولوجيا والقدرة على استخدامها بكفاءة. هناك بعض العوامل والديناميكيات الهيكلية التي تقُوضّ المواطنة الرقمية في أفريقيا، كعدم المساواة بين الجنسين، والتوترات النيوليبرالية المستمرة، والأبعاد المعقدة للفجوة الرقمية، ووجود ديكتاتوريات رقمية، وتهميش أنظمة المعرفة المحلية. إن الإقرار بهذه العوامل والديناميكيات ومعالجتها يتُيح اتباع نهج يقاوم فكرة أن المواطنة الرقمية ثابتة وموحدة. قد تكون المواطنة الرقمية مفهوماً هشاً في القارة، نظراً لتحدياتها العديدة. ومن أهم العوائق التي تعترض تعزيز المشاركة في المواطنة الرقمية في العديد من الدول الأفريقية قمعها المستمر من قبِل الأنظمة الاستبدادية.
المواطنة الرقمية متعددة الأوجه، وأنه لا يمكن النظر إليها في فراغ، بمعزل عن السياقات الاجتماعية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لأي منطقة معُينة. يتقاطع مع البعد المعرفي مكون المهارات الاجتماعية والعاطفية أو الإنسانية المعقدة، والذي يؤكد، على قدرة الأفراد على فهم وتطبيق “القواعد” المرتبطة بالتنقل في الفضاء الإلكتروني بشكل مناسب. المكونات الرئيسية لهذا البعد في عصر الذكاء الاصطناعي؛ ” الوعي الذاتي، الإدراك الأساسي، الإدراك عالي المستوى، القدرة على التواصل، الوعي الاجتماعي، الإدارة الذاتية، المهارات المهنية، والسمات الشخصية”. لا شك أن هذه المهارات الشخصية لا يمكن الاستهانة بها في عصر الثورة الصناعية الرابعة: “مع ظهور التقنيات الناشئة، كالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والأتمتة، ودخولها إلى سوق العمل، سيتطلب مستقبل التوظيف مهارات شخصية لا يمكن للآلات أن تحل محلها”، بل يمكن وصف المهارات الشخصية بأنها “المهارات الصلبة الجديدة” اللازمة لإدارة حالة عدم اليقين والاضطراب التي يحُدثها الذكاء الاصطناعي حالياً في التعليم والبحث العلمي وسوق العمل. أي بالإضافة إلى التوجه للرقمنة ينبغي وجود مهارات شخصية لمستخدمي أدوات الذكاء الاصطناعي
يرى المؤلفين أنه في حين يشُكلِّ التعليم والبحث الرقمي حلولا رئيسية لتعزيز الثقافة الرقمية والمواطنة الرقمية في أفريقيا، فإن طريقة صياغة هذه الأخيرة (ولا تزال) نظرية نخبوية، بمعنى أنها تميل إلى أن تبُنى على أسس هيمنية، وتشمل أساساً مواطني الشمال العالمي الذين يغلب عليهم البيض والذكور والأثرياء والمتعلمون تعليماً جيداً. وبالتركيز على التعليم العالي والبحث العلمي في أفريقيا في سياق التقنيات الثورية كالذكاء الاصطناعي والروبوتات، هناك أبحاث تشير إلى استمرار انعدام شرعية أنظمة المعرفة الأفريقية نتيجة لإرث استعماري غارق في النماذج والتقاليد الغربية. ومن خلال تبني منظور ما بعد الاستعمار الذي يعترف بالتاريخ الاستعماري والنضالات المناهضة للاستعمار في العديد من الدول الأفريقية، فإن المؤلفون يدعون إلى تطوير شديد الأهمية للمواطنون الرقميون من خلال المناهج المعادية للاستعمار في المجتمعات والمجتمعات، وفي البحث، وفي التعليم الرسمي/غير الرسمي على جميع المستويات التي تشجيع البحث النقدي في كيفية تقاطع الذكاء الاصطناعي مع الحقائق.
يناقش هذا الفصل تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمي، مع التركيز تحديداً على أفريقيا. ويتناول تأثير الذكاء الاصطناعي على العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة والماهرة، بالإضافة إلى الرؤى المتفائلة والمتشائمة حول إمكانات الذكاء الاصطناعي التدميرية والتحويلية. بناء على ذلك، يتناول الفصل المبادئ التي ينبغي وضعها عند السعي إلى تهيئة ظروف عمل عادلة في القارة، قبل أن يختتم بدراسة نوع التعليم الذي يمكن أن يخفف من آثار الذكاء الاصطناعي التدميرية. يعطي المؤلفون أمثلة على المهن التي استفادة من الذكاء الاصطناعي ونظرتهم المتفائلة تجاهه على سبيل المثال:
الترجمة والتي كانت في الماضي مهنة متخصصة تتطلب معرفة شاملة باللغتين المصدر والهدف، لكن التعلم الآلي جعل الترجمة، على سبيل المثال، عبر جوجل ترانسليت، في متناول الجميع. على الرغم من الجهود الأخيرة المبذولة لتحسين دقة جوجل ترانسليت للغات قليلة الموارد ومع ذلك، هناك إشارة إلى أن المترجمين سيتكيفون مع الذكاء الاصطناعي. أيضاً في مهنة المحاماة، يسُتبدل المحامون والكتبة جزئياً ببرمجيات تحُدد الوثائق ذات الصلة بقضية المحكمة، يسُتخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في مكاتب المحاماة في أفريقيا، لا سيما في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وأوغندا. ومع ذلك، يرى لعض الباحثين أن الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يفُيد مهنة المحاماة من خلال تحرير المحامين من المهام الروتينية مثل مراجعة الوثائق، مما سيمُكنّهم بدوره من التركيز على واجباتهم الأساسية، ألا وهي تقديم المشورة للعملاء.
وعلى النقيض من الاتجاه السابق هناك اتجاه يشعر بالتشاؤم لتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل على سبيل المثال؛ لا يتوقع فورد Ford أن يكون غالبية الناس قادرين على التكيف مع الاضطرابات التي أحدثتها الذكاء الاصطناعي في أسواق العمل. يسُلطّ نوديه Naudé الضوء أيضاً على أن التقدم التكنولوجي يمُكن أن يوُسعّ الفجوة بين الدول المتقدمة والناشئة، وأن سوق العمل في هذه الدول سيتأثر بشكل خاص بالرقمنة. أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على ترسيخ أنماط الامتياز والحرمان على أسس عرقية، وتفاقم عدم المساواة في توزيع الموارد بين أفريقيا وأوروبا.
لكن من وجهة نظر المؤلفين، سيسُتخدم الذكاء الاصطناعي في معظم حالات سوق العمل كأداة لإنجاز المهام في المهن بكفاءة أكبر، بينما لن تتأقلم المهن ككل. ووفقاً لهذا السيناريو، سيستخدم العمال الذكاء الاصطناعي لأداء وظائفهم بفعالية وكفاءة أكبر، وسيحتاجون أيضاً إلى التكيف مع الظروف المتغيرة.
وفيما يتعلق بتعزيز المعرفة والمهارات في تصميم ونشر الذكاء الاصطناعي المسؤول في أفريقيا، يوصي مؤلفين الكتاب، المعلمين بدمج دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مع الاهتمام بالشؤون الإنسانية والرفاهية والقيم أو الثقافة”. تجُسدّ هذه التوصية بوضوح الرؤية الاجتماعية التقنية التي يدعو إليها هذا الكتاب والتي تأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والتقنية للذكاء الاصطناعي، وبالتالي تعُالج ما يُشار إليه ب “خطر غموض الوظيفة التكنولوجية، والسياسات الخفية للأنظمة التكنولوجية”.
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث تحول إيجابي في أسواق العمل في أفريقيا، ولكنه قد يحُدث أيضاً خللاً سلبياً فيها. فبينما قد يتفاقم انخفاض مستويات التوظيف في أفريقيا بسبب الذكاء الاصطناعي، إلا أنه كلما ارتفعت مؤهلات الشخص، قل خطر تعرض وظيفته للخطر بسبب الأتمتة. علاوة على ذلك، تزيد المؤهلات من فرص الفرد في الحصول على وظيفة دائمة، كما أن المؤهلين يكسبون عموماً أكثر من غير الحاصلين على مؤهلات ثانوية أو جامعية. بالإضافة إلى معالجة مشكلة عدم المساواة في الوصول الرقمي، وتعزيز محو الأمية الرقمية المسؤولة ومساعدة الشباب الأفارقة على التركيز على تطوير معارفهم ومهاراتهم في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي قد تتبنى أيضاً نهجاً إنسانياً في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يقع على عاتق الدول الأفريقية مسؤولية ضمان قدرة العمال على أداء المهام المعقدة، ومواءمة القوانين والتعليم مع المتطلبات المستقبلية في سياقا لاقتصاد. ومن الضروري أيضاً أن الدول الأفريقية تصميم مبادئ الذكاء الاصطناعي خصيصاً لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للعمال ومعالجة قضايا العدالة والإنصاف في أماكن العمل.
ينصب هذا الفصل على أربعة مجالات بحثية برزت في المساهمة في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلدان، وهي: التعلم الآلي، والتعلم العميق، استخراج النصوص، والرؤية الحاسوبية
– التعلم الآلي؛ مع ظهور أجهزة حاسوبية قوية وتوافر مجموعات بيانات تاريخية ضخمة، ازداد انتشار فرع بارز من علوم البيانات وتحليلات الأعمال، يطُلق عليه اسم النمذجة التنبؤية. تتميز النمذجة التنبؤية أو التحليلات التنبؤية – بطابعها الاستشرافي (أي التركيز على المستقبل)، حيث تستخدم الأحداث الماضية لتوقع المستقبل. يسمح هذا لصانعي القرار “بتقدير” أو “التنبؤ” بما يحمله المستقبل من خلال التعلم من الماضي باستخدام البيانات التاريخية. يعُد التعلم مثالاً معروفاً لتطبيق التحليلات التنبؤية، وقد تطور كمجال فرعي للذكاء (ML) الآلي الاصطناعي وحتى لعلوم الحاسوب وفقاً لبعض وجهات النظر منذ النصف الثاني من القرن العشرين. وبصورة عامة، يستخدم التعلم الآلي خوارزميات التعلم الذاتي لاستخلاص المعرفة من البيانات من أجل إجراء تنبؤ.التعلم العميق؛ أن التعلم العميق هو مجال فرعي من التعلم الآلي يستخدم التعلم التمثيلي للسماح للكمبيوتر ببناء مفاهيم معقدة من مفاهيم أبسط. وتتخلف أفريقيا عن الدول المتقدمة في نشر التعلم الآلي لمعالجة مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية. من الصعب تحديد التحديات والمخاطر المحددة التي تواجهها القارة والمرتبطة بتصميم أو نشر التعلم الآلي، ليس فقط بسبب الطبيعة غير الرسمية للعديد من أنشطة التعلم الآلي في دول القارة، ولكن أيضاً بسبب ندرة المعلومات المتعلقة بهذه الأنشطة في قطاعات متنوعة.
-استخراج النصوص؛ ويشار إليه أيضاً باسم تحليلات النصوص أو التعلم الآلي من النص، هو مجال متعدد التخصصات يعتمد على استرجاع المعلومات، واستخراج البيانات، والتعلم الآلي، والتعلم العميق، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) لاستخلاص معلومات عالية الجودة من النصوص. وقد ازدادت شعبية هذا المجال بين الباحثين والممارسين في ضوء الكم الهائل من بيانات النصوص الموُلدّة على الويب ومنصات التواصل الاجتماعي. ومن أمثلة نصوص اللغة الطبيعية: الأخبار الإلكترونية، والمكتبات الرقمية، ورسائل البريد الإلكتروني، والمدونات، وصفحات الويب. تتضمن بعض التطبيقات الأكثر انتشاراً لتعدين النصوص الترجمة الآلية، وتصنيف النصوص، وتلخيص النصوص، وتجميع النصوص، وتحليل المشاعر، ونمذجة العلاقات بين الكيانات، والإجابة على الأسئلة، والروبوتات الدردشة. لا تحظى الدراسات البحثية في مجال استخراج النصوص ومعالجة اللغة الطبيعية من دول الجنوب العالمي بتمثيل كاف في المؤتمرات البحثية الدولية حول تقنيات اللغة. من جانب أخر، ثمة مبادرات عديدة جارية لتصحيح هذا النقص في التمثيل في القارة. فعلى سبيل المثال، ساهمت جوجل مؤخراً في مجال تكنولوجيا اللغات بإضافة العديد من اللغات الأفريقية إلى خدمة جوجل للترجمة.
-رؤية الكمبيوتر؛ الرؤية الحاسوبية (CV) هي فرع من فروع الذكاء الاصطناعي، تمُكنّ الحواسيب من استخراج معلومات عالية المستوى من الصور ومقاطع الفيديو الرقمية. إذا كان الذكاء الاصطناعي يمُكنّ الحواسيب من “التفكير”، فإن الرؤية الحاسوبية تمُكنّها من “الرؤية” و”الملاحظة”. الهدف من الرؤية الحاسوبية هو فهم محتوى الصور أو مقاطع الفيديو الرقمية، وبالتالي تطوير أساليب لإعادة إنتاج قدرة الرؤية البشرية. لذلك، من السهل افتراض أن الرؤية الحاسوبية يمكن مقارنتها بالرؤية البشرية. ومع ذلك، فهي تستخدم البيانات والخوارزميات بدلا من شبكية العين والأعصاب البصرية والقشرة البصرية لفهم الصورة. في سياق الرؤية الحاسوبية، يعني “الفهم” تحويل الصورة المرئية (أي مدخلات شبكية العين) إلى أوصاف للعالم من شأنها أن تكون منطقية. لا ينبغي الخلط بين الرؤية الحاسوبية ومعالجة الصور، وهي عملية إنشاء صورة جديدة من صورة موجودة. تعتمد تطبيقات الرؤية الحاسوبية الحالية على أدوات التعلم الآلي لمعالجة الصور، وخاصة نماذج التعلم العميق لاستخراج المعلومات من الصورة.
-التعلم الآلي، والتعلم العميق، واستخراج النصوص، والرؤية الحاسوبية ليست سوى بعض التقنيات المستخدمة حالياً في أفريقيا لتحسين الظروف في مجالات مثل الزراعة، والأعمال التجارية والمالية، والرعاية الصحية، والحفاظ على الحياة البرية. ومع ذلك، يمكن استخدام هذه التقنيات أيضاً لأغراض غير مشروعة إذا لم تنُظمّ وترُاقب بعناية.
مجمل الكتاب هو دعوة لمناقشة الجانب الإنساني في دراسة الذكاء الاصطناعي، فلا ينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة مادية فقط بل ينبغي التطرق إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. سلط المؤلفين الضوء على الجوانب الإنسانية كما سلطا الضوء على التحديات التي تواجه القارة في تطبيق الذكاء الاصطناعي. القى المؤلفين الضوء على مميزات ومخاطر الذكاء الاصطناعي كما القى الضوء على علاقة الذكاء الاصطناعي بالإرث الاستعماري والذي يعد من أهم المشاكل التي تواجهها القارة في هذا المجال. سلط المجال الضوء على الديكتاتورية الرقمية ومخاطرها على حرية الأفراد كما سلط الكتاب الضوء على إشكالية التجسس من قبل شركات تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كتاب الذكاء الاصطناعي في إفريقيا ولأجلها: مقاربة إنسانية، هو عمل أكاديمي رائد يفتح أفقًا جديدًا في فهم علاقة إفريقيا بالذكاء الاصطناعي من زاوية إنسانية وأخلاقية عميقة. يندرج ضمن أدبيات نقد التقنية الغربية التي تتجاهل السياق المحلي، ويدعو إلى التفكير في الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة، بل كخطاب وممارسة لها جذور استعمارية، وتداعيات اجتماعية عميقة. إن هذا العمل يُمثل مساهمة نوعية في إعادة توجيه النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي، من المركزية الغربية إلى تعددية معرفية وثقافية تأخذ في اعتبارها التجربة الإفريقية بكل تعقيداتها. كما يقدم الكتاب دعوة صريحة إلى تطوير ذكاء اصطناعي أفريقي الطابع، تشاركي في التصميم، عادل في التطبيق، ومسؤول في الأثر. ورغم بعض القصور في البعد الميداني، فإن الكتاب يُعد مرجعًا مهمًا لكل من يهتم بالفكر الإفريقي، أخلاقيات التكنولوجيا، ودراسات ما بعد الاستعمار.
يتميز الكتاب بعدة مميزات أهمها:
– رؤية إنسانية معمّقة: يبتعد عن الطرح التكنولوجي الجامد، ويركز على الإنسان الإفريقي.
– نقد للهيمنة الرقمية الغربية: يفضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة استعمارية جديدة.
– تضمين دراسات حالة واقعية: يُعزز مصداقية الطرح ويقرب الأفكار من الواقع الإفريقي.
– لغة أكاديمية متماسكة ومنظمة: تناسب الباحثين في الفلسفة، التقنية، والدراسات الإفريقية.
– إسهام جديد في حقل ناشئ: يعالج موضوعًا حديثًا ومهمًا قلّ التناول الأكاديمي له في السياق الإفريقي. وعلى الرغم من مميزات الكتاب إلا أنه لا يخلوا من بعض العيوب أهمها:
– التكرار؛ استخدم المؤلفين تكرار بعض المواضيع في فصول مختلفة.
– قلة الأمثلة الميدانية: على الرغم من الإشارة إلى دراسات حالة، إلا أن الكثير منها يبقى في إطار نظري
– الاختزال في المناقشة؛ على الرغم من أن الكتاب يناقش مواضيع غاية في الأهمية للقارة الإفريقية إلا أن المناقشة لم تكن بالقدر المناسب مع أهمية المواضيع المطروحة.
– لغة نخبوية متخصصة؛ يستخدم الكتاب بعض المفاهيم الفلسفية والتي قد لا تكون مفهومة للقارئ غير المتخصص.
– غياب مساهمات من باحثين أفارقة محليين؛ رغم أن الكتّاب مهتمون بالقارة، فإن التمثيل المباشر للأصوات الإفريقية قليل نسبيًا.
– تركيز كبير على النقد دون حلول عملية مفصلة؛ يقدم الكتاب نقدًا ممتازًا، لكنه يفتقر إلى تقديم بدائل تطبيقية واضحة.
-سوزان بروكينشا Susan Brokensha؛ هي عالمة لغويات تطبيقية في جامعة فري ستيت، جنوب أفريقيا، والمنسق المشارك لمجموعة الأخلاقيات والحوكمة الموجودة في المركز في الجامعة. (ICDF) متعدد التخصصات للمستقبل الرقمي.
– إدوان كوتزي Eduan Kotzé؛ هو أستاذ مشارك ورئيس قسم علوم الكمبيوتر والمعلوماتية في جامعة فري ستيت.
-بورجرت أ. سينيكال Burgert A. Senekal؛ هو زميل باحث في قسم علوم الكمبيوتر العلوم والمعلوماتية في جامعة فري ستيت.
ظهرت المقالة قراءة في كتاب الذكاء الاصطناعي في إفريقيا ولأجلها: مقاربة إنسانية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
شهد المشهد السياسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجيًا وتغييرات جذرية، مع تزايد عدد الدول التي تتبنى الحكم العسكري، وتكتسب دعمًا شعبيًا للإطاحة بالحكومات المنتخبة، وتتحدى صلاحية المؤسسات الديمقراطية في القارة. فمنذ عام 2020، شهدت كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا، وتشاد، والسودان، والغابون انقلابات عسكرية أو تغييرات مدعومة من الجيش للسلطة. ولقد […]
ظهرت المقالة تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
شهد المشهد السياسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجيًا وتغييرات جذرية، مع تزايد عدد الدول التي تتبنى الحكم العسكري، وتكتسب دعمًا شعبيًا للإطاحة بالحكومات المنتخبة، وتتحدى صلاحية المؤسسات الديمقراطية في القارة. فمنذ عام 2020، شهدت كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا، وتشاد، والسودان، والغابون انقلابات عسكرية أو تغييرات مدعومة من الجيش للسلطة.
ولقد شهدت مدغشقر أيضا، وهي رابع أكبر جزيرة في العالم والواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا، أزمة سياسية حادة في الآونة الأخيرة، في أعقاب الإطاحة بالرئيس أندريه راجولينا واستيلاء الجيش على السلطة، بقيادة فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات العسكرية النخبة (CAPSAT).
وكانت هذه الدولة الجزرية، التي عُرفت سابقًا باسم جمهورية مالاغاش، قد شهدت انتقالًا غير دستوري مماثلاً للسلطة في عام 2009، حين استولى الرئيس أندريه راجولينا على السلطة من الرئيس المنتخب ديمقراطيًا مارك رافالومانانا عبر انقلاب عسكري، إثر ما يقرب من ثلاثة أشهر من الاحتجاجات العنيفة. وإن استيلاء فيلق “كابسات” على السلطة في مدغشقر مؤخرا، يجعل هذا التحول غير الدستوري للسلطة الانقلاب العاشر الناجح من قبل مجلس عسكري أو حكومة مدعومة من الجيش في أفريقيا منذ عام 2020.
نبعت الأزمة السياسية لعام 2025 في مدغشقر من احتجاجات حاشدة، نفذها الشباب الملغاشي الذين شكّلوا حركة جديدة عُرفت باسم “الجيل –زد” (Gen-Z). وقد بدأت في أواخر سبتمبر 2025 في العاصمة أنتاناناريفو، ثم استمرت في الانتشار بسرعة إلى ولايات أخرى في أوائل أكتوبر 2025 بسبب الردود القمعية من الحكومة ضد المتظاهرين.
وفي البداية، كان السبب وراء الاحتجاجات، كما نادى به المتظاهرون ومُثِّلَ على اللافتات واليافطات، هو الفشل المستمر لإدارة الرئيس أندريه راجولينا في توفير الكهرباء وإمدادات المياه بشكل موثوق، بالإضافة إلى العديد من المظالم الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد.
ووفقًا للتقارير، كان ثلث سكان مدغشقر فقط يحصلون على الكهرباء قبل الأزمة، حيث يعاني غالبية المواطنين من انقطاع يومي للتيار الكهربائي قد يستمر من 10 إلى 13 ساعة، ومن نقص في المياه قد يمتد لأيام أو أسابيع، مما يجعل الحياة الأساسية صعبة للغاية بالنسبة لهم. وفي محاولة لمعالجة الوضع المتصاعد، أقال الرئيس راجولينا وزير الطاقة في 26 سبتمبر 2025، وأعلن كذلك حل الحكومة بأكملها في 29 سبتمبر 2025، تلاه تعيين الجنرال العسكري روفين فورتونات زافيسامبو رئيسًا جديدًا للوزراء في 6 أكتوبر 2025. ومع ذلك، فشلت هذه الخطوات في تلبية مطالب الجمهور.
على المدى الطويل، سرعان ما تحولت مطالب الاحتجاجات، متجاوزة المطالبة بإصلاح انقطاعات الكهرباء والمياه، وتطورت إلى مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة، تطالب بإصلاح شامل للنظام السياسي، مع دعوات المتظاهرين إلى استقالة الرئيس أندريه راجولينا.
دخلت الاحتجاجات مرحلة جديدة في 11 أكتوبر 2025، عندما أعلن فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات الفنية والإدارية النخبة، المعروف باسم “كابسات”، تمردَهُ ودعمه للمظاهرات التي يقودها “الجيل زد”. وبما أن هذه الوحدة هي الأكثر نفوذاً في مدغشقر والعمود الفقري التقني والإداري واللوجستي للجيش بأكمله، فإن قرارها بالانضمام إلى المحتجين في ساحة “بلاس دو 13 ماي” الرمزية، قد وفّر لحركة “الجيل زد” الدعم العسكري اللازم لتحدي الحكومة. وهذا يعني أن هذه الوحدة، التي لعبت دورًا محوريًا في انقلاب عام 2009 الذي أوصل الرئيس أندريه راجولينا إلى منصب الرئيس الانتقالي، انقلبت في نهاية المطاف على الرئيس، الذي كان حليفاً سابقاً لها، وبالتالي نتج هذا الانشقاق في انهيار الدعم السياسي للرئيس أندريه راجولينا.
بدأت الرحلة نحو التغيير غير الدستوري للسلطة في 12 أكتوبر 2025، عندما أفادت التقارير أن الرئيس راجولينا قد فرَّ من البلاد إلى مكان مجهول، مدعيا وجود تهديدات بالغة الخطورة على حياته كأسباب لفراره. ومع ذلك، حاول –وهو في العزلة – القيام بحلّ الجمعية الوطنية لمدغشقر في 14 أكتوبر 2025، بعد إصدار مرسوم من مخبئه، في محاولة لمنع عزله. ولسوء الحظ، تجاهل المشرعون مرسومه وشرعوا في عزله بالإجماع، ما أحدث فراغًا في أهم منصب سياسي في البلاد.
وفي أعقاب التصويت على العزل، أعلن العقيد مايكل راندريانيرينا، قائد “كابسات” وناقد شعبي للرئيس أندريه راجولينا، علنًا أن القوات المسلحة قد تولت السلطة، في خطوة اعتُبرت على نطاق واسع إنقاذًا للبنية السياسية المنهارة في البلاد. ووكذلك علَّق العقيد دستور البلاد وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري مُكلف بالعمل نحو انتقال إلى حكم مدني في غضون 18 شهرًا إلى عامين، فتمّ تنصيبه رئيسًا مؤقتًا في 17 أكتوبر 2025.
ولقد برّر العقيد راندريانيرينا هذه الخطوة في تصريحاته، بالادعاء بأنها لم تكن انقلابًا بل إجراء ضروريًا لأن البلاد كانت على حافة الانهيار. وقال راندريانيرينا: “اليوم يمثل نقطة تحول لأمتنا، فالشعب الملغاشي نفسه متعطش لتغيير عميق في طريقة حكم بلادنا”.
لقد لفت استيلاء الجيش على السلطة انتباه العالم، وأثار إدانة مختلف الدول وتعليق عضوية مدغشقر في المؤسسات الدولية. فبينما أصدرت الأمم المتحدة إدانة لتغيير السلطة، قام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي فورًا بتعليق عضوية مدغشقر داعيا إلى نقل فوري للسلطة إلى إدارة مدنية. وفي خطوة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية، عيّن الرئيس العسكري المؤقت رجل الأعمال المعروف هيرينتسالاما راجوناريفيلو رئيسًا جديدًا لوزراء مدغشقر، نظرًا لخبرته وعلاقاته مع المنظمات الدولية التي تتعامل مع الحكومة الملغاشية.
حاليًا، لا يزال الوضع السياسي في مدغشقر يبدو هشًا حيث تتطلع الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش إلى كسب الشرعية وتخفيف الضغط الدولي، بينما تقع على عاتقها في الوقت ذاته مهمة تلبية توقعات المحتجين الذين غذّت حركتهم هذا التغيير.
ظهرت المقالة تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
عقد الاتحاد الأوروبي ومصر في هذا الأسبوع قمتهما الأولى على الإطلاق في بروكسل، حيث ركزتا على تعزيز علاقتهما في مجالات رئيسية تشمل الروابط الاقتصادية والأمن والهجرة، وذلك على خلفية التوترات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالصراع في غزة. وكان من المتوقع أن يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادة الاتحاد الأوروبي عن زيادة كبيرة في […]
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2020/10/25) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
عقد الاتحاد الأوروبي ومصر في هذا الأسبوع قمتهما الأولى على الإطلاق في بروكسل، حيث ركزتا على تعزيز علاقتهما في مجالات رئيسية تشمل الروابط الاقتصادية والأمن والهجرة، وذلك على خلفية التوترات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالصراع في غزة. وكان من المتوقع أن يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادة الاتحاد الأوروبي عن زيادة كبيرة في المساعدات الاقتصادية الأوروبية لمصر، إلى جانب دخول مصر في برنامج هورايزونز الأوروبي لاحتضان الأبحاث. ومعلوم أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى مصر كشريك حاسم في استراتيجيته لتعميق الاندماج داخل البحر الأبيض المتوسط، والذي غالباً ما ينطوي على مساعدات مقابل جهود لكبح الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. وأعرب الجانبان عن قلقهما البالغ إزاء تدفقات الهجرة، في حين أن دور مصر في صراع غزة واستقرارها الاقتصادي، الذي تضغط عليه عوامل التضخم، وتداعيات حرب أوكرانيا، واضطرابات الشحن في البحر الأحمر، أكد على الأهمية الاستراتيجية للشراكة المعززة بينهما.
أجرى الرئيس النيجيري بولا تينوبو تغييرا كبيرا في القيادة العسكرية لنيجيريا معلِنًا إقالة رؤساء الأركان. وعيّن الفريق أولوفيمي أولوييدي رئيساً جديداً لأركان الدفاع، ليحل محل الجنرال كريستوفر موسى. وشملت التعيينات الرئيسية الأخرى اللواء وايدي شعيبي رئيساً جديداً لأركان الجيش، والمارشال الجوي صنداي كيفن أنيكي رئيساً جديداً للقوات الجوية. كما تم تعيين اللواء البحري إيدي عباس رئيساً جديداً للبحرية، بينما ظل رئيس استخبارات الدفاع، اللواء إيمانويل أكوماي باركر أونديانديي، في منصبه دون تغيير. ويمثل هذا التغيير الجذري ثاني تعديل عسكري كبير في ظل إدارة تينوبو منذ مايو 2023، ويأتي وسط تحديات مستمرة تتمثل في الإرهاب وقطع الطرق والجريمة العنيفة في جميع أنحاء البلاد. وبينما ذكر مكتب الرئيس أن الخطوة تهدف إلى تعزيز الاحتراف واليقظة، يأتي القرار بعد أسابيع فقط من شائعات غير مؤكدة عن إحباط مؤامرة انقلاب.
أعربت جبهة البوليساريو، الحركة المؤيدة لاستقلال الصحراء الغربية، عن استعدادها لقبول خطة المغرب للحكم الذاتي للإقليم المتنازع عليه، ولكن بشرط واحد وهو عرضها على الشعب الصحراوي في استفتاء يتضمن خيار الاستقلال الكامل. قدم كبير دبلوماسيي البوليساريو، محمد يسلم بيسط، هذا الاقتراح لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، موضحاً أنه بينما تتخذ المجموعة “خطوة تجاه المغاربة” من خلال النظر في إطار الحكم الذاتي، فإن أي مناقشة للحكم الذاتي خارج الاستفتاء الشعبي غير مقبولة. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن لمراجعة قرار جديد بشأن الصراع المجمد منذ فترة طويلة، حيث تصر المغرب على أن المنطقة جزء لا يتجزأ من أراضيها، وتواصل جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، حملتها المستمرة منذ عقود من أجل تصويت ملزم على تقرير المصير.
في النيجر، اختطف مسلحون طياراً مبشّراً أمريكياً، المعروف باسم كيفن رايد أوت، في نيامي العاصمة. وبحسب ما ورد، وقع الاختطاف بالقرب من القصر الرئاسي في حي بلاتو بينما كان الضحية متجهاً نحو المطار. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الخاطفين توجهوا على الفور إلى منطقة تيلابيري الغربية، وهي منطقة معروفة بنشاط الجماعات المسلحة المتشددة المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، مما يؤكد تصاعد التهديدات الأمنية في دولة الساحل، خاصة منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2023. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية عملية الاختطاف وذكرت أن سفارتها في نيامي تعمل بنشاط لتأمين إطلاق سراح الرجل سالماً. وحتى الآن، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاختطاف أو تطالب بفدية.
وفي أوغندا، أعلنت مفوضية الانتخابات عن مواعيد رئيسية للانتخابات العامة المقبلة قي عام 2026، مؤكدة المواعيد النهائية لترشيح مختلف المرشحين. وتم تعديل موعد ترشيح المرشحين للانتخابات البرلمانية، بما في ذلك مرشحي مجموعات المصالح الخاصة، ليصبح يومي الأربعاء 22 أكتوبر والخميس 23 أكتوبر 2025. ويؤدي هذا التنقيح إلى تأجيل فترة الترشيح لمدة أسبوع تقريباً عن المواعيد التي تم تحديدها مسبقاً. وتمثل هذه المواعيد النهائية للترشيحات خطوة حاسمة في خارطة الطريق الانتخابية للأمة، والتي خضعت للعديد من المراجعات والتعديلات في الوقت الذي تدير فيه المفوضية العملية المعقدة التي تسبق الانتخابات العامة الرئيسية في عام 2026.
عيّن زعيم الانقلاب والرئيس الانتقالي لـمدغشقر، العقيد مايكل راندريانيرينا، رجل الأعمال البارز هيرنتسالاما راجاوناريفيلو رئيساً جديداً لوزراء البلاد. وذكر راندريانيرينا أن التعيين مستند إلى خبرة راجاوناريفيلو و “صلته بالمنظمات الدولية التي تعمل معنا”. وقد حدد الزعيم الجديد أولوياته الفورية، والتي تشمل تحقيقاً في شركة المياه والطاقة الحكومية “جيراما”، والتركيز على زراعة الأرز. وقد نتج الاضطراب السياسي عن أسابيع من مظاهرات قادتها “الجيل زد” اندلعت في البداية بسبب نقص المياه والكهرباء، لكنها سرعان ما تحولت إلى احتجاجات أوسع ضد الرئيس السابق، أندري راجولينا، الذي أدان الاستيلاء على السلطة ورفض التنحي من منفاه.
أكدت ناميبيا تسجيل أول حالة إصابة بمرض جدري القرود (Mpox) في مدينة سواكوبموند الساحلية، غرب العاصمة ويندهوك. وأعلنت وزيرة الصحة إسبرانس لوفينداو أن حالة المريض مستقرة ويتلقى العلاج في عزلة بمستشفى المقاطعة. وأدى تأكيد الحالة إلى إعلان ناميبيا تفشي جدري القرود على المستوى الوطني وتفعيل استجابة طوارئ الصحة العامة، والتي تشمل حشد الموارد والبدء الفوري في تتبع المخالطين في منطقة إيرونغو المتضررة. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الحالة مرتبطة بسفر حديث عبر الحدود داخل منطقة مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)، مما يثير مخاوف متجددة بشأن جهود الاحتواء الإقليمية.
وفي زيمبابوي، قرر الحاكم (ZANU-PF) الشروع في خطوات برلمانية لتمديد فترة ولاية الرئيس إيمرسون منانغاغوا لمدة عامين، مما قد يبقي الرئيس البالغ من العمر 83 عاماً في السلطة حتى عام 2030. وبموجب الدستور الحالي للبلاد، من المقرر أن يتنحى منانغاغوا في عام 2028 بعد إكمال ولايتيه الرئاسيتين اللتين تبلغ مدة كل منهما خمس سنوات. وتم تبني القرار في المؤتمر السنوي للحزب في موتاري، حيث قوبل بالتهليل من مئات المندوبين. ويكشف هذا الضغط من أجل التمديد عن انقسامات داخلية في الحزب، حيث ورد أن الفصائل الموالية لنائب الرئيس قسطنطين تشيونغا تعارض هذه الخطوة، على الرغم من أن منانغاغوا وصف نفسه سابقاً بأنه رجل يعترف بالدستور، وليس لديه خطط لتجاوز ولايته.
وفي غانا، توفيت السيدة الأولى السابقة لـ غانا، نانا كونادو أجييمانغ-رولينغز، في هذا الأسبوع بعد مرض قصير، عن عمر يناهز 76 عاماً. وكانت أجييمانغ-رولينغز زوجة الرئيس الراحل جيري رولينغز وشغلت منصب السيدة الأولى خلال فترتي ولاية زوجها؛ فترة وجيزة في عام 1979 ثم من عام 1981 إلى عام 2001. وبعيداً عن دورها كسيدة أولى، كانت مدافعة شرسة عن حقوق المرأة ورائدة في السياسة الغانية، حيث أصبحت أول امرأة تترشح لرئاسة غانا في كل من انتخابات 2016 و 2020 تحت راية حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDP)، الذي أسسته. وتمثل وفاتها رحيل شخصية مؤثرة تركت إرثاً كبيراً على صعيدي الدعوة الاجتماعية والقيادة السياسية.
أكدت جنوب أفريقيا وفيتنام التزامهما بالعمل نحو رفع مستوى علاقاتهما الثنائية إلى شراكة استراتيجية في عام 2025. وقد تم التأكيد على هذا الالتزام من قبل رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا والرئيس الفيتنامي لونغ كوونغ خلال زيارة رامافوزا الرسمية لهانوي هذا الأسبوع. وتهدف هذه الخطوة إلى خلق زخم جديد لتعميق الثقة السياسية وتوسيع التعاون عبر مختلف القطاعات. وشدد الزعيمان على تاريخهما المشترك واتفقا على تكثيف التبادلات رفيعة المستوى، وتعزيز آليات التعاون القائمة مثل منتدى الشراكة الحكومية الدولية، وتسهيل وصول أكبر لسلع بعضهما البعض إلى الأسواق. وتشمل المجالات الرئيسية التي تم تحديدها للتعاون الموسع الدفاع، والأمن، والطاقة، والتعدين، والزراعة، والنمو الأخضر، والتحول الرقمي.
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2020/10/25) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
لقد شهدت العلاقات الصينية–الأفريقية منذ مطلع الألفية الثالثة تحولًا جوهريًا من التعاون الرمزي والسياسي إلى شراكة تنموية واستراتيجية متعمقة، تجسدت مع إطلاق منتدى التعاون الصيني–الإفريقي (FOCAC) عام 2000 بوصفه منصة مؤسسية تجمع الصين والدول الأفريقية كل ثلاث سنوات لتنسيق السياسات التنموية والتمويلية. وقد أسهم المنتدى في إرساء نموذج جديد للعلاقات يقوم على مبدأ "المنفعة المتبادلة" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، وهو ما ميّز الصين عن الشركاء الغربيين التقليديين.
ظهرت المقالة الديون الصينية في أفريقيا بين التنمية والاستتباع: قراءة في تحولات النفوذ الاقتصادي بعد مبادرة الحزام والطريق أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
الدراسة الكاملة متوفرة على صيغة PDF هنا
تناولت هذه الدراسة الديون الصينية في أفريقيا، حيث شهدت العلاقات الصينية–الأفريقية منذ مطلع الألفية الثالثة تحولًا جوهريًا من التعاون الرمزي والسياسي إلى شراكة تنموية واستراتيجية متعمقة، تجسدت مع إطلاق منتدى التعاون الصيني–الإفريقي (FOCAC) عام 2000 بوصفه منصة مؤسسية تجمع الصين والدول الأفريقية كل ثلاث سنوات لتنسيق السياسات التنموية والتمويلية. وقد أسهم المنتدى في إرساء نموذج جديد للعلاقات يقوم على مبدأ “المنفعة المتبادلة” و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، وهو ما ميّز الصين عن الشركاء الغربيين التقليديين.
وتُعد الديون الصينية في أفريقيا من أبرز التحولات الاقتصادية التي شهدتها القارة خلال العقدين الأخيرين، حيث تزايدت ارتباطاتها التمويلية مع الصين في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي أُطلقت عام 2013 بهدف تعزيز الترابط التجاري والبنية التحتية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. وقد مثّلت هذه المبادرة فرصة لكثير من الدول الأفريقية للحصول على تمويل ضخم لمشروعات الطرق، والطاقة، والموانئ، والاتصالات، مما أسهم في تسريع وتيرة التنمية في العديد منها.
وإن مبادرة الحزام والطريق منذ إطلاقها عام 2013 قد أدّت إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا، حيث اتجهت الصين نحو بناء شبكة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة التي تتجاوز مجرد التمويل إلى بناء شراكات طويلة الأجل مع الدول الأفريقية. فمن خلال القروض الميسّرة ومشروعات البنية التحتية الكبرى، مثل الطرق والموانئ والسكك الحديدية، رسخت الصين مكانتها كأكبر ممول للبنية التحتية في القارة، متجاوزةً مؤسسات التمويل الغربية التقليدية مثل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية.
مع كل هذا وذاك، فقد أثار بعذ الخبراء والدارسين جدلية حول ما إذا كانت الديون الصينية تمثّل أداة لدعم التنمية والبنية التحتية، أم وسيلة لتوسيع النفوذ الصيني واستتباع الاقتصادات الأفريقية ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث أثار تصاعد حجم القروض الصينية—الذي بلغ نحو 182 بليون دولار بين عامي 2000 و2023 —تساؤلات متزايدة حول مدى استدامتها، واحتمال تحولها إلى أداة لاستتباع الاقتصادات الأفريقية وتوسيع النفوذ الصيني الجيوسياسي في القارة. وقد توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين التنمية والاستتباع لا تُفهم إلا في ضوء القدرات المؤسسية للدول الأفريقية، ومستوى الشفافية والحوكمة، بحيث تميل الدول ذات المؤسسات القوية إلى إدارة القروض بكفاءة أعلى وتحقيق مكاسب تنموية، بينما تواجه الدول ذات الحوكمة الضعيفة مخاطر أكبر على الاستدامة المالية والسيادة الاقتصادية.
ظهرت المقالة الديون الصينية في أفريقيا بين التنمية والاستتباع: قراءة في تحولات النفوذ الاقتصادي بعد مبادرة الحزام والطريق أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ينطلق موجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من دولة مدغشقر حيث تصاعدت الاضطرابات السياسية تصاعدا لفّت جميع أنظار العالم، وذلك بأداء القائد العسكري العقيد مايكل راندريانيرينا اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الجديد لدولة مدغشقر، عقب انقلاب أطاح بالرئيس السابق أندري راجولينا الذي فرّ من البلاد. تم تنصيب راندريانيرينا، الذي يقود وحدة نخبة من الجيش، أمام المحكمة الدستورية […]
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/10/18) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ينطلق موجز الأخبار الأفريقية لهذا الأسبوع من دولة مدغشقر حيث تصاعدت الاضطرابات السياسية تصاعدا لفّت جميع أنظار العالم، وذلك بأداء القائد العسكري العقيد مايكل راندريانيرينا اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الجديد لدولة مدغشقر، عقب انقلاب أطاح بالرئيس السابق أندري راجولينا الذي فرّ من البلاد. تم تنصيب راندريانيرينا، الذي يقود وحدة نخبة من الجيش، أمام المحكمة الدستورية العليا بعد فوزه بدعم الشعب الناتج عن الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكومة أندري راجولينا. وبعد ذلك، أعلن أن البلاد ستُدار الآن من قبل مجلس عسكري يتولى هو رئاسته لفترة انتقالية تتراوح بين 18 شهراً وعامين قبل إجراء انتخابات جديدة. وقوبل هذا التطور بإدانة من الهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، على الرغم من احتفال بعض سكان مدغشقر المعارضين للإدارة السابقة بالاستيلاء العسكري على السلطة.
في هذا الأسبوع، أجرت الكاميرون انتخاباتها الرئاسية، والتي جرت في جولة واحدة يفوز فيها المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات. وبينما لم تصدر المفوضية الانتخابية الكاميرونية النتائج الرسمية بعد، أعلن زعيم المعارضة الرئيسي عيسى تشيروما باكاري نفسه فائزاً بالفعل، داعياً الرئيس الحالي البالغ من العمر 92 عاماً، بول بيا، إلى الاعتراف بنهاية حكمه الذي دام 43 عاماً، وذلك في مقطع فيديو تم نشره. ولكن حذّر وزير الإدارة الإقليمية من إعلان النتائج فرديا قبل مصادقة المجلس الدستوري، واصفاً ذلك بـ “الخط الأحمر”. ومع إعلان كلا الجانبين فوزهما بناءً على إحصاءات وسائل التواصل الاجتماعي، يظل الجو السياسي متوتراً في انتظارالإعلان الرسمي المتوقع صدوره بحلول 26 أكتوبر.
وفي سيشل، فاز زعيم المعارضة باتريك هيرميني في الانتخابات الرئاسية متغلباً على الرئيس الحالي فافيل رامكالاوان في جولة الإعادة. وأظهرت النتائج الرسمية أن هيرميني الممثل لحزب سيشل المتحد، حصل على 52.7% من الأصوات، بينما حصل رامكالاوان على 47.3% في جولة الإعادة التي تم إجراؤها بعدما لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة المطلوبة في الجولة الأولى. ويمثل فوز هيرميني تحولاً سياسياً كبيراً، حيث استعاد حزبه، الذي حكم البلاد لمدة أربعة عقود قبل أن يخسر السلطة في عام 2020، الأغلبية البرلمانية أيضاً في الجولة الأولى من الانتخابات العامة. وتعهد هيرميني، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الجمعية الوطنية، في خطاب النصر بالتركيز على القضايا الرئيسية للمواطنين في سيشل، بما فيها خفض تكلفة المعيشة، وإنعاش الخدمات العامة، وتوحيد الأمة الجزيرة.
وبخصوص كينيا، كانت البلاد حالياً في حالة الحداد الوطني عقب وفاة رئيس الوزراء الأسبق رايلا أمولو أودينغا هذا الأسبوع. وكان أودينغا مناضلاً صلباً في معركة كينيا من أجل الإصلاحات الديمقراطية، وزعيم معارضة محتفى به، ورئيس الوزراء من 2008 إلى 2013. ولقد وافته المنية عن عمر يناهز 80 عاماً تقريباً إثر سكتة قلبية أثناء خضوعه للعلاج الطبي في الهند. واجتذب وصول جثمانه إلى نيروبي حشوداً ضخمة، والتي تحولت بشكل مأساوي إلى فوضى عندما استخدمت الشرطة القوة، مما أدى إلى وقوع وفيات والعديد من الإصابات. وتواجه الحكومة الآن مهمة تكريم ذكرى هذا الزعيم، وتهدئة المخاوف بشأن الاستخدام المفرط للقوة ضد المواطنين المكلومين.
وفي مالي، أعلنت وزارة الخارجية أنها تفرض متطلبات كفالة تأشيرة متبادلة على مواطني الولايات المتحدة، ما يعكس الإجراءات الأخيرة التي فرضتها واشنطن على المسافرين الماليين. ويقضي هذا القرار الآن بوجوب إيداع مواطني الولايات المتحدة الذين يسعون للحصول على تأشيرات عمل في مالي أو سياحة مالية مبلغ كفالة يصل إلى 10,000 دولار. ويأتي هذا الإجراء رداً على السياسة الأمريكية الجديدة، المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 23 أكتوبر، والتي تتطلب من المتقدمين للحصول على تأشيرات من كواطني مالي إيداع كفالات مماثلة تتراوح بين 5,000 و 10,000 دولار. وأعربت الحكومة المالية عن استيائها من القرار الأمريكي الأحادي، مشيرة إلى أنه ينتهك اتفاقية ثنائية موقعة عام 2005 بشأن التأشيرات متعددة الدخول للإقامة الطويلة.
وفي المغرب، ترأس ملك المغرب محمد السادس حفل إطلاق مشروع بناء مجمع صناعي جديد لمحركات الطائرات تابع لشركة “سافران” الفرنسية العملاقة المتخصصة في مجال الفضاء، في منطقة النواصر بالقرب من الدار البيضاء، مؤكداً بذلك مكانة المغرب كمركز عالمي متنامٍ لصناعة الطيران. وسيضم المجمع، الواقع داخل المنصة الصناعية “ميدبارك”، منشأتين رئيسيتين: خط تجميع واختبار لمحركات الجيل الجديد LEAP-1A (المستخدمة في طائرات الإسعاف) ومصنع مخصص للصيانة والإصلاح. ومن المقرر أن تستثمر شركة سافران ما مجموعه حوالي 320 مليون يورو في المنشأتين، اللتين ستنتجان حوالي 350 محرك LEAP-1A سنوياً، وستقدمان خدمات صيانة لـ 150 محركاً سنوياً بحلول عام 2027.
وفي مصر، أعلنت الحكومة عن زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية هذا العام، حيث ارتفعت أسعار مختلف المنتجات البترولية، بما في ذلك البنزين والديزل، بما يتراوح بين 10.5% و 12.9%. وتأتي هذه الزيادة الأخيرة في إطار مساعي الحكومة لمواءمة أسعار الطاقة المحلية مع التكاليف الفعلية والوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي لتخفيض دعم الطاقة والحد من عجز الميزانية المتزايد. وعلى الرغم من الارتفاع، أكدت الحكومة التزامها بتجميد أسعار الوقود المحلية لمدة عام واحد على الأقل بعد هذا التعديل، مستشهدة بتطورات محلية وعالمية مختلفة.
وفي تونس، خرج مئات السكان إلى الشوارع في مدينة قابِس للاحتجاج على التلوث البيئي الشديد الذي يسببه مجمع الفوسفات التابع للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT) المملوكة للدولة، مطالبين إغلاقًه. وقد تصاعدت المظاهرات عندما حاول المحتجون الوصولَ إلى المنشأة الصناعية المصنفة، وهم غاضبون من ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والتقارير الأخيرة عن دخول أطفال المستشفى بعد تسرب غاز جديد. وبالتالي، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود، مما أدى إلى إصابة العديد من المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب.
وبخصوص السودان، التقى الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة هذا الأسبوع لمواءمة الاستراتيجيات بشأن الحرب المدمرة في السودان والتوترات الإقليمية المشتركة. وكانت إحدى النقاط الرئيسية على جدول أعمالهما هي الاجتماع الرباعي القادم—الذي يضم مصر والسودان والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية—المقرر عقده في وقت لاحق من أكتوبر في واشنطن. وأعرب الزعيمان عن أملهما في أن يسفر الاجتماع الرباعي القادم عن نتائج ملموسة لوقف الحرب واستعادة الاستقرار في السودان، حيث أعاد الرئيس السيسي التأكيد على دعم مصر الثابت لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفضه الشديد لأي محاولات لإنشاء كيانات حاكمة موازية. وناقش الزعيمان أيضاً قضية مياه النيل، مكررين رفضهما القاطع لأي إجراءات أحادية الجانب من قبل إثيوبيا بشأن النيل الأزرق تنتهك القانون الدولي.
وفي الختام، أصدر صندوق النقد الدولي (IMF) في هذا الأسبوع تحذيراً مهماً، بناءً على أحدث تقرير صدر له عن التوقعات الاقتصادية الإقليمية، بشأن تزايد مخاطر الديون في جميع أنحاء منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مشيراً إلى أن الحكومات تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض المحلي من البنوك المحلية. وأشار التقرير إلى أنه مع تزايد القيود والتكلفة على التمويل الخارجي، أصبح حوالي نصف إجمالي الدين العام للمنطقة مستحقاً للمؤسسات المالية المحلية، علماً بأن الاقتراض المحلي أصبح أكثر تكلفة من الاقتراض الخارجي. ويقدر صندوق النقد الدولي أن حوالي 20 دولة في المنطقة تواجه حالياً وضعاً ينطوي على خطر كبير من ضائقة الديون، وحث الحكومات على إعطاء الأولوية للإصلاحات العاجلة للسياسات لتعزيز الإيرادات المحلية وتقوية أطر إدارة الديون لضمان النمو المستدام.
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/10/18) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ننطلق في عرض موجز الأنباء الأفريقية لهذا الأسبوع من جنوب أفريقيا حيث أعلن الاتحاد الأوروبي التزمه بحزمة استثمارية كبيرة بقيمة 11.5 بليون يورو (13.3 بليون دولار) في جنوب أفريقيا، تستهدف قطاعات رئيسية تشمل الطاقة النظيفة، والبنية التحتية، والمستحضرات الصيدلانية. وتعد هذه الاستثمارات الضخمة جزءاً من حزمة “البوابة العالمية” (Global Gateway) الاستثمارية للاتحاد الأوروبي، وهي مصممة […]
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/10/11) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>
ننطلق في عرض موجز الأنباء الأفريقية لهذا الأسبوع من جنوب أفريقيا حيث أعلن الاتحاد الأوروبي التزمه بحزمة استثمارية كبيرة بقيمة 11.5 بليون يورو (13.3 بليون دولار) في جنوب أفريقيا، تستهدف قطاعات رئيسية تشمل الطاقة النظيفة، والبنية التحتية، والمستحضرات الصيدلانية. وتعد هذه الاستثمارات الضخمة جزءاً من حزمة “البوابة العالمية” (Global Gateway) الاستثمارية للاتحاد الأوروبي، وهي مصممة لتسريع انتقال جنوب أفريقيا إلى الطاقة المتجددة. وتشمل المجالات المحددة التي يركزعليها جزء الطاقة النظيفة تحديث شبكة الكهرباء الوطنية، وإدخال حلول تخزين الطاقة، وتنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر، مثل مشروع كويغا للأمونيا الخضراء. وبعيداً عن الطاقة، تهدف هذه الاستثمارات أيضاً إلى تعزيز إنتاج اللقاحات والمستحضرات الصيدلانية الأخرى في جنوب أفريقيا لصالح القارة الأفريقية. ويعد هذا التعهد المالي دفعة كبيرة لأكبر اقتصاد في أفريقيا في محاولته جذب المستثمرين لتحسين نموه المتدهور، ومكافحة ارتفاع معدلات البطالة، وتخفيف تأثير الضغوط الاقتصادية الخارجية.
وفي الصومال أعلنت الحكومة عن خططها لتعزيز تدريس اللغة السواحيلية في مدارسها وجامعاتها. وقد أدلى الرئيس حسن شيخ محمود بهذا التصريح في قمة مجموعة شرق أفريقيا (EAC) يوم الثلاثاء، مشيراً إلى أن اللغة السواحيلية ستُدرّس إلى جانب اللغات الرسمية للبلاد، وهي الصومالية والعربية، بالإضافة إلى الإنجليزية. وشدد الرئيس محمود على أن تبني السواحيلية، وهي لغة مشتركة في شرق أفريقيا، “مهم لاندماجنا في المنطقة”. وتعد هذه الخطوة أول اعتماد رسمي للغة داخل الصومال، على الرغم من أن العديد من الصوماليين في كينيا وتنزانيا المجاورتين يتحدثونها بالفعل.
وفي مدغشقر، استخدمت سلطات الشرطة في العاصمة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق مئات المتظاهرين الذين يقودهم الشباب مطالبين بوضع الحد لانقطاعات المياه والكهرباء المتكررة والمُنهِكة. استمرت المظاهرات على الرغم من قيام الرئيس أندري راجولينا بحلّ حكومته والاعتذار عن إخفاقات إدارته في خطاب متلفز. وقد تصاعدت حدة الاحتجاجات إلى أعمال عنف، مع ورود تقاريرعن أعمال نهب وحرق متعمد، وإضرام المتظاهرين النيران في منازل مشرّعين وأعضاء في مجلس الشيوخ معينين من قبل الرئيس. يطالب الشباب بتحسينات جوهرية للخدمات العامة، مشيرين إلى انقطاعات يومية في الكهرباء قد تستمر حتى 12 ساعة، ويلقون باللوم على الفساد وسوء الإدارة في هذا الوضع المتردّي في مدغشقر التي هي واحدة من أفقر دول العالم.
في سيشل، فشلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إفراز فائز واضح، ما استلزم إجراء جولة إعادة بين المتنافسين الرئيسيين، إذ لم يتمكن أي مرشح في الجولة الأولى من تجاوز عتبة 50% المطلوبة لتحقيق فوز صريح، بحيث حصل زعيم المعارضة باتريك هيرميني من حزب سيشل المتحد على أكبر عدد من الأصوات بنسبة 48.8%، ويليه بفارق ضئيل الرئيس الحالي فافيل رامكالاوان بنسبة 46.4%. ومن المقرر إجراء جولة الإعادة بين 9 و 11 أكتوبر، ريثما يتم الانتهاء من الترتيبات الانتخابية النهائية. وشهدت نتائج الانتخابات أيضاً فقدان ائتلاف رامكالاوان لأغلبيته البرلمانية، مما يثير احتمالاً كبيراً لحكومة منقسمة في حال فوزه بالرئاسة.
وفي نيجيريا، منح الرئيس بولا أحمد تينوبو عفواً رئاسياً لمائة وخمسة وسبعين شخصا (175)، بعد إقرار توصيات مجلس الدولة الوطني. وكان من بين الذين تم العفو عنهم بعد وفاتهم، المناضل القومي الراحل هيربرت ماكولاي، الذي أدين من قبل سلطات الاستعمار في عام 1913، واللواء الراحل ممان جيا فاتسا، وهو شاعر وضابط عسكري سابق أُعدم في عام 1986 بتهمة الخيانة. وشمل العفو الرسمي أيضاً مجموعة أوغوني، الذين أُعدموا في عام 1995. أما الذين تم العفو عنهم وهم أحياء، فمنهم المشرع السابق فاروق لاوان وثلاثة أفراد آخرين بعد إظهارهم الندم والاستعداد للاندماج الاجتماعي.
وفي بوركينا فاسو، رفضت الحكومة العسكرية بشكل رسمي اقتراح الولايات المتحدة لقبول أجانب يتم ترحيلهم كجزء من حملة أمريكية لقمع الهجرة. وذكر وزير الخارجية كاراموكو جان ماري تراوري علناً أن بوركينا فاسو رفضت محاولات متعددة من قبل الإدارة الأمريكية لاستقبال مرحلين من دول ثالثة، واصفاً الطلب بأنه “غير لائق وغير محترم”. وأعلن الوزير بشكل قاطع أن “بوركينا فاسو ليست أرض ترحيل”، مجادلاً بأن الضيافة التقليدية للبلاد، التي تجلّت في قرار رفع رسوم التأشيرة لجميع الأفارقة مؤخراً، لا ينبغي أن تستغلها دولة ثالثة تسعى إلى “التخلص من بعض السكان الذين تعتبرهم غير مرغوب فيهم”.
وفي الكاميرون، ظهر الرئيس بول بيا، وهو أكبر رئيس دولة في العالم سناً (92 عاماً)، في ظهور علني نادر في أول تجمع رسمي له للحملة الانتخابية، ساعيا للحصول على فترة رئاسية ثامنة في الانتخابات المقبلة. خاطب الرئيس بيا حشداً من المؤيدين في ملعب ببلدة ماروا في أقصى الشمال، التي تشكل نسبة كبيرة تصل إلى 20% من الناخبين. وأقرّ في خطابه بتحديات المنطقة، متعهداً بتعزيز الأمن ضد هجمات المتطرفين، والحد من ارتفاع بطالة الشباب، وتحسين البنية التحتية للطرق والخدمات الاجتماعية في حال إعادة انتخابه. وكان هذا الظهور لافتاً بشكل خاص لأن بيا كان غائباً بشكل ملحوظ عن مسار الحملة الانتخابية.
ورد في هذا الأسبوع أنه تستعد الحكومة الكونغولية ومجموعة حركة M23 المتمردة لعقد جولة سادسة من المحادثات بوساطة قطرفي الأسبوع المقبل في الدوحة، على الرغم من الاشتباكات المستمرة وتقدم حركة M23 المتواصل غرباً في مقاطعتي شمال كيفو وجنوبها. وقد ركزت المفاوضات على وضع اللمسات الأخيرة على آلية وقف إطلاق نار دائم ومناقشة كيفية تطبيق الاتفاق على الأرض، بما في ذلك السلوك المتوقع من جميع الأطراف ومن سيضمن السلام. وتمثل مسألة دور بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (MONUSCO) نقطة توتر كبيرة وقضية رئيسية في المحادثات، حيث أعربت حركة M23 عن عدم ثقة قوية تجاه مشاركة البعثة. وقد أعد الوسطاء القطريون مسودة اتفاق سلام ستكون جزءاً من المناقشات أيضاً.
ورد أيضا أن ولاية نهر النيل السودانية اجهت مؤخراً فيضانات مدمرة بعد ارتفاع كبير في مياه نهري النيل الأزرق والأبيض، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في البلاد. وأكدت السلطات أن الفيضانات أودت بحياة أكثر من 30 شخصاً وتسببت في تقطع السبل بآلاف آخرين، ودمرت مئات المنازل ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية. وإلى جانب ولاية نهر النيل، تأثرت بشدة مناطق أخرى، بما فيها النيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، بارتفاع منسوب المياه. ولذلك وجهت مصر أصابع الاتهام إلى إثيوبيا، مشيرة إلى أن سدها الذي افتُتح حديثاً على النيل الأزرق يمكن أن يكون عاملاً مساهماً في ارتفاع منسوب المياه.
وفي منطقة القرن الأفريقي، بدأت التوترات تتصاعد بعد أن اتهمت إثيوبيا رسمياً دولة إريتريا بتشكيل تحالف عسكري جديد مع فصيل متشدد من جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) المحظورة لشن حرب ضد إثيوبيا. وقد عرض وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثيوس تفاصيل المزاعم في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مدعياً أن التحالف، الذي يُزعم أن اسمه “تسيمدو” يستعد بنشاط لشن حرب، ويمول ويوجه جماعات مسلحة في إقليم أمهرة الإثيوبي. لكنّ إريتريا قامت برفض المزاعم الإثيوبية ووصفتها بأنها “صناعة استفزازية للعداء”.
في هذا الأسبوع، أطلقت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA)- وهي تكتل تجاري إقليمي يضم 21 دولة ويمثل أكثر من 640 مليون شخص- منصة جديدة للمدفوعات الرقمية بالتجزئة (DRPP)، وهي مصممة لتبسيط التجارة عبر الحدود وجعلها أرخص بكثير. ويجري حالياً تجربة النظام على ممر زامبيا – مالاوي، مع خطط لطرحه بالكامل في جميع الدول الأعضاء الـ 21، بما في ذلك الاقتصادات الكبرى مثل كينيا ومصر. وتتيح المنصة الجديدة للتجار تسوية المعاملات مباشرة بعملاتهم المحلية، مما يحمي الشركات من تقلبات العملات، ويخفف الضغط على احتياطيات الدولار للاقتصادات الكبرى، ويحرر في نهاية المطاف مليارات القيمة المحتجزة لتعميق التكامل الاقتصادي لأفريقيا.
ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع (2025/10/11) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.
]]>