الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/ مؤسسة بحثية استشارية. Wed, 10 May 2023 10:20:04 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.2.2 209004356 الوجود الفرنسي في إفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة https://alafarika.org/ar/5587/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d8%25a7%25d9%2584%25d9%2588%25d8%25ac%25d9%2588%25d8%25af-%25d8%25a7%25d9%2584%25d9%2581%25d8%25b1%25d9%2586%25d8%25b3%25d9%258a-%25d9%2581%25d9%258a-%25d8%25a5%25d9%2581%25d8%25b1%25d9%258a%25d9%2582%25d9%258a%25d8%25a7-%25d9%2588%25d8%25a3%25d8%25a8%25d8%25b9%25d8%25a7%25d8%25af-%25d8%25b2%25d9%258a%25d8%25a7%25d8%25b1 https://alafarika.org/ar/5587/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1/#respond Wed, 10 May 2023 10:13:56 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5587

كانت التوقعات أن هذه الزيارة تحدد أولويات "ماكرون" ونهجه في تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الإفريقية, وخاصة أنه حضر خلالها في الغابون قمة مخصصة لحماية الغابات الاستوائية وتعزيز العلاقات الثنائية في منطقة نفوذ تثير أطماع روسيا والصين بشكل متزايد، بعد أن عانت باريس من سلسلة انتكاسات عسكرية وسياسية في منطقة نفوذها السابقة.

ظهرت المقالة الوجود الفرنسي في إفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

في إطار سباق النفوذ الذي تشهده القارة الإفريقية مؤخرًا بين الولايات المتحدة وروسيا، شهدت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال الفترة الأخيرة مجموعة من الزيارات الرسمية لكلا البلدين لإفريقيا؛ إذ شهدت مالي زيارة لوزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين؛ لا سيَّما بعد الأحداث الأخيرة التي تشهدها باماكو، بالإضافة إلى مناقشة الرؤية السياسية للحكومة الانتقالية، وسعيها لتعزيز العلاقات الاستراتيجية والأمنية مع موسكو، وتناول اللقاء آليات تعزيز التعاون المشترك بين روسيا ومالي، والعمل على تعزيز الخطط التنموية التي تتماشى مع تطلعات كلا البلدين. وأكد “لافروف” على استمرار دعم بلاده لمالي، لا سيما في جهود مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة، والتي تهدد حالة استقرار منطقة الساحل للتغلب على التحديات الأمنية التي تواجهها دول المنطقة.

وعلى هذا النحو، تسلط هذه الورقة الضوء على المحاور التالية:

أولًا: استراتيجية الرئيس الفرنسي الجديدة بشأن القارة الإفريقية

وفي هذا السياق، تعمل فرنسا على تعويض انسحابها من بعض مناطق الساحل الإفريقي؛ إذ أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” سيعرض استراتيجيته الجديدة بشأن إفريقيا للسنوات الأربع المقبلة من أجل “تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الإفريقية”، وذلك في جولته إلى إفريقيا في بداية مارس الماضي (2023)، والتي تضمنت الغابون وأنغولا وجمهورية الكونغو (برازافيل) والكونغو الديموقراطية – وهي مناطق بعيدة عن المستعمرات الفرنسية السابقة في منطقة الساحل المضطربة.

وكانت التوقعات أن هذه الزيارة تحدد أولويات “ماكرون” ونهجه في تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الإفريقية, وخاصة أنه حضر خلالها في الغابون قمة مخصصة لحماية الغابات الاستوائية وتعزيز العلاقات الثنائية في منطقة نفوذ تثير أطماع روسيا والصين بشكل متزايد، بعد أن عانت باريس من سلسلة انتكاسات عسكرية وسياسية في منطقة نفوذها السابقة.[1]

ومن خلال ذلك، تحاول فرنسا إعادة بناء علاقاتها مع الدول الإفريقية بصعوبة في قارة تشكك شريحة متزايدة من سكانها في وعود الرئيس “إيمانويل ماكرون” بتغيير نهجه الدبلوماسي بشكل جذري؛ إذ أتت الجولة بعد أكثر من أسبوع بقليل طرد بوركينا فاسو القوات الفرنسية، وإنهاء اتفاق عسكري سمح لفرنسا بقتال المسلحين في الدولة الواقعة غرب إفريقيا، لتصبح أحدث دولة أفريقية ترفض مساعدة باريس. وفي وقت سابق، كانت فرنسا قد سحبت قواتها من مالي العام الماضي، بعد أن بدأ المجلس العسكري هناك تعزيز علاقتها مع روسيا ومزاعم التعاقد مع مرتزقة “فاغنر” الروسية، ما أنهى 10 سنوات من العمليات الفرنسية ضد الجماعات المسلحة ومواجهة باريس حالة من  الشعور المناهض لها، وهو الأمر الذي قد يدفعها إلى تطوير موقفها باتجاه مزيد من الإصغاء والتواضع – حتى وإن كانت تحذر أيضاً من الذين يلجؤون إلى روسيا.([2])

ثانيًا: الصراع الروسي الفرنسي في غرب أفريقيا

على الرغم من العقبات التى تواجهها روسيا على الجبهة الأوكرانية بسبب الحشد الغربي ضدها؛ فإنها تُحرز تقدما على جبهة أخرى من خلال نفوذها الناعم في مناطق إفريقيا الفرنكوفونية. وقد أظهر انقلاب النقيب “إبراهيم تراوري” في بوركينا فاسو الذي أطاح بحكومة “بول هنري داميبا” العسكرية في 30 سبتمبر 2022 مدى توسع هذا النفوذ[3]، وليس بخافٍ أن بوركينا فاسو كانت في الأشهر الأخيرة هدفا لسياسات الحرب الدعائية الهجينة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تتهم العقيد المخلوع “داميبا” بأنه عميل فرنسي. وقوضت الدعاية الروسية باستمرار ثقة السكان المحليين في القوات الفرنسية المنتشرة في المنطقة لمحاربة الجماعات المسلحة العنيفة. وهناك تقارير أخرى اتهمت فرنسا أيضا بتمويل حملات دعائية في المنطقة لتعزيز نفوذها وأجنداتها في المنطقة.([4])

أ- استخدام روسيا للأداة العسكرية في إفريقيا: كما حدث في بوركينا فاسو، تعرضت مالي لانقلابين بين عامي 2020 و 2021 قام بهما ضباط معادون لفرنسا مما دفع إيمانويل “ماكرون” إلى إنهاء الانتشار العسكري الفرنسي الذي يحارب الجماعات المسلحة العنيفة في البلاد. وبعد إعلان القادة العسكريين الجدد القطيعة مع فرنسا، قام مرتزقة “فاغنر” الروس بالانتشار في المعسكرات التي هجرتها القوات الفرنسية. وبالمثل يمكن أن نلمس خطابا شعبويا معاديا للفرنسيين في النيجر. وفي يونيو 2022، علق الرئيس إيمانويل “ماكرون” جميع المساعدات المالية والعسكرية المقدمة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى بعد اتهام حكومتها بأنها رهينة مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية. كما تخشى فرنسا تبني نفس الخطاب الشعبوى المناهض لها في كل من السنغال وكوت ديفوار. وربما يفسر هذا التقدم السريع في النفوذ الروسي في إفريقيا جزئيًا خطاب “ماكرون” الغاضب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2022، والذي اتهم فيه (ضمنيًا) الدول الأفريقية بخيانة مصالحها طويلة الأجل من خلال رفض إدانة “الاستعمار الجديد” الذي يقوم به “فلاديمير بوتين” من خلال غزو ​​أوكرانيا.([5])

ب- تحولات في “فرانس أفريك”: في عام 1998 صرّح الرئيس “فرانسوا ميتران” أنه “بدون أفريقيا، لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين”. وتعود جذور العلاقة الوثيقة التي تقيمها فرنسا مع مستعمراتها السابقة في غرب إفريقيا إلى مفاوضات إنهاء الاستعمار التي جرت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي, حيث اختارت هذه المستعمرات، باستثناء غينيا كوناكري، تحقيق استقلالها الوطني مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع فرنسا، على أمل تجنب الصراع والاستفادة من انتقال أكثر سلاسة إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي. بالنسبة لفرنسا، كان الحفاظ على العلاقات مع مستعمراتها السابقة يعني الحفاظ على نفوذها على الأراضي التي تتيح لها الوصول إلى النفط والمواد الخام والأسواق الاستهلاكية غير المستغلة.([6])

ج- عوامل التراجع الفرنسي في أفريقيا الفرنكوفونية: وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلى التراجع الفرنسي في أفريقيا الفرنكوفونية:[7]

– العامل الأول، وهو الأهم، يتمثل في عسكرة الوجود الفرنسي في أفريقيا. وهذا يعني، الطريقة التي تعبر بها فرنسا عن نفسها من وجهة نظر عسكرية في مستعمراتها السابقة، والتي يمكن أن نطلق عليها مسمى “الكتلة الفرنكوفونية”. في الماضي، شكلت غرب إفريقيا وإفريقيا الاستوائية كتلتين تاريخيتين منظمتين ومتماسكتين إلى حد ما. عملت فرنسا جاهدة للحفاظ على نفوذها بعد الاستقلال من خلال التدخلات والعمليات الخارجية التي أضفت على الوجود الفرنسي طابعا عسكريا (سياسة العصا الغليظة). هناك أكثر من 70 عملية خارجية فرنسية في إفريقيا. ويوجد اليوم شعور متزايد بين الشباب الأفريقي بأن هذا الوجود العسكري لم يعد ضروريًا، وبأنه عفا عليه الزمن ولا يتوافق مع سياق الواقع المتغير. من الناحية الرمزية، يحمل الوجود الفرنسي شحنة سالبة وصورة ذهنية لجنود الدولة الاستعمارية السابقة في بعض البلدان. وعليه يصبح من المفهوم أن الرأي العام بات معاديا لهذا الوضع الذي يتم مقاربته بمفهوم الاحتلال. ومن المعروف أن الجنود الفرنسيين لديهم مسؤوليات مهمة وإيجابية للغاية في بعض العمليات، وأدت إلى إحلال السلام وتحقيق الأمن على الأرض. ولكن هناك أيضًا عمليات سرية وتدخلات فرنسية سيئة السمعة. على سبيل المثال التدخل الفرنسي في الإطاحة ببعض الرؤساء والمساعدة في تنصيب آخرين. هذا الوجود قد خط شكلاً من أشكال التردد وعدم الثقة في العقل الجماعي الأفريقي. يُنظر إلى الجندي الفرنسي، عن حق أو خطأ، على أنه أداة فرنسية للتدخل في الشئون الأفريقية.

– العامل الثاني يتمثل في الصور الذهنية وغطرسة فرنسا وتعالي نخبها. هذا العامل لا يستهان به بين الأفارقة. قام الصحفي الفرنسي فريديريك ليجيل في كتابه الأخير بعنوان “تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا “الصادر في باريس هذا العام، بإجراء مقابلات مع ما يقرب من مائة شخصية أفريقية ومعارضين ووزراء سابقين ورؤساء وزراء ومؤثرين في الرأي وقادة المنظمات غير الحكومية وقادة المجتمع المدني. كانت النتيجة صادمة حيث برز دوما عامل الاستعلاء والغطرسة. هذه القدرة التي يتعين على فرنسا أن تضعها لنفسها حينما ترتدي ثياب الواعظين وتمشي في الأرض تخطب وتسب المفسدين، رغم أنها تفعل عكس ذلك في الممارسة العملية. من الواضح أن هذا الانفصام في الدور الفرنسي هو ما أفسد صورة فرنسا في إفريقيا.

– العامل الثالث والأخير, وهو سياسي مرتبط بسابقه. قد يكون لدى فرنسا نوايا حسنة عندما تدافع عن سيادة القانون والديمقراطية. ولكن في المقابل عندما تدافع من الناحية الواقعية عن أنظمة تسلطية لا تحترم أبسط قواعد حقوق الإنسان، فإن ذلك يعني عدم احترام إرادة الشعوب الأفريقية. إن التعاون القائم مع دول معينة، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الدفاعي والأمني، يُظهر للأفارقة الذين يتظاهرون للمطالبة بمزيد من الحريات أن يد فرنسا وقبضتها العسكرية تحول بينهم وبين ما يطمحون.

ثالثا: الصعود الصيني في ظل تناقص الوجود الفرنسي والأمريكي

سعت بكين لتنويع أدواتها نفوذها داخل القارة الإفريقية بين الأداتين الاقتصادية والعسكرية، وهو ما منحها نفوذ قوى داخل القارة الإفريقية، لا سيما في ظل اتجاه الوجود الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالي، وتغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إفريقيا، وتراجع ترتيبها في أجندة أولوياتها في الوقت الحالي([8]). ولعل هذه التكهنات تستدعي الوقوف على تحليل حقيقة تأثير الحرب الأوكرانية على الدور الصيني تجاه القارة الإفريقية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال التعرف على مدى تأثر المصالح الروسية بالعقوبات الغربية التي فرضت عليها جراء تدخلها في أوكرانيا، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي؛

أ- تأثر المصالح الروسية في إفريقيا في ظل العقوبات الغربية؛ تضمنت المصالح الروسية في إفريقيا شقيها العسكري والاقتصادي، فبالنسبة للجانب العسكري، فيبرز في التعاون العسكري مع دول غرب إفريقيا من خلال صفقات الأسلحة، والوجود الروسي في كل من بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، بالإضافة لمبيعات الأسلحة الروسية في السوق الإفريقية التي بلغت نحو 37.6 وفقًا لإحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أما عن الجانب الاقتصادي فتضمن التعاون في مجال الطاقة، والمعادن النفيسة، وهو ما يشير إلى أن القارة الإفريقية تمثل السوق الفاعلة للجانب الروسي فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، بالإضافة للنفط والغاز الطبيعي، اليورانيوم وغيرها[9]، لذا فهي شريك واعد وجوهري في استراتيجية الدب الروسي.

أما عن تأثر تلك المصالح بالعقوبات الغربية، فرغم عدم وجود بيانات تفيد بذلك حتى الآن، فمن غير المُرجَّح أن تتأثر تلك المصالح بتجميد الأموال الروسية أو حتى حظر النفط والغاز الروسي، والتقييد الغربي على الشركات الروسية المختلفة، بل من المتوقع أن تسعى موسكو لاستغلال الأداة الإفريقية للحد من الآثار السلبية التي قد تلحق باقتصادها في ظل الحرب من جانب، وتخفيف حدة العزلة المفروضة عليها، لذا فهذا الأمر لن يترك للجانب الصيني المجال للتوسع في القرن الإفريقي، بل أنه قد يفرض تحديات على الجانب الصيني والمتمثلة في كيفية الحفاظ على مبادرة الحزام والطريق في ظل التوقعات المحتملة باتجاه روسيا لتعزيز حضورها داخل القارة في مواجهة القطيعة الغربية لتحقيق التعاون المشترك والاستفادة في ظل تلك الأزمة من الوجود الإفريقي.([10])

رابعا: مستقبل واشنطن في حربها ضد الإرهاب داخل إفريقيا

شهدت المنطقة الإفريقية مؤخرًا تزايد خطر الإرهاب على القارة، وذلك في ضوء اقتراب التنظيمات الإسلاموية من تحقيق هدفها المتمثل في إقامة “دولة الخلافة” في إفريقيا، فبالنظر إلى التقديرات التي أوردها “مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية” التابع للبنتاجون عن تفاقمت الهجمات الإرهابية في إفريقيا بنسبة 300٪ خلال العقد الماضي، وتضاعفت الهجمات الإرهابية العنيفة على مدى السنوات الثلاث الماضية في ضوء تخفيف قيود حظر كورونا، وارتفاع معدلات البطالة، وكلها تطورات جعلت إفريقيا جنوب الصحراء “مركزًا للإرهاب”. [11]

ومع انتشار الإرهاب عبر عشرات الدول الإفريقية ويمكن التساؤل حول استراتيجية واشنطن للانخراط بفاعلية في “الحرب على الإرهاب”؛ وذلك بالنظر إلى الانخراط الملحوظ لعدد من القوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة– في صدارتها الصين وروسيا-  في الشؤون الإفريقية، وذلك في مقابل خفوت الدور الأمريكي على الساحة الإفريقية للحد الذي دفع البعض للاعتقاد بأن واشنطن ربما تنسحب من “الحرب على الإرهاب” في القارة، وفي هذا الصدد يتعيَّن على واشنطن تدشين شراكة جديدة مع الدول الإفريقية على غرار الشراكات الاستراتيجية التي دشَّنتها القوى الدولية الأخرى في الوقت الراهن؛ فالولايات المتحدة تغفل الفرص الاقتصادية الكبيرة التي ستنتج عن الشراكات الأفروأمريكية، ومن ثم، لا تعبأ بتعزيز دورها أو تفعيل انخراطها في إفريقيا.[12]

وبالنظر إلى المكاسب الاقتصادية التي تحققها الشراكات مع إفريقيا، أشارت تقارير إلى أن القارة تحتوي على ثُلث احتياطيات العالم من المعادن، بما في ذلك المعادن التي تُعتبر بالغة الأهمية لأنظمة الدفاع الأمريكية، كما أن الدول الإفريقية تتصاعد مكانتها على الساحة الدولية فيما يخص تصدير النفط، وتؤثِّر الصادرات النفطية الإفريقية -وإنْ لم تتجه لواشنطن- على استقرار أسعار النفط العالمية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن في ظل الاضطرابات العنيفة التي تشهدها سوق النفط العالمية مع استمرار الأزمة الروسية – الأوكرانية.

خاتمة

تعد علاقة فرنسا بإفريقيا علاقة تاريخية، وكما قال الرئيس ميتران فإن أفريقيا ضرورية لفرنسا لاستفادتها من موارد القارة وما تمنحها من الشعور بالقوة والتألق على المستوى الدولي، سواءا من خلال قواتها المتمركزة مسبقًا في الكتلة الفرنكوفونية والتمثيل الأفريقي في الأمم المتحدة. ويعني ما سبق أن إفريقيا في باريس جزء من مجال “محجوز” دائما في قصر الإليزيه، وأن السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا تتم في معقل رئاسة الجمهورية، وليس في أي مكان آخر، حيث لم يكن للبرلمان الفرنسي رأي رئيسي في السياسة تجاه القارة. ولا يزال هذا هو الحال مع “إيمانويل ماكرون” الذي يمكنه اتخاذ قرارات التدخل العسكري دون استشارة البرلمان، الأمر الذي يجعل ما يفعله “ماكرون” منذ ولايته الأولى كمحاولة للتجمل؛ إذ يواجه إرثًا يختمر منذ عدة عقود في ظل سياقات المنافسة العالمية التي يشهدها الوضع الدولي الراهن. وهذا قد يُفسر أيضا جانبًا من الصورة التي ترفع أطرافًا مثل الصين وروسيا وتخفض أطرافًا أخرى مثل القوى الاستعمارية السابقة وعلى رأسها فرنسا.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] رحمة حسن، جولة ماكرون الأفريقية.. استراتيجية فرنسية جديدة لإعادة التموضع الأفريقي، المرصد المصري، مارس 2023. https://marsad.ecss.com.eg/75852/

[2]–  Macron flies to Africa to counter waning French influence, Reuters, 27 February, 2023, https://reut.rs/3NRqJhF

[3] Farouk Hussein Abodeif, Post-coup Burkina Faso: Security of the African coast after France’s withdrawal https://trendsresearch.org/insight/post-coup-burkina-faso-security-of-the-african-coast-after-frances-withdrawal/

[4] – حكيم أَلَادَيْ نجم الدين, الدعاية الإعلامية وتعزيز الوجود العسكري: إستراتيجية جديدة لأوروبا في الساحل. مركز الجزيرة للدراسات, 29 ديسمبر 2022, https://bit.ly/3nHKopU

[5] صراع الخبز والسلاح.. هكذا تلاحق أميركا روسيا في أفريقيا، سكاي نيوز عربية، فبراير 2023. https://bit.ly/42wREU4

[6] صلاح خليل، سياسات العودة: الأدوات الجديدة لفرنسا إلى أفريقيا، المركز المصري للفكر، ابريل 2023. https://ecss.com.eg/33468/

[7] تحليل: فرنسا تخوض معركة وجود بأفريقيا.. ماذا بيد ماكرون من أوراق؟، https://bit.ly/3ppXPLn

د. حمدي عبد الرحمن، معضلة ماكرون: هل تفقد فرنسا نفوذها في أفريقيا؟، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، http://ncmes.org/ar/publications/analytical-articles/725

 [8]لويد ثرال، واشنطن وتنامي النفوذ الصيني في أفريقيا، مركز المستقبل،https://bit.ly/3soF2Qn

[9] خالد البوهالي، هل سيتأثر الحضور الروسي في غرب أفريقيا بالأزمة الأوكرانية؟، 29 أبريل 2022، https://bit.ly/3svi0Gr

[10] روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات التي يجري فرضها على موسكو؟، بي بي سي عربي، 23 فبراير 2022، https://www.bbc.com/arabic/world-60488050

[11]Jake Sulliva, Keynote Address by National Security Advisor Jake Sullivan, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/keynote-address-national-security-advisor-jake-sullivan

[12] نورة الحبسي، خالد أحمد محمد فياض، القمة الأمريكية الأفريقية في ضوء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، مركز تريند للبحوث، https://trendsresearch.org/ar/insight/african-american-summit/

 

ظهرت المقالة الوجود الفرنسي في إفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5587/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1/feed/ 0 5587
ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d9%2585%25d8%25a7%25d8%25b0%25d8%25a7-%25d9%2588%25d8%25b1%25d8%25a7%25d8%25a1-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b5%25d8%25b1%25d8%25a7%25d8%25b9-%25d9%2581%25d9%258a-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b3%25d9%2588%25d8%25af%25d8%25a7%25d9%2586%25d8%259f-%25d9%2588%25d8%25a5%25d9%2584%25d9%2589-%25d8%25a3%25d9%258a%25d9%2586-%25d9%258a https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/#respond Tue, 02 May 2023 08:14:19 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5573

الصراع الجاري يزكيه اختلاف مصالح البرهان وحميدتي وأهداف القوى التي تدعمهما وترى مصالحها مع إحدى طرفي الصراع - وهو ما ما قد يطيل أمد الحرب ويصعّب إمكانية توقّع أوان انتهاء القتال -، وخاصة أن الجانبين يعلنان السيطرة على مواقع رئيسية في السودان، مع ورود أنباء عن معارك في مناطق مختلفة وفي أماكن بعيدة عن العاصمة الخرطوم.

ظهرت المقالة ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

اندلع في 15 أبريل 2023 القتال بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بـ حميدتي). وهذا التطور بمثابة مساعي الهيمنة الجديدة على السلطة وتتويج لما يعتبره الطرفين صراعًا وجوديًا تحركه مصالح طرفي الصراع وأهداف قوى دولية أخرى في الدولة الغنية بموارد كثيرة والواقعة في موقع استراتيجي على المستوى الإفريقي والدولي مما يجعل الجميع يريدون “جزءًا” من السودان.

وقد خلف القتال ما لا يقل عن 500 قتيل، وفرار أكثر من 50,000 شخص من السودان بحلول يوم  28 أبريل 2023 (والأعداد بالتأكيد في تزايد مع استمرار الحرب)، وقيام الحكومات من جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا والأمريكتين بإجلاء مواطنيها من المعلمين والطلاب والعمال وموظفي سفارتها من العاصمة الخرطوم.

وفي حين أن إجلاء الأجانب من السودان قد يؤدي إلى تقاعس المجتمع الدولي من أدوارها للضغط على الأطراف المتنازعة وحل الأزمة في أقرب وقت ممكن؛ فإنه قد يفسح المجال أيضا إلى الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة سيكون مدمرًا بالنسبة للسودان وسيخلق أيضًا تموجات يمكن الشعور بها في إفريقيا وجميع أنحاء العالم الجيوسياسي، وأيضًا يشعر بمرارتها وقسوتها الشعب السوداني في المقام الأول ودول الجوار وتؤثر على العالم كله.

الأهمية الاستراتيجية للسودان

لا شك أن أهمية موقع السودان الاستراتيجي وسواحله الطويلة على البحر الأحمر الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بآسيا، هو أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم؛ إذ يتمتع السودان بموقع استراتيجي على البحر الأحمر الذي يمر عبره ما يقرب من 10 في المائة من التجارة العالمية، وتربط قناة السويس الأسواق الآسيوية والأوروبية. وكذلك حدود السودان مع دول ذات أهمية استراتيجية أخرى؛ إذ تحدها من الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد من الغرب ومصر من الشمال وإريتريا من الشمال الشرقي وإثيوبيا من الجنوب الشرقي وليبيا من الشمال الغربي وجنوب السودان من الجنوب والبحر الأحمر. وفي عام 2022 قُدِّر عدد سكان السودان بـ 45.7 مليون شخص وتعتبر ثالث أكبر دولة أفريقياً وعربياً من حيث المساحة. وتحتلّ السودان مكانة كبيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, ليس فقط لحدودها مع المنطقة, بل لعلاقاتها التاريخية مع دولها مما تجعل السودان بوتقة الثقافات الإفريقية والعربية الاسلامية.

ويعدّ السودان موقع اندماج نهري النيل الأبيض والأزرق, حيث من هناك يشكّلان النيل الرئيسي الذي كشفت تطورات العقود الماضية أن إدارة مياهه بشكل آمن أمر بالغ الأهمية لاستقرار المنطقة, وبخاصة أن مصر – جارة السودان الشمالية – تعتمد بنسبة 90 في المائة على النهر لتزويدها بالمياه، بينما تتطلع إثيوبيا إلى الشرق لمضاعفة توليد الكهرباء من خلال مشروع بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل والذي بدأت إثيوبيا ملأها بين عامي 2020 و 2021 دون اتفاق مع مصر.

ثم هناك للسودان موارد معدنية هائلة؛ إذ تعد ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، ولها احتياطيات نفطية كبيرة وتنتج أكثر من 80 في المائة من الصمغ العربي في العالم – أحد مكونات المضافات الغذائية والطلاء ومستحضرات التجميل- بالإضافة إلى الموارد الزراعية والحيوانية التي تنعم بها السودان, الأمر الذي أوجد تنافسا دوليا عليها للاستفادة من خيراتها. ومساعي أطراف أجنبية مختلفة، مثل روسيا والولايات المتحدة والصين واسرائيل وتركيا وقوى خليجية مثل الإمارات والسعودية, لإقامة علاقات مع أطراف سودانية مختلفة لتحقيق مصالحها.

الجيش السوداني وفشل الانتقال الديمقراطي

يحظى الجيش السوداني بقيادة البرهان بدعم كثير من السودانيين منذ بدء القتال منتصف أبريل، حتى وإن كان الجيش السوداني وقادته ليسوا برآء من التورط في الوضع الحالي؛ إذ تحالف البرهان وحميدتي للإطاحة بـ عمر البشير في عام 2019 عرقلا مع القادة العسكريين الآخرين مساعي الانتقال إلى حكومة مدنية ديمقراطية بعد سقوط ما يقرب من ثلاثة عقود من حكم البشير الذي أطاح به الجيش إثر الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بسبب ارتفاع أسعار الخبز.

وإذا كان حكم البشير اتسم بعدة قضايا وتطورات, فقد كان على رأسها انفصال جنوب السودان عن الشمال, كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في جرائم حرب مزعومة في دارفور. وحكم السودان بعد الإطاحة بالبشير تحالفٌ غير مستقر بين الجيش والجماعات المدنية, وفاقمت الأزمة في عام 2021 عندما دبّر البرهان وحميدتي انقلابًا عسكريًا أطاح برئيس الوزراء المدني والحكومة وعلق الدستور.

ونشأت التوترات بينهما بعد انقلاب 2021 بعد اتفاق القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والقادة السياسيين المدنيين على إطار عمل جديد للانتقال الديمقراطي في ديسمبر 2022، حيث ظهرت أثناء المفاوضات أسئلة شملت دمجَ قوات الدعم السريع في الجيش السوداني, ومن سيتولى على قيادة الجيش الموحد ويكون تابعًا للآخر في ظل التسلسل الهرمي العسكري الجديد. بالإضافة إلى انحياز مختلف الأطراف الإقليمية والقوى الدولية لهما والاستفادة من مكانتهما لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في السودان.

جدير بالذكر أن البرهان هو زعيم الجيش السوداني في الأساس، كان وقت الإطاحة بالبشير المفتش العام للجيش. ويعزى إليه أيضا أداء دور بارز في عام 2000 إبان الأيام المظلمة لنزاع دارفور، حيث تقول بعض المصادر إنه التقى بحميدتي فيها لأول مرة في تلك الفترة. وعزز صعوده إلى السلطة السودانية من خلال كسب القوى الخليجية والأوروبية وقيادته لكتائب من القوات السودانية الذين خدموا مع قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي

يقود قوات الدعم السريع محمّد حمدان دقلو (حميدتي), وهو من مواليد 1975 في قبيلة الرزيقات والذي انقطعَ عنِ الدراسة في سنّ الخامسة عشر بعدما توجّه لممارسة تجارة الإبل والقماش وحماية القوافل. وتشكّلت قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي منذ تأسيسها من خلال مجموعة من الميليشيات (أوالمعروفة بالجنجويد) التي انخرِطت في الصراع الدائر في دارفور, وذلك من أجل محاربة الجماعات المتمردة في مناطق وأقاليم شملت دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق, في أعقاب الهجمات المشتركة التي شنها متمردو الجبهة الثورية السودانية في أبريل 2013 في شمال وجنوب كردفان.

ولقيت قوات الدعم السريع دعما مُباشراً من الرئيس السابق عمر البشير وصارت قوّة موازيّة ومنافسة للجيش السوداني حيث وصل عددها طبقا لبعض المصادر إلى 100 ألف مُقاتل ومجهّزة بالعتاد والسلاح. وانخرطت القوات مُباشرةً في صراعات محلية وسطَ تقارير حول ارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة, وأن حوالي 40 ألف مقاتل من قوات الدعم السريع شاركوا بين 2016-2017 في الحرب الأهلية اليمنية, بالإضافة إلى تواجد حوالي 1000 جندي من قوات الدعم السريع في ليبيا في يوليو 2019 لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

وتمكّنت قوات الدعم السريع من تمويل أنشطتها عبر أدوارها المختلفة وعلاقاتها الخارجية؛ إذ تلقت دعما من الدول الأوروبية والأفريقية لتسيير دوريات على الحدود مع ليبيا والحدّ من اللاجئين الإريتريين والإثيوبيين ووقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وهناك تقارير بين عامي 2017 و2019 بأن حميدتي استخدم قوات الدعم السريع للسيطرة على مناجم الذهب دارفور، وأن شقيقه عبد الرحيم – هو نائب رئيس قوات الدعم السريع – يترأس شركة الجنيد (Al Gunade) التي تعمل في مجال تعدين الذهب وتداوله في السودان والمتهمة في ديسمبر 2019 بارتباطها الوثيق مع قوات الدعم السريع من حيث المعاملات المالية. إضافة إلى شركتين أخريين داخل السودان وفي الإمارات العربية المتحدة التي يسيطر عليهما القوني حمدان دقلو – شقيق حميدتي.

الصراع الحالي ودور القوى الدولية

توقفت المفاوضات لحل القضايا العالقة بشأن إطار العمل الجديد للانتقال الديمقراطي في ديسمبر الماضي, وتصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي في الأسابيع التي سبقت أعمال العنف الحالية. وتصارع الجانبان للسيطرة على المؤسسات الرئيسية في السودان، حيث تركّز معظم القتال حول مواقع مثل القصر الرئاسي والمقر العسكري للقوات المسلحة السودانية ومطار الخرطوم.

ويتبادل كل من البرهان وحميتي الاتهامات بشأن من بدأ الاشتباكات في الخرطوم بالرغم من أن جميع المؤشرات تؤكد على أن كلا من البرهان وحميدتي كانا يتوقعان المواجهة ويستعدان لها وأنهما فقدا الثقة في العملية السياسية. ويؤكد هذا ما أفادت به التقارير بأنه في الأسابيع السابقة من اندلاع القتال نشرت قوات الدعم السريع أعدادًا كبيرة من مقاتليها في الخرطوم، بينما نشرت القوات المسلحة السودانية دبابات وأسلحة ثقيلة, وأنه قبل أيام قليلة من الاشتباكات انتشرت قوات الدعم السريع في مدينة مروي الواقعة في الجزء الشمالي من السودان ووقع القتال هناك.

وقد أصدر الجيش السوداني قرار حل قوات الدعم السريع, وتصنيف مقاتليها كـ “متمردين” ضد الدولة السودانية ووصف هجومها بـ “محاولة انقلاب” مع إصدار أوامر بالقبض على قائدها – حميدتي – ومحاكمته أمام القضاء.

وفي المقابل يصف حميدتي قائد الجيش السوداني – البرهان – بالانقلابي والإرهابي والإسلامي, وأنه يحاول إعادة فلول حكومة البشير والإسلاميين إلى السلطة, مؤكدا أن قوات الدعم السريع “تسعى للقبض عليه” وتقديمه إلى العدالة بسبب “العديد من أعمال الخيانة ضد الشعب السوداني”.

على أنه رغم المساعي الإقليمية المتتالية والدعوات الدولية المختلفة لتهدئة الوضع وإنهاء الأعمال العدائية والجهود مستمرة لتأمين وقف إطلاق النار؛ فقد ظهرت إشارات تؤكد دور القوى العالمية في الأزمة؛ إذ أدت الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية إلى اجتذاب السودان شركاء دوليين راغبين في مواردها وساعين لتحقيق أجنداتها الإقليمية.

وعلى سبيل المثال، رأت السعودية والإمارات العربية المتحدة في الإطاحة بالرئيس عمر البشير فرصة للقضاء على “الإسلاميين” وتحقيق الاستقرار في المنطقة والاستثمار في المشاريع الزراعية وموانئ البحر الأحمر. وفي عام 2017ألغت الولايات المتحدة عقوباتها طويلة الأمد ضد السودان، مما سمح للشركات الأمريكية بمتابعة مصالحها التجارية في السودان، وضغطت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على الخرطوم كي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل لصالح شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

بل وأيّدت الغرب قرار البرهان في ضرورة دمج قوات الدعم السريع إلى الجيش السوداني, إلى جانب ما يحظى به من دعم وتأييد من السعودية ومصر وفق رأي بعض المحللين السياسيين. هذا إلى جانب ما تناقلته بعض وسائل الاعلام عن دعم الإمارات لـ حميدتي, وكذلك إسرائيل ولخليفة حفتر في ليبيا, مما يؤشر على تعقيد الموقف الحالي.

وهناك عامل آخر مرتبط بالذهب السوداني؛ إذ بالرغم من العقاب المفروض على موسكو بعد غزو أوكرانيا عام 2022زوّد السودان روسيا بشريان حياة اقتصادي من خلال احتياطياته من الذهب. ويمكن تتبع اهتمام روسيا بالذهب السوداني إلى عام 2017 بعد اجتماع بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإنشاء شركة تابعة لمجموعة فاغنر الروسية التي تنشط الآن في بعض دول إفريقية. وهناك تقارير بأن موسكو أصبحت تدعم حميدتي منذ انقلاب 2019 بتوسعة نفوذه داخل السودان وسيطرته على أغنى مناجم الذهب في البلاد, وأنه يحصل في المقابل على مساعدة سياسية وعسكرية روسية, كما كشف مسؤولون أمريكيون أن مجموعة فاغنر عرضت على قوات الدعم السريع أسلحة شملت صواريخ أرض-جو.

وفي حين يرى البعض أن فرنسا قد تدعم البرهان لاستياء باريس من وجود فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى ومخاوف الحكومة التشادية من تصاعد أنشطة قوات الدعم السريع والمتمردين المسلحين التشاديين على الحدود التشادية السودانية؛ فإن للصين أيضا مصالح كبيرة في السودان وخاصة أنها أحد المستثمرين الرئيسيين في البلاد خلال حكم البشير وواحدة من الدول القليلة التي زودت النظام بالسلاح. وتعمل أكثر من 20 شركة صينية في التعدين السوداني باستثمارات إجمالية تزيد عن 100 مليون دولار. كما صدّر السودان منتجات بقيمة 780 مليون دولار إلى الصين في عام 2021. وتعدّ السودان أيضا جزءا من مبادرة “الحزام والطريق”, حيث منحت بكين السودان بين عامي 2011 و 2018 قروضًا تقدر بنحو 143 مليون دولار أمريكي واستثمرت في مشاريع مثل إنشاء خطوط أنابيب النفط السودانية وجسور النيل ومصانع النسيج وخطوط السكك الحديدية.

المخرج من الأزمة والسيناريوهات المحتملة

من خلال ما سبق اتضح أن الصراع الجاري يزكيه اختلاف مصالح البرهان وحميدتي وأهداف القوى التي تدعمهما وترى مصالحها مع إحدى طرفي الصراع – وهو ما ما قد يطيل أمد الحرب ويصعّب إمكانية توقّع أوان انتهاء القتال -، وخاصة أن الجانبين يعلنان السيطرة على مواقع رئيسية في السودان، مع ورود أنباء عن معارك في مناطق مختلفة وفي أماكن بعيدة عن العاصمة الخرطوم. وقد عزّز الصراعُ ظهورَ قراءات مختلفة ومزاعم سعي قوى أجنبية معينة وراء تحقيق مشاريعها في السودان على غرار انفصال جنوب السودان في عام 2011. وتشمل المزاعم أيضا فكرة مشروع تقسيم السودان إلى أربعة دول أو كونفدراليات تحت مسمى “الولايات السودانية المتحدة”.

وهناك دعوات من الدول المجاورة للسودان بقيادة كل من إثيوبيا وجنوب السودان وغيرهما من الدول الإقليمية التي ترى أن استقرارها في استقرار السودان وأمنه. كما تضمنت مبادرات مختلفة أخرى إلى وقف الحرب فورا حقنا لدماء السودانيين ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني والإسراع في المسار الديمقراطي ومشاركة المدنيين السودانيين في الحكم جنبا إلى جنب العسكريين, وأن طول الحرب واستمراره سيؤدي إلى تفتيت البلاد وتقسيمها, خاصة في ظل الظروف التي تمرّ بها دارفور والعوامل التي قد تؤدي إلى انفصالها.

ومن التوقعات والسيناريوهات المحتملة في حالة عدم التوصل السريع لمنطقة وسطى للحل:

الأول: أن تخرج غالبية الشعب السوداني في الشوارع مطالبين الطرفين بوقف الحرب لعدم توافر أدني مقومات الحياة. ويرجح نجاح هذا السيناريو في الضغط على الطرفين ويشكل واقعا جديدا، حتى وإن كان إجماع النسبة الكبرى على الخروج في مظاهرة تنديدا للطرفين مهمة صعبة في ظل الظروف القاسية الحالية والقصف المنشر في مختلف المناطق التي أجبر الجميع على الفرار من مساكنهم والنزوح إلى ولايات سودانية أخرى ودول مجاورة.

الثاني: أن يستعين طرفا الصراع – الجيش وقوات الدعم السريع –بقوى إقليمية مجاورة أو  دولية أخرى أو مرتزقة خاصة مثل فاغنر. وهذا السيناريو يحمل دمارا شاملا, وخاصة أن معظم الدول الإقليمية, مثل مصر وإثيوبيا وليبيا, متهمة مرارا بالتدخل في الشؤون السودانية, كما أن التقارير كشفت دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر ومجموعة فاغنر الروسية لـ حميدتي. وتتعرض مصر أيضا لاتهامات بدعم البرهان والجيش السوداني, بالإضافة إلى تقارير عن أسر جنود مصريين من قبل قوات الدعم السريع, الأمر الذي يجعل الحكومة المصرية حذرة في التعامل مع الصراع السوداني رغم تأثرها المباشر بتطوراتها.

الثالث: خضوع جنرالات الحرب للضغوطات الدولية أو قبول الوساطات الإفريقية التي يعززها المجتمع الدولي وقد ينتهي الأمر إلى فرض حكومة مدنية لمدة معينة في حالة رفض طرفا الحرب التوافق. على الرغم من أن كل واحداً منهم يحاول حتى الآن التغلب على الآخر وفرض الأمر الواقع عبر تكتيكات إعلامية وحربية مختلفة, إلا أن هذا السيناريو سيكون ممكنا في حال تراجع القوى الدولية من تأثيرها المباشر للصراع ودعمها لطرفي النزاع، إضافة إلى تنازل بعضها من امتيازاتها في السودان التي تشمل النفط والذهب والهيمنة على الممرات البحرية الاستراتيجية.

خاتمة

إن الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية للسودان يعني أن استمرار القتال أو انحداره إلى حرب أهلية سيؤثّر سلبا في حياة الملايين في السودان والمناطق المحيطة بها – وفي جميع أنحاء العالم. وأن معالجة الأزمة السياسية تتطلب أولا فهم كيفية ممارسة السلطة في البلاد وإعادة تقييم هيكل الوساطة في أي محادثات سياسية مستقبلية وتوازن القوى الداخلية المحلية والخارجية دون تجاهل تأكيد الالتزامات تجاه تطلعات السودانيين إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية.

 

ظهرت المقالة ماذا وراء الصراع في السودان؟ وإلى أين يتجه؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5573/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%9f-%d9%88%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d9%8a/feed/ 0 5573
قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023: إقليم الساحل يتصدر التصنيف https://alafarika.org/ar/5566/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-2023-%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85-%d8%a7/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d9%2582%25d8%25b1%25d8%25a7%25d8%25a1%25d8%25a9-%25d9%2581%25d9%258a-%25d9%2585%25d8%25a4%25d8%25b4%25d8%25b1-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25a5%25d8%25b1%25d9%2587%25d8%25a7%25d8%25a8-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b9%25d8%25a7%25d9%2584%25d9%2585%25d9%258a-2023-%25d8%25a5%25d9%2582%25d9%2584%25d9%258a%25d9%2585-%25d8%25a7 https://alafarika.org/ar/5566/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-2023-%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85-%d8%a7/#respond Wed, 05 Apr 2023 18:52:19 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5566

يمثل تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023 جهدًا هامًا في رصد تمدد الأنشطة الإرهابية في العالم ولاسيما في إقليم الساحل، كما ان تطور مقارباته في السنوات الأخيرة يوحي بمقبولية أكبر وتفهمًا متزايدًا لخطورة الظواهر الإرهابية في القارة الأفريقية وضرورة الاهتمام العالمي بمواجهتها بسبل متعددة وليست المقاربة الأمنية وحدها كما يتضح من سطور التقرير الذي لم يتجاوز المائة صفحة.    

ظهرت المقالة قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023: إقليم الساحل يتصدر التصنيف أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

بات تقرير مؤشر الإرهاب العالمي واحدًا من اهم الأدبيات الدورية التي تتناول ظاهرة الإرهاب بمقاربات معقدة ومتشابكة ومناهج تحليل متنوعة تتجلى في تقديم إحصاءات وتحليلات موجزة تؤشر إلى توسع الظاهرة في مختلف أرجاء العالم. وقد صدر التقرير الأخير([1]) في مارس الفائت ليميز مرور عشرة أعوام على إصدار معهد الاقتصاد والسلام (سيدني) للتقرير الذي يلقى رواجًا كبيرًا ومتصاعدًا في دوائر إعلامية وأكاديمية هامة.

صورة عامة

ضم التقرير، الذي لم يتجاوز حجمه مائة صفحة، أربعة أقسام تلت الملخص التنفيذي والنتائج الرئيسة وتقديم نبذة عن المؤشر بشكل عام بمناسبة مرور عشرة اعوام على صدوره. وكان إقليم الساحل الأفريقي حاضرًا في هذا العرض بالإشارة المهمة إلى الزيادة الحادة في الأنشطة الإرهابية فيه على مدار 15 عامًا بنسبة تفوق 2000%، وتشابك العوامل السياسية مع تصاعد الإرهاب مع ما شهده الإقليم من وقوع ستة محاولات انقلابات عسكرية منذ اعلام 2021 نجحت منها أربعة، مع تصاعد الأزمة الغذائية وسوء حالة مياه الشرب والاستقطاب الإثني والصراع الرعوي وتفاقم التدخل الخارجي في أزمات الإقليم (سوماء من قوى تقليدية مثل فرنسا أو غير تقليدية مثل الصين وروسيا راهنًا). كما لفت العرض إلى تصدر إقليم الساحل بؤر الإرهاب في العالم إذ شهد الإقليم في العام 2022 وفيات من الإرهاب أكثر من الحوادث التي شهدتها أقاليم جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا معًا. وجاءت هذه الخلاصة رغم ما كشفت عنه “النتائج” من تراجع أعداد قتلى الحوادث الإرهابية في العالم في العام 2022 إلى 6701 فرد في تراجع مثل 9% مقارنة بالعام 2021، تراجع أعداد الحوادث بنسبة 28% في الفترة نفسها لتصل إلى 3955 حادثًا (وهو التراجع الذي عاد بالأساس لتراجع الأعمال الإرهابية في أفغانستان والشرق الأوسط).

النتائج

جاء القسم الأول ليعرض “النتائج” التي توصل لها التقرير عن العام 2022، ورصد التقرير تأثر إقليم الساحل أكثر من غيره بالأعمال الإرهابية رغم التحسن النسبي الذي شهدته كل من نيجيريا والنيجر. وقاد هذا التدهور ما شهدته بوركينا فاسو ومالي من زيادات كبيرة في الوفيات جراء الأعمال الإرهابية بنسبتي 50%، و56% ليرتفع عدد الوفيات إلى 1135 و944 على الترتيب. مع ملاحظة اعتلاء بوركينا فاسو قائمة أكثر دول العالم تضررًا بالأعمال الإرهابية حسب مؤشر عدد الوفيات تلتها مالي (حسب الأرقام المذكورة توًا)، ثم الصومال (755) وباكستان (643)، وأفغانستان (633). كما رصدت احصاءات التقرير مسئولية الدول الأفريقية عن النسبة الغالبة من ضحايا الأعمال الإرهابية في العالم أجمع؛ إذ كانت بوركينا فاسو وحدها مسئولة عن 17%، ثم مالي (14%)، والصومال (11%)، ونيجيريا (6%)، والنيجر (3%)، للتجاوز النسبة الإجمالية لأفريقيا في هذا المؤشر 51%.

كما رصد القسم تطورات أنشطة جماعة شباب المجاهدين النشطة في الصومال على الأقل منذ صيف العام 2006. وقدم التقرير عرضا موجزا لأنشطة الجماعة في كينيا والصومال، مع زيادة أعداد ضحاياها في العام 2022 بنسبة 23% وتركز هذه النشطة الإرهابية في العاصمة مقديشو. كما تناول القسم (ضمن عرلاضه لأربعة جماعات رئيسة في العالم) جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تكونت في العام 2017 في إقليم الساحل كتحالف للجماعات السلفية الجهاية المسلحة (وأبرزها جبهة تحرير ماسينا، وأنصار الدين وجماعات تابعة للقاعدة في المغرب الإسلامي). وركز تناول هذه الجماعة على إبراز تكتيكاتها وتطورها في العام 2021-2022.

واختتم القسم بعرض لأكثر عشرة دول تضررًا في العالم من الأنشطة الإرهابية وهي أفغانستان وبوركينا فاسو والصومال ومالي وسوريا وباكستان والعراق ونيجيريا والميانمار والنيجر، لتقتسم قارتا آسيا وأفريقيا القائمة وحدهما.

اتجاهات في الإرهاب

أما القسم الثاني فقد جاء بعنوان “اتجاهات في الإرهاب”، واستعرض التقرير أهم هذه الاتجاهات منذ العام 2007، مع ملاحظة أن أغلب الأعمال الإرهابية في العام 2007-2008 دارت حول بؤرتي العراق وأفغانستان، وأنه بعد أحداث الربيع العربي وظهور “الدولة الإسلامية” حدث تصاعد في الإرهاب في الشرق الأوسط لاسيما في سوريا والعراق، بالتزامن مع تصاعده البارز في نيجيريا. كما شهد إقليم الساحل، بعد ذروة الأعمال الإرهابية في العالم في العام 2015 ومقتل أكثر من 10 آلاف فرد في أعمال إرهابية، زيادة كبيرة في عدد العمليات الإرهابية به كانت الكبر من نوعها في الأعوام الخمسة الأخيرة (2017-2022).

واحتلت بقاع متفرقة في إقليم الساحل (حسب التقرير) أبرز مواقع العمليات الإرهابية في العالم في الفترة 2020-2022 وهي أقصى شمال شرق نيجيريا، والمناطق الحدودية وتخومها بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وركز أغلب القسم على الظواهر الإرهابية في “الغرب” وأبعادها الأيديولوجية من قبيل صعود “اليمين المتطرف”.

واختتم القسم بتناول الاتجاهات الإقليمية في الإرهاب ومؤشراتها في الفترة 2012-2022 ولاحظ أن إقليم “أفريقيا جنوب الصحراء شهد الهجمات الأكثر خطورة، وقتل نحو ثلاثة أفراد في كل هجوم مفرد، كما شهد الإقليم عدد عمليات إرهابية يفوق عدد ضحايا الإرهاب في إقليم آسيا- الباسفيك وأمريكا الوسطى والكاريبي وأوروبا وامريكا الجنوبية وروسيا وأوراسيا مجتمعة في الفترة 2007-2022. واختتم القسم تناوله لاتجاها الإرهاب الإقليمية بتناول لأفريقيا جنوب الصحراء (\44 دولة) وتصنيفها وفق المؤشر حيث احتلت بوركينا فاسو والصومال ومالي ونيجيريا والنيجر والكاميرون وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد وكينيا قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب في الإقليم بدرجة تبدأ من 8.564 في المؤشر (بوركينا فاسو). ولاحظ الجزء التقرير أن جيبوتي شهدت التدهور الكبر في المؤشر في الإقليم في العام 2022 مع ما شهدته من أول حادث إرهابي منذ نحو ثمانية اعوام وقتل خلاله ثمانية جنود في أكتوبر 2022 في قاعدة عسكرية. واتهمت وزارة الدفاع الجيبوتية “جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية” Front for the Restoration of Unity and Democracy (FRUD) بضلوعها في الحادث. كما سجلت بنين وتوجو تدهورًا ملموسًا في المؤشر في العام 2022 بسبب انتشار أنشطة “التطرف الجهادي” من إقليم الساحل المجاور.

10 سنوات من مؤشر الإرهاب العالمي: الإرهاب والسلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2012-2022)

يقدم القسم رؤية شاملة لتطور حالة الإرهاب في الإقليم في العقد الفائت ويلاحظ في افتتاحيته تراجع أثر الإرهاب في الإقليم بشكل ملموس للغاية بعد ذروته في العام 2016 حيث كان الإقليم مسئولًا في هذا العام عن 57% من جميع ضحايا الإرهاب في العالم. وبحلول العام 2022 تراجع الرقم بشكل كبير ووصل إلى نسبة 12%، وتزامنت هذه الحقبة مع صعود وسقوط (تنظيم) “الدولة الإسلامية” وتراجع العمليات الإرهابية وتغير تكتيكاتها. غير أن مؤشر الإرهاب العالمي يلاحظ –إجمالًا- ملاحظة ملفتة وهي أن تراجع الإرهاب في الإقليم منذ العام 2017 لم يكن مرتبطًا بمستوى مشابه من التحسن في السلمية peacefulness إذ ظل الإقليم الأقل سلمًا في العالم وفقًا للمؤشر. وفي العام 2022 كان مستوى السلام في الإقليك أقل من حاله قبل عقد وسجل تراجعًا 5%. ثم تناول التقرير في قسمه الرابع إقليم الساحل منفصلًا في دلالة على أهمية وخطورة ظاهرة الإرهاب في الإقليم إلى جانب الاهمام الغربي التقليدي بالإقليم في ظل التطورات في السياسات الدولية الراهنة

إقليم الساحل الأفريقي: استدامة الإرهاب؟

ركز القسم (الذي يقترب من ثلث حجم التقرير) حصرًا على تناول الإرهاب في إقليم الساحل (والتي صنفها التقرير في 10 دول هي بوركينا فاسو والكاميرون وغامبيا وتشاد وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال)، مؤكدًا في البداية على مواجهته آثار تصاعد عدم الاستقرار السياسي والتوترات الجيوسياسية المتضخمة واستخدام وسائل مكافحة الإرهاب الخشنة لتحجيم التهديد المتصعد من قبل الجماعات “الجهادية السلفية” والقضاء عليها. ولاحظ القسم مواجهة الساحل لتحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية متشابكة، وأن هذه التعقيدات ترجح استدامة الحيلولة دون الشروط اللازمة لتحقيق سلام إيجابي وإخراج الساحل من دائرة العنف والهشاشة.

كما أن عجز حكومات الإقليم عن توفير الأمن الفعال قد شجع الجماعات الإرهابية على مواصلة أنشطتهم عبر السيطرة على الأراضي وجعل الساحل بشكل متزايد أكثر عنفًا. وسعت الجمااعت افرهابية والعصابات الإجرامية لاستغلال الفراغات السوسيو- اقتصادية والسياسية لصالحها. ورغم أن الساحل شهد أعلى زيادة في عدد ضحايا الإرهاب فإن بقية أفريقيا جنوب الصحراء تشهد أيضًا زيادات منتظمة مع ارتفاع عدد ضحايا الإرهاب من 472 في العام 2013 إلى 1159 في العام 2022. وتمثل موزمبيق والصومال أكبر الدول التي شهدت زيادات في النشاط الإرهابي في العام الماضي، إذ تضاعفت اربعة أضعاف في موزمبيق ونحو 96% في الصومال منذ العام 2013.

وفيما يتعلق بسياق الإرهاب في الإقليم يؤكد التقرير أنه يقع في الغالب كتكتيك داخل وضع صراعي، وتستخدمه جماعة تسعى لتحقيق تغيير سياسي. وقد غذت العديد من العوامل الأزمة الجارية في الساحل بما في ذلك لاتغير المناخي وتردي الحوكمة والاستقطاب الإثني وسوء استغلال أجهزة الأمن الحكومية ، والصراع الرعوي ونمو أيديدولوجية الإسلام السلفي العابر للقوميات والصراع على استخراج الموارد الطبيعية (لاسيما الذهب) ووجود فاعلين خارجيين (مثل فرنسا)، وهي عوامل أسهمت جميعها في استمرار ظاهرة الإرهاب في الساحل.

وفيما يتعلق بالاستراتيجيات والتكتيكات الإرهابية لاحظ التقرير مواجهة إقليم الساحل تحديات أمنية من الجماعات الإثنية- القومية، والمنظمات الإرهابية، وجماعات العصابات الإجرامية. وأنه كانت هناك في الماضي فترات من التعاون والتنسيق والسلم بين عدد من المجموعات الإرهابية، واندماج جماعات صغيرة في جماعات إرهابية أكبر حجمًا وانتشارًا. وتشير الدراسات إلى استخدام جماعات مثل نصرة الإسلام (التابعة للقاعدة) النزعة الشعبوية الرعوية لتكوين تحالفات، فيما تستخدم جاماعت أخرى نظامًا أكثر تراتبية. ويجسد النظام الرعوي الشعبوي بشكل رئيس في الفولاني حيث استغلت الجماعات الإرهابية معاناة هذه المجموعات من الفساد والاستغلال والضرائب الباهظة لحشد عناصر من بينها. كما تصاعد نمط إقدام الجماعات الإرهابية على قتل القادة المحليين، وهو نمط آخذ في التصاعد بشكل كبير مستقبلًا. ويمثل استهداف زعماء القبائل والعمد واعضاء المجالس المحلية والقادة الدينيين وسيلة هامة لتحقيق فراغ سلطة في المنطقة التي تسعى الجماعات الإرهابية للسيطرة عليها لاحقا.

خلاصة

يمثل تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023 جهدًا هامًا في رصد تمدد الأنشطة الإرهابية في العالم ولاسيما في إقليم الساحل، كما ان تطور مقارباته في السنوات الأخيرة يوحي بمقبولية أكبر وتفهمًا متزايدًا لخطورة الظواهر الإرهابية في القارة الأفريقية وضرورة الاهتمام العالمي بمواجهتها بسبل متعددة وليست المقاربة الأمنية وحدها كما يتضح من سطور التقرير الذي لم يتجاوز المائة صفحة.

ــــــــ

[1] Global Terrorism Index 2023, Institute of Economics and Peace, March 2023 https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2023/03/GTI-2023-web-270323.pdf

ظهرت المقالة قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023: إقليم الساحل يتصدر التصنيف أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5566/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-2023-%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85-%d8%a7/feed/ 0 5566
السنغال: ما التحديات التي تواجه خطة “سال” لولاية رئاسية ثالثة في ظل الوضع السياسيّ الحالي؟ https://alafarika.org/ar/5560/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%ba%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%b3%d8%a7/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b3%25d9%2586%25d8%25ba%25d8%25a7%25d9%2584-%25d9%2585%25d8%25a7-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25aa%25d8%25ad%25d8%25af%25d9%258a%25d8%25a7%25d8%25aa-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25aa%25d9%258a-%25d8%25aa%25d9%2588%25d8%25a7%25d8%25ac%25d9%2587-%25d8%25ae%25d8%25b7%25d8%25a9-%25d8%25b3%25d8%25a7 https://alafarika.org/ar/5560/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%ba%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%b3%d8%a7/#respond Thu, 30 Mar 2023 13:55:10 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5560

إن الدولة الحالية لا ترغب في ترشّح عثمان سونكو نظرًا لخطابه التجديدي في السياسة، وتمسّكه بالراديكاليّة في المعارضة، ومحاولته لإثارة الملفات الساخنة في اقتصاد الدولة وخططها المستقبلية في إنتاج الغاز الطبيعيّ، وهذه الأمور كلها مهددة لرئاسة ماكي سال وأسرته ووزرائه وأعوانه ومناصريه. وبالتالي كان الهدف الأوْلى لديهم إسقاطه من الوهلة الأولى اعتمادا على التجارب السابقة في النزاعات السياسية.

ظهرت المقالة السنغال: ما التحديات التي تواجه خطة “سال” لولاية رئاسية ثالثة في ظل الوضع السياسيّ الحالي؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

استجدّ الوضع السياسيّ السنغاليّ جراء الملف القضائيّ الجديد الذي يطارد زعيم المعارضة عثمان سونكو، ويتمثّل ذلك في تصريح له بيّن فيه وجود تقرير رسميّ يوضّح سرقة الوزير السابق مام مباي نيانغ أموال الدولة يقدّر بـ 29 مليار فرنك سيفا عن طريق استغلاله مشروع برنامج المناطق الزراعية المجتمعية “Prodac”، وعلى ذلك تم رفع شكوى ضدّه بارتكاب جريمة التشهير؛ وأصبحت القضية تأخذ مسارًا سياسيّا كسابقتها المتمثل في ملف الاغتصاب – وكأنه فرصة جديدة لتأكيد فرضيّة رغبة السلطة الحاكمة في إعاقته للترشّح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024م.

وتبقى القضيّة الأخيرة معقّدة قانونيّا لزعيم المعارضة نظرًا لتصريحاته المثيرة في شأنها، حيثُ أكّد بتوفّر المعلومات الكاملة لديه حول القضيّة واحتفاظه بتقرير عنها، وذكر في تصريح آخر بعد التحقّق معه أنه وجد التقرير في الانترنت؛ ومن هنا يطرح السؤال نفسه عن مدى تأكّد زعيم المعارضة من الخبر الذي وزّعه على الملأ بدون وجود تقارير إدارية رسميّة، الأمر الذي يقود ناقده إلى القول بعدم مصداقيته حتّى في بعض أخبار الفساد التي كان يعلنها سابقًا، أو كانت المعلومات تصل إليه من دون إجراء التحقق عنها.

ومن المنطلق السابق، يأتي التساؤل عن مصدر معلومات عثمان سونكو؟ وإن كان بالفعل يتلقّاها من أنصاره المنخرطين في العمل الإداريّ الوطنيّ فهنالك احتمال إيقاعه في فخّ نشر الأخبار العالقة في مصنع الطهي السياسيّ المستمدّ من الفساد الإداريّ للدولة. وكما يُحمّل جزءا من المسؤوليّة بناء على تصريحاته، فإنه السلطة بالمقابل تُحاول انتهاز واستغلال هذه الفرصة لإقصائه من المنافسة السياسية في السنغال لمنعه من الترشّح في الرئاسيّات القادمة كما فعلتْ سابقًا مع كريم واد وخليفة صال.

هذا, وفي الوقت الذي أظهرت قرائن متعددة على مستوى الإدارة التنفيذية للسلطة بوجود تلاعب ماليّ في مشروع Prodac؛ فقد استند زعيم المعارضة سونكو على فرضيّة رغبة الحكومة السنغالية الحالية في إقصائه مما يوجب عليه مواجهة أفراد الحكومة سياسيّا عبر تعبئة الرأي العام من أجل التجمهر وراءه لدعمه في مشروعه السياسي؛ ونتج عن هذا سلسلة من الانتهاكات التي مورس في حقّه أثناء ذهابه وعودته من المحكمة. وبطبيعة الحال، ورغم الإنجازات المتعددة للسلطة الحاكمة، فإنها قامت بالعديد من الانتهاكات في الشأن العام، بما في ذلك الفساد الإداريّ، والتلاعب بالمال العام وتهديد خزائن الدولة بشراء الذمم السياسية.

واستنادًا إلى هذه المعطيات فإن الدولة الحالية لا ترغب في ترشّح عثمان سونكو نظرًا لخطابه التجديدي في السياسة، وتمسّكه بالراديكاليّة في المعارضة، ومحاولته لإثارة الملفات الساخنة في اقتصاد الدولة وخططها المستقبلية في إنتاج الغاز الطبيعيّ، وهذه الأمور كلها مهددة لرئاسة ماكي سال وأسرته ووزرائه وأعوانه ومناصريه. وبالتالي كان الهدف الأوْلى لديهم إسقاطه من الوهلة الأولى اعتمادا على التجارب السابقة في النزاعات السياسية.

الرئيس “ماكي سال” وأسباب قمعه للمعارضة السياسية

بالإشارة إلى ما سبق ذكره، فإنه بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2019، أراد الرئيس ماكي سال ضبط إيقاع المعارضة في السنغال، ومدّ يده إلى المعارض الأول إدريس سيك الذي انضمّ إليه في حكومته. ويبدو أنّ الرئيس سال استخفّ بوزن عثمان سونكو السياسيّ نظرًا لكونه الرجل الثالث بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وسرعان ما تغيّرت الظروف حتّى أصبح هو المعارض الأول في السنغال نتيجة تعبئته السياسية، وأُسند إليه تجميع رأي المعارضة باسم “ائتلاف يوّي أسكنوي”، حيثُ حاول الائتلاف مناهضة السلطة في الانتخابات البلدية والتشريعية الماضيتين، ومنذ تلك الفترة، ومع اقتراب رئاسيات 2024، تسعى سلطة الدولة إلى النظر في مدى إمكانية الترشّح للولاية الثالثة بعد أن كان الترشّح لها خارج الحسابات استنادًا إلى تصريحات الرئيس سال حولها وما تمّ تدوينه في الدستور من اكتفاء الرئيس بولايتين فقط. وفي خضم البحث حول القراءات الدستورية انبثقت روح المقاومة من المعارضة تنديدًا وتهديدًا، ونتج عن ذلك وجود ملفات قضائية على عاتق زعيم المعارضة عثمان سونكو، الأمر الذي أدّى إلى قيام سلطة الدولة بتحقيق سياسة الترويع مواجهةً للمعارضة في تنديدها للتلاعب القضائيّ من أجل إقصاء المعارضين.

وعليه يمكن إيجاز أسباب قمع المعارضة إلى الآتي:

1- تمهيد الترشّح للولاية الثالثة: تقوم المعارضة على رفض ترشّح رئيس الدولة ماكي سال للولاية الثالثة التي تخالف نصّ الدستور الوطني السنغالي، بينما يحاول الرئيس سال فرض إرادته للترشّح من منطلق التأويلات الدستورية وعدم تعداد الولاية الأولى التي كانت مدتها 7 سنوات. وهذا النزاع بين الجانبين أدى إلى استغلال سلطة الدولة الملفات القضائية لبعض المعارضين لتقليل فرص مشاركتهم – وقد يصل الأمر إلى منع المعارضة من الترشّح.

2- إجراء تحقيقات حول خطط المعارضة: تشهد الساحة السياسية السنغالية بعد أحداث مظاهرات مارس 2023 العديد من الاعتقالات، حيث اعتقل العديد من رؤوس حزب “باستيف” (Patriotes africains du Sénégal pour le travail, l’éthique et la fraternité) الذي يرأسه المعارض عثمان سونكو؛ وذلك كله إجراءات تمهيدية من السلطة للبحث عن حيل المعارضة وخططها التي تعمل عليها في شنّ الحرب ضدّها، ومن ثمّ العمل على إعاقتها واتهامها وإدانتها. وتفيد التحقيقات الأولية بإلصاق تهمة المسّ بأمن الدولة للمعتقلين من حزب “باستيف”؛ وذلك نظرًا لخشونة الخطاب السياسي لديهم، وممارستهم التنديد بشتّى الأشكال.

3- دواعي سياسيّة: تبقى السياسة بما تمثّلها من ظروف ومصالح، تؤدى إلى مساعي الحزب الحاكم لكبح جماح المعارضة أيًا كان نوعها من أجل البقاء في الحكم؛ ولو احتاج ذلك استغلال مؤسسات الدولة في شأن ذلك حراسةً ومراقبةً.

4- ترويع الآمنين وإلهاء الشعب: أن للدولة أدوارا عديدة في العنف المنتشر في مظاهرات الشعب الأخيرة، حيث تُحاول الحكومة جعل الاعتقالات وقمع المعارضة كآلة قانونية لترويع منتقديها والخارجين ضد خططها. وقد يكون إحداث العنف أحيانا من أجل ضبط سيرورة أعمال الدولة وإلهاء المواطنين عن العديد من المطالبات في ظلّ انتشار أمواج المعارضة السياسية. بالإضافة إلى تعجيل الإجازات المدرسية وغيرها تفاديا من إسهام المدرسة في عملية التنديد والاحتجاج.

وتجدر الإشارة إلى أن الاستبداد السياسيّ القمعيّ مقابل الإرهاب السياسي الفكريّ وجهان لعملة واحدة، وحيث يكمّل كل واحد منهما الآخر. ويؤشر الوضع الحالي على ضرورة إعمال العقل في تقدير مواقف ردّات الفعل، والحنكة في تبسيط إجراءات المقاومة, كما أن هناك حاجة للتسلّح بضوابط الحيطة والحذر من أجل الإصلاح السياسي عبر قنوات الحوار حفاظا للسلم والأمن والاستقرار.

التحديات التي تواجه خطة “سال” للفترة الرئاسية الثالثة

بالإضافة إلى النقاط والمعطيات سابقة الذكر، يمكن إجمال أهم التحديات التي تواجه خطة الرئيس ماكي سال للفترة الرئاسية الثالثة في النقطتين التاليتين:

1-التحدّي الدستوريّ: يصعب على الرئيس ماكي سال إقناع الشعب السنغالي بشرعيّة فترة رئاسته للولاية الثالثة؛ وذلك لكونه ناهض سابقا حكومة عبد الله واد حين أرادت الترشّح للولاية الثالثة، وقدم إصلاحات دستورية 2016 للحدّ من فوضى الولاية الثالثة. ومع ذلك، فإن له مساحة دستورية للتأويل بالشرعيّة، وربما يكون المجلس الدستوريّ قادرًا على إخراجه من هذا التحدّي المليء بالمخاطر السياسية والأمنيّة – حتى وإن كان هذا لا يضمن له سهولة المرور في الانتخابات القادمة نظرًا للاعتبارات الأخرى مع تعدد وجوه المعارضة.

2-التحدّي السياسيّ والأمنيّ: تشتهر دولة السنغال بتميزها في التداول السلمي للسلطة والاستقرار الديمقراطي؛ ومع ذلك ستكون رغبة الرئيس سال للترشح للولاية الثالثة اختبارا حقيقيّا عن مدى تمسّكه بمبادئ الديموقراطية وعدم عزمه تهديد النظام السياسي السنغاليّ، الأمر الذي يقود إلى القول بأن ردّات الفعل في هذا الشأن يلزمه العديد من الخطوات الأمنية لمراقبة ممتلكات الدولة واستقرارها دون انتهاك حرمات المواطنين. ويلزم تخطّيه هذا التحدّي تنازله عن خطة الترشّح، أو تضعيفه جبهات المعارضة بشكل يساهم في إسكات العدد الكبير من معارضيه بين مواطني السنغال.

في سياق رئاسيات عام 2024

مما سبق يمكن القول بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في السنغال ستكون استثنائية؛ وذلك بالنظر لما تخفيها الأحداث الجارية من تفسيرات مختلفة. ويمكن قراءة هذه الاستثنائية من جانب ائتلاف المعارضة حيثُ أنه يظهر في مجريات الأحداث تارة بعدم امتلاك معظم قادته الجُرأة اللازمة في مساندة عثمان سونكو – أحد أعضائه الذي يُعدّ زعيم المعارضة الحالي.

ويُستنتج أيضا من ردّات فعل ائتلاف المعارضة -جراء استهداف السلطة حزب “باستيف” – أن التضحية بـ عثمان سونكو قد تكون من أجل توسيع مساحة الفرصة لدى الليبراليين منهم، حيث يظهر في المعطيات القضائية الحالية تجريد عثمان سونكو من الأتباع سواءً على مستوى الحزب أو على مستوى الائتلاف حيث بقي وحيدًا أمام القضاء، ولم يبق له إلاّ جمهوره الذي يتغنّى بهم.

ومن هنا يأتي السؤال عن مدى جاهزية الشعب السنغالي في ظل التخبّط الملحوظ أثناء المظاهرات والتهديد الأمني وتدمير الممتلكات. ويبدو من تصريحات سلطة الدولة أنها عازمة للحد من الفوضى نظرًا للخسائر الكبيرة جراء المظاهرات السابقة. هذا بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة للمدعي العام متهما بعض أنصار حزب باستيف بتدبير خلايا إرهابية للمساس بأمن الدولة وتقويض نظامها، كما خرج عثمان سونكو بعد ذلك بساعات منددا ومنكرا جميع الاتهامات التي تلفظها المدعي في تصريحه، حيث أكّد على ضرورة مواصلة النضال بالمظاهرات يوم 29، 30 مارس و3 أبريل 2023م تنديدا على الأعمال الجائرة التي تقوم بها السلطة من اعتقالات ومضايقات.

ومن التساؤلات الأخرى الطارئة على الساحة: ماذا سيحدث لو أدانت المحكمة عثمان سونكو ومنعته السلطة من الترشّح؟ فهل سيكون أنصاره قادرين على إنجاح ثورته علماً أنه مُنع سابقًا من الترشّح في الانتخابات التشريعية دون مقاومة تُذكر في حينه، أو أن ترشّحه الرئاسيّ هو الحمل الثقيل الذي لا يُسقطه أنصاره عنه ولو بمقابل الاستعدادات العسكرية والسياسية التي تعهدها رئيس البلاد للوصول إلى مآربه.

ومن ناحية أخرى، الرئيس ماكي سال بتصريحاته الأخيرة في إحدى الصحف الفرنسية أبدى اهتماما كبيرًا في المغامرة بالترشّح للولاية الرئاسية الثالثة. ويعيد المحللون السياسيون ذلك إلى المشاريع الكبيرة التي تعهدها سال وخاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الدولية واهتمامه بمواصلة سبر أغوار الغاز الطبيعي من أجل مواصلة المشاريع التنموية في الوقت الذي لم يجد لنفسه بديلاً مناسباً على مستوى حزبه السياسيّ.

ومهما يكن من أمر، فإن مشاركة عثمان سونكو في الانتخابات ستقلل من فرصة الرئيس سال للولاية الثالثة. وإن أُقصيَ سونكو مع مشاركة سال فستكون فرص المعارضة ضئيلة للفوز أو استدراك المنافسة. هذا، إلى جانب التطورات الجديدة التي قد تطرأ في الساحة السياسية في ظل موجة الانشقاقات المتعددة بين الأطراف السياسية.

 

ظهرت المقالة السنغال: ما التحديات التي تواجه خطة “سال” لولاية رئاسية ثالثة في ظل الوضع السياسيّ الحالي؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5560/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%ba%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%b3%d8%a7/feed/ 0 5560
مشاركة الشباب النيجيري في السياسة والحوكمة: وجهان لعملة واحدة https://alafarika.org/ar/5538/%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d9%2585%25d8%25b4%25d8%25a7%25d8%25b1%25d9%2583%25d8%25a9-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b4%25d8%25a8%25d8%25a7%25d8%25a8-%25d8%25a7%25d9%2584%25d9%2586%25d9%258a%25d8%25ac%25d9%258a%25d8%25b1%25d9%258a-%25d9%2581%25d9%258a-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b3%25d9%258a%25d8%25a7%25d8%25b3%25d8%25a9-%25d9%2588%25d8%25a7%25d9%2584 https://alafarika.org/ar/5538/%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84/#respond Tue, 07 Feb 2023 14:02:25 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5538

في 10 ديسمبر 2022، استضافت الأفارقة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش عن بعد تحت عنوان “مشاركة الشباب في السياسة والحوكمة في نيجيريا“، وشارك فيها محللون سياسيون وصحفيون ونشطاء المنظمات المدنية. وبدأت الجلسة – التي أدارها “حامد سليمان” الصحفي والباحث القانوني لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات – بمداخلة المتحدث الأول, وهو الكاتب الصحفي “ألاوَوْ أبيودن” الذي تناول موضوع […]

ظهرت المقالة مشاركة الشباب النيجيري في السياسة والحوكمة: وجهان لعملة واحدة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

في 10 ديسمبر 2022، استضافت الأفارقة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش عن بعد تحت عنوان “مشاركة الشباب في السياسة والحوكمة في نيجيريا“، وشارك فيها محللون سياسيون وصحفيون ونشطاء المنظمات المدنية. وبدأت الجلسة – التي أدارها “حامد سليمان” الصحفي والباحث القانوني لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات – بمداخلة المتحدث الأول, وهو الكاتب الصحفي “ألاوَوْ أبيودن” الذي تناول موضوع “إيجابيات وسلبيات: وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتنشيط مشاركة الشباب في السياسة والحوكمة”. كما تحدث المتحدث الثاني المحلل السياسي والخبير الأمني “لاوال تويين محمد” عن موضوع “العنف والتحديات الأمنية والعملية الانتخابية في نيجيريا: حالة الشباب النيجيري”، بينما تحدث المتحدث الثالث “دوتون فاموريو” – مدير “معهد شيتا للسياسات” – عن موضوع “دور الشباب في السياسة والحوكمة المعاصرة”.

واتفق جميع المتحدثين في مداخلاتهم على أن مشاركة الشباب في السياسة والحوكمة في نيجيريا وجهان لعملة واحدة. وكشفوا أن مشاركة الشباب قد تكون إيجابية أو سلبية: إيجابية باعتبار أن معظم الشباب هم مهندسو الحكم الرشيد نظرا لما لديهم من الإمكانات والطاقة والاستعداد للعمل والخدمة. وعلى الجانب السلبي، كشفوا أن بعض الشبان النيجيريين أصبحوا أدوات للرذائل الاجتماعية وارتكاب الفظائع، خاصة عندما تكون الانتخابات قاب قوسين أو أدنى.

وكشف المتحدث الأول، “ألاوَوْ أبيودن” عن كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتفعيل مشاركة الشباب في السياسة والحكم. وأكّد أن إمعان النظر في نيجيريا اليوم يظهر حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت العديد من المواقف التي عزّزت انخراط مواطني البلاد في النشاط السياسي, وجعلت الشباب الآن أكثر وعيًا بما يحدث في بيئتهم السياسية.

وأضاف: “عندما ننظر إلى كلمة وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تنبع من الجانب الاجتماعي للتواصل، وقد تم استخدامها الآن كفرصة للمطالبة بالمساءلة والشفافية ونوع من النشاط.”

وأثناء حديثه عن إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لمشاركة الشباب في الحكم والسياسة؛ ركّز “ألاوو” عدسته على نيجيريا، وذلك لقرب انتخابات 2023. وقال: “أصبح شباب نيجيريا الآن أكثر وعيًا بما يحدث في البيئة؛ يشارك الناس ويناقشون القضايا ويتنافسون أيضًا على مرشحيهم المفضلين للفوز في الانتخابات”. وأضاف أن “وسائل التواصل الاجتماعي منحت الناس الشعور بأنه يمكنهم الترشح وتولّي زمام السلطة, وأنه يمكنهم أيضًا الارتقاء إلى عباءة القيادة لأنهم أيضا – بحكم ما يرونه أو ما يفعله الشخص الآخر – مهتمون ومتحمسون على قدرتهم للقيام بالشيء نفسه.

على أن الجانب السلبي أن الناس الآن يسيئون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأنشطة مختلفة, حيث نرى معلومات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ونتساءلون عن مصدر هذه المعلومات المزيفة. وعلى الرغم من أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من النشاط يعزز الشفافية والمساءلة؛ إلا أن بعض الناس يستخدمونها كوسيلة لنشر المعلومات الخاطئة وتشويه النظام البيئي للمعلومات. ومع ذلك، لا يعني هذا أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تلعب دورها في ضمان أن يكون للناس صوت للتحدث وطرح الأسئلة.

وخلص “ألاوو” مداخلته قائلا: “جوهر ما أحاول قوله هو أن وسائل التواصل الاجتماعي .. يستخدمها الناس كل يوم، ويتفهمون أهميتها في السياسة والحكم. وهذا يعني أن هناك وجهان للعملة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في نيجيريا. على الصعيد العالمي، يستخدمها الناس للمطالبة بالمساءلة أو الشفافية في الحوكمة، بينما يستخدمها بعض الأشخاص لنشر معلومات كاذبة ومعلومات مضللة وأخبار مزيفة في جميع أنحاء الإنترنت. لكن هذا لا يعني أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تلعب دورها”.

من جانب المتحدث الثاني، أشار “لاوال تويين محمد” إلى أن معظم الشباب يرون فرصًا عنيفة في مشاركتهم السياسية. واسشهد المتحدث بأمثلة من الحياة الواقعية في نيجيريا, مؤكدا على أن غالبية القضايا والتحديات الشبابية التي تواجهها البلاد اليوم ترجع إلى فترة الطفولة والبيئات الأسرية؛ إذ يعتقد معظم الآباء اليوم أنه “لا يمكن لأي شخص الحصول على وظيفة ذوي الياقات البيضاء دون الاقتراب من السياسيين، ومن خلال هذه العملية تقوم أنت (كوالد) بتسجيل طفلك ليكون جزءًا من نظام الحزب السياسي، وبدلاً من استخدامه بحكمة وبما يوافق القانون من أجل التطور التدريجي للسياسات والحوكمة في نيجيريا؛ يميلون إلى استخدامه لارتكاب الرذائل الاجتماعية”.

وقال “لاوال” إن الشباب النيجيري بحاجة إلى تعلّم سر القناعة، وهو قدرة شخص ما على فهم أو تقليل رغبته في شيء بعيد عن متناوله والسعي وراء شيء تحت سيطرته. وفي هذه الحالة سيُعامَلون كمواطنين, وليس كأدوات للعنف السياسي والانتخابي.

وأما المتحدث الثالث “دوتون فاموريو” الذي تناول موضوع “دور الشباب في السياسة والحوكمة المعاصرة”؛ فقد ذكر أنه مع تكوين الشباب أكثر من 60 في المئة من السكان الأفارقة الحاليين، فإن عدد الشباب بحلول عام 2030 يتوقع أن يكون بنسبة 42 في المئة وفقًا لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة. وهذه الديموغرافيا – عندما تتغذى بالتنمية الصحيحة لرأس المال البشري لفترة كافية – ستكون ميزة كبيرة للقارة. ولكن عندما تُترك دون تسخير، كما هو الحال في معظم البلدان الأفريقية، يمكن أن يتسبب الشباب في كارثة.

وفي حدّ تعبيره:

“الشباب هم العمود الفقري لأي أمة. طاقاتهم الجسدية والفكرية مهمة لنمو دولة نامية مثل نيجيريا. وإحدى الطرق التي يمكن للحكومة من خلالها الاستفادة من المواهب المتعددة لشبابها هي من خلال المشاركة والحوار الهادفين”.

وقد طرح مدير الجلسة عدة أسئلة للمتحدثين. وأجاب “ألاوو أبيودون” على سؤاله حول الفرق بين وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديدة, قائلا: إن كلاهما شكل من أشكال الوسائط الرقمية أو الوسائط الإلكترونية، والتي تختلف عن وسائل الإعلام التقليدية والمطبوعة. وأوضح أنها نهج القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بالأخبار والمعلومات، وصار معظم الشباب يجدون العزاء فيها لتحقيق مشاركتهم السياسية.

وفيما يتعلق بسؤاله الثاني حول تجنيد الصحفيين كـ “أولاد بيانات” لمهاجمة المعارضين السياسيين الآخرين على منصات التواصل الاجتماعي؛ فقد أقر “ألاوو أبيودون” بحقيقة أن بعض الشباب الصحفيين قد يحقّ لهم بذل جهد إضافي للدفاع عن مديريهم أو رؤسائهم أو المسؤولين الحكوميين على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه يرى أنهم كصحفيين يحتاجون دائمًا إلى نقل الحقيقة، وهي الدقة والإنصاف والتوازن.

وفي حدّ تعبير “ألاوو”:

“أنت الناطق الرسمي بلسان هذا الشخص على وجه الخصوص. لذلك إذا كانت المعلومات سيئة، فسوف تقوم بتغيير السرد لتناسب وجهة نظرك الخاصة في تلك المرحلة، ولكن بالمناسبة، لا يمكن القضاء على المعلومات الخاطئة أو اضطراب المعلومات أو الدعاية أو المعلومات المضللة. لا يمكن القضاء عليها ولكن يمكن الحد منها. ما يجب علينا فعله كصحفيين هو الاستمرار في إبلاغ المجتمع بما هو حقيقي وواقعي، وهذه هي أفضل طريقة لاستعادة الثقة في المجتمع”.

وأجاب “دوتون فاموريو” على السؤال الموجّه إليه حول الانتكاسة الكبرى التي تؤثر على مشاركة الشباب في السياسة والحكم, بقوله إن الشباب أنفسهم يجب أن يكونوا مستعدين للانخراط مع الحكومة. وهذه, بالطبع, مسألة ثقة. أولاً، يجب أن تكون الحكومة قد أظهرت نفسها جديرة بالثقة من عدة جوانب، ويجب أن يكون الشباب قد أثبتوا أنهم قادرون من خلال المآثر التي حققوها بشكل مستقل عن الدعم الحكومي المباشر.

أما “لاوال تويين محمد”؛ فقد أوضح السؤال الموجّه إليه حول السياسيين الذين يَعِدُون الشباب وظائفَ من ذوي الياقات البيضاء غير متوفرة لإغرائهم للمشاركة في العملية الانتخابية, حيث رأى أن الشباب لا ينبغي أن يربطوا أنفسهم بالسياسيين على أساس الوعود، ولكن يجب أن يروا أنفسهم وكلاء للتغيير الاجتماعي.

واختتمت الجلسة بإشادة مديرها بالمتحدثين على مساهماتهم في السرد الانتخابي من حيث صلته بالشباب النيجيري ولمشاركتهم بأفكار ثاقبة.

 

 

ظهرت المقالة مشاركة الشباب النيجيري في السياسة والحوكمة: وجهان لعملة واحدة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5538/%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84/feed/ 0 5538
أبعاد إغلاق السودان حدودَها مع جمهورية إفريقيا الوسطى https://alafarika.org/ar/5518/dimensions-of-sudan-closing-its-borders-with-the-central-african-republic/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=dimensions-of-sudan-closing-its-borders-with-the-central-african-republic https://alafarika.org/ar/5518/dimensions-of-sudan-closing-its-borders-with-the-central-african-republic/#respond Mon, 30 Jan 2023 17:47:32 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5518

من خلال تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية يمكن القول بأن كلًّا من السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى بحاجة إلى إنشاء قوات مشتركة أو توقيع برتوكول أمنى تُوضَّح فيه مهام واختصاصات هذه القوات وتبادل رئاستها كل عام بين البلدين. وقد تتخذ هذه المبادرة طرقا أو سيناريهات مختلفة.

ظهرت المقالة أبعاد إغلاق السودان حدودَها مع جمهورية إفريقيا الوسطى أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يعتبر المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى من أهم مناطق دارفور من حيث حركة التجارة وعبور البضائع والمنتجات. ويمكن فهم التطورات الأخيرة الخاصة بهذه المنطقة الحدودية من خلال عرض موجز للأزمة الجارية في جمهورية إفريقيا الوسطى واتهام “محمد حمدان دقلو” نائب رئيس مجلس السيادة السوداني جهات بمحاولة تغيير النظام في جارتها وتجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد.

وفيما يتعلق بجمهورية أفريقيا الوسطي؛ فقد شهدت صراعات مختلفة في السنوات الأخيرة أثّرت في علاقاتها وحدودها مع جيرانها. ولعل أبرز هذه الصراعات ما وقعت في ديسمبر 2012 عندما انغمست البلاد في انتفاضة من قبل القوات المتمردة التي أدانت حكومة الرئيس “فرانسوا بوزيزي” بدعوى عدم احترامها لاتفاقات السلام بعد حرب عام 2007. وقد فرّ “بوزيزي” في 24 مارس 2013 إلى الكاميرون, بينما أعلن “ميشيل دجوتوديا” نفسه رئيسًا للبلاد وأصبح بذلك أول مسلم يتولى المنصب الرئاسي (خدم دجوتوديا قبل الرئاسة وبعد اتفاق يناير 2013 كنائب أول لرئيس الوزراء للدفاع الوطني). ومع ذلك اتسمت فترة رئاسة “دجوتوديا” للبلاد بتصاعد العنف الطائفي، واضطرّ في النهاية إلى الاستقالة في 10 يناير 2014 بعد ضغوط من قبل القادة الإقليميين.

وقد تطورت الأزمة إلى مواجهة مسلحة بين مليشيا “أنتي بالاكا” المسيحية الموالية للرئيس “فرانسوا بوزيزي”، ومليشيا “سيليكا” المسلمة الموالية للرئيس “ميشيل جوتوديا”, مع دخول الأزمة منعطفات مختلفة منذ ذلك الوقت. وفي العام 2020 جرت الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في جمهورية أفريقيا الوسطى وتمكّن خلالها الرئيس الحالي “فوستين ارشانغ تواديرا” – الذي تسيطر حكومته على ثلث مساحة البلاد – من الفوز بولاية رئاسية ثانية، وذلك بعد حصوله على 53 في المئة من الأصوات في اقتراع أجري وسط مقاطعة وحصار عسكري فرضته المليشيات والفصائل المعارضة للحكومة على العاصمة بانغي. وهناك مواجهات محتدمة في ديسمبر 2020، إثر قرار محكمة الدولة الدستورية إبعاد الرئيس الأسبق “بوزيزي” وغيره من السباق الرئاسي بدعوة تورطهم في جرائم حرب وقضايا دستورية أخرى, وهو ما أثار غضباً واسعاً لدى الفصائل المسلحة المعارضة للحكومة. فأعلن قادة هذه الفصائل المسلحة المسيطرون بحكم الأمر الواقع على معظم أراضي الدولة الإندماج وتشكيل تحالف تحت اسم “تحالف الوطنيين من أجل التغيير”, حيث دعا هذا التحالف إلى تأجيل الإنتخابات في وقت وسّع فيه من عملياته العسكرية مضيقاً الخناق على الحكومة عبر الاستيلاء على أربعة مدن إستراتيجية.

على أن الرئيس “فوستان آرشانج تواديرا” استعان بالروس لحمايته والحفاظ على حكومته مقابل السماح لهم بالتنقيب في البلاد، إضافة إلى تقارير بأن هؤلاء الجنود الروس استغلوا التقدم التكنلوجي بضرب مقاتلي حركة “سيليكا” مما أدى إلى تراجع الحركة واختفاء دورها من المشهد بجمهورية أفريقيا الوسطى. وهناك اعتقاد بأن الحركة كانت في مرحلة إعادة ترتيب الصفوف للعودة من جديد, وخاصة أن تقارير من جمهورية إفريقيا الوسطى ذكرت وجود عمليات تشمل قوات الدعم السريع وجيش جمهورية إفريقيا الوسطى ومجموعة “فاغنر” ضد الجماعات المتمردة في المنطقة الحدودية مع السودان وشمال جمهورية إفريقيا الوسطى حيث يتمركز أيضًا متمردين تشاديين.

إغلاق السودان حدودها مع جمهورية أفريقيا الوسطى

اتهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، “محمد حمدان دقلو” – المعروف بـ “حميدتي” – في 2 من يناير 2023، جهات داخلية في السودان بالشروع في مخططات لتغيير النظام في جمهورية أفريقيا الوسطى التي يمتد طول حدودها مع السودان 108 أميال. وأشار “حميدتي” أن جهات ارتدت زي الدعم السريع وعملتْ على تغيير النظام الأفرو-وسطي من داخل الحدود السودانية، وذلك بحشد عسكريين سابقين وقوات من عدة قبائل لتنفيذ المخطط. وقد أكّد “حميدتي” أيضا كشف المخطط واعتقال الضالعين فيه، حيث قال إن هذه القوات تجمعت في منطقة “أم دافوق” في ولاية جنوب دارفور.

وفي حين يرى “حميدتي” أن هذه المخططات تأتي ضمن محاولات البعض لزرع الفتن بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطي بإستخدام زي الدعم السريع؛ إلا أن تصريحاته تتوافق مع محاولات سابقة من مليشيات أفرو-وسطية يُعتقد أنها قد عادت من جديد وبتكتيك عسكري مغاير للمرات السابقة. وهناك من يتّهم مليشيا “سيليكا” باحتمال استخدامها لزي الدعم السريع وتنفيذها لأحداث منطقة” أم دافوق” التي قُتِل فيها 3 أشخاص، وكذلك أحداث منطقة “بليل” الأخيرة.

وقد أعلن “حميدتي” إغلاق حدود السودان مع جمهورية إفريقيا الوسطى وفتح معسكرات لضبط ورقابة حدود البلدين – درءا للفتنة والحفاظ على حسن الجوار وتفادي جرّ السودان في أزمة جمهورية إفريقيا الوسطى. ومع ذلك, تذكّر هذه التطورات بتجربة القوات المشتركة السودانية التشادية وكيف يمكن استنساخها في حالة الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى.

تجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد

تاريخياً يعتبر إقليم دارفور مسرحاً لكل المعارضين لأنظمة الحكم في تشاد، حيث شهد تدريبات قوات “قوقوني عويدي” الذي استعان بامتداد قبيلته في السودان وقام بتدريبهم وتسللّهم إلى دارفور ثم سعى لتغيير نظام “حسين حبرى”. وكذلك الرئيس التشادي السابق “إدريس ديبي” الذي انطلق من دارفور واستولى على الحكم في بلاده، حيث ساعده في ذلك نظام “البشير” قبل أن تسوء علاقتهما ودعم كل منهما (أي البشير وديبي) المعارضة للتأثير في بلديهما، وعلى أثر ذلك وصلت المعارضة التشادية في العام 2008 عاصمة تشاد وحاصرت القصر الرئاسي لمدة 3 أيامٍ جرت فيها المفاوضات بين المعارضين التشادين والنظام الفرنسي. وفي حين ساعدت فرنسا الرئيس “ديبي” للتغلب على خصومه المعارضين في تلك الأزمة؛ فقد توصّل النظامان السوداني والتشادي إلى توقيع برتوكول أمني وعسكري في منتصف يناير 2010 الذى نصّ على إنشاء القوات المشتركة السودانية التشادية.

وقد نجحت تجربة إنشاء القوات المشتركة السودانية التشادية في عدة نواحٍ, منها: أنها ساعدت على حفظ الأمن في كلا البلدين وعلى إثرها أُغلِق الحدود بين البلدين مما قلّل من الحراك المسلح للمعارضين والمدعومين من أحدي النظامين تجاه الآخر انطلاقا من دارفور.

وقد ساهمت مبادرة القوات المشتركة السودانية التشادية أيضا على تعزيز تجارة السكان المحليين وتفاعلهم الاقتصادي نتيجة لتوفّر الأمن والاستقرار النسبي. كما أن إنشاء هذه القوات سهّلت عمليات القبض على المتفلتين, وتؤكد على هذا حادثة سرقة الإبل الأخيرة بين السودان وتشاد. بالإضافة إلى أن المبادرة أدت إلى وجود بوابات محددة لحركة المواطنين, مما يجعل دونها تفلتاً وبالتالي سهولة الإدارة والتعامل الأمني.

ومع ذلك, واجهت تجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد انتقادات, منها:

أ. ضعف الرقابة على هذه القوات مما يشجعها على الفساد وأخذ “ضرائب” خارج الأطر القانونية، وهو ما يحجم من دور الأفراد في ممارسة الأنشطة التجارية. ويمكن تدارك هذا الضعف عبر تعاون استخباراتي عسكري مشترك مهمته رصد مثل هذه المخالفات.

ب. تدخّل هذه القوات في مسائل تختص بالإدارة الأهلية السودانية. وقد عزّز هذا عدم تواجد شبكة اتصالات تربط سكان هذه المناطق الحدودية مع السودان. ويمكن معالجته بإيصال شبكة الهواتف النقالة للتبليغ الفوري وربط الإدارة الأهلية السودانيه بزعاماتها على مستوي مركز الولاية والعاصمة القومية.

ج. الفساد الأخلاقى لهذه القوات حيث اشتكى سكان المناطق الحدودية من انتهاكات هذه القوات لأعراضهم. ويمكن معالجته من خلال الرقابة وإنشاء دور محاكم القضاء المدني والعسكري والمستشفى حتى يتم الحدّ من مثل هذه الحالات والكشف عنها وإحالتها للقضاء فوراً.

وعلى الرغم من السلبيات سابقة الذكر والتي يمكن معالجتها؛ إلا أن تجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد ساعدت في الاستقرار النسبي بين حدودي البلدين كما جنبتهما تُهَم متبادلة حول تهديد الأمن القومي ومساعي قلب نظام أحدهما الآخر. بل وساهمت هذه التجربة في تعزيز علاقات البلدين وتبادل الزيارات والتي آخرها في يوم الأحد الماضي (29 يناير 2023) عندما اتفق زعماء المرحلة الانتقالية السودانية والتشادية على ضرورة تعزيز القدرة العملياتية للقوة التشادية السودانية المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي تزداد تواترا في المنطقة الحدودية بين البلدين, كما شدّدا على إقامة “علاقات مباشرة ومستمرة” وتبادل المعلومات والاستخبارات بين الأجهزة الأمنية, إلى جانب مناقشة المخاوف التشادية الفرنسية بشأن الوجود الهائل لقوات الدعم السريع على طول الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى.

أبعاد إغلاق الحدود من الجانب الأحادي السوداني

يرى البعض أن نائب رئيس مجلس السيادة “حميدتي” غير موفق في قرار إغلاق حدود السودان مع جمهورية إفريقيا الوسطى منفردا, حيث اتهمت جمهورية إفريقيا الوسطى جارتها السودان بإرسال مقاتلين لزعزعه استقرارها، وهي تهمة نفاها قائد الجيش السوداني “عبد الفتاح البرهان” أثناء خطابه في مهرجان الرماية 56 بمدينة الدمازين. ومن خلال التهم الموجهة للسودان تتضح أهمية إشراك قوات جمهورية إفريقيا الوسطى في إغلاق الحدود حتى تكون حكومته على علم تام بما يجري في الشريط الحدودي، وذلك لتفادي دخول السودان في صراع مع جمهورية أفريقيا الوسطى أو ورود اتهامات مماثلة في المستقبل بزعزعة أمنها أو محاولة تغييرها نظامها.

ومن خلال تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية يمكن القول بأن كلًّا من السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى بحاجة إلى إنشاء قوات مشتركة أو توقيع برتوكول أمنى تُوضَّح فيه مهام واختصاصات هذه القوات وتبادل رئاستها كل عام بين البلدين. وقد تتخذ هذه المبادرة طرقا أو سيناريهات مختلفة وفق ما يلي:

السيناريو الأول: أن تقوم القوات السودانية بتأمين حدودها منفردةً لفترة من الزمن (قد يكون لمدة عامين كاملين على وجه التقدير). وهذا ما يُتَوقّع حدوثه أولاً نظرا لإعلان إغلاق الحدود من الجانب السوداني.

السيناريو الثاني: أن تطلب جمهورية أفريقيا الوسطى من السودان توقيع بروتوكول أمني لنشر قوات على الشريط الحدودي بينهما. وقد يحدث هذا السيناريو بعد انقضاء العامين المذكورين في السيناريو الأول، حيث تقوم جمهورية أفريقيا الوسطى خلال هذه الفترة بالتجنيد الوطني لقلة عدد جيشها الذي لا يكفي لحمايتها من المليشيات الداخلية فضلا عن تأمين حدودها مع السودان.

السيناريو الثالث: أن يتفق الجانبان السوداني والأفرو-وسطي على إنشاء قوات مشتركة بعد البروتوكول الأمنى خلال عامين من الآن. وهذه الخطوة ستعيد الثقة بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وستعزز العلاقة بينهما, كما أنها ستجعلهما مسؤولين على إدارة حدودهما وما يجري فيها.

هذا, وبالرغم من السيناريوهات السابقة إلا أنه قد لا يحدث أي تعاون أمني بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى نظرا لحقيقة أن نظام الرئيس الأفرو-وسطي الحالي يعتمد على المرتزقة الأفارقة والروس لتأمين بلاده, حيث انهارت المؤسسة العسكرية الوطنية في البلاد.

الخاتمة

من خلال ما سبق يتضح أن جمهورية أفريقيا الوسطى لا تزال تواجه أزمات أمنية متعددة الأوجه والأسباب, وأن هذه الأزمات بدأت تهدد علاقاتها مع الجيران. ويمكن القول أيضا إن منافسة القوى الخارجية في جمهورية إفريقيا الوسطى لا تزال محتدمة حيث تستمر رغبة الفاعلين الدوليين للتحكم في البلاد من أجل مصالحها. وفيما يتعلق بحدودها مع السودان, فإن القرار الأحادي من السودان سيزيد من انعدام الثقة بينهما وتبادل التهم بدعم المتمردين لزعزعة استقرار بعضهما البعض. وبالتالي سيكون الأفضل للسودان استنساخ تجربتها مع تشاد في هذه الحالة الأفرو-وسطية أو على الأقل إشراكها في القرارات والتطورات الأمنية المرتبطة بهذه الحدود.

ظهرت المقالة أبعاد إغلاق السودان حدودَها مع جمهورية إفريقيا الوسطى أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5518/dimensions-of-sudan-closing-its-borders-with-the-central-african-republic/feed/ 0 5518
نيجيريا بين خطي “أنبوب الغاز العابر للصحراء” (TSGP) و “أنبوب الغاز النيجيري المغربي” (NMGP) https://alafarika.org/ar/5497/nigeria-between-tsgp-and-nmgp/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=nigeria-between-tsgp-and-nmgp https://alafarika.org/ar/5497/nigeria-between-tsgp-and-nmgp/#respond Mon, 16 Jan 2023 23:25:47 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5497

لا يمكن الجزم بما إذا كان أحد المشروعين سيتمكن من سد مكان روسيا في تلبية احتياجات أوروبا للغاز لأن المشروعين لن يكتملا في أي وقت قريب, وسيحتاج أيهما إلى مجموعات الاستثمار من المؤسسات المالية وشركات الطاقة والدول الأوروبية مع شبكة من المتعاونين وأصحاب المصلحة الإفريقيين والدوليين من القطاعين العام والخاص كي يكون أكثر استدامة.

ظهرت المقالة نيجيريا بين خطي “أنبوب الغاز العابر للصحراء” (TSGP) و “أنبوب الغاز النيجيري المغربي” (NMGP) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تضم نيجيريا أكبر احتياطيات الغاز المؤكدة في قارة إفريقيا, والتي تقدّر بحوالي 200 تريليون قدم مكعب – أي ما يعادل حوالي 3 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية المؤكدة – تليها الجزائر بـ 159 تريليون قدم مكعب([1]). واستحوذت الدولتان في عام 2020 على 86 في المئة من صادرات الغاز الأفريقي (58 في المئة للجزائر التي تملك أكبر شبكة أنابيب الغاز في القارة، و 28 في المئة لنيجيريا), كما اتجهت أكثر من 62 في المئة من هذه الصادرات إلى أوروبا([2]).

وقد أعلنت الحكومة النيجيرية عن ضرورة تنويع اقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل رئيسي على النفط وعائداته. وأكّدت على أهمية الاستفادة من ثروات الغاز في البلاد عبر مشاريع البنية التحتية التي تمكّنها من نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب العابرة لدول إفريقية مختلفة لتزويد الأسواق الإفريقية والأوروبية؛ إذ توفر نيجيريا هذه الخدمة في الوقت الرهن بواسطة ناقلات الغاز التي يعتَبرها المسؤولون النيجيريون مكلّفة([3]).

وتتزامن الخطة النيجيرية مع خطوات دول إفريقية أخرى مثل الجزائر والمغرب حول مشاريع خطوط أنابيب الغاز العابرة للحدود والدول, كما أنها تتماشى مع مساعي التكامل الاقتصادي للمنظمات الإقليمية والقارية, مثل “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS) والاتحاد الإفريقي, وخاصة أن القارة الإفريقية تشهد مشاريع الغاز الطموحة المقترحة وجارية التنفيذ([4]). ومن بين هذه المشاريع الإفريقية: خط أنبوب غاز بري يمتد من نيجيريا ويمر عبر الصحراء في النيجر إلى الجزائر؛ وخط أنبوب بحري يمتد من نيجيريا إلى المغرب عبر المحيط الأطلسي ويربط ما لا يقل عن 11 دولة أخرى في غرب إفريقيا.

وقد أثارت خُطّتا الجزائر والمغرب مع نيجيريا تساؤلات بين نيجيريين حول جدواهما الاقتصادية والتنموية, وما إذا كانتا مجرد خطوة لتحقيق أهداف جيو-سياسية أو جرّ نيجيريا إلى جانبهما في منافستهما الإقليمية والتأثير في موقف البلاد في قضايا إفريقية قارية ودولية.

خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (TSGP)

يُعدّ “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” (Trans-Saharan gas pipeline) مشروعا مشتركا بين ثلاث دول, والذي يبدأ من نيجيريا ويمر بالنيجر إلى الجزائر. وقد أثيرت فكرة المشروع للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي ومضت نيجيريا والجزائر في يناير 2002 على توقيع مذكرة تفاهم للتحضير للمشروع, كما وقعتا على عقد مع شركة Penspen Limited في يونيو 2005 لإجراء دراسة جدوى اكتملت في سبتمبر 2006 وأفادت نتائجها بموثوقية الخط وجدواه التقنية والاقتصادية([5]).

خط الغاز عبر الصحراء (باللون الأحمر).

ومع ذلك لم يشهد “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” أي تقدم ملحوظ بين عامي 2009 و 2020 رغم إجراء الجزائر والنيجر ونيجيريا محادثات مختلفة بشأن إحيائه وإنشاء “فريق عمل” وكيان لتحديث دراسة الجدوى السابقة. وعاد الاهتمام بالمشروع في عام 2020 عندما بدأت “شركة النفط الوطنية النيجيرية” (Nigerian National Petroleum Limited) بناء أنبوب Ajaokuta-Kaduna-Kano =AKK)) الممتد من بلدة “أجاوكوتا” (الواقعة في وسط نيجيريا) إلى “كادونا” و “كانو” (الواقعتين شمال غرب نيجيريا), حيث يشكل مشروع “أجاوكوتا” المرحلة الأولى من مشروع “خط أنابيب الغاز عبر نيجيريا” (Trans-Nigeria Gas Pipeline=TNGP) الذي سيكون جزءًا من نظام “خط أنابيب الغاز العابرة للصحراء”([6]).

وتفيد تقارير أن طول “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” سيبلغ 4128 كيلومتر بدءا من خط الأنابيب في مدينة “واري” (الجزء الجنوبي الغربي من منطقة دلتا النيجر النفطية في نيجيريا) انتهاءا في “حاسي الرمل” بالجزائر, حيث سيتصل بخطوط الأنابيب الحالية التي تمتد إلى أوروبا.

وتقدّر التكلفة الأولية للمشروع بـ 13 مليار دولار أمريكي مع إمكانيته لنقل حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى أوروبا عبر ثلاثة خطوط أنابيب غاز قائمة: “خط الأنابيب عبر المتوسط” (TransMed) الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر تونس؛ وخط “ميد غاز” (Medgaz) من غرب الجزائر إلى إسبانيا؛ و “خط أنابيب الغاز المغاربي–الأوروبي” (Maghreb–Europe Gas Pipeline) الذي يربط الجزائر وإسبانيا مرورا بالمغرب. وفي نيجيريا يتوقع أن يزوّد مشروع “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” الاتحاد الأوروبي بحوالي 1.06 تريليون قدم مكعب من الغاز النيجيري سنويًا([7]).

ويضاف إلى ما سبق أنه في 28 يوليو 2022 أُضِيف الطابع الرسمي لمشروع “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” بعد أشهر من المفاوضات, حيث وقعت نيجيريا والنيجر والجزائر مذكرة تفاهم أكّدت على “الإرادة السياسية” لهذه الدول الثلاث([8]). وهناك تلميحات على استمرارية المناقشات بين خبراء من الدول الثلاث, بينما لم تعلن أيّة دولة من هذه الدول الثلاث عن موعد محدد لإكمال الخط – حتى وإن كان وزراء هذه الدول قالوا إنهم يريدون إكماله “في أقصر فترة زمنية ممكنة”, كما يلاحظ من تصريحات الجانب الجزائري أن خبراء أفادوا بإمكانية إكماله في غضون ثلاث سنوات([9]).

أما تمويل “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء”؛ فمعظمه واقع على عاتقي الجزائر ونيجيريا. ويصعب الجزم في الوقت الراهن بالقدرة المالية لنيجيريا لإكمال الأجزاء الخاصة بها في المشروع لمشاركة البلاد في مشاريع نفطية وغازية أخرى, بما في ذلك أنابيب الغاز الداخلية الوطنية و “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”. وبالنسبة لدولة النيجر؛ فهي أيضا قد قد تواجه الصعوبة في تمويل الجزء الخاص بها بسبب حالة البلاد الاقتصادية وضعف قدرتها المالية. ويعني ما سبق أن المرجح لهذه الدول الثلاث أن تبحث عن تمويل واستثمار خارجيين – سواء من الدول التي قد تهتم بالمشروع, مثل الصين وروسيا, أو من الدول الأوروبية التي تسعى نحو إيجاد بدائل للغاز الروسي.

خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي (NMGP)

كان “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” (Nigeria-Morocco Gas Pipeline) من اقتراح الملك “محمد السادس” في عام 2016 خلال زيارته لأبوجا عاصمة نيجيريا. وسيكون هذا الخط امتدادا لخط الأنابيب البحري الحالي (خط أنابيب غاز غرب أفريقيا أو West African Gas Pipeline) الذي يربط نيجيريا مع جمهورية بنين وغانا وتوغو, وهو ما يعني أن إنشاء خط الأنابيب الجديد سيربط ساحل العاج وغامبيا وموريتانيا والسنغال وسيراليون وليبيريا وغينيا وغينيا بيساو وصولا إلى المغرب. وتؤيّد “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS) هذا “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” لأهميته وكثرة عدد دول غرب إفريقيا المشاركة فيه, بما في ذلك نيجيريا, وإمكانات الخط المتوقعة من حيث التنمية والتكامل الاقتصادي وأمن الطاقة؛ إذ يتوقع استغلال الخط من قبل الدول المشاركة فيه لتصدير غازها إلى دول أخرى تعاني من نقص الغاز مما يعود على الجميع بمنافع كبيرة([10]).

وكشفت تقارير أن مشروع “خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب” سيمتد لأكثر من 7000 كيلومتر من نيجيريا إلى المغرب (ومن هناك إلى أوروبا) مع توقّع نقل الخط حوالي 3 مليارات متر مكعب من الغاز يوميًا, وأنه سيكلف ما لا يقل عن 25 مليار دولار وسيُنَفّذ على مراحل مع توقّع اكتماله في عام 2046 اعتمادا على تقدير 25 عامًا المعلن في عام 2017([11]).

مسار خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب بالخط الأحمر المنقط (المسار القائم الحالي بالخط الأسود المستقيم). المصدر: شركة البترول الوطنية النيجيرية.

هذا, ويشهد الخط منذ عام 2020 تطورات ملموسة بدءا من إجراء دراسات الجدوى والخطوات الهندسية اللازمة. وهناك إشارات على أن شركتي النفط السنغالية والموريتانية تدعمان المشروع؛ إذ في سبتمبر وأكتوبر 2022 تم توقيع اتفاقية تنفيذ المشروع بين نيجيريا والمغرب و “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”, وشارك في عملية التوقيع “شركة البترول الوطنية النيجيرية” (NNPC) و “المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن” المغربي (ONHYM) وشركتا النفط السنغالية والموريتانية([12]).

وفيما يتعلق بالاستثمار؛ تقع عملية تمويل القدر الأكبر من المشروع على عاتقي نيجيريا والمغرب. وفي أغسطس 2017 بدأت “شركة البترول الوطنية النيجيرية” و “المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن” إجراء دراسة جدوى للمشروع والتي اكتملت في يناير 2019. وفي الشهر نفسه تعاقدت المؤسستان النفطيتان -النيجيرية والمغربية – مع شركة Penspen Engineering لإجراء المرحلة الأولى من دراسة “التصميم الهندسي الأمامي” (Front End Engineering Design)([13]).

وقد تعهّد “البنك الإسلامي للتنمية” (Islamic Development Bank) بتمويل 50 في المئة من دراسة “التصميم الهندسي الأمامي” (Front End Engineering Design) لمشروع “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”, حيث تحمل نيجيريا والمغرب عضويته وتعتبران من المساهمين الرئيسيين في البنك([14]). وفي سبتمبر 2021 وافق “صندوق الأوبك للتنمية الدولية” (OPEC Fund) – التابع لـ “منظمة الدول المصدرة للنفط” (OPEC) التي كانت نيجيريا أحد أعضائها – على قرض بقيمة 14.3 مليون دولار أمريكي لتمويل المرحلة الثانية من دراسة “التصميم الهندسي الأمامي” للمشروع (وهذه المرحلة الثانية تشمل منطقة الشمال من الخط والتي هي: السنغال – موريتانيا – المغرب)([15]).

ويضاف إلى ما سبق أن “رابطة منتجي البترول الأفريقيين” (African Petroleum Producers’ Organization) – التي تتألف من 18 دولة إفريقية منتجة للنفط – تسعى إلى تأمين الاستثمار لـ “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” وتعبئة حوالي ملياري دولار أمريكي من الموارد لتمويل المجالات الحاسمة للتعاون في البنية التحتية داخل إفريقيا. هذا إلى جانب شركات أخرى تشارك في عملية دراسة وتنفيذ المشروع, مثل الشركة الهندسية الأسترالية “Worley Parsons Limited”, وشركة  “Intecsea” في “لاهاي” المسؤولة عن خدمات “التصميم الهندسي الأمامي” الشاملة, ومكتب شركة Worley  في لندن و مدريد المكلف بتقييم الأثر البيئي والاجتماعي ودراسات حيازة الأراضي وتقييم إمكانية استخدام الطاقة المتجددة لتشغيل خط الأنابيب وتقليل انبعاثات الكربون. بينما تقوم شركة “Advisian” التابعة لـ “Worley” بالتحقيق في عملية الكهربة وجدوى الاكتفاء الذاتي من الطاقة في مناطق الخط([16]).

موقف الحكومة النيجيرية

أكّدت الحكومة النيجيرية مرارا على أهمية مشروعي “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” و “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”, ولم يصدر أي إشارة على تفضيل الحكومة لمشروع على آخر؛ إذ يأمل مسؤولو “شركة البترول الوطنية النيجيرية” من إنشاء البنية التحتية للمشروعين أن يفتح لنيجيريا فرصا متعددة كمركز لاستثمارات الغاز([17])([18]). وباعتبار أن نيجيريا تشحن حاليا ما يزيد عن 12 مليار متر مكعب من الغاز إلى واردات أوروبا الغازية؛ فإن اكتمال المشروعين أو أحدهما سيعزز مكانة نيجيريا كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا.

ورغم ما سبق, تؤدي المقارنة بين التطورات الأخيرة بشأن “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” و “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” وتصريحات بعض الاقتصاديين النيجيريين إلى القول: إن المشروع الثاني (“خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”) يحظى بأكبر الاهتمام, وقد يعود ذلك إلى ما يشهده المشروع من تطور ملموس من حيث الدراسة والتنفيذ والتمويل.

ويتماشى المشروعان مع “خطة عقد الغاز” المعلنة من قبل إدرة الرئيس “محمد بخاري”, والتي حدّدت يناير 2021 إلى ديسمبر 2030 كفترة تطمح فيها الحكومة إلى تصنيع البلاد باستخدام الغاز كعامل تمكين([19]). بل يتوافق “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” أيضا مع رؤية الاتحاد الأفريقي من حيث التكامل الاقتصادي والمساهمة الجماعية في التنمية, ويعزز مبادرات مثل “منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية”([20]) والجدار الأخضر الأفريقي وبرامج مختلفة لتطوير البنية التحتية, بالإضافة إلى إمكانية المساهمة في تلبية حاجات المنطقة للاستقرار والأمن وتوفير الطاقة لما يقرب من 400 مليون شخص([21]).

وتتمحور الشكوك والانتقادات الموجهة لـ “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” حول كثرة الدول الإفريقية المشاركة فيها وما تعانيها بعض هذه الدول من اضطرابات سياسية, إلى جانب كون الأوضاع الأمنية في هذه الدول قد تفاقم من تحديات تنفيذ الخط أو إدارته بشكل مستدام, بالإضافة إلى الصراع على السلطة والهيمنة الاقتصادية الذي قد تخلقه ثروة الغاز في مناطق عبور الخط اعتمادا على حالة أزمة منطقة دلتا النيجر النفطية في نيجيريا.

ومع ذلك, يمكن القول إن نقطة ضعف “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” هي أيضا ميزتها؛ إذ كثرة الدول المشاركة فيه قادرة على تعزيز أواصر التعاون بين جميع هذه الدول الإفريقية وتوحيد جهودها في إحداث ثورة في الوصول إلى الطاقة في منطقتي غرب إفريقيا وشمالها وبين قارتي إفريقيا وأوروبا، وهو ما يعني وجود سوق طاقة إقليمي تنافسي قادر على إضافة فوائد قيمة في اقتصادات المنطقتين. وقد كشفت “شركة البترول الوطنية النيجيرية” أن “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” قادر على نقل الغاز النيجيري إلى كل خط ساحلي في غرب إفريقيا، وينتهي الخط في طنجة في المغرب و”قادس” في إسبانيا – أي أن الخط سيمر عبر “كوتونو” في بنين؛ و “لومي” في توغو؛ و “تيما” و “تاكورادي” في غانا، ودول أخرى تشمل ساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وأخيراً إلى أوروبا عبر إسبانيا.

ويضاف إلى ما سبق أن تقرير “Rystad Energy” رجّح وصول إفريقيا إلى ذروة قدرة إنتاجية للغاز بحلول عام 2030 بحوالي 470 مليار متر مكعب([22]). وعليه سيتجاوز إنتاج الغاز في إفريقيا على المدى القصير والمتوسط التقديرات المبلغ عنها في حال اكتمال مشروعي أنابيب الغاز وتوسيع مشغلي النفط والغاز الأفارقة نطاق العمليات.

تساؤلات ونقاط مثارة

بالرغم من المبررات التي قدمها مسؤولو “شركة البترول الوطنية النيجيرية” بشأن مشروعي “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” و”خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”؛ إلا أن هناك تساؤلات ونقاط كثيرة أثارها النيجيريون في شتى المجالات والتخصصات. وقد نال مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي أكبر قدر من هذه التساؤلات؛ إذ شككوا في مدى تحقق الجانب النيجيري من صحة الجدوى الاقتصادية والمبررات التقنية للمشروع, وأشاروا إلى أن التكلفة النهائية له ستكون ضفي المبلغ المعلن أو أكثر, وأن الحكومة لم تنشر الأوراق المهمة المرتبطة به في مواقعها العامة حتى يتمكن النيجيريون من التحقق في الآليات المتبعة للحصول على جميع التصاريح والموافقات البحرية في كل الدول التي يمر بها الخط([23]).

وهناك انتقادات حول السرية التي تتبعها “شركة النفط الوطنية النيجيرية” بشأن المشروعين وعدم نشرها للخطة الاستثمارية لإنتاج الغاز الذي سيخصص لـ “خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي”. كما أنه هناك شعور بأن مشروعي “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” و”خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي” سيؤثران في المواقف النيجيرية تجاه القضايا الإقليمية والقارية والعالمية، بما في ذلك قضية “الصحراء الغربية/المغربية”؛ إذ “خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي” سيمر عبر المياه المتنازع عليها قبالة سواحل “الصحراء الغربية/المغربية”.

وفيما يتعلق بإمكانات الحكومة النيجيرية لتنفيذ المشروعين وتمويلهما في آن واحدٍ؛ فإن هناك شبه اتفاق لدى الاقتصاديين النيجيريين على صعوبة تنيفذهما معا من قبل نيجيريا, وخاصة أن هناك مشاريع وطنية أخرى, مثل مقترح توصيل الغاز للمنازل الذي لم تعلن الحكومة النيجيرية أي إطار لتنفيذه حتى اليوم, ومشروع (Obrikom-Obiafu to Oben) الذي مضى 16 عامًا على إنشائه. هذا إلى جانب التشكيك في قدرة نيجيريا نفسها بسبب ما تشهده البلاد من انخفاض حاد لإنتاجها من النفط الخام بنسبة 42 في المئة نتيجة لسرقة النفط النيجيرية وتخريب خطوط الأنابيب في السنوات الأخيرة([24]).

وتشمل نقاط أخرى مثارة جوانب التقنية والحقوق وعبور أنابيب الخطين عبر أراضي متنازع عليها أو مناطق تشهد أزمات أمنية مختلفة, مثل الإرهاب والعنف المسلح والأنشطة الإجرامية الأخرى. وهناك من ذهب إلى أن الأولى لنيجيريا توجيه المبالغ التي ستنفقها على المشروعين لتطوير محطات الغاز الطبيعي المسال حيث باستطاعة البلاد بمواردها الهائلة من الغاز أن تحقق هذه المشاريع في غضون خمس سنوات, وهو ما تجعلها في صفوف موردي الغاز الطبيعي المسال في العالم وتضيف لها قيمة في الأعمال البحرية وقطاع الشحن العالمي([25]).

جدير بالذكر أيضا أن بعض النيجيريين ينظرون إلى المشروعين كأداة جيوسياسية لعدم اقتناعهم بمبررات حاجة المغرب لخط أنابيب الغاز على طول الطريق من نيجيريا؛ إذ كان موقفهم أن بإمكان المغرب شراء الغاز الطبيعي المسال من السنغال وموريتانيا لقربهما منها, سواء عبر بناء خط الأنابيب أو عن طريق سفن نقل الغاز الطبيعي المسال والتي تكون أكثر مرونة بسبب قصر المسافة. وقد فضّل آخرون لنيجيريا تنفيذ المعاهدة الاقتصادية لـ “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” وخطط التنمية النيجيرية التي أوصت ببناء نظام سكك حديدية في المنطقة لتسهيل نقل رواسب الفوسفات من دولة مثل توغو إلى مجمع الأسمدة الفوسفاتي النيجيري في كادونا (شمال غرب نيجيريا).

تنافس إقليمي ودولي

يأتي مشروعا “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” و”خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي”على خلفية منافسات إقليمية ودولية, ولهما أبعاد على الصعيد الدولي؛ إذ هناك تنافس بين المغرب وجارتها الجزائر التي تعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا. ولا شك أن “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” – إذا اكتمل – ستوفر للجزائر مكاسب سياسية إلى جانب الفوائد الاقتصادية، وهو ما يعزز مكانتها في شمال إفريقيا وموقعها الاستراتيجي في القارة الأفريقية بأكملها. ورغم أن “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” أقصر مقارنة بخط نيجيريا-المغرب, إلا أنه لا يزال مقترحًا. بينما توجد مخاوف من الأوضاع الأمنية في مناطق الصحراء (بين نيجيريا والنيجر والجزائر) التي سيمر عبرها الخط, وذلك لما تعانيه أجزاء من هذه المناطق من أزمات أمنية بما في ذلك الإرهاب.

ويضاف إلى ما سبق أن للجزائر خطي أنابيب يربطانها مع إيطاليا وإسبانيا. وهذان الخطان قد لعبا دورا مهما في نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. ومع ذلك, يحذّر البعض في الغرب صناع السياسات الأوروبية من تبنّي الجزائر كمصدر طاقتها الوحيدة لتفادي الوقوع في أزمة غاز أخرى في المستقبل([26]). ويلاحظ من هذه التحذيرات([27]) أنها تأثّرت بالأزمة الجارية بين الجزائر والمغرب والتي بلغت ذروتها في قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في أغسطس 2021 وتحريم الجزائر الرباط من غازها في أكتوبر بإغلاقها “خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي” (GME) الذي ينقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا ويمر عبر المغرب. هذا إلى جانب ما حدث في بداية عام 2022 عندما عُلِّقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين الجزائر وإسبانيا بعدما دعمت إسبانيا خطة المغرب الخاصة بـ “الصحراء الغربية/المغربية”.

وفي الأوساط النيجيرية يساهم عاملان آخران في تفضيل بعض النيجيريين لمشروع “خط الأنابيب العابر للصحراء”؛ وهما:

العامل الأول: الحملات الإقليمية والدولية المعارضة لمشروع “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” بسبب آثاره البيئية المتوقعة، حيث يرون أن هذه الحملات قد تؤثر سلبا في الفرص والتعاملات النيجيرية على المستوى الدولي في المستقبل. وقد شهد خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب في عام 2018 معارضة من قبل 40 منظمة وقعت على بيان دعت فيه إلى إلغاء مشروع الخط لصالح صحة الناس وسلامة الكوكب([27b]).

العامل الثاني: قضية “الصحراء الغربية/المغربية”, حيث يرى نيجيريون أن مشاركة بلادهم في مشروع “خط أنابيب العابر للصحراء” أولى نظرا لقلة احتمال حدوث التنازع على الأراضي التي يمرّ عبرها الخط – بخلاف خط الأنابيب النيجيري المغربي الذي يخطط أن يكون له نقطة إنزال في “الصحراء الغربية/المغربية” التي يدير المغرب حوالي 80 في المئة منها في ظل دعوة جبهة البوليساريو إلى الاستفتاء على تقرير المصير. ولا تزال نيجيريا من الدول التي تدعم “أحقية” منطقة “الصحراء الغربية” في الاستقلال وتقرير المصير. وقد حذّرت هيئة البترول والتعدين في “الصحراء الغربية” الشركات الأجنبية المنفذة لمشروع “خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي” من ارتكاب خطإ العمل في المنطقة لكونها أراض يتنازع عليها([28a]).

وفيما يتعلق بالاهتمام الأوروبي؛ فإن المشروعين قادران على استفطاب الاستثمار من الاتحاد الأوروبي الذي يبحث أعضاؤه عن مصادر بديلة للطاقة بعد أن لعبت روسيا ورقة الطاقة ردًا على العقوبات الغربية بشأن الحرب الروسية الأوكرانية. ويؤشّر تواتر الاجتماعات رفيعة المستوى([28])([29]) مؤخرا بين المسؤولين النيجيريين ووزارة الطاقة الأمريكية على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون مهتمة بدعم المشروعين أو أحدهما. وذهبت مصادر([30])([31]) إلى أن روسيا تتابع المشروعين باعتبارهما مبادرتين قادرتين على تعزيز علاقة موسكو مع الدول الإفريقية في ظل بحثها طرق الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها وتوسيع استثماراتها في إفريقيا. ومن المحتمل أيضا أن تظهر الصين كداعم أو مستثمر في أحد المشروعين اعتمادا على حقيقة أن بإمكان المشروعين تدعيم مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى جانب الاستثمارات والقروض الصينية الحالية في صناعة النفط والغاز النيجيرية([32])([33]).

خاتمة

مما سبق يمكن القول: إن المواقف النيجيرية من المشروعين غير موحّدة؛ إذ يعتبر عدد من الاقتصاديين النيجيريين “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” أكثر جدارة ومتوافقة مع مشروع غاز داخلي, وذلك نظرا لما يتطلبه من تمويل أقل وسنوات تنفيذ غير بعيدة ومسافة خط قصيرة مع إمكانية بقاء نيجيريا على “حيادتها” وموقفها من “الصحراء الغربية/المغربية”. ومع ذلك, أثار هؤلاء الاقتصاديون أيضا مخاوف اجتماعية وأمنية من “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” بسبب مناطق عبور الخط.

وفي المقابل تؤشر تطورات الشهور الماضية على أن “خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي” يحظى باهتمام مسؤولي “شركة النفط الوطنية النيجيرية”, وخاصة أن هذا المشروع قد أحرز تقدما من حيث دراسات الجدوى والاتفاقات بين الدول والأطراف المشاركة, بما في ذلك “المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا”, بالإضافة إلى تمويله والاستثمار فيه الذي تعززه “رابطة منتجي النفط الأفريقية” وتتصدره “صندوق الأوبك للتنمية الدولية” و “البنك الإسلامي للتنمية”.

ومما لا شك فيه أن اكتمال المشروعين أو أحدهما سيساهم في معالجة تحديات الاستثمار في البنية التحتية للغاز في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتي ظلّت عقبة رئيسية. كما أنه سيضاعف من مكانة نيجيريا على مستوى قارة إفريقيا – ليس فقط من حيث تصدير احتياطيات غازها الطبيعي – ولكن من حيث المشاركة في القرار المصيري الدولي فيما يتعلق بالطاقة.

ومع ذلك, لا يمكن الجزم بما إذا كان المشروعان – أو أحدهما – سيتمكنان من سد فجوة روسيا في تلبية احتياجات أوروبا للغاز, وذلك لعدة اعتبارات منها: أن المشروعين لن يكتملا في أي وقت قريب, وأن أيًّا منهما بحاجة إلى خطوط أنابيب كافية ومرافق المعالجة والتخزين الفعالة. كما سيحتاج إلى مجموعات الاستثمار من المؤسسات المالية وشركات الطاقة والدول الأوروبية مع شبكة من المتعاونين وأصحاب المصلحة الإفريقيين والدوليين من القطاعين العام والخاص لكي يكون أكثر استدامة. وهناك تحديات أمنية محلية خاصة بكل دولة إفريقية تشارك في المشروعين. بينما يرى البعض في نيجيريا أن التوتر الجاري بين المغرب والجزائر يكفي كإشارة لنيجيريا على احتمال وقوع الصراع حول “الصحراء الغربية/المغربية”, وهو ما سيؤثر في قطاع الطاقة النيجيري فتُدخل البلاد في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل.

ــــــــــــــــــــــــــ

[1] – Lars Kamer (2020). “Countries with the largest natural gas reserves in Africa 2021”. Statista, retrieved from https://bit.ly/3ZHELWC

[2] – Ali Boukhlef (2022). “Algeria: The Trans-Saharan pipeline, a Nigerian alternative to Russian gas?”. Middle East Eye, retrieved from https://bit.ly/3ITEHgO

[3] – “Decade of Gas: FG to Spend $2bn Investment Yearly on Infrastructure Devt, Says NLNG”. ThisDay, retrieved from https://bit.ly/3Xe3yA1

[4] – ABIQ (2021). “Oil and Gas Projects in Africa”. Retrieved from https://bit.ly/3XuLlhi

[5] – “Trans-Sahara Gas Pipeline”. Global Energy Monitor, retrieved from https://bit.ly/3XuLlhi

[6] – “AKK Natural Gas Pipeline Project”. Hydrocarbons Technology, retrieved from https://bit.ly/3IXFSMh

[7] – المصدر سابق:

“Trans-Sahara Gas Pipeline”. Global Energy Monitor

[8] – CGTN Africa (2022). “Algeria, Niger, Nigeria ink deal to build trans-Saharan gas pipeline”. Retrieved from https://bit.ly/3Wk7Vs2

[9]– المصدر سابق:

Ali Boukhlef (2022). “Algeria: The Trans-Saharan pipeline, a Nigerian alternative to Russian gas

[10] – “Nigeria-Morocco Gas Pipeline”. Global Energy Monitor, retrieved from https://bit.ly/3XhSKkr

[11] – Ecofin Agency (2017). “Nigeria and Morocco sign feasibility studies agreement to advance a pipeline project that will link the two countries”. Retrieved from https://bit.ly/3knQKZi

[12] – Ejiofor Alike (2022). “Nigeria, Three Other Countries Sign Additional MoU on $25bn Gas Pipeline”.

[13]  – المصدر سابق:

“Nigeria-Morocco Gas Pipeline”. Global Energy Monitor

[14] – IsDB (2021). Signature of Financing Agreements related to the Front-End Engineering Design Study Project for Nigeria – Morocco Gas Pipeline. Retrieved from https://bit.ly/3w5enIO

[15] OPEC Fund, “Nigeria-Morocco Gas Pipeline (NMGP) Front End Engineering Study (FEED) Phase II Project”. Retrieved from https://bit.ly/3XBnRXR

[16] – المصدر سابق:

“Nigeria-Morocco Gas Pipeline”. Global Energy Monitor

[17] – William Ukpe (2022). “$13 billion Trans-Saharan pipeline to boost Nigerian gas in European markets – Sylva”. Nairametrics, retrieved from https://bit.ly/3WgNCff

[18] – Premium Times (2022). “What the Nigeria-Morocco Gas Pipeline Project will do for Africa — Mele Kyari”. Retrieved from https://bit.ly/3kkgp5c

[19] – المصدر سابق:

“Decade of Gas: FG to Spend $2bn Investment Yearly on Infrastructure Devt, Says NLNG”. ThisDay

[20] – عبد الواسع مجيب (2022). “منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية: إمكانات وتحدّيات”. الأفارقة للدراسات والاستشارات, عبر الرباط https://alafarika.org/ar/5378

[21] – Oussama Aamari (2022). “Morocco-Nigeria Pipeline: How African Development Can Benefit Europe”. Morocco Wold News, retrieved from https://bit.ly/3ZDwKSJ

[22] – Nermina Kulovic (2022). “Europe eyes gas-rich African nations for new supplies, Rystad says”. Offshore Energy, retrieved from https://bit.ly/3w8ixj6

[23] – Dan Kunle (2022). “What is the Economic Justification for the Nigeria-Morocco Gas Pipeline?”. Africa Oil & Gas Report, https://bit.ly/3kmZWgt

[24] – Abubakar Ibrahim (2022). “Nigeria’s oil output under Buhari lowest since 1999.” Business Day, retrieved from https://bit.ly/3XDRfwV

[25]– المصدر سابق:

Dan Kunle (2022). “What is the Economic Justification for the Nigeria-Morocco Gas Pipeline?”. Africa Oil & Gas Report

[26] – Alex Grinberg (2023). “Europe Shouldn’t Rely on Algeria for Its Energy Needs”. The National Interest, retrieved from https://bit.ly/3QLlhMW

[27] – Robin Mills (2022). “Why can’t Algeria solve Europe’s gas woes?”. EURACTIV, retrieved from https://bit.ly/3XyftIF

[27] – Lydia Woellwarth (2018). “Multiple NGOs call for the Nigeria-Morocco gas pipeline project to be scrapped”. World Pipelines, retrieved from https://bit.ly/3Xx3bAg

[28a] – “Saharawi Petroleum And Mining Authority Warns Foreign Companies Over Controversial Nigerian-Moroccan Gas Pipeline Project In Western Sahara”. Sahara Reporters, retrieved from https://bit.ly/3ZH6NBK

[28] – Obas Esiedesa (2022). “FG seeks US funding for Nigeria’s natural gas development”. Vanguard, retrieved from https://bit.ly/3Hclztb

[29] – Nigeria State House (2022) “Osinbajo Travels To United States, Nigeria’s Energy Transition Plan On The Agenda”. Retrieved from https://bit.ly/3CPcu72

[30] – S&P Global (2008). “Europe and Russia Compete over Trans-Sahara Pipeline as Nigeria Considers its Gas Options”. Retrieved from https://bit.ly/3iGR9pk

[31] – Reuters (2022). “Nigeria oil minister says Russia interested in gas pipeline to Morocco”. Retrieved from https://reut.rs/3GNOouf

[32] – Chika Oduah (2019). “China Invests $16 Billion in Nigeria’s Oil Sector”. VOA, retrieved from https://bit.ly/3iLDf5p

[33] – EnerData (2020). “China lends US$2.5bn to Nigeria to build the AKK gas pipeline”. Retrieved from https://bit.ly/3GLcTbM

ظهرت المقالة نيجيريا بين خطي “أنبوب الغاز العابر للصحراء” (TSGP) و “أنبوب الغاز النيجيري المغربي” (NMGP) أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5497/nigeria-between-tsgp-and-nmgp/feed/ 0 5497
محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/#respond Thu, 12 Jan 2023 16:55:25 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5474

لا نعرف إلا القليل جدًا عن كيفية استخدام المعلومات المناخية طويلة المدى في صنع القرار الأفريقي،  في حين أن المعلومات المناخية الموسمية يتم تضمينها بشكل متزايد في أعمال التنمية والعمل الإنساني في جميع أنحاء أفريقيا ، فإن معرفتنا بالعوائق والفرص المتاحة لاستيعاب المعلومات المناخية طويلة الأجل شحيحة نسبيًا. ولا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا.

ظهرت المقالة محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يلعب المناخ دورًا ديناميكيًا داخل النظم الاجتماعية الإيكولوجية المعقدة والمتطورة بسرعة ؛ وهذا يتطلب من مجتمعات علوم المناخ والمرونة والتكيف أن تشارك على نطاق واسع مع القطاعات والجهات الفاعلة الأخرى لتحقيقه. وقد أصبح تغير المناخ حقيقة يجب مكافحتها والتصدي لها والتكيف مع عواقبها المناخية التي تنوعت بين حرائق أو فيضانات أو جفاف أو ارتفاع الحرارة أو البرودة أكثر من المعتاد أو ارتفاع مستوى سطح البحر، والتي بدورها أثرت على العديد من مجالات الحياة.

وعلي سبيل المثال: هناك واحد من كل ستة مواقع للتراث الثقافي عالميًّا بات مهددًا بسبب تغيُّر المناخ، وذلك وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وعليه نحن بحاجة إلى رصد تلك التأثيرات من خلال بيانات أكثر دقة ونُظُم للتنبؤ بما سيحدث في المستقبل. وقد تحتاج الدول إلى بناء الطرق والجسور بحيث تكون مكيّفة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الأكثر قوة, كما قد تضطر بعض المدن الواقعة على السواحل إلى إنشاء أنظمة لمنع الفيضانات في الشوارع وفي منشآت النقل تحت الأرض، وقد تتطلب المناطق الجبلية إيجاد سبل للحد من الانهيارات الأرضية والفيضانات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية.

من هنا كانت ضرورة اتخاد التأمينات مسبقًا من خلال الحصول على معلومات عن الكوارث والإغاثة أثناء الأزمة  أولا، ثم تأتي الخطوة الأهم وهي التكيف مع تداعيات هذا التغير المناخي، وبالفعل منذ عام 2011  قامت عدة بلدان بإعداد خطط تكيف وطنية بموجب الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ؛ إلا أن ما يقرب من ثلاثة أرباع تلك الدول تمتلك الخطط  لكن تفتقد التمويل وفاعلية التنفيذ أقل بكثير مما هو مطلوب. قد تبدو كل هذه الإجراءات باهظة الثمن، وهي كذلك – لكن الشيء المهم الذي يجب أخذه في الحسبان هو أننا نعرف الكثير بالفعل عن كيفية التكيف، ونعلم المزيد كل يوم.

ومع أن الدعوة إلى التكيف واضحة، فإن بعض المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ هي الأقل قدرة على التكيف لأنها فقيرة أو تنتمي إلى البلدان النامية التي تكافح بالفعل من أجل إيجاد موارد كافية لتلبية الأساسيات مثل الرعاية الصحية والتعليم. إذ تقدر تكاليف التكيف السنوية في البلدان النامية بحوالي 70 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما بين 140-300 مليار دولار أمريكي في عام 2030 وما بين 280-500 مليار دولار أمريكي في عام 2050.

وفي الوقت الحالي، تُنفَق نسبة تقدر بـ 21 % فقط من التمويل المتعلق بالمناخ الذي تقدمه البلدان الأكثر ثراء لمساعدة الدول النامية في التكيف والقدرة على الصمود، أي حوالي 16.8 مليار دولار سنويًا. ورغم أن الدول الكبرى أحرزت تقدماً بشأن التخطيط، إلا أنه لا تزال هناك فجوات ضخمة في التمويل للبلدان النامية والوصول بمشاريع التكيف إلى المرحلة التي توفر فيها حماية حقيقية من تأثيرات المناخ مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر.

وعلى مستوي القارة الأفريقية تعد هي أكثر القارات تأثرا وضررا بشدة بسبب آثار تغير المناخ، من أعاصير تضرب جنوبها إلى فيضانات وجفاف أَتَتِ على الأخضر واليابس في شرق القارة ، وبالنظر إلى موقعها الجغرافي ستكون القارة معرضة بشكل خاص بسبب القدرة التكيفية المحدودة إلى حد كبير، ومن المرجح أن تتأثر البنية التحتية طويلة العمر وتخطيط التنمية بشكل خاص،.ولذلك فإن اعتبار تغير المناخ في تصميمها وتنفيذها أمر حيوي لنتائج التنمية.

إن الآثار السلبية لمثل هذه الأحداث يتم الشعور بها في جميع أنحاء القارة، فقد سجلت جنوب السودان أسوأ فيضانات منذ 60 عاما العام الماضي، والتي ألحقت أضرارا بأكثر من 800 ألف من السكان، بينما شهدت تشاد هذا العام أكثر هطول للأمطار خلال ما يزيد على 30 عاما لتواجه مع العديد من البلدان الأخرى في وسط وغرب أفريقيا فيضانات موسمية. كما ظهر مؤخرًا بإعصاري إداي وكينيث المداريين اللذين تسببا في دمار كبير في ملاوي وموزمبيق وزيمبابوي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص واحتياج مئات الآلاف من الأشخاص للمساعدة الإنسانية وكذلك إحداث خسارة هائلة للبنية التحتية.

يأتي ذلك رغم أن مساهمات القارة من مجموع انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري هي الأقل على مستوى العالم إذ لا تتجاوز 4%  وفقا لإحصائيات مؤتمر COP27، إلا أن القارة تدفع ثمن ظاهرة التغير المناخي ، من هنا كانت الحاجة الأفريقية إلى تكيفات واستراتيجيات لبناء القدرة على الصمود لإدارة التأثيرات الحالية . لكن اتخاذ قرارات التكيف يمكن أن يكون معقدًا  ويتطلب دراسة متأنية لعوامل ووجهات نظر متعددة ، وموازنة الأولويات المختلفة على فترات زمنية مختلفة.

ومع ذلك، لا نعرف إلا القليل جدًا عن كيفية استخدام المعلومات المناخية طويلة المدى في صنع القرار الأفريقي،  في حين أن المعلومات المناخية الموسمية يتم تضمينها بشكل متزايد في أعمال التنمية والعمل الإنساني في جميع أنحاء أفريقيا ، فإن معرفتنا بالعوائق والفرص المتاحة لاستيعاب المعلومات المناخية طويلة الأجل شحيحة نسبيًا. ولا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا. إذا لم يتم اتخاذ خطوات طموحة، فإن أزمة المناخ التي تتكشف تشكل تهديدًا وجوديًا وشيكًا. وبدون هذا الإجراء، يبدو من المستحيل بالنسبة لأفريقيا تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)  أو تحقيق النتائج التحويلية المتوخاة في جدول أعمال القارة لعام 2063 والمضمنة في خطط التنمية الوطنية.

 

عن الكتاب

صدر كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا: التكيف والمرونة” (Climate Risk in Africa: Adaptation and Resilience) في 19 يناير 2021 عن “بالجريف ماكميلان” – شركة النشر الأكاديمية البريطانية. وتبلغ صفحاته 191 صفحة مع 9 فصول تناولت مواضيع مهمة وتجارب محتلفة حول تغير المناخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويعدّ الكتاب عملا جماعيا شارك في إعداده باحثون وخبراء كثيرون؛ بينما حرّره كل من البروفيسور “ديكلان كونواي” (Declan Conway) الذي تشمل أعماله العلمية والبحثية المياه والمناخ والمجتمع والتكيف والعلاقة بين الماء والطاقة والغذاء؛ والبروفيسور “كاثرين فينسينت” (Katharine Vincent) التي تتركز أبحاثها على الأبعاد الإنسانية للتغير البيئي العالمي والتنمية الاجتماعية ولديها خبرات ثمينة حول قابلية التأثر بتغير المناخ والتكيف وأطر السياسات.

وتقر البحوث المقدمة في هذا الكتاب أن المناخ يلعب دورًا ديناميكيًا في عمليات البيئة والمجتمع المعقدة. وهذا يتطلب من الباحثين في التكيف التركيز على قضية رئيسية واحدة وهي إحراز تقدم في فهم مخاطر المناخ في أفريقيا. ويسلط الكتاب الضوء على التعقيدات المتعلقة باتخاذ قرارات التكيف وبناء المرونة في مواجهة مخاطر المناخ، كما يركز على تقديم تقييمات موجزة لآثار تغير المناخ في قطاعات المياه والزراعة ومصايد الأسماك والصحة ، فضلاً عن المناطق الساحلية / الحضرية حيث تعيش نسبة كبيرة من سكان إفريقيا ويوفر خيارات التكيف التي هي محددة لكل من هذه القطاعات أو المناطق. ويستند إلى خبرات برنامج البحوث التطبيقية “مناخ المستقبل لأفريقيا”, ويبدأ بالتعامل مع المبادئ والهياكل الأساسية المصممة لتسهيل المشاركة الفعالة بشأن مخاطر المناخ ، بما في ذلك متانة المعلومات وبناء المعرفة من خلال الإنتاج المشترك.

ويهدف هذا الكتاب إلى المساهمة في هذه العملية من خلال تطوير فهمنا لمخاطر المناخ وآثارها على مناهج التكيف وبناء المرونة في إفريقيا، حيث يعتمد الكتاب بشكل كبير على أسس وأهداف برنامج بحث مناخ المستقبل لأفريقيا (FCFA) الذي يهدف إلى دعم التكيف والمرونة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. سيكون الكتاب موضع اهتمام الطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا والباحثين وصانعي السياسات والممارسين في الجغرافيا والبيئة والتنمية الدولية والتخصصات ذات الصلة .

 

محتويات الكتاب

يشمل الكتاب 9 فصول مختلفة, وصفحات مخصصة للمادتين الأولية والخلفية. وتضم المادة الأولية المقدمة والإقرارات وجدول المحتويات ونبذة مخترة للكاتبين والباحثين والاختصارات المعتمدة في الكتاب، وغيرها, بينما تناولت المادة الخلفية قائمة الكلمات والعبارات أو المؤشرات المرتبطة بموضوع الكتاب لكي يسهل العثور على المواد المتعلقة بها في الكتاب.

وفيما يتعلق ببحوث الكتاب وفصولها, فهي كالتالي:

الفصل الأول: القضايا الرئيسية والتقدم في فهم مخاطر المناخ في أفريقيا

يتغير المناخ – مع عواقب وخيمة على النظم البيئية والمجتمع، وعليه هناك حاجة إلى تكيفات واستراتيجيات لبناء القدرة على الصمود لإدارة التأثيرات الحالية والتي ستكون حيوية بشكل متزايد مع استمرار ارتفاع درجة حرارة العالم.

لكن اتخاذ قرارات التكيف يمكن أن تكون معقدًة ، وتتطلب دراسة متأنية لعوامل ووجهات نظر متعددة  وموازنة الأولويات المختلفة على فترات زمنية مختلفة وعلى وجه الخصوص ، فإن حقيقة أن العديد من منافع التكيف ستتراكم بشكل أكثر حدة في المستقبل، أي تعني أنها غالبًا ما لا تحظى بالأولوية بالنسبة لتحديات التنمية الأكثر إلحاحًا  ولا سيما في إفريقيا ، كل هذا يحدث في سياق عدم اليقين حول الطرق المحددة التي سيظهر بها تغير المناخ على النطاق المحلي.

ويمهد هذا الفصل المشهد من خلال مراجعة مختصرة لمشهد التخطيط للتكيف وبناء المرونة ، ويجيب الفصل على كيفية أن نطاق الاستخدامات المحتملة للمعلومات المناخية يغير طبيعة المعلومات التي يتم إنتاجها ، والتي بدورها  تعمل على تقييم الوضع الحالي للمعلومات المناخية، ولا سيما التوقعات المستقبلية لأفريقيا. بعد ذلك ، يطرح تسأؤل كيف يمكننا تحسين استخدام المعلومات المناخية للتكيف وبناء المرونة؟ ، ثم يقدم نظرة عامة على الفصول القادمة.

ويسلط هذا الفصل بالأشكال الضوء على الطرق المختلفة لعرض مخرجات نموذج المناخ العالمي ، والحاجة إلى أنواع وأشكال جديدة من البيانات، والمزيد من التفاعلات المبتكرة مع المستخدمين لزيادة قابلية الاستخدام والتطبيق.

إن الحاجة إلى التكيف وبناء المرونة واضحة ، والطلب على المعلومات والإرشادات لدعم هذه العملية مستمر في النمو ، وهو يسلط الضوء على الحاجة إلى أنواع وأشكال جديدة من المعلومات ، والمزيد من التفاعلات المبتكرة مع المستخدمين لزيادة قابلية الاستخدام و التقدم نحو الربط الفعال بين نهج العرض من أعلى إلى أسفل التي تهدف إلى معالجة توافر المعلومات من خلال النهج التصاعدية من جانب الطلب حيث يتم تحديد المعلومات من خلال سياقات القرار البطيئة. من هنا يعالج الكتاب هذه الفجوة من خلال أمثلة من العالم الواقعي تطبق مناهج جديدة لخلق المعرفة ، كما توفر الفصول التالية سياقًا موسعًا  مستنيرًا بالممارسة  لبحوث المناخ في إفريقيا ، مع إدراك الأهمية المهمة للمقاييس الزمنية الأقصر مع التركيز على النطاقات الزمنية طويلة الأجل (حوالي 5-40 عامًا) للتكيف.

الفصل الثاني: معلومات المناخ .. نحو تقطير شفاف

يعرض هذا الفصل قضية هامة وهي الاستجابة الفعالة للتحدي المعقد لتغير المناخ لاتخاذ قرارات مستنيرة لمعالجته، وهذا يعود إلى طبيعة علم المناخ الذى هو أمر بالغ الأهمية للعملية لوصف وفهم التغييرات السابقة وتوقع التغييرات المحتملة في المستقبل ، في ظل سيناريوهات مختلفة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ومع ذلك ، فعلم المناخ ينطوي على العديد من الأحكام والاختيارات القيمية ، مع عواقب على المعلومات الناتجة ، وصانعي القرار وأصحاب المصلحة. لذلك ، فإن اتخاذ القرارات الصارمة في مواجهة حالات عدم اليقين يتطلب استجوابًا شفافًا ومداولات بشأن القيم والاختيارات من أجل استخلاص معلومات موثوقة وإدارة المخاطر. فلا يوجد نهج واحد متفق عليه من قبل جميع علماء المناخ، بل يتم استخدام مجموعة من الأساليب والافتراضات ، مع توقع الآثار المترتبة على المتانة والموثوقية وعدم اليقين.

وغالبًا ما تسترشد هذه الاختيارات والافتراضات بقيم وأهداف علم المناخ بدلاً من سياق القرار، وعليه يقترح الفصل نهج تقطير المعلومات ، والذي يجعل العديد من القرارات الضمنية والأحكام القيمية التي تحدث خلال عملية تكوين المعلومات صريحة ومفتوحة للتداول، كما يجادل الفصل فكرة  ضرورة مشاركة هذا النهج بشكل جوهري في سياق القرار ، إذ يفتح الخيارات والافتراضات بطريقة شفافة للتداول عبر علماء المناخ وخبراء السياق.

ومن خلال الفصل تم دراسة حالة – FRACTAL- و يهدف مشروع المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية (FRACTAL) إلى إرشاد عملية صنع القرار المرنة للمناخ في العواصم الكبرى في جنوب إفريقيا. إذ يتبنى المشروع  نهجًا يقوده السياق بقوة لتطوير المعلومات المناخية – نهج يتضمن أفكار محكمه حول تقطير المعلومات.

بشكل عام ، يعد استخلاص المعلومات المناخية التي تشارك بشكل فعال في اتخاذ القرارات عملية تتضمن بناء الثقة ، والاتفاق على القيم والأولويات المشتركة ، ودمج مجموعة متنوعة من التجارب والأدلة والخبرة ، وإدارة المخاطر وعدم اليقين بشكل تعاوني. بالنظر إلى هذه العملية ، هناك ثلاثة جوانب مهمة لسرد مخاطر المناخ ذات صلة خاصة بتقطير المعلومات المناخية:

الأول هو اعتماد إطار المخاطر. في لوساكا ، تشمل التوقعات المناخية قدرًا كبيرًا من عدم اليقين بشأن التغيرات في هطول الأمطار ، مع التوقعات التي تغطي زيادة وتناقص هطول الأمطار. ومع ذلك ، كشفت المناقشات أن الشواغل الأساسية كانت آثار الزيادة السريعة في عدد السكان والطلب على المياه ، وخفض إجمالي هطول الأمطار ولكن هطول الأمطار بشكل أكثر كثافة. لم تبرز الزيادات في إجمالي هطول الأمطار كمصدر قلق. ولذلك لا تمثل روايات لوساكا مستقبلًا يتزايد فيه هطول الأمطار – فقد كان استبعادها قرارًا جماعيًا تم اتخاذه مع مراعاة وفهم الأدلة المناخية – وهو حكم قيمي ينقض قيم وأولويات من يتخذون القرارات أو يواجهون عواقبها.

ثانيًا ، تم إنفاق القليل من الوقت على تصور أو تفصيل أو تبسيط أدلة علم المناخ. بدلاً من ذلك ، انخرط علماء المناخ بشكل علني مع بعضهم البعض ومع المشاركين لاتخاذ قرارات مثل استبعاد مستقبل معين. تم إعطاء الأولوية لبناء التفاهم المتبادل والثقة في قرارات التقطير على طرق الاتصال أحادية الاتجاه التي قد تغلق النقاش بشكل استباقي. لا يعني هذا التقليل من قيمة مناهج الاتصال ، التي لا تزال تحمل قيمة وأهمية بارزين ، بل هي حجة لبناء الثقة من أجل دعم الشرعية والملكية الجماعية في العملية (Harold et al. 2019).

أخيرًا ، تضاءل بسرعة الحاجز الملحوظ لعدم اليقين المتعلق بالنموذج في معظم الحالات. بمجرد أن تمكن المشاركون من التفاعل وبناء فهم مشترك عبر مجموعة من العقود المستقبلية المعقولة ، ظهرت تدخلات فعالة وذات أولوية ، وكان العديد منها مشتركًا عبر جميع العقود المستقبلية المعقولة. في كثير من الحالات ، استندت هذه التدخلات إلى التنمية الجيدة والتخطيط الحضري الذي سيكون أيضًا تدابير فعالة للتكيف. في حين أن الجهود المبذولة للحد من عدم اليقين في النموذج هي بالتأكيد ذات قيمة ويجب أن يستمر علم المناخ في السعي لتحقيق ذلك ، فإن حاجز عدم اليقين المتصور لا يمكن التغلب عليه دائمًا ، لا سيما عندما يتم بناء المعلومات المناخية من خلال التقطير المفتوح والشفاف والتعاوني.

كما يناقش هذا الفصل؛ تقدم وتطور فهم العلماء لظاهرة تغير المناخ على مستوى العالم عامة والقارة الأفريقية خاصة، و بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة هناك عاملان رئيسيان للتقدم هما التحسينات في الملاحظات والنماذج.

أولاً: أنتجت منصات المراقبة الجديدة  القائمة على الأقمار الصناعية حجمًا غير مسبوق من البيانات حول متغيرات الغلاف الجوي وسطح الأرض والمحيطات. ولكن للأسف ، فإن توافر الراصدات السطحية الأولية من محطات الأرصاد الجوية آخذ في الانخفاض في العديد من البلدان ، ولا سيما في أفريقيا. أي لا تكفي عمليات مراقبة الأقمار الصناعية في حد ذاتها – فهي تتطلب عمومًا عبر التحقق (المعايرة) مقابل الملاحظات السطحية وبالنسبة لبعض المتغيرات مثل درجة حرارة الهواء بالقرب من السطح ، أي يعد الحصول على تقديرات دقيقة للأقمار الصناعية أمرًا صعبًا.

ثانيًا: تقدم تعقيد نموذج المناخ مع تضمين عدد أكبر وتمثيلات أكثر واقعية للعمليات المناخية. نماذج المناخ العالمية (GCMs) المدرجة في مشروع المقارنة بين النموذج المتقارن الأول (CMIP) التي قدمت أدلة رئيسية في تقرير التقييم الأول للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) (1990) كانت أبسط بكثير من نماذج GCMs المساهمة في CMIP6 و IPCC الجارية تقرير التقييم السادس للمناخ ؛ على سبيل المثال ، نماذج الدوران العام المشاركة في CMIP6 هي في الغالب نماذج أنظمة الأرض (ESMs) والتي تتضمن اقتران نماذج الغلاف الجوي وكيميائيته ، والمحيطات و بيولوجيتها ، والجليد البحري ، والغطاء النباتي على سطح الأرض ، مع تباعد الشبكة بشكل عام فيما يتراوح مداها بين 100 و 200 كم.

علاوة على ذلك ، فإن التقدم في القدرات الحسابية والفهم العلمي قد مكّن أحدث نماذج المناخ الإقليمية المحدودة في المنطقة (RCMs) من العمل مع تباعد شبكي يبلغ 4 كيلومترات أو أقل ، مما يسمح لها بحل الميزات على نطاقات مكانية تبلغ حوالي 25 كيلومترًا ، والتقاط الحمل الحراري العميق بشكل صريح، وهي سمة أساسية من سمات المناخ في أفريقيا. وعليه يمكن لمثل هذه النماذج إعادة إنتاج الحمل الحراري الواقعي ، وهو أحد التحديات طويلة الأمد لنمذجة المناخ

ويعترف الباحثون ضمن هذا الفصل أنه بالرغم من تقدم هذه التطورات الرئيسية في علم المناخ، إلا انه  لا تزال هناك حواجز كبيرة أمام توفير المعلومات المناخية في شكل ومستوى الدقة المطلوبة في كثير من الأحيان لدعم اتخاذ قرارات التكيف على المستوى المحلي. في الواقع ، أكد المشاركون في المؤتمر الأفريقي الأول لمخاطر المناخ (ACRC 2019) على الحاجة إلى دمج أبحاث علوم المناخ بشكل أفضل في عملية صنع القرار ، مع الإشارة إلى التحدي المستمر الذي يمثله عدم اليقين في التوقعات المناخية لتحقيق هذا الهدف.

من هنا يتم التعامل مع هذا التحدي من منظورين متصلين، أولا؛  تبنى منظور دمج المعلومات المناخية بشكل أكثر فاعلية في صنع القرار من خلال الإنتاج المشترك ، بينما ينظر هذا الفصل في إمكانات علم المناخ والنمذجة لتوفير المزيد من المعلومات المدروسة والدفاعية. في القسم التالي ، نصف الأساس لبناء المعلومات المناخية ، مع إبراز المفاهيم المهمة للقوة والموثوقية والافتراضات المرتبطة بها. على وجه الخصوص ، نحن نأخذ في الاعتبار دور الأحكام القيمية في توصيف وتقليل عدم اليقين ، وكيف تنشأ المفاضلات بين أنواع مختلفة من الخطأ.

يؤدي هذا إلى القسم التالي حيث يتم تقديم مفهوم تقطير المعلومات المناخية، يسعى تقطير المعلومات المناخية إلى تسهيل قدر أكبر من الشفافية وإدماج صانعي القرار وأصحاب المصلحة في الأحكام القيمية والمفاضلات التي لا يتم أخذها في الاعتبار بشكل عام إلا في إطار علم المناخ. ويلي ذلك دراستا حالة لتطوير معلومات علوم المناخ المصممة للمساعدة في صنع القرار ، بدعم من برنامج مناخ المستقبل لأفريقيا (FCFA).

الفصل الثالث: الإنتاج المشترك: التعلم من السياقات

على الرغم من حدوث ثورة معلوماتية  في السنوات الأخيرة في توافر المعلومات المناخية ، إلا أن هذا لم يُترجم إلى تخطيط وتكيف فعالين يتسمان بالمرونة مع تغير المناخ، وغالبًا ما يكون هذا بسبب أنه أثناء إنتاج المعلومات المناخية ، لا يمكن استخدامها فعليًا من قبل صانعي القرار – بدلاً من ذلك توجد “فجوة قابلية الاستخدام”.

وقد أدى الاعتراف بفجوة الاستخدام إلى التشكيك في الأنماط التقليدية لإنتاج المعرفة، بدلاً من النماذج المهيمنة التي يحركها العرض ، حيث ينتج العلماء معلومات لإفشال نقص المعرفة ، هناك حاجة لمنتجي المعلومات ومستخدميها للعمل معًا من خلال المشاركة المستمرة والتكرار لإنتاج المعرفة الموثوقة والبارزة والشرعية، يتم الترويج للإنتاج المشترك بشكل متزايد باعتباره نهجًا متعمدًا لزيادة قابلية استخدام الخدمات المناخية من خلال تعزيز الشراكة بين “المنتجين” و “المستخدمين” لإنشاء خدمة مصممة وموجهة بشكل فعال. ويعد تاريخ الخدمات المناخ مشتركة الإنتاج أطول في البلدان المتقدمة ، ولا تزال هذه الممارسة في مهدها في العالم النامي، نظرًا لأنه يتضمن مجموعة من الشركاء يشاركون في إنتاج معلومات ذات سياق محدد  فلا يوجد مخطط للإنتاج المشترك.

ويعرض هذا الفصل  ثلاثة تجارب مشاريع ضمن برنامج (Future Climate for Africa، كل منها يشارك في إنتاج معلومات مناخية لإبلاغ التخطيط على المدى المتوسط (5-40 عامًا) في سياقات مختلفة مثل : الزراعة والمدن – التحليل الأفريقي متعدد التخصصات للرياح الموسمية 2050-   AMMA-2050)) ، والمدن – المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية- FRACTAL)). ومشروع العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء – الحد من عدم اليقين في نماذج فهم التطبيقات الإنمائية- ، UMFULA)) بما في ذلك الشراكة مع مشروع FCFA الرابع – دمج علوم المياه والمناخ في قرارات السياسة الخاصة بالبنية التحتية المقاومة للمناخ وسبل العيش في شرق إفريقيا ، HyCRISTAL))

وينتهي الفصل بمناقشة بعض التحديات السياقية التي واجهاها المشاريع الثلاثة ، مثل الثقة والسلطة وأنظمة المعرفة المختلفة وعوامل الحوكمة (التفويضات والأدوار والحوافز) ، وكيف عالج الإنتاج المشترك متعدد التخصصات هذه التحديات لتعميم الاستجابة لتحدي المناخ.

وأوصي الفصل بضرورة مراقبة التأثيرات عبر عملية الإنتاج المشترك ، بدلاً من ناتج المشروع فقط  و  يجب أن يأخذ هذا الرصد في الاعتبار الآثار التي غالبًا ما تكون غير ملموسة ، مثل تعزيز العلاقات الشخصية والمهنية التي تؤدي إلى تعاون مستمر ، وخلق تدفق مفتوح للمعلومات بين منتجي ومستخدمي المعلومات المناخية ، وزيادة الوعي ، وتعزيز ملكية منتجات الخدمات المناخية من قبل المستخدمين و تغيير السلوك فيما يتعلق باستخدام الخدمات المناخية. وعليه قد تؤدي هذه التغييرات “الناعمة” إلى المزيد من النتائج الملموسة مثل زيادة الإنتاج.

الفصل الرابع: استدلالات اتخاذ القرار لإدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ

يتمثل أحد الجوانب الرئيسية لعملية اتخاذ القرار القائم على الكشف عن مجريات الأمور فيما يتعلق بمخاطر المناخ في القدرة على ربط الإجراءات قصيرة الأجل بمسارات طويلة الأجل ، والتي هي في صميم التخطيط المستدام المقاوم للمناخ، حيث يميل صانعو السياسات والحكومات إلى امتلاك المزيد من الإرادة السياسية للتصرف عند مواجهة الكوارث، وهذا لا يختلف في حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ.

في مثل هذه السياقات يتم تعزيز المرونة من خلال المشاركة مع أصحاب المصلحة المختلفين عبر النطاقات وإدارة القرارات الحساسة للوقت بطرق تدعم في نفس الوقت خطط التكيف المستدامة. وعليه يناقش الفصل أربعة مناهج لتأطير عملية صنع القرار القائمة على الكشف عن مجريات الأمور للحد من المخاطر المتعلقة بالمناخ ، وهي:

• نهج المرونة “لا ندم لاتخاذ القرار في مناخ متغير”؛ أي أن الإجراءات منخفضة الندم منخفضة التكلفة نسبيًا وتوفر فوائد كبيرة نسبيًا في ظل المناخات المستقبلية المتوقعة، وتساهم تلك الإجراءات المربحة للجانبين في عملية التكيف مع وجود فوائد أخرى للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ، بما في ذلك ما يتعلق بالتخفيف.

• نهج توصيل المعلومات المناخية عبر العلوم والسياسة والاقتصاد العادل.

• تحليل مسارات التأثير التشاركي (PIPA).

• نهج الاستعداد والعمل القائم على التنبؤ.

    ثم يناقش الفصل بتفصيل أكثر نقطة تعزيز التخطيط الحضري المقاوم للفيضانات في  عاصمة واجادوجو ، دولة بوركينا فاسو ،  إذ يركز مشروع AMMA-2050 ، على تعزيز فهم الظواهر الجوية عالية التأثير على عملية صنع القرار على المدى المتوسط (5-50 عامًا) في غرب أفريقيا ، من خلال دراستين تجريبيتين  دولتي – بوركينا فاسو والسنغال- وذلك لدراسة كيفية تكييف المعلومات المناخية التي من الممكن أن تدعم بشكل أفضل عمليات صنع القرار الحساسة للمناخ.

    ويذهب الفصل إلى أن مسارات التكيف يجب أن تكون قادرة على التعامل مع مخاطر المناخ في سيناريوهات مستقبلية غير مؤكدة من خلال بناء المرونة للتغيير بمرور الوقت و مع تغير الظروف. كما يؤكد الاعتراف العميق بعدم اليقين الذي تنطوي عليه إدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ على أهمية التفكير المنطقي القوي في صنع القرار. وقد تحتاج القرارات إلى مراعاة مجموعة من الظروف المتوقعة التي تمتد على عتبة مهمة، في غرب أفريقيا ، تشمل سيناريوهات التغير في هطول الأمطار في المستقبل زيادة وانخفاض في معدل هطول الأمطار. ومع ذلك ، في حين أن هذا قد يبدو أنه يقدم مجموعة واسعة جدًا من العقود المستقبلية المحتملة للتخطيط ، فقد أظهر البحث الذي أجراه AMMA-2050 أنه نظرًا للزيادة أحادية الاتجاه في درجات الحرارة مع تغير المناخ ، بغض النظر عن علامة تغير هطول الأمطار ، فإن غلة المحاصيل من المرجح أن تنخفض مع تغير المناخ.

    ويضاف إلى ما سبق أن محاولات الحد من مخاطر المناخ على المجتمع تحتاج إلى النظر في مسألة عدم اليقّين من معلومات الطقس والمناخ، التي لديها القدرة على توجيه جهود إدارة مخاطر المناخ المستمدة من الملاحظات التاريخية ومجموعات النماذج للمناخ الحالية ، من خلال التنبؤات الجوية قصيرة الأجل إلى التنبؤات الموسمية وسيناريوهات المناخ المستقبلية؛ فالمعلومات المناخية المختلفة لها درجات مختلفة ومصادر مختلفة من عدم اليقين – على سبيل المثال – التنبؤات قصيرة المدى (اليومية إلى الأسبوعية) احتمالية بطبيعتها بسبب طبيعة الغلاف الجوي الفوضوية ، بينما ينشأ عدم اليقين في النطاقات الزمنية لتغير المناخ من عدم اليقين في النموذج وعدم اليقين بشأن الانبعاثات وتقلب المناخ الطبيعي ، و لا يختلف عدم اليقين هذا باختلاف المهلة الزمنية للتنبؤ أو الإسقاط فحسب ، بل يختلف أيضًا مع معلمة الاهتمام والمنطقة والمقياس المكاني والزمني للتنبؤ بالمنتج.

    ويصف الجزء الثاني من الفصل تحليل مسارات التأثير التشاركي (PIPA) ويأخذ في الاعتبار مدى تمكن هذا النهج من دعم تطبيق المبادئ المجانية ، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر إنصافًا وشمولية عبر الأطر الزمنية ، في إطار مشروعين بحثيين: نحو إجراء تأهب قائم على التنبؤ والتحليل الأفريقي متعدد التخصصات للرياح الموسمية – 2050.

    هذا, وتتسم إدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ بالغيوم في مستويات مختلفة من عدم اليقين والتي تتضخم عند محاولة فهم آثارها المحتملة على النظم الاجتماعية والإيكولوجية. يتضح “شلال عدم اليقين” بشكل خاص في إفريقيا حيث تكون البيانات الاجتماعية والبيئية متفرقة ، ويكون تطوير نماذج التأثير والتحقق منها في مراحل مختلفة.

    وعليه, يحاول هذا الفصل، أولاً إثبات حالة إضافة الإنصاف إلى الأساليب التجريبية، حيث ينطوي الإنصاف على ضمان ألا يؤدي الحد من مخاطر تغير المناخ لفئة واحدة من المجتمع إلى زيادتها لمجموعة أخرى.  ثانيًا ، توضيح كيف تم تطبيق هذه المبادئ في إطار مشروعين ممولين من قبل وزارة التنمية الدولية البريطانية / NERC: For PAc   AMMA-2050 من خلال استخدام أدوات تحليل مسارات التأثير التشاركي.

    الفصل الخامس: إنشاء معلومات مفيدة وقابلة للاستخدام عن الطقس والمناخ: رؤى من تخطيط السيناريو التشاركي في ملاوي

    من أجل التكيف واتخاذ القرارات التي تقلل الآثار الضارة لتقلب المناخ وتغيره ، من الضروري الحصول على معلومات مناخية حول الظروف المستقبلية، ويمكن تقديم المعلومات المناخية المستقبلية على نطاقات زمنية مختلفة من المدى القصير، مثل التنبؤات الموسمية ، إلى الإسقاطات المناخية طويلة الأجل مثل العديد من البلدان الأخرى . ففي ملاوي ازداد توافر المعلومات بمرور الوقت ؛ ومع ذلك   فإنه لم يؤد بالضرورة إلى التكيف الفعال مع تغير المناخ، وذلك لأن طبيعة المعلومات المتاحة لا تلبي بالضرورة احتياجات صنع القرار، وقد نشأ مجال الخدمات المناخية لتلبية الحاجة إلى ” توفير المعلومات المناخية بطريقة تساعد الأفراد والمنظمات في اتخاذ القرار” ، على النحو الذي أكده الإطار العالمي للخدمات المناخية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO)).

    وقد استُخْدِم نهج تخطيط السيناريو التشاركي (PSP) بنجاح في بعض البلدان الأفريقية،  بما في ذلك ملاوي. والتخطيط السيناريو التشاركي نهج مجتمعي متكامل يهدف إلى تعزيز القدرة على التكيف ودعم التخطيط والتنفيذ للحد من مخاطر الكوارث والتنمية المقاومة للمناخ المستنيرة بالمعرفة بالمعلومات والمخاطر المناخية, والذي يسمح بالتفسير الجماعي للتنبؤات الموسمية من خلال إشراك المنتجين والمستخدمين والوسطاء في إنشاء سيناريوهات ذات مغزى قائمة على التأثير بناءً على كل من الشرائح الاحتمالية للتنبؤات الموسمية (أي أقل من المعتاد ، والعادي ، وفوق الطبيعي)، كما يسمح هذا النهج  بدمج المعارف الأصلية والعلمية في المعلومات المناخية.

    ويقدم هذا الفصل، لمحة عامة عن نهج تخطيط السيناريو التشاركي ، وكيف تم تطبيقه في السياق الملاوى منذ تقديمه في موسم 2014-2015 ، مع تسليط الضوء على الأطراف المشاركة في عملية إنشاء الإرشادات ، والطرق التي تم بها ذلك. ويعد الهدف العام منه هو تقييم مدى قدرة PSP على توليد معلومات مفيدة وقابلة للاستخدام لصنع القرار للحد من مخاطر المناخ، خاصة جمهور المزارعين.

    وسلط الفصل الضوء في تجربة ملاوي مع المنفذين على المستوى الوطني ومستوى المقاطعة والمنطقة الفرعية ، والمزارعين المستهدفين بالإرشادات المفسرة ، على أن هناك مجالًا لـ PSP كطريقة لإنتاج معلومات مناخية مفيدة وقابلة للاستخدام لصنع القرار، وقد تمكن المزارعون الذين استخدموا الإرشادات الصادرة عن PSP من الحفاظ على الإنتاج عندما تكون الظروف الجوية دون المستوى الأمثل. وتحديد نوع البذور بناءً على طول توقعات موسم النمو ، وتحديد الممارسات الزراعية التي يجب القيام بها خلال أشهر فترات الجفاف الطويلة واتخاذ قرار بشأن الممارسات المناسبة لإدارة الآفات ، لا سيما أثناء فترات الجفاف الطويلة.

    كما تناولت دراسة الحالة فجوة في التقييم النقدي لـ PSP وتكمل نتائج تقييم CARE لموسم 2016-2017 ، إذ هناك حاجة لمزيد من التقييم في عدة أبعاد:

    أولاً: الحاجة لتحليل مكاني أكثر شمولاً ، مع الاعتراف بالتنوع الواسع للفاعلين المختلفين (من حيث شركاء المنظمات غير الحكومية) الذين يشاركون في مناطق مختلفة ، حيث أن هذه الدراسة  اتخذت عدد منطقتين من أصل 18 منطقة خضعت لـ PSP حتى الآن.

    ثانيًا: مازال هناك مجال لإجراء تقييم شامل، حيث يمكن أن يشمل التقييم حجم عينة أكبر ، مع إيلاء مزيد من الاهتمام لمدى تصميم العملية من منظور الجنس، مع مراعاة الاحتياجات المختلفة للرجال والنساء للمعلومات، والقواسم الاجتماعية الأخرى مثل العمر ومستوى التعليم ، بالإضافة إلى التفضيلات المختلفة في الاتصال ، والمزيد من الاستجواب عن دور المعرفة الأصلية حتى تكون قادرة بشكل أفضل على التحقق من صحة التنبؤات الموسمية.

    ثالثًا: مع استمرار PSP وتوسع قاعدة الأدلة ، هناك حاجة إلى تقييم طولي متعمق ، لا سيما وأن المناقشة لا تزال جارية بشأن المقاييس المناسبة للخدمات المناخية المنتجة بشكل مشترك ، والتي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار المنتجين والمستخدمين والعملية والنتائج.

    وفي النهاية؛ يعد التخطيط التشاركي للسيناريوهات (PSP) إحدى طرق الإنتاج المشترك لإرشادات قطاعية وسبل العيش المفيدة والقابلة للاستخدام لصانعي القرار . وفي ملاوي ، تتعرض استدامة تخطيط السيناريو التشاركي للتهديد بسبب التكامل المحدود في أطر التخطيط والاعتماد على المشاريع ، ومن ثم الحاجة إلى آلية لضمان حدوثها بانتظام ودمجها في هياكل الحوكمه الرسمية.

    الفصل السادس: قرارات عالية المخاطر في ظل عدم اليقين.. السدود والتنمية وتغير المناخ في حوض نهر روفيجي.

    يدور هذا الفصل حول دولة تنزانيا ويؤكدإن قرارات الاستثمار الرئيسية المتعلقة بالبنية التحتية لها عواقب طويلة المدى تتطلب توقع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمناخية المستقبلية التي ستعمل في ظلها. و في حين أن هناك أدلة على فعالية التكلفة لجعل استثمارات البنية التحتية مرنة للمناخ ، لا تزال العديد من القرارات تفشل في مراعاة مخاطر المناخ بشكل كاف  إن وجدت.

    كما يجري حاليًا النظر في قرارات الاستثمار الكبيرة المتعلقة بالمياه في حوض نهر روفيجي لدعم طموح تنزانيا في ترسيخ نفسها كدولة متوسطة الدخل وأكثر تصنيعًا، وعليه تمت الموافقة على مشروع Julius Nyerere للطاقة الكهرمائية الضخم – وهو مشروع بحثي مدته أربع سنوات في إطار برنامج مستقبل المناخ لأفريقيا (FCFA) ، مواجهة هذه التحديات من خلال الجمع بين علماء المناخ والتأثيرات الذين يركزون على النهج لتقليل عدم اليقين المرتبط بالاختلافات بين توقعات النماذج الذي تم التخطيط له لفترة طويلة مع إمكانية مضاعفة إنتاج الكهرباء في البلاد – في عام 2018 . سيكون هذا ثاني أكبر سد في أفريقيا من حيث الحجم ؛ وذلك سعيا لتعزيز الإنتاج الزراعي . وتحدد الخطة الوطنية الرئيسية الجديدة للري في تنزانيا (NIMP) ومبادرة ممر النمو الزراعي الجنوبي في تنزانيا (SAGCOT) نطاقًا هائلاً لمزيد من التوسع في الري، من أجل تحقيق هذه الاستثمارات الكبيرة  هناك حاجة من بين أشياء أخرى في القطاعات شديدة التأثر بالمناخ  حيث تتمتع هذه البنية التحتية بعمر طويل ، و يترتب عليها آثار عميقة على مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل  وبالتالي يمكن اعتبارها قرارات “عالية المخاطر”.

    يتسم تغير المناخ في تنزانيا وعلى نطاق أوسع في جنوب شرق أفريقيا بعدم اليقين الكبير ، حيث تتوقع نماذج المناخ ظروفًا أكثر رطوبة وجفافًا تهيمن المستويات العالية من التقلبات الملحوظة في هطول الأمطار بين السنوات. ومتعددة السنوات على السجل التاريخي في حوض نهر روفجي الذي يُعَدّ أكبر حوض نهري وأكثره أهمية من الناحية الاقتصادية في تنزانيا ، حيث ينتج نصف تدفق الأنهار في تنزانيا ، ويوفر المياه لـ 4.5 مليون شخص ولأغراض الري والثروة الحيوانية ، ويولد ما يقرب من 80٪ من الطاقة الكهرومائية في البلاد، ويدعم التدفقات البيئية في العديد من المجالات الرئيسية متنزهات الحياة البرية. وتظهر سجلات هطول الأمطار حدوث جفاف شديد لعدة سنوات في بداية القرن العشرين في السنوات الأخيرة.

    وعندما تم تسليط الضوء على تحديات إدارة تقلب المناخ في هذا الجزء من أفريقيا ، كشفت التجربة في تقييم مخاطر المناخ عن الحاجة إلى التركيز على النطاقات الزمنية ذات الصلة بالقرارات ، وإيلاء اهتمام أكبر لتقييم نموذج المناخ و القرارات الواردة فيه والنظر في تقلبية المناخ ، ضمن تحليلات تغير المناخ للمساعدة في أن تصبح توقعات النماذج أكثر فائدة في توجيه التكيف المحلي والعملي تتفاقم حالة عدم اليقين بشأن المناخ المستقبلي بسبب الطبيعة المخصصة لتوفير المعلومات والمشورة حول مخاطر تغير المناخ ، مما يؤدي إلى انخفاض الاتساق والارتباك حول موثوقية وشرعية المعلومات – وهو قلق ردده العديد من أصحاب المصلحة في حوض نهر روفجي.

    في الواقع، خلال المشاورات في الحوض ، أعرب أصحاب المصلحة رغبة قوية في مزيد من الوضوح ، ليس فقط بشأن التغييرات المتوقعة ، ولكن أيضًا بشأن الاختلافات بين عدد لا يحصى من نتائج نموذج المناخ  وصلتها بالممارسة التشغيلية ، ويفضل أن تكون معلومات أكثر تحديدًا عن الاتجاه من التغير والتغيرات في التطرف.. تُفضل خطط إدارة البنية التحتية والأحواض التي تعمل بشكل مقبول في ظل مجموعات متنوعة من الظروف المستقبلية (حلول قوية ، أو اتخاذ القرار في ظل عدم اليقين – DMUU) .

    يستكشف هذا الفصل طرقًا جديدة لفهم – إن أمكن- تقليل عدم اليقين في المعلومات المناخية لتمكين استخدامها في تقييم القرارات التي لها عواقب عبر قطاعات المياه والطاقة والغذاء والبيئة والتي تحدد نهجًا تم تطبيقه في حوض نهر روفيجي في تنزانيا ، والذي يعالج عدم اليقين في توقعات نماذج المناخ من خلال ترجيحها وفقًا لمقاييس المهارة المختلفة وعليه تتمثل أهداف هذا الفصل في (أ) استكشاف طرق تقييد عدم اليقين في التوقعات المناخية من خلال الترجيح, و (ب) تقييم تأثير ترجيح النموذج على مؤشرات أداء البنية التحتية.

    ويختتم الفصل؛ بإعطاء ترجيحات و توقعات النماذج المناخية بعض البصيرة حول نطاق عدم اليقين ، ولكن بالنسبة لهذه المنطقة ومجموعة من النماذج ، فإنه لا ينتج علاقة متسقة بين الواقعية النموذجية في محاكاة المناخ الإقليمي واتجاه وحجم إسقاط هطول الأمطار وكيفية ترجمة ذلك في التأثيرات الرئيسية في الحوض. في حين تعرض النماذج منخفضة وعالية الأداء ظروفًا أكثر رطوبةً وجفافًا. حتى عند استبعاد أكثر التوقعات تطرفًا ، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين.

    وأخيرا؛ يعطي الترجيح المستند إلى العملية (الطريقة الثالثة هنا) معظم الأفكار حول أسباب اختلاف النموذج ويسمح ببعض الاستبعاد من النموذج ، لكن الطريقة تتطلب موارد كبيرة وخبرة علمية وأحكامًا قيمية بحيث يكون توحيدها صعبًا للغاية.

    الفصل السابع: دمج مخاطر المناخ في التخطيط الحضري الاستراتيجي في لوساكا ، زامبيا

    تتصارع المدن في جميع أنحاء العالم مع التعقيدات المتعلقة بكيفية التحول من التقييمات والتدخلات القطاعية المجزأة والمشروعات المحددة إلى استراتيجيات وبرامج التنمية الحضرية المتكاملة على مستوى المدينة والمقاومة للمناخ. وإحدى الوسائل لدمج تلك الاعتبارات المناخية في تخطيط المدن عالية المستوى هي خطة التنمية الحضرية الاستراتيجية التي تنتجها العديد من حكومات المدن وتراجعها كل أربع أو خمس سنوات، هذه الخطط تحدد الأولويات لتوجيه الإنفاق العام وعمل المسؤولين والإداريين العامين المكلفين بالوفاء بالوعود التي قطعها السياسيون المحليون والوطنيون. كما إن عملية تطوير ومراجعة وتنقيح مثل هذه الخطط هي مزيج معقد من السياسات والمدخلات الفنية والمشاركة مع مجتمعات السكان ومجموعات أصحاب المصلحة الرئيسية الأخرى في المدينة، هناك جهود متزايدة لضمان أن عمليات التخطيط الحضري تقوم بدمج أفضل المعلومات المناخية العلمية المتاحة من أجل مواءمتها مع جداول الأعمال المناخية الدولية والوطنية لتحقيق أهداف منخفضة الكربون ومقاومة المناخ.

    يعرض هذا الفصل حالة وضع الخطة الاستراتيجية(2017 – 2021) لمدينة لوساكا في زامبيا  و يستكشف كيفية توصيف مخاطر المناخ وتحديد أولوياتها في الخطة (مقارنة بالخطة الاستراتيجية 2010-2015) ويفكك العمليات التي تم من خلالها تم دمج مصادر وأنواع مختلفة من المعلومات المناخية في تطوير خطة لوساكا الاستراتيجية ، بدعم جزئي من الجهود المبذولة في الاستكشاف المشترك والمشاركة في إنتاج واستخلاص المعلومات المناخية ذات الصلة ضمن مشروع المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية (FRACTAL).

    ويقدم الفصل مجموعة من الدروس ومجموعة من التوقعات المستقبلية، لإدخالها بشكل تدريجي في عمليات التخطيط الحضري الاستراتيجي عبر الجوانب الفنية والسياسية ومشاركة أصحاب المصلحة منها:

    الدرس الأول: الثقة والعلاقات مفتاح تبادل البيانات والمعلومات اللازمة لبناء حالة مقنعة لإدارة مخاطر المناخ.

    الدرس الثاني: تمكين مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة من التعامل مع المعلومات المناخية

    الدرس الثالث: هناك حاجة إلى وجود إطار تمكيني قانوني وسياسي وتمويلي.

    الدرس الرابع: يساعد الاستعداد لمواجهة المقاومة من خلال الوسطاء المهرة وزيارات التبادل المدينة.

    الفصل الثامن: دعم التخطيط الصامد للمناخ على المستوى الوطني ومستوى المقاطعات طريق إلى اتخاذ القرار بين أصحاب المصلحة المتعددين في أوغندا

    يعتمد التكيف الريفي الفعال مع تغير المناخ وتقلبه على نهج أصحاب المصلحة المتعددين لصنع القرار المستنير بالمناخ ، في سياق الظروف المحلية ، وبدعم من مناهج جديدة لتوليد وتوليف المعرفة متعددة التخصصات من جميع أنحاء العلوم الفيزيائية والاجتماعية. ومع ذلك ، فإن جعل القطاعات المختلفة تعمل معًا أمر صعب . وذلك لأن غالبًا ما يتم ربط أبحاث المناخ على المستويات العالمية أو الإقليمية بالسياق الوطني ، ومع ذلك ، يمكن التغلب على هذه الحواجز عندما تلتزم مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة ، بما في ذلك علماء الفيزياء وعلماء الاجتماع وصناع القرار داخل البلد – من الوزراء إلى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة – بالعمل معًا وتبادل معارفهم وخبراتهم. و على سبيل المثال تهدد قضايا تغير المناخ جهود التنمية الجارية في أوغندا ، التي تعاني بالفعل من الآثار السلبية لتقلب المناخ، فقد تسببت حالات الجفاف في أعوام 2008 و 2010 و 2016-2017 في خسائر كبيرة. وفي عام 2010  بلغت الخسائر الاقتصادية حوالي 470 مليون دولار أمريكي ، أي ما يعادل 16٪ من إجمالي القيمة السنوية للمحاصيل والثروة الحيوانية. وفي عام 2019 ، حدثت خسائر كبيرة في مناطق معينة بسبب مزيج من الأطعمة والانهيارات الأرضية وآفات المحاصيل والأمراض وعواصف البرد.

    وإدراكًا لخطر تغير المناخ ، تعهدت حكومة أوغندا بالحد من مخاطر المناخ، و تتضمنت كل من الرؤية الوطنية 2040 وخطة التنمية الوطنية (NDPII) أحكامًا للتخفيف والتكيف ، وعلى الرغم من وجود سياسة بشأن تغير المناخ ، لم يتم بعد الموافقة على مشروع قانون تغير المناخ الوطني ، كما أن الضغوط على الموارد المالية تعيق التنفيذ الفعال للأنشطة ورصدها. من هنا سلطت المناقشات المبكرة مع المركز الوطني لتنسيق الإنذار المبكر ، وكالة الأرصاد الجوية الوطنية الأوغندية (UNMA) وأصحاب المصلحة الآخرين من المستوى الوطني إلى مستوى القرية ، الضوء على فجوة المعرفة من حيث السيناريوهات الواقعية للآثار المحتملة لتغير المناخ  من بين أمور أخرى

    ولمعالجة هذه الفجوة، يرسم مشروع دمج علوم المناخ المائي في قرارات السياسات الخاصة بالبنية التحتية وسبل العيش القادرة على التكيف مع تغير المناخ في شرق إفريقيا (HyCRISTAL) الموضح في هذا الفصل مسارًا عمليًا لصنع القرار بين أصحاب المصلحة المتعددين ، حيث يجمع المعرفة و نظرة ثاقبة من العلوم الاجتماعية والفيزيائية ، لتطوير سيناريوهات واقعية لتأثيرات تغير المناخ المحتملة على السكان المتضررين وتوجيه قرارات السياسة. وقد أُجري البحث في منطقة بشرق عاصمة أوغندا كمبالا المتاخمة لشواطئ بحيرة فيكتوريا. نقدم هيكل وشكل المسار إلى اتخاذ القرار من قبل أصحاب المصلحة المتعددين ، ثم نوضح كيف تم تطبيق هذا المسار في موكونو ، والنتائج ، وننظر في فائدة هذا النهج في تمكين التكيف الفعال والمرونة.

    وفي نهاية الفصل، سلطت دراستنا الريفية التجريبية الضوء على الحاجة إلى الاستجواب النقدي وفهم آثار التكيف والمرونة كاستجابات سياسية لتغير المناخ في المجتمعات الريفية الفقيرة. ويؤدي عدم القيام بذلك إلى خطر الترويج لحلول غير فعالة أو حتى تأتي بنتائج عكسية. كما توفر المشاركة النشطة للسكان المحليين في عملية الحوكمة ، على سبيل المثال ، سرد القصص عبر الفيديو فرصة لإبراز احتياجات المجتمعات الريفية المهمشة وتعليمها وتطلعاتها ، والتي تشمل أعدادًا متزايدة من الشباب المهملين إلى حد كبير “المتخلفين عن الركب”، كما توفر إعادة التأطير هذه إمكانية المساهمة في القدرات الوطنية وتعزيزها من أجل إدارة أكثر فعالية وشمولية لمخاطر المناخ وتوفر للمجتمع المدني فرصًا جديدة لمشاركة السياسات في التنمية المستدامة.

    إذا كان للتكيف الريفي أن يكون فعالاً ، فلا يمكن أن يتخذ شكل الإجراءات الإلزامية التي يحددها الغرباء والتي تُفرض لاحقًا على المجتمعات الريفية. ينصب تركيزنا في هذا الفصل على التفكير في فعالية التكيف الريفي في سياق الأمن الغذائي والزراعة في أوغندا وتقديم نظرة ثاقبة عن طريق المضي قدمًا باستخدام التعلم من مشروع HyCRISTAL التجريبي الريفي .

    نحن نستكشف بشكل نقدي حدود “التكيف” و “المرونة” كاستجابات سياسية لتغير المناخ في المجتمعات الريفية الفقيرة من خلال الاستخدام متعدد التخصصات للمنهجيات الكمية والنوعية ، بما في ذلك الأساليب المرئية المبتكرة والبحث العملي.  كما نحدد بعض حدود بناء مجتمعات متكيفة ونستكشف الحلول المحتملة لتمكين صنع القرار المستنير للتكيف الريفي المرتبط بالاستثمار في التنمية المستدامة.  نسلط الضوء على أهمية مناهج أصحاب المصلحة المتعددين وتوليد “نظام إيكولوجي للمعرفة” يجمع بين أساليب وبيانات العلوم الفيزيائية والاجتماعية لتوليد معلومات خاصة بالسياق لإثراء عملية صنع القرار.

    الفصل التاسع: محادثات حول مخاطر المناخ والتكيف والمرونة في أفريقيا

    يشكل تغير المناخ خطرا علينا جميعا أن نعيش فيه، نتيجة لذلك ، ستستمر عملية التعلم حول التكيف مع تغير المناخ لعقود في المستقبل، حيث لا توجد مخططات لهذه العملية ، و بدلاً من ذلك علينا أن نتعلم عن طريق التجربة والتحسين ، وعليه يقدم هذا الفصل الاخير من الكتاب ، سلسلة من الأسئلة التي استرشدت بكتابة الفصول السابقة ، بناءً على رؤية المؤلفين الجماعية حول الاعتبارات المهمة للتكيف والمرونة:

    ما هي خصائص مشكلة القرار وكيف يتم تعريفها – ومن قبل من؟

    ما هي أنواع التفاعلات التي تحدث ومن يشارك؟

    ما هي العوامل السياقية الرئيسية بما في ذلك أهمية مخاطر المناخ التاريخية ودور المؤسسات والحوكمة؟

    كيف يتم توصيف مخاطر المناخ والإبلاغ عنها ، وفي أي نطاقات زمنية؟

    إلى أي مدى يظهر عدم اليقين بشأن المناخ في التحليل؟

    إلى أي مدى تعتبر الاعتبارات غير المناخية مهمة وكيف تتم معالجتها؟

    ما هي عمليات التنقيح – ما الذي يعمل بشكل جيد ولماذا؟

    وبالنظر إلى فصول الكتاب الثامنية، والتي تتناول الأسئلة بطرق متنوعة (وأحيانًا ضمنيًا) ، نرى مساهمتها الجماعية بمثابة إضافة إلى الإجراءات السابقة والمستمرة لبدء المحادثات وإعلامها حول مخاطر المناخ والحاجة إلى التكيف وبناء المرونة، يتضمن ذلك مزج المعرفة من علوم المناخ التي توفر رؤى حول الشكل الذي سيبدو عليه المناخ المستقبلي مع تجارب العلوم الاجتماعية للاستجابة من خلال التكيف ، بناءً على التطبيقات العملية في مجموعة متنوعة من السياقات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى للقيام بذلك يتطلب عملية اتصال من خلال زيادة الوعي وتبادل المعرفة بين مختلف الجهات الفاعلة وتعزيز الإدماج .

    ولأن الكتاب يهدف إلي إثراء المحادثة الجارية في ساحات السياسة الدولية والوطنية وعلى نطاق أوسع في المجتمع للمساعدة في اتخاذ قرارات أكثر إنصافًا وفعالية للحد من مخاطر المناخ؛ فقد كان هذا الفصل التاسع مبنيًّا حول فكرة المحادثات التي تحدث لدعم التكيف والمرونة في مواجهة مخاطر المناخ, وخاصة أن الكثير من هذا الكتاب يتعامل مع المبادئ الأساسية والهياكل المختلفة المصممة لتسهيل المحادثات الفعالة على طول سلسلة قيمة الخدمات المناخية بأكملها، والتي تشمل متانة المعلومات، وأساليب المشاركة وبناء المعرفة، حيث تم تعريف تغير المناخ على أنه مشكلة خبيثة – وهي مشكلة تستعصي على الحل السهل بسبب التغير المستمر في خطوط الأساس وعدم اليقين المتأصل. وهذا يعني أن معالجتها تتطلب علمًا ما بعدًا عاديًا، حيث لا يمكن فصل العلم عن القيم والمعايير التي تمنحه القيمة والاستخدام لأخذ هذه القيم والمعايير في الاعتبار ، يتطلب العلم ما بعد العادي المشاركة النشطة للمجتمعات غير العلمية.

    ويضاف إلى ما سبق أن المشاركة والإنتاج المشترك هما من بين الآليات التي يتم من خلالها العلم ما بعد العادي, وأن المساواة والإدماج من المبادئ الأساسية التي يجب تعزيزها من خلال هذه الأساليب، مع الأخذ في الاعتبار من يشارك وأدوارهم. وقد تناول هذا الفصل أيضا المحادثات المنظّمة للتعامل بطرق مختلفة مع العوامل المطلوبة للاستخدام الناجح للمعلومات، بما في ذلك المصداقية والشرعية / الثقة والبروز. وتطرّق أيضا إلى ما تعنيه هذه المحادثات لأجندة التكيف المتنامية, حيث أخذ في الاعتبار من يحتاج إلى المشاركة في محادثات حول التكيف قبل الانتقال إلى الطرق التي يمكن من خلالها تنظيم مثل هذه المحادثات والحاجة إلى تقييم نتائجها. ودرس الفصل ما هي الاعتبارات ذات الصلة بتكييف المعلومات المناخية لاتخاذ قرارات التكيف مع مراجعة نتائج تلك المحادثات وكيفية تركيزها على الحاجة إلى اتخاذ إجراء.

    وأخيرا, تصحب الأدلة المتزايدة على مخاطر المناخ بعاملين مهمين ومتصلين من زيادة الطلب على تدابير التكيف. الأول هو الاعتراف والتجربة الأكبر للعبء الاجتماعي والاقتصادي المتصاعد الناجم عن تغير تواتر وشدة وتوليفات المخاطر. والثاني هو التزامات أقوى على المستوى الدولي والوطني في مجال السياسات ، مثل اتفاقية باريس والهدف العالمي بشأن التكيف. هناك تنافس على الموارد وأولويات التنمية والآفاق السياسية والتخطيطية قصيرة المدى ، ولكن من خلال التأكيد على الحاجة إلى تضمين البعد المناخي في سياق أوسع لصنع القرار ، فإننا ندرك أهمية مواءمة التكيف وبناء المرونة مع القطاعات والجهات الفاعلة الأخرى ، لجعل جدول الأعمال وثيق الصلة ويمكن تتبعه للسياسة والممارسة. باختصار ، يجب إجراء محادثات حول المناخ. فرضيتنا هي أن التفاعل بين الدوافع التجريبية و السياساتية للتكيف المستقل والمخطط وبناء المرونة يحفز الابتكار من أجل الممارسة. في هذه الواجهة يتم رفع قيمة واستخدام المعلومات المناخية واختبارها. وتوفر التجارب الموضحة في هذا الكتاب نقطة انطلاق لمثل هذه المحادثات لتوجيه العمل المتسق.

     

    خاتمة

    مما لا شك فيه أنه يجب على الدول الأكثر ثراءً الوفاء بالتزاماتهم المالية والتنموية والأخلاقية تجاه الطبيعة والشعوب المتضررة من جراء أعمالهم ، فلا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا، إذا لم يتم اتخاذ خطوات طموحة حتي انعقاد cop 27  بالقاهرة ، إذ ان أزمة المناخ التي تتكشف تشكل تهديدًا وجوديًا وشيكًا وبدون هذا الإجراء  يبدو من المستحيل بالنسبة لأفريقيا تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة ، أو تحقيق النتائج التحويلية المتوخاة في جدول أعمال القارة لعام 2063 والمضمنة في خطط التنمية الوطنية.

     

    ظهرت المقالة محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/feed/ 0 5474
    تطورات إفريقيا في عام 2022 وتوقعات عام 2023 https://alafarika.org/ar/5409/alafarika-africas-2022-recap-and-2023-forecast/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=alafarika-africas-2022-recap-and-2023-forecast https://alafarika.org/ar/5409/alafarika-africas-2022-recap-and-2023-forecast/#respond Tue, 03 Jan 2023 10:32:29 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5409

    الأفارقة للدراسات والاستشارات تُعرِض التطورات المهمة التي أثّرت في القارة في عام 2022 من أجل تقديم التوقعات لعام 2023.

    ظهرت المقالة تطورات إفريقيا في عام 2022 وتوقعات عام 2023 أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>

    كتبه: عبد الواسع مجيب

    المقال متوفر باللغة الانجليزية هنا

    على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، كانت التطورات في إفريقيا بجميع تداعياتها مختلطة بين التقلبات والاستقرار؛ كان عام 2022 حافلًا بالنجاحات والاضطرابات السياسية والتوسع والركود الاقتصاديين والتحديات الاجتماعية والقضايا الأمنية. ومن أجل تقديم التوقعات لعام 2023 تُعرِض الأفارقة للدراسات والاستشارات الأحداث المهمة التي أثّرت في القارة في عام 2022.

    المشهد السياسي

    في عام 2022 تحوّل المشهد الديمقراطي في إفريقيا إلى ممارسة سياسية غامضة؛ إذ مع موجات الانقلابات والانتخابات والعنف الانتخابي بدت القارة وكأنها عالقة في تذبذب الحكم المدني المستقر. وتوفر التطورات في خمسة بلدان – مثل بوركينا فاسو وغينيا بيساو وأنغولا وكينيا والسنغال – نقطة انطلاق مهمة لاستطلاع توجهات القارة السياسية.

    ففي بوركينا فاسو؛ هزّ انقلاب عسكري في سبتمبر 2022 والذي أطاح بالرئيس المؤقت “بول هنري سانداوغو داميبا” واستبدله بالنقيب “إبراهيم تراوري” بسبب عدم قدرته المزعومة على التعامل مع التمرد الإرهابي في البلاد. وكان “داميبا” قد وصل إلى السلطة في وقت سابق في انقلاب عسكري في فبراير 2022 – قبل ثمانية أشهر فقط. واعتمادا على تقارير مختلفة كان العامل الرئيسي وراء موجة الانقلاب التي اجتاحت البلاد في عام 2022 عدمَ قدرة القادة على التعامل مع التمرد المسلح.

    وقد اكتسبت ظاهرة الانقلاب في غرب إفريقيا مزيدًا من الأهمية بعد محاولة انقلاب في غينيا بيساو في فبراير 2022. وأعلن الرئيس “أومارو سيسوكو إمبالو” لاحقًا أنها انقلاب فاشل بعد ساعات قليلة من محاولته، قائلاً: “لم يكن مجرد انقلاب، إنه محاولة لقتل الرئيس ورئيس الوزراء وكل أعضاء الحكومة، لأن الجيش لم يكن متورطا في ذلك”. وكشفت التقارير عن مقتل نحو 11 عنصرا من قوات الأمن في البلاد في الحادث الذي وُصف بأنه “اعتداء على الديمقراطية”.

    وعلى الرغم من أن “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS) – الكتلة الإقليمية الذي يجمع جميع دول غرب إفريقيا – أعادت تأكيد معارضتها الصريحة لأي استيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها بوسائل غير دستورية، إلا أنها لا تغيّر حقيقة أن تغييرات الأنظمة السياسية لهذه البلدان عبر انقلابات ستجذب العنف والتطرف والجريمة عبر الوطنية.

    ولم تقتصر الأحداث المرتبطة بالديمقراطية الأفريقية في عام 2022 فقط على انقلاب بوركينا فاسو ومحاولة الانقلاب في غينيا؛ إذ أجرت دول مثل السنغال وكينيا وأنغولا انتخابات بارزة. ففي 31 يوليو 2022 أجرت السنغال انتخاباتها العامة حيث خاض الرئيس الحالي “ماكي سال” صراعًا صعبًا مع مرشح المعارضة، على الرغم من أن الأخير أكد أنه هزم الرئيس في الانتخابات بعد إعلان فوزه. وساهمت الخصومات في أعمال العنف التي اندلعت قبل الانتخابات، والتي قال محللون إنها وضعت البلاد على طريق فقدان سمعتها الديمقراطية. ويعتقد المراقبون أن سعي الرئيس “سال” لولاية ثالثة قد تزيد الاضطرابات.

    من ناحية أخرى، أجرت كينيا وأنغولا انتخابات رئاسية في أغسطس 2022؛ وبالنسبة لكينيا كانت منافسة محتدمة بين شخصيتين من كبار السياسيين في البلاد، “رايلا أودينغا” المدعوم من قبل الرئيس السابق “أوهورو كينياتا” و “ويليام روتو” الذي كان نائبا للرئيس “كينياتا”. وشهدت الانتخابات ظهور “روتو” فائزا على “أودينغا” الذي رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية، زعم أن نتائج الانتخابات شابتها مزاعم أنشطة إجرامية واحتيالية ومنع وكلاء حزب “أودينغا” من الوصول إلى مراكز انتخابية مختلفة. ولجأ “أودينغا” إلى القضاء ولكن المحكمة العليا في كينيا أصرت على أن “روتو” كان الفائز الصحيح في الانتخابات.

    أما انتخابات أنغولا؛ فقد أُجْرِيت في أغسطس 2022 وكانت خامسة الانتخابات التي تُجرى في البلاد منذ الاستقلال، وأفرزت نتائجها مرة أخرى الرئيس الحالي “جواو لورنسو”، الذي اتُهمت حكومته بالتزوير الانتخابي والتحيز القضائي وقمع وسائل الإعلام المستقلة. وكمثل المعارضة الكينية، استأنفت المعارضة الأنغولية تحدّي فوز “لورنسو”، ولكن الهيئة الانتخابية الأنغولية لم تُعِره أي اعتبارٍ مشيرة إلى أنه تمت الموافقة على نتائج الانتخابات قبل استئنافها. وهذا الانتصار للحزب الحاكم يعني لدى البعض أن حكم الرئيس “جواو لورينسو” المتهم بالاستبداد مستمرٌّ.

    الآفاق الاقتصادية

    كان لوباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية آثارهما على إفريقيا في عام 2022؛ إذ في حين لا تزال القارة تواجه تداعيات كوفيد-19 بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 مما ترك أثرا بالغا على اقتصادات دول القارة. أو في حدّ تعبير رئيس غانا “نانا أكوفو أدو” : “كل رصاصة وقنبلة وقذيفة تصيب هدفًا في أوكرانيا تضرب جيوبنا واقتصاداتنا في إفريقيا”.

    وقد نمَت العديد من الاقتصادات في أفريقيا جنوب الصحراء بوتيرة قياسية قبل الوباء؛ إذ شهدت إثيوبيا ورواندا، على سبيل المثال، بعضًا من أسرع التوسعات في العالم – بمتوسط يزيد عن 7.5 بالمائة سنويًا على مدى العقدين الماضيين. ولكن في أعقاب الوباء كشفت تقارير فقدان حوالي 22 مليون وظيفة ودفع 30 مليون شخص في القارة إلى الفقر المدقّع, وأدى أيضا إلى وقوع بعض البلدان في الركود.

    فدولة غانا، على سبيل المثال، تكافح مع أزمة اقتصادية عميقة؛ إذ تعاني من تضخم أغرق البلاد في ركود اقتصادي كامل. ووفقًا للبنك الدولي ارتفع معدل التضخم في البلاد من 13.9 في المئة في يناير إلى 37.2 في المئة في سبتمبر، وقفزت أسعار الديزل والبنزين بنسبة 88.6 في المئة و 128.6 في المئة على التوالي؛ وارتفعت أسعار المياه والكهرباء بنسبة 27.2 في المئة و 21.6 في المئة على التوالي هذا العام. وأسعار المواد الغذائية ليست محصنة حيث ارتفعت بنسبة 122 في المئة. وبعد العديد من المحاولات الفاشلة للعودة إلى المسار الصحيح حصلت البلاد على دعم الإنقاذ من صندوق النقد الدولي (IMF) للمرة السابعة عشرة.

    وبالنسبة للبلدان الأخرى، لا يزال النمو والانتعاش يحدثان بمعدلات متفاوتة. ولكن معظم البلدان الغنية بالموارد في القارة – أنغولا ونيجيريا، باستثناء جنوب إفريقيا – شهدت تحسنًا في الأداء الاقتصادي من الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ ارتفع زخم النمو في أنغولا ونيجيريا في عام 2022 بمقدار 2.7 و 0.2 نقطة مئوية على التوالي، وذلك بسبب الزيادات في أسعار النفط والأداء الجيد في القطاع غير النفطي. بينما كان عدم تحسن جنوب إفريقيا يرجع إلى قيودها الهيكلية.

    القضايا الاجتماعية والأمنية

    تعتبر أفريقيا من أكثر المناطق تأثراً بالآثار الضارة لتغير المناخ، ولا تزال الجهود العالمية للتصدي لها قاصرة. ففي عام 2022 عانت دول مثل نيجيريا والنيجر وتشاد والبلدان المجاورة من الآثار السلبية للمشاكل المناخية في إفريقيا حيث اجتاحت الفيضانات أجزاء كبيرة من البلدان وأدت إلى نزوح أكثر من 1.5 مليون شخص، ودمرت المستوطنات والأراضي الزراعية. وفي حدثت الفيضانات نتيجة لسقوط أمطار فوق المتوسط طوال موسم الأمطار عام 2022، اكتشف الباحثون أن الفيضانات في نيجيريا كانت مدفوعة بفتح سد “لاجدو” في الكاميرون، وهو جزء من نظام إدارة النهر المصمم للعمل جنبًا إلى جنب مع سد جاري البناء في نيجيريا.

    ومن الناحية الأمنية؛ وجدت بعض مناطق القارة صعوبات في تأمين حلول مجدية لقضاياها الأمنية؛ إذ في عام 2022 كان الصراع داخل الدول واللصوصية وهجمات الخطف على الطلاب والركاب من أكبر التهديدات الأمنية التي حدثت في إفريقيا. وكشف تقرير صدر في عام 2022 أن 18 دولة على الأقل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعاني من نزاعات مسلحة مستمرة. ودول مثل بوركينا فاسو والكاميرون وإثيوبيا ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا والصومال وجنوب السودان والسودان من الدول الإفريقية التي شهدت نزاعات خطيرة. وتفيد التقارير أن النزاعات في هذه المناطق أدت إلى نزوح أكثر من 9.6 مليون شخص داخليًا وأصبح أكثر من 4.7 مليون شخص لاجئين. ولا تزال بنين وبوروندي وتشاد وكينيا ومدغشقر وأوغندا هي الدول الست الوحيدة التي شهدت نزاعات مسلحة منخفضة الكثافة في عام 2022.

    توقعات لعام 2023

    من حيث المشاركات السياسية الحيوية والعمليات السياسية التي سيكون لها تأثير عميق على المسارات السياسية لأفريقيا؛ ستتوجّه بعض الدول الكبيرة من حيث تعداد السكان والنفوذ في القارة – مثل نيجيريا وسيراليون وزيمبابوي وليبيريا ومدغشقر – إلى صناديق الاقتراع في عام 2023. وهذه الانتخابات ستساهم في تقرير المسير المستقبلي أو أخذ الخطوة الأولية نحو الحوكمة الرشيدة والتنمية.

    ففي نيجيريا؛ حددت أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان يوم 25 فبراير 2023 لانتخاب الخليفة القادم للرئيس الحالى “محمد بخاري” الذي ينتهى عهده في السلطة بعد ثماني سنوات من الحكم. لذا يسعى حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” (All Progressives Congress) الحاكم للاحتفاظ بالسلطة في الانتخابات المقبلة. وقد رشّح الحزب الحاج “بولا أحمد تينوبو” الحاكم السابق لولاية لاغوس، كمرشحه الرئاسي, بينما رشّح “حزب الشعوب الديمقراطي” (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي الحاج “أتيكو أبو بكر”, نائب رئيس الدولة السابق, إلى جانب مرشحي ستة عشر حزبا آخر الذين سيخوضون الانتخابات للتنافس على أعلى منصب في البلاد. ومن التوقع العام أن يكون الرئيس القادم من أحد هذه الأحزاب الثلاثة: حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم, أو “حزب العمل” (Labour Party) المعارض, أو “حزب الشعوب الديمقراطي” المعارض الرئيسي.

    وفي سيراليون, سيسعى الرئيس الحالي “جوليوس مادا بيو” للحصول على تفويض جديد في يونيو 2023. كما سيخوض المعارض “نيلسون تشاميسا” البالغ من العمر 44 عامًا الانتخابات العامة في زيمبابوي في 2023 ضد الرئيس الحالي “إيمرسون منانغاغوا” البالغ من العمر 80 عامًا، والذي حكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس “روبرت موغابي” في انقلاب عام 2017. والتوقعات العامة حيال هذه الانتخابات احتمال أن لا تأتي النتائج بجديد سواء من حيث عملية إجراء الانتخابات أو الفائز فيها.

    وفي وقت لاحق من عام 2023، ستمنح ليبيريا ومدغشقر الفرصة لناخبيهما لاختيار رئيسيهما؛ إذ في ليبيريا سيحثّ الرئيس “جورج وياه” الناخبين على منحه فترة ولاية ثانية في 10 أكتوبر، لكن الأحزاب السياسية المتعاونة لمعارضته تأمل أيضًا في الاستفادة من سلسلة فضائح الفساد التي اتهموا “وياه” وتراجع شعبيته. وفي مدغشقر ستشهد الانتخابات سعي الرئيس “أندري راجولينا” مرة أخرى لولاية ثانية في انتخابات كان من المتوقع أن تكون تنافسية للغاية.

    وبالنظر إلى موسم الانتخابات هذه وتحديات انعدام الأمن المستمرة في إفريقيا؛ يسهل تأجيج الاضطرابات الاجتماعية والأمنية في عام 2023 باستغلال أزمة الإرهاب، أو باستغلال الخاسرين غير الراضين بالنتائج فضلاً عن السخط العام من المؤسسات السياسية والنخب الحاكمة وضعف الخدمات العامة.

    ومن ناحية التنافس الدولي على إفريقيا ومع حلول قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي عقدت في أواخر عام 2022؛ ساشهد القارة في عام 2023 المزيد من التحركات الاستراتيجية بين روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا لزيادة تأثيرها على إفريقيا ودولها ومناطقها.

    وأخيرا؛ ستستمر الاقتصادات الأفريقية في عام 2023 في مواجهة العواقب الناجمة عن كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية, وخاصة أن مجموعة متنوعة من الصدمات الداخلية والخارجية، بما في ذلك ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكاليف الاقتراض وضعف الطلب في أسواق التصدير الرئيسية, أعاقت الانتعاش الاقتصادي في عام 2022. وهذه الصدمات قد تضعف الآمال الاقتصادية في عام 2023 حتى وإن كان من المتوقع أيضا أن تكشف دول إفريقية مختلفة عن استراتيجياتها الجديدة للتعافي الاقتصادي والتغلب على هذه التحديات.

     

    ظهرت المقالة تطورات إفريقيا في عام 2022 وتوقعات عام 2023 أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/5409/alafarika-africas-2022-recap-and-2023-forecast/feed/ 0 5409
    أفريقيا في أسبوع: انتخابات تونس؛ تصاعد التوتر بين بوركينا فاسو وغانا؛ وإصابة مسؤول روسي بقنبلة بريدية في جمهورية إفريقيا الوسطى https://alafarika.org/ar/5403/tunisia-elections-tensions-escalate-between-burkina-faso-and-ghana-a-russian-official-was-wounded-by-a-postal-bomb-in-the-central-african-republic/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=tunisia-elections-tensions-escalate-between-burkina-faso-and-ghana-a-russian-official-was-wounded-by-a-postal-bomb-in-the-central-african-republic https://alafarika.org/ar/5403/tunisia-elections-tensions-escalate-between-burkina-faso-and-ghana-a-russian-official-was-wounded-by-a-postal-bomb-in-the-central-african-republic/#respond Sun, 18 Dec 2022 13:15:43 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5403

    أعلنت الهيئة الانتخابية التونسية يوم الأحد أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم السبت بلغت 8،8٪ فقط, وهي الأدنى في أي اقتراع منذ ثورة 2011 حيث قاطعتها الجماعات المعارضة التيوصفتها بأنها جزء من “انقلاب” على الديمقراطية داعيةً الرئيس إلى جمع كل القوى السياسية معا للتشاور وأن “يرحل الذين يديرون البلاد بشكل غير قانوني […]

    ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع: انتخابات تونس؛ تصاعد التوتر بين بوركينا فاسو وغانا؛ وإصابة مسؤول روسي بقنبلة بريدية في جمهورية إفريقيا الوسطى أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>

    أعلنت الهيئة الانتخابية التونسية يوم الأحد أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم السبت بلغت 8،8٪ فقط, وهي الأدنى في أي اقتراع منذ ثورة 2011 حيث قاطعتها الجماعات المعارضة التيوصفتها بأنها جزء من “انقلاب” على الديمقراطية داعيةً الرئيس إلى جمع كل القوى السياسية معا للتشاور وأن “يرحل الذين يديرون البلاد بشكل غير قانوني وبدون أي شرعية”. ورغم قلة الإقبال على التصويت وصف رئيس الهيئة الانتخابية العملية بأنها نظيفة بسبب نقص التمويل السياسي وشراء الأصوات.

    تتصاعد التوترات بين دولتي بوركينا فاسو وغانا المجاورة بعد تصريحات الرئيس الغاني “غانا نانا أكوفو-أدو” يوم الأربعاء الماضي بأن المجلس العسكري في بوركينا فاسو قد دعت مرتزقة روس إلى البلاد, مما أدى إلى احتجاج من قبل واغادوغو واستدعاء السفير الغاني في البلاد والسفير البوركينابي في أكرا. ويأتي هذا التوتر بعد الانقلابين اللذين شهدتهما بوركينافاسو نتيجة تفاقم الأزمة الأمنية منذ عام 2015 وعززت بوركينا فاسو علاقاتها مع روسيا في محاولة لهزيمة الإرهابيين.

    وفي شمال إفريقيا أعلن المغرب وفرنسا الجمعة استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة بعد أشهر من التوترات بشأن التأشيرات والتي اندلعت في سبتمبر من العام الماضي عندما خفضت فرنسا نسبة التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف ردا على رفض المغرب إعادة المواطنين الذين يعيشون كمهاجرين غير نظاميين في فرنسا. وجدد وزير الخارجية المغربي التأكيد على أهمية البعد الإنساني في العلاقة بين البلدين, كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته للمغرب أن الرئيس الفنرسي “ماكرون” سيزور المملكة في أوائل عام 2023.

    في غينيا بيساو أعلن مرسوم رئاسي عن تأجيل الانتخابات التشريعية التي المقرر إجراؤها في يوم الأحد 18 ديسمبر 2022 بعد حل البرلمان من قبل الرئيس “إمبالو” في مايو الماضي، وستجرى الآن في 4 يونيو 2023, وذلك بعد التشاور بين الأحزاب السياسية والمفوضية الانتخابية في البلاد. وقد أشار رئيس البلاد أنه حل البرلمان بسبب خلافاته المستمرة مع المؤسسة التي أصبحت “مساحة لحرب العصابات السياسية والتآمر”.

    في منطقة وسط إفريقيا؛ أفادت وكالة الأنباء الروسية (TASS) أن “ديمتري سيتي” رئيس المركز الثقافي “البيت الروسي” في جمهورية إفريقيا الوسطى أصيب في انفجار طرد مفخخ في العاصمة بانغي, مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة ونُقِل منذ ذلك الحين إلى المستشفى. وقد وصِف الحادث بـ “محاولة اغتيال”.

    ويضاف إلى ما سبق أن “يفغيني بريغوجين” رئيس الشركة العسكرية الروسية الخاصة “فاغنر” حثّ موسكو يوم الجمعة على إعلان فرنسا “راعية للإرهاب” بعد الحادث. ونقل عن “بريغوجين” قوله في بيان أصدرته شركته كونكورد “لقد طلبت من وزارة الخارجية الروسية الشروع في إجراء لإعلان فرنسا دولة راعية للإرهاب”.

     

    ظهرت المقالة أفريقيا في أسبوع: انتخابات تونس؛ تصاعد التوتر بين بوركينا فاسو وغانا؛ وإصابة مسؤول روسي بقنبلة بريدية في جمهورية إفريقيا الوسطى أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/5403/tunisia-elections-tensions-escalate-between-burkina-faso-and-ghana-a-russian-official-was-wounded-by-a-postal-bomb-in-the-central-african-republic/feed/ 0 5403