تحليلات - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/section/analysis/ مؤسسة بحثية استشارية. Sun, 02 Nov 2025 14:39:02 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.8.3 https://i0.wp.com/alafarika.org/ar/wp-content/uploads/2022/08/cropped-Alafarisc-favc-1.png?fit=32%2C32&ssl=1 تحليلات - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/section/analysis/ 32 32 209004356 النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل https://alafarika.org/ar/6638/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d8%ad-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7/ https://alafarika.org/ar/6638/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d8%ad-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7/#respond Sun, 02 Nov 2025 14:39:02 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6638

تشهد القارة الإفريقية منذ عقود سلسلة من النزاعات المسلحة التي تتفاوت في حدتها وأسبابها، لكنها تتقاطع جميعًا في كونها تهديدًا مستمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتعد التنمية المستدامة في إفريقيا هدفاً استراتيجياً يتقاطع مع طموحات الشعوب ورؤى الاتحاد الإفريقي في تحقيق نهضة شاملة بحلول أجندة 2063. غير أن هذا المسار يصطدم بتحديات جسيمة، يأتي في […]

ظهرت المقالة النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تشهد القارة الإفريقية منذ عقود سلسلة من النزاعات المسلحة التي تتفاوت في حدتها وأسبابها، لكنها تتقاطع جميعًا في كونها تهديدًا مستمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتعد التنمية المستدامة في إفريقيا هدفاً استراتيجياً يتقاطع مع طموحات الشعوب ورؤى الاتحاد الإفريقي في تحقيق نهضة شاملة بحلول أجندة 2063. غير أن هذا المسار يصطدم بتحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها النزاعات المسلحة التي ما زالت تُثقل كاهل القارة. فالعنف المسلح، سواء في شكل حروب أهلية، أو صراعات عرقية ودينية، أو نزاعات على الموارد، يؤدي إلى استنزاف الموارد الاقتصادية، وتعطيل الاستثمارات، وإضعاف مؤسسات الدولة، فضلاً عن تفاقم مشكلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. كما يساهم في تدهور البيئة، وتراجع التعليم والصحة، ويُعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة. ومن ثم، فإن دراسة العلاقة بين النزاع المسلح والتنمية المستدامة في إفريقيا تكشف عن جدلية معقدة، حيث يهدد استمرار العنف فرص التقدم، في حين أن غياب التنمية بدوره يغذي دوامة النزاع. ولأهمية الموضوع يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على انعكاسات النزاعات المسلحة على مسارات التنمية المستدامة في إفريقيا، واستكشاف سبل كسر هذه الحلقة المفرغة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.

النزاع أو الصراع؛ هو ظاهرة طبيعية لا غنى للبشر عنها. ينشأ النزاع من عدم المساواة والتمييز والهيمنة والإقصاء والظلم، التي تصاحب التنافس بين الأفراد والجماعات على الموارد والمنافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية الشحيحة. قد يكون النزاع داخلياً أو بين الأفراد. ويمكن أن يعبر عن نفسه بطرق عنيفة أو غير عنيفة. يعُد تدني التنمية البشرية وتدهور البيئة من أشد المشكلات التي تواجه البشرية في نهاية القرن العشرين. فالصراعات المسلحة من صنع الإنسان. وتشُكلّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جوهر التحدي العالمي الراهن المتمثل في الصراعات المسلحة، وهو تحد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية[1].

أنواع النزاع المسلح

هناك ثلاثة أنواع من النزاعات يقُرهّا القانون الدولي الإنساني:

– النزاع المسلح الدولي، وهو وفقاً للمادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 في جميع حالات الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح قد ينشأ بين طرفين أو أكثر من الأطراف، حتى لو لم يتم الاعتراف بحالة الحرب، تنطبق الاتفاقية أيضاً على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي للأراضي. هذا يعني أن وقوع نزاع مسلح دولي أمر واضح، أي أنه صراع بين قوات مسلحة قانونية لدولتين مختلفتين.

– النزاع المسلح الثاني، المعُترف به في القانون الدولي الإنساني هو ظاهرة جديدة تعُرف باسم “النزاع المسلح المُدول”. ويمكن أن يحدث هذا النوع من النزاع عندما تنشب حرب بين فصيلين مختلفين يتقاتلان داخلياً، ولكنهما مدعومان من دولتين مختلفتين. ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من النزاع، الذي نشب في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام ١٩٩٨، عندما تدخلت قوات من رواندا وأنغولا وزيمبابوي وأوغندا لدعم جماعات مختلفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

– النزاعات المسلحة غير الدولية، هي نزاعات مسلحة ذات طابع غير دولي تحدث على أراضي أحد الأطراف المتعاقدة في (اتفاقية جنيف، 1949) كما تنطبق أيضاً على الوضع الذي يكون فيه النزاع داخل الدولة بين الحكومة وقوات المتمردين. وهذا يعني أن أحد الأطراف المعنية هو جهة فاعلة غير حكومية بطبيعتها.[2]

بالنظر إلى حالة إفريقيا جنوب الصحراء نجد إن معظم النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى داخلية وتحدث في “دول هشة” ذات مؤسسات اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية ضعيفة. الدول الهشة معرضة بشدة لاندلاع النزاعات المسلحة، وهناك علاقة واضحة بين النزاعات المسلحة الداخلية والتخلف. ينشأ هذا الارتباط من تحويل الموارد الوطنية، التي تمتلك القدرة على تحسين مستويات معيشة المواطنين العاديين، نحو السعي إلى الحرب. علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي والفساد المنتشر المرتبطان عادة بالنزاعات المسلحة الداخلية، يخلقان حلقة مفرغة من الفقر والعنف تعيق تقدم الدول النامية.[3]

أسباب النزاع المسلح في إفريقيا جنوب الصحراء

أن الأسباب الرئيسية للنزاعات المسلحة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء معقدة، وتعُزى إلى عوامل متعددة مثل الاستعمار، والتوترات العرقية، وضعف الحكم، لقد كان لوصول الأوروبيين وما تلاه من عملية استعمارية تأثيراً عميقاً على مسار التاريخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. سعت قوى أوروبية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، إلى تقسيم القارة، مستغلة مواردها وسكانها كمصدر للعمالة الرخيصة. أدى هذا التقسيم إلى تغييرات كبيرة في النسيج السياسي والاجتماعي للقارة، حيث أعُيد رسم حدود إفريقيا بالكامل لخدمة المصالح الاقتصادية للقوى الاستعمارية بشكل أفضل. نتيجة لذلك، عندما بدأت دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الحصول على استقلالها منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، واجهت مهمة شاقة تتمثل في توحيد هذه الكيانات الاستعمارية المصطنعة في دول قومية متماسكة ومستقرة. وقد امتلأت هذه العملية بالصراعات والتحديات، حيث كافحت الجماعات العرقية والسياسية المختلفة لتحديد هويات وطنية جديدة وإقامة أنظمة حكومية، وقد دفع هذا؛ العديد من هذه الجماعات العرقية والسياسية إلى حمل السلاح، سواء لغرض تقرير المصير، أو الاندماج في الحكم[4].

يعتبر سوء الإدارة والفساد والفقر أسباب رئيسية للنزاع المسلح؛ لقد كان سوء الإدارة وعدم فعاليتها عائقاً كبيراً أمام التنمية وسبباً رئيسياً للصراعات المسلحة في إفريقيا. لقد مرت كل دولة في إفريقيا بشكل أو بآخر من أشكال سوء الإدارة. فسوء الإدارة هو مقدمة للفساد، هذان الاثنان مترابطان جوهرياً. لقد أساءت الدول في إفريقيا إدارة موارد الدولة وأضعفت مؤسسات الحكم مما أدى إلى جمود اقتصادي ومخاوف سياسية وانهيار السلام الاجتماعي والاستقرار. واليوم، يشكل هذان العاملان سبباً رئيسياً للصراعات العنيفة والصراعات الأهلية في جنوب وغرب إفريقيا[5].

بالنسبة للفقر قد لا يكون سبباً للعنف، ولكنه قد يكون محُفزِّاً للصراع العنيف. ويعُدَ الفقر أحد أبرز الانتكاسات في إفريقيا، وقد يؤُديِّ إلى النزاع. بالنظر إلى هذا من منظور نظرية الاحتياجات الإنسانية، عندما لا يتم تلبية الاحتياجات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى صراعات عنيفة. الفقر ليس فضيلة. على الرغم من وجود بيئات فقيرة حيث يعيش الناس في سلام نسبي، إلا أن هناك حالات يمكن أن يكون فيها الفقر محفزاً للعنف[6].

نماذج على الجماعات المسلحة في إفريقيا

يجادل مايكل بهاتيا Michael Bhatia (2005) بأن العدد المتزايد للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية في جميع أنحاء القارة (أي الميليشيات مثل حركة إم 23 في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجماعات المتمردة مثل الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون، والمتطرفين مثل حركة الشباب في القرن الإفريقي) قد أدى إلى عودة نوع آخر من تصنيف النزاعات، وقد استخُدمت مصطلحات مثل “التطرف العنيف” و”الإرهاب” و”التمرد”، لتصنيف أشكال مختلفة من العنف غير الحكومي على أساساً دوافعها[7].

ترتفع عدد البلدان الإفريقية المتضررة سنويا بالنزاعات العنيفة من متوسط ما قبل الاستقلال الذي يقل عن ثلاثة بلدان خلال الخمسينيات، إلى أكثر من 12 بلدا خلال التسعينيات، قبل أن ينخفض إلى ما دون تسعة بلدان خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.  يمكن تمييز أربعة عصور من الصراع منذ الاستقلال؛ سنوات ما بعد الاستقلال مباشرة، والتي اتسمت بالنضال من أجل التحرير والشرعية المتنازع عليها؛ وسنوات الحرب الباردة، والتي اتسمت بالحروب بالوكالة؛ وسنوات الانتقال بعد الحرب الباردة والتي اتسمت بالصراعات المتكررة التي دعمها الإقصاء الاقتصادي والسياسي؛ وعصر الجهات الفاعلة غير الحكومية، والذي اتسم بالجماعات المتطرفة والعنف العالمي[8].

ينتشر في الجنوب العالمي العديد من الجماعات المتطرفة على سبيل المثال؛ بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، برزت الجماعة إلى الصدارة العالمية بعد اختطاف 274 تلميذة في شيبوك، نيجيريا، في أبريل 2014. ومنذ ذلك الحين، قتلت الجماعة الآلاف، واختطفت عشرات الآلاف، وشردت ما يقرب من مليوني شخص، وعادة ما ترتبط بوكو حرام بالتطرف الإسلامي لأن اسمها يمكن ترجمته إلى أنه يعني حظر التعليم الغربي. وقد دفعت دعواتها لتطبيق الشريعة الإسلامية الصارمة في الأراضي التي تسيطر عليها الكثيرين إلى استنتاج أنها في الأساس، حركة تمرد أصولية. عندما بدأت الجماعة في عام 2002 كانت تسمى جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. وقد شجبت الفساد وعدم المساواة والبطالة وفشل الحكم في شمال نيجيريا، وخاصة بين النخبة الدينية. وقد حصلوا على لقب بوكو حرام لأن السكان المحليين شبهوا دعوتهم لإحياء شمال نيجيريا بالجهود المماثلة التي بذلها الزعماء الدينيون الإسلاميون خلال الحكم الاستعماري البريطاني، الذين رأوا ثقافتهم وسبل عيشهم مهددة بسبب دخول التأثيرات الغربية. وقد أدى الصراع في حوض تشاد إلى الهجرة القسرية لآلاف الأشخاص إلى مناطق مثل شمال نيجيريا، مما أدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة[9].

مثال آخر حركة الشباب في كينيا؛ وهي حركة كانت تنتقم من دور كينيا في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال والتي يعتبرها معظم الصوماليين احتلالا. تعود أسباب الهجمات الإرهابية في كينيا إلى تاريخ طويل من الصراعات العرقية، وسياسة الإقصاء التي حرمت العديد من الصوماليين. وقد أقر الرئيس الكيني أوروهو كينياتا  Uruhu Kenyattaبهذه النقطة في مقابلة عام 2014 كما ساهمت النزاعات الحدودية، وقضايا حقوق الأراضي، واستمرار وجود مخيم داداب Dadaab للاجئين (حيث يعُتقد أن العديد من الشباب الصوماليين قد تحولّوا إلى التطرف وجنُدّوا من قبِل الجماعات المتطرفة) في تفاقم الوضع[10].

تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدراسات أظهرت وجود علاقة بين النزاعات المسلحة والفشل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال؛ أدت الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة في سيراليون إلى انهيار البنية التحتية للبلاد، مما أدى إلى وفاة ما يقُدر بنحو 50 ألف شخص يعُزى مباشرة إلى النزاع. وقد أعاق هذا الوضع التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية في مجالات مثل الصحة العامة، وقد تسببت النزاعات المسلحة في تدهور النظم الصحية وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال. تعكس هذه النتيجة التأثير المدمر للحرب والعنف على تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة، ألا وهو ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للأفراد من جميع الأعمار.[11]

الآثار المترتبة على النزاع المسلح

لقد شكلّت الآثار الناجمة عن هذه النزاعات المسلحة عائقاً أمام النمو الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية. وقد خلفّت هذه الصراعات آثاراً مدمرة على الأرواح والممتلكات والأنشطة الاقتصادية في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، اتخذت ديناميكيات النزاعات في إفريقيا أبعاداً جديدة، حيث تعرضّت معظم الدول، مثل نيجيريا والصومال وليبيا، لخطر النزوح. مالي، وإثيوبيا، والسودان، وتشاد، والكاميرون، وبوركينا فاسو، على سبيل المثال لا الحصر، تعاني من تحديات التمرد. إضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف من ظهور أشكال جديدة من الصراعات المسلحة في المنطقة (مثل الهجمات المعادية للأجانب، وقطع الطرق، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختطاف، وغيرها). لتلك النزاعات آثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة، إذ يزُعزع السلام في المجتمع، مما يؤدي إلى خسائر بشرية وبيئية ومادية تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تعويضه. وقد يؤدي هذا إلى أضرار لا يمكن تصورها في الأرواح البشرية وفي ظل بعض الظروف يؤدي النزاع إلى زيادة أعداد اللاجئين والنازحين. فقد أدى انتشار الصراعات في إفريقيا إلى تراجع الأنشطة الإنتاجية، مما تسبب في ندرة واسعة النطاق، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، مما أثر سلباً على القدرة الإنتاجية في بعض البلدان[12].

إن الطبيعة المتعددة الأبعاد للصراعات وتداعياتها ضرورية لفهم الترتيبات المناسبة للأنشطة الاقتصادية في أي بلد. وفي حالة إفريقيا على وجه الخصوص، لم تكُرس سوى دراسات قليلة جهوداً تجريبية لدراسة مدى تأثير النزاعات المسلحة على التنمية المستدامة. ومن بين الدراسات دراسة إيزوها  Ezeoha2015 التي فحصت الآثار الديناميكية للصراعات المسلحة على النمو الاقتصادي والرفاهية في إفريقيا، وكشفت أن شدة الصراع أثرت سلباً وبشكل كبير على النمو والرفاهية الاقتصادية. كما فحص بويريري Poireri 2012 آثار النزاع المسلح على التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكشف أن الصراعات المسلحة (وخاصة الحروب الأهلية) كان لها تأثير سلبي على الأداء التعليمي. علاوة على ذلك، أن معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية تأثرت سلباً خلال فترات الأزمات[13].

ووفقاً لتقرير التنمية المستدامة لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقرير التنمية المستدامة في إفريقيا لعام 2022، يسلط كلا التقريرين الضوء على افتقار إفريقيا إلى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في عام 2030. مع درجة مؤشر 53.6، مما يدل على أن المنطقة حققت حتى الآن ٪53.6 فقط من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ولا تزال تترك فجوة قدرها ٪46.[14]

أن النزاع المسلح يؤدي دائماً إلى كارثة إنسانية. خلال الفترة الأخيرة لعقدين من الزمن، كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر مناطق العالم تضرراً من النزاعات. من بين أكثر 24 دولة تضرراً من الحروب بين عامي 1980، 1994، كانت عشر دول إفريقية، وصنُفت أربع منها (ليبيريا وأنغولا وموزمبيق والصومال) ضمن الدول الخمس الأكثر تضرراً في العالم (تقرير وزارة التنمية الدولية البريطانية، 2021). كان النزاع مسؤولاً عن وفيات وتشريد أكثر من المجاعة أو الفيضانات. وقد أثر نطاق وطبيعة الحرب بشكل مباشر على حياة ملايين الأفارقة[15].

ومن آثار النزاع المسلح فقدان البنية التحتية؛ لقد ألحقت الحرب أضراراً بالغة بالبنية التحتية لإفريقيا. فقد تأثرت الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها من البنى التحتية الحكومية. وخلال الحرب، كان هناك ندرة في الاستثمار في البنية التحتية وصيانتها. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، فقدت إفريقيا أكثر من خمسين في المائة من بنيتها التحتية للنقل، وكان العديد من الخسائر بسبب الصراع. ولهذه الخسارة تأثير فوري وطويل الأجل على الاقتصادات الإفريقية. ففي الوقت الحالي، تزيد من الفقر. فعلى سبيل المثال، لا يوجد في جنوب السودان تقريباً شبكة طرق قابلة للتطبيق نتيجة لسنوات من الحرب الأهلية. وهذا يضر بشدة بسبل عيش السكان، الذين يعتمدون على تجارة الماشية مقابل الحبوب كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. ففي شمال شرق نيجيريا على سبيل المثال، لم تتمكن الحكومة من إعادة بناء هذه البنى التحتية التي احترقت مثل المدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد وغيرها[16].

أما آثار النزاع المسلح على الاقتصاد؛ فقد ارتفعت النزاعات المسلحة المسجلة في إفريقيا بشكل ملحوظ من 35 % في عام 1998 إلى %173.1 (الذروة) في عام 1999 مع انخفاض مماثل في نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.1 % إلى 3.9% بين عامي 1998 / 1999. ويبدو أن هذا يشير إلى وجود علاقة سلبية بين نمو النزاعات المسلحة المسجلة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، في عام 2000، كان هناك انخفاض كبير بنسبة 88 % في نمو النزاعات المسلحة المسجلة بينما انخفض النمو الاقتصادي أكثر إلى 3.3 %. وتجدر الإشارة إلى أن النزاعات لا تمثل التقلب الكلي في نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن العوامل الاقتصادية الكلية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى مسؤولة أيضاً. والجدير بالذكر أنه عندما كان نمو النزاعات المسلحة يرتفع، كان الناتج المحلي الإجمالي ينخفض. كان النمو في النزاعات المسلحة المسجلة والناتج المحلي الإجمالي متذبذباً خلال الفترة بين عامي 1998، 2014.[17]

علاوة على ذلك، يحُدد الوضع الأمني في بلد ما، على الأرواح والممتلكات والأعمال التجارية، إلى حد كبير، حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي. ومن المفهوم أن المستثمرين يهتمون بالوجهات ذات المخاطر المنخفضة على مواردهم. شهد عام 1999 نمواً كبيراً في النزاعات المسلحة، ما رافقه انخفاض في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة. ويعود هذا النمو الكبير في النزاعات المسلحة إلى المعارك وعنف الميليشيات الذي أثر على معظم أنحاء دول مثل أنغولا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وإثيوبيا ونيجيريا والسودان وأوغندا. ومع ذلك، كان هناك انخفاض حاد في عام 2000 مع تقلبات عالية نسبياً خلال الفترة المتبقية بينما بدأ الاستثمار الأجنبي المباشر في الارتفاع من عام 2000. كان الاستثمار الأجنبي المباشر في ذروته مع نمو منخفض مماثل للنزاعات المسلحة في عام 2011. والمثير للدهشة أن نمو النزاعات المسلحة ارتفع بشكل فلكي بنسبة 111 ٪ في عام 2013. وقد تميزت الفترة بالعديد من النزاعات المسلحة في العديد من البلدان الإفريقية كانت هذه النزاعات المسلحة بسبب التمرد والانتفاضة العربية والقتل خارج نطاق القضاء.[18]

وبالنسبة للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي فقد درُست العلاقة بين النزاع المسلح وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. وتشير أبحاث سابقة إلى تأثير سلبي للعنف على إمكانية الحصول على الغذاء وتوافره. وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حوالي نصف الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية و 80 % من الأطفال الذين يعانون من التقزم يقيمون في بلدان تعاني من النزاعات المسلحة أو العنف على نطاق واسع. يمكن للعنف أن يقُوضّ الأمن الغذائي بخفض إنتاج الغذاء ومخرجاته. ويدُمرّ النزاع المسلح ويفُاقم تدهور رأس المال البشري والمادي، والبنية التحتية، والثروة الحيوانية، والمحاصيل، ويرتبط بالسرقة وتدمير الأرض. إن الإنتاج الزراعي وسبل العيش والدخل مقيدون بالاضطرابات الناجمة عن العنف. إن عدم القدرة على الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية يؤثر أيضاً على الإنتاج الزراعي. كما إن التغيرات في مشاركة القوى العاملة، الناجمة عن تدمير وتدهور البنية الأساسية والموارد بالإضافة إلى نزوح العمال بسبب العنف، تؤدي إلى المزيد من خفض الإنتاج الزراعي والعمالة. لا تقتصر آثار النزاعات على تدمير الإنتاج الزراعي وتعطيله فحسب، بل تشُكلّ أيضاً تحديات لوجستية أمام المنتجين في توصيل الغذاء إلى الأسواق، ويؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع أسعار الغذاء، مما يؤدي إلى سوء التغذية وارتفاع معدلات نقص التغذية.[19]

ومن آثار النزاعات المسلحة الوصول المحدد إلى المياه والصرف الصحي؛ تؤثر النزاعات المسلحة على الوصول إلى المياه وتوفيرها بشكل مباشر وغير مباشر. للنزاع آثار سلبية على جودة المياه وكميتها وإمكانية الوصول إليها وتوفيرها من خلال استهداف وتدمير البنية التحتية للمياه أثناء النزاع المسلح. أن التدمير المتعمد لأنابيب المياه وأنظمة الضخ، يتسبب في تدهور أو تعطل محطات معالجة المياه بسبب الأعطال ومشاكل الصيانة، وتلويث المسطحات المائية السطحية والجوفية بالمتفجرات أو المعدات العسكرية، تشُكل أنابيب المياه التالفة أو أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي غير الفعالة مخاطر جسيمة[20].

تؤثر النزاعات المسلحة أيضاً على التنمية البشرية بشكل مباشر وغير مباشر، وتظهر هذه التأثيرات على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية تميل البلدان التي تعرضت التنمية البشرية. وعلى الرغم من التحسينات العامة في معدل وفيات الرضع الملحوظة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، فإن البلدان التي تعرضت للعنف في الفترة 2000- 2019 مثل السودان وسوريا ونيجيريا وتشاد – لم تظُهر أي تحسن يذُكر في وفيات الرضع مقارنة بالدول المسالمة أو الأقل عنفاً. قد تؤثر النزاعات على معدل وفيات الرضع من خلال تدمير الخدمات الصحية، وتقييد الحركة، وتدهور الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء. كما قد يكون للعنف آثار طويلة الأمد على معدل وفيات الرضع من خلال التأثيرات المشتركة على النمو الاقتصادي، والمساواة في الدخل، وأمية الشابات – وهي أقوى ثلاثة عوامل تنبؤ بتباين معدل وفيات الرضع.[21]

ومن أعمق آثار النزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التأثير الشديد على صحة السكان المحليين ورفاهيتهم. ونظراً لتشابك الصحة البدنية والعقلية، فإن آثار النزاعات المسلحة على الصحة البدنية، كالوفيات والإصابات وسوء التغذية، تلُقي بعواقب وخيمة على الصحة النفسية. فالمعاناة والصدمات والضغوط الهائلة التي تفرضها النزاعات المسلحة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية وعصبية واضطرابات ناجمة عن تعاطي المخدرات. ونظراً لأن النزاعات تشُكل مصادر مستمرة للتجارب والضغوط اليومية للمتضررين، فإن هناك مخاطر متزايدة للإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية الشائعة وانخفاضاً كبيراً في مستوى الرفاهية.[22]

للنزاعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى آثار مدمرة على التعليم ومحو الأمية في المنطقة. ووفقاً لتقرير صادر عن الشراكة العالمية من أجل التعليم (2018)، فإن احتمالية انقطاع الأطفال عن الدراسة في البلدان المتضررة من النزاعات تزيد بأربع مرات عن نظرائهم في الدول المستقرة. وينبع هذا التفاوت من الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية التعليمية، وتجنيد القاصرين كجنود أطفال، والنزوح الجماعي للطلاب والمعلمين على سبيل المثال، في جنوب السودان، انقطع أكثر من 400,000 طفل عن الدراسة بسبب العنف المستمر. في عام 2014 وحده، تم الإبلاغ عن 913 هجوماً على المدارس في 22 دولة متأثرة بالصراع، مما أدى إلى غرس مناخ من الخوف وانعدام الأمن بين الطلاب والمعلمين وتفاقم ضعف نتائج التعلم للأطفال. غالباً ما تستخدم الفصائل المتحاربة الاستهداف المتعمد للمؤسسات التعليمية لفرض سيطرتها أو ترهيب السكان أو تهجيرهم[23]. وجد الباحثون أنه خلال النزاعات المسلحة، تخُفضّ الدولة نفقاتها التعليمية بنسبة 3.1 % إلى 3.6 % سنوياً. كما وجدوا أن النزاع يقُلل من الالتحاق بالتعليم. ولعل هذا الأمر أكثر إثارة للقلق، إذ من المرجح أن يستمر هذا التأثير لفترة طويلة بعد انتهاء الصراع[24].

يبرز الفقر والجوع كعواقب حتمية في بؤر النزاع، حيث ينتشران على أوسع نطاق. وقد لوحظ أن النزاعات، كالحروب الأهلية، يمكن أن تسُبب فقراً. يقُاس الفقر بمؤشرات مختلفة لرفاهية الفرد، بما في ذلك الحالة الغذائية، ومتوسط العمر المتوقع، ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب. ونتيجة لذلك، مع تفاقم الفقر، يتفاقم الجوع[25].

يعد النزوح أحد الآثار الشائعة للنزاع المسلح، ويشير إلى الحركة القسرية للأشخاص من ديارهم بسبب العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الأمن الآخر ويواجه النازحون بسبب الصراع مخاطر صحية، حيث يعيشون غالباً في ظروف مكتظة وغير صحية في المخيمات والمناطق الحضرية مع محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. وقد يواجهون أيضاً صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية.[26]

في توثيق النزاعات المسلحة في إفريقيا، أظهرت دراسة أن الحرب الأهلية في السودان أودت بحياة 1.3 مليون شخص منذ عام 1983، مما تسبب في تدمير الأنشطة الإنتاجية وممتلكات السكان المدنيين. وكان لذلك عواقب وخيمة بعيدة المدى، لا سيما انخفاض إنتاجية البلاد وانتشار الأمراض والجوع بين السكان. وبالتالي، فإن آثار النزاعات المسلحة عديدة ومتعددة الأوجه. وبالتالي، تؤدي الحروب إلى تضرر السكان القادرين والمنتجين، مما يحولهم إلى سكان عالة، بالإضافة إلى زيادة عدد اللاجئين والنازحين وانتهاكات حقوق الإنسان. وفي ظل هذه الظروف، يتأثر مستوى إنتاجية البلد بشكل كبير، وتستغرق عملية التعافي وقتاً أطول بكثير[27]. أدت تجربة السودان وجنوب السودان، وتسلل الإرهاب إلى بعض الدول الإفريقية، إلى زيادة أعداد القتلى في إفريقيا. وتتمثل العناصر الرئيسية لهذه المأساة في ملايين المشردين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم، وتزايد عدد الضحايا المدنيين المباشرين، وارتفاع مستويات العنف والإيذاء والتشويه التي يعاني منها غير المقاتلين[28]. لا شك أن النزاعات مدمرة لأي بلد، بتكاليف قابلة للقياس وغير قابلة للقياس. وبالتالي، قد تجد البلدان صعوبة في استدامة النمو الاقتصادي والتنمية بسبب غياب البيئة المواتية. في إفريقيا، كان استمرار النزاعات المسلحة أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تخلف المنطقة. ونتيجة لذلك، تجسدت آثار الأزمات في كوارث وأحداث أخرى تهُدد بقاء المجتمع، ودمار قد يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية ومادية وبيئية واسعة النطاق تتجاوز ما يمكن للموارد المتاحة تداركه.[29]

فبينما تكون العواقب المباشرة للنزاعات وخيمة، فإن العواقب غير المباشرة أسوأ بكثير. فالنزاعات ” تعكس مسار التنمية” لذا فإن التوصية السياسية الأولى والأكثر أساسية في هذه المقالة هي أن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ مخاطر النزاعات في الاعتبار. ولإنهاء الصراعات المسلحة في إفريقيا وفقاً ل أريمو Aremu 2010، يجب معالجة الاقتراحين التاليين بشكل شامل: القيادة الملتزمة والصادقة، والقضاء على الفقر.

أولاً: الالتزام بالقيادة الصادقة

تحتاج الدول الإفريقية إلى قادة ملتزمين ومخلصين، يقُدمون القدوة، ويكونون بمثابة حكام صالحين ومسؤولين ومتجاوبين مع جميع مكوناتها وشعوبها، بما يعُزز السلام والوئام داخل حدود بلدانهم. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:

– التوزيع المتساوي للموارد؛ يجب على القادة الأفارقة ضمان توزيع عادل للموارد بين مختلف المناطق الجيوسياسية في بلدانهم. ولا ينبغي تهميش أي مجموعة لكسب دعم وتعاون الجميع.

– تعزيز سيادة القانون؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً السعي لتعزيز سيادة القانون. وهذا يشمل تكافؤ فرص الوصول إلى العدالة لجميع المواطنين بغض النظر عن وضعهم، واحترام قرارات المحاكم من قبِل الحكومة وأصحاب النفوذ، وإجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة. فعندما يعزز القادة سيادة القانون، يضُمن التعايش السلمي بين الناس والانتقال السلمي للسلطة من حكومة إلى أخرى. وبالتالي، يمُكن القضاء بسهولة على النزاعات المتعلقة بالخلافة، المتفشية في إفريقيا.

– حماية حقوق الإنسان الأساسية؛ ينبغي على القادة الأفارقة أيضاً تعزيز وحماية وضمان حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيهم. وعلى وجه الخصوص، ضمان الحقوق الأساسية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والدين.

 ثانياً: القضاء على الفقر

دون جدال يذُكر، يمُكن القول بجرأة إن الفقر هو أصل كل الشرور في إفريقيا. فالفقير الذي تعرض للإذلال الاقتصادي والصدمة المالية، قد لا يكون في كامل قواه العقلية. لذا، قد يكون من المناسب القول إن الجائع مجنون. فهو قادر على السرقة والقتل والتشويه والتدمير. كما أن الفقر يهُين الإنسان ويؤثر سلباً على نفسيته. لذا، فإن القضاء على وحش الفقر، أو في أسوأ الأحوال الحد منه، من أهم أدوات تحقيق السلام والاستقرار في إفريقيا التي تعُاني من الحروب والصراعات. ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة من خلال:

– المساواة في الوصول إلى التعليم النوعي؛ ينبغي على الحكومات في إفريقيا أن توفر لمواطنيها فرصاً متساوية للحصول على تعليم نوعي. وقد تجلى بوضوح في الأهداف الإنمائية للألفية أهمية التعليم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأي دولة. ولا شك أن التعليم ركيزة أساسية للتنمية البشرية والمجتمعية.

– أيضاً توفير فرص عمل مربحة للشباب؛ ينبغي على الحكومات الإفريقية السعي جاهدة لتوفير فرص عمل مجزية لجميع مواطنيها، وخاصة الشباب. وينبغي إنشاء صناعات ومصانع لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجي المعاهد العليا في الدول الإفريقية. كما ينبغي على الحكومات تشجيع الزراعة من خلال الزراعة الآلية، وتوفير الأدوات والتقنيات الزراعية الحديثة للمزارعين بأسعار مناسبة. فإلى جانب القضاء على مشكلة الجوع، سيعزز هذا بلا شك التمكين الاقتصادي للشباب ويقضي على البطالة.

– الأجر المناسب لموظفي الخدمة المدنية؛ ينبغي أن يحصل موظفو الحكومة على أجور مناسبة، وأن تبُنى ترقياتهم على الكفاءة والأداء. ينبغي أن تكفي رواتبهم لإعالة أسرهم. وهذا سيسُهم بشكل كبير في الحد من حالات اختلاس المال العام واستغلاله[30].

ختاماً، يتضح مما تقدم أن النزاعات المسلحة في إفريقيا لا تُعد مجرد أحداث عابرة في تاريخ القارة، بل هي ظاهرة بنيوية ذات امتدادات عميقة تمس مختلف مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فقد ساهمت هذه النزاعات في تقويض الأسس الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال استنزاف الموارد الطبيعية والبشرية، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل المشاريع الاستثمارية، وإضعاف قدرة الدول على رسم وتنفيذ استراتيجيات تنموية طويلة الأمد. كما أدت إلى تفاقم أزمات إنسانية متكررة، تجسدت في موجات نزوح ولجوء ضخمة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانتشار الأوبئة وسوء التغذية، الأمر الذي جعل القارة في وضع هش لا يساعدها على بلوغ أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.

وإذا كان العنف المسلح أحد أبرز معوقات التنمية، فإن استدامة التنمية بدورها تمثل شرطاً ضرورياً لإخماد النزاعات المسلحة. فالتجارب التاريخية تكشف أن غياب العدالة الاجتماعية، وتهميش بعض الفئات، وضعف الحكم الرشيد، يفتح المجال أمام عودة دوامة العنف، وهو ما يجعل التنمية والسلم وجهين لعملة واحدة. ومن هنا، يفرض الواقع الإفريقي الحاجة إلى تبني مقاربة شاملة تربط بين فض النزاعات وبناء السلام من جهة، وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، في إطار يعزز المشاركة المجتمعية، ويعتمد على العدالة في توزيع الموارد، ويقوي مؤسسات الدولة الوطنية.

كما أن الدور الإقليمي والدولي لا يقل أهمية عن الجهود المحلية، إذ ينبغي للاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع المنظمات الدولية، أن يعمل على دعم مبادرات السلام، وتوفير التمويل الكافي لإعادة الإعمار، وتعزيز سياسات التنمية المندمجة التي تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية لكل دولة. إن مستقبل إفريقيا مرهون بقدرتها على كسر الحلقة المفرغة بين النزاع والتخلف، وصياغة نموذج تنموي إفريقي أصيل قائم على الاستقرار، العدالة، والاستدامة. وبذلك فقط يمكن تحويل القارة من مسرحٍ للصراعات المتكررة إلى فضاءٍ واعد للسلام والتنمية، يفتح آفاقاً متعددة للأجيال القادمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

[1] – Peter, Sesan A. (2025). Linking Armed Conflict, Peace and Development in Africa: The Changing Character. P. 425, 426. https://www.researchgate.net/publication/388958879

[2] – Ibid. P. 427, 428.

[3] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). Armed conflicts in Sub-Sahara Africa: Impacts on United Nations Sustainable Development Goals. Nnamdi Azikiwe Journal of Political Science (NAJOPS). Vol. 9(3). P. 15.

[4] – Ibid. P. 14.

[5] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.

[6] – Ibid.

[7] – Gilpin, Raymond. (2019). Understanding the Nature and Origins of Violent Conflict in Africa. P. 23. https://africacenter.org/wp-content/uploads/2019/05/Understanding-the-nature-and-origins-of-violent-

[8] – Ibid. P. 24.

[9] – Gilpin, Raymond. (2019). P. 27.

[10] – Ibid.

[11] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.

[12] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). ARMED CONFLICTS AND ECONOMIC GROWTH IN AFRICA. P. 2, 3. https://aercafrica.org/wp-content/uploads/2020/11/B10-Oyinlola-Adeniyi-and-

[13] – Ibid. P. 13.

[14] – Ibid.

[15] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.

[16] – Ibid P. 432.

[17] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 6.

[18] – Ibid. P. 7.

[19] – Vesco, Paola & Baliki, Ghassan and other. (2025). The impacts of armed conflict on human development: A review of the literature. World Development journal homepage: p. 11. www.elsevier.com/locate/worlddev

[20] – Ibid. p. 10.

[21] – Ibid. p. 3.

[22] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 20.

[23]– Ibid. P. 19.

[24] – GATES, SCOTT & STRAND, HAVARD. (2012). Development Consequences of Armed Conflict. World Development Vol. 40, No. 9, pp. 1713–1722. P. 1716. http://dx.doi.org/10.1016/j.worlddev.2012.04.031

[25] – Kolawole, Tobi Angel. (2024). P. 18.

[26] – Ibid. P. 16.

[27] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 12.

[28] – Peter, Sesan A. (2025). P. 430.

[29] – Oyinlola, Mutiu & Adeniyi, Oluwatosin & Adedeji, Abdulfatai. (2020). P. 11.

[30] – Peter, Sesan A. (2025). P. 435, 436.

ظهرت المقالة النزاع المسلح في إفريقيا – التداعيات والمآل أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6638/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d8%ad-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7/feed/ 0 6638
تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر https://alafarika.org/ar/6608/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%b2%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a/ https://alafarika.org/ar/6608/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%b2%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a/#respond Mon, 27 Oct 2025 10:05:50 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6608

شهد المشهد السياسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجيًا وتغييرات جذرية، مع تزايد عدد الدول التي تتبنى الحكم العسكري، وتكتسب دعمًا شعبيًا للإطاحة بالحكومات المنتخبة، وتتحدى صلاحية المؤسسات الديمقراطية في القارة. فمنذ عام 2020، شهدت كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا، وتشاد، والسودان، والغابون انقلابات عسكرية أو تغييرات مدعومة من الجيش للسلطة. ولقد […]

ظهرت المقالة تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

شهد المشهد السياسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجيًا وتغييرات جذرية، مع تزايد عدد الدول التي تتبنى الحكم العسكري، وتكتسب دعمًا شعبيًا للإطاحة بالحكومات المنتخبة، وتتحدى صلاحية المؤسسات الديمقراطية في القارة. فمنذ عام 2020، شهدت كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا، وتشاد، والسودان، والغابون انقلابات عسكرية أو تغييرات مدعومة من الجيش للسلطة.

ولقد شهدت مدغشقر أيضا، وهي رابع أكبر جزيرة في العالم والواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا،  أزمة سياسية حادة في الآونة الأخيرة، في أعقاب الإطاحة بالرئيس أندريه راجولينا واستيلاء الجيش على السلطة، بقيادة فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات العسكرية النخبة (CAPSAT).

وكانت هذه الدولة الجزرية، التي عُرفت سابقًا باسم جمهورية مالاغاش، قد شهدت انتقالًا غير دستوري مماثلاً للسلطة في عام 2009، حين استولى الرئيس أندريه راجولينا على السلطة من الرئيس المنتخب ديمقراطيًا مارك رافالومانانا عبر انقلاب عسكري، إثر ما يقرب من ثلاثة أشهر من الاحتجاجات العنيفة. وإن استيلاء فيلق “كابسات” على السلطة في مدغشقر مؤخرا، يجعل هذا التحول غير الدستوري للسلطة  الانقلاب العاشر الناجح من قبل مجلس عسكري أو حكومة مدعومة من الجيش في أفريقيا منذ عام 2020.

احتجاجات “الجيل زد مدغشقر” والتصعيد السياسي

نبعت الأزمة السياسية لعام 2025 في مدغشقر من احتجاجات حاشدة، نفذها الشباب الملغاشي الذين شكّلوا حركة جديدة عُرفت باسم “الجيل –زد”  (Gen-Z). وقد بدأت في أواخر سبتمبر 2025 في العاصمة أنتاناناريفو، ثم استمرت في الانتشار بسرعة إلى ولايات أخرى في أوائل أكتوبر 2025 بسبب الردود القمعية من الحكومة ضد المتظاهرين.

وفي البداية، كان السبب وراء الاحتجاجات، كما نادى به المتظاهرون ومُثِّلَ على اللافتات واليافطات، هو الفشل المستمر لإدارة الرئيس أندريه راجولينا في توفير الكهرباء وإمدادات المياه بشكل موثوق، بالإضافة إلى العديد من المظالم الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد.

ووفقًا للتقارير، كان ثلث سكان مدغشقر فقط يحصلون على الكهرباء قبل الأزمة، حيث يعاني غالبية المواطنين من انقطاع يومي للتيار الكهربائي قد يستمر من 10 إلى 13 ساعة، ومن نقص في المياه قد يمتد لأيام أو أسابيع، مما يجعل الحياة الأساسية صعبة للغاية بالنسبة لهم. وفي محاولة لمعالجة الوضع المتصاعد، أقال الرئيس راجولينا وزير الطاقة في 26 سبتمبر 2025، وأعلن كذلك حل الحكومة بأكملها في 29 سبتمبر 2025، تلاه تعيين الجنرال العسكري روفين فورتونات زافيسامبو رئيسًا جديدًا للوزراء في 6 أكتوبر 2025. ومع ذلك، فشلت هذه الخطوات في تلبية مطالب الجمهور.

على المدى الطويل، سرعان ما تحولت مطالب الاحتجاجات، متجاوزة المطالبة بإصلاح انقطاعات الكهرباء والمياه، وتطورت إلى مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة، تطالب بإصلاح شامل للنظام السياسي، مع دعوات المتظاهرين إلى استقالة الرئيس أندريه راجولينا.

التدخل العسكري

دخلت الاحتجاجات مرحلة جديدة في 11 أكتوبر 2025، عندما أعلن فيلق إدارة شؤون الأفراد والخدمات الفنية والإدارية النخبة، المعروف باسم “كابسات”، تمردَهُ ودعمه للمظاهرات التي يقودها “الجيل زد”. وبما أن هذه الوحدة هي الأكثر نفوذاً في مدغشقر والعمود الفقري التقني والإداري واللوجستي للجيش بأكمله، فإن قرارها بالانضمام إلى المحتجين في ساحة “بلاس دو 13 ماي” الرمزية، قد وفّر لحركة “الجيل زد” الدعم العسكري اللازم لتحدي الحكومة. وهذا يعني أن هذه الوحدة، التي لعبت دورًا محوريًا في انقلاب عام 2009 الذي أوصل الرئيس أندريه راجولينا إلى منصب الرئيس الانتقالي، انقلبت في نهاية المطاف على الرئيس، الذي كان حليفاً سابقاً لها، وبالتالي نتج هذا الانشقاق في انهيار الدعم السياسي للرئيس أندريه راجولينا.

بدأت الرحلة نحو التغيير غير الدستوري للسلطة في 12 أكتوبر 2025، عندما أفادت التقارير أن الرئيس راجولينا قد فرَّ من البلاد إلى مكان مجهول، مدعيا وجود تهديدات بالغة الخطورة على حياته كأسباب لفراره. ومع ذلك، حاول –وهو في  العزلة – القيام بحلّ الجمعية الوطنية لمدغشقر في 14 أكتوبر 2025، بعد إصدار مرسوم من مخبئه، في محاولة لمنع عزله. ولسوء الحظ، تجاهل المشرعون مرسومه وشرعوا في عزله بالإجماع، ما أحدث فراغًا في أهم منصب سياسي في البلاد.

وفي أعقاب التصويت على العزل، أعلن العقيد مايكل راندريانيرينا، قائد “كابسات” وناقد شعبي للرئيس أندريه راجولينا، علنًا أن القوات المسلحة قد تولت السلطة، في خطوة اعتُبرت على نطاق واسع إنقاذًا للبنية السياسية المنهارة في البلاد. ووكذلك علَّق العقيد دستور البلاد وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري مُكلف بالعمل نحو انتقال إلى حكم مدني في غضون 18 شهرًا إلى عامين، فتمّ تنصيبه رئيسًا مؤقتًا في 17 أكتوبر 2025.

ولقد برّر العقيد راندريانيرينا هذه الخطوة في تصريحاته، بالادعاء بأنها لم تكن انقلابًا بل إجراء ضروريًا لأن البلاد كانت على حافة الانهيار. وقال راندريانيرينا: “اليوم يمثل نقطة تحول لأمتنا، فالشعب الملغاشي نفسه متعطش لتغيير عميق في طريقة حكم بلادنا”.

لقد لفت استيلاء الجيش على السلطة انتباه العالم، وأثار إدانة مختلف الدول وتعليق عضوية مدغشقر في المؤسسات الدولية. فبينما أصدرت الأمم المتحدة إدانة لتغيير السلطة، قام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي فورًا بتعليق عضوية مدغشقر داعيا إلى نقل فوري للسلطة إلى إدارة مدنية. وفي خطوة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية، عيّن الرئيس العسكري المؤقت رجل الأعمال المعروف هيرينتسالاما راجوناريفيلو رئيسًا جديدًا لوزراء مدغشقر، نظرًا لخبرته وعلاقاته مع المنظمات الدولية التي تتعامل مع الحكومة الملغاشية.

حاليًا، لا يزال الوضع السياسي في مدغشقر يبدو هشًا حيث تتطلع الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش إلى كسب الشرعية وتخفيف الضغط الدولي، بينما تقع على عاتقها في الوقت ذاته مهمة تلبية توقعات المحتجين الذين غذّت حركتهم هذا التغيير.

ظهرت المقالة تأثير “الجيل زد” على الإصلاحات السياسية: دروس من مدغشقر أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6608/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%b2%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a/feed/ 0 6608
هل مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا مشرق؟ – استكشاف العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا https://alafarika.org/ar/6577/%d9%87%d9%84-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d8%b5-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a/ https://alafarika.org/ar/6577/%d9%87%d9%84-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d8%b5-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a/#respond Thu, 09 Oct 2025 10:51:32 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6577

تقع أفريقيا في ملتقى التحديات التنموية والمناخية والأمنية في الوقت الحالي. ومع تزايد المنافسة العالمية على الموارد والتكنولوجيا والنفوذ في أفريقيا، أصبحت الأهمية الاستراتيجية لإقامة نوع جديد من العلاقات مع أفريقيا محتّمة للولايات المتحدة. ومع وجود سوق أفريقية تضم أكثر من 1.3 بليون نسمة وناتج محلي إجمالي مجمع يتجاوز 3.4 تريليون دولار، وأصبح توسيع التجارة […]

ظهرت المقالة هل مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا مشرق؟ – استكشاف العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تقع أفريقيا في ملتقى التحديات التنموية والمناخية والأمنية في الوقت الحالي. ومع تزايد المنافسة العالمية على الموارد والتكنولوجيا والنفوذ في أفريقيا، أصبحت الأهمية الاستراتيجية لإقامة نوع جديد من العلاقات مع أفريقيا محتّمة للولايات المتحدة. ومع وجود سوق أفريقية تضم أكثر من 1.3 بليون نسمة وناتج محلي إجمالي مجمع يتجاوز 3.4 تريليون دولار، وأصبح توسيع التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا أمرا ذا أولوية استراتيجية واضحة لكلا الجانبين.

ولقد تبدلت العلاقة بينهما على مدار العشرين سنة الماضية، حيث ظلت الواردات الصينية  من أفريقيا -التي يشكلها استيراد منتجات البترول والتعدين- أعلى من واردات الولايات المتحدة منذ عام 2011، بل صارت أعلى بثلاثة أضعاف تقريبا من واردات الولايات المتحدة من القارة في عام 2022، بعد أن كانت واردات الولايات المتحدة من أفريقيا أعلى بكثير من الواردات الصينية في عام 2001.

وبالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت الولايات المتحدة وجهة لنسبة %21 من الصادرات في عام 2000، غير أنه انخفضت هذه النسبة إلى حوالي %5 بحلول عام 2020، وبذلك أصبحت الولايات المتحدة الآن تصطفّ وراء الصين والهند وجنوب أفريقيا كأبرز وجهات التصدير. ويُعرف الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة ودول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى باسم قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، وهو اتفاق يوفر وصولاً معفياً من الرسومات الجمركية إلى سوق الولايات المتحدة لبعض المنتجات من البلدان المؤهلة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك لتشجيع النمو الاقتصادي وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

ومع ذلك، يمكن أن تؤثر اتجاهات السياسة الأمريكية الحالية والمستقبلية على مسار قانون “أغوا”، مما قد يضر بالاقتصادات الأفريقية. ففي بداية إطلاق البرنامج، كان 90% من واردات الولايات المتحدة من أفريقيا عبارة عن نفط. ولكن قد انخفض النفط اليوم إلى حوالي 20% من العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وبموجب قانون “أغوا”، تصدر الدول الأفريقية الآن ما يزيد عن 6 بليون دولار سنوياً من السيارات والملابس والمواد الغذائية والسلع المتخصصة.

ما هو قانون النمو والفرص في أفريقيا؟

أنشئ قانون النمو والفرص في أفريقيا -المشهور باسم “أغوا”- لتوفير وصول معظم الصادرات القادمة من البلدان المؤهلة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى سوق الولايات المتحدة، مع إزالة الرسومات الجمركية. ويتطلب هذا القانون أيضاً عقد تجمع سنوي، يُعرف باسم منتدى “أغوا”، بين المسؤولين الأمريكيين ومسؤولي الدول المستفيدة من القانون لمناقشة القضايا المتعلقة بالتجارة وتنفيذ القانون. أضف إلى ذلك أن قانون “أغوا” يوفر التوجيه لوكالات حكومية أمريكية مختارة فيما يتعلق بأنشطتها لدعم التجارة والاستثمار في المنطقة.

يُعد هذا القانون ركيزة أساسية للسياسة التجارية الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2000. ووفقاً للمسؤولين، يسعى الكونغرس، من خلال “أغوا”، إلى زيادة العلاقات التجارية والاستثمارية الأمريكية مع القارة، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال التجارة، وتشجيع سيادة القانون والإصلاحات الموجهة نحو السوق. وقد يمدد الكونغرس التفويض للبرنامج، المقرر أن ينتهي في سبتمبر 2025، ويعدل البرنامج لتعزيز أولويات أخرى للكونغرس في المنطقة، مثل تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية الأمريكية مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وزيادة المشاركة الإقليمية في سلاسل القيمة العالمية.

في الكونغرس الأخير، قدم عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي جيمس ريش (جمهوري عن أيداهو) وكريس كونز (ديمقراطي عن ديلاوير) قانون تجديد وتحسين “أغوا” لعام 2024. واقترح القانون الجديد تمديد “أغوا” لمدة 16 عاماً، حتى عام 2041. وبالمثل، في ديسمبر 2024، قدم النائب جون جيمس (جمهوري عن ميشيغان) قانون تمديد وتعزيز “أغوا” لعام 2024، والذي اقترح تمديد البرنامج لمدة 12 عاماً، حتى عام 2037. وبغض الطرف عن الفرق في مدة التمديد، كان كلا مشروعي القانون متفقين إلى حد كبير في وضع أساس مهم لاتفاق أكثر فعالية يعكس حقائق التجارة اليوم. ومع ذلك، فشل كلاهما في إقراره، مما جعل مستقبل “أغوا” غير مؤكد.

لم تتوزع فوائد “أغوا” بالتساوي في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فعلى الرغم من أن بعض الدول كانت أكثر نجاحاً في الاستفادة من البرنامج، فقد واجهت دول أخرى عقبات كبيرة، مثل جنوب أفريقيا. وفي بلدان أخرى، أدى عدم الاستقرار السياسي وأوجه القصور الاقتصادي إلى إضعاف المشاركة في “أغوا” كما حدث في إثيوبيا، حيث تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في صراع تيغراي. وقد أدت التغييرات غير الدستورية للحكومات من خلال الانقلابات العسكرية التي وقعت في غينيا ومالي، إلى تعليق استفادتها من “أغوا”.

بالإضافة إلى ذلك، أدى الافتقار إلى التنفيذ الكافي للإصلاحات الاقتصادية، والتنويع، والاندماج في سلاسل القيمة العالمية إلى الحد من تأثير “أغوا” في عدد من البلدان. ونتيجة لهذا القصور، كافحت دول مثل الكاميرون، وموريتانيا، وبوروندي، وغينيا الاستوائية، وإريتريا للاستفادة من “أغوا”، مما قوض قدرتها على الحفاظ على الأهلية والاستفادة الكاملة من التفضيلات التجارية.

دائرة التغيير: الرسوم الجمركية الأمريكية وآفاق النمو الأفريقية

يُنسَب إلى قانون “أغوا” الفضل في دعم مئات الآلاف من الوظائف في أكثر من 30 دولة مؤهلة. وقد خُفِّف تأثيره بسبب الرسوم الجمركية الثنائية التي فرضها ترامب في أغسطس، والتي عرّضت المنتجات التي كانت تُصدر معفاة من الرسوم الجمركية بموجب “أغوا” لضرائب استيراد أمريكية تتراوح بين 10% و 30%. لكن هناك بعض المؤشرات على أن “أغوا” سيُجدد، حيث صرح مسؤول في البيت الأبيض لرويترز بأن إدارة ترامب ترغب في تمديد الاتفاق لمدة عام واحد.

قد يؤدي هذا الارتفاع المفاجئ في الرسوم الجمركية إلى تعطيل العلاقات التجارية طويلة الأمد وإلحاق ضرر كبير بالمصدرين الأفارقة، لا سيما في القطاعات المحمية للغاية مثل المنسوجات والملابس، حيث وفر “أغوا” وصولاً حاسماً للسوق حتى الآن. على سبيل المثال، ستشهد كينيا تضاعف متوسط تعريفة الاستيراد الأمريكية الموزون تجارياً لديها ثلاث مرات تقريباً، لتقفز من 10% إلى 28%. وبالنسبة لمدغشقر، فسوف تتضاعف لتصل إلى 23%.

ويمكن العثور على مثال رئيسي لتأثير الاتفاق في كينيا، حيث سمح لقطاع المنسوجات والملابس في البلاد – مصنع الجينز، على سبيل المثال – بالمنافسة بفعالية مع المصدرين الآسيويين كما في بنغلاديش وفيتنام. في عام 2024 وحده، صدرت البلاد ما قيمته 470 مليون دولار (350 مليون جنيه إسترليني) من الملابس إلى الولايات المتحدة، مما دعم أكثر من 66,000 وظيفة مباشرة، ثلاثة أرباعها تشغلها نساء، وفقاً للتحالف الكيني للقطاع الخاص. أصبحت مصانع مثل “شونا إي بي زد” (Shona EPZ) مصادر مهمة للعمالة، خاصة للشباب الذين عانوا من أجل العثور على عمل مستقر في اقتصاد صعب.

علاوة على ذلك، أثبت قانون “أغوا” قيمته الكبيرة لدول مثل كينيا وليسوتو، ومصير الآلاف من العمال، مثل جوان وامبوي البالغة من العمر 29 عاماً، مرتبط بمستقبل القانون، إذ يقول المحللون إن نهاية الاتفاق قد تعني نهاية وظيفة السيدة وامبوي التي عملت في “شونا إي بي زد”، حيث ساعدت في خياطة الملابس الرياضية للسوق الأمريكية حصرياً، لمدة ستة أشهر فقط. وفي ذلك الوقت القصير، أصبح راتبها هو الركيزة الأساسية لأسرتها. فهي تعيل ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات، وشقيقتيها في الكلية، بالإضافة إلى والدتها. وتقول إن فقدان وظيفتها سيؤثر على ما هو أكثر من حياتها الخاصة. وتسأل السيدة وامبوي بنبرة قلقة، ويداها وقدماها تتحركان بالتزامن على آلة الخياطة وهي تخيط قطع القماش: “إذا انتهى “أغوا”، إلى أين سنذهب؟”

بالنسبة لها، لم يعنِ الأجر المنتظم مجرد دخل، بل يعني الكرامة والقدرة على دفع الرسوم المدرسية، وتوفير الطعام على المائدة، ومكّنها من التطلع إلى مستقبل أفضل. تقول وهي تطوي قطعة القماش التي خيطتها للتو: “سوف يضربني ذلك بشدة إذ سأبدأ في البحث عن وظيفة جديدة، مع العلم أنه من الصعب العثور على عمل في كينيا”. وتضيف السيدة وامبوي قائلة: “معظم الناس هنا مأُخذون من الشوارع، وكانوا سابقا مدمنين على المخدرات. إذا انتهت صلاحية قانون “أغوا”، فقد يعودون إلى هناك، وهم هنا مُصلَحون”.

تدفع كينيا 10% على الصادرات التي لا يشملها “أغوا”، وهي ليست كثيرة. وسيكافح الصانعون الكينيون للتنافس مع المنافسين في آسيا، على الرغم من أن بعض الدول الآسيوية قد تواجه تعريفة أمريكية أعلى، وذلك بسبب محدودية سلسلة التوريد المحلية في كينيا حيث يتم استيراد معظم المواد الخام، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار الإقراض ونفقات التشغيل.

التوقعات المستقبلية

يقول المراقبون بأن السنوات العشر القادمة ستشكل المسار الاقتصادي لعقود قادمة، ويجب على الولايات المتحدة أن تبني على استثمارها السردي من خلال ترسيخ قدر أكبر من اليقين للمستثمرين الأمريكيين والأفارقة. لكن ما يكاد يصبح أزمة يمثل فرصة للصين، منافسة الولايات المتحدة، التي طالما استقطبت الدول الأفريقية وتقدم لها الآن شريان حياة.

صرح الخبير الاقتصادي النيجيري بيسمارك ريواني لشبكة CNN قائلاً: “نحن (أفريقيا) ذاهبون مباشرة إلى أحضان الصين”. وقال ريواني عن التحول المتوقع لأفريقيا نحو الصين، التي برزت في السنوات الأخيرة كأكبر شريك تجاري ثنائي للقارة: “هذه هي النتيجة المؤسفة”.

ويعتقد ريواني أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تلهم أفريقيا “لبناء المرونة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التجارة غير المتوازنة”. والأهم من ذلك، أضاف قائلا: يجب أن تكون القارة “أكثر توجهاً نحو تنمية الداخل بدلاً من الاعتماد على الخارج”.

قد يساعد تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) في تخفيف هذا الوضع، ولكن مثل هذا التعديل سيكون صعباً ويتطلب وقتاً طويلاً. فبعد مرور أربع سنوات على تنفيذ منطقة التجارة الحرة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، لا يزال المستهلكون البالغ عددهم 1.5 بليون نسمة في القارة والناتج المحلي الإجمالي الإجمالي البالغ 3 تريليونات دولار مقسَّمين إلى أسواق مصغرة معزولة.

ظهرت المقالة هل مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا مشرق؟ – استكشاف العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6577/%d9%87%d9%84-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%88-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d8%b5-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a/feed/ 0 6577
نحو إصلاح نظام التعليم في نيجيريا: منهج “أحمال أخف، عقول أذكى” التعليمي الجديد https://alafarika.org/ar/6564/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac/ https://alafarika.org/ar/6564/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac/#respond Wed, 24 Sep 2025 10:55:14 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6564

يتجاوز معنى التعليم مجرد تحصيل المعرفة، بل يفيد ويثبت وجود دور أساسي للتعليم، وهو  إعداد الطلاب ليكونوا قادرين على التفكير الإيجابي، وتمكينهم من النمو الشخصي، والنضوج والوعي، مما يمكّنهم من حل المشكلات بأنفسهم  ويجعلهم أداة نافعة في تطوير المجتمع ويغرس فيهم القدرة على المساهمة الإيجابية في صالح المجتمع. وتبدأ رحلة التعليم من المرحلة الابتدائية إلى […]

ظهرت المقالة نحو إصلاح نظام التعليم في نيجيريا: منهج “أحمال أخف، عقول أذكى” التعليمي الجديد أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يتجاوز معنى التعليم مجرد تحصيل المعرفة، بل يفيد ويثبت وجود دور أساسي للتعليم، وهو  إعداد الطلاب ليكونوا قادرين على التفكير الإيجابي، وتمكينهم من النمو الشخصي، والنضوج والوعي، مما يمكّنهم من حل المشكلات بأنفسهم  ويجعلهم أداة نافعة في تطوير المجتمع ويغرس فيهم القدرة على المساهمة الإيجابية في صالح المجتمع.

وتبدأ رحلة التعليم من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية وتستمر بشكل أوسع في المرحلة الجامعية  حيث يعرف التعليم في هذه المرحلة بالتعليم العالي. ويجب الاهتمام البالغ بتحسين التعليم في المرحلة الابتدائية والثانوية، لأن الأسس الحقيقية للتعلم المستقبلي تُبنى في هتين المرحلتين. فضعف المستوى التعليمي فيها خسارة كبيرة على المستويين الفردي والمجتمعي. وبالتالي يجب أن نتحد ونبذل قصارى الجهود لضمان حصول الطلاب على أساس قوي في المرحلتين الابتدائية والثانوية لتفادي مثل هذه الكارثة.

ويعدّ المنهج التعليمي من بين المجالات المهمة التي تحتاج إلى اهتمام كافٍ وزائد، لقد أوصى خبراء التعليم على مر السنين بمراجعة دورية للمناهج التعليمية حتى تكون ملائمة وفعّالة. إذ يجب أن تكون المناهج قابلة للتغيير والتطور بما يتماشى مع الاحتياجات المتغيرة للطلاب والمجتمع، حيث يؤدي تقادم المنهج الدراسي  إلى تدنّي التعليم، وقد يجعل الطلاب يفتقدون المهارات الأساسية حتى بعد سنوات من الدراسة، أو يجعلهم غير مهيئين للتعليم العالي أو سوق العمل. كما أن التغيرات السريعة في المجتمع والتكنولوجيا تفرض إعادة النظر في ما يتم تعليم الطلاب وفي كيفيات تعليمهم. لذلك، يجب أن يتكيف المنهج الدراسي مع هذه التغيرات، خاصة في المرحلتين الابتدائية والثانوية، لضمان تأسيس قاعدة تعليمية قوية لقادة المستقبل.

نظرة عامة على الإطار الجديد للمنهج التعليمي في نيجيريا

التعليم في نيجيريا واجب للكل بين سنّ 6 و 15 عاماً، ويبدأ من الصف الأول حتى الصف التاسع. وكانت الإنجليزية هي لغة التدريس الرسمية أو اللغة المحلية في السنوات الأولى. ويتكون التعليم الضروري من المرحلة الابتدائية التي تدوم لست سنوات والمرحلة الثانوية الدنيا المستمرة لثلاث سنوات. أما التعليم المبكّر في المرحلة الطفولية فليس إلزامياً لا ضروريا، حيث تقل نسبة المشاركة في دور الحضانة ورياض الأطفال عن %40. ومع ذلك، توفر المؤسسات العامة والخاصة برامج خاصة بــرعاية الأطفال وتعليم الطفولة المبكرة، و كان عدد الأطفال المشاركين في برامج التعليم المبكر هذا يتجاوز 86 مليوناً في نيجيريا.

قبل عام 1914، لم يكن للإدارة الاستعمارية البريطانية توجّه واضح. وبعد عملية الدمج عام 1914، أدخلت بريطانيا نظام الحكم غير المباشر في نيجيريا، وركزت إدارة اللورد لوغارد على التعليم العلماني خصوصاً في شمال نيجيريا،  قد يكون ذلك ما أدى إلى الفجوة التعليمية بين الشمال والجنوب. وإن نيجيريا كدولة مستقلة، شهدت عدة أنظمة تعليمية منذ تكوينها عام 1914. وسرعان ما تم الاستقلال، ظهر الكثير من أوجه القصور في النظام التعليمي النيجيري لأنه كان مبنياً على النظام البريطاني الذي لم يلبِّ احتياجات المجتمع النيجيري وطموحاتها. وأدى ذلك إلى مؤتمر المناهج التعليمية لعام 1969 الذي ركّز على الأطفال النيجيريين في مجتمعهم، خلال سياسات وطنية للتعليم تم اعتمادها في أعوام 1977، 1981، 1998، و2004، وجميعها هدفت إلى تحسين جودة التعليم في نيجيريا.

ويخضع تنفيذ نظام التعليم (6-3-3-4) المعتمد لسياسات شتى وهيئات تنظيمية مختلفة حيث تشرف وزارة التعليم الفيدرالية على السياسة الوطنية للتعليم، التي تحدد الأهداف والتوجيهات للنظام التعليمي. بينما تتولى وزارات التعليم في الولايات تنفيذه على المستوى المحلي.

ويعد نقص التمويل من أبرز التحديات، التي تؤثر سلبياً على جميع المستويات التعليمية، حيث يؤدي إلى ضعف البنية التحتية، ونقص المواد التعليمية، وانخفاض رواتب المعلمين، مما يقلل من جودة التعليم في الطلاب.

ولقد وضعت السياسة الوطنية للتعليم (المعدلة في عام 2013) الأساس الفلسفي للتعليم الأساسي في نيجيريا. إذ أكدت هذه السياسة على الحق العام في التعليم، الذي يحميه قانون حقوق الطفل لعام 2003 وقانون التعليم الأساسي الإلزامي والمجاني لعام 2004. وبموجبها، تلتزم الحكومات النيجيرية بتوفير تعليم إلزامي مجاني شامل وذي جودة للأطفال حتى سن 15 عاماً.

وفي 3 سبتمبر 2025، أعلنت وزارة التعليم الفيدرالية من خلال قائدها الدكتور ماروف تونجي ألاوسا الوزير العام للتعليم، و البروفيسور سويبة سعيد أحمد، وزيرة الدولة للتعليم، عن تعديلات  شاملة للمناهج الدراسية العامة للمرحلتين الابتدائية والثانوية. وهذه التعديلات المطلقة عليها اسم “أحمال أخف، عقول أذكى” تهدف إلى تقليل عدد المواد الدراسية المبالغ فيه، وتعزيز اكتساب المهارات العملية لدى الطلاب، وربط التعليم النيجيري بالممارسات العالمية.

وأكدت الوزارة أن هذا الإصلاح الاستراتيجي لم يتم اعتمادها إلا بعد مشاورات واسعة النطاق مع جهات تعليمية أساسية، مثل: مجلس البحوث والتطوير التربوي النيجيري (NERDC)، مجلس امتحانات غرب إفريقيا (WAEC)، والمجلس الوطني للامتحانات (NECO)، ومجلس الامتحانات المهنية والتقنية (NABTEB)، وغيرهم من أصحاب المصلحة.

وتتركز هذه التعديلات في المنهج الدراسي العام على تقليل كبير في عدد المواد في جميع مستويات التعليم الابتدائي والثانوي، مع جعل دراسة المواد المهنية، والرقمية/التكنولوجية، والمواد المدنية والمواطنة إلزامية. وتشمل المواد المهنية الجديدة: تركيب وصيانة الألواح الشمسية، تصميم الأزياء وصناعة الملابس، تربية الماشية، التجميل والعناية، إصلاح الحواسيب والهواتف المحمولة، والبستنة والإنتاج الزراعي.

عدد المواد حاليا عدد المواد سابقا المستوى التعليمي
9–10 مواد

13–15 مادة

الصفوف الابتدائية (1-3)
11–13 مادة 15–17 مادة الصفوف الابتدائية (4-6)
12–14 مادة 15–18 مادة المرحلة الثانوية الدنيا (JSS 1-3)
8–9 مواد 15–20 مادة المرحلة الثانوية العليا (SSS 1-3)

 

ولا بد أن تغرس هذه المواد المهنية عقلية ريادية في الطلاب منذ سن مبكر، انتقالا من العقلية السائدة التي تحصر التعليم في الحصول على وظائف مكتبية، إلى عقلية أكثر توازناً وفائدة للتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. كما أن اختيار هذه المواد المهنية يعكس جهود الحكومة النيجيرية لربط المناهج الدراسية بالقطاعات الناشئة واحتياجات التنمية الوطنية.

وكان تركيز الإصلاح على التربية المدنية والتاريخية مما يؤكد ضرورية سد فجوة الهوية الوطنية. فالتاريخ النيجيري الملغي في المنهج سابقا (إلا أنه مادة اختيارية لطلاب العلوم الانسانية في المرحلة الثانوية العليا)، تمت إعادته  كمادة إلزامية من الصف الأول الابتدائي حتى المرحلة الثانوية الدنيا ، كما استُحدثت مادة جديدة في المرحلة الثانوية العليا باسم “دراسات المواطنة والتراث” لترسيخ فهم أشمل للقيم الوطنية. أما إدخال مواد التكنولوجيا الرقمية كمقررات إلزامية في المرحلة الثانوية العليا، فيعكس إدراكاً لمتطلبات القرن الحادي والعشرين الذي يشهد ثورة رقمية متسارعة.

هل يُصلح هذا التغيير فعليًا النظام التعليمي النيجيري؟

تمثل سياسة “أحمال أخف، عقول أذكى” خطوة ثابتة صامدة نحو تحسين جودة التعليم في نيجيريا. وكان هذا المنهج الجديد مصمما بطريقة منظمة، من خلال تقليل عدد المواد في المرحلة الاعدادية والثانوية، لإزالة العبء الثقيل للتعلم الكمي عن الطلاب، وفتح أبواب التعلم النوعي أمامهم، بما يتيح لهم الانخراط في تعليم وظيفي من شأنه أن يؤدي بلا شك إلى تحسين النتائج الأكاديمية.

وتشكل هذه السياسة أيضا حلا وسيطا وإجابة مباشرة لمشكلات البطالة والفجوات المهارية الوطنية، ويظهر ذلك من خلال دمج الثقافة الرقمية والمهارات المهنية الضرورية في المنهج. فهي أيضا تهدف عمليًا إلى خلق قوة عاملة ريادية ضخمة عبر تزويد الطلاب بالأدوات اللازمة إما لابتكار مساراتهم الاقتصادية الخاصة أو ليصبحوا مؤهلين فورًا لسوق العمل. كما أن إدخال الثقافة الرقمية يعكس رؤية الحكومة النيجيرية لضمان مواكبة الطلاب النيجيريين مع متطلبات العصر، وضمان عدم تخلفهم عن المشهد الرقمي العالمي المتطور.

وإن هذا الإصلاح وفقا لـ “رودا أوديغبو”، الخبيرة التربوية والمنظّرة في المناهج الدراسية، يفتح فرصة “للتمهل، والتعمق، ودعم المتعلمين المتعثرين”، وهو ما يُعتبر خطوة حقيقية وتقدمية إلى الأمام للنظام التعليمي. فإعادة مادة التاريخ النيجيري كمادة واجبة من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الإعدادي، واستحداث مادة “دراسات المواطنة والتراث” في المرحلة الثانوية العليا، يحملان دلالات اجتماعية إيجابية. ففي بلد مثل نيجيريا، حيث يشكل التنوع السياسي تهديدات كبيرة للوحدة الوطنية، يُوصى بتوجيه الأجيال الشابة للتعرف على تاريخ الأمة وتراثها وثقافتها ومسؤولياتهم المدنية.

لكن قبل أن نستطيع تحديد فعالية وصلاحية هذا الإصلاح في النظام التعليمي النيجيري، من المهم أن ننظر إلى التعديلات التعليمية السابقة التي تم تبنيها، لفهم السياق التاريخي لمثل هذه السياسات وما إذا كانت قد نُفذت بنجاح.

وٱخر إصلاح كبير تم إحداثه للمناهج هو منهج التعليم الأساسي لتسع سنوات (BEC) الذي قُدم عام 2008 ثم عُدّل في 2012. وتتشابه أهدافه مع أهداف الإصلاح المقترح الجديد حاليًا، إذ يهدف إلى تقليل عبء المواد الدراسية بشكل جذري وإدماج المواد المهنية والتكنولوجية في المرحلتين الابتدائية والثانوية. فالإصلاح حينذاك تسعى نحو القضاء على المشكلات المتكررة في النظام التعليمي على مستوى المرحلتين الابتدائية والثانوية، عبر تحقيق منهج يتماشى مع احتياجات التنمية الوطنية.

لكن نجاح مراجعة منهج 2008 كان محدودًا للغاية بسبب تحديات كبيرة، منها انتشار المعلمين غير المؤهلين أو غير الكفوئين، وانعدام بيئة تعليمية مناسبة، وضعف البنية التحتية التعليمية، إضافة إلى تدني رواتب المعلمين.

إذن فإن نجاح هذا الإصلاح الجديد، قد يكون محدودا بدون تأثير قوي – مثل إصلاح 2008 –  على الرغم من الجهود المتجددة للحكومة النيجيرية في معالجة المشكلات المستعصية التي ابتلي بها النظام التعليمي، ويدرك هذا ببساطة إذا علمنا أن التحديات المذكورة آنفًا ما زالت تشكل عوائق كبيرة أمام الإصلاحات المقترحة.

فالمنهج التعليمي الجديد -مع إلزامية المهارات المهنية والثقافة الرقمية- يتطلب مستوى عاليا من الجاهزية في البنية التحتية والقوة التدريسية بشكل كاف، والكثير من المدارس النيجيرية يفتقر هذا، وفقا لما قاله “رودا أوديغبو”، بأن أكثر من %60 من معلمي المدارس الحكومية يفتقرون إلى المهارات الرقمية الأساسية، كما يحتاج أكثر من %65 من المدارس إلى الكهرباء، بينما لا يتجاوز انتشار الانترنت % 30 فقط. وهذا يعكس واقعًا مفاده أن العديد من المدارس النيجيرية تفتقر إلى معامل حاسوب مجهزة، وإلى كهرباء موثوقة، واتصال بالإنترنت، ومختبرات عملية مجهزة، مما يسهل تدريس الثقافة الرقمية والمهارات المهنية التطبيقية. وكل هذا وذاك يعني أن الحواجز النظامية تشكل تحديا كبيرا أمام التنفيذ الناجح للإصلاح

وأخيرًا، فإن التنفيذ الناجح للسياسة الجديدة هذه يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية التعليمية وتدريب المعلمين على المستوى التأسيسي. وبالتالي، يتوجب على الحكومة الفيدرالية، بالتعاون مع حكومات الولايات، القيام بتطوير شامل للبنية التحتية والأنظمة والقدرات الرقمية في جميع المدارس الحكومية في البلاد على الأقل، قبل أن يمكن ملاحظة الأثر الإيجابي لمثل هذا الإصلاح. فالطموح وراء هذا المنهج الجديد يجب أن يقترن كاملا بالاستثمارات اللازمة لجعله واقعًا ملموسًا لجميع الطلاب.

ظهرت المقالة نحو إصلاح نظام التعليم في نيجيريا: منهج “أحمال أخف، عقول أذكى” التعليمي الجديد أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6564/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac/feed/ 0 6564
لعبة بالغة المخاطر: خطوة أفريقيا الجريئة نحو اعتماد الطاقة النووية https://alafarika.org/ar/6555/%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1%d9%8a/ https://alafarika.org/ar/6555/%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1%d9%8a/#respond Sun, 21 Sep 2025 06:11:45 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6555

تتمتع أفريقيا بكمية كبيرة من ثروة موارد الطاقة، لكنها مع وفرة هذه الثروة، لا تزال قارةً فقيرةً. وقد أدّت إمكاناتُ التصنيع في القاة، والنموّ السكاني السريع إلى زيادةٍ كبيرةٍ في درجة احتياجات الكهرباء. ولن يتحقق النموّ الاقتصاديّ والتنمية المستدامة وتحسين رفاهية المواطنين دون حلّ مشكلة عجز الطاقة. ومع ذلك، فقد سجلت القدرة النووية وجودا ثابتا […]

ظهرت المقالة لعبة بالغة المخاطر: خطوة أفريقيا الجريئة نحو اعتماد الطاقة النووية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تتمتع أفريقيا بكمية كبيرة من ثروة موارد الطاقة، لكنها مع وفرة هذه الثروة، لا تزال قارةً فقيرةً. وقد أدّت إمكاناتُ التصنيع في القاة، والنموّ السكاني السريع إلى زيادةٍ كبيرةٍ في درجة احتياجات الكهرباء. ولن يتحقق النموّ الاقتصاديّ والتنمية المستدامة وتحسين رفاهية المواطنين دون حلّ مشكلة عجز الطاقة. ومع ذلك، فقد سجلت القدرة النووية وجودا ثابتا في أفريقيا، حيث تقع محطة الطاقة النووية الوحيدة العاملة في القارة في جنوب أفريقيا.

تبدو آفاقُ استخدام الطاقة النووية في دولٍ أفريقيةٍ أخرى واعدةً، حيث تُخطّط الحكوماتُ الأفريقية لإدراج الطاقة النووية في مزيج الطاقة لديها. فدولة مصر تُشيّد حاليًا منشأةً لمحطة الطاقة النووية بأربع وحدات، ومن المُتوقع تشغيل الوحدة الأولى في عام 2028. وقد أبدت العديد من الدول اهتمامها في السنوات الأخيرة بتطوير الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، منها الجزائر، وغانا، وكينيا، والمغرب، وناميبيا، والنيجر، ونيجيريا، ورواندا، والسنغال، وتونس، وأوغندا، وجمهورية تنزانيا المتحدة، وزامبيا. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على اليورانيوم في القارة خلال العقد المقبل.

وعادةً ما تصل قدرة المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة (SMRs) إلى 300 ميجاوات (كهرباء) لكل وحدة، ويمكن تصنيعها في الورش ونقلها كوحدات لتجميعها في الموقع. وتعتمد هذه المفاعلات على مجموعة متنوعة من التقنيات، بدءًا من المفاعلات المُبرّدة بالماء المُجرّبة، وصولًا إلى المفاعلات الأكثر ابتكارًا المُبرّدة بالمعادن أو الغاز أو الملح المُنصهر، كما تستخدم بعض المفاعلات غير المُبرّدة بالماء نيوترونات سريعة.

ولقد صرح رئيس المجموعة التجارية العالمية الرئيسية في هذا القطاع  في مقابلة، أن دولتي غانا ورواندا تقودان سباق نشر أول مفاعلات نووية معيارية صغيرة في أفريقيا. في حين أن جنوب أفريقيا هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي تمتلك محطات طاقة نووية خاصة بها، وتقوم مصر ببناء مفاعلاتها الخاصة، مع أن كلتيهما تمتلكان مرافق تقليدية واسعة النطاق.

ومع ذلك، يشكك الخبراء في جدوى بناء محطات طاقة نووية في أفريقيا. ومن قبيل ذلك ما قاله مايكل شنايدر، منسق المشروع في تقرير حالة الصناعة النووية العالمية (WNISR)عن هذا الأمر : “هناك الكثير من الحديث عن البرامج النووية في أفريقيا، لكن هذه الأفكار أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع الصناعي”. وأضاف قائلا لإذاعة فرنسا الدولية أن العقبة الرئيسية الأولى هي حجم الشبكات. علاوة على ذلك، تُشير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن القدرة المتوسطة للمفاعل النووي الكبير تبلغ حوالي 1000 ميغاواط أو جيجاواط واحد. وتمتلك أربع دول أفريقية فقط شبكات أكبر من 10000 ميغاواط أو 10 جيجاواط، وهي الجزائر وليبيا والمغرب ونيجيريا. أما معظم الدول الأفريقية الأخرى، فلديها شبكات أصغر بكثير.

تبني الطاقة النووية من أجل التحوّل

يُسهم النمو السكاني السريع والتوسع العمراني والتنمية الاقتصادية في زيادة الطلب على الطاقة في القارة الأفريقية مستقبلًا. وتقف تحديات متعددة ومتشابكة أمام تطوير قطاع الطاقة لتلبية هذا الطلب المتزايد. ولا يزال الحصول على الكهرباء يُمثل تحديًا كبيرًا، حيث يفتقر ملايين الأشخاص إلى إمدادات كهربائية موثوقة. ويُعدّ توسيع نطاق الحصول على الكهرباء مع ضمان الاستدامة أمرًا مُعقّدًا، لا سيما مع سعي الدول إلى موازنة متطلبات قطاع الطاقة مع أولويات أخرى مُتنافسة.

قد يكون إنشاء محطات الطاقة النووية وسيلة فعّالة لحل مشكلة نقص الطاقة، إذ الطاقة النووية لا تُساعد فقط في سد عجز الكهرباء في الدول الأفريقية، بل تُسهم أيضًا في الانتقال السلس من محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري المُلوّثة للبيئة إلى التقنيات الخالية من الكربون. وهناك استخدامات ثانوية للطاقة النووية، مثل محطات تحلية المياه، وتسخين العمليات، أو الاستخدامات الصناعية (التعدين، وإنتاج الهيدروجين).

و مؤخرًا، قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبنك الدولي برفع أو تخفيف بعض العوائق أمام تمويل الطاقة النووية في الدول النامية، بما فيها المساعدة في توفير الخبرات، والأطر القانونية والتنظيمية، وتسريع وتيرة إنشاء المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة. ويشارك موردون وبائعون خارجيون، مثل شركة روساتوم الروسية، وشركات صينية، وغيرها، بشكل كبير في تقديم تقنيات المفاعلات والقروض والشراكات.

على سبيل المثال، تُعد محطة كويـــبرغ للطاقة، في شمال كيب تاون، محطة الطاقة النووية التجارية الوحيدة في أفريقيا حاليًا، وتساهم وحدتاها بحوالي 1860 ميجاوات، أي ما يعادل 5% من إمدادات الطاقة الوطنية. وفي بيان صدر في العام الماضي، صرّح دان ماروكان، الرئيس التنفيذي لشركة إسكوم، قائلاً: “تُجسّد كويبرغ كيف يُمكن للطاقة النووية أن تُوازن الأولويات الاقتصادية والبيئية لخلق مستقبل مستدام للطاقة”.

تقوم شركة روساتوم الروسية ببناء محطة أخرى في مصر، ومن المقرر أن يبدأ تشغيل أول مفاعل من أصل أربعة مفاعلات في عام 2026. كما كان من المقرر تطوير هذا المشروع النووي في محافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بُعد حوالي 250 كيلومترًا غرب الإسكندرية. ويشمل المشروع بناء محطة طاقة نووية بقدرة 4.8 جيجاواط، تتألف من أربعة مفاعلات نووية من طراز VVER-1200 بتصميم  AES-2206، قادرة على إنتاج 1.2 جيجاواط لكل منها.

في حين أن كينيا تسير على الطريق الصحيح لبدء بناء أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2027، على أن يبدأ توليد الكهرباء بحلول عام 2034، كما صرّح مسؤولون من وكالة الطاقة النووية (NuPEA) خلال جلسة استماع برلمانية عُقدت عام 2024. وتعتزم كينيا بناء محطة نووية بقدرة 1000 ميجاواط في بوندو، مقاطعة سيايا. وسيُرسّخ تطوير كينيا لهذا المشروع النووي مكانتها كمركز نووي في المنطقة وفي أفريقيا بشكل عام.

وإن هذا التوجه الناشئ يعكس تحولاً قارياً في سياسات الطاقة، ويُقرّ بأن الطاقة النووية عنصرٌ أساسيٌّ في استراتيجيات الطاقة الشاملة لمعالجة العجز المستمر في الوصول إلى الكهرباء في القارة. وإن التنفيذ الناجح لأطر تطوير الطاقة النووية المناسبة، من شأنه أن يُمكّن أفريقيا من تلبية ما بين 15% و20% من احتياجاتها من الكهرباء بحلول عام 2040، مع خفض انبعاثات الكربون بمقدار 180 مليون طن سنوياً، أي ما يعادل إزالة 40 مليون سيارة من الطرق.

ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال المخاوف قائمة، حيث تُحذّر اثنتا عشرة منظمة من منظمات المجتمع المدني من أن المشاريع النووية تتطلب استثمارات ضخمة بالعملة الأجنبية، مما قد يُفاقم أعباء الديون ويُعمّق الاعتماد التكنولوجي. وفي الفترة من عام 2017 إلى عام 2024، بُنيت أكثر من 90% من المفاعلات النووية الجديدة حول العالم من قِبل روسيا والصين. وفي أفريقيا، لا تزال روسيا هي المهيمن الوحيد، من خلال شركة روساتوم، بينما تسعى الصين والولايات المتحدة إلى ترسيخ مكانتهما في سوق المفاعلات النووية الصغيرة المتنامي.

وكذلك حذّر فيليب جاكبور، من منظمة مبادرة رينفلين للتنمية غير الحكومية، قائلاً: “لقد واجهنا صعوبات طويلة الأمد في البنية التحتية للنفط والغاز…. ويجب أن يكون الأمن في محطة الطاقة النووية أشبه بقاعدة عسكرية”. ويُثير المنتقدون مخاوف بشأن إدارة النفايات والتأخيرات المتكررة في المشاريع النووية، والتي غالبًا ما تُقلّل الحكومات من شأنها. وبالمثل، ترى بعض الدول في ذلك نقلة تكنولوجية؛ إذ يُمكن أن يكون لتطوير الخبرات والقدرات المحلية فوائد غير مباشرة.

مواجهة التحديات

بشكل عام، تُعدّ القدرة على تحمل التكاليف تحديًا رئيسيًا آخر، إذ تُعيق تكاليف الكهرباء والوقود المرتفعة الاستهلاك الفردي والقدرة التنافسية للصناعات. ويمثل تطوير البنية التحتية وتمويلها عقباتٍ حرجة، مع عدم كفاية الاستثمارات في شبكات توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها. وتواجه العديد من مشاريع الطاقة صعوبةً في تأمين التمويل، وبالتالي يُؤدي ذلك إلى مزيد من التأخير وانعدام الكفاءة.

ويأتي تجدّد الاهتمام بالطاقة النووية في الوقت الذي لا يزال فيه ما يقرب من 600 مليون أفريقي يفتقرون إلى كهرباء بشكل دائم. ويرى البنك الدولي أن الطاقة النووية أساسية لتوفير طاقة الحمل الأساسي المستقرة اللازمة للنمو الصناعي والمستشفيات والخدمات الأساسية، ويتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء في البلدان النامية بحلول عام 2035.

فالطريق إلى اعتماد الطاقة النووية مُعقّد ومليء بالصعوبات. فتحديات التمويل، واضطرابات سلسلة التوريد، ونقص الكفاءات غير المستقر، والأهم من ذلك، النقص المتزايد في اليورانيوم اللازم لتشغيل منشآت الطاقة النووية، جميعها تُشكّل تحدياتٍ تُواجه قطاع الطاقة الذي يُنظر إليه حاليا على أنه أساسي لمعالجة نمو الطلب على الكهرباء مع تقليص اعتماد الشبكات على الوقود الأحفوري.

قال شنايدر: “تبلغ قدرة شبكة كينيا حوالي 3.3 جيجاواط، لذا كان من المتوقع أن تبلغ قدرة أكبر وحدة حوالي 300 ميجاواط، وهو أقل بكثير من مفاعل نووي كبير”. وأضاف قائلا: “في رواندا، تبلغ القدرة الإجمالية للشبكة الوطنية 300 ميجاواط. لذا، نحن في وضع لا تمتلك فيه محطة طاقة نووية عادية حجم الشبكة المطلوب في معظم الدول الأفريقية”.

مؤخرًا، دافع الرئيس التنفيذي لشركة  MTNفي نيجيريا عن ضرورة زيادة الطاقة النووية في أفريقيا لتزويد مراكز البيانات الجديدة في القارة قيد الإنشاء. لقد تخلفت أفريقيا عن المناطق الأكثر ثراءً في الاندفاع العالمي لبناء البنية التحتية الرقمية اللازمة للذكاء الاصطناعي، حيث تضم أقل من 1% من سعة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في العالم. وتتركز معظم مراكز البيانات في أفريقيا في جنوب أفريقيا، أكبر اقتصاد في القارة.

فالطريق إلى توليد الطاقة النووية ليس بالأمر السهل. فقد عانت المشاريع النووية الأخيرة حول العالم من تأخيرات طويلة وتجاوزات هائلة في التكاليف. ورغم أن الطاقة النووية قادرة على توفير إمدادات مستقرة من الطاقة الأساسية، فإن فاتورة البناء الضخمة سوف تجعل تمويل المشاريع أمراً صعباً بالنسبة للحكومات الأفريقية.

لطالما اشتكت الحكومات الأفريقية من أن وكالات التصنيف الائتماني تخفض تصنيفها بشكل غير عادل مقارنةً بنظرائها من غير الأفارقة، مما يرفع  تكاليف الاقتراض لديها. وصرح لوييسو تياباشي، الرئيس التنفيذي لشركة جنوب أفريقيا للطاقة النووية قائلا: “دعونا ننفذ هذه المشاريع، مع الأخذ في الاعتبار أن المشاريع الأولى ستعاني من مخاطر عالية المستوى. وبعد ذلك علينا أن نتحدى بشكل منهجي لكل العوائق”.

ويجادل شنايدر بأن الدول الأفريقية بحاجة إلى أنظمة لامركزية لإنتاج الطاقة، وهي مزيج من أنظمة الطاقة المتجددة وأنظمة الطاقة التي يمكن بناؤها بسرعة، على عكس محطات الطاقة النووية. وأضاف قائلا: “الفرصة الرائعة في قارة مثل أفريقيا هي أنه في العديد من الأماكن، يجب إنجاز كل شيء من البداية”. “وإن حقيقة عدم وجود شبكات أو وجود شبكات صغيرة للغاية يمكن أن تشكل فرصة لتنفيذ شبكات متقدمة ومرنة للغاية مصممة للمستقبل، مع إنتاج لامركزي للطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو غيرها من الطاقات، والكتلة الحيوية.”

ظهرت المقالة لعبة بالغة المخاطر: خطوة أفريقيا الجريئة نحو اعتماد الطاقة النووية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6555/%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1%d9%8a/feed/ 0 6555
سياسة ترامب للترحيل: تأثيرها على سيادة الدول الأفريقية https://alafarika.org/ar/6527/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9/ https://alafarika.org/ar/6527/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9/#respond Tue, 09 Sep 2025 14:14:18 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6527

يشكل مبدأ سيادة الدولة حجرا أساسيا ومهما في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية.  فهو يعطي و يضمن لكل دولة الحق في الحكم الذاتي دون تأثير خارجي أو تدخل أجنبي. واليوم، لا تزال الجيو-سياسية عاملاً مهماً في العلاقات الدولية، إذ تسعى الدول إلى كسب مزايا استراتيجية على حساب بعضها البعض. لذلك، كان فهم الجيو-سياسية ضروريّا ولازما […]

ظهرت المقالة سياسة ترامب للترحيل: تأثيرها على سيادة الدول الأفريقية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يشكل مبدأ سيادة الدولة حجرا أساسيا ومهما في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية.  فهو يعطي و يضمن لكل دولة الحق في الحكم الذاتي دون تأثير خارجي أو تدخل أجنبي. واليوم، لا تزال الجيو-سياسية عاملاً مهماً في العلاقات الدولية، إذ تسعى الدول إلى كسب مزايا استراتيجية على حساب بعضها البعض. لذلك، كان فهم الجيو-سياسية ضروريّا ولازما لفهم التحولات التي تحرك العلاقات الدولية وتشكل تقسيم القوة في العالم، حيث تؤثر عواملها -مثل الموقع الجغرافي، والموارد الطبيعية، والاعتبارات الاستراتيجية- على سياسة الدولة الخارجية، وقراراتها الأمنية، وتفاعلاتها الاقتصادية بشكل كبير. وعلى الرغم من الحق السيادي لجميع الدول في حكم أراضيها، والهيمنة على شؤونها، والسيطرة على حدودها، وتنفيذ قوانينها وسياساتها، تتمثل الدول القوية  كحجر عثرة لسيادة الدول النامية بفرض نفوذها السياسي والاقتصادي عليها، وتشكل لها تهديدات صعبة خلال ذلك.

لقد فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في عام 2024، وشرع منذ توليه المنصب في ترحيل المواطنين غير الأميركيين عبر رحلات جوية مستأجرة كانت أو تجارية، تنفيذا لوعوده الانتخابية التي شملت الترحيل الجماعي للمهاجرين، ومعظم المجرمين المدانين. وكافح كثيرا لزيادة مستويات الترحيل، حتى أنه فتح مسارات جديدة للترحيل كإرسال المهاجرين إلى دول غير أوطانهم الأصلية، مثل إرسال الفنزويليين إلى المكسيك أو السلفادور أو بنما. وبلغ عدد المرحلين خلال أربعة أشهر فقط نحو 200 ألف شخص،حسبما قاله مسؤول الحدود لحكومة ترامب، توم هومان، في أواخر مايو.

ومن الجدير بالذكر أنّ سياسة الترحيل إلى دولة ثالثة، شملت أفريقيا أيضاً، حيث برزت عدة دول أفريقية كخيارات مقترحة. ففي مايو 2025، تواصلت إدارة ترامب مع عدد من الدول الأفريقية لقبول المرحّلين، ورحبت به إسواتيني وجنوب السودان ورواندا، بينما رفض معظم هذه الدول الفكرةَ بشدة. وفي يوليو 2025، استقبلت كل من إسواتيني وجنوب السودان 12 مهاجراً – من المكسيك وميانمار واليمن – رُحِّلوا من الولايات المتحدة. وهذه خطوة تظهر اختلالاً في موازين القوى بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، مما يثير المخاوف بشأن تأثير واشنطن على سيادة هذه الدول وعلى القارة الأفريقية ككل.

أجندة الهجرة لدى ترامب: آليات سياسة الترحيل الأميركية

اعتمد الرئيس دونالد ترامب فلسفة “أميركا أولا” كحجر أساسي تنبني عليها أجندة إدارته وسياساتها، حيث كانت لهذه الفلسفة دور ملموس في تشكيل أجندة الإدارة الأميركية الحالية وفي تبني السياسات. وقد أدى هذا الوضع إلى تغييرات كبيرة في العلاقات الثنائية للولايات المتحدة مع دول أخرى، وخاصة الدول الأفريقية.  وتعني فلسفة “أميركا أولاً” بكل بساطة إعطاء الأولوية للأمن القومي والمصالح الاقتصادية الأميركية من خلال صياغة واعتماد وتنفيذ سياسات جديدة في مختلف القطاعات، يُنظر إليها على أنها تخدم المصالح الأميركية بدرجة كبرى.

ومن قبيل ذلك ما تم في اليوم الرابع من يوليو 2025، حيث وقّع الرئيس ترامب على قانون سمي “مشروع القانون الوحيد الجميل الكبير” (OBBBA)، وقد أحدث القانون في قوانين الهجرة والمساعدات الفيدرالية تغييرات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات لأجيال، حيث جرد القانون الجديد العديدَ من المهاجرين المقيمين بشكل قانوني من حقهم في الحصول على التأمين الصحي والمساعدات الغذائية، وحرم ملايين الأطفال من ذوي الأصول المهاجرة من الاستفادة من إعفاءات ضريبية لمكافحة الفقر. كما خصص تمويلاً ضخماً لتوسيع ميزانية احتجاز المهاجرين وتنفيذ القوانين، بينما قوّض مبادئ العدالة والحماية الإنسانية.

وأشار المركز الوطني لقانون الهجرة في أمرييكا إلى أنّ القانون الجديد يمنح فور توقيعه وزارة الأمن الداخلي 45 بليون دولار لاحتجاز المهاجرين البالغين والأسرة، متاحة حتى 30 سبتمبر 2029. ويزيد هذا المبلغ من ميزانية الاحتجاز السنوية لإدارة الهجرة والجمارك أكثر من أربعة أضعاف، بزيادة تقدر بنحو 11.25 بليون دولار سنوياً. وستستفيد من هذه الأموال شركات السجون الخاصة، التي عبّر مسؤولوها التنفيذيون عن سعادتهم بأجندة الترحيل الجماعي لإدارة ترامب.

وإلى جانب الترحيل، استخدمت الإدارة الأميركية حظر السفر وقيود التأشيرات كأداة للضغط على الدول الأفريقية لقبول المرحّلين. وإن حظر السفر الذي صدر في يونيو 2025، والذي زاد على القيود السابقة، كان له تأثير سلبي على الدول الأفريقية، حيث منعت القائمة من دخول مهاجرين أو زائرين من 19 دولة أفريقية والشرق الوسطى، وحددت قدر المهاجرين من بعض الدول الأفريقية، وذلك يؤثر على أنواع مختلفة من التأشيرات مثل السياحة والأعمال والدراسة.

وبعد هذا الحظر، ظهر من مذكرة داخلية أن الإدارة الأميركية تخطط لإضافة 36 دولة أخرى إلى القائمة،  24 دولة منها في أفريقيا جنوب الصحراء. وتعتبر رغبة الدول في قبول المرحلين من الولايات المتحدة عاملا هاما في تحديد هذه الحظرات المستقبلية كما أفادت المذكرة. وهذا يعني أنّ الدول الأفريقية التي تقبل المرحّلين يمكن أن تُزال من قائمة الحظر. ويكشف مثل هذا الإجراء أسلوب الولايات المتحدة الإجباري في سياستها للهجرة، ويثبت أيضا أن سياسات التأشيرات التي يُفترض أن تكون لأسباب أمنية داخلية قد تحولت إلى أداة إجبارية للسياسة الخارجية.

 الدول الثالثة المعتبرة كالحل : سيادة أفريقيا على المحك

أصبحت القارة الأفريقية هدفا رئيسيا لسياسات الهجرة الجديدة لترامب. و كانت دولة إسواتيني أول دولة أفريقية وافقت على استقبال خمسة مرحّلين من الولايات المتحدة. لكن النشطاء من إسواتيني وجنوب أفريقيا المجاورة لها، وصفوا هذه الحركة غير دستورية، وأثبتوا عدم دعم جماعي من مجلس الوزراء وعدم موافقة البرلمان قبل اتخاذ رئيس الوزراء هذا القرار.

علاوة على ذلك، لقد جاء من تقرير  The African Report أن السرية التي أحاطت بالاتفاقية أثارت قلقاً كبيراً في إسواتيني، حيث لم يُذكر فيها أي مقابل مالي، بخلاف صفقات مشابهة عقدتها الولايات المتحدة مع السلفادور وبنما، حيث تم تبادل ملايين الدولارات. ولهذا السبب، رفع “مركز التقاضي في إسواتيني” دعوى قانونية ضد الحكومة، وانضمت منظمات غير حكومية أخرى إلى المعركة القانونية. ومن المقرر الاستماع إلى القضية يوم الجمعة 22 أغسطس.

لقد تبعت جنوب السودان دولة إسواتيني، و أصبحت الدولة الأفريقية الثانية الموافقة على صفقة “الدولة الثالثة” مع الولايات المتحدة، رغم أنّ تفاصيل الاتفاق لم تُعلن للرأي العام. وفي يوليو 2025، أعلنت حكومة جنوب السودان أن الولايات المتحدة رحّلت ثمانية رجال إلى البلاد، بينهم رجل جنوب سوداني. وذكرت وزارة الخارجية أنّ المرحّلين وُضعوا تحت رعاية الحكومة. ثم عبّرت الحكومة عن رغبتها واستعدادها لقبول المزيد من المرحّلين مقابل طلبات؛ أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن مسؤول حكومي بارز، وإعادة تأشيرات أميركية مسحوبة، ورفع حظر حساب مصرفي في الولايات المتحدة، ودعم إجراءات قانونية ضد النائب الأول للرئيس المحتجز حاليا رياك مشار. لكن إدارة ترامب لم تخط أي حركة إيجابية استجابة لهذه الطلبات حتى الآن.

وبالنسبة لرواندا، لقد وضعت نفسها في السنوات الأخيرة كوجهة للهجرة، ولم يكن الأمر مفاجئا لما أعلنت في أوائل أغسطس عن اتفاقها مع الولايات المتحدة على قبول 250 مهاجراً. وسبق أن ذكر وزير الخارجية الرواندي في مايو أنّ بلاده والولايات المتحدة تجريان مفاوضات بشأن الاتفاق. وكذلك أكد المتحدث باسم الحكومة، يولاند ماكولو، أنّ لدولة رواندا القدرة على تقييم كل شخص يتم قبوله لإعادة التوطين. وسيحصل كل منهم على الرعاية الصحية، والمساعدة في السكن، والتدريب على العمل لبدء حياتهم في رواندا.

ومؤخراً، وافقت أوغندا أيضاً على استقبال مرحّلين من الولايات المتحدة. وكان الاتفاق -وفقاً لوزارة الخارجية الأوغندية- مشروطا بعدة معايير، منها ألّا يكون طالبو اللجوء من أصحاب السوابق الجنائية، وألّا يكونوا قُصَّراً غير مصحوبين. ويبدو أن الحملة الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها الولايات المتحدة لإجبار الحكومات الأفريقية بدأت تؤتي ثمارها تدريجياً. ولن يكون من المفاجئ أن تنضم دول أفريقية أخرى إلى أجندة الترحيل.

لم تزل نيجيريا إحدى الدول الأفريقية الرئيسة التي رفضت خطة الترحيل هذه بشدة، حيث رفضت المساومة على سيادتها، مشيرة إلى تحدياتها الداخلية. ففي مقابلة مع قناة Channels TV في يوليو 2025، أكد وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار أنّ دلة نيجيريا لن تركع للضغط الأميركي لقبول مرحّلين فنزويليين أو سجناء أميركيين داخل أراضيها. وقال ما نصه : “يصعب على بلد مثل نيجيريا أن تقبل سجناء فنزويليين. لدينا ما يكفي من مشاكلنا؛ لا يمكننا قبول مرحّلين فنزويليين إلى نيجيريا، بكل بساطة.”

و أضاف قائلا: “يجب أن تعرفوا يقينا أن الولايات المتحدة تضغط بشكل كبير على الدول الأفريقية لقبول الفنزويليين المرحّلين من أميركا،و بعضهم خرجوا  مباشرة من السجون.”

ورداً على ذلك، أصدرت بعثة الولايات المتحدة في نيجيريا عبر حسابها على منصة X أمراً لمقدمي طلبات التأشيرة، بأنه يلزمهم الكشف عن جميع هوياتهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الخمس الماضية كجزء من عملية التقديم. وذكرت البعثة أنه يتعيّن على المتقدمين تقديم جميع هويات وحسابات التواصل الاجتماعي، وعناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف المرتبطة بالحسابات المستخدمة خلال تلك الفترة.

ومقابل هذا، وعدت نيجيريا بفرض متطلبات تأشيرة مماثلة على المواطنين الأميركيين. وأعلن كيميبي إيبيينفا، المتحدث باسم وزارة الخارجية النيجيرية، أنّ الحكومة النيجيرية ستطبق نفس المتطلبات على الأميركيين المتقدمين للحصول على تأشيرات نيجيرية. وقال: “قد يرغب بعض الأشخاص من الولايات المتحدة في التقدم للحصول على تأشيرة، وسنطبق الإجراءات نفسها.  فقضية التأشيرة مبدأ المعاملة بالمثل. ما تفرضونه على مواطنينا، سنفرضه أيضاً على مواطنيكم عند طلب تأشيرة لبلدنا.”

في الختام، لم تؤثر أجندة الترحيل التي تبناها ترامب على المهاجرين الأفارقة الأفراد فقط، بل قوّضت سيادة أفريقيا بشكل منهجي من خلال الضغط على الدول الأفريقية لقبول المرحّلين، واعتماد دبلوماسية قسرية، واستخدام التجارة والسياسات الصارمة للتأشيرات كأدوات لإجبار هذه الدول على الامتثال، فضلاً عن تجاهل المبادئ القانونية الدولية، ما يشكل سابقة خطيرة في الحوكمة الدولية. وتشكّل اتفاقيات “الدول الثالثة” القسرية تحدياً بالغاً لسيادة الدول الأفريقية، حيث تُجبرها على تحمل أعباء قد تنتهك التزاماتها القانونية والإنسانية الخاصة. ويكشف هذا المشهد عن اختلال في موازين القوى، حيث تقوّض ادعاءات السيادة التوسعية لدولة ما سيادة دولة أخرى.

ظهرت المقالة سياسة ترامب للترحيل: تأثيرها على سيادة الدول الأفريقية أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6527/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9/feed/ 0 6527
حملة “تصحيح الخريطة”: حركة من أجل خريطة دقيقة لأفريقيا https://alafarika.org/ar/6522/%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%af/ https://alafarika.org/ar/6522/%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%af/#respond Mon, 08 Sep 2025 06:57:42 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6522

تكشف الخرائط أو المخططات الجغرافية عن السمات الطبيعية للفضاء، وخاصةً ترتيباته الاجتماعية المكانية. وبهذا المعنى، تُبرز الخرائط التغيراتِ المكانية والزمانية، ووظائف البنى الاجتماعية، ومجموعة التناقضات المتشابكة في الظواهر الجغرافية. وكان إسقاط مركاتور قد أنشئ في الأصل عام 1569 على يد رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس مركاتور. واستخدم العديد من كبار رسامي الخرائط والمستكشفين في أوروبا إسقاطات […]

ظهرت المقالة حملة “تصحيح الخريطة”: حركة من أجل خريطة دقيقة لأفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تكشف الخرائط أو المخططات الجغرافية عن السمات الطبيعية للفضاء، وخاصةً ترتيباته الاجتماعية المكانية. وبهذا المعنى، تُبرز الخرائط التغيراتِ المكانية والزمانية، ووظائف البنى الاجتماعية، ومجموعة التناقضات المتشابكة في الظواهر الجغرافية. وكان إسقاط مركاتور قد أنشئ في الأصل عام 1569 على يد رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس مركاتور. واستخدم العديد من كبار رسامي الخرائط والمستكشفين في أوروبا إسقاطات إهليلجية مستمدة من شبكة خطوط الطول والعرض لبطليموس. وعلى الرغم من دقتها، كانت هذه الإسقاطات صعبة الاستخدام على الملاحين والمستكشفين لأنها تتطلب إعادة حساب الاتجاه باستمرار أثناء التنقل.

ومع ذلك، يُستخدم إسقاط مركاتور على نطاق واسع في خرائط الملاحة، لأن كل خطّ مستقيم على خريطة إسقاط مركاتور، خطّ اتجاه حقيقي ثابت، مما يُمكّن الملاح من رسم مسار مستقيم، غير أنه أقل استخداما في خرائط العالم، لأن مقياس الرسم مشوّه، حيث تبدو  المناطق البعيدة عن خط الاستواء كبيرة بشكل غير متناسب.

حملة “تصحيح الخريطة”

في عام 2017، أعلنت مدارس بوسطن العامة أنها ستتحول إلى استخدام خرائط العالم المستندة إلى إسقاط بيترز، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها منطقة مدرسية عامة أمريكية بذلك، حسبما ورد. ويتجلى عند التساؤل عن السبب وراء هذا التحول، أن إسقاط بيترز يُظهر بدقة الأحجام النسبية لمختلف الدول. ورغم أنه يُشوّه أشكال الدول، إلا أن هذه الطريقة في رسم خريطة العالم تتجنب المبالغة في حجم الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية، كما تتجنب أيضا تقليل حجم الدول الأقل نموًا في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

هذا ما يحدث مع إسقاط مركاتور الأكثر شيوعًا، حيث يُبالغ في حجم الأرض حول القطبين ويُقلصه حول خط الاستواء. لذلك، يبدو “الشمال العالمي” المُتقدم أكبر من الواقع، بينما تبدو المناطق الاستوائية أصغر، وهي المناطق التي تميل إلى أن تكون أقل نموًا. ويُمثل هذا الوضع إشكالية خاصة بالنظر إلى أن أولى خرائط العالم المستندة إلى إسقاط مركاتور قد رسمها المستعمرون الأوروبيون.

لماذا تحدث هذه المشكلة؟ فالجواب بكل بساطة هو أن العالم كروي والخريطة مسطحة. تخيّل أنك ترسم خريطة للعالم على برتقالة، ثم تقشر القشرة لتبقى قطعة واحدة ثم تسويها، بالطبع ستتمزق. لكن تخيّل أنك تستطيع تمديدها. أثناء ذلك، ستتشوه الخريطة المرسومة على سطحها.

فالتشوهات الناتجة عن هذا الإجراء هائلة. والإسقاطات المختلفة تشوه الخرائط بطرق مختلفة. لذلك يُصوّر إسقاط مركاتور جرينلاند على أنها أكبر من أفريقيا، لكن الواقع يقرر بأن أفريقيا أكبر من جرينلاند بأربعة عشر ضعفًا. وهذا يُغيّر الطريقة التي ترى بها حجم أجزاء مختلفة من العالم. بناء على ذلك يبدو أن هذا الأمر ليس مجرد معضلة رسّام خرائط – إنها مشكلة سياسية.

قام رسام خرائط عصر النهضة، جيراردوس مركاتور، بهذا العمل للحفاظ على أشكال الدول، حتى يُمكن استخدام الخريطة لحساب اتجاهات البوصلة بدقة. وتُعد اتجاهات البوصلة الدقيقة بالغة الأهمية للبحارة في القرن السادس عشر. ولكن إذا كنت ترغب في الحصول على فكرة أفضل عن الحجم النسبي لكتـل اليابسة في العالم، فأنت بحاجة إلى خريطة تُشوّه الشكل مع الحفاظ على المساحة، كما يفعل إسقاط بيترز.

انضم الاتحاد الأفريقي إلى حملة تحث المؤسسات العالمية نحو اعتماد خريطة جديدة لأفريقيا تعكس حجم القارة بدقة أكبر. تُظهر خريطة مركاتور، المستخدمة على نطاق واسع منذ عام 1599، نسخة مُشوّهة لقارة أفريقيا لتبدو أصغر بكثير بسبب الشكل الكروي للكرة الأرضية. وتهدف هذه الحملة إلى إيجاد خريطة جديدة تعكس مقياس الأرض بدقة أكبر، حتى على سطح ثنائي الأبعاد. وصرحت نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، سلمى مليكة حدادي، لرويترز ما نصّه: “قد تبدو مجرد خريطة، لكنها في الواقع ليست كذلك”، موضحةً أن الخريطة تُروّج فكرة خاطئة مفادها أن أفريقيا “هامشية”. وأضافت حدادي أن تأييد الاتحاد الأفريقي للحملة يُعزز أهدافه في “استعادة مكانة أفريقيا المستحقة على الساحة العالمية”، في الوقت الذي تدعو فيه دول عديدة إلى محاسبة دولية للآثار الطويلة المدى للاستعمار والعبودية.

لماذا تستحق أفريقيا خريطة جديدة؟

تُعدّ الخرائط أهم إسهامات الجغرافيا في تفسير الوجود البشري في الفضاء. ويُعدّ رسم خرائط أفريقيا قضيةً محوريةً في النظام العالمي، حيث تُبرز القارة أهميةً في مختلف المواضيع، بما في ذلك ديناميكيات الاقتصاد القاري وتكامله مع عملية التقسيم الإقليمي. ويُغفل إلى حد كبير الإنتاج الخرائطي المُركّز على التجربة الأفريقية، وغالبًا ما يُغفل بسبب المنظور المُستبعد الذي يُحيط بالقارة وشعوبها وثقافاتها. لذلك، تتطلب خريطة أفريقيا نقاشًا واعترافًا عادلين.

وإن هذه الخريطة -بصفتها نتاجًا ثانويًا للأفكار الأفريقية الشاملة في حقبة ما بعد الاستعمار- كان الهدف الرئيسي منها تحديدَ المجموعات الجغرافية الكبرى، مع مراعاة الديناميكيات الجغرافية التي تجب ترجمتها إلى صيغة إقليمية ممكنة تقنيًا. وكانت نقطة انطلاق الخريطة الإقليمية لأفريقيا هي عمليات استقلال دول أفريقيا الجديدة. ففي عام 1960، بدأ العام المعجز في أفريقيا، حيث بدأت ما لا يقل عن 17 دولة جديدة ذات سيادة بالتصرف بخصوص الجغرافيا السياسية للقارة.

وبعد ثلاث سنوات، وتحديدًا في 25 مايو 1963، تأسست منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) من قِبل 32 دولة حديثة الاستقلال في أديس أبابا، إثيوبيا، في قمةٍ قادها الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي. واستُبدل بمنظمة الوحدة الأفريقية الاتحاد الأفريقي (AU) في 9 يوليو 2002، مع وجود مقره الرئيسي في أديس أبابا. وكان من أهم أهداف الاتحاد التكامل والتقدم نحو الوحدة الأفريقية.

فالخريطة السياسية لأفريقيا حاليًا تُظهر 54 دولة ذات سيادة، وهو أكبر عدد من الدول المستقلة الواقعة في قارة واحدة. وتجدر الإشارة إلى أن المقعد الأفريقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة  (UNGA)، الذي يمثل ما يقرب من ربع الدول الأعضاء، هو أهم مجموعة في هذا الكيـان العالمي. ولهذا السبب أيضًا، تُعتبر أديس أبابا قطبًا دبلوماسيًا مؤثرًا، ومركزًا مرموقًا لصنع القرار في النظام العالمي.

وكذلك تجب الإشارة إلى أن آثار التدخل الاستعماري لا تزال قائمة في القارة. وبالتالي تشير هذه المسألة إلى السلطة التي مارسها الأوروبيون على الجزر الصغيرة والأرخبيلات والقلاع الساحلية، والتي، على الرغم من محدودية نطاقها الجغرافي، تُعد استراتيجية للغاية لأنها مسؤولة عن الممرات البحرية وتضمن الوصول إلى موارد بحرية هائلة.

لا يُعد انتقاد خريطة مركاتور أمرًا جديدًا، لكن حملة “تصحيح الخريطة” – التي تقودها منظمتا “أفريقيا بلا فلتر” و”تحدثوا  عن أفريقيا” – أحيت النقاش، وحثت المنظمات على اعتماد إسقاط الأرض المتساوية لعام 2018، الذي يحاول عكس الأحجام الحقيقية للدول. وصرح موكي ماكورا، المدير التنفيذي لمنظمة “أفريقيا بلا فلتر”: “الحجم الحالي لخريطة أفريقيا خاطئ. إنها أطول حملة تضليل ومعلومات مضللة في العالم، ويجب أن تتوقف بكل بساطة”.

قالت فارا ندياي، المؤسسة المشاركة لمبادرة “تحدثوا عن أفريقيا”: “إن جهاز ميركاتور أثر على هوية الأفارقة وفخرهم، وخاصةً الأطفال الذين قد يواجهونه في مرحلة مبكرة من الدراسة. وأضافت: “نعمل بنشاط على الترويج لمنهج دراسي يكون فيه عرض “الأرض المتساوية” المعيار الرئيسي في جميع الفصول الدراسية (الأفريقية)”، معربةً عن أملها في أن يكون هو المعيار الذي تستخدمه المؤسسات العالمية، بما فيها المؤسسات الأفريقية. وكذلك أكدت السيدة حدادي أن الاتحاد الأفريقي مؤيد للحملة، مضيفةً أنها تتماشى مع هدف الاتحاد المتمثل في “استعادة مكانة أفريقيا المستحقة على الساحة الدولية” وسط دعوات متزايدة لتعويضات عن الاستعمار والعبودية.

دعوة للتحرك

على الرغم من أن إسقاط مركاتور يُبسط الملاحة، إلا أن خطوط الرومب لا تُظهر أقصر مسافة بين نقطتين على الأرض، وهي التي تُسمى مسار الدائرة العظمى. وعلى عكس خطوط الرومب، تظهر هذه الخطوط منحنية في الإسقاط التوافقي. وبالطبع، فإن أقصر طريق حرفيًا من بروفيدانس إلى روما هو في الواقع خط مستقيم: ولكن يجب السفر تحت سطح الأرض لقطعه. وعندما نتحدث عن أقصر مسافة بين نقطتين على الأرض، فإننا نتحدث عمليًا عن السفر عبر سطح الأرض أو فوقه.

وهناك طريقة أخرى لتمثيل العالم وهي عرض أحجام الدول بما يتناسب مع المؤشرات الرئيسية التي تهم الجغرافيين اليوم، مثل السكان والبيئة والتنمية. وكما هو متوقع، تُهيمن أمريكا الشمالية وأوروبا على خريطة العالم للناتج المحلي الإجمالي، بينما تكاد أفريقيا تختفي. يُبرز رسم بياني السكان الهند والصين بشكل أكبر، ويجعل إندونيسيا أكبر بكثير من جارتها أستراليا. ولكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو خريطة المشاركة في التصويت، حيث الاقتصادات الناشئة أكبر ــ وأميركا الشمالية أصغر ــ مما قد يتصوره كثير من الناس.

فإن استمرارية الأشكال المكانية الموروثة من الماضي الاستعماري هي أساس الهجرات الكبرى للأفارقة الفقراء. لذلك، كان من الضروري معالجة هذه المشكلة من جذورها في أفريقيا، بما يضمن حوكمة الدول التي لا تزال هشة في بيئات منشأ هؤلاء المهاجرين، ويعزز التكامل الفعال، ويواجه البنية الاقتصادية للصراعات مع مراعاة التنمية والتقدم الاجتماعي.

وفي الختام، تدعو حملة “تصحيح الخريطة” منظماتٍ مثل البنك الدولي والأمم المتحدة إلى اعتماد خريطة “الأرض المتساوية”. وصرح متحدث باسم البنك الدولي بأنهم يستخدمون بالفعل خريطة “وينكل-تريبل” أو “الأرض المتساوية” للخرائط الثابتة، ويتخلصون تدريجيًا من خريطة “مركاتور” على خرائط الويب.

ظهرت المقالة حملة “تصحيح الخريطة”: حركة من أجل خريطة دقيقة لأفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6522/%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a9-%d8%af/feed/ 0 6522
ميناء لومي : تأثيره الخفي على المشهد السياسي في غرب أفريقيا https://alafarika.org/ar/6488/%d9%85%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d9%88%d9%85%d9%8a-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3/ https://alafarika.org/ar/6488/%d9%85%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d9%88%d9%85%d9%8a-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3/#respond Mon, 25 Aug 2025 06:56:15 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6488

تقع مدينة لومي في جنوب غرب بلاد توغو الواقعة في غرب أفريقيا، وكانت هي العاصمة للبلاد وأكبر مدينة لها وبها أكبر ميناء للدولة. ولقد نالت توغو استقلالها عن فرنسا في عام 1960، وتعد اليوم من البلاد التي تتمتع بأعلى مستويات المعيشة في القارة، بفضل رواسب الفوسفات القيمة وقطاع التصدير المتطور، الذي يعتمد على المنتجات الزراعية […]

ظهرت المقالة ميناء لومي : تأثيره الخفي على المشهد السياسي في غرب أفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تقع مدينة لومي في جنوب غرب بلاد توغو الواقعة في غرب أفريقيا، وكانت هي العاصمة للبلاد وأكبر مدينة لها وبها أكبر ميناء للدولة. ولقد نالت توغو استقلالها عن فرنسا في عام 1960، وتعد اليوم من البلاد التي تتمتع بأعلى مستويات المعيشة في القارة، بفضل رواسب الفوسفات القيمة وقطاع التصدير المتطور، الذي يعتمد على المنتجات الزراعية مثل القهوة والكاكاو والفول السوداني. وكانت مدينة لومي نقطة مهمة للعبور لعدد من الدول المجاورة. وقد تم افتتاح مينائها المعروف باسم “ميناء لومي المستقل “[PAL] في عام 1968. ويوجد ميناء ثانٍ يُستخدم لشحن الفوسفات، على بعد 35 كيلومتر في شمال شرق لومي في كبيمي. فالمجال البحري يشكل محور التنمية الاقتصادية والازدهار في أفريقيا جنوب الصحراء.

ويُعد السمك غذاء أساسيا في غرب أفريقيا أكثر من غيرها في العالم.  ففي بعض الدول، يأتي 90% من البروتين الغذائي من الأسماك. وهذا يعني أن أهمية المجال البحري لا تتعلق بالاقتصاد فقط، بل تتعدى إلى بقاء سكان بعض الدول التي تعتمد على استيراد المنتجات الغذائية، كتحالف دول الساحل خاصة. وبالتالي يشكل حدوث أي انقطاع في الوصول إلى الموانئ تهديدًا للأمن الغذائي. وهذه دلالة على ان للقطاع البحري في غرب أفريقيا أهمية بالغة، لا في المجال الاقتصادي وحده بل للأمن الغذائي والسيادة والوطنية معا.

وليس ميناء لومي مجرد ممتلك اقتصادي فقط، بل هو أيضا أداة سياسية، حيث يمنح نفوذا لدولة لومي في الدبلوماسية الإقليمية، كما يدعم النخبة الحاكمة داخليا، من خلال توجيه تجارة دول الساحل، وترسيخ الشراكات الأمنية، وجذب عمالقة الشحن في العالم إلى الاستثمار في اقتصاد توغو. وسيكون لمدى قدرة ميناءَيْ تيما وليكي على جذب نشاط النقل العابر، ولمستوى التوترات بين تحالف AES والإيكواس، قسط وفير في تحديد  نفوذ لومي؛ إما أن يزداد هذا النفوذ أو أن يتوقف. ويزداد هذا الميناء أهمية استراتيجية مع سعي القوى العالمية المتنافسة لتأمين وصولها إلى المنطقة، بما فيها مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وفقًا لتقرير صادر عن صحيفة الإندبندنت (the Independent). ويقدّم هذا الميناء العميق خدمات لا مثيل لها في الوصول إلى البحر كما يوفر قربًا استراتيجيًا. وقد بدأ تطويره بشكل جاد خلال الحقبة الاستعمارية، لكن استثمارات ما بعد الاستقلال، والشراكات مع المشغلين الخاصين، ساهمت في تحديثه. وتشمل هذه التحديثات معدات متقدمة لتسريع مناولة الشحن وتحسين الخدمات اللوجستية، مما جعله مركزًا للنقل العابر للسلع عبر غرب أفريقيا في ووسطها.

ولقد تأسس تحالف دول الساحل، المعروف بـــ  AES، في سبتمبر 2023، من قبل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر. وعلى عكس التكتلات الأيديولوجية السابقة، يمثل تحالف AES استجابة براغماتية للتهديدات المشتركة؛ الإرهاب، والتدخل الأجنبي، والضعف الاقتصادي. وبالنسبة لتوغو، فإن الانخراط لا يعني الاصطفاف ضد طرف ثالث، بل تطور دورها الوسيط إلى إطار منظم أكثر لاستقرار المنطقة.

وبالتالي، يلعب النشاط المينائي دورا فعالا في التنمية الاقتصادية لكل من الدول الساحلية والدول غير الساحلية. وقد أصبحت الطرق البحرية اليوم الوسيلة المثلى لنقل جميع أنواع المنتجات، من الدول الصناعية خصوصا، أو في الاتجاه المعاكس للمواد الخام لتزويد الصناعات التحويلية. وفي إطار منظمة الإيكواس، واتحاد غرب أفريقيا الاقتصادي والنقدي  (UEMOA)، تشكل موانئ الدول الساحلية رافعات قوية للدول الداخلية – مثل بوركينا فاسو، مالي، والنيجر، والتي تشكل تحالف AES – لتقوية اقتصادها. علاوة على ذلك، يتم نقل 90% من بضائعها عبر البحر بواسطة موانئ بنين، وساحل العاج، وغينيا، وغانا، ونيجيريا و توغو، من أجل تلبية احتياجات هذه الدول. وتساهم الأنشطة المينائية في الدول الساحلية بــــ 20% في ناتجها المحلي الإجمالي وبـــــ 80% في إيراداتها الجمركية. وتنتهز الحكومة هذه الفرصة لاستضافة القمم الإقليمية، حيث يجتمع قادة غرب أفريقيا في لومي لمناقشة التجارة، والأمن، والقضايا السياسية.

بذلك صارت توغو أيضًا لاعبًا رئيسيًا في حل النزاعات والتكامل القاري. ويُنظر إلى الرئيس فور غناسينغبي كصانع جسور قادر على معالجة النزاعات الإقليمية المعقّدة. وتتمثل الدبلوماسية في توفير أرضية محايدة للمحادثات رفيعة المستوى. وقد استضافت لومي محادثات سلام لأطراف متنازعة من دول الجوار.

لماذا أصبحت لومي مهمة الآن؟

تحد توغو من الجهة الغربية دولة غانا، وبوركينافاسو من الناحية الشمالية، بينما تحدها دولة بينين شرقا، والمحيط الأطلسي جنوبا. وتبلغ مساحتها الإجمالية 56,785 كلومتر²، وتملك ساحلًا بحريًا بطول 50 كلوميتر تقريبًا، ومنطقة جرف قاري تبلغ نحو 1500 كلومتر². وتعاني في هذا الخليج عدة دول من القرصنة، والصيد غير المشروع، والهجرة غير القانونية، والتهريب. وتعد خليج غينيا سواحل تمتد على 6000 كلومتر والتي تحده 20 دولة، طريقا بحريا حيويا لمنطقة تعتمد كثيرا على الاستيراد والذي يحد 20 دولة.

هذا ما جعل القرصنة تثقل كثيرا على كاهل إمكانات التجارة والاقتصاد في المنطقة، بتكلفة تقدَّر بنحو 1.925 بليون دولار سنويًا لـــــ 12 دولة في خليج غينيا. ولذلك تتسابق القوات البحرية الأجنبية والحكومات لتعزيز علاقاتها التدريبية والأمنية في لومي، ما نتج في انخفاض القرصنة مقارنة بالسنوات السابقة، وبالتالي صار الخليج جذابة لشركات الشحن. وتُظهر التدريبات التي قادتها الولايات المتحدة في 2024 كيف أن الإنفاق على الأمن البحري مرتبط بشكل مباشر بسلسلة قيمة الميناء – وبالأهمية الدبلوماسية لتوغو. وتعمل عدة شركات ومستثمرين أجانب في ميناء لومي منذ سنوات.

في عام 2024، أفادت التقارير بأن الرسومات الجمركية بلغت 35.4 بليون فرنك أفريقي، بزيادة 20.41% عن العام السابق، بينما ارتفعت ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة إلى 43.7 بليون فرنك، بزيادة 105.16% عن الربع الأول من عام 2023. وتأتي هذه الزيادات بعد أن أصبح ميناء لومي والممر التوغولي بمثابة طريق بديل للبضائع المتجهة إلى النيجر، بعد إغلاق الحدود بين بنين والنيجر في فبرائر. وقد استفادت توغو من هذا الوضع، وعززت مبادراتها لتسهيل التجارة.

إن عدد سكان توغو يبلغ حوالي 8 ملايين نسمة، ويحكمهم منذ 57 عاما نفس العائلة، بدايةً من إياديما غناسينغبي، ثم ابنه فور الذي تولى الحكم منذ عام 2005 بعد فوزه في انتخابات، وصفتها المعارضة بأنها مزوّرة. وفي 6 مايو 2024، أصدر الرئيس فور قانونًا يعدل الدستور التوغولي، وقد تم إقرار القانون من قبل مجلس النواب الذي يهيمن عليه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، التابع للرئيس.

وقد أصبح الآن من الضروري مرور البضائع المتجهة إلى بوركينا فاسو عبر مدينة كارا في توغو، والتي تُعد أكثر أمنًا من طريق بورغا في بنين، بسبب التهديد الإرهابي في شمال غرب بنين. وتنوي لومي الاستفادة من هذه الفرصة، بتقديم خيار أرخص وأكثر أمنًا لعملائها في الساحل. ويُظهر ذلك مدى انعكاس السيطرة على التعيينات والعقود في الميناء على قوة الحكومة.

النفوذ المينائي والتعاون الأمني

إن تعاون توغو الوثيق مع الدول المضطربة يظهر اهتمامها بالاستقرار الإقليمي. وتتجلى روح تضامنها في دعمها لبوركينافاسو ومالي والنيجر في مواجهتهم للتحديات الأمنية. وتمتد جهودها في الوساطة أحيانًا إلى ما بعد غرب أفريقيا، حيث تتعاون توغو مع مبادرات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. وهناك قناعة قوية بضرورة اعتماد “حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية”، وهذا ما أكسب توغو احترام القادة الذين يقدرون السيادة وتقرير المصير. وتتوازن السياسة الخارجية لتوغو بين الحلفاء القدامى كفرنسا، وعلاقات جديدة مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى. وتسعى كذلك نحو تقوية موقعها من خلال تعزيز العلاقات مع كل من روسيا والولايات المتحدة.

لقد بدأ بعض الموانئ في القارة الأفريقية تجذب اهتماما بالغا من قبل الصين وتركــيا والإمارات والهند،كميناء بربرة في أرض الصومال، ومومباسا في كينيا، وولفيس باي في ناميبيا، ومع ازدياد حجم التجارة بين آسيا وغرب أفريقيا، تحول ميناء لومي إلى ميناء حاويات إقليمي رئيسي. وقد استجابت شركات الشحن الكبرى، وعلى رأسها شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (MSC)، بإعادة توجيه سفن الحاويات العملاقة إلى هذا الخط. و وفقًا للتقارير، شكل ذلك دفعة قوية لتحسين الربط الملاحي لموانئ غرب أفريقيا، بما في ذلك لومي.

نظرًا لهذه المزايا التجارية، تعهدت الولايات المتحدة بتوسيع وصولها إلى السوق الأفريقية عبر ميناء لومي. وفي يوليو 2025، خرج وفد من السفارة الأمريكية إلى لومي، بقيادة القائم بالأعمال ريتشارد سي. مايكلز، وقامو بجولة في مرافق الميناء. كما عقد الوفد اجتماعًا مع إدارة محطة الحاويات بميناء لومي (LCT) لاستكشاف فرص التعاون التجاري مع الشركات الأمريكية.

وصرحت السفارة الأمريكية في توغو ما نصه: “بفضل قدراته المتقدمة كميناء عميق، ومعداته الحديثة، وحجم مناولة سنوي يفوق 30 مليون طن، يُوفر ميناء لومي للشركات الأمريكية وصولاً لا مثيل له إلى الأسواق الإفريقية. ويُعزز التوسع المستمر في البنية التحتية، بما في ذلك الميناء الجاف والمنطقة الصناعية، من دور الميناء كبوابة متنامية للتجارة.”

وخلال كل ذلك، ظلت روسيا تتبع نهجًا يركز على الأمن، حيث وقّعت توغو وروسيا في يونيو 2025 على اتفاقية تعاون عسكري ثنائي، تشمل التدريب المشترك، وتوريد المعدات، والدعم الطبي الطارئ. ويضفي هذا الاتفاق على توسع النفوذ الروسي في منطقة الساحل، حيث دعمت روسيا حكومات عسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو عبر السلاح والتدريب، غالبًا من خلال مجموعات مثل فاغنر (التي قد أعادت تسمية نفسها). ويشير بعض المراقبين إلى أنهذا  الاتفاق قد يمنح روسيا وصولاً غير مقيّد إلى ميناء لومي، ما سيتيح لها منفذًا استراتيجيًا إلى الأطلسي عبر خليج غينيا.

ماذا يجب تــرقـبُّــه؟

تشهد الموانئ في أفريقيا تغيرات جذرية سنة بعد سنة. ويبرز ميناءا لومي وميناء تيما في غانا كمنافسين رئيسيين في هذه المنطقة من أفريقيا. وتُعزى هذه الإنجازات إلى الاستثمارات الضخمة خلال السنوات الأخيرة. ومع اشتداد المنافسة، تُظهر الموانئ في غرب إفريقيا طموحات متزايدة. وعلى سبيل المثال، لميناء ليكي البحري فعالية كبيرة في إنشاء روابط دولية للنقل العابر مع موانئ غرب أفريقيا الرئيسية، مثل تيما (غانا)، وأبيدجان (ساحل العاج)، ولومي (توغو)، وكوتونو (بنين). ومع ازدياد نشاط ليكي، وتفوق تيما في خدمات “المكالمة الأولى”، تعتمد لومي على السرعة، والعمق، وعلاقاتها مع شركات الشحن، مما يدفع توغو للحفاظ على سياسات صديقة للمستثمرين وتنمية شراكات تحمي طرق التجارة البحرية.

ومن المتوقع أن تؤدي الضريبة المفروضة على الواردات إلى رفع تكلفة هذه السلع، مما قد ينتج في انخفاض في الصادرات إلى دول تحالف AES وعلى الرغم من انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من الإيكواس، فإنها لا تزال ضمن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) التي تسعى إلى إنشاء سوق موحّدة تضم 1.3 بليون نسمة بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 3 تريليونات دولار، من خلال إزالة الرسومات الجمركية على 90% من السلع، وإزالة الحواجز غير الجمركية. ومع ذلك، فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.

القول الأخير

رغم التحسن في وضع الأمن البحري في خليج غينيا خلال العقد الماضي، فإن نجاح جهود مكافحة القرصنة سيكون قصير الأمد إذا لم تُعالج أسبابها الجذرية على اليابسة. ففي غرب أفريقيا، يشمل ذلك التصدي للفوضى المزمنة، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتحسين الظروف الاقتصادية والاستقرار السياسي.

وتُعد الأهمية الاستراتيجية لخليج غينيا في استقرار الدول الساحلية والتجارة البحرية العالمية أمرًا بالغ الخطورة ولا يمكن تجاهله. ولا شك في أن حماية 1.6 مليون بحار حول العالم والقضاء على القرصنة في الخليج، سيتطلب تحديًا ضخمًا كما سيتطلب سنوات من الجهود المتواصلة من قبل الأطراف الإقليمية والمجتمع الدولي الأوسع. ويتطلب التصدي للقرصنة في الخليج إرادة سياسية مستمرة على المستويين الوطني والإقليمي، وتعاونًا أعمق وأكثر فعالية بين أعضاء المجتمع الدولي.

أفاد المدير لميناء لومي بأنه تستقبل الميناء اليوم في المتوسط حوالي أربعين سفينة شهريًا، وقال ما نصّه: “أحد أعمدة هذا النمو هو مساهمة عميلنا الرئيسي، شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (MSC)، التي جعلت ميناء لومي وجهتها المفضلة لخدمة أفريقيا.” وكانت ثاني أكبر شركة شحن في العالم قد أعلنت بوضوح عن طموحاتها الاستثمارية، خاصة بأكثر من 500 مليون دولار بحلول عام 2030.

منذ وصول شركة  LCT، أصبح ميناء لومي بشكل عام مرجعًا في عمليات النقل العابر في المنطقة – حيث يتم التعامل مع أكثر من 70% من الحاويات عبر النقل العابر – ويواصل توسيع الفجوة مع منافسيه الرئيسيين في هذا القطاع.

خاتمة

إن ميناء لومي المستقل، ميناء حر في المياه العميقة، ويتمتع بمزايا كبيرة تُمكّنه من أن يكون أداة حقيقية للتكامل الاقتصادي ومركزًا للتنمية على الساحل الغربي الأفريقي. وتشير المعطيات إلى أن ميناء لومي يعمل في بيئة شديدة التنافس، حيث يواجه منافسة قوية من موانئ كوتونو وتيما وأبيدجان. ولقد شرعت توغو في إجراء تغييرات عميقة منذ عام 2000 في حوكمة مينائها، بهدف الاستجابة لاتفاقيات التجارة الحرة وجذب المشغلين من الدول غير الساحلية. ومع الاضطرابات السياسية الناتجة عن العقوبات التي فرضتها منظمة الإيكواس على دول تحالف الساحل بعد انقلاباتها، أصبح ميناء لومي، الذي ظل مفتوحًا، أكثر استقطابًا لهذه الدول وراء الساحل. وتشارك هذه الدول كذلك في الأنشطة المينائية ضمن المجتمعات المينائية.

قال جائل أوتوندي، خبير اقتصادي سياسي كيني، في مقابلة مع شبكة “بيرد” : “يجب على الدول الأفريقية التعامل مع مثل هذه ‘المناورات الجيوسياسية’ بحذر، خاصة في وقت تبدأ فيه منطقة التجارة الحرة الأفريقية في إعادة تشكيل تدفقات التجارة داخل القارة”.

وأضاف قائلا: أن “أي سيطرة على بوابات التجارة البحرية، هي ما سيُحدد من سيقود المرحلة القادمة من التكامل الاقتصادي في أفريقيا ومن سيستفيد منها أكثر.”

ثم استطرد قائلا : “يجب على أفريقيا أن تقود بنفسها. لا يجب أن تقتصر المغازلة العالمية لميناء لومي على الوصول، بل يجب أن تكون عن الشراكة، والملكية، والقيمة طويلة الأجل لاقتصادات القارة”.

أخيرًا، فإن ضعف شبكات الاتصال، وتآكل السواحل، والمنافسة القوية من موانئ غرب أفريقيا الأخرى – مثل كوتونو وتيما وأبيدجان – وسوء الحوكمة، تعرقل أنشطة ميناء لومي على الرغم من المزايا المتعددة التي يتمتع بها. وبالتالي، لمواجهة تحديات العولمة بشكل أكثر فعالية، ينبغي التركيز على تطوير البنية التحتية، ومعالجة القضايا البيئية، والامتثال لقواعد المشتريات، وتحسين شبكات الاتصال، كعناصر رئيسية لتعزيز تنافسية ميناء لومي، بحسب ما توصل إليه الخبراء.

ظهرت المقالة ميناء لومي : تأثيره الخفي على المشهد السياسي في غرب أفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6488/%d9%85%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d9%88%d9%85%d9%8a-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3/feed/ 0 6488
سباق نحو الثروات الدفينة:  التنافس الصيني الأمريكي على المعادن الحيوية في أفريقيا https://alafarika.org/ar/6480/%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%82-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%81%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b5/ https://alafarika.org/ar/6480/%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%82-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%81%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b5/#respond Wed, 20 Aug 2025 06:40:15 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6480

شهدت القارة الأفريقية تحولاً جيوسياسياً واقتصادياً متسارعاً حيث أصبحت القارة ساحة لتنافس محموم بين الولايات المتحدة والصين نظرًا لاحتياطاتها الهائلة من المعادن الأساسية والضرورية للتقنيات الحديثة، فمع تزايد الحاجة العالمية للمعادن الأساسية مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والعناصر الأرضية النادرة التي تشكل مصدر هام لصناعات تشمل إنتاج المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات المتقدمة ومع تزايد الطلب […]

ظهرت المقالة سباق نحو الثروات الدفينة:  التنافس الصيني الأمريكي على المعادن الحيوية في أفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

شهدت القارة الأفريقية تحولاً جيوسياسياً واقتصادياً متسارعاً حيث أصبحت القارة ساحة لتنافس محموم بين الولايات المتحدة والصين نظرًا لاحتياطاتها الهائلة من المعادن الأساسية والضرورية للتقنيات الحديثة، فمع تزايد الحاجة العالمية للمعادن الأساسية مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والعناصر الأرضية النادرة التي تشكل مصدر هام لصناعات تشمل إنتاج المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات المتقدمة ومع تزايد الطلب العالمي على هذه المعادن، كثّفت كلٌّ من الولايات المتحدة والصين جهودهما لضمان الوصول إلى الثروة المعدنية في أفريقيا مما أدى إلى زيادة الاستثمارات الاستراتيجية والمناورات الدبلوماسية للسيطرة على المعادن الحيوية التي تمثل حجر الزاوية في الصناعات المتقدمة وتقنيات المستقبل، ومن خلال ما سبق يسعي هذا المقال إلى تحليل هذا التنافس من خلال عدة محاور رئيسية مستعرضاً في البداية الأهمية الاستراتيجية للمعادن الحيوية في افريقيا مرورا بدراسة الوجود الصيني الراسخ والتحرك الأمريكي المتأخر في افريقيا وصولا إلي الفرص والتحديات التي تواجه القارة جراء هذا التنافس.

تصاعد الطلب العالمي للمعادن الحيوية وأهميتها الاستراتيجية

يشهد العالم تحول عالمي متزايد نحو الطاقة المتجددة والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الرقمية مما أسفر عن طلباً متزايداً بشكل غير مسبوق على مجموعة من المعادن التي تُعرف بـ “المعادن الحيوية” أو “معادن الأرض النادرة” وتشمل هذه المعادن عناصر مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والمنغنيز والجرافيت، والتي تلعب دوراً حاسماً في تطوير وتصنيع التقنيات النظيفة والصديقة للبيئة مثل بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، كما تدخل هذه المعادن في صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية المتقدمة وأنظمة الدفاع والتكنولوجيا الطبية مما يمنحها أهمية استراتيجية تتجاوز قيمتها الاقتصادية المباشرة، وقد أدى هذا التصاعد في الطلب إلي خلق سباقاً عالمياً لتأمين مصادر هذه المعادن، وتأتي إفريقيا في صدارة هذا التنافس نظرًا لاحتوائها على احتياطيات كبيرة من هذه المعادن، مما يجعلها ساحة للصراع الجيوسياسي والاقتصادي بين العملاقين الأمريكي والصيني، وبينما تستفيد بعض الدول الإفريقية من هذا التنافس فإنها تواجه أيضًا تحديات تتعلق بالاستدامة والاستقلال الاقتصادي، وعلي أثر ذلك قد تشهد القارة تحولات كبرى في سياساتها الاقتصادية والاستثمارية بناءً على نتائج هذا الصراع المحتدم.

الوجود الصيني الراسخ في قطاع المعادن الأفريقي

على مدى العقود الماضية رسخت الصين موقعها كلاعب رئيسي في قطاع التعدين الأفريقي ، وقد اتبعت بكين استراتيجية طويلة الأمد تقوم على بناء علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع العديد من الدول الأفريقية وتقديم استثمارات ضخمة في البنية التحتية مقابل الحصول على حقوق استغلال الموارد الطبيعية، وقد استفادت الشركات الصينية من هذا النهج لتأمين إمدادات مستمرة من المعادن الخام اللازمة لصناعتها التحويلية العملاقة وتتجلى الاستراتيجية الصينية في عدة جوانب منها تقديم قروض ميسرة وتمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة.

ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، قدّمت الصين استثمارات في البنية التحتية (مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ) مقابل الوصول إلى المواد الخام وقد فتحت الاستثمارات في البنية التحتية الافريقية الأبواب أمام شركات التعدين الصينية للحصول على حصة كبيرة من عمليات التعدين في أفريقيا لا سيما في الدول الغنية بالمعادن الأساسية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تُوفر ما يقرب من 70% من الكوبالت في العالم وهو مكون رئيسي في بطاريات الليثيوم أيون ، وقد استحوذت الشركات الصينية على حصص رئيسية في مناجم الكونغو مما يضمن إمدادًا ثابتًا بهذا المعدن الحيوي، كما حصلت الصين على عقود تعدين طويلة الأجل مع زامبيا للحصول على معدن النحاس.

وقد أصبحت الشركات الصينية لاعباً مهيمناً في استخراج وتجهيز العديد من المعادن الحيوية في افريقيا ويرجع ذلك إلي أن الشركات الصينية غالباً ما تكون أكثر مرونة في شروط الاستثمار وأقل تقيداً بالمعايير البيئية والاجتماعية مقارنة بنظيراتها الغربية وهو ما قد يمنحها ميزة تنافسية في بعض السياقات الأفريقية ، وقد أثر ذلك قلق الدول الغربية بشأن اعتمادها المتزايد على الصين في هذه الإمدادات الاستراتيجية ، وإدراكًا منها لهيمنة الصين على قطاع المعادن في أفريقيا، بدأت الولايات المتحدة في مواجهة نفوذ بكين من خلال شراكات جديدة ومبادرات سياسية واستثمارات ، كما تعاونت مع حلفاء مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وأستراليا لإنشاء سلاسل توريد آمنة ومتنوعة للمعادن الأساسية مما يقلل من الاعتماد على الصين.

التحرك الأمريكي لمنافسة النفوذ الصيني وتأمين سلاسل الإمداد

على غرار الصين، تحتاج الولايات المتحدة إلى المعادن الأساسية لدعم أجندتها الاستراتيجية بما في ذلك الأهداف الاقتصادية والأمنية وأهداف الطاقة النظيفة، فقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً الأهمية المتزايدة للمعادن الحيوية وضرورة تنويع مصادر إمدادها بعيداً عن الهيمنة الصينية، وترى واشنطن أن الاعتماد الكبير على الصين في الحصول على هذه المعادن يشكل تهديداً لأمنها الاقتصادي وقدرتها التنافسية في الصناعات المستقبلية، لذا، بدأت الإدارة الأمريكية في تبني استراتيجية أكثر نشاطاً للانخراط في أفريقيا في قطاع المعادن.

وتتضمن هذه الاستراتيجية عدة عناصر، منها بناء شراكات جديدة حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة تحالفات استراتيجية مع الدول الأفريقية الغنية بالمعادن الحيوية، وتقديم الدعم الفني والمالي لتطوير قطاعاتها التعدينية وفق معايير دولية للحوكمة البيئية والاجتماعية ، كما تحاول الحكومة الأمريكية تحفيز الشركات الأمريكية على الاستثمار في مشاريع التعدين والمعالجة في أفريقيا من خلال تقديم ضمانات وتسهيلات ائتمانية، كما أطلقت الولايات المتحدة مبادرات مثل “شراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” (PGII) التي تهدف إلى تقديم بديل جذاب للاستثمارات الصينية في البنية التحتية، مع التركيز على الجودة والاستدامة.

وبالإضافة إلى ذلك تحاول الولايات المتحدة التمييز عن الصين من خلال الترويج لمعايير أعلى في مجال الشفافية ومراعاة البيئة وحقوق الإنسان في قطاع التعدين، ومع ذلك، تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في منافسة النفوذ الصيني الراسخ في أفريقيا فقد سبقتها الصين بعقود من الاستثمار والعلاقات الدبلوماسية، كما أن الشركات الصينية غالباً ما تكون أكثر قدرة على تحمل المخاطر وتقديم عروض تمويلية أكثر جاذبية في بعض الأحيان.

أفريقيا في قلب التنافس- الفرص والتحديات

يضع التنافس الصيني الأمريكي على المعادن الحيوية الدول الأفريقية في موقع فريد حاملاً في طياته فرصاً واعدة وتحديات كبيرة، وتكمن الفرص في جذب الاستثمارات فقد يمكن أن يؤدي هذا التنافس إلى تدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاع التعدين والبنية التحتية المرتبطة به مما يخلق فرص عمل ويعزز النمو الاقتصادي كما يمكن للدول الأفريقية أن تستفيد من هذا التنافس لفرض شروط استثمار أفضل، بما في ذلك زيادة حصتها في الأرباح، وضمان نقل التكنولوجيا، والالتزام بمعايير بيئية واجتماعية أعلى، وقد يؤدي التنافس بين القوى الكبرى إلى تسريع وتيرة تطوير البنية التحتية الحيوية (مثل الطرق والموانئ والطاقة) التي تحتاجها الدول الأفريقية، بالإضافة إلي ان هذا التنافس يمنح الدول الأفريقية فرصة لتنويع شركائها الاقتصاديين وتقليل اعتمادها على طرف واحد.

وتكمن التحديات في خطر الاستغلال فمن الممكن أن يؤدي هذا التنافس إلى تكرار نماذج الاستغلال الاستعماري للموارد، حيث يتم التركيز على استخراج المواد الخام دون تحقيق قيمة مضافة حقيقية أو مراعاة مصالح المجتمعات المحلية، كما ان ضعف الحوكمة والشفافية في قطاع التعدين في بعض الدول الأفريقية يمكن أن يؤدي إلى صفقات غير عادلة وفساد هذا بخلاف الآثار البيئية والاجتماعية فقد يؤدي التوسع السريع في أنشطة التعدين إلى آثار بيئية سلبية كبيرة للمجتمعات المحلية إذا لم يتم تنظيمه بشكل فعال، وأخيرا قد تجد بعض الدول الأفريقية نفسها مثقلة بالديون نتيجة للاقتراض لتمويل مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالتعدين، وبالتالي للاستفادة القصوى من هذا التنافس وتجنب المخاطر تحتاج الدول الأفريقية إلى تبني سياسات رشيدة وشفافة وتعزيز قدراتها التفاوضية والتركيز على تحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على شعوبها على المدى الطويل.

الختام

تتعامل الصين والولايات المتحدة مع قطاع المعادن الحيوي في أفريقيا بطريقة تنافسية حيث تعمل كل منهما على تأمين الموارد اللازمة لتعزيز مصالحها الوطنية وصناعاتها المحلية ، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بدأت استثمار في أفريقيا مؤخرا، إلا أن الصين تُعدّ بلا منازع اللاعب الرئيسي في قطاع المعادن الحيوية، ومع ذلك، تتشابه الولايات المتحدة والصين في نهجهما تجاه سوق المعادن الحيوية في أفريقيا، حيث يستثمر كل منهما في مشاريع الاستخراج ومشاريع السكك الحديدية لزيادة تجارة المعادن، إلا أنهما يختلفان في تمويل المشاريع ودوافعها، ويتميز نهج الصين بالاستثمارات المدعومة من الدولة والتركيز على ضمان الوصول طويل الأجل إلى الموارد، فيما تُعطي الولايات المتحدة الأولوية لمشاركة القطاع الخاص وتنويع سلسلة التوريد لتقليل الاعتماد على الصين مع السعي لتحقيق أهداف الطاقة النظيفة والأمن القومي والاقتصاد.

وعلى الرغم من إن التنافس الصيني الأمريكي على المعادن الحيوية في أفريقيا يمثل فصلاً حاسماً في العلاقات الدولية، وبينما يحمل هذا التنافس فرصاً للدول الأفريقية لتحقيق التنمية والازدهار، فإنه ينطوي أيضاً على مخاطر كبيرة تتطلب إدارة حكيمة ورؤية استراتيجية، ويرجع ذلك إلي إن قدرة الدول الأفريقية على التوحد وتحديد أولوياتها الوطنية والتعامل بحذر مع القوى الكبرى ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا السباق نحو الثروات الدفينة سيخدم مصالحها على المدى الطويل أم سيؤدي إلى تكرار أنماط الماضي من الاستغلال والتبعية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

  1. Alberto Lemma , Critical minerals, critical moment: Africa’s role in the AI revolution , ODI Global , available at

https://odi.org/en/insights/critical-minerals-critical-moment-africas-role-in-the-ai-revolution/

  1. ben chandler, Africa’s critical minerals Africa at the heart of a low-carbon future, paper work (Dakar: mo. Ibrahim foundation, October 2022).
  2. Sydney Tucker , Competing for Africa’s Resources: How the US and China Invest in Critical Minerals , stimson , available at

https://www.stimson.org/2025/competing-for-africas-resources-how-the-us-and-china-invest-in-critical-minerals/

 

ظهرت المقالة سباق نحو الثروات الدفينة:  التنافس الصيني الأمريكي على المعادن الحيوية في أفريقيا أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6480/%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%82-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%81%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b5/feed/ 0 6480
الأمن الغذائي في أفريقيا: أزمة موسم الجفاف بين التحذير والاستجابة https://alafarika.org/ar/6466/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ac/ https://alafarika.org/ar/6466/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ac/#respond Sat, 16 Aug 2025 08:00:57 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6466

إن بناء أنظمة غذائية قادرة على الصمود لا يقتصر على دعم المحاصيل أو تحسين تقنيات الزراعة، بل يتطلب أيضًا تثبيت مبدأ الحق في الغذاء ضمن التشريعات الوطنية، وتمكين المزارعين الصغار، وإشراك النساء والشباب في قيادة التحوّل الزراعي. كما يستلزم الأمر تجديد العقد الاجتماعي الغذائي في أفريقيا، بما يعيد الاعتبار للزراعة كمجال للسيادة، لا كمجال للهشاشة.

ظهرت المقالة الأمن الغذائي في أفريقيا: أزمة موسم الجفاف بين التحذير والاستجابة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يشكل شهر أغسطس ذروة موسم الجفاف في عدد كبير من الأقاليم الأفريقية، لا سيّما في مناطق شرق القارة والساحل وغرب أفريقيا. وخلال هذا الشهر من كل عام، تتفاقم أزمة الأمن الغذائي (Food Security) نتيجة تراجع معدلات هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وازدياد حدّة موجات التصحّر والانكماش الزراعي. وفي عام 2025، تأتي مؤشرات أغسطس محمّلة بالتحذيرات؛ إذ تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أنّ أكثر من 174 مليون إفريقي يواجهون مستويات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي الحاد (Acute Food Insecurity)، وهو أعلى رقم يُسجَّل منذ عقد.

يتزامن ذلك مع مشهد من الهشاشة المناخية (Climate Vulnerability) والتحديات الهيكلية في الإنتاج الزراعي، وسط ضعف البنية التحتية الريفية، وتضاؤل الاستثمارات في الزراعة المستدامة، وتأخّر خطط الاستجابة الوطنية والإقليمية. وفي أغسطس، تتصاعد الحاجة لتفعيل آليات الاستجابة السريعة (Early Response) وآليات الإنذار المبكر (Early Warning Systems) لتفادي كارثة غذائية شاملة قد تتجاوز آثارها حدود الجوع إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية أوسع نطاقًا.

وليس أغسطس مجرد شهر موسمي يحمل الجفاف، بل أصبح مقياسًا دوريًا لاختبار قدرة الحكومات الأفريقية، والمنظمات الدولية، والمجتمعات المحلية، على التعامل مع التحديات البيئية والإنسانية المرتبطة بالغذاء. وفي ظل هذا المشهد المناخي والاقتصادي المتشابك، تطرح أزمة الأمن الغذائي في أفريقيا أسئلة ملحة حول مدى جاهزية الدول للاستجابة الطارئة من جهة، وبناء نظم غذائية قادرة على التكيّف والصمود من جهة أخرى، ضمن أطر تنموية عادلة ومستدامة.

موسم الجفاف في أفريقيا: الواقع المناخي وتحذيرات المؤسسات الدولية

يمثل الجفاف (Drought) أحد أبرز التحديات المناخية التي تؤثر بعمق على منظومة الأمن الغذائي (Food Security System) في القارة الأفريقية، خاصًة في ظل التغير المناخي المتسارع (Accelerated Climate Change) الذي أعاد رسم الأنماط المناخية التقليدية، وقلّص من معدلات الأمطار السنوية، وأطال فترات الانحباس المطري. ومع قدوم شهر أغسطس، الذي يُعد في العديد من الأقاليم الأفريقية موسم الجفاف الأقصى (Peak Dry Season)، تتكشّف ملامح أزمة غذائية تتكرر سنويًا، لكن بدرجات أكثر حدة وامتدادًا جغرافيًا، ما يستدعي قراءة دقيقة للمشهد المناخي والتحذيرات المرتبطة به([1]).

تشير بيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC) إلى أن أفريقيا تُعدّ من أكثر القارات تأثّرًا بالجفاف المزمن والمتكرّر، حيث سجّلت خلال العقدين الماضيين معدلات انخفاض في هطول الأمطار (Rainfall Decrease) بنسبة تجاوزت 20% في بعض مناطق الساحل الإفريقي، لاسيّما النيجر، مالي، وتشاد، بينما تجاوزت معدلات الحرارة (Temperature Rise) في شرق أفريقيا متوسط 1.2 إلى 1.5 درجة مئوية منذ 1980. ويؤدي هذا الارتفاع الحراري إلى زيادة معدلات التبخّر (Evaporation Rates) وتدهور جودة التربة الزراعية (Soil Degradation)، مما يقلّص قدرة الأرض على الاحتفاظ بالرطوبة، ويُضعف المحاصيل الموسمية.

في يوليو 2025، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP) تحديثًا شهريًا لنشرات الإنذار المبكر (Early Warning Bulletins)، يشير إلى وجود 49 مليون شخص مهددين بانعدام الأمن الغذائي الحاد (Acute Food Insecurity) في شرق أفريقيا وحدها، بينهم نحو 18 مليون طفل تحت سن الخامسة مهددون بسوء التغذية الحاد (Severe Acute Malnutrition – SAM). أما في منطقة الساحل، فقد قُدِّر عدد السكان المتأثرين بالجفاف وعدم توفر الغذاء بأكثر من 35 مليون شخص، معظمهم في بوركينا فاسو والنيجر ومالي([2]).

وتُعدّ الصومال إحدى أكثر الدول تضررًا، حيث شهدت البلاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة خمس موجات متتالية من الجفاف (Consecutive Drought Seasons)، ما أدى إلى انهيار الإنتاج المحلي من المحاصيل الغذائية بنسبة تجاوزت 70% في بعض المناطق، بحسب تقرير منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children, 2024). وقد أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 4.3 مليون صومالي باتوا بحاجة عاجلة إلى مساعدات غذائية، فيما نزح أكثر من 1.5 مليون شخص داخليًا بسبب انعدام القدرة على الحصول على مياه أو غذاء([3]).

أما إثيوبيا، فقد واجهت بدورها أسوأ جفاف منذ 40 عامًا في أقاليم أوروميا وأمهرة، ما أدى إلى تقليص إنتاج الذرة (Maize) بنسبة 40% في الموسم الزراعي 2024، وانخفاض غلة القمح (Wheat Yields) بنسبة 30%، وفقًا لبيانات “نظام الإنذار المبكر بالمجاعة” (Famine Early Warning Systems Network – FEWS NET). وتعد هذه المحاصيل من الأغذية الأساسية في النظم الغذائية المحلية، ما يجعل تراجعها مؤشرًا مباشرًا على تفاقم الجوع([4]).

وتُبرز المؤشرات أنّ أزمة الجفاف لا ترتبط فقط بندرة الأمطار، بل بتقلباتها الشديدة، إذ تشير تقارير “مركز التنبؤات المناخية الأفريقية” (African Climate Prediction Center) إلى تزايد تواتر الظواهر المناخية المتطرفة (Extreme Weather Events) مثل الأمطار الغزيرة في غير موسمها، والانحباس المطري الطويل، ما يُربك التخطيط الزراعي ويقوّض الأمن الغذائي طويل المدى. هذا الوضع المناخي يفاقم من هشاشة الأنظمة الزراعية التقليدية (Traditional Agricultural Systems) التي تعتمد على الأمطار كمصدر رئيسي للري، في ظل غياب بنية تحتية فعالة للري الصناعي أو لتخزين المياه([5]).

وما يزيد من تعقيد المشهد، هو تزامن موسم الجفاف مع أزمات جيوسياسية ونزاعات داخلية تُضعف من قدرة الدول على الاستجابة الفعالة. ففي السودان، على سبيل المثال، فاقم النزاع المسلح المستمر منذ 2023 من أزمة الجفاف، حيث تعذر الوصول إلى المزارعين وتوزيع البذور والمعدات، ما أسفر عن تقليص المساحات المزروعة بأكثر من 50% في بعض الولايات، بحسب تقرير صادر عن “برنامج الأغذية العالمي” في يونيو 2025 ([6]).

ورغم التحذيرات المتكررة، لا تزال استجابات معظم الحكومات الأفريقية متأخرة أو غير كافية. ففي استطلاع أجراه “المنتدى الإفريقي للمرونة المناخية” (African Forum for Climate Resilience) شمل 22 دولة، تبين أن 70% من البلدان تفتقر إلى أنظمة إنذار مبكر فعالة، بينما لا يتجاوز الإنفاق على التأقلم الزراعي (Agricultural Adaptation Spending) في معظمها نسبة 3% من الميزانيات الوطنية السنوية، ما يعكس خللًا هيكليًا في ترتيب الأولويات الاستراتيجية([7]).

في المقابل، دعت تقارير البنك الإفريقي للتنمية (African Development Bank) إلى تعزيز الاستثمار في “الزراعة المقاومة للجفاف” (Drought-Resistant Agriculture)، مثل استخدام بذور محسّنة، وتقنيات حصاد المياه، والتوسع في إنشاء بنوك غذائية محلية. كما اقترحت تعزيز التكامل الإقليمي في إدارة الأزمات الزراعية، من خلال تبادل البيانات المناخية، وتنسيق عمليات التخزين والتوزيع الغذائي([8]).

إن موسم الجفاف في أفريقيا لم يعد مجرد ظاهرة موسمية مؤقتة، بل أصبح مؤشرًا على أزمة بنيوية تتطلب إعادة التفكير في علاقة القارة بمناخها، وزراعتها، وغذائها. التحذيرات لم تعد ترفًا إعلاميًا، بل نداءً عاجلًا لانتقال أفريقيا من منطق الاستجابة اللاحقة إلى منطق الاستباق، عبر بناء نظم غذائية مرنة قادرة على الصمود في وجه الجفاف القادم.

تغيّر المناخ والأمن الغذائي: ارتباط هيكلي أم أزمة طارئة؟

لقد تجاوزت العلاقة بين تغيّر المناخ (Climate Change) والأمن الغذائي (Food Security) حدود التأثيرات الظرفية أو الموسمية، لتغدو ارتباطًا هيكليًا طويل الأمد يعيد صياغة التوازنات البيئية والزراعية في القارة الأفريقية. ففي ظل تزايد حدة الظواهر المناخية المتطرفة (Extreme Climate Events)، وتراجع القدرة الطبيعية للأنظمة البيئية على التكيّف، باتت أزمات الغذاء في أفريقيا أكثر ارتباطًا بالتحولات المناخية الجذرية منها بالعوامل الاقتصادية أو الجيوسياسية وحدها. هذا الارتباط البنيوي يطرح تحديًا معرفيًا في تحليل الظاهرة، وتحديًا عمليًا في تصميم السياسات العامة المستدامة([9]).

تشير دراسات “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” (IPCC, 2023) إلى أن أفريقيا هي القارة الأكثر هشاشة أمام تداعيات التغير المناخي، بالرغم من مساهمتها المحدودة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (Greenhouse Gas Emissions)، إذ لا تتجاوز نسبتها 4% من الانبعاثات العالمية. ومع ذلك، فإنّ ارتفاع متوسط درجات الحرارة في القارة بنسبة 1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية، أدّى إلى تسارع معدلات الجفاف، وتدهور التربة، وتراجع مصادر المياه الجوفية والسطحية، وهي جميعها عوامل تؤثر مباشرة على الإنتاج الزراعي والغذائي([10]).

وبحسب تقرير الأمن الغذائي العالمي (Global Food Policy Report, 2024)، فإن نسبة الأراضي الزراعية المعرّضة للتدهور في أفريقيا وصلت إلى 65%، مع فقدان خصوبة التربة (Soil Fertility Loss) في مناطق واسعة من شرق وغرب القارة. وقد ترافق ذلك مع تقلّص مواسم الزراعة (Shrinking Growing Seasons)، إذ تراجع متوسط عدد الأيام الصالحة للزراعة في بعض المناطق إلى أقل من 90 يومًا سنويًا، مقارنة بـ 120 إلى 150 يومًا في تسعينيات القرن الماضي([11]).

وتظهر آثار تغيّر المناخ على الأمن الغذائي في أفريقيا من خلال ثلاث مسارات مترابطة([12]):

1- انخفاض إنتاجية المحاصيل الأساسية (Declining Crop Yields)، مثل الذرة (Maize)، والدخن (Millet)، والسورجم (Sorghum)، وهي المحاصيل التي تشكّل العمود الفقري للغذاء في معظم الدول الأفريقية. فعلى سبيل المثال، سجّلت دول مثل بوركينا فاسو والنيجر وكينيا انخفاضًا تراوح بين 30% و45% في غلة المحاصيل خلال الأعوام الثلاثة الماضية، نتيجة لانخفاض معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.

2- تراجع مصادر المياه الزراعية (Agricultural Water Resources)، إذ أدى الجفاف وتبخّر المياه إلى تقلّص المساحات المروية، وزيادة الاعتماد على الأمطار الموسمية غير المنتظمة.

3- انتشار الآفات والأمراض النباتية (Crop Pests and Diseases)، التي تتفاقم في البيئات الجافة والدافئة، مثل الجراد الصحراوي (Desert Locusts) والديدان القارضة (Fall Armyworm)، والتي دمّرت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في شرق أفريقيا بين 2020 و2024.

وقد أظهرت تجارب السنوات الأخيرة أن ضعف البنية التحتية الزراعية، وغياب أنظمة التأقلم المناخي (Climate Adaptation Systems)، يعمّق من هشاشة المزارعين الصغار (Smallholder Farmers)، الذين يشكّلون أكثر من 70% من القوة الزراعية العاملة في أفريقيا. فمعظم هؤلاء يعتمدون على الزراعة المطرية (Rain-fed Agriculture)، دون وسائل للري الصناعي أو تخزين المياه، ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع تقلبات المناخ([13]).

وعلى مستوى السياسات، تبدو الاستجابات الأفريقية لتغيّر المناخ غير متكافئة. فبحسب مؤشر التأقلم العالمي (Global Adaptation Index, 2023)، فإن أكثر من 60% من الدول الأفريقية لا تمتلك خططًا وطنية شاملة للتكيّف الزراعي (National Agricultural Adaptation Plans)، أو تفتقر إلى التمويل الكافي لتنفيذها. في المقابل، أطلقت بعض الدول مبادرات رائدة مثل “خطة إثيوبيا الخضراء” (Ethiopia’s Green Legacy Initiative)، و”خطة كينيا للمناخ والزراعة الذكية” (Kenya Climate Smart Agriculture Strategy)، غير أنّ أثر هذه المبادرات ما يزال محدودًا من حيث الانتشار الجغرافي والقدرة على تغيير الهياكل الاقتصادية الزراعية على المدى البعيد([14]).

وتجدر الإشارة إلى أن منظمات إقليمية مثل “الاتحاد الإفريقي” (African Union) و”مجموعة تنمية أفريقيا الجنوبية” (SADC) بدأت في تعزيز أطر العمل الإقليمي المشتركة لمواجهة آثار تغيّر المناخ على الأمن الغذائي. ففي عام 2024، أطلق الاتحاد الإفريقي “التحالف الإفريقي للزراعة الذكية مناخيًا” (African Alliance for Climate-Smart Agriculture)، بهدف دعم البحوث، وتمويل الابتكار، وتطوير أنظمة إنذار مبكر خاصة بالأمن الغذائي.

لكنّ التحوّل نحو التكيّف الفعّال لا يمر فقط عبر السياسات، بل يتطلب أيضًا إعادة النظر في منطق الإنتاج الغذائي نفسه. فالأمن الغذائي الإفريقي في ظل المناخ المتحوّل لم يعد يُقاس فقط بكمية الإنتاج، بل بقدرته على الصمود (Resilience) أمام الأزمات المتكررة. ويستلزم ذلك استثمارات طويلة الأمد في الزراعة المرنة مناخيًا (Climate-Resilient Agriculture)، مثل نظم الزراعة التناوبية، واستخدام تقنيات الري بالتنقيط، واستصلاح الأراضي الجافة عبر الحراجة الزراعية (Agroforestry)، وزيادة كفاءة استخدام الموارد([15]).

كما تؤكد تقارير “البنك الدولي” (World Bank, 2024) أن كل دولار يُستثمر في التكيّف المناخي الزراعي يُولّد ما بين 4 إلى 7 دولارات من الفوائد الاقتصادية، عبر تقليص الخسائر، وزيادة الإنتاجية، وحماية سبل عيش الفئات الأكثر هشاشة. ورغم ذلك، لا تزال أفريقيا تحصل على أقل من 5% من التمويل العالمي المخصّص للمناخ، ما يعكس فجوة عدالة واضحة في التمويل المناخي (Climate Finance Inequity)([16]).

في المجمل، فإن التغير المناخي لم يعُد يُشكّل تهديدًا خارجيًا للأمن الغذائي في أفريقيا، بل أصبح عنصرًا بنيويًا في قلب المعادلة الزراعية. والسؤال لم يعد: كيف نتعامل مع أزمة طارئة؟ بل: كيف نبني نظمًا غذائية قادرة على التكيّف الهيكلي مع بيئة متغيرة؟ والإجابة تبدأ من ربط السياسة بالمناخ، والمجتمع بالمعرفة، والزراعة بالعدالة البيئية.

المبادرات الزراعية المستدامة: نحو سيادة غذائية إفريقية

في ظل تفاقم أزمات الأمن الغذائي (Food Security) بفعل الجفاف وتغيّر المناخ (Climate Change)، لم تعد الاستجابة الأفريقية تقتصر على برامج الإغاثة الطارئة، بل بدأت تتجه تدريجيًا نحو إطلاق مبادرات زراعية مستدامة (Sustainable Agricultural Initiatives) تهدف إلى إعادة هيكلة الأنظمة الزراعية، وتعزيز القدرة على التكيّف المناخي، وتحقيق السيادة الغذائية (Food Sovereignty). وتُعد هذه المبادرات محورية في رسم مسار طويل الأمد لأمن غذائي إفريقي قادر على تجاوز الاعتماد على المعونات والظروف الدولية المتقلبة.

تمثل الزراعة الذكية مناخيًا (Climate-Smart Agriculture – CSA) أحد أبرز أطر العمل التي تتبناها الدول الأفريقية لمواءمة الإنتاج الزراعي مع الواقع المناخي الجديد. ويقوم هذا النموذج على ثلاث ركائز رئيسية([17]):

1- زيادة الإنتاجية الزراعية (Productivity Enhancement) باستخدام أساليب وتقنيات حديثة.

2- تعزيز القدرة على التكيف المناخي (Climate Resilience) لدى المزارعين والمجتمعات الريفية.

3- الحد من انبعاثات الكربون (Emission Reduction) الناتجة عن الأنشطة الزراعية.

وقد تبنّت دول مثل كينيا وإثيوبيا وغانا خططًا وطنية تنموية تعتمد على هذا الإطار، إذ أطلقت كينيا في عام 2023 “الاستراتيجية الوطنية للزراعة الذكية مناخيًا” (Kenya Climate-Smart Agriculture Strategy 2023–2027)، التي تهدف إلى تدريب أكثر من 1.5 مليون مزارع على تقنيات الزراعة المحافظة على الموارد، مثل الزراعة بدون حرث (No-Till Farming)، والحراجة الزراعية (Agroforestry)، وتدوير المحاصيل (Crop Rotation).

وفي إثيوبيا، نجحت مبادرة “إعادة تأهيل الأراضي الجافة” (Drylands Restoration Initiative) في استصلاح أكثر من 3 ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة خلال خمس سنوات، عبر تقنيات حصاد المياه (Rainwater Harvesting) وإنشاء حواجز ترابية حجرية، وزراعة الأشجار المحلية المقاومة للجفاف. وقد ارتفعت إنتاجية المحاصيل في بعض المناطق بنسبة تجاوزت 40%، وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP, 2024) ([18]).

وتأتي البذور المحسّنة (Improved Drought-Resistant Seeds) في صلب هذه المبادرات، إذ تعمل المراكز البحثية مثل “المعهد الدولي للزراعة المدارية” (International Institute of Tropical Agriculture – IITA) على تطوير أصناف مقاومة للجفاف والحرارة والآفات، خصوصًا من الذرة والفول السوداني والكسافا. وتشير دراسات البنك الإفريقي للتنمية (AfDB) إلى أن استخدام هذه البذور ساعد في تقليص خسائر المحاصيل بنسبة تتراوح بين 25% و35% في مواسم الجفاف في نيجيريا وملاوي وزامبيا([19]).

وعلى مستوى التعاون الإقليمي، يبرز “البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا” (Comprehensive Africa Agriculture Development Programme – CAADP)، الذي أُطلق تحت مظلة الاتحاد الإفريقي عام 2003، بوصفه أداة استراتيجية لتعزيز الاكتفاء الغذائي في أفريقيا. وقد ساعد هذا البرنامج في توجيه التمويلات والاستثمارات نحو البنى التحتية الزراعية، وتمكين المزارعين الصغار، وتحسين سلاسل القيمة الغذائية (Agricultural Value Chains). ومع أن العديد من البلدان لم تحقق بعد هدف تخصيص 10% من ميزانياتها الوطنية للزراعة، كما نصّت عليه “إعلان مالابو” (Malabo Declaration 2014)، إلا أنّ الوعي بأهمية الاستثمار الزراعي يشهد نموًا ملحوظًا، خصوصًا بعد أزمة الغذاء العالمية التي تلت جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية([20]).

وتُعد التكنولوجيا الزراعية الرقمية (AgriTech) من المحركات الجديدة في تحديث القطاع الزراعي، حيث بدأت العديد من الشركات الناشئة الأفريقية في تقديم حلول تقنية مبتكرة للمزارعين، مثل نظم المراقبة الجوية، وتحليل التربة، وتطبيقات المزارعة الذكية على الهواتف المحمولة. ففي رواندا، أطلقت الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص منصة رقمية تُعرف بـ “e-Soko”، تساعد المزارعين على الوصول إلى أسعار السوق، وتوصيات المحاصيل، ومعلومات الطقس في الوقت الفعلي، مما ساهم في تقليل خسائر ما بعد الحصاد بنسبة 20% في المناطق التي تم فيها تفعيل الخدمة([21]).

وعلى مستوى التمويل، ظهرت مبادرات التمويل المناخي الزراعي (Climate Agricultural Finance) كأداة لتعزيز قدرات المزارعين على الاستثمار في ممارسات مستدامة. ففي عام 2024، أعلنت “مؤسسة التمويل الدولية” (IFC) عن تخصيص 250 مليون دولار لتمويل المشروعات الزراعية الخضراء في 10 دول إفريقية، تشمل أنظمة الري الموفر للمياه، والطاقة الشمسية الزراعية، وسلاسل التبريد المستدامة.

غير أن هذه المبادرات لا تزال تواجه تحديات حقيقية، أبرزها ضعف البنية التحتية الريفية، ومحدودية الوصول إلى التمويل، وارتفاع معدلات الأمية التقنية بين المزارعين. وتشير تقارير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD, 2024) إلى أن أكثر من 65% من المزارعين في أفريقيا لا يمتلكون حسابات مصرفية، ما يصعّب إدماجهم في سلاسل التمويل والضمان الزراعي، ويحدّ من قدرتهم على تبني تقنيات الزراعة الحديثة.

ورغم هذه العقبات، فإن تحوّل الخطاب الزراعي من الاستهلاك الطارئ إلى الإنتاج المستدام يمثّل تغيرًا نوعيًا في مسار السياسات الأفريقية. ففكرة السيادة الغذائية (Food Sovereignty) بدأت تحلّ تدريجيًا محل مفاهيم “الأمن الغذائي المرتكز على الواردات”، وهو ما يتجلّى في برامج دعم الإنتاج المحلي، وتقييد استيراد بعض المحاصيل، وتعزيز الصناعات الغذائية الوطنية([22]).

في المحصلة، تؤشر هذه المبادرات الزراعية المستدامة إلى بداية تحول حقيقي في عقل الدولة الأفريقية، من منطق الارتجال والإغاثة إلى منطق التخطيط والتمكين. لكنّ المسار نحو سيادة غذائية إفريقية متينة يقتضي تفعيل التعاون الإقليمي، وتوجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا الزراعية والتعليم الريفي، والأهم: الاعتراف بأن الزراعة ليست قطاعًا تنمويًا ثانويًا، بل ركيزة استراتيجية لنهضة القارة.

من الإغاثة إلى الوقاية: كيف يمكن لأفريقيا بناء أنظمة غذائية قادرة على الصمود؟

لطالما طغى منطق الإغاثة (Relief-Based Approach) على تعاطي أفريقيا مع الأزمات الغذائية، حيث تتكرّر دورة الاستجابة الطارئة (Emergency Food Response) عقب كل موسم جفاف أو كارثة مناخية أو نزاع مسلح. غير أن هذا النمط، على أهميته في إنقاذ الأرواح، أثبت محدوديته الاستراتيجية، بل وساهم أحيانًا في ترسيخ التبعية وتعطيل الاستقلال الغذائي طويل المدى. ولذلك، بات التحوّل نحو بناء أنظمة غذائية مرنة (Resilient Food Systems) ضرورة وجودية، لا خيارًا تنمويًا فقط.

تعني المرونة الغذائية (Food System Resilience) قدرة منظومة الغذاء – من الإنتاج والتوزيع إلى التخزين والاستهلاك – على امتصاص الصدمات المناخية والسياسية والاقتصادية، واستمرارها في توفير الغذاء الكافي والآمن والمغذي للسكان، دون انهيار أو انقطاع. ووفقًا لتقرير “الاتحاد الإفريقي حول الأمن الغذائي 2024″، فإن أقل من 30% من الدول الأفريقية تمتلك أنظمة غذائية توصف بالمرنة، مقابل 65% من دول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، ما يعكس فجوة استراتيجية تتطلب المعالجة الهيكلية([23]).

ويُبرز التحوّل من الإغاثة إلى الوقاية (From Relief to Prevention) أربع أولويات رئيسة:

– تعزيز البنية التحتية الزراعية واللوجستية: تواجه الزراعة الأفريقية تحديات هيكلية متجذرة في ضعف البنية التحتية الريفية، مثل الطرق الزراعية، شبكات النقل، المخازن المبردة (Cold Storage Facilities)، والأسواق المحلية المنظمة. وتشير تقارير البنك الدولي (World Bank, 2024) إلى أن ما يصل إلى 40% من الإنتاج الزراعي في أفريقيا يُفقد قبل أن يصل إلى المستهلك، بسبب ضعف سلاسل التبريد، وسوء التخزين، وتدني كفاءة شبكات النقل، خصوصًا في المناطق النائية. ولتجاوز ذلك، بدأت بعض الدول في مشاريع استراتيجية لتوسيع شبكة التخزين والتوزيع الغذائي، كما في مشروع “مراكز السيادة الغذائية” (Food Sovereignty Hubs) في السنغال، الذي يربط المزارعين الصغار بالأسواق عبر أنظمة رقمية للنقل والتخزين. كما أطلقت غانا مشروع “الطريق الأخضر” (Green Road Initiative) لربط مناطق الإنتاج بمراكز التوزيع في المناطق الحضرية الكبرى([24]).

– تبنّي أدوات التأمين الزراعي والتمويل الوقائي: يُعد التأمين الزراعي (Agricultural Insurance) أحد أهم أدوات التخفيف من آثار الكوارث المناخية على سبل العيش، لكنه ما يزال محدود الانتشار في أفريقيا، حيث تشير بيانات “مبادرة الزراعة الأفريقية المستدامة” (ASAI) إلى أن أقل من 7% من المزارعين في أفريقيا جنوب الصحراء مشمولون بأي نظام تأميني رسمي. ولهذا السبب، أطلقت دول مثل كينيا ونيجيريا برامج للتأمين الزراعي المرتبط بالمؤشرات المناخية (Index-Based Agricultural Insurance)، الذي يعتمد على بيانات الأقمار الصناعية لتقييم الأضرار وتحديد التعويضات بشكل آلي. كما برزت مبادرات التمويل الوقائي (Anticipatory Finance)، التي تُموّل مسبقًا إجراءات الحماية، مثل تخزين البذور، وحفر الآبار، وبناء المخازن المجتمعية. وقد قدّرت مؤسسة التمويل المناخي العالمية (GCF, 2024) أن كل دولار يُستثمر استباقيًا في الحماية من الجفاف يوفّر من 3 إلى 5 دولارات كانت ستُصرف لاحقًا على الإغاثة([25]).

– تمكين المجتمعات الريفية والمزارعين الصغار: يمثل المزارعون الصغار (Smallholder Farmers) العمود الفقري للإنتاج الغذائي في أفريقيا، إذ يوفرون ما يفوق 80% من الغذاء المحلي، ومع ذلك، فهم الأكثر تضررًا من الصدمات المناخية، والأقل حصولًا على التمويل والتكنولوجيا والتأمين. وقد أظهرت تجارب عديدة، مثل “برنامج بناء المرونة المجتمعية” (Community-Based Resilience Programs) في تنزانيا ورواندا، أن تمكين هذه الفئة من خلال التدريب، ودعم التعاونيات الزراعية، وتوسيع برامج الحوافز الزراعية، يؤدي إلى تحسين القدرة التكيفية والاستقلالية في إدارة الموارد. كما أن إشراك النساء في البرامج الزراعية يعزّز من استدامة النظم الغذائية، حيث تُشير تقديرات FAO إلى أن تمكين النساء المزارعات قد يرفع الإنتاج الزراعي الإفريقي بنسبة تصل إلى 25%، ويقلل من الجوع بنسبة كبيرة، بالنظر إلى أن النساء يمثلن 50% من القوى العاملة الزراعية في أفريقيا([26]).

– بناء أنظمة إنذار مبكر وشبكات مراقبة غذائية رقمية: لا يمكن بناء الوقاية بدون المعرفة. ولهذا، فإن إنشاء أنظمة إنذار مبكر (Early Warning Systems – EWS) متقدمة لرصد الجفاف، نقص الغذاء، وأسعار السلع الزراعية، يمثل أداة محورية في الصمود. وقد نجحت إثيوبيا في إنشاء نظام رقمي لرصد مؤشرات الغذاء بالتعاون مع “برنامج الأغذية العالمي”، يربط بيانات الطقس بإنتاج المحاصيل وأسعار السوق، ما أتاح للحكومة التحرك الاستباقي في توزيع المساعدات وتوجيه الموارد الزراعية. كما أن تبني “أنظمة مراقبة الغذاء الرقمية” (Digital Food Monitoring Systems) يسمح بتحديد نقاط الاختناق في سلاسل الإمداد، وتحديد المناطق المعرضة للخطر، واتخاذ قرارات مبنية على البيانات (Data-Driven Decision Making)([27]).

– نحو عقد اجتماعي غذائي جديد: إن الخروج من دوامة الإغاثة المستمرة يتطلب أكثر من أدوات؛ يتطلب إعادة هيكلة شاملة لعلاقة الدولة الأفريقية بالمزارع، والمجتمع، والسوق. فبناء أنظمة غذائية قادرة على الصمود يعني تأسيس عقد اجتماعي جديد (New Social Contract for Food)، يجعل من الحق في الغذاء المستدام محورًا للسياسات الاقتصادية، وليس مجرد نتيجة فرعية لها. ويعني أيضًا إرساء حوكمة غذائية تشاركية (Participatory Food Governance)، تُشرك المجتمعات الريفية، والنساء، والشباب، ومنظمات المجتمع المدني، في صياغة السياسات الزراعية وتقييمها. فالغذاء، في أفريقيا، لم يعد مجرد مادة استهلاكية، بل أصبح مساحة للسيادة، وأداة للكرامة، ورهانًا على المستقبل([28]).

الأمن الغذائي في أفريقيا بين الضرورة المناخية وإرادة السيادة

تكشف أزمة الأمن الغذائي (Food Security Crisis) في أفريقيا عن تعقيد مركب يتجاوز البعد الزراعي أو الإنساني الضيق، ليتموضع ضمن تقاطع حاد بين المناخ والسيادة والعدالة الاجتماعية. ومع استمرار مواسم الجفاف (Drought Seasons) المتعاقبة، وتزايد حدة الظواهر المناخية المتطرفة (Extreme Climate Events)، يتضح أن هذه الأزمة لم تعد طارئة أو استثنائية، بل أصبحت جزءًا من البنية العميقة التي تحكم العلاقة بين الإنسان والإيكولوجيا في القارة.

لقد أبرزت المحاور السابقة كيف أن الجفاف، في طبيعته المناخية، تحوّل إلى مؤشّر اجتماعي وسياسي على ضعف الاستعداد المؤسسي، وهشاشة الأنظمة الغذائية، وانكشاف المجتمعات الريفية في مواجهة الكوارث البيئية. فالتحذيرات الدولية، مهما كانت دقيقة، تفقد قيمتها ما لم تترافق باستجابات إفريقية جذرية تتجاوز منطق الإغاثة المؤقتة (Short-Term Relief) إلى بناء الوقاية طويلة الأمد (Long-Term Prevention) والسيادة الغذائية المستقلة (Food Sovereignty).

ورغم محدودية الانبعاثات الكربونية الأفريقية (Low Carbon Footprint)، تدفع القارة الثمن لتغير المناخ (Climate Change)، ما يطرح إشكالية العدالة المناخية (Climate Justice) بوصفها شرطًا لازمًا لأي انتقال زراعي عادل. فبينما تحصل أفريقيا على أقل من 5% من التمويل المناخي العالمي، تبقى مجتمعاتها الريفية في قلب التهديد، ما يستدعي إعادة توزيع التمويل، والمعرفة، والتكنولوجيا الزراعية بما يتوافق مع احتياجاتها الفعلية لا مع أولويات المانحين فقط.

إن بناء أنظمة غذائية قادرة على الصمود (Resilient Food Systems) لا يقتصر على دعم المحاصيل أو تحسين تقنيات الزراعة، بل يتطلب أيضًا تثبيت مبدأ الحق في الغذاء ضمن التشريعات الوطنية، وتمكين المزارعين الصغار، وإشراك النساء والشباب في قيادة التحوّل الزراعي. كما يستلزم الأمر تجديد العقد الاجتماعي الغذائي في أفريقيا، بما يعيد الاعتبار للزراعة كمجال للسيادة، لا كمجال للهشاشة.

وفي النهاية، فإن سؤال الغذاء في أفريقيا ليس سؤالًا عن الكميات فقط، بل عن الكرامة، والسيطرة على الموارد، والقدرة على تخيّل مستقبل يُزرع بإرادة إفريقية خالصة، ويُروى بمعرفة محلية، ويُحصد بعدالة بيئية واجتماعية شاملة. 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

([1]) Wenxin Wang et al. The nexus between food security, health outcomes, and climate change: a multisectoral approach to sustainable development in Africa. BMC Public Health 25, 2319 (2025). https://doi.org/10.1186/s12889-025-23269-z

([2]) Júlia Szőke and Zoltán Ködmön. Bridging the funding gap: advancing sustainable food security in West Africa to achieve SDG 2. Discov Sustain 6, 436 (2025). https://doi.org/10.1007/s43621-025-01335-1

([3]) Bile Abdisalan Nor and Yusniliyana Yusof. Environmental degradation and food security in Somalia. Discov Sustain 6, 75 (2025). https://doi.org/10.1007/s43621-024-00771-9

([4]) Francesco Zecca and Saima Saima. Pastoralism and women’s role in food security in the Ethiopian Somali region, Humanit Soc Sci Commun 12, 371 (2025). https://doi.org/10.1057/s41599-025-04680-8

([5]) Marta Marson. Effects of public expenditure for agriculture on food security in Africa. Empir Econ 68, 2673–2704 (2025). https://doi.org/10.1007/s00181-025-02713-4

([6]) FAO. 2025. The State of Food Security and Nutrition in the World 2025. Rome: Food and Agriculture Organization of the United Nations. https://www.fao.org/publications/sofi/2025

([7]) WFP. 2025. Global Report on Food Crises 2025: Focus on Africa. Rome: World Food Programme.

https://www.wfp.org/publications/global-report-food-crises-2025

([8]) World Bank. 2025. Africa’s Food Systems: Building Resilience to Drought and Climate Shocks. Washington, DC: World Bank. https://www.worldbank.org

([9]) Gideon Sadikiel Mmbando. The current challenges and solutions on utilizing the potential of underutilized and neglected crops for Africa’s food security. Discov. Plants 2, 163 (2025). https://doi.org/10.1007/s44372-025-00261-w

([10]) IPCC. 2025. Special Report on Climate Change and Food Systems in Africa. Geneva: Intergovernmental Panel on Climate Change. https://www.ipcc.ch

([11]) Emmanuel Ndhlovu. Current State of Agriculture and African Food Systems. In: Ndhlovu, E. (eds) African Food Systems. Palgrave Macmillan, Cham, 2025.  https://doi.org/10.1007/978-3-031-90823-1_2

([12]) Ibid, p.26.

([13]) Ibid, p.28.

([14]) UNDP. 2025. Sustainable Food Futures for Africa: Policy Recommendations and Innovation Pathways. New York: United Nations Development Programme.

https://www.undp.org/publications

([15])Newton R. Matandirotya et al.  Harvesting Solutions: Exploring Food Security Challenges in Africa. In: Leal Filho, W., Matandirotya, N., Yayeh Ayal, D., Luetz, J.M., Borsari, B. (eds) Climate Change, Food Security, and Land Management. Springer, Cham, 2025, p.125. https://doi.org/10.1007/978-3-031-71164-0_4-1

([16])   World Bank. 2025. Africa’s Food Systems: Building Resilience to Drought and Climate Shocks. Washington, DC: World Bank. https://www.worldbank.org

([17]) Gideon Sadikiel Mmbando. The current challenges and solutions on utilizing the potential of underutilized and neglected crops for Africa’s food security. Discov. Plants 2, 163 (2025). https://doi.org/10.1007/s44372-025-00261-w

([18]) UNDP. 2025. Sustainable Food Futures for Africa: Policy Recommendations and Innovation Pathways. New York: United Nations Development Programme. https://www.undp.org/publications

([19]) Brigitte Ruesink and Steven Gronau. Forest resource management, refugee integration, and food security in rural Zambia: balancing sustainability and equity. Food Sec. (2025). https://doi.org/10.1007/s12571-025-01547-3

([20]) Romanus Osabohien et al. Energy access, entrepreneurship and gender dynamics in food security in Sub-Saharan Africa. Discov Sustain 6, 413 (2025). https://doi.org/10.1007/s43621-025-01208-7

([21]) agriculture and Food Security in Africa. https://digitalearthafrica.org/en_za/agriculture-and-food-security/

([22])Agriculture & Food Security, Use Cases. Mapping the future of African agriculture: Ground Truth Analytics taps into Digital Earth Africa, July 28, 2025. https://digitalearthafrica.org/en_za/mapping-the-future-of-african-agriculture-ground-truth-analytics-taps-into-digital-earth-africa/

([23]) agriculture and Food Security in Africa. https://digitalearthafrica.org/en_za/agriculture-and-food-security/

([24]) World Bank. 2025. Africa’s Food Systems: Building Resilience to Drought and Climate Shocks. Washington, DC: World Bank. https://www.worldbank.org

([25]) Food Security Update, World Bank Solutions to Food Insecurity, Current state of food security in the world. Facts and statistics about food insecurity, its causes and challenges, geographic data and further resources. https://www.worldbank.org/en/topic/agriculture/brief/food-security-update

([26]) https://www.fao.org/4/w9290e/w9290e01.htm

([27]) Food security in Africa: Current efforts and challenges, https://www.brookings.edu/articles/food-security-strengthening-africas-food-systems/

([28]) Belay Simane et al. Ensuring Africa’s Food Security by 2050: The Role of Population Growth, Climate-Resilient Strategies, and Putative Pathways to Resilience, Foods 2025, 14(2), 262. https://doi.org/10.3390/foods14020262

ظهرت المقالة الأمن الغذائي في أفريقيا: أزمة موسم الجفاف بين التحذير والاستجابة أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6466/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ac/feed/ 0 6466