مراجعة كتب - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/amp/section/book-review/ مؤسسة بحثية استشارية. Fri, 13 Jan 2023 11:38:02 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5 https://i0.wp.com/alafarika.org/ar/wp-content/uploads/2022/08/cropped-Alafarisc-favc-1.png?fit=32%2C32&ssl=1 مراجعة كتب - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/amp/section/book-review/ 32 32 209004356 محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/ https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/#respond Thu, 12 Jan 2023 16:55:25 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5474

لا نعرف إلا القليل جدًا عن كيفية استخدام المعلومات المناخية طويلة المدى في صنع القرار الأفريقي،  في حين أن المعلومات المناخية الموسمية يتم تضمينها بشكل متزايد في أعمال التنمية والعمل الإنساني في جميع أنحاء أفريقيا ، فإن معرفتنا بالعوائق والفرص المتاحة لاستيعاب المعلومات المناخية طويلة الأجل شحيحة نسبيًا. ولا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا.

ظهرت المقالة محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

يلعب المناخ دورًا ديناميكيًا داخل النظم الاجتماعية الإيكولوجية المعقدة والمتطورة بسرعة ؛ وهذا يتطلب من مجتمعات علوم المناخ والمرونة والتكيف أن تشارك على نطاق واسع مع القطاعات والجهات الفاعلة الأخرى لتحقيقه. وقد أصبح تغير المناخ حقيقة يجب مكافحتها والتصدي لها والتكيف مع عواقبها المناخية التي تنوعت بين حرائق أو فيضانات أو جفاف أو ارتفاع الحرارة أو البرودة أكثر من المعتاد أو ارتفاع مستوى سطح البحر، والتي بدورها أثرت على العديد من مجالات الحياة.

وعلي سبيل المثال: هناك واحد من كل ستة مواقع للتراث الثقافي عالميًّا بات مهددًا بسبب تغيُّر المناخ، وذلك وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وعليه نحن بحاجة إلى رصد تلك التأثيرات من خلال بيانات أكثر دقة ونُظُم للتنبؤ بما سيحدث في المستقبل. وقد تحتاج الدول إلى بناء الطرق والجسور بحيث تكون مكيّفة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الأكثر قوة, كما قد تضطر بعض المدن الواقعة على السواحل إلى إنشاء أنظمة لمنع الفيضانات في الشوارع وفي منشآت النقل تحت الأرض، وقد تتطلب المناطق الجبلية إيجاد سبل للحد من الانهيارات الأرضية والفيضانات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية.

من هنا كانت ضرورة اتخاد التأمينات مسبقًا من خلال الحصول على معلومات عن الكوارث والإغاثة أثناء الأزمة  أولا، ثم تأتي الخطوة الأهم وهي التكيف مع تداعيات هذا التغير المناخي، وبالفعل منذ عام 2011  قامت عدة بلدان بإعداد خطط تكيف وطنية بموجب الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ؛ إلا أن ما يقرب من ثلاثة أرباع تلك الدول تمتلك الخطط  لكن تفتقد التمويل وفاعلية التنفيذ أقل بكثير مما هو مطلوب. قد تبدو كل هذه الإجراءات باهظة الثمن، وهي كذلك – لكن الشيء المهم الذي يجب أخذه في الحسبان هو أننا نعرف الكثير بالفعل عن كيفية التكيف، ونعلم المزيد كل يوم.

ومع أن الدعوة إلى التكيف واضحة، فإن بعض المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ هي الأقل قدرة على التكيف لأنها فقيرة أو تنتمي إلى البلدان النامية التي تكافح بالفعل من أجل إيجاد موارد كافية لتلبية الأساسيات مثل الرعاية الصحية والتعليم. إذ تقدر تكاليف التكيف السنوية في البلدان النامية بحوالي 70 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما بين 140-300 مليار دولار أمريكي في عام 2030 وما بين 280-500 مليار دولار أمريكي في عام 2050.

وفي الوقت الحالي، تُنفَق نسبة تقدر بـ 21 % فقط من التمويل المتعلق بالمناخ الذي تقدمه البلدان الأكثر ثراء لمساعدة الدول النامية في التكيف والقدرة على الصمود، أي حوالي 16.8 مليار دولار سنويًا. ورغم أن الدول الكبرى أحرزت تقدماً بشأن التخطيط، إلا أنه لا تزال هناك فجوات ضخمة في التمويل للبلدان النامية والوصول بمشاريع التكيف إلى المرحلة التي توفر فيها حماية حقيقية من تأثيرات المناخ مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر.

وعلى مستوي القارة الأفريقية تعد هي أكثر القارات تأثرا وضررا بشدة بسبب آثار تغير المناخ، من أعاصير تضرب جنوبها إلى فيضانات وجفاف أَتَتِ على الأخضر واليابس في شرق القارة ، وبالنظر إلى موقعها الجغرافي ستكون القارة معرضة بشكل خاص بسبب القدرة التكيفية المحدودة إلى حد كبير، ومن المرجح أن تتأثر البنية التحتية طويلة العمر وتخطيط التنمية بشكل خاص،.ولذلك فإن اعتبار تغير المناخ في تصميمها وتنفيذها أمر حيوي لنتائج التنمية.

إن الآثار السلبية لمثل هذه الأحداث يتم الشعور بها في جميع أنحاء القارة، فقد سجلت جنوب السودان أسوأ فيضانات منذ 60 عاما العام الماضي، والتي ألحقت أضرارا بأكثر من 800 ألف من السكان، بينما شهدت تشاد هذا العام أكثر هطول للأمطار خلال ما يزيد على 30 عاما لتواجه مع العديد من البلدان الأخرى في وسط وغرب أفريقيا فيضانات موسمية. كما ظهر مؤخرًا بإعصاري إداي وكينيث المداريين اللذين تسببا في دمار كبير في ملاوي وموزمبيق وزيمبابوي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص واحتياج مئات الآلاف من الأشخاص للمساعدة الإنسانية وكذلك إحداث خسارة هائلة للبنية التحتية.

يأتي ذلك رغم أن مساهمات القارة من مجموع انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري هي الأقل على مستوى العالم إذ لا تتجاوز 4%  وفقا لإحصائيات مؤتمر COP27، إلا أن القارة تدفع ثمن ظاهرة التغير المناخي ، من هنا كانت الحاجة الأفريقية إلى تكيفات واستراتيجيات لبناء القدرة على الصمود لإدارة التأثيرات الحالية . لكن اتخاذ قرارات التكيف يمكن أن يكون معقدًا  ويتطلب دراسة متأنية لعوامل ووجهات نظر متعددة ، وموازنة الأولويات المختلفة على فترات زمنية مختلفة.

ومع ذلك، لا نعرف إلا القليل جدًا عن كيفية استخدام المعلومات المناخية طويلة المدى في صنع القرار الأفريقي،  في حين أن المعلومات المناخية الموسمية يتم تضمينها بشكل متزايد في أعمال التنمية والعمل الإنساني في جميع أنحاء أفريقيا ، فإن معرفتنا بالعوائق والفرص المتاحة لاستيعاب المعلومات المناخية طويلة الأجل شحيحة نسبيًا. ولا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا. إذا لم يتم اتخاذ خطوات طموحة، فإن أزمة المناخ التي تتكشف تشكل تهديدًا وجوديًا وشيكًا. وبدون هذا الإجراء، يبدو من المستحيل بالنسبة لأفريقيا تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)  أو تحقيق النتائج التحويلية المتوخاة في جدول أعمال القارة لعام 2063 والمضمنة في خطط التنمية الوطنية.

 

عن الكتاب

صدر كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا: التكيف والمرونة” (Climate Risk in Africa: Adaptation and Resilience) في 19 يناير 2021 عن “بالجريف ماكميلان” – شركة النشر الأكاديمية البريطانية. وتبلغ صفحاته 191 صفحة مع 9 فصول تناولت مواضيع مهمة وتجارب محتلفة حول تغير المناخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويعدّ الكتاب عملا جماعيا شارك في إعداده باحثون وخبراء كثيرون؛ بينما حرّره كل من البروفيسور “ديكلان كونواي” (Declan Conway) الذي تشمل أعماله العلمية والبحثية المياه والمناخ والمجتمع والتكيف والعلاقة بين الماء والطاقة والغذاء؛ والبروفيسور “كاثرين فينسينت” (Katharine Vincent) التي تتركز أبحاثها على الأبعاد الإنسانية للتغير البيئي العالمي والتنمية الاجتماعية ولديها خبرات ثمينة حول قابلية التأثر بتغير المناخ والتكيف وأطر السياسات.

وتقر البحوث المقدمة في هذا الكتاب أن المناخ يلعب دورًا ديناميكيًا في عمليات البيئة والمجتمع المعقدة. وهذا يتطلب من الباحثين في التكيف التركيز على قضية رئيسية واحدة وهي إحراز تقدم في فهم مخاطر المناخ في أفريقيا. ويسلط الكتاب الضوء على التعقيدات المتعلقة باتخاذ قرارات التكيف وبناء المرونة في مواجهة مخاطر المناخ، كما يركز على تقديم تقييمات موجزة لآثار تغير المناخ في قطاعات المياه والزراعة ومصايد الأسماك والصحة ، فضلاً عن المناطق الساحلية / الحضرية حيث تعيش نسبة كبيرة من سكان إفريقيا ويوفر خيارات التكيف التي هي محددة لكل من هذه القطاعات أو المناطق. ويستند إلى خبرات برنامج البحوث التطبيقية “مناخ المستقبل لأفريقيا”, ويبدأ بالتعامل مع المبادئ والهياكل الأساسية المصممة لتسهيل المشاركة الفعالة بشأن مخاطر المناخ ، بما في ذلك متانة المعلومات وبناء المعرفة من خلال الإنتاج المشترك.

ويهدف هذا الكتاب إلى المساهمة في هذه العملية من خلال تطوير فهمنا لمخاطر المناخ وآثارها على مناهج التكيف وبناء المرونة في إفريقيا، حيث يعتمد الكتاب بشكل كبير على أسس وأهداف برنامج بحث مناخ المستقبل لأفريقيا (FCFA) الذي يهدف إلى دعم التكيف والمرونة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. سيكون الكتاب موضع اهتمام الطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا والباحثين وصانعي السياسات والممارسين في الجغرافيا والبيئة والتنمية الدولية والتخصصات ذات الصلة .

 

محتويات الكتاب

يشمل الكتاب 9 فصول مختلفة, وصفحات مخصصة للمادتين الأولية والخلفية. وتضم المادة الأولية المقدمة والإقرارات وجدول المحتويات ونبذة مخترة للكاتبين والباحثين والاختصارات المعتمدة في الكتاب، وغيرها, بينما تناولت المادة الخلفية قائمة الكلمات والعبارات أو المؤشرات المرتبطة بموضوع الكتاب لكي يسهل العثور على المواد المتعلقة بها في الكتاب.

وفيما يتعلق ببحوث الكتاب وفصولها, فهي كالتالي:

الفصل الأول: القضايا الرئيسية والتقدم في فهم مخاطر المناخ في أفريقيا

يتغير المناخ – مع عواقب وخيمة على النظم البيئية والمجتمع، وعليه هناك حاجة إلى تكيفات واستراتيجيات لبناء القدرة على الصمود لإدارة التأثيرات الحالية والتي ستكون حيوية بشكل متزايد مع استمرار ارتفاع درجة حرارة العالم.

لكن اتخاذ قرارات التكيف يمكن أن تكون معقدًة ، وتتطلب دراسة متأنية لعوامل ووجهات نظر متعددة  وموازنة الأولويات المختلفة على فترات زمنية مختلفة وعلى وجه الخصوص ، فإن حقيقة أن العديد من منافع التكيف ستتراكم بشكل أكثر حدة في المستقبل، أي تعني أنها غالبًا ما لا تحظى بالأولوية بالنسبة لتحديات التنمية الأكثر إلحاحًا  ولا سيما في إفريقيا ، كل هذا يحدث في سياق عدم اليقين حول الطرق المحددة التي سيظهر بها تغير المناخ على النطاق المحلي.

ويمهد هذا الفصل المشهد من خلال مراجعة مختصرة لمشهد التخطيط للتكيف وبناء المرونة ، ويجيب الفصل على كيفية أن نطاق الاستخدامات المحتملة للمعلومات المناخية يغير طبيعة المعلومات التي يتم إنتاجها ، والتي بدورها  تعمل على تقييم الوضع الحالي للمعلومات المناخية، ولا سيما التوقعات المستقبلية لأفريقيا. بعد ذلك ، يطرح تسأؤل كيف يمكننا تحسين استخدام المعلومات المناخية للتكيف وبناء المرونة؟ ، ثم يقدم نظرة عامة على الفصول القادمة.

ويسلط هذا الفصل بالأشكال الضوء على الطرق المختلفة لعرض مخرجات نموذج المناخ العالمي ، والحاجة إلى أنواع وأشكال جديدة من البيانات، والمزيد من التفاعلات المبتكرة مع المستخدمين لزيادة قابلية الاستخدام والتطبيق.

إن الحاجة إلى التكيف وبناء المرونة واضحة ، والطلب على المعلومات والإرشادات لدعم هذه العملية مستمر في النمو ، وهو يسلط الضوء على الحاجة إلى أنواع وأشكال جديدة من المعلومات ، والمزيد من التفاعلات المبتكرة مع المستخدمين لزيادة قابلية الاستخدام و التقدم نحو الربط الفعال بين نهج العرض من أعلى إلى أسفل التي تهدف إلى معالجة توافر المعلومات من خلال النهج التصاعدية من جانب الطلب حيث يتم تحديد المعلومات من خلال سياقات القرار البطيئة. من هنا يعالج الكتاب هذه الفجوة من خلال أمثلة من العالم الواقعي تطبق مناهج جديدة لخلق المعرفة ، كما توفر الفصول التالية سياقًا موسعًا  مستنيرًا بالممارسة  لبحوث المناخ في إفريقيا ، مع إدراك الأهمية المهمة للمقاييس الزمنية الأقصر مع التركيز على النطاقات الزمنية طويلة الأجل (حوالي 5-40 عامًا) للتكيف.

الفصل الثاني: معلومات المناخ .. نحو تقطير شفاف

يعرض هذا الفصل قضية هامة وهي الاستجابة الفعالة للتحدي المعقد لتغير المناخ لاتخاذ قرارات مستنيرة لمعالجته، وهذا يعود إلى طبيعة علم المناخ الذى هو أمر بالغ الأهمية للعملية لوصف وفهم التغييرات السابقة وتوقع التغييرات المحتملة في المستقبل ، في ظل سيناريوهات مختلفة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ومع ذلك ، فعلم المناخ ينطوي على العديد من الأحكام والاختيارات القيمية ، مع عواقب على المعلومات الناتجة ، وصانعي القرار وأصحاب المصلحة. لذلك ، فإن اتخاذ القرارات الصارمة في مواجهة حالات عدم اليقين يتطلب استجوابًا شفافًا ومداولات بشأن القيم والاختيارات من أجل استخلاص معلومات موثوقة وإدارة المخاطر. فلا يوجد نهج واحد متفق عليه من قبل جميع علماء المناخ، بل يتم استخدام مجموعة من الأساليب والافتراضات ، مع توقع الآثار المترتبة على المتانة والموثوقية وعدم اليقين.

وغالبًا ما تسترشد هذه الاختيارات والافتراضات بقيم وأهداف علم المناخ بدلاً من سياق القرار، وعليه يقترح الفصل نهج تقطير المعلومات ، والذي يجعل العديد من القرارات الضمنية والأحكام القيمية التي تحدث خلال عملية تكوين المعلومات صريحة ومفتوحة للتداول، كما يجادل الفصل فكرة  ضرورة مشاركة هذا النهج بشكل جوهري في سياق القرار ، إذ يفتح الخيارات والافتراضات بطريقة شفافة للتداول عبر علماء المناخ وخبراء السياق.

ومن خلال الفصل تم دراسة حالة – FRACTAL- و يهدف مشروع المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية (FRACTAL) إلى إرشاد عملية صنع القرار المرنة للمناخ في العواصم الكبرى في جنوب إفريقيا. إذ يتبنى المشروع  نهجًا يقوده السياق بقوة لتطوير المعلومات المناخية – نهج يتضمن أفكار محكمه حول تقطير المعلومات.

بشكل عام ، يعد استخلاص المعلومات المناخية التي تشارك بشكل فعال في اتخاذ القرارات عملية تتضمن بناء الثقة ، والاتفاق على القيم والأولويات المشتركة ، ودمج مجموعة متنوعة من التجارب والأدلة والخبرة ، وإدارة المخاطر وعدم اليقين بشكل تعاوني. بالنظر إلى هذه العملية ، هناك ثلاثة جوانب مهمة لسرد مخاطر المناخ ذات صلة خاصة بتقطير المعلومات المناخية:

الأول هو اعتماد إطار المخاطر. في لوساكا ، تشمل التوقعات المناخية قدرًا كبيرًا من عدم اليقين بشأن التغيرات في هطول الأمطار ، مع التوقعات التي تغطي زيادة وتناقص هطول الأمطار. ومع ذلك ، كشفت المناقشات أن الشواغل الأساسية كانت آثار الزيادة السريعة في عدد السكان والطلب على المياه ، وخفض إجمالي هطول الأمطار ولكن هطول الأمطار بشكل أكثر كثافة. لم تبرز الزيادات في إجمالي هطول الأمطار كمصدر قلق. ولذلك لا تمثل روايات لوساكا مستقبلًا يتزايد فيه هطول الأمطار – فقد كان استبعادها قرارًا جماعيًا تم اتخاذه مع مراعاة وفهم الأدلة المناخية – وهو حكم قيمي ينقض قيم وأولويات من يتخذون القرارات أو يواجهون عواقبها.

ثانيًا ، تم إنفاق القليل من الوقت على تصور أو تفصيل أو تبسيط أدلة علم المناخ. بدلاً من ذلك ، انخرط علماء المناخ بشكل علني مع بعضهم البعض ومع المشاركين لاتخاذ قرارات مثل استبعاد مستقبل معين. تم إعطاء الأولوية لبناء التفاهم المتبادل والثقة في قرارات التقطير على طرق الاتصال أحادية الاتجاه التي قد تغلق النقاش بشكل استباقي. لا يعني هذا التقليل من قيمة مناهج الاتصال ، التي لا تزال تحمل قيمة وأهمية بارزين ، بل هي حجة لبناء الثقة من أجل دعم الشرعية والملكية الجماعية في العملية (Harold et al. 2019).

أخيرًا ، تضاءل بسرعة الحاجز الملحوظ لعدم اليقين المتعلق بالنموذج في معظم الحالات. بمجرد أن تمكن المشاركون من التفاعل وبناء فهم مشترك عبر مجموعة من العقود المستقبلية المعقولة ، ظهرت تدخلات فعالة وذات أولوية ، وكان العديد منها مشتركًا عبر جميع العقود المستقبلية المعقولة. في كثير من الحالات ، استندت هذه التدخلات إلى التنمية الجيدة والتخطيط الحضري الذي سيكون أيضًا تدابير فعالة للتكيف. في حين أن الجهود المبذولة للحد من عدم اليقين في النموذج هي بالتأكيد ذات قيمة ويجب أن يستمر علم المناخ في السعي لتحقيق ذلك ، فإن حاجز عدم اليقين المتصور لا يمكن التغلب عليه دائمًا ، لا سيما عندما يتم بناء المعلومات المناخية من خلال التقطير المفتوح والشفاف والتعاوني.

كما يناقش هذا الفصل؛ تقدم وتطور فهم العلماء لظاهرة تغير المناخ على مستوى العالم عامة والقارة الأفريقية خاصة، و بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة هناك عاملان رئيسيان للتقدم هما التحسينات في الملاحظات والنماذج.

أولاً: أنتجت منصات المراقبة الجديدة  القائمة على الأقمار الصناعية حجمًا غير مسبوق من البيانات حول متغيرات الغلاف الجوي وسطح الأرض والمحيطات. ولكن للأسف ، فإن توافر الراصدات السطحية الأولية من محطات الأرصاد الجوية آخذ في الانخفاض في العديد من البلدان ، ولا سيما في أفريقيا. أي لا تكفي عمليات مراقبة الأقمار الصناعية في حد ذاتها – فهي تتطلب عمومًا عبر التحقق (المعايرة) مقابل الملاحظات السطحية وبالنسبة لبعض المتغيرات مثل درجة حرارة الهواء بالقرب من السطح ، أي يعد الحصول على تقديرات دقيقة للأقمار الصناعية أمرًا صعبًا.

ثانيًا: تقدم تعقيد نموذج المناخ مع تضمين عدد أكبر وتمثيلات أكثر واقعية للعمليات المناخية. نماذج المناخ العالمية (GCMs) المدرجة في مشروع المقارنة بين النموذج المتقارن الأول (CMIP) التي قدمت أدلة رئيسية في تقرير التقييم الأول للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) (1990) كانت أبسط بكثير من نماذج GCMs المساهمة في CMIP6 و IPCC الجارية تقرير التقييم السادس للمناخ ؛ على سبيل المثال ، نماذج الدوران العام المشاركة في CMIP6 هي في الغالب نماذج أنظمة الأرض (ESMs) والتي تتضمن اقتران نماذج الغلاف الجوي وكيميائيته ، والمحيطات و بيولوجيتها ، والجليد البحري ، والغطاء النباتي على سطح الأرض ، مع تباعد الشبكة بشكل عام فيما يتراوح مداها بين 100 و 200 كم.

علاوة على ذلك ، فإن التقدم في القدرات الحسابية والفهم العلمي قد مكّن أحدث نماذج المناخ الإقليمية المحدودة في المنطقة (RCMs) من العمل مع تباعد شبكي يبلغ 4 كيلومترات أو أقل ، مما يسمح لها بحل الميزات على نطاقات مكانية تبلغ حوالي 25 كيلومترًا ، والتقاط الحمل الحراري العميق بشكل صريح، وهي سمة أساسية من سمات المناخ في أفريقيا. وعليه يمكن لمثل هذه النماذج إعادة إنتاج الحمل الحراري الواقعي ، وهو أحد التحديات طويلة الأمد لنمذجة المناخ

ويعترف الباحثون ضمن هذا الفصل أنه بالرغم من تقدم هذه التطورات الرئيسية في علم المناخ، إلا انه  لا تزال هناك حواجز كبيرة أمام توفير المعلومات المناخية في شكل ومستوى الدقة المطلوبة في كثير من الأحيان لدعم اتخاذ قرارات التكيف على المستوى المحلي. في الواقع ، أكد المشاركون في المؤتمر الأفريقي الأول لمخاطر المناخ (ACRC 2019) على الحاجة إلى دمج أبحاث علوم المناخ بشكل أفضل في عملية صنع القرار ، مع الإشارة إلى التحدي المستمر الذي يمثله عدم اليقين في التوقعات المناخية لتحقيق هذا الهدف.

من هنا يتم التعامل مع هذا التحدي من منظورين متصلين، أولا؛  تبنى منظور دمج المعلومات المناخية بشكل أكثر فاعلية في صنع القرار من خلال الإنتاج المشترك ، بينما ينظر هذا الفصل في إمكانات علم المناخ والنمذجة لتوفير المزيد من المعلومات المدروسة والدفاعية. في القسم التالي ، نصف الأساس لبناء المعلومات المناخية ، مع إبراز المفاهيم المهمة للقوة والموثوقية والافتراضات المرتبطة بها. على وجه الخصوص ، نحن نأخذ في الاعتبار دور الأحكام القيمية في توصيف وتقليل عدم اليقين ، وكيف تنشأ المفاضلات بين أنواع مختلفة من الخطأ.

يؤدي هذا إلى القسم التالي حيث يتم تقديم مفهوم تقطير المعلومات المناخية، يسعى تقطير المعلومات المناخية إلى تسهيل قدر أكبر من الشفافية وإدماج صانعي القرار وأصحاب المصلحة في الأحكام القيمية والمفاضلات التي لا يتم أخذها في الاعتبار بشكل عام إلا في إطار علم المناخ. ويلي ذلك دراستا حالة لتطوير معلومات علوم المناخ المصممة للمساعدة في صنع القرار ، بدعم من برنامج مناخ المستقبل لأفريقيا (FCFA).

الفصل الثالث: الإنتاج المشترك: التعلم من السياقات

على الرغم من حدوث ثورة معلوماتية  في السنوات الأخيرة في توافر المعلومات المناخية ، إلا أن هذا لم يُترجم إلى تخطيط وتكيف فعالين يتسمان بالمرونة مع تغير المناخ، وغالبًا ما يكون هذا بسبب أنه أثناء إنتاج المعلومات المناخية ، لا يمكن استخدامها فعليًا من قبل صانعي القرار – بدلاً من ذلك توجد “فجوة قابلية الاستخدام”.

وقد أدى الاعتراف بفجوة الاستخدام إلى التشكيك في الأنماط التقليدية لإنتاج المعرفة، بدلاً من النماذج المهيمنة التي يحركها العرض ، حيث ينتج العلماء معلومات لإفشال نقص المعرفة ، هناك حاجة لمنتجي المعلومات ومستخدميها للعمل معًا من خلال المشاركة المستمرة والتكرار لإنتاج المعرفة الموثوقة والبارزة والشرعية، يتم الترويج للإنتاج المشترك بشكل متزايد باعتباره نهجًا متعمدًا لزيادة قابلية استخدام الخدمات المناخية من خلال تعزيز الشراكة بين “المنتجين” و “المستخدمين” لإنشاء خدمة مصممة وموجهة بشكل فعال. ويعد تاريخ الخدمات المناخ مشتركة الإنتاج أطول في البلدان المتقدمة ، ولا تزال هذه الممارسة في مهدها في العالم النامي، نظرًا لأنه يتضمن مجموعة من الشركاء يشاركون في إنتاج معلومات ذات سياق محدد  فلا يوجد مخطط للإنتاج المشترك.

ويعرض هذا الفصل  ثلاثة تجارب مشاريع ضمن برنامج (Future Climate for Africa، كل منها يشارك في إنتاج معلومات مناخية لإبلاغ التخطيط على المدى المتوسط (5-40 عامًا) في سياقات مختلفة مثل : الزراعة والمدن – التحليل الأفريقي متعدد التخصصات للرياح الموسمية 2050-   AMMA-2050)) ، والمدن – المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية- FRACTAL)). ومشروع العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء – الحد من عدم اليقين في نماذج فهم التطبيقات الإنمائية- ، UMFULA)) بما في ذلك الشراكة مع مشروع FCFA الرابع – دمج علوم المياه والمناخ في قرارات السياسة الخاصة بالبنية التحتية المقاومة للمناخ وسبل العيش في شرق إفريقيا ، HyCRISTAL))

وينتهي الفصل بمناقشة بعض التحديات السياقية التي واجهاها المشاريع الثلاثة ، مثل الثقة والسلطة وأنظمة المعرفة المختلفة وعوامل الحوكمة (التفويضات والأدوار والحوافز) ، وكيف عالج الإنتاج المشترك متعدد التخصصات هذه التحديات لتعميم الاستجابة لتحدي المناخ.

وأوصي الفصل بضرورة مراقبة التأثيرات عبر عملية الإنتاج المشترك ، بدلاً من ناتج المشروع فقط  و  يجب أن يأخذ هذا الرصد في الاعتبار الآثار التي غالبًا ما تكون غير ملموسة ، مثل تعزيز العلاقات الشخصية والمهنية التي تؤدي إلى تعاون مستمر ، وخلق تدفق مفتوح للمعلومات بين منتجي ومستخدمي المعلومات المناخية ، وزيادة الوعي ، وتعزيز ملكية منتجات الخدمات المناخية من قبل المستخدمين و تغيير السلوك فيما يتعلق باستخدام الخدمات المناخية. وعليه قد تؤدي هذه التغييرات “الناعمة” إلى المزيد من النتائج الملموسة مثل زيادة الإنتاج.

الفصل الرابع: استدلالات اتخاذ القرار لإدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ

يتمثل أحد الجوانب الرئيسية لعملية اتخاذ القرار القائم على الكشف عن مجريات الأمور فيما يتعلق بمخاطر المناخ في القدرة على ربط الإجراءات قصيرة الأجل بمسارات طويلة الأجل ، والتي هي في صميم التخطيط المستدام المقاوم للمناخ، حيث يميل صانعو السياسات والحكومات إلى امتلاك المزيد من الإرادة السياسية للتصرف عند مواجهة الكوارث، وهذا لا يختلف في حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ.

في مثل هذه السياقات يتم تعزيز المرونة من خلال المشاركة مع أصحاب المصلحة المختلفين عبر النطاقات وإدارة القرارات الحساسة للوقت بطرق تدعم في نفس الوقت خطط التكيف المستدامة. وعليه يناقش الفصل أربعة مناهج لتأطير عملية صنع القرار القائمة على الكشف عن مجريات الأمور للحد من المخاطر المتعلقة بالمناخ ، وهي:

• نهج المرونة “لا ندم لاتخاذ القرار في مناخ متغير”؛ أي أن الإجراءات منخفضة الندم منخفضة التكلفة نسبيًا وتوفر فوائد كبيرة نسبيًا في ظل المناخات المستقبلية المتوقعة، وتساهم تلك الإجراءات المربحة للجانبين في عملية التكيف مع وجود فوائد أخرى للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ، بما في ذلك ما يتعلق بالتخفيف.

• نهج توصيل المعلومات المناخية عبر العلوم والسياسة والاقتصاد العادل.

• تحليل مسارات التأثير التشاركي (PIPA).

• نهج الاستعداد والعمل القائم على التنبؤ.

    ثم يناقش الفصل بتفصيل أكثر نقطة تعزيز التخطيط الحضري المقاوم للفيضانات في  عاصمة واجادوجو ، دولة بوركينا فاسو ،  إذ يركز مشروع AMMA-2050 ، على تعزيز فهم الظواهر الجوية عالية التأثير على عملية صنع القرار على المدى المتوسط (5-50 عامًا) في غرب أفريقيا ، من خلال دراستين تجريبيتين  دولتي – بوركينا فاسو والسنغال- وذلك لدراسة كيفية تكييف المعلومات المناخية التي من الممكن أن تدعم بشكل أفضل عمليات صنع القرار الحساسة للمناخ.

    ويذهب الفصل إلى أن مسارات التكيف يجب أن تكون قادرة على التعامل مع مخاطر المناخ في سيناريوهات مستقبلية غير مؤكدة من خلال بناء المرونة للتغيير بمرور الوقت و مع تغير الظروف. كما يؤكد الاعتراف العميق بعدم اليقين الذي تنطوي عليه إدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ على أهمية التفكير المنطقي القوي في صنع القرار. وقد تحتاج القرارات إلى مراعاة مجموعة من الظروف المتوقعة التي تمتد على عتبة مهمة، في غرب أفريقيا ، تشمل سيناريوهات التغير في هطول الأمطار في المستقبل زيادة وانخفاض في معدل هطول الأمطار. ومع ذلك ، في حين أن هذا قد يبدو أنه يقدم مجموعة واسعة جدًا من العقود المستقبلية المحتملة للتخطيط ، فقد أظهر البحث الذي أجراه AMMA-2050 أنه نظرًا للزيادة أحادية الاتجاه في درجات الحرارة مع تغير المناخ ، بغض النظر عن علامة تغير هطول الأمطار ، فإن غلة المحاصيل من المرجح أن تنخفض مع تغير المناخ.

    ويضاف إلى ما سبق أن محاولات الحد من مخاطر المناخ على المجتمع تحتاج إلى النظر في مسألة عدم اليقّين من معلومات الطقس والمناخ، التي لديها القدرة على توجيه جهود إدارة مخاطر المناخ المستمدة من الملاحظات التاريخية ومجموعات النماذج للمناخ الحالية ، من خلال التنبؤات الجوية قصيرة الأجل إلى التنبؤات الموسمية وسيناريوهات المناخ المستقبلية؛ فالمعلومات المناخية المختلفة لها درجات مختلفة ومصادر مختلفة من عدم اليقين – على سبيل المثال – التنبؤات قصيرة المدى (اليومية إلى الأسبوعية) احتمالية بطبيعتها بسبب طبيعة الغلاف الجوي الفوضوية ، بينما ينشأ عدم اليقين في النطاقات الزمنية لتغير المناخ من عدم اليقين في النموذج وعدم اليقين بشأن الانبعاثات وتقلب المناخ الطبيعي ، و لا يختلف عدم اليقين هذا باختلاف المهلة الزمنية للتنبؤ أو الإسقاط فحسب ، بل يختلف أيضًا مع معلمة الاهتمام والمنطقة والمقياس المكاني والزمني للتنبؤ بالمنتج.

    ويصف الجزء الثاني من الفصل تحليل مسارات التأثير التشاركي (PIPA) ويأخذ في الاعتبار مدى تمكن هذا النهج من دعم تطبيق المبادئ المجانية ، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر إنصافًا وشمولية عبر الأطر الزمنية ، في إطار مشروعين بحثيين: نحو إجراء تأهب قائم على التنبؤ والتحليل الأفريقي متعدد التخصصات للرياح الموسمية – 2050.

    هذا, وتتسم إدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ بالغيوم في مستويات مختلفة من عدم اليقين والتي تتضخم عند محاولة فهم آثارها المحتملة على النظم الاجتماعية والإيكولوجية. يتضح “شلال عدم اليقين” بشكل خاص في إفريقيا حيث تكون البيانات الاجتماعية والبيئية متفرقة ، ويكون تطوير نماذج التأثير والتحقق منها في مراحل مختلفة.

    وعليه, يحاول هذا الفصل، أولاً إثبات حالة إضافة الإنصاف إلى الأساليب التجريبية، حيث ينطوي الإنصاف على ضمان ألا يؤدي الحد من مخاطر تغير المناخ لفئة واحدة من المجتمع إلى زيادتها لمجموعة أخرى.  ثانيًا ، توضيح كيف تم تطبيق هذه المبادئ في إطار مشروعين ممولين من قبل وزارة التنمية الدولية البريطانية / NERC: For PAc   AMMA-2050 من خلال استخدام أدوات تحليل مسارات التأثير التشاركي.

    الفصل الخامس: إنشاء معلومات مفيدة وقابلة للاستخدام عن الطقس والمناخ: رؤى من تخطيط السيناريو التشاركي في ملاوي

    من أجل التكيف واتخاذ القرارات التي تقلل الآثار الضارة لتقلب المناخ وتغيره ، من الضروري الحصول على معلومات مناخية حول الظروف المستقبلية، ويمكن تقديم المعلومات المناخية المستقبلية على نطاقات زمنية مختلفة من المدى القصير، مثل التنبؤات الموسمية ، إلى الإسقاطات المناخية طويلة الأجل مثل العديد من البلدان الأخرى . ففي ملاوي ازداد توافر المعلومات بمرور الوقت ؛ ومع ذلك   فإنه لم يؤد بالضرورة إلى التكيف الفعال مع تغير المناخ، وذلك لأن طبيعة المعلومات المتاحة لا تلبي بالضرورة احتياجات صنع القرار، وقد نشأ مجال الخدمات المناخية لتلبية الحاجة إلى ” توفير المعلومات المناخية بطريقة تساعد الأفراد والمنظمات في اتخاذ القرار” ، على النحو الذي أكده الإطار العالمي للخدمات المناخية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO)).

    وقد استُخْدِم نهج تخطيط السيناريو التشاركي (PSP) بنجاح في بعض البلدان الأفريقية،  بما في ذلك ملاوي. والتخطيط السيناريو التشاركي نهج مجتمعي متكامل يهدف إلى تعزيز القدرة على التكيف ودعم التخطيط والتنفيذ للحد من مخاطر الكوارث والتنمية المقاومة للمناخ المستنيرة بالمعرفة بالمعلومات والمخاطر المناخية, والذي يسمح بالتفسير الجماعي للتنبؤات الموسمية من خلال إشراك المنتجين والمستخدمين والوسطاء في إنشاء سيناريوهات ذات مغزى قائمة على التأثير بناءً على كل من الشرائح الاحتمالية للتنبؤات الموسمية (أي أقل من المعتاد ، والعادي ، وفوق الطبيعي)، كما يسمح هذا النهج  بدمج المعارف الأصلية والعلمية في المعلومات المناخية.

    ويقدم هذا الفصل، لمحة عامة عن نهج تخطيط السيناريو التشاركي ، وكيف تم تطبيقه في السياق الملاوى منذ تقديمه في موسم 2014-2015 ، مع تسليط الضوء على الأطراف المشاركة في عملية إنشاء الإرشادات ، والطرق التي تم بها ذلك. ويعد الهدف العام منه هو تقييم مدى قدرة PSP على توليد معلومات مفيدة وقابلة للاستخدام لصنع القرار للحد من مخاطر المناخ، خاصة جمهور المزارعين.

    وسلط الفصل الضوء في تجربة ملاوي مع المنفذين على المستوى الوطني ومستوى المقاطعة والمنطقة الفرعية ، والمزارعين المستهدفين بالإرشادات المفسرة ، على أن هناك مجالًا لـ PSP كطريقة لإنتاج معلومات مناخية مفيدة وقابلة للاستخدام لصنع القرار، وقد تمكن المزارعون الذين استخدموا الإرشادات الصادرة عن PSP من الحفاظ على الإنتاج عندما تكون الظروف الجوية دون المستوى الأمثل. وتحديد نوع البذور بناءً على طول توقعات موسم النمو ، وتحديد الممارسات الزراعية التي يجب القيام بها خلال أشهر فترات الجفاف الطويلة واتخاذ قرار بشأن الممارسات المناسبة لإدارة الآفات ، لا سيما أثناء فترات الجفاف الطويلة.

    كما تناولت دراسة الحالة فجوة في التقييم النقدي لـ PSP وتكمل نتائج تقييم CARE لموسم 2016-2017 ، إذ هناك حاجة لمزيد من التقييم في عدة أبعاد:

    أولاً: الحاجة لتحليل مكاني أكثر شمولاً ، مع الاعتراف بالتنوع الواسع للفاعلين المختلفين (من حيث شركاء المنظمات غير الحكومية) الذين يشاركون في مناطق مختلفة ، حيث أن هذه الدراسة  اتخذت عدد منطقتين من أصل 18 منطقة خضعت لـ PSP حتى الآن.

    ثانيًا: مازال هناك مجال لإجراء تقييم شامل، حيث يمكن أن يشمل التقييم حجم عينة أكبر ، مع إيلاء مزيد من الاهتمام لمدى تصميم العملية من منظور الجنس، مع مراعاة الاحتياجات المختلفة للرجال والنساء للمعلومات، والقواسم الاجتماعية الأخرى مثل العمر ومستوى التعليم ، بالإضافة إلى التفضيلات المختلفة في الاتصال ، والمزيد من الاستجواب عن دور المعرفة الأصلية حتى تكون قادرة بشكل أفضل على التحقق من صحة التنبؤات الموسمية.

    ثالثًا: مع استمرار PSP وتوسع قاعدة الأدلة ، هناك حاجة إلى تقييم طولي متعمق ، لا سيما وأن المناقشة لا تزال جارية بشأن المقاييس المناسبة للخدمات المناخية المنتجة بشكل مشترك ، والتي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار المنتجين والمستخدمين والعملية والنتائج.

    وفي النهاية؛ يعد التخطيط التشاركي للسيناريوهات (PSP) إحدى طرق الإنتاج المشترك لإرشادات قطاعية وسبل العيش المفيدة والقابلة للاستخدام لصانعي القرار . وفي ملاوي ، تتعرض استدامة تخطيط السيناريو التشاركي للتهديد بسبب التكامل المحدود في أطر التخطيط والاعتماد على المشاريع ، ومن ثم الحاجة إلى آلية لضمان حدوثها بانتظام ودمجها في هياكل الحوكمه الرسمية.

    الفصل السادس: قرارات عالية المخاطر في ظل عدم اليقين.. السدود والتنمية وتغير المناخ في حوض نهر روفيجي.

    يدور هذا الفصل حول دولة تنزانيا ويؤكدإن قرارات الاستثمار الرئيسية المتعلقة بالبنية التحتية لها عواقب طويلة المدى تتطلب توقع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمناخية المستقبلية التي ستعمل في ظلها. و في حين أن هناك أدلة على فعالية التكلفة لجعل استثمارات البنية التحتية مرنة للمناخ ، لا تزال العديد من القرارات تفشل في مراعاة مخاطر المناخ بشكل كاف  إن وجدت.

    كما يجري حاليًا النظر في قرارات الاستثمار الكبيرة المتعلقة بالمياه في حوض نهر روفيجي لدعم طموح تنزانيا في ترسيخ نفسها كدولة متوسطة الدخل وأكثر تصنيعًا، وعليه تمت الموافقة على مشروع Julius Nyerere للطاقة الكهرمائية الضخم – وهو مشروع بحثي مدته أربع سنوات في إطار برنامج مستقبل المناخ لأفريقيا (FCFA) ، مواجهة هذه التحديات من خلال الجمع بين علماء المناخ والتأثيرات الذين يركزون على النهج لتقليل عدم اليقين المرتبط بالاختلافات بين توقعات النماذج الذي تم التخطيط له لفترة طويلة مع إمكانية مضاعفة إنتاج الكهرباء في البلاد – في عام 2018 . سيكون هذا ثاني أكبر سد في أفريقيا من حيث الحجم ؛ وذلك سعيا لتعزيز الإنتاج الزراعي . وتحدد الخطة الوطنية الرئيسية الجديدة للري في تنزانيا (NIMP) ومبادرة ممر النمو الزراعي الجنوبي في تنزانيا (SAGCOT) نطاقًا هائلاً لمزيد من التوسع في الري، من أجل تحقيق هذه الاستثمارات الكبيرة  هناك حاجة من بين أشياء أخرى في القطاعات شديدة التأثر بالمناخ  حيث تتمتع هذه البنية التحتية بعمر طويل ، و يترتب عليها آثار عميقة على مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل  وبالتالي يمكن اعتبارها قرارات “عالية المخاطر”.

    يتسم تغير المناخ في تنزانيا وعلى نطاق أوسع في جنوب شرق أفريقيا بعدم اليقين الكبير ، حيث تتوقع نماذج المناخ ظروفًا أكثر رطوبة وجفافًا تهيمن المستويات العالية من التقلبات الملحوظة في هطول الأمطار بين السنوات. ومتعددة السنوات على السجل التاريخي في حوض نهر روفجي الذي يُعَدّ أكبر حوض نهري وأكثره أهمية من الناحية الاقتصادية في تنزانيا ، حيث ينتج نصف تدفق الأنهار في تنزانيا ، ويوفر المياه لـ 4.5 مليون شخص ولأغراض الري والثروة الحيوانية ، ويولد ما يقرب من 80٪ من الطاقة الكهرومائية في البلاد، ويدعم التدفقات البيئية في العديد من المجالات الرئيسية متنزهات الحياة البرية. وتظهر سجلات هطول الأمطار حدوث جفاف شديد لعدة سنوات في بداية القرن العشرين في السنوات الأخيرة.

    وعندما تم تسليط الضوء على تحديات إدارة تقلب المناخ في هذا الجزء من أفريقيا ، كشفت التجربة في تقييم مخاطر المناخ عن الحاجة إلى التركيز على النطاقات الزمنية ذات الصلة بالقرارات ، وإيلاء اهتمام أكبر لتقييم نموذج المناخ و القرارات الواردة فيه والنظر في تقلبية المناخ ، ضمن تحليلات تغير المناخ للمساعدة في أن تصبح توقعات النماذج أكثر فائدة في توجيه التكيف المحلي والعملي تتفاقم حالة عدم اليقين بشأن المناخ المستقبلي بسبب الطبيعة المخصصة لتوفير المعلومات والمشورة حول مخاطر تغير المناخ ، مما يؤدي إلى انخفاض الاتساق والارتباك حول موثوقية وشرعية المعلومات – وهو قلق ردده العديد من أصحاب المصلحة في حوض نهر روفجي.

    في الواقع، خلال المشاورات في الحوض ، أعرب أصحاب المصلحة رغبة قوية في مزيد من الوضوح ، ليس فقط بشأن التغييرات المتوقعة ، ولكن أيضًا بشأن الاختلافات بين عدد لا يحصى من نتائج نموذج المناخ  وصلتها بالممارسة التشغيلية ، ويفضل أن تكون معلومات أكثر تحديدًا عن الاتجاه من التغير والتغيرات في التطرف.. تُفضل خطط إدارة البنية التحتية والأحواض التي تعمل بشكل مقبول في ظل مجموعات متنوعة من الظروف المستقبلية (حلول قوية ، أو اتخاذ القرار في ظل عدم اليقين – DMUU) .

    يستكشف هذا الفصل طرقًا جديدة لفهم – إن أمكن- تقليل عدم اليقين في المعلومات المناخية لتمكين استخدامها في تقييم القرارات التي لها عواقب عبر قطاعات المياه والطاقة والغذاء والبيئة والتي تحدد نهجًا تم تطبيقه في حوض نهر روفيجي في تنزانيا ، والذي يعالج عدم اليقين في توقعات نماذج المناخ من خلال ترجيحها وفقًا لمقاييس المهارة المختلفة وعليه تتمثل أهداف هذا الفصل في (أ) استكشاف طرق تقييد عدم اليقين في التوقعات المناخية من خلال الترجيح, و (ب) تقييم تأثير ترجيح النموذج على مؤشرات أداء البنية التحتية.

    ويختتم الفصل؛ بإعطاء ترجيحات و توقعات النماذج المناخية بعض البصيرة حول نطاق عدم اليقين ، ولكن بالنسبة لهذه المنطقة ومجموعة من النماذج ، فإنه لا ينتج علاقة متسقة بين الواقعية النموذجية في محاكاة المناخ الإقليمي واتجاه وحجم إسقاط هطول الأمطار وكيفية ترجمة ذلك في التأثيرات الرئيسية في الحوض. في حين تعرض النماذج منخفضة وعالية الأداء ظروفًا أكثر رطوبةً وجفافًا. حتى عند استبعاد أكثر التوقعات تطرفًا ، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين.

    وأخيرا؛ يعطي الترجيح المستند إلى العملية (الطريقة الثالثة هنا) معظم الأفكار حول أسباب اختلاف النموذج ويسمح ببعض الاستبعاد من النموذج ، لكن الطريقة تتطلب موارد كبيرة وخبرة علمية وأحكامًا قيمية بحيث يكون توحيدها صعبًا للغاية.

    الفصل السابع: دمج مخاطر المناخ في التخطيط الحضري الاستراتيجي في لوساكا ، زامبيا

    تتصارع المدن في جميع أنحاء العالم مع التعقيدات المتعلقة بكيفية التحول من التقييمات والتدخلات القطاعية المجزأة والمشروعات المحددة إلى استراتيجيات وبرامج التنمية الحضرية المتكاملة على مستوى المدينة والمقاومة للمناخ. وإحدى الوسائل لدمج تلك الاعتبارات المناخية في تخطيط المدن عالية المستوى هي خطة التنمية الحضرية الاستراتيجية التي تنتجها العديد من حكومات المدن وتراجعها كل أربع أو خمس سنوات، هذه الخطط تحدد الأولويات لتوجيه الإنفاق العام وعمل المسؤولين والإداريين العامين المكلفين بالوفاء بالوعود التي قطعها السياسيون المحليون والوطنيون. كما إن عملية تطوير ومراجعة وتنقيح مثل هذه الخطط هي مزيج معقد من السياسات والمدخلات الفنية والمشاركة مع مجتمعات السكان ومجموعات أصحاب المصلحة الرئيسية الأخرى في المدينة، هناك جهود متزايدة لضمان أن عمليات التخطيط الحضري تقوم بدمج أفضل المعلومات المناخية العلمية المتاحة من أجل مواءمتها مع جداول الأعمال المناخية الدولية والوطنية لتحقيق أهداف منخفضة الكربون ومقاومة المناخ.

    يعرض هذا الفصل حالة وضع الخطة الاستراتيجية(2017 – 2021) لمدينة لوساكا في زامبيا  و يستكشف كيفية توصيف مخاطر المناخ وتحديد أولوياتها في الخطة (مقارنة بالخطة الاستراتيجية 2010-2015) ويفكك العمليات التي تم من خلالها تم دمج مصادر وأنواع مختلفة من المعلومات المناخية في تطوير خطة لوساكا الاستراتيجية ، بدعم جزئي من الجهود المبذولة في الاستكشاف المشترك والمشاركة في إنتاج واستخلاص المعلومات المناخية ذات الصلة ضمن مشروع المرونة المستقبلية للمدن والأراضي الأفريقية (FRACTAL).

    ويقدم الفصل مجموعة من الدروس ومجموعة من التوقعات المستقبلية، لإدخالها بشكل تدريجي في عمليات التخطيط الحضري الاستراتيجي عبر الجوانب الفنية والسياسية ومشاركة أصحاب المصلحة منها:

    الدرس الأول: الثقة والعلاقات مفتاح تبادل البيانات والمعلومات اللازمة لبناء حالة مقنعة لإدارة مخاطر المناخ.

    الدرس الثاني: تمكين مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة من التعامل مع المعلومات المناخية

    الدرس الثالث: هناك حاجة إلى وجود إطار تمكيني قانوني وسياسي وتمويلي.

    الدرس الرابع: يساعد الاستعداد لمواجهة المقاومة من خلال الوسطاء المهرة وزيارات التبادل المدينة.

    الفصل الثامن: دعم التخطيط الصامد للمناخ على المستوى الوطني ومستوى المقاطعات طريق إلى اتخاذ القرار بين أصحاب المصلحة المتعددين في أوغندا

    يعتمد التكيف الريفي الفعال مع تغير المناخ وتقلبه على نهج أصحاب المصلحة المتعددين لصنع القرار المستنير بالمناخ ، في سياق الظروف المحلية ، وبدعم من مناهج جديدة لتوليد وتوليف المعرفة متعددة التخصصات من جميع أنحاء العلوم الفيزيائية والاجتماعية. ومع ذلك ، فإن جعل القطاعات المختلفة تعمل معًا أمر صعب . وذلك لأن غالبًا ما يتم ربط أبحاث المناخ على المستويات العالمية أو الإقليمية بالسياق الوطني ، ومع ذلك ، يمكن التغلب على هذه الحواجز عندما تلتزم مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة ، بما في ذلك علماء الفيزياء وعلماء الاجتماع وصناع القرار داخل البلد – من الوزراء إلى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة – بالعمل معًا وتبادل معارفهم وخبراتهم. و على سبيل المثال تهدد قضايا تغير المناخ جهود التنمية الجارية في أوغندا ، التي تعاني بالفعل من الآثار السلبية لتقلب المناخ، فقد تسببت حالات الجفاف في أعوام 2008 و 2010 و 2016-2017 في خسائر كبيرة. وفي عام 2010  بلغت الخسائر الاقتصادية حوالي 470 مليون دولار أمريكي ، أي ما يعادل 16٪ من إجمالي القيمة السنوية للمحاصيل والثروة الحيوانية. وفي عام 2019 ، حدثت خسائر كبيرة في مناطق معينة بسبب مزيج من الأطعمة والانهيارات الأرضية وآفات المحاصيل والأمراض وعواصف البرد.

    وإدراكًا لخطر تغير المناخ ، تعهدت حكومة أوغندا بالحد من مخاطر المناخ، و تتضمنت كل من الرؤية الوطنية 2040 وخطة التنمية الوطنية (NDPII) أحكامًا للتخفيف والتكيف ، وعلى الرغم من وجود سياسة بشأن تغير المناخ ، لم يتم بعد الموافقة على مشروع قانون تغير المناخ الوطني ، كما أن الضغوط على الموارد المالية تعيق التنفيذ الفعال للأنشطة ورصدها. من هنا سلطت المناقشات المبكرة مع المركز الوطني لتنسيق الإنذار المبكر ، وكالة الأرصاد الجوية الوطنية الأوغندية (UNMA) وأصحاب المصلحة الآخرين من المستوى الوطني إلى مستوى القرية ، الضوء على فجوة المعرفة من حيث السيناريوهات الواقعية للآثار المحتملة لتغير المناخ  من بين أمور أخرى

    ولمعالجة هذه الفجوة، يرسم مشروع دمج علوم المناخ المائي في قرارات السياسات الخاصة بالبنية التحتية وسبل العيش القادرة على التكيف مع تغير المناخ في شرق إفريقيا (HyCRISTAL) الموضح في هذا الفصل مسارًا عمليًا لصنع القرار بين أصحاب المصلحة المتعددين ، حيث يجمع المعرفة و نظرة ثاقبة من العلوم الاجتماعية والفيزيائية ، لتطوير سيناريوهات واقعية لتأثيرات تغير المناخ المحتملة على السكان المتضررين وتوجيه قرارات السياسة. وقد أُجري البحث في منطقة بشرق عاصمة أوغندا كمبالا المتاخمة لشواطئ بحيرة فيكتوريا. نقدم هيكل وشكل المسار إلى اتخاذ القرار من قبل أصحاب المصلحة المتعددين ، ثم نوضح كيف تم تطبيق هذا المسار في موكونو ، والنتائج ، وننظر في فائدة هذا النهج في تمكين التكيف الفعال والمرونة.

    وفي نهاية الفصل، سلطت دراستنا الريفية التجريبية الضوء على الحاجة إلى الاستجواب النقدي وفهم آثار التكيف والمرونة كاستجابات سياسية لتغير المناخ في المجتمعات الريفية الفقيرة. ويؤدي عدم القيام بذلك إلى خطر الترويج لحلول غير فعالة أو حتى تأتي بنتائج عكسية. كما توفر المشاركة النشطة للسكان المحليين في عملية الحوكمة ، على سبيل المثال ، سرد القصص عبر الفيديو فرصة لإبراز احتياجات المجتمعات الريفية المهمشة وتعليمها وتطلعاتها ، والتي تشمل أعدادًا متزايدة من الشباب المهملين إلى حد كبير “المتخلفين عن الركب”، كما توفر إعادة التأطير هذه إمكانية المساهمة في القدرات الوطنية وتعزيزها من أجل إدارة أكثر فعالية وشمولية لمخاطر المناخ وتوفر للمجتمع المدني فرصًا جديدة لمشاركة السياسات في التنمية المستدامة.

    إذا كان للتكيف الريفي أن يكون فعالاً ، فلا يمكن أن يتخذ شكل الإجراءات الإلزامية التي يحددها الغرباء والتي تُفرض لاحقًا على المجتمعات الريفية. ينصب تركيزنا في هذا الفصل على التفكير في فعالية التكيف الريفي في سياق الأمن الغذائي والزراعة في أوغندا وتقديم نظرة ثاقبة عن طريق المضي قدمًا باستخدام التعلم من مشروع HyCRISTAL التجريبي الريفي .

    نحن نستكشف بشكل نقدي حدود “التكيف” و “المرونة” كاستجابات سياسية لتغير المناخ في المجتمعات الريفية الفقيرة من خلال الاستخدام متعدد التخصصات للمنهجيات الكمية والنوعية ، بما في ذلك الأساليب المرئية المبتكرة والبحث العملي.  كما نحدد بعض حدود بناء مجتمعات متكيفة ونستكشف الحلول المحتملة لتمكين صنع القرار المستنير للتكيف الريفي المرتبط بالاستثمار في التنمية المستدامة.  نسلط الضوء على أهمية مناهج أصحاب المصلحة المتعددين وتوليد “نظام إيكولوجي للمعرفة” يجمع بين أساليب وبيانات العلوم الفيزيائية والاجتماعية لتوليد معلومات خاصة بالسياق لإثراء عملية صنع القرار.

    الفصل التاسع: محادثات حول مخاطر المناخ والتكيف والمرونة في أفريقيا

    يشكل تغير المناخ خطرا علينا جميعا أن نعيش فيه، نتيجة لذلك ، ستستمر عملية التعلم حول التكيف مع تغير المناخ لعقود في المستقبل، حيث لا توجد مخططات لهذه العملية ، و بدلاً من ذلك علينا أن نتعلم عن طريق التجربة والتحسين ، وعليه يقدم هذا الفصل الاخير من الكتاب ، سلسلة من الأسئلة التي استرشدت بكتابة الفصول السابقة ، بناءً على رؤية المؤلفين الجماعية حول الاعتبارات المهمة للتكيف والمرونة:

    ما هي خصائص مشكلة القرار وكيف يتم تعريفها – ومن قبل من؟

    ما هي أنواع التفاعلات التي تحدث ومن يشارك؟

    ما هي العوامل السياقية الرئيسية بما في ذلك أهمية مخاطر المناخ التاريخية ودور المؤسسات والحوكمة؟

    كيف يتم توصيف مخاطر المناخ والإبلاغ عنها ، وفي أي نطاقات زمنية؟

    إلى أي مدى يظهر عدم اليقين بشأن المناخ في التحليل؟

    إلى أي مدى تعتبر الاعتبارات غير المناخية مهمة وكيف تتم معالجتها؟

    ما هي عمليات التنقيح – ما الذي يعمل بشكل جيد ولماذا؟

    وبالنظر إلى فصول الكتاب الثامنية، والتي تتناول الأسئلة بطرق متنوعة (وأحيانًا ضمنيًا) ، نرى مساهمتها الجماعية بمثابة إضافة إلى الإجراءات السابقة والمستمرة لبدء المحادثات وإعلامها حول مخاطر المناخ والحاجة إلى التكيف وبناء المرونة، يتضمن ذلك مزج المعرفة من علوم المناخ التي توفر رؤى حول الشكل الذي سيبدو عليه المناخ المستقبلي مع تجارب العلوم الاجتماعية للاستجابة من خلال التكيف ، بناءً على التطبيقات العملية في مجموعة متنوعة من السياقات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى للقيام بذلك يتطلب عملية اتصال من خلال زيادة الوعي وتبادل المعرفة بين مختلف الجهات الفاعلة وتعزيز الإدماج .

    ولأن الكتاب يهدف إلي إثراء المحادثة الجارية في ساحات السياسة الدولية والوطنية وعلى نطاق أوسع في المجتمع للمساعدة في اتخاذ قرارات أكثر إنصافًا وفعالية للحد من مخاطر المناخ؛ فقد كان هذا الفصل التاسع مبنيًّا حول فكرة المحادثات التي تحدث لدعم التكيف والمرونة في مواجهة مخاطر المناخ, وخاصة أن الكثير من هذا الكتاب يتعامل مع المبادئ الأساسية والهياكل المختلفة المصممة لتسهيل المحادثات الفعالة على طول سلسلة قيمة الخدمات المناخية بأكملها، والتي تشمل متانة المعلومات، وأساليب المشاركة وبناء المعرفة، حيث تم تعريف تغير المناخ على أنه مشكلة خبيثة – وهي مشكلة تستعصي على الحل السهل بسبب التغير المستمر في خطوط الأساس وعدم اليقين المتأصل. وهذا يعني أن معالجتها تتطلب علمًا ما بعدًا عاديًا، حيث لا يمكن فصل العلم عن القيم والمعايير التي تمنحه القيمة والاستخدام لأخذ هذه القيم والمعايير في الاعتبار ، يتطلب العلم ما بعد العادي المشاركة النشطة للمجتمعات غير العلمية.

    ويضاف إلى ما سبق أن المشاركة والإنتاج المشترك هما من بين الآليات التي يتم من خلالها العلم ما بعد العادي, وأن المساواة والإدماج من المبادئ الأساسية التي يجب تعزيزها من خلال هذه الأساليب، مع الأخذ في الاعتبار من يشارك وأدوارهم. وقد تناول هذا الفصل أيضا المحادثات المنظّمة للتعامل بطرق مختلفة مع العوامل المطلوبة للاستخدام الناجح للمعلومات، بما في ذلك المصداقية والشرعية / الثقة والبروز. وتطرّق أيضا إلى ما تعنيه هذه المحادثات لأجندة التكيف المتنامية, حيث أخذ في الاعتبار من يحتاج إلى المشاركة في محادثات حول التكيف قبل الانتقال إلى الطرق التي يمكن من خلالها تنظيم مثل هذه المحادثات والحاجة إلى تقييم نتائجها. ودرس الفصل ما هي الاعتبارات ذات الصلة بتكييف المعلومات المناخية لاتخاذ قرارات التكيف مع مراجعة نتائج تلك المحادثات وكيفية تركيزها على الحاجة إلى اتخاذ إجراء.

    وأخيرا, تصحب الأدلة المتزايدة على مخاطر المناخ بعاملين مهمين ومتصلين من زيادة الطلب على تدابير التكيف. الأول هو الاعتراف والتجربة الأكبر للعبء الاجتماعي والاقتصادي المتصاعد الناجم عن تغير تواتر وشدة وتوليفات المخاطر. والثاني هو التزامات أقوى على المستوى الدولي والوطني في مجال السياسات ، مثل اتفاقية باريس والهدف العالمي بشأن التكيف. هناك تنافس على الموارد وأولويات التنمية والآفاق السياسية والتخطيطية قصيرة المدى ، ولكن من خلال التأكيد على الحاجة إلى تضمين البعد المناخي في سياق أوسع لصنع القرار ، فإننا ندرك أهمية مواءمة التكيف وبناء المرونة مع القطاعات والجهات الفاعلة الأخرى ، لجعل جدول الأعمال وثيق الصلة ويمكن تتبعه للسياسة والممارسة. باختصار ، يجب إجراء محادثات حول المناخ. فرضيتنا هي أن التفاعل بين الدوافع التجريبية و السياساتية للتكيف المستقل والمخطط وبناء المرونة يحفز الابتكار من أجل الممارسة. في هذه الواجهة يتم رفع قيمة واستخدام المعلومات المناخية واختبارها. وتوفر التجارب الموضحة في هذا الكتاب نقطة انطلاق لمثل هذه المحادثات لتوجيه العمل المتسق.

     

    خاتمة

    مما لا شك فيه أنه يجب على الدول الأكثر ثراءً الوفاء بالتزاماتهم المالية والتنموية والأخلاقية تجاه الطبيعة والشعوب المتضررة من جراء أعمالهم ، فلا يزال العمل العالمي للتصدي لتغيّر المناخ ضعيفًا. ولا تزال المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) حاليًا في العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس بعيدة عن المطلوب لتلبية حاجز درجة الحرارة لتحقيق نمو أكثر أمانًا، إذا لم يتم اتخاذ خطوات طموحة حتي انعقاد cop 27  بالقاهرة ، إذ ان أزمة المناخ التي تتكشف تشكل تهديدًا وجوديًا وشيكًا وبدون هذا الإجراء  يبدو من المستحيل بالنسبة لأفريقيا تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة ، أو تحقيق النتائج التحويلية المتوخاة في جدول أعمال القارة لعام 2063 والمضمنة في خطط التنمية الوطنية.

     

    ظهرت المقالة محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/5474/climate-risks-in-africa-adaptation-and-resilience/feed/ 0 5474
    عن ظاهرة العنف وجدلية العرق وتصفية الاستعمار: قراءة في كتاب “معذبو الأرض” https://alafarika.org/ar/5370/%d8%b9%d9%86-%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%88%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%aa%d8%b5%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7/ https://alafarika.org/ar/5370/%d8%b9%d9%86-%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%88%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%aa%d8%b5%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7/#respond Sun, 23 Oct 2022 12:40:46 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5370

    في عام 1961 صدر كتاب “Les Damnés de la Terre” لـ “فرانز فانون”, وتُرجِم إلى لغات مختلفة, بما في ذلك الانجليزية “The Wretched of the Earth” والعربية “معذبو الأرض”. واعتُبِر ضمن أكثر الكُتب قراءة في فترة ما بعد الحرب “العالمية” الثانية, كما أن الكتاب منذ صدوره أثار نقاشات ودراسات حول مفاهيم وأفكار ومواقف متعلقة بمواضيعه. […]

    ظهرت المقالة عن ظاهرة العنف وجدلية العرق وتصفية الاستعمار: قراءة في كتاب “معذبو الأرض” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>

    في عام 1961 صدر كتاب “Les Damnés de la Terre” لـ “فرانز فانون”, وتُرجِم إلى لغات مختلفة, بما في ذلك الانجليزية “The Wretched of the Earth” والعربية “معذبو الأرض”. واعتُبِر ضمن أكثر الكُتب قراءة في فترة ما بعد الحرب “العالمية” الثانية, كما أن الكتاب منذ صدوره أثار نقاشات ودراسات حول مفاهيم وأفكار ومواقف متعلقة بمواضيعه. وفي هذه الورقة سيتم تناول أهم هذه المواضيع بدءا من شخصية المؤلف واتجاهاته الفكرية.

    شخصية المؤلف واتجاهاته الفكرية

    ولد “فرانز فانون” (Frantz Fanon) في “فور دو فرانس” عاصمة جزيرة مارتينيك الكاريبية في يوليو من عام 1925. كان طبيبا وفيلسوفا اجتماعيا. مارس الطب النفسي بعد أن التحق بالمدرسة الطبية في ليون. رسمت تجاربه المتعددة، ملامح تركيبته الشخصية وصقلت قدرته على الكتابة والتفكير. والواقع، أن سيرورة تشكل شخصية فرانز فانون كانت تعكس معاناته الكبيرة بعد أن اختار طريق النضال والفكر التحرري.

    عندما وصل فانون إلى فرنسا في عام 1947، كانت البلاد في حال من التغير المستمر؛ فبعد أن هزتها الحرب، أخذت تواجه حركات راديكالية تعمل من أجل التغيير، بما فيها (عالم ثالث) يناضل من أجل الاستقلال.  وعرفت فرنسا في تلك السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرةً، موجة عاتية من موجات الحراك الفكري الذي كان يروم تغيير بنية التفكير وأسس الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي أصيبت بجرثومة حرب لا معقولية فيها. وهو الوقت الذي انقسم فيه التفكير بين معسكرين لا يمكن مصالحتهما، فكل شئ كان يصنف بمصطلحات مانوية” – كما يرى المؤرخ طوني جوت. مثل: شيوعيون/ رأسماليون، الاتحاد السوفيتي/ الولايات المتحدة الأمريكية، صحيح / خطأ، خير / شر، هم / نحن…

    مع دراسته الأكاديمية وتخصصه في حقل الطب النفسي، انكب فانون على المعرفة، وتأثر كغيره من الانتلجنسيا الفرنسية، بالظروف الاجتماعية التي فرضت عليه الاهتمام بالسياسة. فانتمى فانون فكريا وسياسيا إلى الاتجاه الاشتراكي الذي كان متأثرا في فرنسا بمحاضرات ألكسندر كوجيف بشأن ديالكتيك “هيغل” عن السيد / العبد، في ثلاثينيات القرن العشرين. وبحسب بيتر غيسمار، فإن فانون، حضر اجتماعات عمالية وتروتسكية، وبالتالي لم يكن ثمة شك في اتجاهاته الاشتراكية. ومع ذلك، فإن القضية المحورية لمتعاطي فانون وفكره، تتعلق، بالمكانة التي يمكن وضعهما فيه – أي الأفكار وصاحبها فانون نفسه، والذي وعلى الرغم من اتفاق الكثيرين على اشتراكيته – إلا أنه كان ولا يزال من الصعب تصنيفه، فهو – أي فانون – كان موضوع تصنيفات لا تحصى، تتراوح بين الملك الفيلسوف لأفريقيا، ونبي العنف؛ واعتبره البعض سارتريًّا (نسبة إلى سارتر)، وماركسيا، وهيغليا، ولاكانيا (نسبة إلى عالم التحليل النفسي الفرنسي جاك لاكان)، ومعتنقا مذهب الزنوجة، واشتراكيا، وداعية للوحدة الإفريقية (آفروعمومي)، ومؤسسا لمدرسة ما بعد الكولينيالية. وأكثر من ذلك أن أكثر أفكاره تأثيرا والتي اعتبرت جوهرية بالنسبة لعدد لا يحصى من الناس، معقدة ومتشابكة ومتداخلة، ولعل الأمثلة الأبرز لأفكاره المتشابكة تتمثل في ديالكتيك العرق والطبقة ومكانتهما في انطلاقاته التحليلية.

    بعد سنين قليلة من تخرجة وعمله، التحق فانون بالثورة الجزائرية، وهناك بدأت فصول مشروعه الفكري التحرري في التبلور. حيث ألف فانون عددا جد معتبر من الكتب، لكن – ومن غير إنكار عمق مؤلفاته الأخرى – فإن كتابيه (إهاب أسود.. أقنعة بيضاء)، و(معذبو الأرض) يبدوان مختلفين تماماً من حيث أنهما يعكسان تجارب مختلفة بشأن الاستعمار الكولينيالي الفرنسي. فالكتاب الأول يناقش اشكالية عقدة النقص المشتقة، في آن واحد، من النزعة الفرنسية التي سادت جزر المارتينيك قبل الحرب. ومن تجربة أن تكون أسود البشرة في الأعوام التي تلت الحرب مباشرة في المركز الاستعماري فرنسا؛ أما الكتاب الثاني، فهو نتاج لثورة ضد الاستعمار الكولينيالي في مستعمرات الاستيطان.  ورام فانون في كتابيه المذكورين، معالجة اشكاليتين معقدتين بحسابات تلك الأيام، باعتبار تجذرهما في أعمق أعماق المجتمعات الأوروبية؛ وهي إشكاليتي العنصرية الممنهجة وظاهرة الاستعمار. ويعتبر ما جاء في الكتابين من طرح بشأن الاشكاليتين، من أقوى المحاججات التي شكلت لاحقا أسس معرفية لما عرفت بدراسات ما بعد الاستعمار.

    كتاب “معذبو الأرض” (Les Damnés de la terre)

    نال هذا الكتاب الذي صدر في أزمنة معاناة الشعوب الإفريقية مع الاستعمار، (في ستينيات القرن الماضي)، مكانة مرموقة من بين مؤلفات فرانز فانون الأخرى لاعتبارات ثورية بحتة. وبعبارة أخرى، أصبح هذا الكتاب بعد صدوره، “إنجيلا لثورات التحرر الإفريقية” وبه عرف فانون ككاتب عميق وفيلسوف صاحب مدرسة فكرية وضعت الأسس النظرية لما تعرف الآن بدراسات (ما بعد الاستعمار). حيث عد هذا الكتاب (معذبو الأرض)، حجر زاوية في التأسيسات التي استهدفت تفكيك أبنية الاستعمار وخطابه الفكري والنظري (الأيديولوجي). وتنبع أهمية كتاب (معذبو الأرض)، من كونه السفر الذي حوى خلاصة تجربة مؤلفه (فرانز فانون) السياسية والثورية، وجل خبراته التي استقاها كوطني مارتنيكي أسود، في مقابل الآخر الفرنسي الغازي، إلى جانب تجربته مع جيش التحرير الوطني الجزائري. وفي هذا الكتاب أيضا، حاول المؤلف كشف استراتيجيات الاستعمار العسكرية وتقنياته السيكولوجية التي يخضع من خلالها الشعوب، وأبان من ثم الوسائل القمينة بمجابهة ذلك الاستعمار ومداخل الخلاص منه نهائيا وطوي صفحته.

    ككل كاتب، اهتم فرانز فانون في متن(معذبو الأرض)، بقضايا رئيسية جسدت الثيمات الأساسية لكتاب متوسط الحجم. وعبر طرح متماسك، جادل فانون في ثنايا مؤلفه بشأن العنصرية العرقية وظاهرة الاستعمار بصيغتيه القديم والجديد، وظاهرة العنف (كسلاح ثوري)، واتجاهات البرجوازية الوطنية أثناء وبعد الثورات التحررية.

    ومن المواضيع التي تناولها الكتاب:

    أولا – ظاهرة العنف: الفانونية الراديكالية

    تلقب الكثير من الدوائر المعرفية مؤلف كتاب معذبو الأرض (فرانز فانون) بفيلسوف العنف. وهذا يتناقض مع ما عرف عنه كشخص. وهو الذي عرف بحسه الأخلاقي العالي وإنسانيته وطيبة قلبه إبان ممارسته الطب العلاجي في الجزائر. والواقع، أن طرح فانون للعنف لم يكن أنطولوجيا. أي أنه لم يكن يبرر لملازمة العنف للوجود الإنساني والاجتماع البشري عموما.

    في كتابه المذكور، نظر المؤلف إلى العنف كظاهرة تاريخانية يرتبط وجودها بضرورة تبديل حالة عصية على الإدراك والعقلنة كالاستعمار. إن المستعمر – حسب مؤلف الكتاب – يدرك منذ ولادته إدراكا واضحا أن هذا العالم المضيق، المزروع بأنواع المنع، لا يمكن تبديله إلا بالعنف المطلق.

    وكان مؤلف الكتاب يرى أن علاقة المستعمر والمستعمر، علاقة مختلة قائمة على حالة غير موضوعية،هي: الظرف الاستعماري. هذا، بينما تقوم استمرارية هذا الظرف الاستعماري على العنف العاري الذي يمارسه المستعمر بأجهزة قمع كالشرطة والدرك. إن العنف الفانوني ما هو إلا عنف القوى الاستعمارية نفسها مرتدا إليها، ذلك لأن “محو الاستعمار حين يعرض عاريا، يكشف من خلال مساماته كلها، عن رصاصات حمر وخناجر دامية”. إن إرادة المستعمر للفكاك من هذا المأزق الوجودي، “لا يمكن أن يتم (لها النجاح) إلا بعد قتال حاسم مميت يخوضه الطرفان المتنازعان”. كما أن هذه الإرادة (إرادة المستعمر)، لن تتمكن من الانتصار “إلا إذا ألقيت في الميزان جميع الوسائل، ومنها وسيلة العنف طبعا”. إن العنف هو اللغة التي يفهمها الاستعمار ويخشاها. ولا سبيل للتخلص منه إلا من خلالها.

    ثانيا – مكافحة العنصرية: جدلية العرق والطبقة

    ربما يمكن الجزم بأنه: لم يتلقى أي عرق معاملة سيئة ومهينة بناء على ثيمة اللون مثل السود. وقد تمت كل معاملة سيئة من خلال تبريرات ومداخل أيديولوجية مختلفة، إن أبسط مثال لذلك: علاقات الرق في شكلها الحديث، والتي انبنت على علاقات اجتماعية أخذت طابعها من أيدولوجية التفوق السلالي للبيض، بالاضافة إلى بعض التفسيرات الأنطولوجية المتعلقة بنصوص دينية معينة. فلقد أعاد القادة المؤمنون بأسطورة “لعنة كنعان” وجمعوا مع العلماء المزيفين كل المناهج المتاحة عن الدونية السلالية واستكملوها؛ وكررت المدارس المتناثرة ودورياتها الأساطير واعتبرتها أساسا للتفسير. وعلى هذا تم بناء بعض التصورات الإنسانية والعلوم التي تبرر استرقاق الأفارقة.”  لقد ناضل السود زرافات ووحدانا، وقاتلوا من أجل تغيير المكانة الاجتماعية التي وضعو فيها بسبب هذه التصورات. ولأجل هذا الغرض ظهرت العديد من الأفكار والاتجاهات، وكذلك ظهر عدد كبير من القادة والمفكرين، والذين كان فرانز فانون من بين الأبرز فيهم والأكثر تأثيرا في عملية بناء سردية تحرر السود – وكل معذبو الأرض – السياسي والاجتماعي، والأهم تحررهم الذهني.

    يقول فانون: إن إزالة اغتراب (disalienation) الانسان الأسود بشكل فعال ينطوي على اعتراف فوري بالوقائع الاجتماعية والاقتصادية. (و)إذا كانت هناك عقدة نقص/عقدة دونية، فهي نتيجة عملية مزدوجة: –  اقتصادية في المقام الأول؛ –  بعد ذلك، الاستبطان (internalization) – أو بتعبير أفضل – البشرنة لهذه الدونية.

    وفي هذا الكتاب، جادل المؤلف بأننا “لسنا مطالبون فقط بالاهتمام بهذه العنصرية اللونية وما ينتج عنها من تمييز عنصري، بل والدخول في صميم التقسيمات الناتجة عن مثل هذه الممارسات لنعين خطوط التداخل بينها وبين باقي الميكانيزمات المؤثرة في عملية تحديد المكانة الاجتماعية. بما في ذلك الميكانيزم الاقتصادي.  وأوضح من ثم، “أن على الانسان الأسود شن حربه على كلا المستويين (مستوى الفرد)، و(مستوى الجماعة). أي مستوى تأثيرات العامل الاقتصادي على الوضعية الطبقية للأفراد، ومن ثم مستوى تأثيرات العنصرية الممنهجة والتمييز اللوني المؤسسي على المكانة الاجتماعية للجماعات السوداء وقدراتها التنافسية. ذلك باعتبار أن العرق لطالما اعتبر محددا للمكانة، حيث لونت (مريلة الخدم) باللون الأسود خلال قرون طويلة.”

    “وبالكاد أثرت القيود التي فرضها الانتاج الصناعي على الاطار الاجتماعي والثقافي للمجتمعات في أوروبا والأمريكتين، حيث قاسى السود أوضاعا صعبة. وحيث بدا أيضا، أن الاستجابة الفكرية للنظام الاجتماعي الجديد (الرأسمالي)، كان بطيئا، بحيث لم يكن سهلا بلورة وعي طبقي وحراك حقوقي مشترك بين السود والبيض الأنغلوساكسون الذين لم تكن حراكاتهم قاصرة على السلوكيات الطبيقة أو الاقتصادية. لقد جعلت الميول البيورتانية (النقاء) العمال البيض رافضين لمساواتهم بالعمال السود، ودفعت نفس هذه الاتجاهات والتصورات أصحاب وملاك الشركات والمصانع إلى تخصيص الأعمال التي تحتاج إلى قوة بدنية هائلة للسود دون غيرهم. اللهم إلا إن كان الايرلنديين. لقد أثرت هذه الاتجاهات والمشاعر القومية في طبيعة الموجة الأولى من ثورات السود في العالم الجديد، والتي لم تكن محكومة بنقد المجتمع الغربي، ولكنها كانت محكومة بالرفض الكامل لتجربة الرق والعنصرية. ونظرا لأنهم كانوا أكثر حرصا على الحفاظ على الماضي منهم على تحويل المجتمع الغربي أو الإطاحة بالرأسمالية (الناشئة وقتها) فقد أسسوا مستوطنات الهاربين وأصبحوا خارج المجتمع، وحاولوا ان يجدوا طريقة للعودة إلى إفريقيا، حتى إذا كان ذلك يعني فناءهم.”

    إن مكانة العرق في فكر المؤلف تتجلى في أنه عمل كل جهده الفكري والفلسفي والعلاجي لاعادة الاتزان للانسان الأسود، على الأقل عبر تخليصه من عقدة الذنب المصطنعة وأسطورة اللعنة التي قيد بها. إن فانون يكاد يكون فيلسوف المطرقة التي كسرت الصور النمطية والتمثلات التي خلقتها أوروبا حول الإنسان الأسود. حيث الذي يقوم بالتعذيب هو الرجل الأسود، الشيطان أسود، يتحدث المرء عن الظلال، عندما يكون المرء قذرا فهو أسود – سواء كان المرء يفكر في القذارة الجسدية أو الأخلاقية.  ولقد أبان المؤلف في هذا الكتاب (معذبو الأرض)، أن الانسان الأسود، وبهذه الكمية الهائلة من التمثلات المجحفة في حقه، والتي من ثم وضعت له إطارا لا يجب أن يخرج منه، إنما هو ضحية حضارة أوروبا. لأنه وإن بدا عصابيا وغارقا في الفصامية فهو نتيجة وأثر لفعل ما.. إنه بلا شك فعل أوروبا. لكن في كل الأحوال، لا يجب على هذا الانسان الأسود انتظار العلاج من أوروبا نفسها التي هي مائتة لا محالة وذاهبة نحو الهاوية: إن عليه اطلاق ثورته التحررية ونضاله ضدها.

    وللأمانة، لم يكن مؤلف الكتاب يقدم العرق على الطبقة أو العكس، ولكنه، وبخلاف كل الماركسيين – الكلاسيكين على الأقل – كان يضع اعتبارا كبيرا لتأثيرات كل منهما على عملية حيازة السلطة والوضعية الاجتماعية، ويمتد هذا التأثير ويصل احيانا لدرجة إمكانية إنقلاب البنيتين الفوقية والتحتية رأسا على عقب. على الأقل حيث تمارس العنصرية المؤسسية وحيث “المستعمرات، والطابع الذي يطبع النظام فيها، وهو أن الوقائع الاقتصادية، هو أن الفروق الاقتصادية والتفاوت الكبير في طراز المعيشة، لا تستطيع أبدا أن تحجب الوقائع الإنسانية. فحينما يتم ادراك النظام الاستعماري في واقعه المباشر، نلاحظ أن ما يقسم العالم إنما هو أولا انتساب المرء أو عدم انتسابه إلى نوع معين، إلى (عرق) معين. إن البنيان التحتي الاقتصادي هو في المستعمرات بنيان فوقي أيضا. السبب هنا نتيجة: المرء غني لأنه أبيض، وأبيض لأنه غني. لذلك كان على التحليلات الماركسية أن تخفف من حدتها قليلاً حين تعالج مشكلة المستعمرات…”،  وربما حتى البلدان التي شهدت أشكال التمييز العنصري الممنهج والمؤسسي.

    ثالثا – الاستعمار

    مثل الاستعمار الإنحراف الإنساني الأكبر بعد ظاهرة الرق. وبالنسبة إلى مؤلف كتاب معذبو الأرض، فإن الاستعمار لم يكن شيئا طبيعيا منذ البداية ولم يكن من المتوقع أن يقود إلى نتائج طبيعية في النهاية. لقد كان – الاستعمار – تجريدا للمستعمر من إنسانيته. لقد عد المستعمر حيوانا. ويقول المؤلف: “أنظر إلى اللغة التي يتكلمها المستعمر حين يتكلم عن المستعمر، تجد أنها اللغة المستخدمة في وصف الحيوانات: إنهم يستعملون هذه التعابير: زحف العرق الأصفر، أرواث المدينة الأصلية، قطعان الأهالي، تفريخ السكان، تنمل الجماهير، الخ. إن المستعمر حين يريد أن يحسن الوصف وأن يجد الكلمة المناسبة، يرجع دائما إلى الألفاظ المستعملة في وصف الحيوان”. إن الاستعمار تنزيحا وجوديا، لأنه يقوم على تبرير “أن المستعمر “الشيء” ليس له ماهية”. حيث لم تكتفي الأيديولوجياالاستعمارية بوصف المجتمع المستعمر بأنه خال من القيم. إن المستعمر لا يكتفي بالقول إن القيم قد نزحت عن المجتمع المستعمر، أو أنها لم توجد فيه يوما. إنما هو يعلن أن السكان الأصليين لا سبيل لنفاذ الأخلاق إلى أنفسهم، وإن القيم لا وجود لها عندهم، بل إنهم إنكار للقيم، أو قل إنهم اعداء للقيم”.

    لقد جادل المؤلف – والحقيقة في أكثر من كتاب – بأن الاستعمار كسياسة استغلالية، لم يكن ليبدو ممكنا ما لم يعطى مبررات أيديولوجية. لذلك أحالنا في هذا الكتاب إلى حديث مسيو ماير في (الجمعية الوطنية الفرنسية)، ويقول مسيو ماير: “إن عادات المستعمر وتقاليده وخرافاته، خاصة خرافاته، هي بعينها علامة هذا الانحطاط وهذا الفساد القائم في تكوينه ذاته. ولذلك يجب أن نضع على مستوى واحد مبيدات الحشرات التي تنقل الأمراض، والدينانة المسيحية التي تحارب الهرطقات والغرائز في مهدها”.

    وأخيرا، اعتقد مؤلف الكتاب أن الاستعمار بناءا اجتماعيا مختلا. “فالعالم الذي يسوده النظام الاستعماري هو عالم مقسم”. وهو عالم يقوم على خطوط وهمية ترسخ التمايزات التي بين المستعمر والمستعمر. ف”هناك مدنا للسكان الأصليين ومدنا للأوروبيين. إن هناك مدارس للسكان الأصليين ومدارس للأوروبيين”. إن كل شيء في عالم الاستعمار يحمل توكيدا على أنه، عالما “منقسما إلى عالمين. والخط القاسم، أو الحدود الفاصلة، إنما هي لثكنات ومراكز الشرطة.” ولا تشابه بين عالمي المستعمر والمستعمر ولا مناطق سكنهما. ف”المنطقة التي يسكنها المستعمرون لا تكمل المنطقة التي يسكنها المستعمرون. إن هاتين المنطقتين تتعارضان، ولكن لا في سبيل وحدة أعلى. إنهما تخضعان لمنطق أرسطي صرف، إنهما تخضعان لمبدأ التنافي المتبادل..”.

    رابعا –  تصفية الاستعمار

    أخذ المؤلف مكانته الرائدة في الفكر التحرري بما خطه في هذا الكتاب من فرضيات تعكس الضرورات الأخلاقية والسياسية لتصفية الاستعمار. وبحسب فانون، فإن تصفية الاستعمار، وبما تجلبه من فرص لخلق علاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة بين المستعمر والمستعمر، هو مدخل لتاريخ مغاير. ذلك “لأن أناسا مشاهدين يسحقهم أنهم ليس لهم ماهية، يأتي محو “تصفية” الاستعمار هذا فيحيلهم أناسا فعالين ممتازين يدخلون تيار التاريخ دخولا رائعا”. وبحسب المؤلف، فإنه لا سبيل لتوكيد علاقات إنسانية معقولة إلا بتصفية الاستعمار، “لأن تصفية الاستعمار يبث في الوجود ايقاعا خاصا يجيء به الرجال الجدد، ويحمل إلى الوجود لغة خاصة وإنسانية جديدة”. ولا سبيل أيضا لاستعدال القيم إلا بالتحرر من الاستعمار. لأن “محو “تصفية” الاستعمار، وهو يستهدف تغيير نظام العالم، إنما هو، كما ترون، برنامج لقلب النظام قلبا مطلقا”. إن المستعمر حين يسعى لتصفية الاستعمار، فإنه يعمل على أخذ مكانته الطبيعية. “لذلك فإن كل محو “تصفية” للاستعمار هو من ناحية الوصف نجاح”.

    خامسا – البرجوازية الوطنية والاستعمار الجديد

    عرف المؤلف فئة البرجوازية الوطنية: بأولئك المثقفين “الذين يتصفون بالبراعة والمكر والحذق في تحقيق أغراضهم الشخصية”. لقد لعبت هذه البراجوازية الوطنية أدوارا مختلفة في أزمنة مختلفة، والواقع، أن المؤلف يعتقد أن هذه الفئة لم تلعب دورا حقيقيا أثناء الثورة التحررية، ولن تلعب أدوارا ايجابية بعده أو أثناء الاستقلال الوطني، ذلك بحكم “أنماط السلوك وأشكال التفكير التي التقطوها من معاشرتهم للبرجوازية الاستعمارية”. ف”لقد كانوا للاستعمار أبناءه المدللين، وهم الآن للسلطة أبناءها المدللون أيضا، ينهبون الموارد الوطنية نهبا، ويندفعون إلى الإثراء بالصفقات والسرقات المشروعة اندفاعا لا يعرف الرحمة، عن طريق الاستيراد والتصدير، والشركات المغفلة، ومضاربات البورصة، والرشوة

    لقد نظر مؤلف الكتاب للبرجوازية الوطنية في اطار علاقتها بالسلطة. وإذا كانت السلطة في فكره، هي مجرد أداة سياسية وليست غاية في ذاتها، فإنه لا ينبغي على أولئك الذين يسعون للتحرر الوطني، النظر إلى (من) يمتلك تلك السلطة، بل الاهتمام (بكيف) يتم توظيفها طبقيا ومصلحيا. فالحاكم الوطني والمستعمر (سيان) إذا ما وظف الوطنيين السلطة لمصلحة فئة صغيرة في المجتمع. إن إشكالية البراجوازية الوطنية في اعتقاد المؤلف، تكمن، في أنها تطالب “في إلحاح أن تكون الأعمال التجارية في أيدي أبناء الأمة وحدهم. ومعنى ذلك عندهم أن تحصر سرقة الأمة في أبناء الأمة”.

    مثلت صناعة البرجوازية الوطنية واحدة من استراتيجيات الاستعمار الجديد. ووصف فانون الاستعمار الجديد بقوله: “إن القصف بالمدافع وسياسة الأرض المحروقة، قد حلت محلهما الآن سياسة الإخضاع الاقتصادي. إن الاستعماريين لا يخوضون الآن حربا تأديبية ضد السلطان المتمرد. إنهم الآن أكثر لباقة، وأقل دموية”. بمعنى آخر، يشير الاستعمار الجديد، إلى سياسات مغايرة للحفاظ على استمرارية مصالح القوى الاستعمارية. وتلعب البرجوازية الوطنية، عبر الأحزاب السياسية التي تقودها، دور الشريك الذي يبحث مع المستعمر “في جو هادئ لا تعكره العواطف عن حل يكفل مصالح الطرفين”. إن مصلحة الاستعمار تتمثل في بقاء قدرته على نهب الثروات المحلية وتتبيع الدول في ظل استقلال صوري وعلاقات سلطة أو توازنات قوى غير متكافئة. هذا، بينما تكمن مصلحة البرجوازية الوطنية في الحظوة والامتيازات القليلة التي تنالها بحلها محل الحكم الاستعماري.

    إن النهاية الطبعية لسياسة البرجوازية الوطنية وممارستها، تنتجان، إذا ما دانت لها السيطرة على الحكم الوطني، بؤسا وطنيا وشقاءا لأغلبية الشعب الذي ناضل من أجل تحرره الذاتي، بينما تتمتع فئة محلية صغيرة بثمرة الاستقلال الوطني.

    وأخيرا, في عالم كانت أصداء الاستعمار تتردد في جنباته، مثل فرانز فانون صوت المهمشين، المضطهدين، والتابعين. وأراد بكتابه (معذبو الأرض)، كتابة التاريخ من أسفل، أو إظهار فاعلية المستعمر وتأكيد ذاتيته. لقد أحدث هذا الكتاب، ثورة على مستوى الفكر التحرري، واعتبر مدخل لنسف إدعاءات الاستعمار وسياسات القوى الاستعمارية.

     

    ظهرت المقالة عن ظاهرة العنف وجدلية العرق وتصفية الاستعمار: قراءة في كتاب “معذبو الأرض” أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/5370/%d8%b9%d9%86-%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%88%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%aa%d8%b5%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7/feed/ 0 5370
    قصة حياة “أولوداه إيكيوانو” كما جاءت في كتابه https://alafarika.org/ar/4562/olaudah-equiano/ https://alafarika.org/ar/4562/olaudah-equiano/#respond Mon, 01 Feb 2021 03:32:55 +0000 https://theafrikans.com/?p=4562

      كان “أولوداه إيكيوانو” (Olaudah Equiano) بحارا وكاتبًا اختطَفه المسترِقّون من منطقة واقعة بجنوب نيحيريا اليوم, ونُقِل إلى منطقة البحر الكاريبي حيث بِيْعَ لضابط في البحرية الملكية (إن صح إطلاق صفة البيع والشراء لمثل هذه الممارسة). واشترى “حريته” في عام 1766م, ليكون عنصرا بارزا في الحركة البريطانية التي ناضلت من أجل إلغاء ما يسمى “تجارة […]

    ظهرت المقالة قصة حياة “أولوداه إيكيوانو” كما جاءت في كتابه أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>

     

    كان “أولوداه إيكيوانو” (Olaudah Equiano) بحارا وكاتبًا اختطَفه المسترِقّون من منطقة واقعة بجنوب نيحيريا اليوم, ونُقِل إلى منطقة البحر الكاريبي حيث بِيْعَ لضابط في البحرية الملكية (إن صح إطلاق صفة البيع والشراء لمثل هذه الممارسة). واشترى “حريته” في عام 1766م, ليكون عنصرا بارزا في الحركة البريطانية التي ناضلت من أجل إلغاء ما يسمى “تجارة الرقيق”, وذلك بعدما نشر كتابه عن تجاربه كرقيق وانتهاكات المسترِقّين والغزاة تجاه المختطفين.

    “لقد رأيت رقيقا ضُرِب حتى تحطّمت بعض عظامه لمجرد أنه ترك إناءً يغلي على النار. رأيت في كثير من الأحيان أرقَّاء […] يوضعون في موازين فيوزنون؛ ثم يباعون من ثلاثة بنسات إلى ستة بنسات أو تسعة بنسات إلى الجنيه…”

    – من مذكرات “أولوداه إيكيوانو”

    اختطافأولوداه”

    وُلد “أولوداه إيكيوانو” في حوالي عام 1745م في جنوب شرق نيجيريا, وتحديدا في قرية “إيسّاكا” داخل أراضي قبائل الإيبو (Ibo) أو “إِبَوْاي” (Eboe). وكان الابن الأصغر في عائلة مكونة من ستة أبناء وابنة واحدة. واختُطِف من القرية هو وأخته عندما كان عمره 11 عامًا.

    وعن اختطافه يقول “أولوداه” في كتابه:

    “في أحد الأيام، عندما خرج جميع أفراد شعبنا إلى أعمالهم اليومية كالمعتاد، ولم يبْقَ سِوَايَ أنا وأختي العزيزة للاعتناء بالمنزل، تخطى رجلان وامرأة جدراننا … واستولوا علينا. انفصلنا أنا وأختي (عن شعبنا) وانتهى بِيَ الأمر في أيدي تاجر رقيق كان يزوّد السفن الأطلسي (بالرقيق). وهكذا وجدتُ نفسي بعد ستة أشهر على متن سفينة رقيق.”

    نُقِل “أولوداه إيكيوانو” عبر ما سمّاه “الممر الأوسط” للمحيط الأطلسي (من المرجح أن يكون عبر دولة أفريقية وتقريبًا دولة غانا الحديثة), و بِيْعَ لمُزارع في فيرجينيا, ثم اشتراه “باسكال” ا- لضابط في البحرية البريطانية – كـ “هدية” لابن عمه في لندن.

    وعن اسمه الأصلي يقول “أولوداه”:

    “لقد سُمِّيْتُ بـ أولوداه، والذي يعني في لغتنا (الإيبو) تقلّبًا (في رغد الحياة) أو ثروة، ويعني أيضا شخصا مُفضَّلا، وصاحب صوت عالٍ وحسن الكلام.”

    ولكن, كعادة البائعين الأروربيين ممارسي “تجارة الرقيق”؛ طمس “باسكال” اسم “أولوداه” الأصلي (أولوداه إيكيوانو), وأطلق عليه اسما آخر غير أفريقي “غوستافوس فاسا” (Gustavus Vassa). وبهذا الاسم الأخير اشتهر “أولوداه” ويُذكر في كتابات أوروبية كثيرة.

    ويفيد كتاب “أولوداه” بأنه بِيْع لثلاثة أشخاص مختلفة (على الأقل), وأنه توقّع من أحد بائعيه أن يلتزم بالعقد القائم بينهما والمتثّل في إطلاق سراحه من الاسترقاق بعد ست سنوات من الخدمة، وبدلاً من ذلك باعه هذا الشخص لتاجرٍ من غرب الهند والذي بدوره باعه لتاجر آخر باسم “روبرت كينغ” في فيلادلفيا. وهكذا مكث ” أولوداه” عشر سنوات تحت الاسترقاق.

    وقد تمكّن “أولوداه” من استعادة حُريته بعدما سمح له الشخص الأخير في مونتسيرات بشراء حريته بنفسه مقابل 40 جنيهًا إسترلينيًا – وهو مبلغ ساوي راتب عامٍ للمعلّم وقتذاك – جمعه “إيكيوانو” بعد ثلاث سنوات من الأعمال والتجارات الجانبية.

    “أولوداه إيكيوانو” بعد التحرّر

    عمِل “أولوداه” بعد تحرّره من الاسترقاق بحّارا وتاجرا لمدة 20 عامًا جاب جميع قارة أمريكا الشمالية؛ تنصّر في انجلترا في عام 1759م واستقرّ بها في عام 1768م كما مارس مهنته البحرية كعضو طاقم السفينة ومساعد القبطان.

    في عام 1773م, سافر “أولوداه” على متن سفينة البحرية الملكية (HMS Racehorse) إلى القطب الشمالي في رحلة لإيجاد طريق شمالي شرقي مؤدٍّ إلى الهند, وعمل أثناء الرحلة مع طبيب السفينة “تشارلز إيرفينغ” الذي طوّر عملية لتقطير مياه البحر. وفي نوفمبر عام 1775 وُظّف “أولوداه” من قبل “إيرفينغ” و “ألكسندر بلير” كمشرف على مخططهما لمشروع “مزرعة نموذجية” لإنتاج القطن وزيت الخروع (لاستخدامه في تصنيع الصابون) على شاطئ “موسكيتو” الذي سيطرت عليها بريطانيا في الساحل الشرقي لـ “نيكاراغوا” الحالية.

    أما عن أسباب تعيين “أولوداه” لمشروع “المزرعة النموذجية”؛ فقد كان لطلاقته في لغة قبائل الإيبو, حيث كان المشروع يسعى إلى تجنيد الأرقاء الذين فهِموا هذه اللغة لتسهل عملية التواصل معهم وإدارة المزرعة, كما أن “أولوداه” كان يرافق “إيرفينغ” إلى جامايكا لتجنيد رجال ونساء (من الإيبو) من مجموعة أرقّاء جدد من غرب أفريقيا.

    يُضاف إلى ما سبق أن “أولوداه” كان يعتقد أن خطة مشروع “المزرعة النموذجية” كانت تهدف إلى إنشاء مزرعة للأرقاء من أفريقيا وفق ظروف عمل محسّنة مع فرصة للتحرر في النهاية. وقد فشل المشروع لغزارة الأمطار في المنطقة, فغادر “إيكيوانو” شاطئ “موسكيتو” في يونيو 1776 ليعمل على سفينةٍ سافرتْ عبر ساحل أمريكا الوسطى بحثًا عن أخشاب الماهوجني. وفي 7 يناير 1777 وصل إلى بليموث في إنجلترا.

    يضاف إلى ما سبق أن “أولوداه” ذكر في مذكراته أن ظروف شاطئ “موسكيتو” تغيّرت إلى الأسوأ بعد مغادرته، وقاوم الأرقاء من أفريقيا مسترِقّيهم وحاولت مجموعات أخرى منهم الفرار, وغرق مجموعة أرقاء الإيبو وهم يحاولون الهرب من الاسترقاق.

    وقد ندم “أولوداه” على مغادرته للشاطئ, وشعِر بمسؤولية حادثة وفاة الأرقاء، مما دفعه نحو الانخراط في قضية إلغاء الرقّ و “تجارته”.

    حملته لإيقاف “تجارة الرقيق”

    استقر “أولوداه” في لندن حيث انخرط في حركة إلغاء الرق؛ أبلغ منذ عام 1783م نشطاء حملة إلغاء “تجارة الرقيق” – مثل “جرانفيل شارب” – عن تفاصيل هذه الممارسة اللاإنسانية وأخبرهم بتجاربه الشخصية وما شهدها في رحلاته المختلفة. وقويتْ صداقته مع بعض أعضاء جمعية إلغاء “تجارة الرقيق” التي تأسست في عام 1787م.

    “كنت أعتقد حتى هذه اللحظة أن العبودية مروعة فقط؛ لكنّ حالة الزنجي الحر بدتْ لي الآن .. (أنها) في بعض النواحي أسوأ، لأنهم (الزنوج) يعيشون في قلق دائم على حريتهم؛ وحتى هذا ليس سوى صوريّ فقط. فهم يتعرضون للإهانة والنهب في جميع أنحاء العالم دون إمكانية الإنصاف؛ لأن هذه (الإهانة والنهب) هي الإنصاف في قوانين الهند الغربية، حيث لن يُقبَل أي دليل من الزنجي الحر في مَحاكِمهم القضائية”.

    – من مذكرات “أولوداه إيكيوانو”

    وقد كان “أولوداه” أوّل من أخبر “شارب” عن المذابح والمجازر التي تعرّض لها الأرقاء من أفريقيا, وعلى رأسها مذبحة سفينة “زُونغ” التي وقعت في عام 1781م عندما أخطأت السفينة وجهتها في منطقة البحر الكاريبي واضطرّت لقضاء ثلاثة أسابيع إضافية في البحر؛ فألقى طاقم السفينة حوالي 131 رقيقًا في البحر بدعوى أن السفينة حملت أكثر من طاقتها وأن المياه الصالحة للشرب المتوفرة داخل السفينة غير كافية, وأن المرض منتشر بين الأرقّاء وطاقم السفينة – مع أن الحقيقة أن طاقم السفينة أغرقوا هؤلاء الأرقاء لأنه – في حال موت الأرقاء على متن السفينة – لن يتمكن الطاقم ومالك السفينة من طلب أموال التأمين على “الشحنة المفقودة”.

    ومما يؤكد سوء أوضاع المسترَقين من أفريقيا أن طاقم سفينة “زونغ” حُوكِمُوا في عام 1783م على أساس اعتبار القضية “نزاع تأمين” وليست محاكمة قتلٍ أو مجزرة. وقد أعطتْ رواية “أولوداه” للحدث دفعة قوية لحركة إلغاء “تجارة الرقيق” وعاملا رئيسيًا في انتشارها وانضمام الكثيرين إليها.

    “أولوداه إيكيوانو” وكتابة مذكراته

    شجّع أصدقاء “أولوداه” ودعاة إلغاء “تجارة الرقيق” في بريطانيا على كتابة مذكراته لنشر الوعي عما يعانيه المسترَقّون تحت ظروف فظيعة, حيث اعتبروا رواياته شهادة مقنعة ضد الاسترقاق وجرائمه؛ فتلقّى “أولوداه” دعمًا ماليًّا لهذا الجهد من قبل المحسنين في الحركة والمتبرعين من الكنائس, بينما روّج شخصيات مختلفة لمحاضراته وتحضيراته للكتاب.

    وفي عام 1789م – أي عندما كان عُمر “أولوداه” 44 عاما، نشر سيرته الذاتية بعنوان “The Interesting Narrative of the Life of Olaudah Equiano, or Gustavus Vassa, the African. Written by Himself”.

    ويشمل الكتاب تفاصيل حياة “أولوداه” من الطفولة وإبحاره وأعماله الدينية ونجاحه الاقتصادي؛ فكان واحدا من أوائل الكتابات في أوروبا لشخص من أصل أفريقي, وواحدا من الأعمال الأوائل التي كتبها “رقيق” سابق باللغة الإنجليزية, وأول سيرة ذاتية في أوروبا كتبها “رقيق” سابق من أصل أفريقي بنفسه دون مساعدة أو توجيه كُتّاب “بيض” – كما كان معتادا قبله.

    وإذا كانت تجربة “أولوداه” تحت الاسترقاق مختلفة عن تجارب معظم الأرقاء الباقين – لأنه لم يشارك في العمل الميداني المزرعي, حيث بدلا من ذلك خدم “أسياده” كمساعدهم الشخصي, وعمل في البحر وتعلم القراءة والكتابة، ومارس التجارة. ومع ذلك, كان كتابه نموذجًا لنوع أدبي جديد وقتذاك معروف بـ “سرديات الرقيق”.

    وقد صُنِّف كتاب “أولوداه” أيضا على أنه أكثر أعمال النثر الإنجليزية تأثيرًا من قبل أمريكي من أصل أفريقي. ورأى باحثون أن الكتاب – كغيره من كتابات “السود” القدماء ورسائل المسترَقِّين من قارة أفريقيا – ينفي مزاعم الأوروبيين حول ذكاء “السود”, لأن مذكراته أثْبَتَتْ قدرات “السود” الكتابية على تمثيل أنفسهم والتعبير عن حالاتهم بتفصيل دون مساعدة “البيض”.

    الردّ على الشبهات في أصل “إيكيوانو” الأفريقي

    أثارت قصة اختطاف “أولوداه إيكيوانو” وانتمائه لقبائل الإيبو في نيجيريا شبهات لدى كُتّاب أوروبيين منذ نشر نسخة معدّلة من مذكراته في عام 1967م؛ إذ ادّعى المشككون أن “أولوداه” تلقى رواياته عن موطنه الأصلي من أرقاء آخرين قدموا من غرب أفريقيا والتقى بهم فترات بلوغه. واستدلّ بعضهم بأن امبراطورية بنين – التي ذكر “أولوداه” أنها تبعد مسافة كبيرة عن قريته – ليست دولة لقبائل الإيبو, وإنما هي دولة لشعب إيدو (Edo).

    ففي وجهة نظر “فنسنت كاريتا” – وأمثاله من الذين كتبوا سيرة “أولوداه” الذاتية من وجهة نظر أوروبية؛ فإن “أولوداه” من مواليد “ساوث كارولينا” الأمريكية – وليس أفريقيا، وذلك لأن سجلَّي تعميده ولفائف الحشد البحري يوثقانه من “ساوث كارولينا” باسم “غوستافوس فاسا”, وهو ما رجّح “اختلاقه” لرواية أصوله الأفريقية – حسب زعمهم.

    على أن باحثين آخرين قد انتقدوا موقف “فنسنت كاريتا” وغيره, ولاحظ كل من “بول لوفيجوي” و “ألكسندر بيرد” و “دوجلاس تشامبرز” في دراساتهم أنّ بناء “فنسنت” شكوكه على سجلّين فقط يفقده الحيادية والمصداقية, نظرا لقلّة المصادر المحددة وندرة التفاصيل والوثائق العامة التي تتعلق بـ “تجارة الرقيق” في منتصف القرن الثامن عشر. وخلصوا إلى أن الدلائل الظرفية تشير إلى أن “أولوداه” وُلِد بالفعل في قرية “إيسّاكا” النيجيرية، حيث كان سرده دقيقا بشكل معقول في تفاصيله, بما في ذلك رحلاته من إفريقيا إلى فيرجينيا وعمليات بيعه وغيرها, مما يجعل عمله أقرب إلى الحقيقة وملائما كسيرة ذاتية. وبالتالي يجب أن يخضع عمل “أولوداه” لنفس الانتقادات الانتقائية التي تميّز أعمال السيرة الذاتية – بدلا من وصفه عملا خياليًّا.

    من جانب آخر, تؤكّد مراجعة المحطات التاريخية التي مرّت بها امبراطورية بنين في جنوب نيجيريا في القرنين السادس عشر والسابع عشر صحة رواية “إيكيوانو” لأصله؛ إذ امتدّت الامبراطورية في هذه الفترة من “أونتشا”, وهي من أراضي الإيبو في شرق نيجيريا, مرورا بالمنطقة الحرجية في غرب نيجيريا وإلى جمهورية بنين الحالية. كما أن التجارة بين امبراطورية بنين والأوروبيين تطورت لتشمل البضائع والبنادق الأوروبية مقابل المنتجات الاستوائية والأرقاء الذين اشتراهم الأوروبيون من أماكن أخرى في غرب إفريقيا أو الأطفال والأشخاص المختطفين من قرى مجاورة ليُعاد بيع بعضهم إلى المنطقة التي يعرف اليوم بدولة غانا. ولذا يُرجّح أن يكون “أولوداه” مختطفا في هذه الفترة.

    وصف أفريقيا في كتاب “أولوداه إيكيوانو”

    رغم اختطاف “أولوداه إيكيوانو” من قريته منذ مرحلة الطفولة الوسطى، ورغم الشكوك المثارة حول موطنه الأصلي؛ أثبت باحثون ومؤرخون نيجيريون من قبائل الإيبو التي ينتمي إليها “أولوداه” في أوراق مختلفة صحة روايته, وأكّدوا موافقة ذكريات طفولته في قرية “إيسّاكا” لعادات وثقافات الإيبو في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

    وفي حدّ تعبير الباحث النيجيري “فَرَايْدَيْ أونيَيْأَوْزيري”:

    “إذا كان الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 4 و 5 سنوات قادرين على تذكّر الأشياء التي رأوها أو سمعوها أو فكروا بها سابقًا، أتساءل لماذا يشك منتقدو إيكيوانو في ذكراه عن طفولته وأرضه الأصلية في سن الحادية عشرة؟ قبل القرن العشرين وحتى الآن، كان الأطفال في القرى النائية جدًا في نيجيريا وفي معظم دول العالم قادرين على الطهي والزراعة والصيد والقيام ببعض المهمات الصعبة في سن صغيرة جدًا دون إشراف (أولياء الأمور). كما يشاركون في الرقصات والتنكّر وطقوس القرية الأخرى. لذلك لا ينبغي أن يكون هناك أي شك في أن قدرة إيكيوانو لتذكر معظم ثقافة وعادات وتقاليد شعبه عندما بلغ من العمر 44 عاما، وهو الوقت الذي افتُرِض أنه كتب فيه رواياته (والوقت الذي كانت ذاكرته في ذروتها).”

    جدير بالذكر أن “أولوداه” ذكر في مذكراته أنه التقى بأخته مرة أخرى بعد اختطافهما، غير أنه فُصل بينهما عمدا، فكان آخر اتصال له مع أي فرد من عائلته. وقد ذكر أيضا في مذكراته عمّه الذي كان زعيما لأسرته.

    من جانب آخر, لم يمنع اعتناق “أولوداه” للنصرانية من ذكر محاسن شعبه وإبراز الجوانب والصور الإيجابية للمجتمعات الأفريقية, حيث حكى في مذكراته عن بساطة أخلاق الإيبو وعدالة قِيَمهم, مُذكِّرًا بأنه كان يرتدي في ضغره زيّا تقليديا للإيبو “أعظم المحاربين”.

    بل وأكّد “أولوداه” ما لا يريد مؤرخون غربيون الاعتراف به, خاصة فيما يتعلق بوجود حضارة أفريقية وتطوّر مجتمعاتها القديمة؛ إذ تحدّث عن تطوّر امبراطورية بنين وقوّتها وتناغم مجتمعاتها – وبَقِيت معظمها على هذه الحالة حتى 1897م عندما غزاها البريطانيون وأحرقوا مدنها وسرقوا كنوزها.

    وبالنسبة لـ “أولوداه”، فإن أفريقيا ليست جاهلة أو عايشة في “العصور المظلمة” ولا متخلفة اجتماعياً؛ بل هي قارة تميّزت بعالَمها من الحكم الأخلاقي في وجه العالم القاسي والحكم الغربي المتغطرس. ولذلك يمكن إحساس مرارة “أولوداه” في كتاباته وتفانيه في التغيير الاجتماعي من خلال التعبير عن غضبه الأخلاقي ضد الاسترقاق.

    نشاطاته في المجتمعات الأفريقية بلندن

    جمع “أولوداه إيكيوانو” عائدات كبيرة من كتابه الذي مرّ بتسع طبعات في حياته وأصبح بحلول عام 1792م من أكثر الكتب مبيعًا, حيث نُشر أيضا في روسيا وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية.

    وواصل “إيكيوانو” نشاطه في مجتمعات ذوي الأصول الأفريقية في انجلترا؛ في عام 1783م، أي بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 7 سنوات، انخرط في لندن في جهود مساعدة الفقراء من أصول أفريقية وخاصة أولئك الأرقاء الذين أطلقت بريطانيا سراحهم أثناء وبعد الثورة الأمريكية. وفي نوفمبر 1786م عُيِّن مفوضًا للأحكام والمتاجر الخاصة بالفقراء من أصول أفريقية المتجهين إلى سيراليون, ولكنه طُرد من المنصب لاحتجاجه على سوء الإدارة المالية.

    وقد عاد “أولوداه” إلى لندن حيث كان فيها شخصية بارزة ومتحدثًا عن أوضاع مجتمعات “السود”, كما كان أحد الأعضاء القياديين في مجموعة “أبناء أفريقيا” التي تألّفت من أفارقة “أحرار” في لندن وتحالفت مع جمعية إلغاء “تجارة الرقيق”. وكان مُعلّقا في مختلف الصحف وكاتبا سخّر صوته لخدمة قضايا “السود” ومنتقدا لمقالات آخرين – مثل ردّه على “جيمس توبين” في عام 1788م. إضافة إلى كونه عضوًا نشطًا في حملة توسيع نطاق التصويت ليشمل العمال في لندن.

    زواجه ووفاته

    تزوج “أولوداه إيكيوانو” في عام 1792م من امرأة بريطانية تُدعى “سوزانا كولين” في سوهام بـ كمبريدجشير. وكانت لهما ابنتان “آنا ماري” و “جوانا”. وقد تُوفيت زوجته في فبراير 1796م عن عمر يناهز 34 عامًا، ولحق بها “أولوداه” بعد عام عن عمر يناهز 52 عاما في يوم 31 مارس 1797م, بينما توفيت الابنة الكبرى “آنا ماري” بعد وقت قصير من وفاة والدها.

    ويعني ما سبق أن ممارسة “تجارة الرقيق” لم تتوقف في بريطانيا إلا بعد ما يقرب من عقد (1807م) من وفاة “أولوداه”, وأنه مرّ أربعون عاما قبل إلغاء “تجارة الرقيق” في المستعمرات البريطانية.

    وأفادت السجلات العامة في بريطانيا أيضا بأن “أولوداه” انتقل في أيامه الأخيرة إلى شارع وايتفيلد بالقرب من طريق توتنهام كورت, وأنه عند وفاته كان يعيش في شارع بادينجتون في وستمنستر. وقد تناقلت الصحف البريطانية والأمريكية خبر وفاته ودفن في 6 أبريل في تابرناكول في بـ وايتفيلد.

    ونصّت وصيّة “أولوداه” على أنه في حالة وفاة ابنتَيْه قبل بلوغ سن الرشد (21 عامًا آنذاك)، فإنه يمنح نصف ثروته لشركة سيراليون لمواصلة مساعدة أبناء غرب إفريقيا، ونصفها الآخر لجمعية لندن التنصيرية. وأشارت الوضية أيضا أن ابنته الصغرى “جوانا” ورثت عندما بلغت 21 عامًا ساعة فضية و 950 جنيه إسترليني (ما يعادل 73,300 جنيه إسترليني في عام 2019) من تركته, وتزوجت قسًّا أبرشانيا يدعى “هنري بروملي”.

    ــــــــــــــــــ

    مراجع

    *نشر الكاتب أجزاء من المقال أيضا في دورية قراءات إفريقيا.

    Alexander X. Byrd.(2006). “Eboe, Country, Nation, and Gustavus Vassa’s Interesting Narrative” Archived 5 November 2016 at the Wayback Machine, William and Mary Quarterly 63(1), 123–148

     Carretta, Vincent (2005). Equiano, the African: Biography of a Self-Made Man. University of Georgia Press. p. xv

    Douglas Chamber.(2007). “Almost an Englishman”: Carretta’s Equiano: https://bit.ly/3o6ermu

    O. S. Ogede, (1991). “‘The Igbo Roots of Olaudah Equiano’ by Catherine Acholonu” Archived 23 June 2016 at the Wayback Machine, Africa: Journal of the International African Institute, 61(1)

    Olaudah Equiano (1745 – 1797): https://to.pbs.org/35dDLyf

    Onyeoziri, Friday (2008). “Olaudah Equiano: Facts about his People and Place of Birth,” Human Architecture: Journal of the Sociology of Self-Knowledge, 6(4).

    Paul E. Lovejoy.(2006). “Autobiography and Memory: Gustavus Vassa, alias Olaudah Equiano, the African”, Slavery and Abolition 27(3), 317–347.

     The Life of Olaudah Equiano, second edition: https://bit.ly/3dCVUta

    ظهرت المقالة قصة حياة “أولوداه إيكيوانو” كما جاءت في كتابه أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

    ]]>
    https://alafarika.org/ar/4562/olaudah-equiano/feed/ 0 4562