تحليلات - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/section/analysis/ مؤسسة بحثية استشارية. Mon, 07 Apr 2025 08:18:53 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.8 https://i0.wp.com/alafarika.org/ar/wp-content/uploads/2022/08/cropped-Alafarisc-favc-1.png?fit=32%2C32&ssl=1 تحليلات - الأفارقة للدراسات والاستشارات https://alafarika.org/ar/section/analysis/ 32 32 209004356 وساطة قطر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: هل تعدّ انتصارا دبلوماسيا؟ https://alafarika.org/ar/6211/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d9%82%d8%b7%d8%b1-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%af%d8%a7-%d9%88%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%86%d8%ba%d9%88/ https://alafarika.org/ar/6211/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d9%82%d8%b7%d8%b1-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%af%d8%a7-%d9%88%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%86%d8%ba%d9%88/#respond Mon, 07 Apr 2025 08:18:53 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6211

تتجول عشرات الجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، والعديد منها ما خلفتْه حربان إقليميتان في نهاية القرن العشرين أَوْدَتَا بحياة الملايين. وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية تتهم دولة رواندا بانتهاك معاهدة حقوق الإنسان الرئيسية للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وأنها تدعم منذ عام 2021  متمردي حركة M-23 - التي تعدّ واحدة من حوالي 100 جماعة مسلحة نشطة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية-، وأنها هي المسؤولة عن عمليات القتل الجماعي والنزوح الجماعي وتدمير المدارس والبنية التحتية وعملية النهب. لكن رواندا تنفي دائما كل هذه الاتهامات. وقد أدى الصراع المستمر إلى واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أدى إلى نزوح أكثر من 7 ملايين شخص.

ظهرت المقالة وساطة قطر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: هل تعدّ انتصارا دبلوماسيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تتطلع قطر إلى حقبة من التحول والنمو، مدعومة باستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (NDS-3)التي بدأت  تأخذ بها. ولقد كانت مسيرتها من كونها ذات اقتصاد قائم على الهيدروكربونات إلى الوقوف الآن على أعتاب اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، مسيرة تستحق الإشادة بها. وإن رؤية قطر 2030، التي تشكل جوهر استراتيجية الحكومة لتطوير وتنويع الاقتصاد والنهوض بالإدارة البيئية والتنمية الاجتماعية، سوف تشكّل سياستَها في فترة ما بين 2024 و 2028. وقد أقرّ سعادة الدكتور عبد العزيز بن ناصر آل خليفة، الأمين العام للمجلس الوطني للتخطيط(NPC)، في هذا العام، أن الاقتصاد القطري لا يزال يشهد معدلات نمو ملحوظة. وبالإشارة إلى بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، تم الكشف عن معدل نمو حقيقي قدره  %2.4 مقارنة بعام 2023، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 713 بليون ريال قطري بالأسعار الثابتة في عام 2024، ارتفاعًا من 697 بليون ريال قطري في عام 2023.

وتُعدّ الوساطة في النزاعات كطرف ثالث ركيزةً أساسيةً في السياسة الخارجية القطرية، حيث قد أكسبتها هذه الدبلوماسية مكانةً عالميةً رفيعة. ولفهم دبلوماسية السلام في قطر، يفيدنا النظر في نشأتها في سياق المبادئ الأساسية للوساطة وملامح ممارستها عبر التاريخ في الشرق الأوسط، وغالبًا ما يكون نفوذ قطر في أفريقيا خياليًا أكثر منه حقيقيًا. فعلاقاتها مع الدول الأفريقية حديثة العهد نسبيًا – باستثناء المغرب العربي وموريتانيا والسودان – ، ولا تزال في طور التكوين إلى حد كبير. وعلى الرغم من تزايد افتتاح السفارات الأفريقية في قطر منذ عدة سنوات، إلا أن أسباب نمو هذه التبادلات وعواقبها لا تزال متنوعة للغاية، إذ لكل دولة أفريقية أهدافها ودبلوماسيتها الخاصة من جانبها.

في ديسمبر 2017، قام سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بجولة في غرب إفريقيا، وهي أول زيارة له إلى المنطقة. وقد أثبتت هذه الزيارة، التي شملت غينيا وكوت ديفوار وغانا، اهتمامَ قطر بالحفاظ على علاقات إيجابية مع دول العالم. وفي عام 2019، زار سمو الأمير دولة رواندا وقام كذلك بأول زيارة له إلى نيجيريا، إذ كانت السياسة الخارجية لدولة قطر، تستند إلى مجموعة من المبادئ المنصوص عليها في دستورها، بما فيها تعزيز السلم الدولي والأمن الدولي من خلال تشجيع الأخذ بالحل السلمي في النزاعات الدولية وبناء التحالفات، وإيجاد حلول للنزاعات من خلال الحوار والوساطة مع احترام حقوق الدول ذات السيادة. وفي نوفمبر 2019، وقّعت قطر والكونغو اتفاقية لإقامة علاقات دبلوماسية في نيويورك، حيث وقع سعادة السفيرة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، نيابة عن قطر، بينما وقع سعادة السفير إجناس جاتا مافيتا وا لوفوتا، المندوب الدائم للكونغو لدى الأمم المتحدة، نيابة عن جمهورية الكونغو الديمقراطية. علاوة على ذلك، فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الدولة الفرنكوفونية الأكثر سكانًا في العالم، ورابع أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا. وخلال زيارة الرئيس تشيسكيدي، شهد صاحب السمو الأمير وفخامة الرئيس توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين حكومتي البلدين. واتفقا على تعزيز الاستثمارات المتبادلة وحمايتها، والتعاون الاقتصادي والتجاري والتفاهم لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي، كما اتفقا على الشراكة في خدمات النقل البحري والجوّي.

وفي عام 2022، تعهدت قطر بالتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لمشاريع التكيف مع المناخ في البلدان الأفريقية المعرَضة لآثار تغير المناخ، بما في ذلك تمويل برامج التخفيف من الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى توفير الطاقة المتجددة في مجتمعات كانت بأمس الحاجة إليها. وفي عام 2024، ساهمت قطر في إنشاء صندوق فيرونغا أفريقيا الأول في رواندا، والذي تم إطلاقه بمبلغ 250 مليون دولار لتعزيز الخدمات الاجتماعية ونمو القطاع الخاص في المجالات المبتكرة في رواندا وبقية أفريقيا. ويجب التنويه بأنه كان من بين مبادئ السياسة الخارجية القطرية، الالتزام بالجهود الدبلوماسية مع مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي. ومن ثم، فإن الأدوات والإمكانات التي جعلت قطر معروفة كوسيط ناجح، هي مجموعة من عوامل مختلفة قوية مثل الروابط السياسية القوية على نطاق واسع، والموارد المالية الضخمة، والموثوقية والحيادية. ومؤخرا، تم عقد اجتماع ثلاثي استضافته دولة قطر بتاريخ 18 مارس 2025 بالدوحة، جمع فخامة الرئيس بول كاغامي رئيس جمهورية رواندا، وفخامة الرئيس فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، بتوسط حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، لغرض إجراء محادثات السلام. ويأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي تكثّف فيه الدول الغربية العقوبات على رواندا بسبب دعمها المباشر لجماعة حركة M-23 المتمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أفاد بيان مشترك بعد الاجتماع بأن وقف إطلاق النار يجب أن يكون “فوريا وغير مشروط”.

ما أمر الوساطة؟

تتجول عشرات الجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، والعديد منها ما خلفتْه حربان إقليميتان في نهاية القرن العشرين أَوْدَتَا بحياة الملايين. وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية تتهم دولة رواندا بانتهاك معاهدة حقوق الإنسان الرئيسية للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وأنها تدعم منذ عام 2021  متمردي حركة M-23 – التي تعدّ واحدة من حوالي 100 جماعة مسلحة نشطة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية-، وأنها هي المسؤولة عن عمليات القتل الجماعي والنزوح الجماعي وتدمير المدارس والبنية التحتية وعملية النهب. لكن رواندا تنفي دائما كل هذه الاتهامات. وقد أدى الصراع المستمر إلى واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أدى إلى نزوح أكثر من 7 ملايين شخص. ومنذ أوائل عام 2022، كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يسعى إلى التوسط في الصراع المستمر في الكونغو بسبب علاقاته الوثيقة مع كل من تشيسكيدي وكاغامي. وفي يناير 2023، حاولت قطر استضافة محادثات السلام بين الأطراف المتنازعة، مع حضور ممثلين عن أنغولا وكينيا والاتحاد الأفريقي، لم يتم ذلك إلا في 18 مارس 2025.

تأثير الوساطة

في 23 مارس 2025، رحبت دولة قطر بالبيانين الصادرين عن جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا بشأن التزامهما بإنهاء الصراع وتخفيف التوترات في المنطقة الشرقية من الكونغو، وذلك بشأن بيان حركة M-23، حيث أعلنت عن قرب انسحابها من منطقة واليكالي. واعتبرت قطر ذلك خطوة إيجابية مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وأشار إيفون مويا سيمانجا، من كلية دراسات الصراع في جامعة سانت بول في أوتاوا بكندا، إلى أن قطر دولة صغيرة في الشرق الأوسط تعزم على ترسيخ قدمها في الساحة الدولية. وأضاف قائلا بأن “حكومتها تستخدم السياسة والرياضة والدبلوماسية والاقتصاد أيضًا لتحقيق أهدافها المتوخاة”.

ومع ذلك، فإن الاستثمارات الكبيرة التي تمتلكها قطر تجعلها شريكًا استراتيجيًا مهمًا لرواندا، فشركة الطيران القطرية وحدها تمتلك ما يقرب من نصف أسهم شركة الطيران المملوكة للدولة في رواندا، ولديها حصة %60 في مطار بوغيسيرا الدولي بالقرب من العاصمة الرواندية كيغالي، مع العلم بأن شركة مطار بوجيسيرا، هي الشركة التي تقوم ببناء مطار دولي جديد في جنوب كيغالي. وباستثمارٍ لا يقل عن 2 بليون دولار، يعد هذا أكبر استثمار قطري في أفريقيا. وفي عام 2021، وقع مركز قطر للمال (QFC) وشركة رواندا فاينانس (RFL) مذكرة تفاهم لتعزيز التنمية الدولية في البلدين.

وإلى جانب ذلك، تشكل حماية الاستثمارات المتوقعة بين قطر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتطوير البنية التحتية للمطارات والموانئ، وتعزيز قدرات الخبراء القطاعيين، والتعاون في مجال الطيران والبحري بين البلدتين، أساسًا متينا للعديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها وزير الخارجية الكونغولي ماري تومبا نزيزا، و وزير المواصلات والاتصالات القطري جاسم سيف أحمد السليطي في 29 مارس 2021، بالدوحة، بحضور الرئيس فيليكس تشيسيكيدي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. و يفيد التقرير الإعلامي أيضًا بأنه، تتعلق الاتفاقيات في مجال البنية التحتية ببناء و تمويل ثلاثة مطارات رئيسية، وهي مطارات ندجيلي وندولو في كينشاسا ولوانو في لوبومباشي. وتتعلق أيضًا بتطوير البنى التحتية البحرية الاستراتيجية مثل موانئ ماتادي وكينشاسا وبوما، حسبما أفادت رئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تخص الوثائق الأخرى الموقّعة بين البلدين شركة البريد والاتصالات الكونغولية (SCPT)، واندماج شركة الطيران القطرية في مشروع شراكة  قطر- جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتعلق بدعم الدولة الكونغولية من خلال الشراكة  مع هيئة شركة الطيران (RVA) لتطوير وبناء وتمويل تلك المطارات الثلاثة الرئيسية. وبالنسبة لمشروع مطار ندجيلي، ظهرت خطة تنفيذ المشروع في أوائل عام 2010 بينما بدأت دراسات الجدوى المسبقة في عام 2013. وتم إطلاق المشروع رسميًا في عام 2018 مع شركة صينية كمقاول. وللأسف، توقفت دراسات الجدوى والأعمال المادية حيث تم إنجاز %60 منها. وفي عام 2024، أعلنت شركة الطيران القطرية عن توسيع نطاق أعمالها لتشمل عاصمة الكونغو، كينشاسا، ما يتيح زيادة عدد الرحلات وزيادة القدرة الاستيعابية إلى لواندا وأنجولا ومناطق أخرى.

ما بعد تأثير الوساطة

أكدت دولة قطر على أن تعزيز دور الدول الأفريقية في مواجهة التحديات التي تواجه الأمن والتنمية العالمية في أفريقيا أمر بالغ الأهمية، بالإضافة إلى تعزيز السلام العالمي والأمن الدولي، فضلا عن تسريع تنفيذ خطة الاتحاد الأفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة 2030. ولفتت دولة قطر إلى الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا ومواردها الغنية وتزايد عدد سكانها الذي يتوقع أن يتجاوز 2.5 بليون نسمة بحلول عام 2050-  حيث تجعل القارة لاعباً مركزيّا لا غنى عنه في تشكيل المستقبل العالمي. ورغم ذلك، استولت حركة M-23 على مساحات واسعة من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، بما فيها المدينتين الرئيسيتين جوما وبوكافو، في صراع أدى إلى نزوح حوالي نصف مليون شخص منذ يناير. وقال بعض الدبلوماسيين بأن الولايات المتحدة تدعم جهود الوساطة التي تقوم بها قطر، التي لعبت دور الوسيط في عدة صراعات في السنوات الأخيرة. وفي الآونة الأخيرة، قام الاتحاد الأفريقي بحثّ جميع أصحاب المصلحة على الحفاظ على الزخم الذي تولد في الدوحة والعمل بشكل جماعي نحو التنفيذ الكامل للالتزامات المتفق عليها. وتبقى مفوضية الاتحاد الأفريقي على استعداد تام لدعم هذه الجهود ومرافقتها، بما يتماشى مع تفويضها لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء القارة.

ظهرت المقالة وساطة قطر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: هل تعدّ انتصارا دبلوماسيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6211/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d9%82%d8%b7%d8%b1-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%af%d8%a7-%d9%88%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%86%d8%ba%d9%88/feed/ 0 6211
شراكة نيجيريا مع البريكس: جبهة جديدة للتجارة والاستثمار في أفريقيا؟ https://alafarika.org/ar/6161/%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%b3-%d8%ac%d8%a8%d9%87%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%84/ https://alafarika.org/ar/6161/%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%b3-%d8%ac%d8%a8%d9%87%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%84/#respond Sun, 09 Feb 2025 22:47:14 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6161

تعد عضوية نيجيريا كشريك في مجموعة البريكس خطوة استراتيجية سوف تعود بالنفع على أفريقيا عموما، وفقا لالتزام البلاد بالإصلاح المالي والسياسي العالمي. و إن مشاركة نيجيريا في المجموعة تعكس دورها النشط في الدفاع عن المصالح الأفريقية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي. وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة، نظراً لجدول أعمال نيجيريا الطموحة، والتي تتضمن السعي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعضوية مجموعة العشرين.

ظهرت المقالة شراكة نيجيريا مع البريكس: جبهة جديدة للتجارة والاستثمار في أفريقيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

أصبحت نيجيريا، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، دولة شريكة رسميا في مجموعة البريكس، الكتلة الاقتصادية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد تم الإعلان عن هذا في منتصف يناير من قبل دانييل بوالا، المستشار الخاص للرئيس النيجيري بولا تينوبو، قائلا بأن الشراكة تشكل أهمية محورية لتعزيز التجارة والاستثمار والأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية وأمن الطاقة. واستطرد يقول: “أن نيجيريا ستتمكن بموجب الاتفاقية من إقامة علاقات استراتيجية أعمق مع أعضاء البريكس تتجاوز الشراكات الثنائية التقليدية”.

وقد أحدثت هذه الخطوة موجات صادمة في الصعيد الاقتصادي العالمي، حيث أثارت جدلاً واسعا بين الاقتصاديين وصناع السياسات والعلماء، علما بأن النظر إلى الآثار المترتبة على هذه الشراكة الجديدة يثير تساؤلات حول الدوافع وراء قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس، الكتلة الاقتصادية التي برزت كلاعب مهم في الاقتصاد العالمي، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لديها أكثر من 16 تريليون دولار. ووفقا لمجلة اقتصاديات البريكس، شكلت دول البريكس أكثر من 32% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي في عام 2022، و18% من التجارة العالمية، وجذبت 25% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، كما يشكل سكانها ما يقرب من 40% من سكان العالم.

ومن جميع المؤشرات، يبدو أن نيجيريا تهدف إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الأسواق الناشئة الأخرى والاستفادة من أسواق جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء الأخرى. وبالتالي، فإن قرار نيجيريا بالشراكة مع مجموعة البريكس يعد خطوة استراتيجية لتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية التقليدية، إذ قد ظلت القوى الاقتصادية الغربية تهيمن على البلاد منذ فترة طويلة، وبالتالي تشير هذه الخطوة إلى السعي نحو استقلال اقتصادي أكبر.

وإن شراكة البريكس هذه، توفر لنيجيريا فرصة فريدة لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على صادرات النفط، بحيث ستتمكن من الاستفادة من شراكتها لجذب الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والزراعة والتصنيع. وهذا بدوره يمكن أن يساعد في خلق فرص العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتقليل معدل الفقر. ومع ذلك، يجب على نيجيريا أن تتأكد من أن سياساتها الاقتصادية المحلية تتماشى مع أهداف شراكة البريكس وأن تكون مستعدة للتغلب على صعوبات هذه الشراكة الجديد تحدياتها.

جدول أعمال البريكس

يعد الالتزام بتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين الدول الأعضاء أحد المحركات الرئيسية لكتلة البريكس. وقد أنشأ التجمع العديد من المؤسسات، منها بنك التنمية الجديد (NDB) و ترتيب احتياطي الطوارئ (CRA)، لتسهيل التعاون الاقتصادي وتقديم الدعم المالي للدول الأعضاء. وقد لعبت كتلة البريكس دورًا فعالًا في تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، والذي يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدان النامية. وأدى هذا التعاون إلى زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية بين الدول الأعضاء في البريكس والدول النامية الأخرى. كما أنشأت الكتلة أيضًا العديد من المبادرات، منها مجلس أعمال البريكس ومجلس مراكز الفكر في البريكس، لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية.

وعلى الرغم من نجاحات البريكس، تواجه الكتلة العديد من التحديات، أهمها الاختلافات في الأنظمة الاقتصادية، ومستويات التنمية، والمصالح الجيوسياسية. ويجب على الكتلة أن تتغلب على هذه التحديات لتحقيق أهدافها والحفاظ على أهميتها في الاقتصاد العالمي.

ومع ذلك، تظل كتلة البريكس لاعبا مهما في الاقتصاد العالمي، ومن المرجح أن يستمر نفوذها في النمو في السنوات المقبلة.

دوافع نيجيريا للشراكة مع البريكس

يمثل إدراج نيجيريا مؤخرا كدولة شريكة في كتلة البريكس علامة فارقة هامة، ما يؤكد على نفوذ البلاد المتزايد وموقعها الاستراتيجي داخل المشهد الاقتصادي العالمي، وخاصة في عالمٍ تعمل الاقتصادات الناشئة فيه على إعادة تشكيل التجارة العالمية وديناميكيات القوة، وفق ما قاله البروفيسور صامويل لارتي، وهو أستاذ في أنظمة التمويل وتكنولوجيا المعلومات.

ومن الواضح أن قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس كان نتيجة رغبتها في تنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية، علما بأن القوى الاقتصادية الغربية هي التي تهيمن على البلاد منذ فترة طويلة، وبالتالي تشير هذه الخطوة إلى تحول نحو استقلال اقتصادي أكبر. وكذلك تعدّ الرغبة في تقليل الاعتماد على صادرات النفط من الدوافع الرئيسية وراء قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس.

ومن الدوافع الرئيسية أيضا، إمكانية الشراكة من توفير فرصة جذب الاستثمار الأجنبي لنيجيريا، حيث كانت البلاد تسير في السوات الأخيرة نحو جذب استثمارات أجنبية، وسط تحديات متعددة تواجهها، منها الفساد وانعدام الأمن وضعف البنية التحتية. وهناك دافع آخر وراء قرار نيجيريا بالشراكة مع مجموعة البريكس، وهو تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء الأخرى، بحيث قد كانت نيجيريا منذ فترة طويلة عضوًا في المنظمات الاقتصادية الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS). ومن خلال انضمامها إلى مجموعة البريكس، ستستفيد من عضويتها لجذب الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والزراعة والتصنيع.

الآثار المترتبة على نيجيريا وفق آراء الاقتصاديين

لقد أشاد الاقتصاديون بعضوية نيجيريا في مجموعة البريكس باعتبارها تطورا إيجابيا، غير أنهم حذروا بشأن التحديات المحتملة. ويقول الخبير الاقتصادي إيميكا أوكينج وو مشيدا بالخطوة ما نصّه: “انظر إلى أعضاء مجموعة البريكس والاقتصادات التي يجلبونها إلى الطاولة. ربما تكون البرازيل أكبر منتج للثروة الحيوانية ومنتجاتها على مستوى العالم، ثم للطائرات والطيران والطاقة المتجددة. ثم انظر إلى روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا. هذه أعداد كبيرة من السكان. إذا جمعتها معًا، فمن المحتمل أن تحقق عشرة أضعاف قيمة ما يمكن أن تقدمه لك أوروبا وأمريكا.”

ويشاركه آخرون في تفاؤله، وهم الذين يرون في مشاركة نيجيريا في مجموعة البريكس وسيلة للاستفادة من الفرص الاقتصادية العالمية وتعزيز أهداف التنمية الوطنية.

ومع ذلك، فلا تخلو هذه الخطوة من التحديات، حيث رأى بعض المحللين أن نيجيريا تواجه عقبات كبيرة، بما فيها الاقتصاد المتعثر والبنية التحتية غير الكافية. وبالرغم من كلها يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن نيجيريا قادرة على التغلب على هذه التحديات. ومن هؤلاء الخبراء ندو نووكولو الذي قال: “الأمر يتعلق بمدى ذكائك للاستفادة من الجميع”. ثم قال مستطردا: “ومع ما نشهده من بعض تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد تستفيد نيجيريا من الوضع لأن ترامب يتحدث بالفعل عن زيادة الضرائب الجمركية حتى داخل الدول الحليفة. وإذا كان سيفعل ذلك مع البلدان التي نعتقد أنها شركاء تقليديون، فلم لن يفعل المزيد مع البلدان التي يعتبرها غريبة”.

ويمكن الاستنتاج من وجهات النظر المذكورة أعلاه أن عضوية نيجيريا في البريكس تقدم فرصًا وتحديات للبلاد. ورغم أن خبراء الاقتصاد يحذرون من المخاطر المحتملة، فإنهم يعترفون أيضاً بالفوائد المحتملة لزيادة التجارة والاستثمار. وبينما تبحر نيجيريا في هذه الشراكة الجديدة، يتعين عليها أن تضمن أن سياساتها الاقتصادية المحلية تتماشى مع أهداف عضوية مجموعة البريكس.

الآثار المترتبة على أفريقيا عموما

تعد عضوية نيجيريا كشريك في مجموعة البريكس خطوة استراتيجية سوف تعود بالنفع على أفريقيا عموما، وفقا لالتزام البلاد بالإصلاح المالي والسياسي العالمي. و إن مشاركة نيجيريا في المجموعة تعكس دورها النشط في الدفاع عن المصالح الأفريقية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي. وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة، نظراً لجدول أعمال نيجيريا الطموحة، والتي تتضمن السعي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعضوية مجموعة العشرين، وفقا لوزير الخارجية يوسف توجار.

وفي كلماته أثناء حديثه بشأن الشراكة المتاحة في مقابلة مع قناة  CNBC Africa، قال الوزير النيجيري: “كما تعلمون، نحن سباق غايات لا يعلى علينا من حيث التواصل. ولهذا السبب فمن المهم بالنسبة لنيجيريا أن تكون حاضرة وأن تشارك، ونحن نفعل ذلك بالضبط. فالمشاركة إذن سياسية أيضا بقدر كونها اقتصادية، خاصة في هذا الأوان الذي رسمنا فيه جدول أعمال طموحة، مثل الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى عضوية مجموعة العشرين، وقد أعلنا مؤخرًا عن شراكتنا مع مجموعة البريكس. لذلك، نحن شريك في البريكس الآن، وبالطبع، نحن في طليعة الضغط من أجل إصلاح الهيكل المالي العالمي، وهيكل صنع القرار السياسي.”

وكذلك تعد العلاقات الثنائية القوية، الثابتة بين نيجيريا والأعضاء المؤسسين لمجموعة البريكس، جانبا رئيسيا من هذه الشراكة.

ويسلط شرح الوزير النيجيري الضوءَ على التعقيدات التي ينطوي عليها الأمر وتركيز البلاد على الاستقلال الاستراتيجي، مبيّنا أن هذا النهج يتماشى مع المثل الإفريقية، التي تؤكد على أهمية سيطرة الدول الإفريقية على مصيرها وتأكيد مصالحها على المسرح العالمي.

ومع استمرار الدول الأفريقية في التعامل مع المنتديات العالمية الرئيسية مثل مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، فإنها تضع نفسها كصوت مهم في تشكيل الخطاب الاقتصادي والسياسي العالمي. وهذا يشكل تطوراً إيجابياً من منظور عموم أفريقيا، لأنه يعكس التزام نيجيريا بمناصرة المصالح الأفريقية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي.

وخلاصة القول أنه لا شك في أن عضوية نيجيريا في مجموعة البريكس ترسم حدودا جديدة للتجارة والاستثمار في أفريقيا. وباعتبار نيجيري واحدة من أكبر الاقتصادات في القارة، فإن قرارها بالانضمام إلى مجموعة البريكس يرسل إشارة قوية حول النفوذ الاقتصادي المتنامي لأفريقيا. وفي حين يحذر الاقتصاديون من التحديات المحتملة، فإنهم يعترفون أيضاً بالفرص المتاحة لزيادة التجارة والاستثمار. وذلك لأن عضوية نيجيريا في البريكس تقدر على الدخول في حقبة جديدة من التعاون والنمو الاقتصادي لأفريقيا.

ظهرت المقالة شراكة نيجيريا مع البريكس: جبهة جديدة للتجارة والاستثمار في أفريقيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6161/%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%b3-%d8%ac%d8%a8%d9%87%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%84/feed/ 0 6161
ماذا وراء طرد الدول الفرنكوفونية للقوات الفرنسية من أفريقيا؟ https://alafarika.org/ar/6141/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%b7%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d9%83%d9%88%d9%81%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%82%d9%88/ https://alafarika.org/ar/6141/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%b7%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d9%83%d9%88%d9%81%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%82%d9%88/#respond Wed, 22 Jan 2025 13:41:45 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6141

انضمت ساحل العاج إلى صفوف الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها العسكرية مع القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، وذلك بإعلان صدر من الرئيس الحسن واتارا في ديسمبر 2024، أن القوات الفرنسية ستنسحب من البلاد، قائلا: “لقد قررنا انسحابًا منسقًا ومنظمًا للقوات الفرنسية في ساحل العاج”. وأعلن في خطاب ألقاه بمناسبة نهاية العام، أن الانسحاب سيبدأ في يناير، […]

ظهرت المقالة ماذا وراء طرد الدول الفرنكوفونية للقوات الفرنسية من أفريقيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

انضمت ساحل العاج إلى صفوف الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها العسكرية مع القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، وذلك بإعلان صدر من الرئيس الحسن واتارا في ديسمبر 2024، أن القوات الفرنسية ستنسحب من البلاد، قائلا: “لقد قررنا انسحابًا منسقًا ومنظمًا للقوات الفرنسية في ساحل العاج”. وأعلن في خطاب ألقاه بمناسبة نهاية العام، أن الانسحاب سيبدأ في يناير، إنهاءً للوجود العسكري الأجنبي الذي دام عقودًا. ويعتبر هذا القرار جزءا من اتجاه الدول الأفريقية نحو دفع فرنسا إلى تقليص وجودها العسكري في القارة. ويشكل انسحاب القوات الفرنسية من ساحل العاج تطوراً كبيراً، حيث جاء بعد طلبات الانسحاب المماثلة من السنغال وتشاد. وقد تعرض نفوذ فرنسا في المنطقة للتضاؤل إلى حد كبير في تشاد على وجه الخصوص، بسبب قرار مطالبة القوات الفرنسية بالمغادرة، بالرغم من كون تشاد حليفًا رئيسيًا لفرنسا في حربها ضد المتشدّدين الإرهابيين في منطقة الساحل. هكذا اضطرت فرنسا إلى الانسحاب من العديد من دول غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة، بما فيها مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ويرجع السبب وراء ذلك إلى تزايد المشاعر المعادية لفرنسا والانقلابات العسكرية في المنطقة، وبالتالي، انخفض الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا بشكل كبير، حيث أصبحت القوات موجودة الآن فقط في جيبوتي والجابون.

وهناك سؤال يطرح نفسه في هذا الوضع، ألا وهو “ما الدافع وراء هذا الاتجاه؟”. وأقرب جواب إلى الصواب، أنه يتعلق الأمر بالرغبة الشديدة في التحرر من أغلال الاستعمار وشق مسارات جديدة لمستقبل أفريقيا، حيث تسعى هذه الدول إلى إنشاء علاقات أوثق مع القوى العالمية الأخرى، مثل الصين وروسيا، وتؤكد استقلالها عن القوى الاستعمارية السابقة. ومع استمرار ساحل العاج وغيرها من الدول الأفريقية في تأكيد سيادتها، فمن الواضح أن العلاقات الاستعمارية القديمة تخضع لإعادة التقييم. وبما أن هذا التحول يُظهر رغبة متزايدة في تقرير المصير والاستقلال، فمن المرجّح أن تقاوم المزيد من الدول الأفريقية الوجود العسكري الفرنسي في السنوات القادمة.

الحضور العسكري الفرنسي والمنظور الحزبي

يعود الوجود العسكري الفرنسي في غرب أفريقيا إلى الفترة الاستعمارية. وكانت فرنسا تحافظ على تواجد عسكري كبير في المنطقة منذ الاستقلال، لغرض توفير الأمن والاستقرار. ومع ذلك، رأى العديد من الأفارقة أن هذا الوجود يعني استمرارا للاستعمار، حيث تؤثّر فرنسا على سياسات المنطقة واقتصاداتها وأمنها تأثيرًا كبيرًا. لكنّ هذا التصور لا أساس له من الصحّة، إذ قد حافظت فرنسا تاريخياً على شبكة من القواعد العسكرية والاتفاقيات مع الدول الأفريقية، ما سمح لها بإظهار القوة والنفوذ في جميع أنحاء المنطقة. وفي حين زعمت فرنسا أن وجودها العسكري ضروري لمكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار، فإن العديد من الأفارقة يعتبرونه شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد.

لا يزال إرث الاستعمار يشكل علاقات فرنسا مع الدول الأفريقية. ويشعر العديد من الأفارقة بالاستياء من حقيقة مفادها أن فرنسا حافظت على درجة كبيرة من السيطرة على اقتصادات بلدانهم، وسياساتها، وأمنها. وقد ظل هذا الاستياء يغلي لعقود من الزمن، وكان يتحول في بعض الأحيان إلى احتجاجات ومشاعر مناهضة لفرنسا. وفي السنوات الأخيرة، حاولت فرنسا إعادة صياغة علاقتها مع أفريقيا، مع التركيز على الشراكة والتعاون في مكافحة الاستعمار والهيمنة. ومع ذلك، لا يزال العديد من الأفارقة متشككين، حيث ينظرون إلى جهود فرنسا على أنها ليست أكثر من مجرد إعادة صياغة للعلاقات الاستعمارية القديمة.
وقد بيّن صديق أبا، وهو باحث نيجيري، إن فرنسا تكافح من أجل قبول حقيقة أن أفريقيا قد تغيرت، وقال؛ “المستعمرات السابقة تبحث عن مصالحها فقط ولا ينظرون إلى تاريخهم مع فرنسا”. وبصفته رئيسًا للمركز الدولي للتأمل في دراسات منطقة الساحل، كان يعتقد أن المسؤولين الفرنسيين بعيدون عن الواقع. وقال: “لا يزال الدبلوماسيون والمسؤولون الآخرون يعتبرون أن لديهم علاقات حصرية مع الدول الأفريقية”. وبينما تؤكد الدول الأفريقية سيادتها بطرد القوات الفرنسية، فإنها تتخذ خطوة مهمة نحو التحرر من أغلال الاستعمار.

صعود المشاعر المعادية لفرنسا

لقد تزايدت المشاعر المعادية لفرنسا في غرب أفريقيا في السنوات الأخيرة، بحيث يشعر العديد من الأفارقة بالإحباط والاستياء إزاء تدخل فرنسا في الشؤون الداخلية لبلدانهم. ولقد أعرب بعض الناشطين الأفارقة عن آرائهم بشأن قضية رفض فرنسا في أفريقيا الشائكة، في دراسة تم نشرها في نوفمبر 2024 على موقع Afriquexxi بعنوان “ما وراء المشاعر المعادية: أسباب رفض الأفارقة لفرنسا”. وكانت بعض الانتقادات الواردة من الدراسة مبنيةً على تفكير سياسي عميق ودقيق خلافًا للاعتقاد الشائع. ومن ذلك ما قاله أحد مواطني بنين: “عندما نقول المشاعر المعادية لفرنسا، يبدو الأمر كما لو أن للأفارقة ضغينةً ضد أفراد من الشعب الفرنسي. فهذا ليس بصحيح بالنسبة لي، بل الصحيح هو رفض الأفارقة للنظام الذي يسمح للتدخل الفرنسي في شؤون الأفارقة”. وأضاف آخر أيفوري قائلا: “نحن ببساطة لم نعد نرضى بتدخلهم المفرط في سياستنا، لأننا أبناء الوطن. وما لا يريدون منا أن نفعله في بلادهم، لا ينبغي لهم أن يأتوا ويفعلوه بنا. هذا كل شيء.” ومما ورد من تحليل مؤلفي التقرير ما نصّه: “بالنسبة للأشخاص الذين تمت مقابلتهم، يجب التمييز بشكل واضح للغاية بين انتقاد الدولة الفرنسية أو صناع القرار وبين العلاقة مع المواطنين الفرنسيين.”

علاوة على ذلك، تعرض أسلوب تعامل الحكومة الفرنسية مع أزمات الساحل لانتقادات واسعة بسبب فظاظته واستخفافه بالمخاوف الأفريقية. على سبيل المثال، أثار مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في مالي عام 2020 موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء منطقة الساحل، حيث دعا العديد من المتظاهرين إلى انسحاب القوات الفرنسية.

وكذلك لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تأجيج المشاعر المعادية لفرنسا، بحيث استخدم العديد من الأفارقة منصات مثل تويتر وفيسبوك للتعبير عن إحباطهم من تصرفات فرنسا في المنطقة. وظهرت علامات التصنيف مثل #FranceGetOut و #AfricaIsNotAFrench Colony شائعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ما عكس رغبة الدول الأفريقية المتزايدة في تأكيد استقلالها. ثم ساهم تأثير الوحدة الأفريقية والمركزية الأفريقية في ظهور المشاعر المعادية لفرنسا، بحيث يتبنى العديد من الأفارقة بشكل متزايد هويتهم الأفريقية ويرفضون كل ما يتعلق بالاستعمار. وقد أدى هذا التحول في الوعي إلى خلق شعور بالتضامن بين الأفارقة، الذين أصبحوا الآن أكثر ميلاً إلى التحدث علناً ضد التدخل الفرنسي في شؤونهم.

الرغبة في السيادة التامة

إن قرار طرد القوات الفرنسية الذي اتخذته ساحل العاج والسنغال وغيرهما، كان مدفوعاً -بشكل جزئي- بالرغبة في امتلاك السيادة التامة، وبالتالي بدأت الدول الأفريقية تسعى إلى إقامة شراكات جديدة تعكس مصالحها بشكل أفضل. وكان الدافع وراء هذا التحول هو الإيمان الشديد والاعتراف المتزايد بأن العلاقات الاستعمارية القديمة لم تعد قابلة للاستمرار، وأن أفريقيا يجب أن تتولى مسؤولية مصيرها. وإلى هذا يشير جيفري جوليان كواو، عالم السياسة الإيفواري، حيث يقول: “فإن الساسة الأفارقة يريدون تنويع علاقاتهم، خاصة مع دول الجنوب العالمي، مثل الصين وتركيا والبرازيل والممالك العربية في الخليج، و روسيا”. وتعكس الرغبة في التنويع هذه شعوراً متزايداً بالثقة بين الدول الأفريقية، التي أصبحت الآن أكثر ميلاً إلى تأكيد مصالحها وتحدي الوضع الراهن. ومن ثم،كان للشعور بالإحباط إزاء الوضع الحالي للعلاقات الأفريقية الفرنسية، دورٌ مهم في رغبة الدول الأفريقية للسيادة التامة، بحيث يعتقد معظم الأفارقة بأن فرنسا تعامل الدول الأفريقية كشركاء صغار بل تلعب دور الأب الوالد والمهيمن على شؤون الأبناء الصغار. وبالتالي خلق هذا الوضع في نفوس الأفارقة شعوراً بالاستياء، حيث يشعرون بأن فرنسا لا تأخذ مخاوفهم على محمل الجد.

ظهور شراكات جديدة والتداعيات الأمنية

كان طرد القوات الفرنسية من ساحل العاج والسنغال وغيرهما بمثابة تغيير في قواعد اللعبة بالنسبة لغرب أفريقيا. وهي علامة واضحة على أن المنطقة تتحرر من ماضيها الاستعماري وتقيم علاقات جديدة. والصين هي أحد اللاعبين الرئيسيين الذين يتخذون خطوات ملموسة في المنطقة، من خلال استثماراتها الكثافة في أفريقيا، حيث قد ضخت مليارات الدولارات في البنية التحتية والطاقة وقطاعات أخرى، ما ساهم في النمو الاقتصادي والتنمية في العديد من البلدان الأفريقية.

ومع ذلك، فإن بعض المنتقدين يدقون جرس إنذار، زاعمين أن استثمارات الصين يمكن أن تخلق فخاخ الديون وتقوض السيادة الأفريقية. أما روسيا فهي دولة أخرى تشق طريقها في غرب أفريقيا، حيث توفر التدريب العسكري والمعدات للعديد من البلدان. وبالتالي فإن انسحاب القوات الفرنسية قد يكون له تأثير كبير على أمن المنطقة، حيث سيتضاءل نفوذ فرنسا، وسوف تحتاج المنطقة إلى إيجاد سبل جديدة لمعالجة تحدياتها الأمنية.

ومع كل هذا وذاك، فإن هذا التحول يثير تساؤلات مهمة حول مستقبل المشهد الأمني ​​في غرب إفريقيا، منها: فمن سيملأ فراغ السلطة مع تضاؤل نفوذ فرنسا؟ وكيف ستتعامل المنطقة مع التحديات الأمنية المستمرة، بما فيها العنف الإرهابي وعدم الاستقرار؟

فالإجابات على هذه التساؤلات سوف تعتمد على قدرة الدول الأفريقية على التكاتف للعمل معاً، وإقامة شراكات جديدة، وتولي زمام التحديات الأمنية التي تواجهها. وسوف يتطلب الأمر اتباع نهج شامل ومتكامل، يجمع بين الاستراتيجيات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. ويتعين على المجتمع الدولي أيضاً أن يلعب دوراً حاسماً في دعم الجهود الأمنية في المنطقة.

وبشكل قاطع، مع استمرار غرب أفريقيا في التعامل مع هذا المشهد الجديد، فمن الواضح أن المنطقة تمر بتحول كبير، وأنه يجري فيها الآن إعادة تقييم العلاقات الاستعمارية القديمة، وتؤكد الدول الأفريقية على نحو متزايد على سيادتها وسلطتها. ورغم التحديات التي تنتظر بالمرصاد، فإن ظهور شراكات جديدة في غرب أفريقيا سوف يوفر مستقبلاً باهرا مشرقا للمنطقة.

ظهرت المقالة ماذا وراء طرد الدول الفرنكوفونية للقوات الفرنسية من أفريقيا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6141/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%b7%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d9%83%d9%88%d9%81%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%82%d9%88/feed/ 0 6141
العلاقات النيجيرية الهندية: ما هي مجالات الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا؟ https://alafarika.org/ar/6073/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%84/ https://alafarika.org/ar/6073/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%84/#respond Thu, 12 Dec 2024 15:08:40 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6073

إن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى نيجيريا في يوم السبت الموافق 16 نوفمبر 2024، جدّدت الاهتمام بالعلاقات النيجيرية الهندية. وإن هذه الزيارة الرسمية هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى نيجيريا منذ 17 عاما، وفقا لتقارير وسائل الإعلام، التي سلطت الضوء على الأهمية القصوى للعلاقات بين البلدين. […]

ظهرت المقالة العلاقات النيجيرية الهندية: ما هي مجالات الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

إن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى نيجيريا في يوم السبت الموافق 16 نوفمبر 2024، جدّدت الاهتمام بالعلاقات النيجيرية الهندية. وإن هذه الزيارة الرسمية هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى نيجيريا منذ 17 عاما، وفقا لتقارير وسائل الإعلام، التي سلطت الضوء على الأهمية القصوى للعلاقات بين البلدين. وكانت الجالية الهندية في نيجيريا تتمتع بتاريخ طويل، من حيث تدفق العديد من الهنود إلى نيجيريا تجّارا ورجال أعمال منذ قديم، وقد أصبحوا اليوم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع النيجيري، ويساهمون في النمو الاقتصادي والتنمية في البلاد، كما يلعبون دورًا مهمًا في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.

زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا

تشكل العلاقات التاريخية بين الهند ونيجيريا جزءًا من أساس قوي للعلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين، وإن لكلتيْ الدولتين تاريخا مشتركا من الاستعمار، وهما عضو في حركة عدم الانحياز. وقد انبعثت زيارة رئيس الوزراء الهندي هذه، نتيجةَ عزم حكومة الهند على تعزيز علاقاتها مع نيجيريا، تماشيا مع أهداف الهند الاستراتيجية في أفريقيا، حيث قد تركت الصين وروسيا بالفعل انطباعًا دائمًا. ويمكن أيضا رؤية اهتمام الهند المتزايد في سياق الدور الذي تلعبه أفريقيا في منطقة المحيط الهندي والموارد المهمة التي تمتلكها القارة، مثل المعادن التي تحتاجها الهند لمصنوعاتها مثل السيارات الكهربائية. وخلال الزيارة، تعهد البلدان بتعزيز العلاقات في مجالات رئيسية، بما فيها مجال التنمية الاقتصادية ومجال الدفاع ومجال الرعاية الصحية والأمن الغذائي، وبالتالي تتمثل خطوة الالتزام بتعزيز العلاقات هذه، مؤشرا على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الهند ونيجيريا.

عقد الزعيمان، ناريندرا مودي و بولا تينوبو، اجتماعا على انفراد، وأعقبه محادثات ثنائية وسياسية موسعة، حيث ناقشا مختلف مجالات التعاون. وأثمرت الزيارة توقيعَ الطرفين على ثلاث مذكرات تفاهم حول برنامج التبادل الثقافي، والتعاون في المسائل الجمركية، وفي مجال المسح. علاوة على ذلك، اتفق الزعيمان على وضع اللمسات الأخيرة على العديد من الاتفاقيات الأخرى والتوقيع عليها في المستقبل القريب، منها معاهدة المساعدة القانونية المتبادلة، ومعاهدة تسليم المجرمين، ونقل الأشخاص المحكوم عليهم، ومعاهدة الشراكة في الزراعة والقطاعات المرتبطة بها، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومعاهدة الاستثمار الثنائي، ومعاهدات أخرى. وكذلك أسفرت المناقشة الثنائية بين الزعيمين عن اتفاق مهم لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن البحري وتبادل المعلومات الاستخبارية. ثم اتفقت الدولتان على اتخاذ إجراءات منسقة لحماية طرق التجارة البحرية ومكافحة القرصنة، بسبب تزايد التهديدات في خليج غينيا والمحيط الهندي، كما تعهدا بمواصلة التدريبات البحرية المنتظمة والعمليات المشتركة لمكافحة القرصنة في خليج غينيا لحماية الطرق البحرية الحيوية، لكي يخلف ذلك تأثيرا إيجابيا على الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية. ومن المتوقع أن تعمل كل هذه الاتفاقيات على تعزيز وتوسيع مجالات التعاون الثنائي بين الهند ونيجيريا وتعزيز شراكتهما الاستراتيجية في مختلف القطاعات.

التعاون الاقتصادي والدفاعي بين البلدين

لقد قام الزعيمان بتسليط الضوء على العلاقة الاقتصادية الناشطة بين الهند ونيجيريا خلال المحادثات، علما بأن الهند تعتبر أكبر شريك تجاري لنيجيريا و مساهما كبيرا في اقتصادها، بحيث ثبت إحصائيا بأن الهند شريكة تجارية رئيسية لنيجيريا، بحيث وصلت التجارة الثنائية إلى 7.89 بليون دولار في فترة ما بين 2023 و 2024. ومع العلم بأن نيجيريا ثاني أكبر شريك تجاري للهند في المنطقة الأفريقية، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية مبلغ 11.8 بليون دولار في فترة ما بين 2020 و 2023، كما أن شركة جيريا قد أشادت بأكثر من 200 شركة هندية تعمل حاليًا في نيجيريا، باستثمارات يبلغ إجمالها حوالي 27 بليون دولار في مختلف القطاعات. وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون الاقتصادي بين الهند ونيجيريا نموا سريعا، واحتلت الهند مكانة مرموقة باستثماراتها في قطاعات مثل النفط والغاز والأدوية والبنية التحتية في نيجيريا، لتصبح أكبر دولة مستثمرة في الاقتصاد النيجيري. وكذلك يستمر نشاط الشركات النيجيرية التي تستثمر في الهند، خاصة في مجال الزراعة وإنتاج الأغذية، وبهذا يتضح جليا بأن العلاقة الاقتصادية بين الهند ونيجيريا، تقدر على تحقيق النمو بشكل أسرع في السنوات المقبلة.

وهناك مجال رئيسي آخر تمت مناقشته خلال المحادثات بين الرئيسين، وذلك مجال مكافحة الإرهاب، حيث أظهر البلدان التزامهما بمواصلة التدريبات البحرية المنتظمة والعمليات المشتركة لمكافحة القرصنة في خليج غينيا لحماية الطرق البحرية الحيوية. وجاء في البيان المشترك الصادر من التقرير الرسمي للزيارة ما نصه: “كرر الزعيمان إدانتهما القاطعة للإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما فيها حركة الإرهابيين عبر الحدود، وشبكات تمويل الإرهاب والملاذات الآمنة. ودعَوَا إلى عدم التسامح إطلاقا مع الإرهاب، والإسراع في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية الشاملة بشأن الإرهاب الدولي، واعتمادها في إطار الأمم المتحدة. وكذلك الإسراع في تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، فتم الاتفاق بينهما على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.”

هذا، مع العلم بأن للتعاون الدفاعي بين الهند ونيجيريا جذورا تاريخية، حيث لعبت الهند دورًا حاسمًا في إنشاء أكاديمية الدفاع النيجيرية وكلية الحرب البحرية. أضف إلى ذلك، كون البلدين يتمتعان بعلاقة دفاعية قوية، بحيث توفر الهند التدريب والدعم للقوات النيجيرية. وكانت البحرية الهندية تشارك بنشاط في خليج غينيا، بتقديم التدريب ودعم القوات البحرية النيجـيرية، بل قامت سفينة البحرية الهندية (INS) Sumedha بزيارة ميناء لاغوس – نيجيريا، في أكتوبر 2023، لتعزيز الأمن البحري ومكافحة القرصنة. ويحظى هذا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أهمية بالغة في مكافحة التهديد المتزايد الذي يشكله الإرهاب في المنطقة. وبما أن البلدين ملتزمان بتبادل المعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات ومبادرات بناء القدرات لتعزيز جهودهما في مكافحة الإرهاب، يتعين على القوات البحرية الهندية والنيجيرية تعزيز تعاونهما لضمان سلامة طرق التجارة البحرية، وخاصة في خليج غينيا.

التعاون في مجال الطاقة والزراعة بين البلدين

يعد التعاون في مجالي الطاقة والزراعة بين الهند ونيجيريا من المجالات الرئيسية الأخرى التي ناقشها الزعيمان، وتم الإقرار بأن يتلقى القطاعان دفعة كبيرة بعد المحادثات، حيث أدرك الزعيمان الإمكانات الهائلة المتوفرة لتحقيق التعاون في مجال الطاقة المتجددة ومجال الزراعة والأمن الغذائي. بهذا يتوقّع أن تدعم خبرة الهند في مجال الطاقة المتجددة، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية، جهودَ نيجيريا لتنويع مصادر الطاقة لديها وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء.

ويلاحظ أن التعاون الهندي النيجيري في مجال الطاقة، قد نما نموا سريعا في السنوات الأخيرة، بحيث تستثمر الشركات الهندية بنشاط فعّال في قطاع النفط والغاز في نيجيريا، لأن موارد نيجيريا النفطية والغازية، ما زالت توفّر فرصًا كبيرة للتعاون في مجال الطاقة مع الهند، حيث تختزن أراضي نيجيريا كمية نفطية هائلة، تولد ما يقرب من 90٪ من إيرادات البلاد من النفط والمنتجات ذات الصلة. ومن ناحية أخرى، كانت الهند في المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر استيرادا للنفط على مستوى العالم، حيث يأتي جزء كبير من مستورَداتها النفطية من الشرق الأوسط. وما على الحكومة النيجيرية الآن سوى الاستمرار في تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع الهند، بعد أن تم توقيع الاتفاقيات بشأن هذا المجال بين البلدين.

أما بالنسبة للقطاع الزراعي، فإن الزراعة قطاع ذو أهمية بالغة في اقتصاد نيجيريا، حيث توظف ما يقرب من 70٪ من السكان، بل ساهم بنسبة 25.18٪ فى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. وعلى الرغم من وجود أكثر من 70 مليون هكـتار من الأراضي الصالحة للزراعة، لا يخضع منها للزراعة غير حوالي 44٪ منها حاليا. علما بهذا، قد تتجه استثمارات الهند نحو هذا القطاع، زيادةً على الاستثمارات الحالية التي قامت بها بعض الشركات الهندية في مزارع زيت الطعام، والتي تهتم بزراعة الحبوب في نيجيريا. وقد سبق أن أظهرت الأبحاث أن الشركات الهندية كان لها نصيب في القطاع الزراعي في نيجيريا. ومن الضروري إذن بالنسبة للبلدين، إعطاء الأولوية للثقة المتبادلة والاحترام والتفاهم على أساس الشراكة بينهما.

خاتمة

تشير زيارة رئيس الوزراء الهندي لنيجيريا في هذه الفترة التي تتسم بالمنافسة الجيوسياسية الشديدة، إلى خطة نيودلهي (عاصمة الهند) الجيو-استراتيجية، وخاصة في سياق التنافس مع الصين، والنضال من أجل الوصول إلى خليج غينيا. كما أن عزم الهند على دعم أولويات التنمية في نيجيريا من خلال خطوط الائتمان الميسرة والخبرة الفنية، يمكن أن تستخدمه نيجيريا لمواجهة تحديات التنمية، خاصة في مجالي الطاقة والزراعة.

وينطوي نشاط الهند المتنامي في نيجيريا على العديد من الإمكانات، لا سيما فيما يتعلق بتعريف الشركات الأفريقية بالتطورات الجديدة في التكنولوجيا ومهارات العمل الحديثة. ومن الممكن أن تغتنم حكومات أفريقية أخرى فرصة زيادة تواجد الشركات الهندية في أفريقيا كمصادر للتكنولوجيا والمهارات والمشورة المناسبة للتنمية الاقتصادية.

ورغم أن نجاح هذه الشراكة سوف يعتمد على التزام البلدين بتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، فإن التعاون القوي بين نيجيريا والهند سوف يكون له فوائد بعيدة المدى، أبرزها تعزيز التجارة والاستثمار، وتحسين الأمن، وتحقيق التنمية بشكل سريع.

ظهرت المقالة العلاقات النيجيرية الهندية: ما هي مجالات الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء مودي إلى أبوجا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6073/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%84/feed/ 0 6073
الأزمة السياسية في تنزانيا وانعكاساتها على الانتخابات العامة لعام 2025 https://alafarika.org/ar/6062/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa/ https://alafarika.org/ar/6062/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa/#respond Mon, 09 Dec 2024 08:11:57 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6062

تجد تنزانيا نفسها وسط تصاعد التوترات والانقسامات العميقة، غارقةً في أزمة سياسية حادة، ترددت أصداؤها في جميع أنحاء البلاد ولفّتت الاهتمام الدولي. وقد شكلت هذه الأزمة، التي تمتد جذورها إلى تاريخ معقد من الديناميكيات السياسية والأحداث السياسية الأخيرة، تحديا كبيرا لهيكل الحكم والمبادئ الديمقراطية في البلاد، ما قد يخلف آثارا بعيدة المدى على الانتخابات المقبلة. […]

ظهرت المقالة الأزمة السياسية في تنزانيا وانعكاساتها على الانتخابات العامة لعام 2025 أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تجد تنزانيا نفسها وسط تصاعد التوترات والانقسامات العميقة، غارقةً في أزمة سياسية حادة، ترددت أصداؤها في جميع أنحاء البلاد ولفّتت الاهتمام الدولي. وقد شكلت هذه الأزمة، التي تمتد جذورها إلى تاريخ معقد من الديناميكيات السياسية والأحداث السياسية الأخيرة، تحديا كبيرا لهيكل الحكم والمبادئ الديمقراطية في البلاد، ما قد يخلف آثارا بعيدة المدى على الانتخابات المقبلة. ومع تصاعد التوترات والشكوك التي تظهر في الوسط، تخضع ديناميكيات مشاعر الناخبين، والعمليات الانتخابية، والحكم الديمقراطي، لتحولات عميقة محتملة. فبناء على هذا، تتناول السطور التالية تحليل كيف يمكن لهذه الأزمة السياسية المستمرة أن تؤثر على نتائج الانتخابات في تنزانيا.

المشهد السياسي في تنزانيا

تشتهر تنزانيا بالحياة البرية الوفيرة والمناظر الطبيعية الخلابة، وتتميز بمشهدها السياسي المتنوع، بحيث قد شهدت البلاد العديد من التحولات والتطورات السياسية التي أثرت على وضعها الحالي منذ عصر ما قبل الاستقلال إلى يومنا هذا. ولقد سلكت تنزانيا بعد الاستقلال في عام 1961، نهجا اشتراكيا للتنمية الاقتصادية حتى منتصف الثمانينيات،كدولة يهيمن عليها حزب واحد، حيث شرعت تنزانيا في سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية خلال إدارة الرئيس علي حسن مويني. ثم اتخذت الحكومة قرارًا بتبني الديمقراطية التعددية في يناير وفبراير 1992، ما أدى إلى تسجيل 11 حزبًا سياسيًا. وقد أثر بشكل كبير على الحوار السياسي لاعبون رئيسيون في الساحة السياسية للبلاد منذئذ، مثل حزب تشاما تشا مابيندوزي الحاكم (CCM) وأحزاب المعارضة مثل تشاديما وحزب ACT وازاليندو، وكذلك شاركوا في الممارسات الديمقراطية في البلاد. ومنذ تحول البلاد من دولة الحزب الواحد إلى دولة تعمل بنظام متعدد الأحزاب في أوائل التسعينيات، كانت تنزانيا قد أجرت انتخابات متعددة الأحزاب بشكل منتظم. ومع ذلك، لا تزال المعارضة ضعيفة نسبيًا، حيث احتفظ حزب تشاما تشا مابيندوزي (CCM) بالسلطة لأكثر من 60 عامًا.

أجرت تنزانيا أول انتخابات رئاسية لها في عام 1995، وتم انتخاب بنيامين مكابا من حزب CCM الحاكم كأول رئيس في ظل نظام متعدد الأحزاب، ما يمثل تحولاً كبيراً ملموسا في المشهد السياسي في البلاد. وعلى الرغم من تصنيف المراقبين الدوليين للانتخابات على أنها حرة، إلا أن عضوية حزب CCM الساحقة وقدرته على الوصول إلى موارد مادية لتمويل الحملة الانتخابية، أعطته ميزة الغالبية الواضحة على أحزاب المعارضة. وقد اتبعت الانتخابات الرئاسية التالية في عام 2000 نمطاً مماثلاً، حيث حافظ حزب CCM الحاكم على موقعه المهيمن في السياسة التنزانية. و واصل في طمس الخطوط الفاصلة بين الحزب والدولة، باستخدام تكتيكات مثل إشراف الشرطة على التجمعات السياسية وتقييد وصول المعارضة إلى وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة. وسلطت هذه الإجراءات الضوء على التحديات التي تواجهها قوى المعارضة في تحدي هيمنة حزب CCM الحاكم، كما سلطت الضوء على الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات لتحقيق تكافؤ الفرص في العملية الانتخابية في تنزانيا.

ثم أجرت تنزانيا انتخاباتها العامة الثالثة في ديسمبر 2005، والتي تم تأجيلها بسبب وفاة مرشّح نائب رئيس حزب تشاديما، جومبي محمد جومبي. فقام الرئيس بنجامين مكابا بعد أن قضى فترتين في الولاية، بتسليم السلطة إلى جاكايا كيكويتي، الرئيس الجديد من حزب CCM الحاكم، الذي خرج منتصراً في الانتخابات الرئاسية، وحصل على 80% من الأصوات. وبالإضافة إلى ذلك، فاز حزب CCM بـ 264 مقعدًا من أصل 323 مقعدًا في الجمعية الوطنية. ومرورا إلى أكتوبر 2010، أجرت تنزانيا انتخاباتها العامة الرابعة، وهي لحظة تاريخية فذّة لأنها كانت المرة الأولى التي يفوز فيها حزب معارض بأصوات ومقاعد كبيرة في الجمعية الوطنية منذ الاستقلال، ويرجع ذلك أساسًا إلى حزب المعارضة تشاديما، بقيادة إدوارد لواسا، حيث شكل ائتلافًا مع ثلاثة أحزاب أخرى، عُرفت باسم UKAWA، و وعدت بتحدٍّ كبير في الانتخابات. فكانت النتيجة أن مسّ المرشح الرئاسي لحزب CCM الحاكم، جاكايا كيكويتي، انخفاض ملموس في أصواته من 80% في عام 2005 إلى 61%، حيث حصل مرشح حزب تشاديما، الدكتور ويلبرود سلا، على 26% من الأصوات، في حين حصل مرشح الجبهة المتحدة، البروفيسور إبراهيم ليبومبا، على 8%. وعلى الرغم من المنافسة، تم إعلان فوز الرئيس الحالي حينئذ جاكايا كيكويتي، من الحزب الحاكم للفترة الثانية.

وفي عام 2010 تم إجراء الانتخابات العامة الخامسة لتنزانيا، وفاز فيها مرشّح الحزب الحاكم، جون ماجوفولي، وعلى الرغم من رفض لواسا الاعتراف بانتصار ماجوفولي، و وصفه بأنه معركة خاسرة لا حربًا خاسرة، إلا أن غالبية التنزانيين قبلوا انتصار ماجوفولي بسبب فوزه الساحق. انتقالا إلى الانتخابات العامة السادسة في تنزانيا، التي أجريت في 28 أكتوبر 2020، حيث خرج الحزب الحاكم CCM منتصرًا مرة أخرى. حصل الرئيس ماجوفولي على 84% من الأصوات، متغلبًا على مرشح المعارضة توندو ليسو من حزب تشاديما المعارض. وارتفعت نسبة إقبال الناخبين إلى 50.7%، حيث حصل ماجوفولي على 14.8 مليون صوت من أصل 29.8 مليون ناخب مسجل. وفي الانتخابات البرلمانية أيضًا، حصل مرشحو حزب CCM على 256 مقعدًا من أصل 264 مقعدًا في الدائرة الانتخابية. ثم أثارت أحزاب المعارضة في تنزانيا مخاوف بشأن تدخل الحكومة في العملية الانتخابية، زاعمة التلاعب بصناديق الاقتراع بعد منع الوكلاء من الوصول إلى مراكز الاقتراع. واتهم توندو ليسو، مرشح تشاديما، الحزبَ الحاكم باستخدام أجهزة الدولة للحفاظ على السلطة بشكل غير قانوني، كما أبلغ زعيم حزب ACT-وازاليندو، زيتو كابوي، عن حالات تزوير في دوائر انتخابية مختلفة في جميع أنحاء البلاد، مشيرًا إلى اكتشاف الآلاف من أوراق الاقتراع التي تم التلاعب بها والتناقضات في تصريحات الضباط العائدين.

تصاعد الأزمة السياسية في تنزانيا بعد انتخابات 2020

كانت انتخابات عام 2020 في تنزانيا مليئة بالعيوب، وأبرزها غياب لجنة انتخابية مستقلة تتسم بالكفاءة، وكذلك شابتها قوة شرطة تخدم السياسة، وادعاءات كثيرة بحدوث مخالفات، وانعدام الشفافية. وقد أثارت هذه القضايا استياء واحتجاجات واسعة النطاق بين أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تمت إعادة انتخاب الرئيس ماجوفولي بنسبة 84٪ من الأصوات للفترة الثانية، الأمر الذي عزز هيمنة الحزب الحاكم شبه الكاملة على البرلمان بنسبة 93٪ من المقاعد. ثم أثار مخاوفَ الشعب قيامُ الحكومة بإجراء تعديلات دستوريـة بشأن النزعات الاستبدادية وتوحيد السلطة، ما يزيد في تقسيم المشهد السياسي وتصاعد التوترات. وكذلك أدت التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان، مثل قمع حرية الإعلام والمعارضة السياسية، إلى تأجيج الاضطرابات السياسية. ومن المؤسف أن الرئيس ماجوفولي توفي في مارس 2021 بعد معاناة من مضاعفات في القلب، ما نتج في أداء نائبته السيدة سامية سولوهو حسن، اليمينَ كأول رئيسة لتنزانيا. وكانت هذه اللحظة التاريخية بمثابة تحوّل كبير في قيادة البلاد، وانبعث بها آمال الشعب في مستقبل سياسي أكثر شمولاً وشفافية.

لم تهدر سامية سولوهو حسن أي وقت في تفكيك النظام الاستبدادي لسلفها، بعد توليها منصب رئيسة تنزانيا في مارس 2021، وسرعان ما استعادت الحقوق المدنية الأساسية، ورفعت الحظر عن التجمعات العامة وحررت وسائل الإعلام من القيود. ثم شرعت في حوارات مع أحزاب المعارضة لمناقشة الإصلاحات الضرورية، واقترحت تشكيل لجنة تشمل الأعضاء الخبراء للإشراف على عملية مراجعة الدستور التي طال انتظارها. وفي السنوات الثلاث عقب تولي سامية صولوهو حسن الرئاسة، نجحت في إلغاء العديد من السياسات التي نفذها ماجوفولي. فهي لم تقم بإعادة هيكلة الحزب الحاكم والحكومة فحسب، بل أدخلت أيضاً إصلاحات أدت إلى توسيع نطاق الحرية السياسية والمدنية بشكل كبير. وجدير بالذكر أنها أنشأت فريق عمل خاص للإصلاحات السياسية، وتوصل هذا الفريق إلى توصيات لإصلاح النظام الانتخابي. أضف إلى ذلك أنه أعادت سامية الأفرادَ الذين تم تهميشهم خلال فترة ماجوفولي، مثل يناير ماكامبا، ونابي ناوي، وعبد الرحمن كنانة، لتقوم بإقالة الموالين الرئيسيين لماجوفولي، مثل إقالة السكرتير الأول باشيرو علي، ووزير الخارجية بالاماجامبا كابودي، ورئيس المخابرات ديواني أثوماني مسويا، وهؤلاء من بين الذين لعبوا أدوارًا مهمة في قمع الحريات المدنية في ظل النظام السابق.

غير أنه في أواخر العام الماضي، بدا أن إصلاحات الرئيسة سامية صولوهو حسن قد بدأت تسلك منحى آخر مخالف، مع عودة المؤيدين لسلفها ماجوفولي إلى الظهور من جديد في مسرح السياسة والحكم، بحيث عينت بعضَهم في مناصب رئيسية. ففي أغسطس 2023، عينت دوتو بيتيكو، الحليف المقرب من ماجوفولي، نائبًا لرئيس الوزراء، وهو منصب جديد لم يتم تحديده في الدستور أصلا، كما تولى بيتيكو منصب وزير الطاقة بموافقة من الرئيسة سامية. وبالإضافة إلى ذلك، أعادت بول ماكوندا، المفوض الإقليمي السابق لدار السلام، بصفته سكرتير الأيديولوجية والدعاية للحزب الحاكم. ولقد اعتبر الكثيرون في تنزانيا هذه الخطوة محاولة لاستعادة الدعم من معسكر ماجوفولي، ولقمع المعارضة داخل الحزب وخارجه. ومن المرجح أن يهدف تعيين بيتيكو وماكوندا إلى تعزيز دعم الحزب في منطقة ليك، حيث تسكن مجموعة سوكوما العرقية، التي ينتمي إليها ماجوفولي. علاوة على ذلك، تراجعت سامية عن بعض مبادرات الإصلاح، مثل المراجعة الـمتوقعة لدستور البلاد، وتأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الوطنية في عام 2025.

وقد ترك هذا التحول في الاتجاه العديد من المراقبين غير متأكدين بشأن نوايا الرئيسة سامية، حيث يزعم البعض بعودة السياسات المتشددة في حين يبدو أن الإصلاحات الديمقراطية تتقدم بشكل أبطأ من المتوقع،  تنزانيا قد تتراجع إلى العهد الاستبدادي للرئيس السابق جون ماجوفولي، نتيجة أحداث عديدة مثل اعتقال اثنين من كبار زعماء المعارضة عدة مرات ومسؤول آخر، علي كيباو، الذي اختطف وقتل وتشويه جثته على يد مجهولين. أعرب توندوليسو، نائب زعيم حزب المعارضة الرئيسي تشاديما، والذي أُطلق سراحه بكفالة في أغسطس/آب 2024، عن مخاوفه بشأن الوضع وما ورد عن اختفاء العديد من منتقدي الحكومة الآخرين.

الانعكاسات المحتملة على الانتخابات المقبلة

إن الأزمة السياسية المستمرة في تنزانيا، تفرض تحديات كبيرة على نزاهة العمليات الانتخابية في تنزانيا، وتـثير مخاوف بشأن مصداقية النظام الانتخابي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بحلول عام 2025، كما تهدد استقرار المؤسسات الديمقراطية في تنزانيا،وتؤكد على ضرورة حماية القيم الديمقراطية في البلاد بشكل مستمر. ومن الواضح أن ثقة الشعب في الحكومة قد تآكلت، بحيث بدأ المواطنون يتساءلون عن أسس ديمقراطيتهم ويطالبون بالشفافية والمساءلة بشكل لم يسبق له مثيل.

وبينما تكافح تنزانيا في أعقاب هذه الأزمة السياسية، يظل الطريق إلى الصلاح والاستقرار غير مؤكد، حيث لم يتم تحديد ما إذا كانت إرادة الرئيس لدعم الديمقراطية الحقيقية لا تزال ثابتة أم لا. وإن قدرة المؤسسات الديمقراطية في تنزانيا على الصمود، وعزيمة شعبها، ومشاركة المجتمع الدولي في عمليات الانتخاب، سوف تلعب جميعها أدواراً محورية في تشكيل مستقبل البلاد. وبينما تلوح التحديات كبيرة في الأفق، هناك أيضًا أمل في الأخذ بالحوار والمصالحة وتجديد الالتزام بين الأحزاب السياسية بدعم القيم الديمقراطية. و ستكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار المشهد السياسي في تنزانيا وآفاق مستقبل أكثر شمولاً واستقرارًا.

ظهرت المقالة الأزمة السياسية في تنزانيا وانعكاساتها على الانتخابات العامة لعام 2025 أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6062/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa/feed/ 0 6062
الديمقراطية تترسخ: كيف خسر الائتلاف الحاكم انتخابات موريشيوس لعام 2024م؟ https://alafarika.org/ar/6047/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d8%b1%d8%b3%d8%ae-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%ae%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84/ https://alafarika.org/ar/6047/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d8%b1%d8%b3%d8%ae-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%ae%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84/#respond Tue, 03 Dec 2024 07:00:33 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6047

على الرغم من أن الحكم في موريشيوس شبه عائلي، حيث تناوب عليه عائلتان اثنتان فقط، منذ الاستقلال وحتى الآن، إلا أنها تعد واحدة من أنجح التجارب الديمقراطية في أفريقيا، وذلك بالنظر إلى عوامل كثيرة أبرزها: إسناد السلطة عبر انتخابات دورية، تجري بانتظام منذ ما قبل الاستقلال وحتى الأن، والممارسة الانتخابية التي تتسم بقدر كبير من […]

ظهرت المقالة الديمقراطية تترسخ: كيف خسر الائتلاف الحاكم انتخابات موريشيوس لعام 2024م؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

على الرغم من أن الحكم في موريشيوس شبه عائلي، حيث تناوب عليه عائلتان اثنتان فقط، منذ الاستقلال وحتى الآن، إلا أنها تعد واحدة من أنجح التجارب الديمقراطية في أفريقيا، وذلك بالنظر إلى عوامل كثيرة أبرزها: إسناد السلطة عبر انتخابات دورية، تجري بانتظام منذ ما قبل الاستقلال وحتى الأن، والممارسة الانتخابية التي تتسم بقدر كبير من الحرية والنزاهة والشفافية، والتداول السلمى للسلطة، والإدارة الجيدة للتعددية الاثنية للمجتمع الموريشي.

ومؤخراً جرت الانتخابات العامة الموريشية لعام 2024، وفيها فقد التحالف الحاكم السلطة، لتستمر سلسلة التناوب السلمي على السلطة، ولتدخل التجربة الموريشية مرحلة الترسخ الديمقراطي، حيث خسر تحالف “ليبيب” Lepep الحاكم سلطته، بقيادة حزب “الحركة النضالية الاشتراكية” Militant Socialist Movement” MSM”، وكانت خسارته فادحة، لدرجة أنه لم يحصل علي أي مقعد من المقاعد الرئيسية، وتثير خسارة تحالف “ليبيب” تساؤلات عدة عن أسبابها، وعن آفاق المستقبل أمام التحالف الفائز وحكومته الجديدة، وتجيب ورقتنا هذه عن تلك التساؤلات، وما يرتبط بها من قضايا.

المجتمع الموريشي ليس ككل المجتمعات التعددية الأفريقية

يتسم المجتمع الموريشي بالتعددية الاثنية المركبة، حيث تتداخل فيه المجموعات الاثنية على نطاع واسع، ويبلغ الموريشيون حوالى 1.4 مليون نسمة بتقديرات عام 2019، فمن حيث العرقية فليس ثمة عرق محدد، يمكن إثباته كمجموعة إثنية فرعية من الموريشيين، إنما يصنف الموريشيين عرقيا، بحسب موطن أو طريقة المنشأ، باعتبارهم جميعا إما وافدين جدد على إقليم الدولة، أو مولودين في الإقليم نتيجة التزاوج المختلط بين هؤلاء الوافدين، ومن هنا يقسم المجتمع الموريشى من هذا الوجه إلى عدة مجموعات أبرزها: الموريشيون من أصول هندية ويمثلون حوالى 68%، والموريشيون من أصول صينية ويمثلون حوالى 3%، والموريشيون الـ “كريول”* Creoles ويمثلون حوالى 27%، والموريشيون من أصول أوروبية ويمثلون حوالى 2% وهم من الفرنسيين والبريطانيين وأكثرهم من الفرنسيين.[i]

ومن حيث التنوع الدينى، فهو كبير ومتداخل ولا تخطئه عين الزائر لموريشيوس، فالمساجد تنتشر في كل مكان جنبا إلى جنب، مع الكنائس والمعابد الهندوسية والبوذية وغيرها، ويمثل الهندوس حوالي 48% من الموريشيين، ويمثل المسيحيون حوالى 32%، ويُقسم المسيحيون إلى حوالى 26% من الروم الكاثوليك، وحوالى 6% من الطوائف المسيحية الأخرى، بينما يبلغ تعداد المسلمين حوالى 17%، وجلهم من السنة، أما الـ 3% المتبقية من السكان فتشمل البوذيين، وبعض الديانات غير الشائعة، وكذلك اللادينيين.[ii]

ومن حيث اللغة فهناك أكثر من 15 لغة حية في موريشيوس، ولأغلبها عدة لهجات، ولا يوجد لغة رسمية دستوريا أو قانونيا للدولة، وتعد لغة الـ “كريول” – وهى لغة دارجة هجين من الفرنسية كقاعدة أساسية ممزوجة ببعض اللغات الأفريقية وبعض كلمات انجليزية وأسيوية – أوسع اللغات انتشارا، فجميع الموريشيين يتحدثونها، أما على المستوى الحكومى فاللغة المستخدمة هي الإنجليزية، ولا مانع من استخدام الفرنسية أحيانا[iii]

وكانت جزر موريشيوس قد خضعت للاستعمار الهولندي، ثم الفرنسي، ثم البريطاني، ونالت استقلالها عن بريطانيا في 12 مارس 1968، وأصبحت دولة مستقلة كملكية برلمانية تابعة للتاج البريطاني، في وجود حاكم عام ذو سلطات شرفية، ورئيس وزراء من حزب الأغلبية، يملك كافة الصلاحيات الدستورية للسلطة التنفيذية، ومطلع عام 1992 قررت موريشيوس الانفصال عن التاج البريطاني، وأعلنت تحولها إلى جمهورية، مع استمرارها عضواً في رابطة الكومنولث.[iv]

ونظراً لهذا التداخل الإثني الشديد، لم يكن لدى الساسة الموريشيين عند الاستقلال وعند وضع دستور البلاد، اختيار أفضل من تصنيف المكونات الاثنية للمجتمع، لأغراض التمثيل السياسى، فقسم الدستور الموريشيين إلى (4) مجموعات إثنية رئيسية هم: الموريشيون من أصول هندية، والموريشيون المسلمون ويتركزون في العاصمة “بورت لويس” Port Louis، والموريشيون من أصول صينية، وعموم الموريشيون وهم بقية الشعب ممن يخرجون عن الفئات الثلاث السابقة.[v]

نظام الحكم والنظام الانتخابي في موريشيوس

يصنف نظام الحكم في موريشيوس على أنه برلماني، وتتبنى موريشيوس نمط البرلمان الأحادي، ويسمى بـ “الجمعية الوطنية” National Assembly، ويتألف من (70) مقعداً يتم انتخاب شاغليهم جميعا، بالاقتراع العام السري المباشر كل خمس سنوات، ويتم تخصيص (62) مقعداً منهم للمرشحين الفائزين، وفقا لنمط انتخابي تعددي هو نمط “تصويت الكتلة” Bloc Vote، ويتم تخصيص الثمانية مقاعد المتبقية، وفقا لنمط معقد ينص عليه الدستور الموريشى، يندرج تحت نظام اختيار أفضل المرشحين الخاسرين، ويتم التخصيص على أساس إثني في المقام الأول، ثم حزبي في المقام الثاني.

و وفقا للنظام الانتخابي تنقسم الدولة إلى (21) دائرة انتخابية، يخصص لكل منها (3) مقاعد عدا واحده فيخصص لها مقعدين، وتلك دائرة جزيرة “رودريجز” Rodrigues، فيصبح إجمالي هذه المقاعد (62) مقعداً رئيسيا، يفوز بها أعلى المرشحين حصولاً على الأصوات، يضاف إليها (8) مقاعد إضافية أخرى، تخصص وفقا لنظام أفضل الخاسرين Best-Loser System. و وفقا للنظام الموريشي يتقدم للترشح قوائم حزبية أو من المستقلين، ويمكن للحزب ترشيح أي عدد من المرشحين، في أي دائرة انتخابية، إلا أن الذى يجري عملا، هو أن يتقدم الحزب بمرشحين إثنين أو ثلاثة، حسب عدد مقاعد الدائرة ولا يجاوز ذلك، وعلى المنتمين للأحزاب بيان انتمائهم الحزبي، وانتمائهم الإثني أيضا في أوراق ترشحهم، ويتم إدراج أسماء المرشحين بورقة الاقتراع، وفقا للترتيب الأبجدى لأسمائهم، ولكل ناخب (3) أصوات عدا ناخبي “رودريجز” فلكل منهم صوتين، ويصوت الناخب في دائرته الانتخابية المسجل بها فقط، ويمنح الناخب أصواته/صوتيه إلى ثلاثة مرشحين أو مرشحين اثنين، بحسب عدد مقاعد دائرته، ولا يحوز أن يمنح أصواتا أكثر ولا أقل، ولا يُسمح بالتراكم، أي لا يسمح بإعطاء المرشح الواحد، أكثر من صوت واحد من أصوات الناخب، فالتصويت هنا حاسم Categorical بالضبط.  [vi]

أما عن المقاعد الـ (8) الإضافية، فتخصص من قبل لجنة الإشراف على الانتخابات، مقعداً بمقعد، أي يخصص المقعد الأول، ثم الذى يليه وهكذا، وفقا لنتائج نفس التصويت الذى أجري، لكن ذلك يتم وفقا لقواعد وشروط محددة نص عليها الدستور، أولها أنها تخصص لمرشحي الأحزاب، أو الائتلافات، أو التحالفات الانتخابية فقط، دون المرشحين المستقلين، وثانيها ألا يترتب على التخصيص الإخلال بموازين القوى البرلمانية، التي أفرزتها نتائج التصويت قبل هذا التخصيص، أي لا يترتب على التخصيص نقل الأغلبية البرلمانية، من حزب أو ائتلاف أو تحالف إلى غيره، وفى ضوء هذين الشرطين الأساسيين، يتم أولا تخصص (4) مقاعد منها، لأعلى المرشحين الخاسرين أصواتا، والمنتمين لأقل المجموعات الإثنية تمثيلا، بغض النظر عن انتمائهم الحزبى، ويتم التعرف على المجموعة الاثنية الأقل تمثيلا في البرلمان، بقسمة عدد المنتمين لكل مجموعة إثنية، من المجموعات الأربع المعترف بها دستوريا، بالرجوع إلى نتائج التعداد الرسمي للسكان لعام 1972، على عدد المقاعد التي حصل عليها كل منتمى، لكل مجموعة منهم مضافا إليها مقعداً واحداً، وذلك لمعرفة كم عدد السكان الذين يمثلهم النائب، من مجموعته الاثنية، وتكون المجموعة الاثنية الأقل تمثيلا، هي المجموعة التي منها النائب الممثل لأكبر عدد، من السكان المنتمين لمجموعته، ثم يتم تخصيص الـ (4) مقاعد الأخرى، على أكثر مرشحى حزب الأغلبية حصولا على الأصوات، ويتم اختيارهم في المقام الأول، من المنتمين لأقل المجموعات الاثنية تمثيلا، وفقا للقواعد سالفة البيان، فإن تعذر أن يكونوا كذلك، تخصص المقاعد لأكثر مرشحى حزب الأغلبية أصواتا، بغض النظر عن الانتماء الاثني، وفى حالة تعذر تخصيص كل المقاعد الثمانية، وفقا للقواعد والشروط سالفة البيان، يخصص فقط ما يمكن تخصيصه منها، وفى هذه الحالة يقل عدد أعضاء الجمعية الوطنية، لهذه الدورة البرلمانية، وهو ما حدث في انتخابات الأعوام: 1982، و1991، و1995، و 2010.[vii]

وجدير بالذكر هنا، الإشارة إلى أنه ومنذ ما قبل الاستقلال وحتى الآن، لم بفز حزب واحد بمفرده بالسلطة، في أي عملية انتخابية، فالتحالفات والائتلافات، هي السمة الدائمة في الانتخابات والحكومات الموريشية.[viii]

لماذا خسر تحالف “ليبيب” في انتخابات 2024؟

بعد أن كان تحالف “ليبيب” حازا للأغلبية في البرلمان، بعدد (42) من أصل (70) مقعداً في الانتخابات السابقة لعام 2019، وعلى الرغم من تحقيقه نصراً سياسياً تاريخياً، قبيل الانتخابات الأخيرة التي جرت في 10 نوفمبر 2024م، إلا أنه خسر خسارة كبيرة، حيث حصل فقط على عدد (2) مقعد، من مقاعد أفضل الخاسرين. وبتدقيق النظر  في السياقات التي سبقت وعاصرت انتخابات عام 2024م، نجد الأسباب التالية:

  • النصر السياسي لم يشفع لتحالف “ليبيب”

عند استقلال موريشيوس احتفظت  بريطانيا بأرخبيل “تشاجوس” Chagos تحت الاستعمار، واستمر الصراع بين الدولتين حول مجموعة الجزر، وعلى الرغم من ضغوط الأمم المتحدة، وصدور رأي استشاري من محكمة العدل الدولية عام 2019، والذي قضت فيه بأن بريطانيا، فصلت الجزر عن موريشيوس بشكل غير قانوني، فقد احتفظت بريطانيا بالسيطرة علي هذه الجزر، وكانت بريطانيا تستضيف منذ سبعينيات القرن العشرين، قاعدة عسكرية أمريكية، في جزيرة “دييغو غارسيا” Diego Garcia أكبر جزر الأرخبيل، وتعد هذه القاعدة في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، من أهم القواعد العسكرية حول العالم.([ix])

  • “ليبيب” وحقوق الإنسان وفضيحة التجسس

في أكتوبر الماضي وقبيل الانتخابات الأخيرة، نشر أحد الحسابات علي منصة “تيك توك” Tik Tok، مجموعة تسجيلات صوتية، تضمنت أكثر من اثنتي عشرة محادثة هاتفية، ونسبها لسياسيين رفيعي المستوى، كانوا يتحدثون عن أعضاء المعارضة، والشرطة، والمحامين، والصحفيين، وأعضاء البرلمان، ورؤس المجتمع المدني. وتضمنت المحادثات تسجيلا، نُسِب إلي مفوض الشرطة “أنيل كومار ديب” Anil Kumar Dip، وهو يطلب من أحد الأطباء الشرعيين، تغيير تقرير الصفة التشريحية، لشخص توفي بعد تعرضه للضرب في حجز الشرطة.

وعلي إثر هذه الفضيحة، أعلن رئيس الوزراء “برافيند كومار جوجنوث” Pravind Kumar Jugnauth، عن إجراء تحقيق قضائي، وأشار إلى أن المقاطع ربما تم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وقال إن مكتبه فرض حظراً على وسائل التواصل الاجتماعي، للحفاظ على الأمن القومي، إلا أن هذه الواقعة كان لها بالغ الأثر، ليس في خسارة ائتلاف “ليبيب” الحاكم فحسب، بل في عدم فوزه بأي مقعد برلماني من المقاعد الأصلية، وبالكاد حصل علي مقعدين تعويضيين من مقاعد أفضل الخاسرين.

  • العامل الاقتصادي ودوره في خسارة “ليبيب”

لم يكن للعامل الاقتصادي تأثير كبير، في السلوك التصويتي للموريشيين، ذلك بأن متوسط نصيب الفرد، من الناتج المحلي الإجمالي الموريشي، يتجاوز (10) آلاف دولارسنويا، وهو من بين أعلى المعدلات في أفريقيا، ويرجع ذلك إلى تنوع الاقتصاد الموريشي، فهو يقوم على قطاعات كثيرة منها: التعدين، والزراعة، والصناعة، وبخاصة صناعة الأدوية، والسياحة، والخدمات المالية، وغير ذلك من القطاعات الهامة.

الحكومة الجديدة وتحديات المرحلة المقبلة

على الرغم من الاستقرار السياسي الذي تتمتع به موريشيوس، وعلى الرغم من قوة وتنوع الاقتصاد الموريشي، إلا أن البيئة الموريشية، لا تخلو من التحديات الخطيرة، التي ستجد الحكومة الجديدة نفسها في مواجهتها، ويتعين عليها اتخاذ إجراءات عاجلة ناجعة، للتغلب عليها أو الحد منها، وأبرز هذه التحديات يتمثل في ما يلي:

  • التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة

أثر ارتفاع أسعار المحروقات، والسلع الأساسية الأخرى، في الآونة الأخيرة سلباً، على حياة مواطني موريشيوس، وكانت موجة من التضخم، قد بدأت منذ تفشي جائحة كوفيد-19، وفي عام 2022 دخل قطاع من المواطنين، في إضراب عن الطعام، للمطالبة بمراجعة أسعار البنزين التي ارتفعت كثيراً، واتهموا مؤسسات التسعير الوطنية بالفساد، ما اضطر حكومة “ليبيب” إلي تخفيض سعره، وإطلاق وعود بمزيد من التخفيضات حال إعادة انتخابها.

  • انتشار تجارة المخدرات

يُعد تعاطي المخدرات والإدمان، ثاني أكبر المشكلات التي تواجه موريشيوس بعد التضخم، فوفقا لمسح أجرته مؤسسة “أفروباروميتر” في شهر يوليو الماضي، عاد اقتصاد المخدرات إلي التنامي مرة أخرى في موريشيوس، بعد هدوء نسبي لم يستمر طويلا، بعد موجة التنامي السابقة، التي كانت في ذروتها تسعينيات القرن الماضي، ويشير التقرير إلى أن حوالي (55) ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين (18 و59) عاما، يستهلكون كميات كبيرة من المواد المخدرة، ويطالب العديد من سكان موريشيوس، بتكثيف حملات قمع أكثر صرامة ضد المتاجرين بالمخدرات، وبدعم برامج المكافحة، وإعادة التأهيل، وبخاصة في أوساط الشباب.

  • فقدان الثقة وانعدام الشفافية

كشفت حادثة التنصت على المحادثات الهاتفية، التي نشرها نشطاء موريشيون قبيل الانتخابات الأخيرة، عن نهج “دكتاتوري” كان متبعا في أجهزة الدولة، وقد تزايدت المخاوف من استمرار ذات النهج، مع الحكومة الجديدة، مما يؤثر سلبا على تمتع الموريشيين، بحقوقهم المدنية والسياسية، ويحتم على تلك الحكومة الجديدة إعادة بناء الثقة، كما دعت حادثة التنصت هذه، مؤسسة محمد إبراهيم، إلى تخفيض تصنيف موريشيوس، من المركز الأول إلى المركز الثاني، على “مؤشر إبراهيم للحوكمة في أفريقيا” Ibrahim Index of African Governance “IIAG”، وهو ما يمكن أن ينعكس سلبا، على الاستثمار الأجنبي والسياحة.

خاتمة

تكشف انتخابات العام 2024 يوما بعد يوم، عن بزوغ ظاهرة أفريقية جديدة، ألا وهي سقوط أحزاب كبيرة راسخة في السلطة، بعضها كان مستأثراً بالسلطة منذ الاستقلال، وحتي سقوطه ديمقراطيا في الانتخابات جرت هذا العام، وحتي الآن يمكننا القول بأن ضعف الأداء الاقتصادي، والمساس بالحقوق والحريات، باتا من أقوى محركات التغيير السياسي في أفريقيا، وأن الشعوب باتت تقيم النتائج لا الوعود، وأن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أسهمت كثيراً وبسرعة غير متوقعة، في تغيير الثقافة السياسية لدى الناخب الأفريقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (*)تطلق تسمية الـ “كريول” على المولودين في موريشيوس لأبوين مختلفين من حيث الأصل السلالي، نتيجة الزواج المختلط بين الفرنسيين والأفارقة الذين جلبهم الفرنسيون كعبيد للعمل في المزارع في وقت مبكر من الاستعمار الفرنسي، وكذلك بين الهنود الذين جلبهم البريطانيين للعمل في المزارع بعد إلغاء العبودية وغيرهم، وإجمالا هم نتاج الزواج المختلط بين أفراد المجموعات الاثنية مختلفة المنشأ.

المراجع

([i]) Burton Benedict, “The Plural Society in Mauritius” in  Race & Class (SAGE Publications Inc., Vol. 3, Iss. 2, Jan. 1962), Pp. 65-67.

– Bertelsmann Stiftung, BTI 2020 Mauritius Country Report (Gütersloh, Germany: Bertelsmann Stiftung, 2020), P. 3.

([ii]) د. سعيد ندا، دور النظام الانتخابي فى إدارة العددية الاثنية فى أفريقيا (لندن: مركز أبحاث جنوب الصحراء، 2023) ص ص 141-147.

([iii]) Rajen Suntoo , Hemant B. Chittoo, “Managing Multi-Ethnic Mauritius”, in Global Journal of Human-Social Science (Massachusetts, U.S.A.: Global Journals Inc., Vol. 12, Issue 3, Version 1, Feb. 2012), Pp. 33-35.

– Anthony Toth, “Mauritius”, in Helen Chapin Metz (ed.), Indian Ocean: Five Island Countries (Washington D.C.: Library of Congress,  3rd Ed., 1995), Pp. 112-113.

([iv]) David Lea, Annamarie Rowe (eds.), A Political Chronology of Africa (London: Europa Publications Limited, 1st Ed, 2001), Pp. 291-292, 295.

([v]) Republic of Mauritius, Constitution of 1968, First Schedule 4\3.

([vi]) Republic of Mauritius, Constitution of 1968, Article 31\2, First Schedule 4\3.

– Republic of Mauritius, National Assembly Elections Regulations 1968 Act 48/91, Articles 50, 56.

([vii]) Yonatan Fessha, Nora Ho Tu Nam, “Is it Time to Let Go?: The Best Loser System in Mauritius”, in Afrika Focus (Gent, Belgium: Gent Africa Platform “GAP”, Ghent University, Vol. 28, No. 1, Feb. 2015), Pp. 63-79.

– Republic of Mauritius, Constitution of 1968, First Schedule 5.

([viii])هنادي حامد مهدي غندور، التجربة الديمقراطية في موريشيوس (بغداد: المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية، 2016)، ص ص 110-123.

([ix])د. حمدي عبد الرحمن حسن، “تحرر تشاغوس: إنجاز تاريخي للسيادة الأفريقية”، علي موقع مركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية، تحققت آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2024 الساعة 1:15 م، على الرابط:

https://acpss.ahram.org.eg/News/21281.aspx

ظهرت المقالة الديمقراطية تترسخ: كيف خسر الائتلاف الحاكم انتخابات موريشيوس لعام 2024م؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6047/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d8%b1%d8%b3%d8%ae-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%ae%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84/feed/ 0 6047
الزراعة المستدامة في أوغندا: الممارسات والسياسات https://alafarika.org/ar/6036/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%ba%d9%86%d8%af%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a7/ https://alafarika.org/ar/6036/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%ba%d9%86%d8%af%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a7/#respond Tue, 19 Nov 2024 03:59:16 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6036

تمتلك دولة أوغندا الواقعة في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية جمالا يستحق الإشادة به، حيث تحتفظ البلاد بنسبة وفيرة من أراضيها لتكون محميّة للحياة البرّية، مزيّنة بالنّباتات المورقة، ومجموعة من الحياة البرية الطبيعية، والطيور النادرة والمناظر الطبيعية الخلابة، كما أنها تفتخر باحتوائها على أكبر بحيرة للمياه العذبة في القارة، وشلالات قوية جدًا، ومنبع أطول نهر […]

ظهرت المقالة الزراعة المستدامة في أوغندا: الممارسات والسياسات أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تمتلك دولة أوغندا الواقعة في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية جمالا يستحق الإشادة به، حيث تحتفظ البلاد بنسبة وفيرة من أراضيها لتكون محميّة للحياة البرّية، مزيّنة بالنّباتات المورقة، ومجموعة من الحياة البرية الطبيعية، والطيور النادرة والمناظر الطبيعية الخلابة، كما أنها تفتخر باحتوائها على أكبر بحيرة للمياه العذبة في القارة، وشلالات قوية جدًا، ومنبع أطول نهر في العالم، وكمية هائلة من الحيوانات البرية، ولها أسود تتسلق الأشجار، بل يمكن القول أنها تمتلك أكبر عدد من الغوريلا الجبلية في الكرة الأرضية، الأمر الذي يجعلها تستحق فعلا لقب “لؤلؤة أفريقيا” كما تُلقب بها.

الوضع الحالي للزراعة في أوغندا

تعتبر الزراعة قطاعًا مهمًا جدًا لاقتصاد أوغندا، حيث كانت بمثابة أبرز وسيلة لكسب العيش للعديد من الأوغنديين. وتعتبر القهوة وقصب السكر والقطن والكسافا والذرة والفول السوداني والفاصوليا وفول الصويا من المحاصيل الرئيسية التي يتم إنتاجها في أوغندا، والتي يتم تصديرها في الغالب كمحصولات البيع، مما يجلب عوائد نقدية أجنبية للدولة. وكان معظم السكان العاملين في أوغندا يعملون في قطاعات الزراعة والغابات وصيد الأسماك، وفقًا لوزارة الزراعة والصناعة الحيوانية ومصايد الأسماك (2017). و يوظّف القطاع الزراعي في أوغندا أكثر من 70% من سكان البلاد وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (2023). وفي السنة المالية 2022/2023، قُدِّر للزراعة أكثر من 24% من الناتج المحلي الإجمالي لأوغندا. وعلى الرغم من كون 80% من أراضيها صالحة للزراعة، لم يتم استغلال إلا 35% منها فقط للزراعة. وهذا ينبئ أن هناك الكثير من الإمكانات في القطاع الزراعي حيث لا يزال تحقيق الكثير أمرا ممكنا بالموارد المتاحة.

ومع  كل هذا وذاك، فإن القطاع الزراعي في أوغندا يواجه الكثير من التحديات، كان في طليعتها تغيّر المناخ، حيث تشكل تقلبات درجات الحرارة، وكثرة هطول الأمطار أو قلتها، والظواهر الجوية غير العادية أو الشديدة، وحالات الجفاف والفيضانات، تهديداً خطيراً للزراعة في أوغندا. وتتأثر المحاصيل الزراعية بشدة بل يؤدي الوضع أيضا إلى فقد المواشي. وفي بعض الحالات، تُفقد أراضٍ زراعية بأكملها بسبب الفيضانات والجفاف؛ ما يجعل التربة صعبة للزراعة، و يؤثر تدهور التربة الناجم عن التآكل واستنزاف المغذيات وحموضة التربة تأثيرا سلبيا على إنتاج المحاصيل، كما أن عدم توافر المياه النظيفة والعذبة أو محدودية الوصول إليها لريّ الأراضي الزراعية يعيق التقدم في المزارع. وكذلك يؤثر انتشار الآفات والأمراض التي تفاقمت بسبب تغير المناخ سلبا على المحاصيل الزراعية والمواشي. وبالإضافة يواجه المزارعون من قلة فرص الحصول على الأموال اللازمة لتمويل أعمالهم الزراعية، كما تشكل صعوبة الوصول إلى الأسواق أيضًا تحديًا خطيرًا حيث يتكبد المزارعون دائمًا خسائر في منتجاتهم، ثم كان الاعتماد المفرط على أساليب الزراعة التقليدية وأساليب زراعة الكفاف يؤدي أيضاً إلى نقص كميّة المحصول الزراعي.

إن للزراعة غير المستدامة التي تمارَس بالطرق التقليدية في أوغندا عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية وخيمة في البلاد، كما للزراعة الأحادية، والري المكثف، والرعي المفرط، وضعف الدورة المحصولية، وإدارة التربة عواقب كثيرة. وقد تكون أساليب الزراعة التقليدية عرضة للتآكل، ما يؤدي إلى استنفاد المغذيات وانخفاض صلاحية التربة للزراعة. وقد يؤدي تطهير الأراضي و قطع الأشجار لإفساح المجال للأراضي الزراعية إلى تعطيل النظام البيئي، ما يؤدي إلى تدمير الموائل وفقدان التنوع البيولوجي، كما أن استخدام الأسمدة الكيماوية القوية، قد يؤدي إلى تلويث المياه وتلويث الهواء وانبعاثات الأسمدة. وتتأثر سبل العيش الريفية بالممارسات الزراعية غير المستدامة، بحيث يؤدي انخفاض الطاقة الإنتاجية إلى انخفاض المحاصيل وانخفاض الدخل، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم الفقر بين المزارعين الريفيين، كما أنهم معرضون لمخاطر صحية لأنهم يتعرضون للأسمدة الكيماوية القوية والأمراض التي تنقلها المياه.

الزراعة المستدامة في أوغندا

يشير مصطلح “الاستدامة” إلى استخدام الموارد المتاحة مع تجنب استنزافها للحفاظ على توازنها وتوافرها للجيل القادم. والزراعة المستدامة في هذا السياق، هي الممارسات الزراعية التي تعطي الأولوية للحفاظ على البيئة والتوازن والمسؤولية الاجتماعية والنمو الاقتصادي مع إنتاج غذاء صحي كافٍ لإطعام الأمة وغذاء احتياطي لدعم النقد الأجنبي. وإن الممارسات الزراعية المستدامة التي يمكن أن تحظى بتطبيقات واسعة النطاق في أوغندا كثيرة جدا، ويمكن لكل واحدة منها أن تساعد البلاد في مكافحتها ضد آثار تغير المناخ وتحسين قطاعها الزراعي بشكل كبير.

فالزراعة الإيكولوجية من ضمن هذه الممارسات، وهي التي تدمج المبادئ البيئية في النظام الزراعي السائد، وتركز على التنوع البيولوجي وصحة التربة والمرونة البيئية. ومنها الزراعة العضوية التي تركز على استخدام المدخلات والعمليات الطبيعية للحفاظ على صحة التربة وتوازن النظام البيئي. وفي هذه الطريقة يتم تجنب استخدام المواد الكيميائية التي قد تكون ضارة بالبيئة وتشكل خطراً على صحة المزارعين. و تعتبر الزراعة المحافظة على الموارد طريقة أخرى تقلل من اضطراب التربة، وتحافظ على غطاء التربة وتنويع المحاصيل، وتعزز صحة التربة وإنتاجيتها. و يمكن الأخذ بالزراعة الحراجية للتعويض عن المساحات الكبيرة من الغابات التي تم قطعها لإفساح المجال للزراعة، حيث يتم في هذه الطريقة دمج الأشجار مع الشجيرات، بجانب الزراعة وتربية المواشي لخلق استخدام مستدام ومنتج للأرض، بحيث يتم زرع الأشجار لتكون مصدات للرياح، فيتم دمج أشجار الفاكهة مع المحاصيل السنوية. وتعمل تقنية زراعة الغابات هذه على تحسين وزيادة التنوع البيولوجي والقدرة على الصمود. وهناك ممارسات زراعية مستدامة أخرى، مثل الإدارة المتكاملة للآفات، وتناوب المحاصيل، وتجميع مياه الأمطار، وإدارة رعي الماشية، والزراعة الذكية مناخياً، والتي يمكن أن تساعد المزارعين على إنتاج محاصيل مقاومة لتأثير تغير المناخ.

حاليا، تسير دولة أوغندا نحو تحقيق الاستدامة في قطاعها الزراعي، حيث قد بذلت الدولة على مر السنين جهودًا لتحسين قطاعها الزراعي وتطويره، من خلال الأخذ بالممارسات التكنولوجية الحديثة، مع التركيز على حماية البيئة، وتعزيز الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه والتنوع البيولوجي في البلاد. ويتم كذلك إعطاء الأولوية للتطبيق العملي الاقتصادي، ودمج إنتاج المحاصيل الزارعية والمواشي بطريقة تزيد من إنتاجها وأرباحها، كما أنها تبذل جهودًا لضمان دعم المجتمعات الزراعية المحلية بالأدوات والأسمدة العضوية والمعرفة لتحسين إنتاج المحاصيل الزراعية والحيوانية. ومع وجود الكثير من الإمكانات وتوافر الموارد، فيمكن  لممارسات الزراعة المستدامة في أوغندا أن تقطع شوطا طويلا في ضمان الأمن الغذائي وحماية البيئة والنمو الاقتصادي للبلاد.

السياسات الداعمة للزراعة المستدامة في أوغندا

هناك العديد من السياسات التي وضعتها حكومة أوغندا لدعم الممارسات الزراعية المستدامة والأخذ بها على نطاق واسع في البلاد، منها سياسة اعتماد أوغندا للمعيار العضوي الأوغندي (UOS) في عام 2004، والتي تتطلب دمج الممارسات البيولوجية والثقافية والميكانيكية التي تعزز تدوير الموارد، وتعزيز التوازن البيئي والحفاظ على التنوع البيولوجي. ومنها أيضا مسودة أصدرتها الحكومة الأوغندية بشأن سياسة الزراعة العضوية الأوغندية في عام 2009، والتي نتجت في زيادة صادرات المنتجات العضوية من أوغندا، وساهمت في نمو اقتصادها. وفي عام 2013، تم اعتماد السياسة الزراعية الوطنية، كما تم اعتماد سياسة تغير المناخ بعد ذلك في عام 2015. وفي نفس العام، وقعت أوغندا على الاتفاقية الدولية لأهداف التنمية المستدامة (SDGs)  والتي أصبحت تعرف باسم اتفاق باريس. وفي عام 2018 طوّرت الحكومة السياسة البيئية الوطنية، بعد أن قامت ببناء منصة للمحادثات والنزهات حول حماية البيئة والحفاظ عليها. وبالإضافة، هناك رؤية وطنية لأوغندا،  وهي استراتيجية تنمية تحمل اسم رؤية أوغندا 2040، وهدفها تحويل أوغندا من حالتها الحالية إلى مجتمع مدني ومزدهر بحلول عام 2040.

و لقد أطلقت الحكومة مبادرات مختلفة لتعزيز الزراعة المستدامة وتعزيز البحوث الزراعية في البلاد، تشمل المنظمة الوطنية للبحوث الزراعية (NARO)التي تعمل على تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل المقاومة للمناخ؛ والاتحاد الوطني للمزارعين في أوغندا (UNFF)، الذي يدعم منظمات المزارعين؛ وشبكة الزراعة المستدامة (SAN)، التي تعترف بالمزارع المستدامة؛ والشبكة العضوية الأفريقية (AON)، التي تشجع الزراعة العضوية، والتنمية والتمويل الزراعي في أوغندا؛ والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) الذي يدعم صغار المزارعين. وقد سهلت هذه السياسات والمبادرات، المصمّمة لتعزيز الزراعة المستدامة وحماية البيئة في أوغندا، انطلاق بدء المشاريع الناجحة.

فالزراعة المستدامة مستقبل الزراعة في أوغندا، ويجب أن يواصل كل من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص المزارعين بذل الجهود لتحسين الممارسات الزراعية المستدامة في البلاد، للاستفادة بكفاءة من الموارد الطبيعية المتاحة حاليا في البلاد، وتعزيزها وإتاحتها للجيل القادم.

ظهرت المقالة الزراعة المستدامة في أوغندا: الممارسات والسياسات أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6036/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%ba%d9%86%d8%af%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a7/feed/ 0 6036
قمة “أفريقيا الجديدة” 2024 في الرياض ومستقبل التعاون السعودي الأفريقي. https://alafarika.org/ar/6025/%d9%82%d9%85%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-2024-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6-%d9%88%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8/ https://alafarika.org/ar/6025/%d9%82%d9%85%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-2024-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6-%d9%88%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8/#respond Wed, 13 Nov 2024 06:55:52 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=6025

كانت المملكة العربية السعودية تقيم علاقات دبلوماسية مع القارة الأفريقية منذ السبعينيات، وتم تعزيزها في عام 2018 بتعيين وزير دولة مخصّص للشؤون الأفريقية. وكذلك كانت المملكة موقعًا للحج والتجارة لعدة قرون حيث يقصدها الناس من مختلف البلدان لغرض أداء الحج والتجارة، وازداد ارتيادهم إياها مع ظهور إمكانيات السفر الجوي. وتمتلك أفريقيا، المعروفة باحتياطياتها الهائلة من […]

ظهرت المقالة قمة “أفريقيا الجديدة” 2024 في الرياض ومستقبل التعاون السعودي الأفريقي. أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

كانت المملكة العربية السعودية تقيم علاقات دبلوماسية مع القارة الأفريقية منذ السبعينيات، وتم تعزيزها في عام 2018 بتعيين وزير دولة مخصّص للشؤون الأفريقية. وكذلك كانت المملكة موقعًا للحج والتجارة لعدة قرون حيث يقصدها الناس من مختلف البلدان لغرض أداء الحج والتجارة، وازداد ارتيادهم إياها مع ظهور إمكانيات السفر الجوي. وتمتلك أفريقيا، المعروفة باحتياطياتها الهائلة من المعادن والغاز والنفط والأراضي الصالحة للزراعة ومصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، جزءًا كبيرًا من الموارد الطبيعية في العالم، بحيث تعتبر القارة موطنا لجميع المعادن الثمينة تقريبا، لكونها تضم حوالي 30٪ من احتياطيات المعادن في العالم. وبناء على هذا، تمثّل احتياطيات بلدان مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر وأنجولا وليبيا أكثر من ثلثي الثروة المعدنية في أفريقيا، ويرجع السبب في ذلك إلى وفرة النفط الخام وغيره من الموارد القيمة، و إلى وفرة الذهب في جنوب أفريقيا خاصة. وفي السنوات الأخيرة، اكتسب الشرق الأوسط مكانة بارزة في مجال التمويل العالمي، متأثرا بعوامل مثل التنويع الاقتصادي، وصناديق الثروة السيادية الكبيرة، وتضاؤل قدرة التمويل العالمي، مما أدى إلى البحث عن مصادر جديدة لرأس المال الاستثماري. ومع “العودة القوية” لأسعار النفط منذ عام 2021، تمكنت دول الخليج من الإنفاق بكثرة، بينما في الطرف الآخر من العالم، يواجه أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في الولايات المتحدة و أوروبا أسوأ أزمة تمويل منذ عقد من الزمن. وفي حين أن الشرق الأوسط يعد وجهة مرغوبة للاستثمار، فإن أكبر ما يثير الاهتمام والإعجاب هو اهتمام المنطقة المتزايد بإفريقيا.

وعلى مر السنين، لقد تطور المشهد الاقتصادي بشكل كبير، الأمر الذي دفع كلاً من المملكة العربية السعودية والدول الإفريقية إلى تنويع مصالحها. و قد شهدت المبادرات المشتركة السابقة استثماراتٍ في قطاعات الطاقة والزراعة والتكنولوجيا. ويعكس هذا التزامًا مشتركًا بخلق علاقة اقتصادية أكثر توازناً واستدامة تتجاوز الحدود التقليدية للتعاون في مجال الطاقة. وبينما تستمر المملكة في التحديث والتطور، فإنها تحافظ أيضًا على علاقات قوية وتاريخية مع أفريقيا، وكان الموقع الاستراتيجي الذي تحتلّه المملكة كمركز يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، يجعلها لاعباً أساسياً في التجارة الإقليمية والعالمية. وتتمتع المملكة بعلاقة طويلة الأمد مع الدول الأفريقية، حيث قد قدمت أكثر من 45 بليون دولار من المساعدات لدعم البرامج التنموية والإنسانية في جميع أنحاء القارة. وعززت القمة السعودية الإفريقية الأولى التي عقدت في نوفمبر 2023 التزام السعودية بالتنمية الإفريقية، مع التركيز على توسيع التجارة ودعم انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة الدول العشرين. ويشير هذا وذاك إلى إدراك المملكة للدور الحاسم الذي تلعبه أفريقيا في الشؤون العالمية وحرصها على تعزيز الشراكات عبر القارة.

 التحالف السعودي الأفريقي المتنامي في العقود الأخيرة.

أكدت المملكة العربية السعودية في القمة السعودية الإفريقية الأولى على روابطها التاريخية مع القارة الإفريقية، وعلى اهتمامها بتطوير العلاقات مع كافة الدول الأفريقية في المجال السياسي والاقتصادي والاستثماري والتجاري والتنموي والثقافي والاجتماعي. وكانت تلعب دوراً محورياً في الجهود الدولية والإقليمية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومحاربة الجماعات الإرهابية والتطرف، وتحسين القدرات الأمنية للدول الأفريقية. ونظراً لاهتمام المملكة الخاص بالقارة الأفريقية، فقد بلغ إجمالي استثماراتها في أفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة 49.5 بليون ريال، كما يبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في القارة 47 شركة، تعمل في مجالات الطاقة المتجددة، والأغذية والمشروبات، وخدمات الأعمال، والخدمات المالية، والمنتجات الاستهلاكية.  ثم تعهدت المملكة بتخصيص 41 بليون دولار من التمويل على مدى العقد القادم لدعم بلدان أفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى، مع تخصيص 25 بليون دولار  كذلك للاستثمارات الأجنبية المباشرة من قبل الشركات السعودية الخاصة. ولقد كشف هذه الالتزامات وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار لـــ “أفريقيا الجديدة” في الرياض، والتي حضرها مستثمرو القطاع الخاص وممثلو هيئات التمويل الكبرى. وبحسب تصريح الجدعان، يشمل مبلغ الـ 41 بليون دولار مبادرة تنمية إقليمية بقيمة 1 بليون دولار، وتمويلًا بقيمة 5 بيلون دولار للشركات الناشئة الأفريقية، و10 بليون دولار تمويلًا من بنك التصدير والاستيراد السعودي (Saudi EXIM (Bank، كما سيتم استثمار 25 بيلون دولار من قبل القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية. وأشار الجدعان أيضًا إلى أن تحالفًا من هيئات التمويل الإقليمية المدعومة من دول الخليج يستعدّ لمنح الدول الأفريقية قروضًا بقيمة 50 بيلون دولار بحلول عام 2030. ويضم هذا التحالف، المعروف باسم مجموعة التنسيق العربية (ACG)، الصندوقَ السعودي للتنمية، و صندوقَ أبو ظبي للتنمية، والمصرفَ العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، وصندوقَ النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية.

 ما هي “قمة أفريقيا الجديدة”؟ 

تم عقد قمة “أفريقيا الجديدة” في الدورة الثامنة لمبادرة مستقبل الاستثمار السعودية (FII) في فترة ما بين اليوم 29 و 31 شهر أكتوبر 2024، مع مشاركات إضافية بدأت في 27 أكتوبر 2024 في الرياض. وتهدف مبادرة مستقبل الاستثمار، التي تحمل عنوان “آفاق لانهائية”، إلى عرض كيف يمكن للاستثمار أن يقود مستقبلا مستداما ومزدهرا، بجمع القادة المؤثرين لدفع حدود الإمكانات البشرية نحو السموّ. و تَعِدُ هذه القمة بأن تكون بوتقة تنصهر فيها الأفكار المبتكرة، حيث تجمع القادة العالميين ورجال الأعمال والقادة السياسيين والإعلاميين وصناع القرار في مجالات التمويل والذكاء الاصطناعي والاستدامة والطاقة والاقتصاد الجغرافي والفضاء وغيرها. وفي حين أن الهدف الأساسي للقمة هو استكشاف كيف يمكن للاستثمار أن يكون بمثابة حافز لمستقبل مزدهر ومستدام، فللقمة أهداف أربعة رئيسية، وهي كالتالي: 

         إقامة علاقات جديدة من خلال تسهيل العلاقات التجارية بين المديرين التنفيذيين والقادة و رجال الأعمال والمهنيين من القارة الأفريقية والمستثمرين، وخاصة أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط.

         تقديم رؤى حول المخاطر والفرص من خلال تزويد المندوبـيـن بحسابات مباشرة عن المخاطر والفرص والتحديات وقصص النجاح للاستثمار في الشركات الأفريقية في جميع مراحل مشاريعهم.

         تحفيز تدفق رأس المال بتشجيع الاستثمار الأجنبي في أفريقيا من خلال عرض الاستراتيجيات والأساليب والآليات والفرص في المشهد الاقتصادي المتنوع في القارة.

         استكشاف القطاعات الناشئة من خلال مناقشة القطاعات الناشئة ذات إمكانات النمو العالية في أفريقيا، مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والزراعة والترفيه.

ولقد تأسس معهد مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)  في عام 2017 لإقامة قمة سنوية لربط الناس والاستثمار في الحلول الممكنة، ثم تطور إلى مؤسسة عالمية غير ربحية ذات ذراع استثمارية. وتأتي هذه القمة بعد دورة 2023، التي تم فيها الإعلان عن اتفاقيات بقيمة 19 بليون دولار، بحسب التقرير السنوي للكيان. وقد أعرب عن أهمية القمة الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة، ريتشارد أتياس، قائلا: “الأفق اللامتناهي ليس مجرد شعار، بل هو دعوة واضحة لتوسيع رؤيتنا الجماعية واحتضان آفاق المستقبل اللامحدودة حيث لا يعرف الاستثمار حدودا بل يعمل من أجل غد أفضل للجميع”.

وأكد محافظ صندوق الاستثمارات العامة، رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية، و رئيس معهد FII، ياسر الرميان، على دور القمة كمحفّز للعمل والتقدم والحلول، مشيرا إلى أن المبادرة سهلت صفقات تزيد قيمتها على 125 بليون دولار. و يُعد معهد مستقبل الاستثمار أكبر معهد استثماري في الشرق الأوسط، حيث يجذب أكثر من 7000 من القادة العالميين في مجالات السياسة والأعمال والمال. وفي هذا العام، بدأت القمة بحدث سابق ركز على أفريقيا، وشارك فيها رفيعو المستوى مثل الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، الذي شدد الرئيس السنغالي على استعداد السنغال للاستثمار، خاصة في التصنيع والطاقة الخضراء والتكنولوجيا الرقمية، وشارك فيها أيضا رئيس  بنك  UBA النيجيري، توني إلوميلو. ولقد تناولت القمة موضوعات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي والصحة والتعليم والابتكار. وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أثناء المناقشات، أن المملكة العربية السعودية ستعمل مع الدول الأفريقية لخلق فرص استثمارية مفيدة. و أشار إلى أنه توجد لدى المملكة مساعدات تنموية بالمليارات في جميع أنحاء القارة، مع زيادة إجمالي الاستثمارات إلى ما يقرب من 45 بليون دولار، تصل إلى غالبية الدول الأفريقية. وكذلك شدد الفالح على أهمية التعاون لدفع النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار من الشركات السعودية المشهود لها بفعاليتها وطموحها.

 العلاقات السعودية الإفريقية: المصالح المتبادلة. 

أثبت نورمان رول، المستشار الكبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية  (CSIS)، أن المستوى العالي لمشاركة الدول في مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) يعكس ثقة القطاع الخاص القوية في الإصلاحات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية وطموحات السعودية ودول الخليج. وقال رول، الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية لمدة 34 عاما، في منشور على موقع  X : “ينبغي النظر إلى الإمكانات التحويلية لبرامج المملكة من حيث التنمية في أفريقيا وربط البنية التحتية بين أوروبا وآسيا”. وقال محلل آخر أنه من المؤكد أن الاستثمار في أفريقيا ليست جديدة بالنسبة للرياض، ويبدو هذه المرة أن السعوديين مصممون على اللحاق بالقارة الأفريقية. وفي مقابلة مع شركة  Africa Newsالإعلامية، أشار هشام لحميسي، الخبير الجيوسياسي و أمين معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام  (GIPRI)إلى أن “المملكة العربية السعودية لديها رؤية استراتيجية متقدمة جدًا و قوية جدًا على المدى الطويل، وأفريقيا جزء لا يتجزأ من هذه الرؤية”.

ظهرت المقالة قمة “أفريقيا الجديدة” 2024 في الرياض ومستقبل التعاون السعودي الأفريقي. أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/6025/%d9%82%d9%85%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-2024-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6-%d9%88%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8/feed/ 0 6025
أزمة ديون إثيوبيا وقرض صندوق النقد الدولي: فصل جديد لأديس أبابا؟ https://alafarika.org/ar/5999/%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a5%d8%ab%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d9%82%d8%b1%d8%b6-%d8%b5%d9%86%d8%af%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af/ https://alafarika.org/ar/5999/%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a5%d8%ab%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d9%82%d8%b1%d8%b6-%d8%b5%d9%86%d8%af%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af/#respond Wed, 16 Oct 2024 14:10:20 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5999

تواجه إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، عدة تحديات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، حيث قد تدمرت البلاد بسبب الصراعات المسلّحة، وجائحة كوفيد-19، والصدمات المناخية الشديدة. وقد تسببت هذه الأزمات المتراكمة في خسائر فادحة في اقتصاد البلاد، حيث تركتها تحت عبء ديون كبير قدره 28 بليون دولار، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام. […]

ظهرت المقالة أزمة ديون إثيوبيا وقرض صندوق النقد الدولي: فصل جديد لأديس أبابا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

تواجه إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، عدة تحديات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، حيث قد تدمرت البلاد بسبب الصراعات المسلّحة، وجائحة كوفيد-19، والصدمات المناخية الشديدة. وقد تسببت هذه الأزمات المتراكمة في خسائر فادحة في اقتصاد البلاد، حيث تركتها تحت عبء ديون كبير قدره 28 بليون دولار، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام. ثم ازداد طين البلاد بلة لكونها تتصارع مع معدل مرتفع للتضخم، حيث ارتفع إلى نحو 20%. وقد أدى ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للإثيوبيين، الأمر الذي جعل تحمل تكاليف الضروريات مثل الغذاء والدواء صعبا عليهم. ثم أدى النقص في احتياطيات العملات الأجنبية إلى تفاقم الأزمة، ما جعل استيراد السلع والخدمات الأساسية أمرا شاقا مكلّفا على البلاد.

وبالرغم من هذه التحديات الرهيبة، تعلق حكومة رئيس إثيوبيا آمالها على حزمة الإنقاذ المالي من المقرضين الدوليين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي. وبعد أشهر من المفاوضات المكثفة بين إثيوبيا وصندوق النقد الدولي، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على اتفاقية قرض بقيمة 3.4 بليون دولار، لمدة أربع سنوات، في يوم الاثنين، 29 يوليو 2024. وجاء في تصريح المجلس ما نصه: “وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على ترتيب تسهيل ائتماني ممتد بقيمة 2.556 بليون من مخصصات حقوق السحب الخاصة (حوالي 3.4 بليون دولار أمريكي) لإثيوبيا. و سيمكن هذا القرار من صرف فوري يعادل 766.75 مليون ن مخصصات حقوق السحب الخاصة (حوالي بليون دولار أمريكي). وستدعم حزمة التمويل التي تمتد لأربع سنوات خطط السلطات للإصلاح الاقتصادي المحلي لمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي، واستعادة القدرة على تحمل الديون الخارجية، وإرساء الأسس لنمو أعلى وشامل يقوده القطاع الخاص. ويعتبر التسهيل الائتماني الممدد ترتيبا يتوقع أن يحفز التمويل الخارجي الإضافي من شركاء التنمية والدائنين، وفقا لصندوق النقد الدولي.

ويأتي شريان الحياة هذا في لحظة حرجة بالنسبة لإثيوبيا التي تكافح من أجل البقاء واقفة على قدميها وسط المياه المضطربة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. ويعتقد الخبراء الماليون أن اتفاقية القرض هذه، خطوة حاسمة نحو الانتعاش الاقتصادي، وشهادة على تصميم البلاد على التغلب على تحدياتها وبناء مستقبل أكثر إشراقا لشعبها. وشهدت على ذلك المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، حيث قالت في بيان: “هذه لحظة تاريخية بالنسبة لإثيوبيا”، والقرض هو شهادة على “التزام البلاد القوي بالإصلاحات التحويلية”.

ما الذي أدى إلى القرض؟

إن التحديات الاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا في السنوات الأخيرة تشمل النقص الحاد في النقد الأجنبي، وارتفاع التضخم، والعجز الكبير في الميزانية. ويرى بعض المنتقدين أن تحمل المزيد من الديون قد يؤدي إلى زيادة تدهور اقتصاد البلاد بدلاً من تخفيف مشاكلها، علما بأنه قد ازداد عبء ديون البلاد بشكل كبير، مع ارتفاع الدين الخارجي من 13.5 بليون دولار في عام 2015 إلى أكثر من 26 بليون دولار في عام 2022. وقد أدت جائحة كوفيد-19 والصراعات المستمرة في منطقة تيغراي إلى تفاقم هذه التحديات. ومن أجل التغلب عليها، شرعت الحكومة الإثيوبية في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وخفض التضخم، وتحسين بيئة الأعمال. غير أنه تعتقد الحكومة أن البلاد بحاجة ماسة إلى تمويل كبير لتحقيق هذه الإصلاحات، ما أدّى إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض جديد.

ومن الجدير بالذكر أن مشاكل الديون في إثيوبيا بدأت تخرج عن نطاق السيطرة منذ عدة سنوات، حيث شرعت البلاد في برنامج طموح لتطوير البنية التحتية، تم تمويله إلى حد كبير من خلال القروض الأجنبية. وأظهرت التقارير في ديسمبر 2023 أن البلاد أصبحت ثالث دولة تتخلف عن سداد الديون في أفريقيا خلال عدة سنوات بعد فشلها في سداد دفعة “قسيمة” بقيمة 33 مليون دولار على سنداتها الحكومية الدولية الوحيدة. كما كشفت بيانات من Statista أنه من المتوقع أن يرتفع الدين الوطني في إثيوبيا بشكل مستمر بين عامي 2024 و2029 بمقدار 93 بليون دولار أمريكي. ومن المتوقع أيضا بعد عشر سنوات أن يصل الدين الوطني إلى 156.69 بليون دولار أمريكي، وبالتالي يصل إلى ذروة جديدة في عام 2029. وقد بدأت أزمة ديون إيثيوبيا في الظهور جليا حين عجزت عن سداد 33 ميلون دولار  على سندات دولية بقيمة بليون دولار.

ورغم أن نية إثيوبيا كانت تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، فإن الواقع كان أكثر تعقيدا بكثير، حيث قد زاد عبء ديون البلاد بشكل كبير، ما جعل الوفاء بالتزامات السداد صعبا على إثيوبيا. و هذا ما جعل البعض يتساءلون عن الحكمة وراء تحمل إثيوبيا المزيد من الديون، وخاصة عندما تكون هناك مخاوف بشأن قدرة البلاد على سداد قروضها القائمة. وعلى سبيل المثال، ركّز كيري روبيا في مقالته المنشورة منذ أربعة أشهر تقريبا على الكيفية التي خففت بها إثيوبيا قواعدها للفوز بالاستثمارات وقرض كبير من صندوق النقد الدولي، وكيف سمحت الحكومة الإثيوبية للعملة المحلية للبلاد “البير” بالتداول بحرية دون أن يحدد البنك المركزي سعره. لكن مؤيدي القرض يقولون أنه من الضروري تلبية الاحتياجات الاقتصادية الفورية للبلاد، وأن الأموال سيتم استخدامها لدعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والرعاية الصحية. ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق من ضرورة معالجة الأساسيات الاقتصادية للبلاد قبل تحمل ديون إضافية.

شروط القرض

يأتي هذا القرض بمجموعة من الشروط التي تهدف إلى دعم خطة الإصلاح الاقتصادي في البلاد. ويقدم القرض، الذي يتم صرفه بموجب ترتيبات التسهيل الائتماني الموسع، تمويلا ميسرا بشروط مواتية، بما في ذلك معدل فائدة صفر، وفترة سماح مدتها 5.5 سنوات، وفترة سداد مدتها 10 سنوات. ومع ذلك، فإن القرض مشروط بتنفيذ إثيوبيا لإصلاحات اقتصادية محددة. ويتعين على البلاد خفض عجز ميزانيتها من خلال ضبط أوضاع المالية العامة، وهو ما ينطوي على زيادة الإيرادات وخفض النفقات غير الضرورية. وهذا يتطلب إدارة مالية منضبطة كما قد يستدعي تدابير تقشفية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على إثيوبيا تنفيذ تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم، الأمر الذي قد يشمل رفع أسعار الفائدة أو تقليل المعروض النقدي. وقد يكون لهذا تكاليف اقتصادية قصيرة المدى، لكنه ضروري لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. ويجب على البلاد أيضًا معالجة النقص في النقد الأجنبي من خلال إصلاح نظام سعر الصرف، ما قد يسمح بسعر صرف أكثر مرونة. وقد يتطلب ذلك تخفيض قيمة العملة، ما قد يؤثر على الواردات والتضخم. وعلاوة على ذلك، يتعين على إثيوبيا أن تنفذ إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال، وزيادة الكفاءة والشفافية والقدرة التنافسية. وقد يشمل ذلك تبسيط القواعد التنظيمية، والقضاء على البيروقراطية، وتعزيز نمو القطاع الخاص. وفي حين أن شروط القرض مواتية، فإن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قد يمثل تحديًا بالنسبة لإثيوبيا. وذلك لأن البلاد تواجه عقبات اقتصادية وسياسية كبيرة، بما في ذلك القدرة المؤسسية المحدودة والقيود الاقتصادية. ومع ذلك، إذا تمكنت إثيوبيا من تنفيذ هذه الإصلاحات بنجاح، فيمكن أن يوفّر القرض دفعة مطلوبة بشدة لاقتصادها. لقد أظهرت البلاد التزاماً بالإصلاح في الماضي، ومع الدعم الدولي، قد تتمكن من التغلب على تحدياتها الحالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

آثار القرض

إن لهذا القرض آثارا كبيرة على اقتصاد إثيوبيا، إذ يهدف إلى تخفيف أعباء الديون وتحسين ثقة المستثمرين. وقد تجذب اتفاقية القرض أيضًا المزيد من المستثمرين، كما قد يؤدي الصرف الفوري لمبلغ بليون دولار إلى تعزيز ثقة المستثمرين وتوفير شعور بالارتياح لمجتمع الأعمال، الذي كان يكافح من أجل الوصول إلى النقد الأجنبي. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمار والنشاط الاقتصادي حيث يستفيد المستثمرون من تحسن الظروف الاقتصادية. وقد ينظر بعض المستثمرين إلى اتفاقية القرض على أنها خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار في اقتصاد إثيوبيا، وتوفير ضخ النقد الأجنبي الذي اشتدت الحاجة إليه لدعم واردات البلاد وتخفيف النقص في النقد الأجنبي.

ومع ذلك، قد يكون لدى بعض المستثمرين أيضًا مخاوف بشأن شروط القرض، والتي قد يكون من الصعب على إثيوبيا تنفيذها. على سبيل المثال، قد تؤدي تدابير ضبط أوضاع المالية العامة إلى خفض الإنفاق الحكومي، ما قد يؤثر سلبيًّا على النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يتطلبها القرض، نظرا للمشهد السياسي والاقتصادي المعقد في إثيوبيا. وقد تدفع هذه المخاوف بعض المستثمرين إلى اعتماد نهج الانتظار والترقب، والانتظار لمعرفة كيفية تنفيذ الحكومة لشروط القرض قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية كبرى. وفي شهر مايوا، ظهرت تقارير تفيد بأن بعض المستثمرين الباكستانيين أبدوا رغبة قوية في الانخراط في مختلف قطاعات الاستثمار من خلال الاستفادة من الفرص المتاحة في إثيوبيا. وقد يرى المستثمرون الآن أن القرض خطوة ضرورية نحو معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا واستعادة الاستقرار في الاقتصاد. ومع ذلك، يبقى للحكومة الإثيوبية أن تخطو الحركات الصحيحة وأن تعمل على التزامها بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتي ستظهر كمؤشرات إيجابية إلى درجة توقد في قلوب العديد من المستثمرين جذوة الأمل في أن يمثل القرض نقطة تحول في حظوظ إثيوبيا الاقتصادية.

ظهرت المقالة أزمة ديون إثيوبيا وقرض صندوق النقد الدولي: فصل جديد لأديس أبابا؟ أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5999/%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a5%d8%ab%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d9%82%d8%b1%d8%b6-%d8%b5%d9%86%d8%af%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af/feed/ 0 5999
منتدى التعاون الصيني – الأفريقي 2024: عصر جديد للشراكة الصينية الأفريقية. https://alafarika.org/ar/5966/%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a-2024-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%ac%d8%af/ https://alafarika.org/ar/5966/%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a-2024-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%ac%d8%af/#respond Tue, 08 Oct 2024 22:57:10 +0000 https://alafarika.org/ar/?p=5966

لقد نجحت دول العالم الثالث، مثل الصين والدول الإفريقية، في تحقيق الاستقلال والتنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وظلت تسعى إلى تصحيح المظالم التاريخية لإجراءات التحديث. وكانت الصين حكومةً وشعبًا تواصل في مدِّ يدِ العون للدول النامية، والدول الأقل نموا، والاقتصاداتِ منخفضةِ الدَّخل في أفريقيا، حيث تقدم عددا كبيرا من القروض الميسرة منخفضة الفائدة والاستثمارات، […]

ظهرت المقالة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي 2024: عصر جديد للشراكة الصينية الأفريقية. أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>

لقد نجحت دول العالم الثالث، مثل الصين والدول الإفريقية، في تحقيق الاستقلال والتنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وظلت تسعى إلى تصحيح المظالم التاريخية لإجراءات التحديث. وكانت الصين حكومةً وشعبًا تواصل في مدِّ يدِ العون للدول النامية، والدول الأقل نموا، والاقتصاداتِ منخفضةِ الدَّخل في أفريقيا، حيث تقدم عددا كبيرا من القروض الميسرة منخفضة الفائدة والاستثمارات، لتحديث البنية التحتية لدول أفريقيا. ولقد حدث سابقا أن أزالت الصين عن 27 دولة إفريقية أقل نموا، السعرَ الجمركي على 98% من المواد المستوردة من تلك الدول، كما وقعت اتفاقيات ثنائية للحثّ على الاستثمار وحمايتها مع 34 دولة إفريقية، فضلا عن اتفاقيات التجنب المزدوج مع 21 دولة إفريقية، في حين بلغت واردات الصين من السلع الأفريقية 60.1 بليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، بزيادة نسبة 14% على أساس سنوي.

وبالإضافة إلى ذلك، لقد شهدت القارة الأفريقية ارتفاعًا سريعا في الاستثمار الصيني المباشر، حيث تجاوز رصيد الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 40 بليون دولار في نهاية عام 2023. ولقد أشار وزير الدولة الإثيوبي السابق للصناعة والتجارة، تيكا جيبريسوس إنتيهابو – في مقابلة مع صحيفة جلوبال تايمز – إلى أن التعاون بين الصين وأفريقيا مركَّز على إنجاز مشاريع البنى التحتية، وهو أمر بالغ الأهمية للتنمية. وتؤكد الصين على أن بناء البنى التحتية أمر ضروري لتحقيق النمو والتقدم. ويقول آلان خان، المدير الأول لشؤون الشركات في جامعة ديربان للتكنولوجيا، في ديربان بجنوب أفريقيا، ما نصّه: “بينما تكثّف البلدان الأفريقية جهودها لتعزيز التجارة البينية الأفريقية، هناك حاجة إلى بناء بنى تحتية عالية الجودة، مثل الطرق والسكك الحديدية، لضمان سلامة نقل البضائع ودعم التجارة في القارة”.

منتدى التعاون الصيني- الأفريقي (FOCAC)

يعد منتدى التعاون الصيني الأفريقي FOCAC المنصة الأكثر شمولا لتعزيز العلاقات الصينية الأفريقية. ويهدف منذ إنشائه في عام 2000 إلى تسهيل الحوار الجماعي والتعاون العملي بين الصين وأفريقيا. ومن الأمور المركزية في عمليات هذا المنتدى، المؤتمرات الوزارية واجتماعات القمة التي تعقد كل ثلاث سنوات، والتي تستضيفها الصين والدول الأفريقية بالتناوب. وتكون هذه التجمعات منصات للمناقشات رفيعة المستوى، وتنسيق السياسات، وتصميم أُطر التعاون. ومن الجدير بالذكر أن المنتدى يؤكد على التعاون العملي من خلال مبادرات مثل صندوق التنمية الصيني الأفريقي، وصندوق التعاون الصيني الأفريقي في مجال القدرات الصناعية، ومبادرة “الحزام والطريق”، بهدف تسهيل تطوير البنية التحتية، والتصنيع، والنمو المستدام في جميع أنحاء أفريقيا. ومن خلال الجهود المشتركة في إطار المنتدى، ومعرض الصين الدولي للاستيراد، والمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي، حققت الصين وأفريقيا تقدما مستمرا وقويا في مجالات الصناعة والزراعة والصحة، ما يجسد المرونة والحيوية الفريدة للدول الأفريقية في علاقاتها مع الصين.

ومع ذلك، فقد أثارت ارتباطات الصين في أفريقيا انتقادات في السنوات الأخيرة بسبب عبء ديون أفريقيا الزائد، حيث تضاعفت القروض الصينية في أفريقيا بخمسة أضعاف ليصل إلى 696 بليون دولار بين عام 2000 – عندما تم إنشاء المنتدى- وعام 2020، وتمثل القروض الصينية الآن 12% من مجموع الديون العامة والخاصة في أفريقيا، ما يجعل الصين لاعبا رئيسيا في النقاش حول قدرة أفريقيا على تحمل الديون، والاقتراض المناسب، غير أن الصين لا تميل إلى قبول إعفاء الديون أو إلغائها، كما اكتشفت البلدان المثقلة بالديون مثل أنجولا، وإثيوبيا، وكينيا، وزامبيا. و  أشار مركز سياسات التنمية العالمية، التابع لجامعة بوسطن، إلى أن الإقراض الصيني انخفض من ذروته البالغة حوالي 28 بليون دولار في عام 2016 إلى حوالي 1 بليون دولار في عام 2022 و 4.6 بليون دولار في عام 2023. و وفقا لبي بي سي أفريقيا، تسعى دولة كينيا للحصول على تمويل لمشاريع البنى التحتية المتعددة، بما فيها استكمال مشروع خط السكك الحديدية القياسي العابر للحدود الوطنية إلى أوغندا، والذي أوقفته الصين في عام 2020. ويأتي هذا على الرغم من ديونها الضخمة للصين، والتي أثارت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وهناك مصدر قلق آخر من دول أخرى، مثل جنوب أفريقيا، وذلك كون الميزان التجاري بين الصين وأفريقيا يميل لصالح الصين أكثر.

محتوى منتدى التعاون الصيني- الأفريقي 2024

لقد تم عقد قمة المنتدى السابقة افتراضيا في بكين و داكار بالسنغال في عام 2021، بسبب الإجراءات الاحترازية المفروضة بسبب فيروس كورونا. وتم التعهد فيها بمواصلة التعاون الاقتصادي والسياسي. وفي الوقت الحالي، يضم منتدى التعاون الصيني الأفريقي 53 دولة أفريقية كأعضاء فيه – وهي القارة بأكملها باستثناء إيسواتيني، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع تايوان ضد سياسة “صين واحدة” التي تنتهجها بكين – وكذلك تحظى مفوضية الاتحاد الأفريقي بالعضوية في المنتدى – وهي الكتلة القارية المكلفة بضمان التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء -. ولقد انعقدت القمة لهذا العام  في بكين، في فترة ما بين 4 سبتمبر إلى 6 سبتمبر 2024، وأجري من خلالها المؤتمر الوزاري التاسع لمنتدى FOCAC. وتعد هذه القمة أكبر حدث دبلوماسي استضافته الصين في السنوات الأخيرة، حيث حضرها رئيس الاتحاد الأفريقي، و رؤساء دول من الصين ومن 53 دولة أفريقية ، و وفود الحكومات، و وزراءها للخارجية والتعاون الاقتصادي. وحملت القمة عنوان “تضافر الجهود لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني- أفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك”. وتمت معالجة مسائل مهمة في القمة، منها نظام الحكم، والتصنيع، والتطوير الزراعي، وتحسين التعاون في تمويل البنية التحتية في الصين عبر مبادرة “الحزام والطريق”. ويأتي اجتماع هذا العام في الوقت الذي تبدو فيه علاقات الصين الطويلة الأمد مع إفريقيا أكثر أهمية بالنسبة لبكين، وسط تصاعد الاحتكاكات مع واشنطن، كما تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على تكثيف جهودهما الخاصة لجعل أفريقيا شريكة لها، والوصول إلى معادنها الحيوية. وهذا ما يعتبره بعض المحللين محاولةً لمواجهة التقدم الذي حققته الصين على الصعيد السياسي، وفي قطاع الموارد في القارة السمراء. ولا ينظرون إلى الصين على أنها السبب الرئيسي لضائقة الديون الأفريقية في معظم الحالات، حيث تدين البلدان الأفريقية أيضًا بمبالغ ضخمة للبنوك المتعددة الأطراف والمقرضين من القطاع الخاص. لكن قروضها الضخمة أدت إلى زيادة أعباء الديون، وتعرضت بكين لانتقادات لعدم التحرك بسرعة كافية أو المرونة في مساعدة البلدان المتعثرة أو المعرضة للخطر.

وقد لخص المحللون محتوى القمة في أربع نتائج رئيسية :

فالأولى، دخول الصين في شراكات استراتيجية مع جميع الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، حيث قامت الصين بإنشاء أو رفع شراكاتها الاستراتيجية مع إجمالي 30 دولة خلال القمة.

والثانية، الارتقاء بالعلاقات العامة بين الصين وأفريقيا إلى مستوى مجتمع صالح لكل الأحوال و ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد. وبفضل ما يقرب من 70 عاما من الجهود المتضافرة، أصبحت العلاقات الصينية الأفريقية الآن في أفضل حالاتها في التاريخ.

والثالثة، صياغة اقتراح من ست نقاط بشأن الجهود المشتركة بين الصين وأفريقيا لدعم التطوير والتقدم، حيث أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أنه يتعين على الصين وأفريقيا تعزيز التقدم العادل والمنصف، والمنفتح والمربح للجانبـين، والذي يضع الشعب في المقام الأول، و يتميز بالتنوع والشمول، والملاءمة للبيئة، و يدعمه السلام والأمن. وقد حظي هذا الاقتراح بقبول واسع النطاق بين الزعماء الأفارقة، وأصبح محل إجماع سياسي بين الصين وأفريقيا.

والرابعة، وضع مخطط للتعاون بين الصين وأفريقيا للمضيّ قدما، حيث قام الجانبان بتبني “خطة عمل بكين” لتعزيز التعاون الصيني الأفريقي في السنوات الثلاث المقبلة. وأعلن الرئيس الصيني، عن عشرة إجراءات شراكةٍ جديدة تعزم الصين على اتخاذها مع أفريقيا لدعم التقدم في السنوات الثلاث المقبلة، و ستغطي مجالات التعلم المتبادل بين الحضارات، والازدهار التجاري، والتعاون في السلسلة الصناعية، والاتصال، والتعاون التنموي، والصحة، و الزراعة، و سبل العيش، والتبادلات الشعبية، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك.

التوقعات المستقبلية

في الوقت الحالي، تعد أفريقيا المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم من حيث النمو الاقتصادي والسكاني. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للقارة كما أصبحت أكبر مصدر للاستثمارات والقروض للعديد من البلدان الأفريقية. وبالنسبة لقمة هذا العام، يقول الخبراء أنها لا تعكس فقط الترحيب الصادق الذي قدمته الدول الأفريقية وشعوبها لمساعدات الصين في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا وتحسين سبل المعيشة على مر السنين، بل يسلط الضوء أيضًا على الجاذبية القوية للتطوير الصيني في دول الجنوب في العالم، بما في ذلك الغالبية العظمى من الدول الأفريقية. ومع ذلك، لا ينبغي لتقدم أي بلد أن يكون نسخة بسيطة من نماذج البلدان الأخرى؛ بل ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الجوانب المحلية الفريدة لكل بلد.

وعلى الرغم من أن أفريقيا استفادت من منتدى التعاون الصيني الأفريقي، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من المشاركة الاستباقية، إذ الارتباطات الأفريقية غالبا ما تكون مخصصة لغرض معين وسيئة التنظيم، الأمر الذي يضع القارة في وضع غير مؤاتٍ بشكل واضح. و يتعين على البلدان الأفريقية أن تصبح أكثر استراتيجية، وأن تضم الأصوات غير الحكومية، وأن تضع في اعتبارها مخاطر الاقتراض غير المقيد وغير الخاضع للمساءلة والمحاسبة، من خلال ترسيخ المزيد من الشفافية في اتفاقيات  FOCAC، وأن تضمن وضع المصالح الوطنية قبل المصالح الشخصية من قبل الممثلين الأفارقة. و هناك حاجة أيضًا إلى آليات مراقبة مستقلة ومعززة بين قمم منتدى التعاون الصيني الأفريقي لتقييم الالتزامات، و تحديد المشاكل ومجالات التحسين، وضمان وصول الفوائد إلى المواطنين العاديين، الذين يطالبون – بحق- بقدر أكبر من إبداء الرأي والمساءلة في طريقة تعامل حكوماتهم مع الشركاء الأجانب. وفي المقام الأول من الأهمية، يجب على الحكومات الأفريقية أن تدرك أن الصين، أو أي جهة فاعلة أخرى، غير قادرة على تنمية أفريقيا، و أن أفريقيا سوف تتطور بعرقها وجهدها، وبالتالي تجب إدارة العلاقات مع الشركاء الخارجيين بهذا الفهم.

ظهرت المقالة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي 2024: عصر جديد للشراكة الصينية الأفريقية. أولاً على الأفارقة للدراسات والاستشارات.

]]>
https://alafarika.org/ar/5966/%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a-2024-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%ac%d8%af/feed/ 0 5966