ماذا بعد طرد النيجر القوات الأمريكية من أراضيها؟

إعداد: أويباميجي أديسوجي – باحث لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات

نقله إلى العربية (بتصرّف): أحمد عبد الرحيم البدوي

النسخة الانجليزية من المقال متوفرة هنا

تلعب النيجر دورًا مهمًا في العمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الساحل الإفريقي، وهي موطن لقاعدة جوية رئيسية. غير أن التصريحات الأخيرة للقيادة العسكرية للبلاد ضد الترتيبات العسكرية الأمريكية وطلب المساعدة من روسيا وإيران قد تتخذ منعطفًا جديدًا مع استمرار تدهور الأمن في منطقة الساحل مع مرور الوقت.

فالنيجر مستعمرة فرنسية سابقة، ويحدها من الشمال الغربي الجزائر، ومن الشمال الشرقي ليبيا، ومن الشرق تشاد، ومن الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي. ولكن على الرغم من المكاسب الأخيرة التي تحققت في العقد الماضي للتغلب على التحديات المعقدة التي تواجه البلاد، فإن عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن التوسع العسكري والمشاركة العسكرية في الحكم السياسي ساهم في تدهور الوضع. ويؤكد الحجم المتواضع لقوة الدفاع في البلاد على جهودها في مكافحة الإرهاب، كما يفعل العجز في الميزانية، والتنسيق غير الفعال بين الأجهزة الأمنية، وعدم الاستقرار في غرب أفريقيا.

وكانت الولايات المتحدة مساهمًا كبيرًا في المساعدات التي تعتمد عليها النيجر قبل الانقلاب العسكري في العام الماضي الذي وقع في 26 يوليو عندما اعتقل جنود متمردون الرئيس محمد بازوم في مقر إقامته الرسمي بالعاصمة نيامي. وأعلنوا أنهم استولوا على السلطة في انقلاب بسبب تدهور الوضع الأمني ​​في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. ويقول المحلّلون إنه على الرغم من أن العقوبات الإقليمية والدولية لإجبار المجلس العسكري على التراجع عن انقلابه قد ضغطت على البلاد، إلا أنها شجعت أيضًا الحكومة العسكرية التي تعزّز قبضتها على السلطة أكثر وتسعى إلى شراكات جديدة.

وبعد بضعة أشهر من الاستيلاء على السلطة، طلب القادة العسكريون في النيجر انسحاب القوات الفرنسية. لكن الولايات المتحدة أبقت على قاعدة للطائرات بدون طيار في منطقة أغاديز في الشمال تضم ألف جندي، ربما لأن القوات الأمريكية، خلال رئاسة بازوم، قامت بتدريب القوات النيجيرية على مكافحة الإرهاب. كما أن إدانة المجتمع الدولي القوية للانقلاب، ولا سيما من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي، قوبلت بغضب من القادة العسكريين وأدت إلى انسحاب قوات مكافحة التمرد الفرنسية من النيجر. وقد أشار القادة العسكريون في وقت لاحق أيضًا إلى أنهم سوف يلغون قانون مكافحة تهريب البشر إلى ليبيا. وحتى الآن، تواصل النيجر محاربة الجماعات المسلحة.

الوجود العسكري الأمريكي في النيجر

تظل النيجر واحدة من أكثر الدول مرونة في غرب إفريقيا وشريكة مهمة للولايات المتحدة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1960. وكذلك، تدعم المساعدة التي تقدمها الحكومة الأمريكية كل جانب من جوانب برامج تحقيق الاستقرار في النيجر. وقد بدأ الجيش الأمريكي في السنوات الأخيرة تشغيل قاعدة جوية رئيسية في مدينة أغاديز بالنيجر، على بعد حوالي 920 كيلومترا من نيامي، ويستخدمها لرحلات المراقبة وغيرها من العمليات. ومنذ عام 2018، تُستخدم هذه القاعدة لاستهداف المتمردين الإرهابيين في منطقة الساحل. وهذا يظهر مدى نشاط الولايات المتحدة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية في النيجر. وقد ذكر التقرير أن الولايات المتحدة وفرنسا كان لديهما أكثر من 2500 جندي في المنطقة قبل زمن قليل، واستثمرتا مع دول أوروبية أخرى مئات الملايين من الدولارات في المساعدة والتدريب العسكريين. لكن ذلك تغير في يوليو/تموز 2023 عندما أطاح جنود متمردون برئيس البلاد المنتخب ديمقراطيا، وبعد أشهر طلبوا المغادرة من القوات الفرنسية، بينما كان لا يزال لدى الجيش الأمريكي نحو 650 فردًا يعملون في النيجر في ديسمبر/كانون الأول. ومع ذلك، ظلت القوات هناك غير نشطة إلى حد كبير منذ الانقلاب، حيث تم إيقاف تشغيل معظم طائراتها بدون طيار باستثناء مهام المراقبة الجوية للمساعدة في حماية الأمريكيين. وفي وقت لاحق من شهر ديسمبر، قالت الولايات المتحدة إن البلاد مستعدة لإعادة المساعدات والعلاقات الأمنية إذا استوفت النيجر شروطًا معينة.

لماذا ألغت نيامي الاتفاق العسكري مع واشنطن؟

في الآونة الأخيرة، ألغى المجلس العسكري الحاكم في النيجر اتفاقية عسكرية تسمح للأفراد العسكريين والموظفين المدنيين من وزارة الدفاع الأمريكية بالتواجد على أراضيها. وذكر الجيش أن القرار، الذي يدخل حيز التنفيذ على الفور، يأتي في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها بعض كبار المسؤولين الأمريكيين. واتهم المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر الوفد الأمريكي بعدم اتباع الإجراءات الدبلوماسية. وتمحورت المفاوضات حول التحول العسكري الحالي في النيجر، والتعاون العسكري بين البلدين واختيار النيجر لشركائها في الحرب ضد المسلحين، وخاصة روسيا وإيران، وكذلك من خلال العقوبات التخويفية.

وأيضا، بما أن اتفاقية استخدام قاعدة الطائرات بدون طيار لمدة عشر (10) سنوات، ستنتهي في عام 2024، قد يعتقد الحكام العسكريين أن هذه هي أفضل لحظة للنيجر للتراجع عن الارتباط العسكري مع الأمريكيين من خلال عدم تجديد اتفاقية استخدام القاعدة، حسب رأي المحللين، لأنه من غير المؤكد ما سيحدث في قاعدة الطائرات بدون طيار الآن بعد أن قطعت الدولة المضيفة علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن. ومع ذلك، ردت الولايات المتحدة بعدم استبعاد استمرار الوجود العسكري في النيجر، على الرغم من بيان المجلس العسكري الحاكم في البلاد.

وكشفت التقارير الإعلامية في واشنطن أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا منذ أشهر إنقاذ العلاقات مع المجلس العسكري وعكس مساره. ومع ذلك،كان البنتاغون يخططون لأسوأ الحالات الطارئة إذا فشلت المحادثات. وقد بدأت وزارة الدفاع تناقش مع العديد من دول غرب إفريقيا الساحلية إنشاء قواعد جديدة للطائرات بدون طيار، كنسخ احتياطية للقاعدة في النيجر. وأشاروا أيضًا إلى أن بعض أفراد القبعات الخضراء بالجيش الأمريكي يقومون بتدريب القوات المحلية في دول مثل بنين.

النفوذ الروسي والإيراني

من المؤكد أن العلاقات العميقة بين النيجر وروسيا، كانت مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة وحلفائها في الغرب. وقد وقّع البلدان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الدفاعي في ديسمبر 2023. كما أن أحد أسباب تحول النيجر نحو روسيا، بصرف النظر عن خفض التمويل، هو عدم رغبة الولايات المتحدة في تزويد النيجر بالأسلحة اللازمة لمحاربة التمرد، حتى أن مجموعة فاغنر، قوات المرتزقة الروسية، كانت واحدة من أولى مصادر المساعدة التي تواصل معها القادة العسكريون في النيجر للحصول على الدعم عندما واجهوا تدخلًا عسكريًا محتملاً من الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) في محاولة لردع الانقلاب.

وفي المقابل، قال مسؤول أن جزءًا من النداء الموجه للنيجر هو أن روسيا يمكن أن تعرض بيع أسلحتها ومعداتها دون نفس الشروط الأمريكية لاحترام حقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي الذي تدعو إليه الولايات المتحدة. وبالنسبة لدولة تبحث عن إمدادات فورية من المعدات العسكرية، فإن روسيا قادرة على بيع أسلحتها بسرعة أكبر بكثير من الولايات المتحدة. وأضاف مسؤول آخر أن روسيا تستفيد في المقابل من الموارد الطبيعية في المنطقة، بما في ذلك مناجم الذهب في النيجر.

خاتمة

من المتفق عليه بين معظم المراقبين أن قرار المجلس العسكري بإلغاء الاتفاق العسكري سيكون ضارًا للمصالح الأمريكية والنفوذ الغربي في الساحل, وخاصة في أعقاب سلسلة الانقلابات في المنطقة، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو، وبسبب التأثيرات المتزايدة لروسيا والصين في القارة. ومع ذلك، فإن ميل الدولة إلى روسيا والصين وإيران يجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير نهجها حتى لا تفقد هذه الشريكة الاستراتيجية في الساحل. بل ويعني أن الولايات المتحدة بحاجة إلى بدء الحوار والعلاقات الدبلوماسية التي من شأنها تعزيز المصالح الوطنية ​​في النيجر، وتبنّي النهج الذي يعزز الأجندات النيجرية لمكافحة الجماعات الإرهابية على أراضيها.

ورغم ما يكرره خبراء الأمن بأن تعليق الولايات المتحدة لأنشطتها العسكرية قد يجعل النيجر عرضة للخطر ورغم التنديدات الغربية بالقرب من روسيا؛ فقد أثبتت النجاحات الاخيرة التي تحرزها مالي بأنها دول الساحل وغرب إفريقيا قادرة على معالجة تحديات انعدام الأمن في حالة وجود إرادة حقيقية ومبادرات واقعية لدى شركائها.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.

القوات الأمريكيةالنيجرانسحاب القواتانقلاب النيجربوركينا فاسومالي
Comments (0)
Add Comment