النزاعات الطائفية في شمال نيجيريا وانعكاساتها على الأمن الغذائي للبلاد

ترتبط النزاعات الطائفية بالأمن الغذائي، حيث تحدث النزاعات في العديد من البلدان نتيجة عدم توافق المصالح بين مختلف الإثنيات والمجموعات الطائفية، مما يجبر العائلات على ترك منازلهم ويعطّل إنتاج الغذاء والنشاط الاقتصادي. وفي كثير من الحالات، يصعب على المنظمات تقديم المساعدة الإنسانية نتيجة هذه الأزمة. بينما الأمن الغذائي، وفق تعريف مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996، يتحقق عندما يتمكن جميع الناس، في كل الأوقات، من الحصول على أغذية كافية وآمنة وبأسعار معقولة.  وذكر البنك الدولي أيضا أن الأمن الغذائي يعني إمكانية الناس في الوصول المادي والاقتصادي في جميع الأوقات إلى أغذية كافية وآمنة تلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية من أجل تحقيق حياة نشطة وصحية. وتتمثّل الركائز الأربع التي ذكرها الخبراء للأمن الغذائي، في التوفر، والوصول، والاستخدام، والاستقرار. وهناك توقعات من أنه خلال العقود المقبلة سيكون لتغير المناخ وتزايد عدد سكان العالم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والضغوطات البيئية تأثيرات على الأمن الغذائي.

وفي حالة أفريقيا بشكل عام على مر السنين؛ تؤثر النزاعات الطائفية سلبًا على الأمن الغذائي، كما تعاني نيجيريا وضعا حرجا لأمنها الغذائي في الآونة الأخيرة، حيث قُدِّر في عام 2022 أن 17 مليون شخص في حالة خطيرة من انعدام الأمن الغذائي. بل تم تصنيف نيجيريا باستمرار من بين أسوأ 10 دول تعاني من أزمة غذائية أيضًا – وخاصة ولايات بورنو وأداماوا ويوبي الواقعة في إقليم شمال الشرق الذي يعد موطن تمرد “بوكو حرام”، مع الإشارة إلى أن إقليم جنوب الجنوب (أو أقصى الجنوب) يعاني أيضا من ارتفاع معدل الصراعات الطائفية التي تحدّ من حالات الوصول إلى الأغذية والإنتاجات الزراعية. وفي حين أن معظم النزاعات الطائفية في المناطق الريفية ينشأ في كثير من الأحيان من الفقر وندرة الموارد والتدهور البيئي، ويؤدي إلى تعطيل الأنشطة الزراعية في المناطق المتضررة منه؛ فإنه يؤدي أيضا إلى تشريد المجتمعات وتدمير البنية التحتية، مما يفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي وإدامته.

وبالإضافة إلى تمرد “بوكو حرام” في شمال الشرق والصدامات المتجددة بين المزارعين والرعاة في الشمال الأوسط من البلاد، تشمل العوامل الأخرى التي تساهم في حالة انعدام الأمن الغذائي: ضعف أنظمة النقل، والافتقار إلى مرافق التخزين الفعالة عبر المستوطنات الزراعية في نيجيريا، وارتفاع التضخم، وتصاعد معدلات الفقر والبطالة، وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة التي تحدّ عن قدرة المواطنين على الوصول إلى الغذاء رغم إعلان الحكومة الفيدرالية النيجيرية في 14 يوليو 2023 عن حالة الطوارئ بشأن وضع الأمن الغذائي في البلاد وكشفها النقاب عن خطة تدخّل شاملة بشأنه لتعزيز استدامته، إلى جانب تعهدات الحكومة على اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة التضخم الغذائي.

العواقب السلبية

معظم الأراضي في نيجيريا خصبة للغاية وتتمتع بهطول أمطار كافية والقدرة على إنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الزراعية. ومع ذلك، يتم معظم الأنشطة الزراعية على نطاق صغير فقط من خلال نظام دغل الأرض البور، حيث تترك الأرض خاملة لفترة من الوقت للسماح بالتجديد الطبيعي لمرافق التربة. وتعد نيجيريا موطنًا لملايين المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يلعبون دورًا مهمًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، إذ أنهم مسؤولون عن إنتاج غالبية المواد الغذائية الأساسية في البلاد، وتوفير فرص العمل لملايين الأشخاص، والمساعدة في تنمية القطاع الزراعي في البلاد.

وتشير التقديرات إلى أن لحوالي 75% من إجمالي مساحة الأراضي في نيجيريا، البالغة حوالي 68 مليون هكتـار، إمكانيةَ الاستخدام الزراعي، ولكن حوالي 33 مليون هكتـار فقط يتم استخدامه الفعلي للزراعة فعليًا. كما أنه يتم استغلال حوالي 220 ألف هكتار فقط من بين 3.14 مليون هكتار من الأراضي القابلة للريّ. ويتراوح متوسط ​​حجم المزرعة بالنسبة لمزارعي الكفاف في نيجيريا من 1 إلى 3 هكتارات، حيث يوجد في الشمال أحجام مزارع أكبر من الجنوب. وبالرغم من أن شمال نيجيريا بمثابة سلة الإنتاج الغذائي لنيجيريا، حيث يمثّل أكثر من 70% من النشاط الزراعي، إلا أنه في الآونة الأخيرة عانى من نزوح كبير لسكانه المزراعين بسبب النزاعات الداخلية، مع التوقف المفاجئ للزراعة في المناطق المتأثرة. وقد نزح ما يقدر بنحو 2.13 مليون شخص داخليًا من إقليم شمال الشرق، في حين يعاني 8.7 مليون الآن من انعدام الأمن الغذائي. والنظام الغذائي برمته في المنطقة الشمالية في حالة التدهور الشديد، وهو ما ينعكس على النظام الغذائي في نيجيريا بشكل عام. وعلى سبيل المثال: أدت النزاعات المتعددة في الولايات الشمالية المنتجة للذرة إلى خنق توزيع الذرة إلى الأسواق النيجيرية ونقصها,،وتسببت خسائر وهدر هائلة بعد الحصاد.

وقد كشفت التقارير المحلية أن ثنائية انخفاض إنتاج الغذاء في مناطق النزاع، والهجرة الناجمة عن النزاع إلى المستوطنات الحضرية القائمة على المستهلك (وخاصة في جنوب نيجيريا)، قد أدّت إلى تغيير كبير في النظم الغذائية؛ إذ زادت واردات المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، وشهدت نيجيريا، التي كانت أكبر منتج للذرة في أفريقيا في عام 2021، زيادة بنسبة 637% في قِيَم واردات الذرة في عام 2020. ويقترن ذلك بعدم تلبية طلب منتجي علف الماشية للذرة والزيادة الكبيرة في أسعار مدخلات تربية الماشية، وخاصة الدواجن، مما يضغط على إمدادات الثروة الحيوانية.

ومما زاد على تفاقم تأثير زيادة حجم الواردات، أن الأزمة الروسية-الأوكرانية أثرت أيضًا على أسعار السلع المستوردة. واعتبارًا من مايو 2022، أدّى انقطاع إمدادات القمح العالمية الناتج عن الغزو الروسي-الأوكراني إلى ارتفاع متوسط ​​سعر البوشل من أنواع القمح الثلاثة الرئيسية بنسبة 165% للبوشل، كما ارتفع سعر الدقيق بنسبة 150% تقريبًا. وقد انتقل هذا الارتفاع في الأسعار أيضاً إلى الحنطة السوداء، التي تعتبر مدخلاً رئيسياً في الإنتاج المحلي من المعكرونة، حيث ارتفعت فاتورة واردات نيجيريا من الحنطة السوداء بنسبة 406%.

وقد لاحظ الخبراء أن النزاعات الطائفية ترتبط على نطاق واسع بالتوترات المحيطة بالقرارات المتعلقة بالخيارات المختلفة، والتي تتجلى أحيانًا في المواجهات بين القوى الاجتماعية. وبالتالي، يمكن توضيح طبيعة مثل هذه المنافسات، التي تؤدي إلى النزاع، من خلال كيفية تحديد وتأطير القضايا الناشئة عن مجموعة متنوعة من العلاقات الاجتماعية التنافسية. ويمكن أن يرتبط التوترات بمظالم قصيرة المدى أو طويلة المدى، بينما المظالم طويلة الأمد بشأن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية قد تتحوّل إلى النزاع.

حالة ولاية بلاتو

إن ولاية بلاتو، التي تقع في الحزام الأوسط (أو وسط نيجيريا)، من الولايات النيجيرية التي تشتهر بـمجموعة متنوعة من المحاصيل الغذائية والخضروات والفواكه، مما يميزها عن الولايات النيجيرية الأخرى. وتعاني الولاية أزمات أمنية معقدة تذكيها الانقسامات الإثنية المتفاقمة بسبب التنافس على الأراضي، والتلاعب السياسي، وانتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى مر السنين، عرفت الولاية بأنها أكبر منتج للبطاطس الأيرلندية في البلاد لخصبة أرضها لزراعة المحصول. ومع ذلك، شهدت نيجيريا ندرة البطاطس الأيرلنديين مؤخرا نتيجة انعدام الأمن والعنف في أجزاء من الولاية، مما أدى إلى خسائر في الأرواح وتدمير الممتلكات والأراضي الزراعية. وكانت النتيجة أن انخفض عدد المزارعين العاملين في زراعة المحصول بشكل كبير.

في غضون ذلك، أشارت “مصفوفة تتبع النزوح” التابعة لـ “المنظمة الدولية للهجرة” (IOM-DTM) إلى أنه في 24 ديسمبر 2023، اندلعت سلسلة من الهجمات المدمرة عبر العديد من المجتمعات في منطقة حكومة بوكوس المحلية (Bokkos Local Government Area) في ولاية بلاتو، مما أدى إلى الحاجة لمساعدة إنسانية عاجلة. واستهدف المهاجمون السكان المحليين، مما أدى إلى نزوح 1,868 أسرة و13,310 فردا، ومقتل 331 شخصًا وإصابة 153 شخصًا، بل وألحق أضرارًا بـ 1,190 ملجأ. هذا إلى جانب هجمات أخرى متكررة أجبرت معظم المزارعين على هجر مزارعهم، بينما فرّ آخرون من مجتمعاتهم إلى أماكن أكثر أماناً، وهو ما يجعل الذهاب إلى المزارع أقل اهتماماتهم المباشرة، حيث الاهتمام الأول هو سلامتهم. وهذا الوضع يعطل الزراعة في موسم الجفاف، وخاصة زراعة البطاطس الأيرلندية، التي باتت اليوم في حاجة إلى نظام الري.

حل الأزمة

مما لا شك فيه أن معالجة انعدام الأمن الغذائي في نيجيريا بحاجةٍ أولًّا إلى معالجة قضايا الأمن، والتي تشمل النزاعات الطائفية, وتعزيز آفاق السلام, وذلك للعلاقة الحميمة بين الأمن الغذائي والاستقرار الأمني. وهذه الآليات للحل يجب أن تشمل تدخلات محلية وإقليمية خاصة لحل النزاعات الخاصة في الأقاليم التي تعاني من الصراعات الطائفية، ووضع السياسات الفاعلة بشأن حقوق الملكية والأراضي، وأنظمة إدارة الثروة الحيوانية لمعالجة النزاعات بين الرعاة والمزارعين، والاستثمارات المستهدفة في بناء قدرة الأُسَر على الصمود. ومن شأن تعزيز الزراعة الجماعية للأراضي الزراعية المعيشية في الشمال أن تقلل بشكل كبير من الضغوط على الأغذية المتاحة التي سمحت بيئة التجارة العالمية باستيرادها إلى البلاد, وأن تحفز استقرار أسعار المواد الغذائية، والحد من الجوع، واستقرار الوضع الأمني ​​في الشمال والبلاد بشكل عام.

وتحتاج حكومة نيجيريا الفيدرالية، برئاسة الرئيس “بولا تينوبو”، إلى استجماع الشجاعة اللازمة لمعالجة أزمة انعدام الأمن بشكل دائم من خلال إنشاء لجنة فنية من أصحاب المصلحة لمراجعة “الخطة الوطنية لتحويل الثروة الحيوانية” (National Livestock Transformation Plan)، وذلك لإعادة تحديد مجالات الاهتمام وجعل الخطة أكثر ملاءمة للمستثمرين. وهذا إلى جانب توفير الحكومة الحوافز اللازمة وحشد أصحاب المصلحة في التنفيذ الفوري للخطة كأحد التدابير الحاسمة لحل الاشتباكات بين المزارعين والرعاة. وهناك مطالب شعبية موجهة للرئاسة النيجيرية ومجلس الولايات ومجلس الشرطة النيجيرية والجمعية الوطنية حول ضرورة تفعيل أعمال الشرطة اللامركزية وأنشطتها متعددة المستويات، والتي قد تؤدي إلى إنشاء شرطة الولايات والتي أصبحت مطلوبًا في معظم ولايات البلاد.

وأخيرا، يجب على “لجنة الحدود الوطنية” (National Boundary Commission)، بالتعاون مع قادة المجتمع المختلفين، أن تأخذ وقتًا لتتبع الحدود المجتمعية التقليدية ودراستها وإنشاء قاعدة بيانات محدثة لمنع الاشتباكات في المستقبل. ومن أجل إدارة النزاعات الطائفية الحالية المؤثرة في الأمن الغذائي، يتحتّم على الحكومة نشر عدد كاف من أفراد الأمن في الوقت المناسب في المناطق المتضررة من أجل وقف العنف، وتشكيل لجان سلام محلية أو إقليمية للتوسط بين المجتمعات المتحاربة، والتي تتألف من ممثلي الحكومة وقادة المجتمع وبعض أعضاء القرى أو المجتمعات المتضررة. إضافة إلى تنظيم الأنشطة المجتمعية التي تجمع بين الإثنيات والمجتمعات المختلفة، مثل الألعاب والرياضات، من أجل تعزيز ثقافة الوحدة والتعاون، إلى جانب مبادرات أخرى من “وكالة التوجيه والتوعية الوطنية” (National Orientation Agency) لتثقيف المجتمعات ضد صور النزاعات الطائفية وتداعياتها على تلك المجتمع وطرق حل الخلافات بشكل سلمي.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.

Comments (0)
Add Comment