بعد الشمال والغرب .. روسيا تثبت أقدامها في شرق أفريقيا

في رحلة استعادة الحضور والنفوذ السوفييتي في أفريقيا، استطاعت روسيا الاتحادية في العقد الأخير، أن تُثَبِت أقدامها في شمال القارة وفي غربها، وها هي تُوشِك أن تفعل ذات الشيئ في شرق القارة، ضمن خطة طموحه تستهدف التغلغل في أقاليم القارة الخمس دون استثاء.

ونظرا للأهمية الجيوستراتيجية البالغة لشرق أفريقيا، والمستمدة من إشرافه علي باب المندب، وهو أهم ممر ملاحي بحري عالمي، ونظراً للوجود المكثف للقوي العالمية – كبيرها وصغيرها – في الإقليم، ونظراً لشدة التنافس – بل والصراع – الدولي، علي كل موطئ قدم قد يخلو في فضاء الإقليم المزدحم باللاعبين، تأخرت العودة الروسية إليه عن غيره من الأقاليم.

ويُنبِئُكَ تطور ومسار العلاقات الروسية-الأفريقية، عن إصرار روسيا علي التوغل في القرن الأقريقي وتخومه، وعن اقترابها من تثبيت أقدامها في هذه المنطقة، وعن أنها تخطط لربط نفوذها الوشيك في شرق أفريقيا، بما بنته سلفاً من نفوذ في الشمال والغرب، ثم ربط ذلك كُلَه بنفوذها المرتَجَي في وسط وجنوب القارة.

وقد اقتربت روسيا بالفعل من إنجاز خطتها المرحلية في شرق أفريقيا، عبر توظيف حزمة من الأدوات تتناسب مع احتياجات دول المنطقة، مثل: السودان وإثيوبيا وإريتريا وأوغندا ورواندا، كما أنها شرعت في تعزيز علاقاتها مع دول إقليم الوسط فانتقلت بعد أفريقيا الوسطي إلي بوروندي وتشاد، ومع دول إقليم الجنوب فانتقلت من جنوب أفريقيا إلي موزمبيق وإسواتيني، وذلك توطئة للمرحلة القادمة من خطة الانتشار في الوسط والجنوب.

وباعتبار أن الخطة الروسية في المرحلة الراهنة، تركز علي اقتحام إقليم شرق أفريقيا، فيثور التساؤل عما حققته الخارجية الروسية في سبيل تثبيت أقدامها في هذا الإقليم؟، وعن أدواتها التي تستخدمها مع دوله؟، وعن رد الفعل الغربي علي التحركات الروسية في أفريقيا عموما؟، وفي إقليم شرق أفريقيا بصفة خاصة؟، وعن مستقبل النفوذ الروسي في هذا الإقليم؟، وتجيب هذه الورقة عن هذه التساؤلات عبر المحاور التالية:

أولا: كيف تمكنت روسيا من تثبيت أقدامها في شمال وغرب أفريقيا

نوعت روسيا أدواتها في عودتها إلي الفضاء الأفريقي، وركزت في كل إقليم علي أدوات بعينها، بحسب الاحتياجات الفعلية لدوله، وبخاصة تلك التي أحجم الغرب عن تلبية احتياجاتها أو تباطأ في تلبيتها.

  • شمال أفريقيا . . الاقتصاد ثم الأمن

علي الرغم من هبوب رياح التغيير التي صاحبت الربيع العربي، إلا أنها لم تَنَل طويلاً من استقرار دول شمال أفريقيا، وسرعان ما استردت دول الربيع العربي في الإقليم استقرارها النسبي، باستثناء ليبيا التي تَحَوَلَ فيها الصراع السياسي، إلي صراع مسلح بين الأطراف الليبية، بدعم من الأطراف الخارجية ذوي المصالح.

ومن هنا جاء استخدام روسيا للأدوات الاقتصادية في الإقليم في المرتبة الأولى، حيث أبرمت مع مصر عدة اتفاقيات للشراكة الاستراتجية والتعاون الاقتصادي، مع التركيز علي مجال الطاقة النووية، حيث وقع البلدان في نوفمبر 2015، اتفاقا لبناء وتطوير محطة الضبعة النووية، وذات الشيئ كررته روسيا في تجربتها مع الجزائر، حيث وقع البلدان في مارس 2024، اتفاقا لدعم وتطوير البرنامج النووي الجزائري، فيما أحرزت روسيا تقدماً كبيراً في المضي قدما، نحو بناء شراكة استراتيجية وتعاون اقتصادي مع المغرب، حيث وقع البلدان في أكتوبر 2022، اتفاقا للتعاون في مجال الطاقة النووية.([1])

فيم أتى استخدام الأدوات العسكرية والأمنية الروسية، في المرتبة الثانية مع كل من مصر والمغرب، تقدم نسبيا مع الجزائر؛ ذلك بأنها أصبحت أكبر مشترٍ للسلاح الروسي، في أفريقيا وفي العالم العربي، بينما كان استخدام روسيا للأدوات العسكرية والأمنية، بمثابة المدخل الرئيسي إلي الفضاء الليبي، وذلك عبر تدفقات السلاح الروسي، والعسكريين والفنيين الروس، إلي ساحة الحرب الليبية بدئا من عام 2017.([2])

  • الساحل وغرب أفريقيا . . الأمن ثم الاقتصاد

دأبت القوي الغربية الاستعمارية دائما، على بسط هيمنتها الاقتصادية علي موارد المنطقة، من خلال نشر ودعم وتعزيز كل ما يقوض الأمن والاشتقرار، بما في ذلك نشر العمليات الإرهابية والجريمة المنظمة، وإزكاء الصراعات الاثنية وتأجيج الصراع علي السلطة، لوضع الحكام داتما في حالةٍ من الخوف علي مناصبهم، والحاجة إلى تأمين بقاءَهم في السلطة، ومن ثم الطلب الدائم علي خدمات الأمن التي يقدمها لهم هؤلاء المستعمرون.([3])

وقد نجح هذا المخطط الغربيى في تحقيق أهدافه، فاستحوذ هؤلاء المستعمرون علي الجانب الأكبر من موارد دول المنطقة، ما أدي – بالإضافة إلي عوامل أخري – إلي تردي كافة الخدمات الحكومية، وتفاقم مشكلات انعدام الاستقرار والأمن، فازداد ضغط الجماهير علي الحكام والنخب، فزعمت القوي الاستعمارية بزعامة فرنسا والولايات المتحدة، قدرتها علي التخلص من هذه المشكلات، أو علي الأقل السيطرة عليها والحد منها، عبر وجودها العسكري في دول المنطقة، وخلال أكثر من عقد من الزمان أخفقت هذه القوي – عمدا – في تحقيق ما وعدت به، وتفاقمت المشكلات التي أتت من أجلها، وازدادت الأوضاع الداخلية تعقيداً وتدهوراً، فازداد الطلب في هذه الدول علي خدمات الأمن وغيرها من الخدمات، نتيجة لتلك الفجوات التي أحدثها ذلك المخطط الغربي.([4])

وفي ظل هذه الطروف القاسية مهد عاملان رئيسيان – ضمن عوامل أخرى – الطريق نحو استبدال النفوذ الشرقي بالنفوذ الغربي: العامل الأول هو ظهور أجيال جديدة، من النخب المجتمعية والسياسية والعسكرية الأفريقية، تحمل أفكاراً جديدة مختلفة تمام الاختلاف عن أفكار النخب التقليدية، لدرجة أن النخب الجديدة التي تقود حركة المجتمعات الأفريقية حاليا، باتت على قناعة تامة، بأن المستعمر الغربي لا يقدم خدمات مجانية، وبأنه  لا هدف له سوي استنزاف موارد بلدانهم، وأن هذا الاستنزاف لن يتوقف، إلا بالتخلص تماما من الهيمنة الغربية، والعامل الثاني هو تعافي روسيا من كبوتها، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، ورغبتها العارمة مطلع الألفية الثالثة، في استعادة مكانتها ونفوذها في أفريقيا قارة المستقبل.([5])

ومن هنا ونظرا لعدم قدرة الدول الأفريقية، علي فك ارتباطها مع الغرب من دون معاونة خارجية، تهيأت كل الظروف لعودة روسية سَلِسَة إلي منطقة الساحل وغرب أفريقيا، عبر الأدوات العسكرية والخدمات الأمنية، مع عدم إهمال الجانب الاقتصادي، حيث قدمت عروضاً اقتصاديةً، أكثر سخاءً مما كانت تقدمه القوى الغربية.

وبحسب الفراغ الأمني الكبير المنتشر في جل دول الإقليم، ركزت روسيا علي الأدوات العسكرية والخدمات الأمنية، كمدخل رئيسي لاختراق النفوذ الغربي في الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما تلقفه الحكام العسكريون الجدد هذه المنطقة، وراود الحكام القدامي، إما علي سبيل المناورة أو علي سبيل تنويع الشراكات، في محاولة لتحسين أوضاع بلدانهم الداخلية، اتقاءً لمصير أقرانهم الذين سقطوا في دول الجوار.

وبعد هذا الاختراق العسكري واسع النطاق، لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا، شرعت روسيا في تعزيز تواجدها الاقتصادي في الإقليم، عبر زيادة معدلات التبادل التجاري، وضخ استثمارات هائلة وبخاصة في قطاع التعدين، فعلي سبيل المثال دخلت شركة “روسال” الروسية كمستثمر رئيسى، في تعدين البوكيست وتصنيعه في غينيا كوناكري،([6]) كما فتحت روسيا آفاقاً جديدة أمام دول الإقليم، نحو دخول مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، حيث أبرمت اتفاقية لبناء محطة نووية مع نيجيريا عام 2017، ومؤخرا وقعت اتفاقيتين مماثلين مع بوركينا فاسو ومالي عام 2023.([7])

ثانيا: روسيا توشك أن تثبت أقدامها في شرق أفريقيا

واجهت روسيا صعوبات كبيرة، أخرت استعادة نفوذها في إقليم شرق أفريقيا، ويرجع ذلك إلي الأهمية الجيوستراتيجية لهذا الإقليم، وكثرة المتنافسين واشتداد المنافسة (الصراع) على التواجد فيه، غير أنها أصرت علي اقتحامه، وساعدها في ذلك ما شهده الإقليم من تفاعلات متلاحقة، مثل الحرب الأهلية في إثيوبيا وفي السودان، فضلا عن التطلعات الاقتصادية التي تسعي دول الإقليم إلي تحقيقها، ومن هنا اعتمد الروس علي استخدام الأدوات العسكرية والاقتصادية بالتوازي وبذات الكثافة.

ففي عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، حصلت شركة التعدين الروسية “إم إنفست”، علي وصول تفضيلي إلى احتياطيات الذهب في السودان، وتم نشر أفراد من “فاجنر” في مواقع التنقيب عن الذهب، وتم توقيع عدة اتفاقيات أخري في المجال العسكري، لشراء الأسلحة الروسية، والتدريب العسكري، ودخول السفن الحربية إلى الموانئ، ثم تُوِجَت هذه المساعي الروسية بتوقيع اتفاق، يسمح للبحرية الروسية بإقامة قاعدة عسكرية، في مدينة بورتسودان الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، تحتفظ بها موسكو لمدة (25) عاما تتجدد تلقائيا لمدة (10) سنوات، ما لم يعترض أيا من الجانبين،([8]) غير أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ، لكنها لا تزال محل أخذ ورد بعد سقوط البشير، ومؤخراً وبعد فترة من الانقطاع، أعاد مجلس السيادة السوداني، التواصل مع الجانب الروسي، لتفعيل هذه الاتفاقيات.([9])

وخلال العقد الماضي بذلت روسيا جهودًا كبيرةً لتعزيز وجودها في إثيوبيا، حيث ألغت ديوناً علي إثيوبيا تقدر بملايين الدولارات، ودعمتها في اجتماعات الأمم المتحدة، في قضايا مثل سد النهضة والصراع في “تيجراي”، وفي أول فرصة لاحت نتيجة لتوتر العلاقة بين نظام “آبي أحمد” وواشنطن، أبرمت روسيا مع “آبي” عدة اتفاقات لتعزيز التعاون العسكري، تسلمت إثيوبيا علي إثرها منظومة الدفاع الصاروخي “بانتسير-إس1″، وذلك في إطار عملية شاملة تستهدف تحديث قدرة الجيش الإثيوبي، بالسلاح والمهارات والتكنولوجيا والمعارف، وعلى الصعيد الاقتصادي تم زيادة التبادل التجاري بين البلدين، ومؤخرا تم الاتفاق علي بناء محطة للطاقة النووية في إثيوبيا.([10])

كما استغلت روسيا حالة القطيعة الإريترية الغربية، ووثقت علاقاتها مع إريتريا، واستطاعت عقد اتفاق معها، للربط بين مدينة مصوع الإريترية، الواقعة علي ساحل البحر الأحمر، وبين مدينة “سيفاستوبول” الواقعة علي ساحل البحر الأسود، ضمن شبه جزيرة القرم المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا، ويسمح هذا الاتفاق للبحرية الروسية باستخدام ميناء مصوع، وفي إطار هذا الاتفاق، أجرت روسيا مناورات عسكرية مشتركة مع البحرية الإريترية، في المدة بين 28 مارس و5 أبريل 2024، شاركت فيها الفرقاطة الروسية “المارشال شابوشنيكوف”، وذلك ضمن محاولات روسيا الحثيثة، للحصول علي موطئ قدم في محيط باب المندب، علي سواحل البحر الأحمر.([11])

وفي إطار التعاون الاقتصادي الممتد عبر الإقليم، استغلت روسيا طموحات رواندا التنموية، وأبرمت معها  عدة اتفاقيات، للتنقيب عن المعادن والنفط والغاز، واتفاقاً للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، أعقبه التوقيع علي خارطة طريق، لبناء مركزاً تكنولوجيا نوويا يضم مفاعلاً للأبحاث،([12]) وهو نفس المسار الذي اتخذته روسيا مع أوغندا، وبخاصة بعد اكتشافها احتياطيات كبيرة من خام اليورانيوم، حيث وقع الجانبان اتفاقية للتعاون في مجال استخدام اليورانيوم، فى توليد الطاقة النووية، فضلا عن الاستخدامات السلمية الأخري، كما كما وقع البلدان اتفاقيتين، للتنقيب عن النفط ولبناء مصفاةً له، فضلا عن عدة اتفاقيات للتعاون في المجال العسكري؛ ذلك بأن معظم المعدات العسكرية في أوغندا روسية الصنع.([13])

وهكذا يبدو أن روسيا أوشكت علي تثبيت أقدامها، في إقليم شرق أفريقيا الاستراتيجي، وأنها تتأهب للانطلاق منه: نحو تعزيز تعزيز وجودها في إقليم وسط أفريقيا، التي تحظي فيه بعلاقات تعاونية وثيقة مع أفريقيا الوسطي، وبخاصة في مجال التعاون العسكري، كما أنها أحرزت تقدما في علاقاتها مع بوروندي، حيث وقع البلدان اتفاقية للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فيما شرعت في طرق أبواب تشاد والكونغو برازافيل، بعد زيارة وزير خارجيتها “سيرجي لافروف” الأخيرة لهما في يونيه 2024، ونحو تعزيز وجودها في إقليم الجنوب الأفريقي، والتي تحظي فيه بعلاقات تعاونية وثيقة، مع جنوب أفريقيا في كل المجالات، وبخاصة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، حيث وقع البلدان في 2014 عدة اتفاقات، أهمها اتفاقية بناء محطة للطاقة النووية تتضمن (8) مفاعلات، كما بدأت روسيا في مد جسور التعاون مع موزمبيق وأنجولا وإسواتيني.([14])

ثالثا: رد الفعل الغربي علي تنامي النفوذ الروسي في أفريقيا

مذ بدأت روسيا رحلة عودتها إلي الفضاء الأفريقي، استنفرت الولايات المتحدة الأوروبيين، لمجابهة تنامي النفوذ الروسي في القارة، وبذلوا في سبيل ذلك جهوداً حثيثة، وتمويلات طائلة، واستخدموا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وفي هذا الإطار خصصت الولايات المتحدة مبلغ (25) مليون دولار لإنشاء صندوق لمواجهة النفوذ الروسي في إفريقيا.([15])

فعلى سبيل المثال عندما استشعرت الولايات المتحدة تزايد خطر الوجود الروسي في ليبيا، وبخاصة بعد تعزيز الوجود العسكري الروسي علي مستوي العسكريين والعتاد، ومحاولة ربط هذا الوجود مع الوجود في شرق أفريقيا عبر السودان، والوجود في غرب أفريقيا عبر النيجر، دفعت بذراع مباشر لها هو شركة “أمنتوم” العسكرية إلى ليبيا، بالاتفاق مع الدبيبة لتدريب مجموعات مسلحة في طرابلس من: اللواء (444)، واللواء (111)، والكتيبة (166)، وتحاول الخارجية الأمريكية وضع هذه المجموعات العسكرية المدربة الجديدة، في إطار جيش موحد لتأمين الحدود ونزع السلاح، كخطوة أولي نحو تمكين حكومة ليبية موالية لها، توطئة لمطالبتها إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، وفي مقدمتها القوات التابعة لروسيا.([16])

أما في الساحل وغرب أفريقيا فلا تزال فرنسا تسعي نحو استعادة نفوذها المفقود هناك عبر دعم المزيد من الضغوط التي تمارسها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” علي الدول المارقة من النفوذ الفرنسي، وعبر تدبير العديد من المحاولات الانقلابية التي تستهدف التخلص من العسكريين الذين قادوا بلادهم نحو التخلص من النفوذ الفرنسي في مالي وربوركينا فاسو وانيجر.([17])

وأما في الشرق فقد أدخلت الولايات المتحدة الإقليم أجمع، في دوامة من الفوضى العارمة، وذلك بمجرد توقيع روسيا والسودان، مجموعة الاتفاقيات سالف الإشارة إليها، وبخاصة اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان، وذلك بتدبير ثورة علي نظام الإنقاذ الحاكم، بقيادة عمر البشير الذي وقع هذه الاتفاقيات مع روسيا، فقد كانت إطاحة البشير أقرب الطرق، نحو منع الوجود العسكري الروسي علي سواحل البحر الأحمر، غير أن مجلس السيادة السوداني، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ونظرا لإحجام الولايات المتحدة عن دعم الجيش السوداني، في حربه علي مليشيا الدعم السريع المتمردة، عاد ليناور بذات الورقة الروسية التي تسببت في إطاحة البشير، وفي ذات الوقت تُعِدُ روسيا خطة بديلة، عبر ميناء مصوع الإريتري، ولكن بطريقة مختلفة، تتلافي فيها ما وقع من أخطاء في خطة بورتسودان.([18])

رابعا: مستقبل النفوذ الروسي في شرق أفريقيا

من خلال التحليل السابق لخطة الانتشار الروسية في أقاليم القارة، ولمسار العودة إلي الروسية الوشيكة لإقليم شرق أفريقيا، وردود الفعل الغربية إزاء هذا التنامي المضطرد للنفوذ الروسي، يمكننا القول بأن اختراق روسيا لإقليم شرق أفريقيا، وبخاصة تواجدها العسكري شواطي البحر الأحمر، لن يمر بسهولة ودون مقاومة غربية من القوي الغربية.

وفي هذا الإطار يترجح أن تعيد الولايات المتحدة إحباط صفقة بورتسودان، إما بالاستجابة لمناورة “البرهان” ودعم الجيش السوداني، شريطة التراجع عن الاتفاق مع الروس، أو بالضغط علي البرهان عبر السماح لذراعها الخليجي، بتكثيف دعمه لقوات الدعم السريع، لإجبار البرهان على التراجع عن الاتفاق مع الروس، أو بإجبار طرفي القتال علي القبول بتسوية سياسية، تأتي بحكومة توافقية، بشرط تراجع هذه الحكومة عن الاتفاق مع الروس، وفي كل الأحوال نرجح أن ينجح أيا من هذه الخيارات، في إثناء السودان عن المضي قدما في صفقة بورتسودان.

أما بالنسبة للموقع البديل في مصوع الإريترية، فيبدو أن الخطة تمضي بنوع من التحوط؛ حيث لم يتم الإعلان عنها من الجانبين، وبخاصة وأن الأمر لم يتعدي حتي الآن كونه مناورات بحرية مشتركة، وهو ما لن يمنع الولايات المتحدة من التدخل لمنع الخطة، سواء عن طريق إطاحة الرئيس “أسياس أفورقي” علي غرار البشير، أو اختلاق مناوشات أثيوبية مع النظام الإيريتري، أو محاولة استقطاب “أفورق” تحت حزمة من الضغوط.

خاتمة

يمكننا القول بأن روسيا لن تتوقف عن المضي قدما، في خطة انتشارها في أقاليم القارة الخمس، وفي المقابل لن تتوقف المحاولات الغربية بقيادة الولايات المتحدة للحيلولة دون ذلك؛ وبخاصة التواجد العسكري علي سواحل شرق أفريقيا، في محيط باب المندب، نظرا للأهميته الجيوستراتيجية القصوي، والذي يمكن من خلاله التحكم في أهم ممر للنقل البحري العالمي، ومن هذا المنطلق يصعب استشراف مآلات حرب النفوذ الدائرة حاليا، بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي في الفضاء الأفريقي.

ـــــــــــــــــــ

([1]) موقع صحيفة الشرق الأوسط، “مصر وروسيا توقعان اتفاقية شراكة شاملة”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:00 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/3m2cyw57

– موقع الطاقة، “تفاصيل دعم روسيا برنامج الطاقة النووية في الجزائر”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:05 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/yf4mxyz7

– موقع الطاقة، “التعاون النووي بين المغرب وروسيا ضروري لثلاثية الغذاء والماء والطاقة”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:10 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/mujm5upp

([2]) يوسف لطفي، “الدور الروسي في ليبيا: التاريخ والمقاربة والسلوك” (اسطنبول: منتدي العاصمة للدراسات السياسية والمجتماعية، دراسة منشورة، 4 مايو 2021) ص ص 13-15، 23.

([3]) موقع ميدل إيست أونلاين، “مالي تتهم فرنسا بدعم وتسليح جماعات إرهابية في الساحل الأربعاء”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:15 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/4hjehxr6

([4]) موقع ذات مصر، “حرب فرنسا على الإرهاب في الساحل والصحراء.. ذراع طولى لا تقطف ثمارًا”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:20 م، على الرابط:

https://www.zatmisr.com/1242

([5]) د. سعيد ندا، “تتابع سردية الانقلابات العسكرية في الغرب الأفريقي: الأسباب والمآلات” (أنقرة: مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، تقرير تحليلي، سبتمبر 2023)ص ص 15-16.

([6]) Beethika Biswas, “Russia concentrates on Guinea bauxite sector to rekindle its economic and diplomatic ties with the country”, Al Circle Website, Last Visit at 1:25 pm, 22 June 2024, at Link:

https://tinyurl.com/bdnddkkp

([7]) موقع أفرو أنليسز، “مالي وبوركينا فاسو تنضمان لنادي المحطات النووية الروسية”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:30 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/vzkrshtz

([8]) عبد القادر محمد علي، “القاعدة الروسية في السودان . . صراع القوى الكبرى وديناميات السياسة المحلي(الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، ورقة تحليلية، 16 يوليو 2021) ص ص 2-7.

([9]) موقع سكاي نيوز عربية، “لماذا يتجه السودان نحو المحور الروسي الأفريقي؟”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:35 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/dnt7xuvr

([10]) محمد صالح عمر، “اتفاقية التعاون العسكري الروسي الإثيوبي . . ما المصالح التي تحققها لكلا الطرفين؟”، تقدير موقف، علي موقع شبكة الجزيرة الاعلامية، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:40 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/mwzyne6f

– موقع العين الإخبارية، “برلمان إثيوبيا يصادق على اتفاق “الطاقة النووية” مع روسيا”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:45 م، على الرابط:

https://al-ain.com/article/ethiopia-russia255

([11]) أحمد عسكر، “دوافع ومكاسب الحضور الروسي في إريتريا”، علي موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:50 م، على الرابط:

https://acpss.ahram.org.eg/News/17745.aspx

– عبد القادر محمد علي، “هل تظفر روسيا أخيرا بقاعدة على البحر الأحمر؟”، علي موقع الجزيرة، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 1:55 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/uv62uanx

([12]) Republic of Rwanda, Ministry of infrastructure, “Russia and Rwanda signed the roadmap for the establishment of the Nuclear Science and Technology in Rwanda”, Ministry of infrastructure Website, Last Visit at 2:00 pm, 22 June 2024, at Link:

https://tinyurl.com/yhyamhrv

([13]) موقع روسيا توداى، “أوغندا: نواصل تعاوننا العسكري مع روسيا إنها “مسألة “حياة أو موت”!”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:05 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/3c9uaddt

–  موقع اليوم السابع،  “أوغندا وروسيا توقعان اتفاق توليد الطاقة النووية لأغراض سلمية”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:10 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/yscncyu5

([14]) د. محمود زكريا، دبلوماسية “لافروف”: ما الذي انتهت إليه جولة وزير الخارجية الروسي في أفريقيا؟”، علي موقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:15 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/bddntja3

–  موقع صحيفة الشرق الأوسط، “روسيا تزود جنوب أفريقيا بـ8 مفاعلات نووية”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:20 م، على الرابط:

https://aawsat.com/home/article/186731

([15]) موقع روسيا توداى، “الولايات المتحدة تعتزم تخصيص 25 مليون دولار عام 2025 لمواجهة روسيا في إفريقيا”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:25 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/yc8ckdds

([16]) موقع الميادين، “ليبيا: مقاولون عسكريون أميركيون لتدريب ميليشيات في طرابلس بموجب اتفاق مع الدبيبة”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:30 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/bdzn2sh6

([17]) موقع ميدل إيست أونلاين، “مالي تتهم فرنسا . . .، مرجع إلكتروني سبق ذكره.

([18]) النور أحمد النور، “هل يعني اقتراب السودان من روسيا إدارة ظهره للغرب؟”، علي موقع الجزيرة، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:35 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/mr24uk5x

–  عبد القادر محمد علي، “مناورات بحرية روسية إريترية . . رسائل في بريد واشنطن وأديس أبابا”، علي موقع الجزيرة، تحققت آخر زيارة بتاريخ 22 يونيه 2024 الساعة 2:40 م، على الرابط:

https://tinyurl.com/2nfzh2rn

- حاصل على دكتوراه العلوم السياسية - جامعة القاهرة؛
- متخصص فى الشئون الأفريقية؛
- ومهتم بقضايا تحليل وتسوية الصراعات والنظم السياسية وتحولاتها.

النفوذ الروسي في إفريقياروسياشرق أفريقياشمال افريقيا
Comments (0)
Add Comment