“تجارة الرقيق” : كذبة أخرى لإمبريالية كبرى

لعلَّنا جميعا متَّفقون على ضرورة إعادة كتابة التَّاريخ الإفريقي.

بهذا الصَّدد، نرى أنَّ ثمة خطوة ضروريَّة لا بدَّ منها: إنَّنا نستهلك مصطلحات كثيرة مألوفة في هذا التَّاريخ، وهي فاسدةٌ مُضرَّة بجهاز هضمنا العقلي والفكري.. وإذا شبَّهنا التَّاريخ الإفريقيَّ ببناء، فإنَّ القاعدة الخرسانيَّة التي ينبغي أن يقوم عليها هذا البناء هي المصطلحات.

من أهمِّ تلك المصطلحات ما يقال له “تجارة الرَّقيق”. تُرى.. هل ما حصل في إفريقيا يسمَّى “تجارة”؟

وبسرعة نقول: لا! لأنَّ المحدِّدات المعنويَّة لكلمة “تجارة” لا تنطبق على الإطلاق على ما وقع بإفريقيا.. فنحن لم نقرأ أبدًا في أيِّ معجمٍ لغويٍّ أو أيَّة موسوعة تجاريَّة بأنَّ التِّجارة تتمُّ بالبنادق والبارود وبالرِّجال القنَّاصة الذين يقال لهم “لانْسادو” بالبرتغالية (Lancados).

ومن المفكِّرين الأفارقة الذين يعارضون مصطلح “تجارة الرَّقيق” بشدَّة البروفيسور (Bwemba Bong), حيث
يستخدم هو وأمثالُه مصطلح “رازِيا” (Razzia) وهي كلمة مقترضة من العربيَّة أي: غزْو، غارة.

ولا شكَّ أنَّ مصطلح “تجارة الرَّقيق” وأمثاله يدسُّ في أيدينا بورقة نقديَّة مزيَّفة، و”يُفَرْمِتُ” أدمغتنا لقبول متواليةٍ من الدَّعاوى الباطلة في قضيَّة الغارة الإمبرياليَّة الأطلسيَّة على إفريقيا، من تلك الدَّعاوى:

أ- أن العمليَّة مجرَّد بيع وشراء، والمشاركين فيها “تُجار. لا غير.

ب- أو أنَّ الأفارقة قد شاركوا في بيع إخوانهم (لا بدَّ من طرفَين في كلَّ تجارة).

ج_ أنَّ إفريقيا قد استفادت اقتصاديًّا من هذا النَّشاط.

والحقيقة، أنَّ العملية إجرامٌ ثلاثيُّ الأبعاد، والمشاركون فيها مجرمون ولو في محكمة إبليس!
هذا، ولا حاجة للتَّذكير بأنَّنا نحن، وليس غيرنا، نعم.. نحن فقط أحقُّ بالحديث عن أنفسنا، وعن معاناتنا وآلامنا وآمالنا.. بلُغتنا وبلساننا.. لا بلغة غيرنا ولا حتى بإشارته! لكنَّ العجب أن تُعطى حريَّة الكلام للجاني المجرم؛ لوصف الجريمة، بينما الضَّحيَّة المجني عليه حيُّ يُرزَق، حاضر!!

عليه، لا بدَّ من البدء بمقاطعةٍ حقيقيَّة لهذه البضاعة الإمبرياليَّة المزيَّفة؛ فنُنقِّح دراساتنا العلميَّة منها، وكتُبنا المدرسيَّة، وحتى كتُبنا الفقهيَّة التي يكثُر فيها نحو قولنا: ومن اشترى عبدًا.. ومن باع عبدًا… وكأنَّ الإنسان بضاعة بكلِّ بساطة! أليس الذي يشتري بضاعةً من سارق هو سارق مثله في جميع القوانين السَّماويَّة، وحتى الأرضيَّة.

- أكاديمي وباحث من ساحل العاج, مهتم بشؤون إفريقيا الأدبية والثقافية والاجتماعية.
- حاصل على دكتوراه في الدراسات الأدبية، الجامعة الإسلاميَّة العالمية بماليزيا.