القابلات التقليديّات (المولِّدات).. قيمة مُتجَذِّرة داخل المجتمع النيجيري

مع تنامي أعداد القابلات النيجيريات والاعتماد المحوري على جهودهن في إتمام ولادات النساء، باتت تدعو منظمة الصحة العالمية وآخرون من شركاء التنمية إلى تقديم أفضل البرامج التدريبية لهن في جميع أنحاء نيجيريا بغية تعزيز الجهود الرامية إلى الحدّ من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، طالما لا يمكن الاستغناء عن وجودهن في المجتمع.

تحظى المولِّدات (القابلات التقليديّات) داخل المجتمع النيجيري بمكانة لافتة اجتماعيًا وإنسانيًا، وليس بمُستغرب أن يمتلكن هذا الدور بالبلد الأفريقي الواقع غرب القارة، خاصة أن نيجيريا تعدّ واحدة من البلدان التي تمتلك أدنى معدلات عالمية في نسب الأطباء بالنسبة لكل مريض، كما أن لديها أعلى معدلات للوفيات المرتبطة بالولادة ووفيات الأطفال حول العالم، وهو ما يمكن توقعه بالنظر إلى أن أكثر من 60% من الولادات في البلاد تتم خارج المراكز الطبية المتخصصة أو المستشفيات، وذلك بمساعدة القابلات اللواتي تتصاعد الحاجة إليهن لاسيما مع تردي الظروف الاقتصادية التي تصعب من الذهاب إلى المستشفيات والمراكز الطبية، ناهيك عن المقاطعات والمناطق النائية التي لا تتوافر بها هذه المنشآت الطبية، أضف لذلك المخيمات التي يلجأ لها النازحين والنازحات الفارين من بطش النزاعات وويلات الحرب.

في الوقت الذي تتجنب فيه النساء زيارة ممارسي الطب الحديث، يذهبن في المقابل للقابلات للفحص وإتمام عمليات الولادة، وغالبًا ما يكون لدى هؤلاء النسوة ثقة أكبر في القابلات التقليديات، خاصة أنهن يعتمدن على الثقافة التقليدية لشعب اليوروبا، ويستخدمن الأعشاب والنباتات والبذور وأصداف الحلزون أو أجزاء الحيوانات المجففة لعلاج المرضى، وهي الممارسات الأقرب لقلوب النيجيريات عن الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي الحديث بشكل عام. إضافة إلى ذلك يرتاد العديد من المرضى “الكنائس”، حيث يلعب الدين وكذلك السحر وغيرها من الأمور المرتبطة بالثقافة والأديان التقليدية الأفريقية دورًا مهمًا بين قطاعات واسعة من أفراد المجتمع النيجيري، بل وأجزاء كبيرة من القارة الأفريقية عمومًا.

القابلات داخل المخيمات

مع الوضع في الاعتبار ما سبق طرحه، تتصاعد الحاجة إلى القابلات داخل المخيمات بنيجيريا خاصة مع احتلال الأخيرة المرتبة الثالثة أفريقيًّا من حيث ما تمتلكه من أعداد للنازحين في القارة منذ نهاية عام 2022، فوفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) تُظهِر بياناته أن 4.5 مليون نيجيري تم تصنيفهم على أنهم “نازحون بالداخل”، نتيجة للنزاعات والكوارث الطبيعية على حد سواء، حيث تجاوزت الفيضانات العنف الذي طال أمده كمصدر رئيس للنزوح.

في ظل هذه الأجواء وخاصة مع ارتفاع أعداد النساء النازحات المتواجدات بالمخيمات، وفقًا لتقرير صدر عام 2023 عن قطاع تنسيق وإدارة المخيمات (CCCM) أشار إلى أن هناك 1,575,741 امرأة وطفلًا في ولايات “بورنو” و”أداماوا” و”يوبي” النيجيرية وحدها، يُشَكِّلون 74٪ من 2,124,053 نازحًا داخليًا في تلك الولايات، ما يؤدي بالطبع إلى تصاعد الحاجة لوجود القابلات، إلا أن هذه الأوضاع ككل بات تُشَكِّل مصدرًا كبيرًا للقلق، خاصة مع الافتقار للإمكانات الصحية اللازمة.

المؤتمنات على الأسرار

تؤدي المولِّدة –إلى جانب مساعدة النساء على الوضع– دور المؤتمنة على أسرارهن، إذ تودعهن النساء كامل ثقتهنّ ويفضين إليهن بالأمور المتعلقة بالمشاكل الأسرية والعنف الأُسري وغيرها من أمور عائلية. على سبيل المثال تقول “فاطمة مصطفى” التي قررت أن تصبح مولّدة في نيجيريا منذ أكثر من عشر سنوات: “أريد مساعدة بنات جنسي”. كما أنها تقول إنها تُقدِّم كذلك المشورة للأزواج الذين يمرون بأوقات عصيبة. تتذكر «فاطمة» كيف نجحت في الإصلاح بين امرأة وزوجها بعد خمس جلسات في منزلها، وتقول “هذه ليست مهنة نتربح منها، إنما غايتها تقديم المساعدة”، وتستكمل: “إنها كأمها لا تتقاضى أموالًا نظير تلك الخدمات التي تصفها بالإنسانية القيّمة.”

تعزيزات.. لكنها غير كافية

مع تنامي أعداد القابلات النيجيريات والاعتماد المحوري على جهودهن في إتمام ولادات النساء، باتت تدعو منظمة الصحة العالمية وآخرون من شركاء التنمية إلى تقديم أفضل البرامج التدريبية لهن في جميع أنحاء نيجيريا بغية تعزيز الجهود الرامية إلى الحدّ من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، طالما لا يمكن الاستغناء عن وجودهن في المجتمع. وتعمل منظمة الصحة العالمية حاليًا على تدريب وتوظيف القابلات الأكثر كفاءة، وهو ما يمكن أن نشير إليه بالفعل من خلال مشروع “تعزيز قدرة العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية لتحسين الصحة في نيجيريا”، الذي استمر (2014-2019) وتم تنفيذه في ولايتين (باوتشي وكروس ريفر) بتمويل كندي.

لكن بالرغم من هذه الجهود ففي نيجيريا بالكاد تُسمع أصوات ومطالب القابلات، فهناك القليل من الاستثمار في تعليم القابلات والممرضات أيضًا. فلا يُسمَح لهن في الكثير من الأحيان بممارسة بعض مهام المهنة وهي أمور هام لمساعدة النساء، فإذا كانت هناك قابلة في مركز للرعاية الصحية الأولية، فلن تضطر المرأة إلى قطع مسافة طويلة للحصول على معظم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. ما نعنيه أن الاستثمار في القابلات أمر هام لمساعدة النساء في تقديم الخدمات الطبية لهن، بما في ذلك ضمان الحد من الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال.

حان الوقت لتحسين وضع القابلات..

في سبيل محاولة الاستغلال الأمثل لجهود القابلات، يمكن الإشارة إلى المُقترحات التالية:

أولاً، لابد من الاستثمار في تعليم القبالة (مهنة القابلات)، فلا ينبغي أن يقتصر تعليم القبالة على مدارس القبالة فحسب، بل ينبغي أيضًا تعزيز التعليم العالي وبناء قدرات القابلات؛ فالقابلات الحاصلات على تعليم جيد أكثر ثقة وقدرة على تقديم رعاية جيدة، مما يعني أن النساء والأطفال سيحصلون على أفضل رعاية جيدة أثناء الحمل والولادة.

ثانيا، تحسين ظروف العمل لهن؛ إن توفير مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية وغيرها من المعدات اللازمة لهن من شأنه أن يؤدي إلى رعاية جيدة للنساء والأطفال. كما تعتبر الرواتب الجيدة والبدلات الأخرى مهمة أيضًا لتشجيع القابلات وزيادة الاحتفاظ بهن، خاصة أن القابلات النيجيريات يتركن البلاد بشكل متزايد إلى بلدان أخرى تتمتع بظروف عمل ورواتب أفضل، لذا نقول إنه قد حان الوقت لنيجيريا للاستثمار في تحسين ظروف العمل وتحقيق الرضا الوظيفي والرواتب لزيادة معدل الاحتفاظ بوظائف القابلات وتقليل النقص في أعدادهن.

ثالثًا، ندعو إلى مزيد من اللامركزية ومشاركة القابلات في سياسات صنع القرار الخاصة بصحة النساء والأطفال في البلاد، وهو الأمر المرتبط بصميم عملهن. حيث تبقى القابلات لفترة أطول مع المرضى، ما يعني بالتبعية أنهن يفهمن أكثر القضايا التي تؤثر على النساء والأطفال. لذا فمن الهام عدم استبعادهن من تصميم البرامج وتنفيذها وقرارات السياسة التي تؤثر على رعاية النساء والأطفال في نيجيريا.

رابعًا، تشتد الحاجة لمنع العنف الذي تتعرض له القابلات في بيئة عملهن، لذا يستلزم الأمر توفير متطلبات حمايتهن في كافة الأوضاع الإنسانية. حيث تواجه القابلات بشكل متزايد العنف في مكان العمل، مثل حوادث لقتل بعضهن خلال عمليات قام بها تنظيم الدولة في غرب أفريقيا (ISWAP)، لذا من الهام خلق بيئة آمنة لعمل القابلات في شتى الظروف خاصة أنهن يمثلن الخطوط الأمامية للرعاية في الأوضاع الإنسانية الحرجة، ومن ثمّ يجب حمايتهن بشتى السُبُل الممكنة.

أخيرًا؛ مثلما يركز مجتمع الصحة العالمي اهتمامه على الممرضات والقابلات، فقد حان الوقت لنيجيريا أن تفعل الشيء ذاته من خلال زيادة الاستثمار في القابلات، حتى يتسنى لهن بدورهن إنقاذ أمهاتنا وأطفالنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

زهرة بوعزة (2020) “القابلات التقليديات في شمال شرقي نيجيريا: “من دونهنّ تكون الخسارة فادحة!””، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الرابط: https://rb.gy/qzdy02

نِهاد محمود (2020) “حول تجارب معاناة المرأة الأفريقية في كل من نيجيريا وكينيا”، مركز إيجيبشن إنتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية، على الرابط: https://rb.gy/vrzx90

WHO (2017). “Nigeria To Reinforce Global Best Practices in Midwifery to Curb Maternal and Newborn Mortality.” Retrieved from https://rb.gy/mteot1

The Guardian (2024). “Rat soup, snails and oracles: why Nigeria’s traditional midwives still have a vital role to play.” Retrieved from https://rb.gy/tjp0gs

The Nigeria Health Watch (2000). “Midwives are a lifeline for better maternal health, Nigeria must invest in them: OpEd.” Retrieved from https://rb.gy/374h4z

باحثة مصريّة مُهتمة بالشؤون الأفريقية (السياسيّة والاجتماعيّة)؛
وباحثة دكتوراه بكلية الدراسات الأفريقيّة العُليا، جامعة القاهرة.