“تحالف دول الساحل” : تهديد لنفوذ إيكواس؟

يمكن اعتبار هذا التحالف الدفاعي درسا أو إنذار لإيكواس من حيث إيلاء أهمية قصوى للتنمية والحكم الرشيد مع ضرورة بحث آليات الحد من الانقلابات بجميع أشكالها – بما في ذلك معاقبة الرؤساء الذين يغيّرون دساتير بلادهم للبقاء على الحكم مدى الحياة أو الزعماء الذين يتلاعبون بالعمليات الانتخابية وأصوات مواطنيهم كي تصب نتائجها لصالحهم أو صالح مرشحيهم المفضلين.

في منصف سبتمبر الماضي وقّعت ثلاث دول في الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) اتفاقية دفاع مشترك باسم “تحالف دول الساحل”, وذلك للتعاون بينها لمكافحة الأزمات الأمنية ومساعدة بعضهم البعض في حالة وقوع هجوم على أي منها([1]). وهذا التحالف الدفاعي الجديد مختلف عن “تحالف الساحل” الذي أنشأته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في يوليو 2017 للتدخل العسكري وتمويل مشاريع التنمية في منطقة الساحل.

فما الاعتبارات السياسية والأمنية التي أدت إلى ظهور تحالف دول الساحل؟ وهل يشكّل تهديدا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)؟ وما احتمالية نجاح التحالف وفشله؟

اعتبارات سياسية وأمنية

سعت المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى التحالف بينها بعد انقلاب 26 يوليو 2023 الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني وأطاح بـ “محمد بازوم” الرئيس النيجري الموالي للغرب, حيث تصاعدت المخاوف لدى المجلس العسكري في النيجر من إمكانية التدخل العسكري بعد التهديد من إيكواس لإعادة النظام الدستوري في البلاد. وقد تراجعت حدة هذا التهديد من إيكواس في الأسابيع الأخيرة حيث دولة مثل نيجيريا التي يرأس رئيسها “بولا أحمد تينوبو – هيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للإيكواس – لم تُبْدِ أي إرادة حقيقية للتدخل العسكري في جارتها, وخاصة أن نيجيريا نفسها تعاني أزمات بوكو حرام وانفصاليين في أجزاء كثيرة من البلاد.

ويرتبط إنشاء التحالف الجديد بحقيقة أن موجة الانقلابات التي بدأت في عام 2020 أثّرت سلبا في علاقات فرنسا مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر, حيث الشعور العام بين شعوب تلك الدول أن هذا المستعمر السابق – فرنسا – على أراضيها لم يكن لمساعدتها على حل أزماتها الأزمنية[2], ولكن للهيمنة على ثروات هذه الدول ومواردها الطبيعية وبذل جهودها لإبقاء حلفائها على سدّة الحكم رغم أنف الانتقاد والمعارضة والرفض من قبل المواطنين. وساهم في توتر علاقات فرنسا مع هذه الدول حقيقة أن فرنسا رفضت الاعتراف بالمجالس العسكرية التي لم يكن يسيطر عليها حلفاؤها.

وعلى سبيل المثال: تدهورت علاقات مالي مع باريس بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة في انقلاب أغسطس 2020، وهو تطور أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية وطلب السلطات العسكرية بمالي أيضا من القوات الأوروبية وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) مغادرة البلاد. وفي حالة بوركينا فاسو التي شهدت في سبتمبر 2022 انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس المؤقت “بول هنري سانداوغو داميبا” (قائد انقلاب يناير 2022 الذي أطاح بالرئيس روك مارك كريستيان كابوري), فقد طالب المجلس العسكري بقيادة “إبراهيم تراوري” من فرنسا سحب قواتها.

وفي النيجر, أدى رفض باريس الاعتراف بالسلطة العسكرية الجديدة ومخاوف من استخدام قواتها للإطاحة بالمجلس العسكري, إضافة إلى تصرحات دبلوماسييها المنتقدة للانقلابيين؛ كلها أدت إلى طلب المجلس العسكري النيجري من القوات الفرنسية ودبلوماسييها ترك أراضيها. ورغم رفض باريس هذا الطلب في البداية بدعوى عدم شرعية سلطة الحكومة العسكرية([3]), إلا أن باريس أذعنت في النهاية لضط النيجر ونقلت قواتها إلى تشاد المجاورة.

وفي ظل تراجع النفوذ الفرنسي؛ تواصل روسيا تعزيز وجودها وتتعاون مع المجلس العسكري في كل من مالي وبوركينا فاسو, بينما في حالة انقلاب النيجر لا توجد أدلة واضحة حتى الآن عن دور روسيا فيه حيث أن الدافع الأساسي لحدوثه قد يكون طموحات شخصية للجنرالات العسكرية([4]). وتؤكد على هذا حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية التي يتمركز نحو 1000 من جنودها في النيجر تبنّت موقفا تصالحيا مع المجلس العسكري, وأنها لم تصف ما حدث بانقلاب إلا بعد مرور شهرين حيث أعلنت واشنطن عن ضرورة الحفاظ على تواصلها مع قادة الانقلاب وعدم مغادرة الجيش الأمريكي لأنه لا يصب في “مصلحة” الدولتين (النيجر) أو الدول الأخرى في المنطقة مثل غانا وتوغو وبنين. وهذا يعني أن واشنطن فضّلت البقاء في النيجر تحت حكومة عسكرية بهدف إبطاء انتشار نفوذ روسيا في الساحل ومراقبة التعاملات المحتملة للنيجر مع فاغنر وإيران وغيرها من منافسي الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الناحية الأمنية؛ تعاني هذه الدول الثلاث المتحالفة تحدّيا أمنيا أجبر هذه الدول على استضافة مهمات عسكرية من فرنسا التي قادت مع جهات محلية ودولية لأكثر من عقد عمليات متعددة مثل برخان (التي انتهت في عام 2022) وسَبْري (Sabre, التي انتهت في عام 2023). وتعدّ ليبتاكو-غورما – التي يحمل ميثاق التحالف اسمها – منطقة شاسعة تلتقي فيها حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتبلغ مساحتها 370 ألف كيلومتر مربع ويسكنها 45 في المئة من إجمالي سكان الدول الثلاث. وتعاني المنطقة أيضا تمرداً مسلحاً بدأ في شمال مالي عام 2012 وامتدّ إلى النيجر وبوركينا فاسو في عام 2015.

على أن المهام العسكرية الفرنسية اكتسبت في السنوات الأخيرة تصورا سلبيا نتيجة تفاقم الأوضاع الأمنية ومزاعم تعاون باريس مع بعض المسلحين. إضافة إلى أن القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخمس (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) لم تكن مؤثرة بسبب افتقارها للموارد واعتمادها على التمويل الأجنبي.

ومما يؤكد الاعتبارات الأمنية لتشكيل هذا التحالف الدفاعي الجديد ما أشار إليه القائد العسكري المالي “آسمي غويتا” في إعلان التوقيع على ميثاق ليبتاكو-غورما الذي أنشأ التحالف, إذ قال إن “أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداءً على الأطراف الأخرى”, وأن الدول الثلاث ستعمل معا لمنع أو تسوية التمردات المسلحة.

تهديد لفوذ إيكواس وبداية انهيارها؟

يرى البعض أن ظهور التحالف الدفاعي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر يهدد إيكواس ونفوذها في غرب إفريقيا؛ إذ في حالة خروج 3 دول (من إيكواس المكونة من 15 عضوا) من أي اتفاق عسكري قائم داخل الكتلة سيحثّ دولا أخرى لفعل الشيء نفسه تضامنا مع تلك الدول الثلاث أو تمرّدا على قرار الكتلة التي لا يصب في مصلحتها, وخاصة أن التحالف الجديد أشار إلى أن أبوابه مفتوحة لانضمام أي دولة تتفق وجهات نظرها معها.

ومما يعضد الموقف السابق أن معظم شعوب غرب إفريقيا عارضوا العقوبات التي فرضتها إيكواس على النيجر في أعقاب انقلاب يوليو الماضي والتي شملت إغلاق الحدود وقطع الكهرباء والتهديد بالتدخل العسكري الذي أجبر الانقلابيين في جيران النيجر (بوركينا فاسو ومالي) إلى إيجاد ترتيب مناسب للتغلب على مخاوفهم من عدم اليقين والتوتر المتصاعد مع فرنسا. بل استغلّ الانقلابيون هذه العقوباب والتهديد من إيكواس والشعور المعادي لفرنسا للترويج لفكرة أن زعماء إيكواس – بغض النظر عن انتخابهم ديمقراطياً – كانوا أداة لفرنسا, رغم أن لمعظم هؤلاء الانقلابيين أنفسهم روابط وتعاونات مهنية وعسكرية سابقة مع فرنسا أو حلفائها.

ويضاف إلى ما سبق أن هناك جهودا أمنية أخرى في المنطقة سبقت هذا التحالف الجديد, وهي “مبادرة أكرا” التي أُنشِئت في عام 2017 وتضم كأعضاء بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وتوغو, وذلك لمواجهة التهديدات الإرهابية في الساحل المتجهة جنوبًا. وتحظى المبادرة منذ إنشائها بدعم إقليمي ودولي([5]). ويعني ظهور تحالف جديد أن المنطقة أمام مبادرتين أمنيتين قادرتين على تقسيم المنطقة دون الإقليمية – إحداها تقف إلى جانب إيكواس والأخرى إلى جانب المجالس العسكرية-, الأمر الذي سيشتّت الانتباه الإقليمي ويقلل من التعاون وتوحيد الجهود بغرب إفريقيا والساحل فيما يتعلق بالاضطرابات التي تهدد السلام.

احتمال النجاح والفشل

تواجه مالي وبوركينا فاسو والنيجر ضعفا في القدرات الفنية واللوجستية العسكرية اللازمة لمحاربة تهديدات الإرهاب والتمرّد المسلح, كما أن قدراتها الاقتصادية محدودة لتمويل تحالفها الدفاعي كي يكون فعالا على المستوى دون الإقليمي. وقد يعني تركيزها على الجهود العسكرية فقط تجاهلا للأسباب الجذرية لظهور معظم هذه التمردات, مثل تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمظالم الإدارية في المناطق النائية والتي تدفع بالشباب إلى الانضمام إلى الإرهابيين والمسلحين. وقد كشفت جهود مكافحة الإرهاب في دول إفريقية مخلتفة أن تبنّي العمليات العسكرية وحدها – دون معالجة تحديات الحكم الرشيد – غالبا ما يعزّز التصعيد والعنف ضد المدنيين ويطيل أمد انعدام الأمن([6]).

وفي حين أن روسيا هي المستفيد الأكبر من تراجع النفوذ الفرنسي في الساحل, إلا أن جميع المؤشرات تؤكد أن لجوء هذه الدول إلى روسيا قد لا يلبي جميع متطلباتها الأمنية الراهنة. وقد يستغل التحالف اعتراف واشنطن بالحكومة العسكرية في النيجر لصالحه, أو تبحث مع أطراف دولية أخرى مثل تركيا والصين. وهناك إيران التي تسعى نحو تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية للتخفيف عن عزلتها ومواجهة آثار العقوبات الصارمة المفروضة عليها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه دوليا في عام 2018, وخاصة أن الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” أكد عن استعداد طهران للتعاون الاقتصادي مع النظام العسكري بالنيجر الغنية باليورانيوم خلال اجتماعٍ مع وزير الخارجية النيجري “بكاري ياو سانغاري”([7]).

وأخيرا, يمكن اعتبار هذا التحالف الدفاعي درسا أو إنذار لإيكواس من حيث إيلاء أهمية قصوى للتنمية والحكم الرشيد مع ضرورة بحث آليات الحد من الانقلابات بجميع أشكالها – بما في ذلك معاقبة الرؤساء الذين يغيّرون دساتير بلادهم للبقاء على الحكم مدى الحياة أو الزعماء الذين يتلاعبون بالعمليات الانتخابية وأصوات مواطنيهم كي تصب نتائجها لصالحهم أو صالح مرشحيهم المفضلين.

وفيما يتعلق بالتحالف الدفاعي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر(تحالف دول الساحل)؛ فإن الحكومات العسكرية في تلك الدول االثلاث قد تواجه في السنوات القليلة المقبلة انتقادات شعبية أو معارضة داخلية أو احتجاجات ضدها من قبل المواطنين الذين لم يروا حدوث أي تغيير منذ توليها للسلطة. وقد يكون التحالف فعالاً أيضا كمنصة للانقلابيين الجدد والمجالس العسكرية في تأمين ظهر بعضهم البعض ضد أي قوة إقليمية أو معارضة قارية ودولية.

ـــــــــــــــــ

[1] – Moda Dieng & Philippe M. Frowd (2023). “Burkina Faso, Mali and Niger have a new defence alliance: an expert view of its chances of success”. The Conversation, retrieved from https://shorturl.at/bwQV2 (visited on November 11, 2023).

[2] – Isabelle King (2023). “How France Failed Mali: the End of Operation Barkhane”. Harvard International Review, retrieved from https://shorturl.at/uPQTW (visited on November 11, 2023)

[3] – Leila Abboud, & Aanu Adeoye (2023). “France to withdraw troops from Niger by end of year”. Financial Times, retrieved from https://shorturl.at/rvyBF (visited on November 11, 2023)

[4] – محمد طاهر زين (2023). “انقلاب النيجر: أسبابه وأبعاده وتداعياته”. الأفارقة للدراسات والاستشارات, عبر رابط https://alafarika.org/ar/5603/ (اطلع عليه في 11 نوفمبر 2023)

[5] – Sampson Kwarkye , Jeannine Ella Abatan, & Michaël Matongbada (2019). “Can the Accra Initiative prevent terrorism in West African coastal states?”. ISS Africa, retrieved from https://shorturl.at/cwAL3 (visited on November 11, 2023)

[6] – United Nations (SC/15249/2023). “Root Causes of Conflicts in Africa Must Be Addressed beyond Traditional Response, Special Adviser Tells Security Council Debate on Silencing Guns”. Meetings Coverage and Press Releases (9299TH Meeting), retrieved from https://shorturl.at/grAWZ (visited on November 11, 2023)

[7] – “Iran ready to cooperate with Niger’s new regime.” TRT Afrika, retrieved from https://shorturl.at/cmLPQ (visited on November 11, 2023)

- المدير التنفيذي للأفارقة للدراسات والاستشارات.
- باحث نيجيري مهتم بالتحولات السياسية والقضايا الاجتماعية والتنموية والتعليمية.
- حاصل على دكتوراه في الأصول الاجتماعية والقيادة التعليمية من الجامعة الإسلامية بماليزيا.