الصومال تنضم إلى “مجموعة شرق أفريقيا”: ماذا يعني ذلك للدولة والإقليم وأفريقيا

يحمل قبول دولة جديدة – الصومال – في كتلة إقليمية – “مجموعة شرق أفريقيا” – أهميةً عميقة لأفريقيا ككل, وهو شهادة على التزام شعوب شرق إفريقيا بتعزيز الوحدة والسلام والازدهار وإيمان حكوماتهم المستمر بضرورة التعاون وتجاوز الحدود السياسية والجغرافية من أجل النمو والتكامل الإقيمي والقاري الأفريقي.

حامد ج. سليمان

باحث قانوني لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات.

ظهرت أنباء عن أن الصومال في طريقها لتصبح الدولة العضو الثامنة في “مجموعة شرق أفريقيا” (East African Community = EAC) في قمة الكتلة الاقتصادية في ديسمبر القادم. ومن المقرر أن يكون هذا التوسع الوشيك للكتلة خطوة مهمة إلى الأمام في التكامل والتعاون الإقليميين.

وتعد “مجموعة شرق أفريقيا” منظمة إقليمية حكومية دولية يقع مقرها الرئيسي في أروشا بتنزانيا, وتتكون من سبع دول هي: جمهورية بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية كينيا وجمهورية رواندا وجمهورية جنوب السودان وجمهورية أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة.

تمثّل مساعي انضمام الصومال إلى “مجموعة شرق أفريقيا” لحظة محورية في رحلة البلاد المستمرة نحو الاستقرار والنمو الاقتصادي. وبالنسبة لدولة واجهت عقودا من الصراع وعدم الاستقرار والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، فإن هذه الخطوة تحمل وعدا كبيرا وتمثّل فرصة لتعميق علاقاتها الإقليمية وتعزيز التجارة وتبني مستقبل أكثر أمنا واستقرارا.

إن قرار الصومال بالانضمام إلى “مجموعة شرق أفريقيا”يجلب معه مجموعة معقدة من التحديات، بدءاً من مساعي تعزيز التنمية الاقتصادية إلى تنسيق السياسات والقواعد التنظيمية التجارية. كما أن التحديات والفرص والآثار المترتبة على هذا القرار التاريخي متعددة الأوجه، مثل تاريخ الأمة المعقد.

ويرى “عبد السلام عمر” – وزير خارجية الصومال السابق والمبعوث الرئاسي الخاص الحالي ل”مجموعة شرق أفريقيا” – أن قرار الصومال الوشيك بالانضمام إلى “مجموعة شرق أفريقيا” هو انعكاس لرؤية البلاد الإستراتيجية لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا اقتصاديًا.

فمن ناحية, يتيح التكامل الاقتصادي داخل “مجموعة شرق أفريقيا” للصومال فرصة لتنويع اقتصادها وتحفيز النمو, إذ تدرك البلاد أن كونها جزءًا من كتلة اقتصادية إقليمية أكبر قد يفتح الأبواب أمام زيادة التجارة والاستثمار والوصول إلى أسواق جديدة. وبينما تسعى الصومال إلى إعادة بناء اقتصادها وبنيتها التحتية بعد عقود من الصراع، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها خطوة حيوية نحو جذب الاستثمار الأجنبي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.

ومن ناحية أخرى, يُعَدّ الأمن والاستقرار السياسي من العوامل الحاسمة وراء اختيار الصومال للانضمام إلى “مجموعة شرق أفريقيا”, إذ تدرك الدولة أن التعاون الإقليمي يمكن أن يعزز الجهود الأمنية ومبادرات مكافحة الإرهاب والعلاقات الدبلوماسية مع جيرانها. وبالتالي، من خلال التحالف مع الدول المجاورة في”مجموعة شرق أفريقيا” تهدف الصومال إلى تعزيز موقفها في معالجة المخاوف الأمنية المشتركة وتعزيز السلام وضمان مستقبل مستقر لمواطنيها.

ويضاف إلى ما سبق أن هناك انتقادات مثارة ضد الحكومة الصومالية وتشكيك في هذه الخطوة من قبل بعض الاقتصاديين وخبراء الأمن. ومع ذلك، هناك شعور بالحس العملي في القرار الذي اتخذته الصومال بالسعي للحصول على عضوية “مجموعة شرق أفريقيا”. وتشكل المزايا المترتبة على تنسيق السياسات والمعايير والقواعد التنظيمية التجارية مع جيرانها في شرق أفريقيا سبباً أكيداً آخر لهذه الخطوة، إذ لا يؤدي هذا إلى تبسيط التجارة عبر الحدود فحسب، بل يبسط أيضًا الإجراءات الإدارية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل الحواجز والتكاليف التجارية. ويعكس القرار الصومالي أيضا منظوراً استشرافياً يهدف إلى تسخير فوائد التعاون الإقليمي لتحقيق الصالح العام لمواطنيها ومنطقة شرق أفريقيا برمتها.

عملية الانضمام إلى “مجموعة شرق أفريقيا”

بدأت الصومال العملية بتقديم طلب للانضمام إلى “مجموعة شرق أفريقيا” في عام 2012، ولكن الكتلة الاقتصادية الإقليمية لم تبدأ على الفور مهمة التحقق لتقييم مدى استعداد الصومال للعضوية حتى 25 يناير 2023 – أي بعد 11 عامًا. وفي 6 يونيو 2023 وافق رؤساء دول الكتلة في بوجمبورا ببوروندي على استنتاجات فريق التحقق, وهو ما أتاح لمجلس الوزراء وأمانة “مجموعة شرق أفريقيا” بدء المحادثات مع مقديشو بشأن عضوية الصومال.

ومما تغطيه المحادثات جميع ركائز التكامل في إطار “مجموعة شرق أفريقيا”. كما أنه من خلال ذلك سيتم مقارنة القوانين والأنظمة المعمول بها في الصومال, الإضافة إلى تحديد موعد وضع الصومال القوانين موضع التنفيذ ومواءمتها مع قوانين الدول الأعضاء في الكتلة.

ووفقا لـ “عبد السلام عمر”، فإن “الطريق إلى الأمام بالنسبة لأفريقيا وشرق أفريقيا هو التكامل الإقليمي وفتح الأسواق، حيث سيساعد ذلك على خفض تكلفة المنتجات؛ فالتكامل هو العدو اللدود للنوع الجديد من الإرهاب، ومع التكامل والتعاون الإقليميين ستتم هزيمة الإرهاب.”

وأضاف “عبد السلام عمر” أن “هناك الكثير الذي تأمل الصومال كسبه, وللإقليم أيضًا الكثير لتكسبه من الصومال بسبب ارتباطها بالشرق الأوسط وبالشتات في أوروبا وأمريكا وفي كل مكان.”

وتجدر بالذكر أن جميع الدول الأعضاء تحترم المبادئ والمثل العليا الواردة في معاهدة إنشاء “مجموعة شرق أفريقيا”، والتي تحدد إجراءات الانضمام أو قبول الأعضاء في الكتلة. وفي أغلب الأحيان “يقدم قادة كل دولة عضوٍ التوجيهاتِ العامة والدوافع لتطوير وتحقيق أهداف المجموعة من خلال جهاز علوي في “مجموعة شرق أفريقيا” يعرف باسم القمة”.

وتنعقد القمة، وهي تجمّع لرؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في “مجموعة شرق أفريقيا”، سنويًا للنظر في المسائل التي يعرضها عليها مجلس الوزراء ولتحديد الأولويات المهمة على أعلى مستوى سياسي في إقليم شرق إفريقيا.

وتحتوي المادة 3 من معاهدة “مجموعة شرق أفريقيا” على أحكام قبول الأعضاء في الكلتة. وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية أحدث عضو ينضم رسميًا إلى الكتلة في مارس 2022، وهو ما ساهم في توسيع المجموعة ليصل إجمالي عدد دولها إلى سبعة, وسيصل عدد الأعضاء ثمانية في حال إضفاء الطابع الرسمي على الصومال في القمة القادمة.

عضوية الصومال: آفاقها وإمكاناتها

إن الصومال، باعتبارها دولة تتمتع بسواحل طويلة على طول المحيط الهندي وموارد زراعية وصيد الأسماك ومعدنية غير مستغلة، تحمل وعداً بالنمو الاقتصادي والازدهار. تتمتع البلاد بإمكانات هائلة في موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية وسكانها الصامدين. وهذا يعني أن إضفاء الطابع الرسمي على انضمام الصومال في “مجموعة شرق أفريقيا” في قمة ديسمبر المقبلة لا يقل عن كونه تحويلياً, إذ سيمكّن حصول الصومال – على مقعد على طاولة هذه الكتلة الاقتصادية الإقليمية الديناميكية – من الوصول إلى عدد كبير من الفرص اقتصاديًا وسياسيًا.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن إمكانات الصومال داخل “مجموعة شرق أفريقيا” هائلة, حيث ستوفر لها عضوية الكتلة منصة هامة للتجارة والاستثمار. ومن الممكن أن تؤدي القدرة على التعامل مع الاقتصادات الإقليمية الراسخة إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وخلق فرص العمل والتنويع الاقتصادي. ومن الممكن أن تجد موارد الصومال غير المستغلة – مثل قطاعي الزراعة وصيد الأسماك – أسواقا وفرصا جديدة داخل “مجموعة شرق أفريقيا”، مما يعزز النمو ويحد من الفقر.

ومن الناحية السياسية، سيعزز انضمام الصومال إلى “مجموعة شرق أفريقيا” مكانتها كلاعب نشط ومحترم في شؤون شرق أفريقيا. وسيمكّن هذه الدولة أيضا من أن يكون لها صوت دبلوماسي أقوى ودور أكثر تأثيراً في معالجة التحديات الإقليمية، بما في ذلك القضايا الأمنية وحل النزاعات المحلية والوطنية والإقليمية.

ماذا يعنيه لإقليم شرق أفريقيا

لا شك أن توسّع “مجموعة شرق أفريقيا” سيواصل تعزيز الديناميكية الاقتصادية في إقليم شرق أفريقيا. ومن الممكن للصومال – بفضل إمكاناتها الزراعية الهائلة وموقعها الاستراتيجي – أن تصبح لاعباً مهماً في التجارة والاستثمار الإقليميين. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة التكامل الاقتصادي وخلق فرص العمل والرخاء المشترك، مما يعود بالنفع على الشعب الصومالي و”مجموعة شرق أفريقيا” بأكملها.

كما أن التشارك بين الدول الأعضاء في الكتلة غالبا ما يعزز أمن الإقليم واستقراره السياسي. وتوفر مشاركة الأعضاء في الكتلة فرصًا للتعاون في جهود مكافحة الإرهاب وإدارة الحدود وحل النزاعات. وهذا من شأنه أن يسهم في جعل شرق أفريقيا أكثر وحدة وأمانا واستقرارا. ومن ثم فإن صوت الصومال في الشؤون الإقليمية من الممكن أن يساعد في معالجة المخاوف الأمنية المشتركة وتعزيز الحوار الدبلوماسي.

ومما كشفته التطورات الأخيرة في الإقليم أن تعزيز التعاون الإقليمي في شرق أفريقيا بحاجة إلى دور صومال بارز. ومن خلال التزام الصومال بالتعاون والتكامل الإقليميين تستطيع “مجموعة شرق أفريقيا” أن توفر لها منصة لإعادة البناء والمشاركة بشكل بناء في الأنشطة السياسية والاقتصادية في الإقليم. بل سيكون نجاح ضم الصومال وتعزيز التكامل بمثابة شهادة على قدرة “مجموعة شرق أفريقيا” على الجمع بين الدول رغم اختلافاتها وتحقيق الأهداف المشتركة – مثل وجود عملة موحدة في الإقليم.

ماذا يعنيه للقارة الأفريقية

إن قبول دولة جديدة – الصومال – في كتلة إقليمية – “مجموعة شرق أفريقيا” – يحمل أهمية عميقة لأفريقيا ككل, وهو شهادة على التزام شعوب شرق إفريقيا بتعزيز الوحدة والسلام والازدهار وإيمان حكوماتهم المستمر بضرورة التعاون وتجاوز الحدود السياسية والجغرافية من أجل النمو والتكامل الإقيمي والقاري الأفريقي.

ويمكن لانضمام الصومال إلى “مجموعة شرق أفريقيا” أن يساهم في تأكيد قدرة القارة على حل الصراعات والتعافي في مرحلة ما بعد الصراع, حيث شهد ماضي الصومال المضطرب خروجه من سنوات من عدم الاستقرار والحرب الأهلية والصراع السياسي. وسيكون انضمامها إلى الكتلة الإقليمية رمزاً للأمل والقدرة على الصمود، إضافة إلى إظهار قدرة أفريقيا على تضميد جراح الصراع ومدّ يد الصداقة والدعم. وهو بمثابة شهادة على قوة المنظمات الإقليمية في مساعدة الدول على إعادة البناء وإعادة تأسيس نفسها على طريق التقدم والتنمية.

ومن الممكن أن يساعد التعاون الإقليمي المتزايد في معالجة التحديات الأمنية المعقدة التي لم تؤثر على الصومال فحسب، بل على الدول المجاورة أيضًا. ويسلط هذا النهج الجماعي الضوء على قدرة الدول الأفريقية عندما تستعد للعمل معًا لحماية السلام والرفاهية لشعوبها. وكل هذه الإجراءات والخطوات من الصومال والكتلة بمثابة منارة أمل ورمز للتضامن الأفريقي، وتؤكد على الرؤية الجماعية لتحقيق قارة مسالمة ومزدهرة وموحدة قادرة على فرض نفسها ونفوذها ومكانتها في الساحة العالمية.


يمكنك الاطلاع على النسخة الانجليزية من المقال هنا:

Somalia to join the EAC: What does it mean for the country, region, and Africa?


أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.