الاقتصاد النيجيري.. التنقل عبر الظروف الصعبة

إن تبني الحصافة والشمولية والقدرة على التكيف أمر بالغ الأهمية للتغلب على التحديات الاقتصادية ودفع نيجيريا إلى الساحة العالمية. كما أن زيادة الشفافية فيما يتعلق بالعملة الوطنية (نيرا) والقدرة على التنبؤ بسياسات إدارة سعر الصرف ستقلل من التشوهات في المخصصات في القطاعين الخاص والعام، وستضمن قدرة الوكلاء على الوصول إلى النقد الأجنبي في الوقت المناسب وبطريقة منظمة وبسعر متفق عليه. ومن الواضح أنه من خلال تنويع الاقتصاد والاستثمار في البنية الأساسية ورأس المال البشري وتعزيز الحكم الرشيد واحتضان التجارة الإقليمية والدولية تستطيع نيجيريا أن تطلق العنان لإمكاناتها الهائلة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وبينما تتغلب البلاد على تحدياتها، فإن قدرة المواطنين النيجيريين على التكيف في مواجهة الصعوبات المعيشية والاقتصادية واضحة، حتى وإن كان توقع آفاق اقتصادية أكثر إشراقًا ظل طمحا مشتركا للجميع كأمة.

إعداد: أويباميجي أديسوجي – باحث لدى الأفارقة للدراسات والاستشارات

نقله إلى العربية (بتصرّف): أحمد عبد الرحيم البدوي

النسخة الانجليزية من المقال متوفرة هنا

تقع نيجيريا على خليج غينيا، ويتوقع أن ينمو عدد سكانها من أكثر من 186 مليون نسمة في عام 2016 إلى 392 مليون نسمة في عام 2050، مما سيجعلها رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. وهي دولة أفريقية متنوعة من حيث إثنيات سكانها وعاداتهم وثقافاتهم, كما تتمتع بموارد طبيعية وفيرة، ولا سيما احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. والاقتصاد النيجيري اقتصاد مختلط لأنه ذو طبيعة رأسمالية بشكل أساسي وفق اللوائح الحكومية. ورغم اعتماد الاقتصاد على عائدات النفط إلا أنه يتضمن أيضا مجالات زراعية وتجارية وقطاعات أخرى, مما عززت كون نيجيريا واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا مع إمكانات هائلة للنمو والتنمية.

وفي الوقت الراهن يشكل قطاعا المعلومات والتكنولوجيا القوى الدافعة للاقتصاد النيجيري، حيث يحملان فرصاً هائلة للمستثمرين. وقد أشار الاقتصاديون إلى أن هناك العديد من الأحداث في الآونة الأخيرة التي ستفتح فرصًا لنمو الأعمال التجارية والتوسع في البلاد, وأن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية ستتيح الوصول إلى سوق كبيرة للتجارة وتنذر بفرص مربحة, مع الإشارة إلى أن قيمة “نيرا” العملة النيجيرية، انخفضت بشكل كبير مؤخرًا، بسبب سلسلة من الأحداث المؤسفة.

التطورات الأخيرة: بيانات وأرقام

بلغ معدل التضخم معدلا سنويا بلغ 29.9% في يناير/كانون الثاني، مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي أثار أزمة تكلفة المعيشة في أكبر اقتصاد في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، انخفضت عملة نيرا إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند حوالي 1600 مقابل الدولار الأمريكي في أواخر فبراير 2024.

ومع ذلك, شهد القطاع الزراعي في نيجيريا زيادة كبيرة في قيمة الصادرات للسلع الأساسية المهمة في البلاد, حيث صدرت البلاد الواقعة في غرب إفريقيا سلعًا زراعية بقيمة 1.23 تريليون نيرا في عام 2023، وفقًا لتقارير التجارة الخارجية الواردة من المكتب الوطني للإحصاء (National Bureau of Statistics = NBS). وهذا الرقم يمثّل زيادة بنسبة 53 في المئة عن 583.3 مليار نيرة المسجلة في عام 2022. وقد يكون هذا الارتفاع بسبب الانخفاض الكبير في قيمة نيرا في عام 2023، مما أدى إلى زيادة قيمة إجمالي الصادرات بالعملة الوطنية (نيرا).

في عام 2022، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا 477 مليار دولار أمريكي، في حين بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2.33 ألف دولار أمريكي. وفي الربع الثاني من عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا 52.1 تريليون نيرا، أي حوالي 66.84 مليار دولار أمريكي. ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.54 في المئة (على أساس سنوي) بالقيمة الحقيقية في الربع الثالث من عام 2023 – وهو أداء أفضل من المتوقع. بل ويُعَدّ معدل النمو هذا أعلى من نسبة 2.25 في المئة المسجلة في الربع الثالث من عام 2022 وأعلى من نمو الربع الثاني 2023 البالغ 2.51 في المئة.

وكان أداء الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2023 مدفوعا بشكل رئيسي بقطاع الخدمات الذي سجل نموا بنسبة 3.99 في المئة, وساهم بنسبة 52.70 في المئة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. ونما قطاع الزراعة بنسبة 1.30 في المئة ارتفاعاً من نمو 1.34 في المئة المسجل في الربع الثالث من عام 2022. كما بلغ نمو قطاع الصناعة 0.46 في المئة بتحسّن من -8.00 في المئة المسجلة في الربع الثالث من عام 2022. بل ساهمت حصة الناتج المحلي الإجمالي وقطاعات الزراعة والصناعة بشكل أقل في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2023, مقارنة بالربع الثالث من عام 2022. ونتيجة لتأثير كوفيد-19، تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا قد انخفض بنسبة ما يقرب من 1.8 بالمئة خلال عام 2020. ومع ذلك، يقول المراقبون إن نيجيريا تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية تواصل تخريب عملية التنمية في البلاد.

التحديات

كان الارتفاع المفاجئ في العائدات في نيجيريا نتيجة للازدهار النفطي سبباً في توليد موقف سياسي اعتبر أن الموارد لا تشكل مشكلة للبلاد، وأن كيفية إنفاقها هي المشكلة الحقيقية. وكان الحكومات المختلفة تنظر إلى الرقم المتزايد لإيصالات النقد الأجنبي على أنه سيدوم ما دامت الموارد متاحة. وهذا الموقف والتفكير أدّيا إلى توسّع غير منضبط في الإنفاق, وقول البعض إن التخفيضات في إيرادات النقد الأجنبي خلال السنوات العجاف (كما حدث في عام 1978) لن تكن سوى حدث مؤقت. وعدم المرونة في التوقعات صعّبت عمليات تخفيض النفقات على الفور، وأحدثت صدمات سلبية, ووضع أجبر الحكومة على الاقتراض الخارجي لتمويل أنشطتها الحكومية. ونتيجة لذلك، ظهر العجز المالي وصعوبات دفع الديون الخارجية والتي استمرت من مختلف الأنظمة السياسية السابقة إلى حكومة اليوم.

ويُضاف إلى ما سبق أن عدة أزمات اجتماعية لا تزال مستمرة على الرغم من مجيئ إدارة جديدة ربط النيجيريون آمالهم إليها. وهذه الإدارة بقيادة الرئيس “بولا أحمد تينوبو” الذي أدى اليمين الدستورية في 29 مايو 2023، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في فبراير 2023. وهذه الأزمات تنحصر في انعدام الأمن, مثل أعمال اللصوصية والاختطاف، خاصة في المنطقة الشمالية الغربية، واستمرار التمرد من قبل الجماعات الإرهابية في الشمال الشرقي، والتحريض الانفصالي في الجنوب الشرقي.

وتشمل العقبات الرئيسية التي تعترض التنمية المستدامة في نيجيريا الفساد المستشري، وعدم كفاية البنية التحتية، وضعف التنوع الاقتصادي، والاعتماد المفرط على عائدات النفط، وارتفاع مستويات الفقر وعدم المساواة. وفي حين أن العوامل التي تؤثر على النمو الاقتصادي والتنمية في نيجيريا تشمل الإرهاب الذي يؤثر سلبا في أعمال المزارعين وقدراتهم الزراعية, والصراع المحلي والإقليمي, والإنفاق الحكومي والاستثمار المحلي؛ فإن العوامل اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة هي في المقام الأول الاستقرار السياسي والاستثمار ومزيج من المبادرات العامة والخاصة. بل وأصبحت إعادة النظر في هذه العوامل حاجة ملحة للزيادة الكبيرة في تكاليف المعيشة في السنوات القليلة الماضية, وكون الضروريات الأساسية مثل الغذاء والسكن والتعليم والرعاية الصحية أكثر تكلفة، مما جعل العديد من النيجيريين يكافحون من أجل الحفاظ على نفقاتهم اليومية.

وفي الوقت الحالي، تشهد نيجيريا اضطرابات اقتصادية عميقة، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية والتضخم المفرط وانخفاض قيمة عملة نيرا. وهناك اضطرابات في سلسلة الإمدادات الغذائية رغم أن نيجيريا تملك موارد زراعية هائلة وغير قابلة للقياس لإطعام القارة الأفريقية بأكملها – وحتى التصدير إلى قارات أخرى, وذلك بالنظر إلى عدد سكان البلاد البالغ 210 مليون نسمة وفق تقدير عام 2023، وباعتبار أن نحو 55 في المئة من سكانها نشطون، بينما تبلغ مساحتها من الأراضي الصالحة للزراعة 91 مليون هكتار، مع أنه يتم استغلال 50 في المئة فقط من مواردها المائية رغم كمية الموارد المائية للبلاد وخصوبة تربتها والتضاريس المواتية والمناخ, الأمر الذي يجعل بعض الباحثين الاقتصاديين يصفون نيجيريا ضمن الدول الأكثر ثراءً لما تتوفر فيها من موارد مائية غير محدودة للتنمية الزراعية. ومع ذلك، فإن القيادة النيجيرية لا تُولي الاهتمام الكافي للقطاع الزراعي، اللهم إلا الوعود والكلمات الجوفاء من الحكومات المحلية في الولايات المختلفة مرورا إلى الحكومة الفيدرالية في أبوجا. وكانت أن تلقت الزراعة استثمارات منخفضة على مر السنين من حكومات البلاد.

السياسات والإصلاحات الاقتصادية

تتضمن السياسات الاقتصادية الرئيسية في نيجيريا: السياسة المالية والسياسة النقدية وسياسة جانب العرض (أو سياسة تنشيط العرض). وتتضمن السياسة المالية: الإنفاق الحكومي والضرائب, بينما تتعامل السياسة النقدية مع إدارة أسعار الفائدة وعرض النقود, وتركز سياسة جانب العرض على تحسين كفاءة الاقتصاد.

أما برامج الإصلاح الاقتصادي التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة, فهي تشمل ما يلي: توحيد المؤسسات المالية؛ والخصخصة والتسويق؛ والتوطين؛ والتأميم؛ وإلغاء القيود التنظيمية. وتشمل برامج الإصلاح الأخرى الأدوار التي تؤديها بعض الوكالات الحكومية، مثل لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية (Economic and Financial Crimes Commission = EFCC), والوكالة الوطنية لإدارة ومراقبة الغذاء والدواء (National Agency for Food and Drug Administration and Control (NAFDAC)، واللجنة المستقلة لممارسات الفساد والجرائم الأخرى ذات الصلة (Independent Corrupt Practices and Other Related Offences = ICPC)، ومنظمة المعايير النيجيرية (Standards Organization of Nigeria = SON)، وغيرها من الوكالات التي تنشط وتساهم في عماليات تشغيل وأداء الاقتصاد النيجيري.

وقد تعهد الرئيس الحالي “تينوبو” بمواصلة إصلاح الاقتصاد وضمان الأمن في جميع أنحاء البلاد, كما التزم المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمجموعات المدنية الأخرى بمواصلة الدعوة للإصلاحات والإجراءات الرامية إلى تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية أفضل للمواطنين. وقد أعلنت إدراة “تينوبو” سلسلة من السياسات لمعالجة أزمة صرف العملات الأجنبية من خلال إيجاد طرق للتحكم في المراجحة والمضاربة المالية داخل النظام البيئي المالي. هذا, إلى جانب مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد، مثل إلغاء دعم الوقود وتخفيف القيود على العملة الوطنية. وكان محافظ البنك المركزي النيجيري، “أولايمي كاردوسو”، منذ توليه منصبه في 5 أكتوبر 2023، يبذل جهودًا مختلفة لتحقيق استقرار الاقتصاد وترويض التضخم المتسارع.

مؤشرات التقدم والفرص

ففي نهاية المطاف، تلعب القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي دوراً محورياً في تشكيل المسار الاقتصادي لنيجيريا وإقرار قوتها في مواجهة عدم الاستقرار العالمي. هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات قطاعية حاسمة لدعم النمو الاقتصادي عريض القاعدة والقدرة التنافسية العالمية لنيجيريا. وفي الوقت الحالي حصلت نيجيريا على استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 30 مليار دولار لدعم اقتصاد البلاد منذ مايو 2023، خاصة في القطاعات الحقيقية للاقتصاد، بما في ذلك التصنيع والاتصالات والرعاية الصحية والنفط والغاز وغيرها. وفي حين ارتفعت واردات رأس المال إلى نيجيريا بنسبة 66 في المئة في الربع الرابع من عام 2023، مما يعكس انخفاضًا بنسبة 36 في المئة في الربع السابق، فقد تجاوز مؤشر جميع الأسهم في البورصة النيجيرية (Nigerian Stock Exchange All Share Index)  في يناير 2024 أيضًا علامة 100,000 نقطة، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق.

جدير بالذكر أن البنك الدولي أشار إلى أن الإصلاحات الأخيرة في نيجيريا توفر نقطة انطلاق لـميثاق اجتماعي جديد للتنمية في البلاد. ومن شأن تعزيز أساسيات الاقتصاد الكلي أن يسمح بمواصلة الإصلاحات الهيكلية واستعادة النمو الاقتصادي. ومن الممكن تحويل التوازن الاجتماعي والاقتصادي المنخفض الحالي إلى توازن يتسم بدولة أفضل تمويلاً وأكثر فعالية توفّر خدمات عامة تتسم بالكفاءة والمنافع العامة وبيئة اقتصادية مواتية لازدهار القطاع الخاص وخلق المزيد من فرص العمل الجيدة للنيجيريين.

ومع ذلك، يرى الخبراء أن ما يحدث اليوم من الأزمات الاقتصادية – مثل التضخم المفرط وأزمة قيمة عملة نيرا وأزمة الديون وتحدي الإيرادات والبطالة والفقر المدقع وما إلى ذلك – غير مفاجئة, وذلك بالنظر إلى ما عاناه اقتصاد البلاد من سوء الإدارة لفترة طويلة, ولحقيقة أن الخيارات لها عواقب. وهناك جوع وغضب في مختلف المدن والقرى النيجيرية، وكانت السنوات العشر الماضية مدمرة بشكل خاص نتيجة سوء إدارة غير مسبوق للسياسة المالية والاقتراض الخارجي غير المنتج والعجز غير الضروري في الميزانية والإقراض غير القانوني من قبل البنك المركزي النيجيري للحكومة الفيدرالية بما يصل إلى 30 تريليون نيرا، إضافة إلى الفساد غير المسبوق.

وفي الختام؛ إن تبني الحصافة والشمولية والقدرة على التكيف أمر بالغ الأهمية للتغلب على التحديات الاقتصادية ودفع نيجيريا إلى الساحة العالمية. كما أن زيادة الشفافية فيما يتعلق بالعملة الوطنية (نيرا) والقدرة على التنبؤ بسياسات إدارة سعر الصرف ستقلل من التشوهات في المخصصات في القطاعين الخاص والعام، وستضمن قدرة الوكلاء على الوصول إلى النقد الأجنبي في الوقت المناسب وبطريقة منظمة وبسعر متفق عليه. ومن الواضح أنه من خلال تنويع الاقتصاد والاستثمار في البنية الأساسية ورأس المال البشري وتعزيز الحكم الرشيد واحتضان التجارة الإقليمية والدولية تستطيع نيجيريا أن تطلق العنان لإمكاناتها الهائلة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وبينما تتغلب البلاد على تحدياتها، فإن قدرة المواطنين النيجيريين على التكيف في مواجهة الصعوبات المعيشية والاقتصادية واضحة، حتى وإن كان توقع آفاق اقتصادية أكثر إشراقًا ظل طمحا مشتركا للجميع كأمة.

أخبار الأفارقة وتقارير فعالياتها واستشاراتها.