التأمين التكافلي في نيجيريا: المكاسب والتحديات

تناولت الورقة نظام التأمين التكافلي كأداة اقتصادية لإدارة المخاطر وتخفيف تبعاتها في العصر الحاضر، وبيان حقيقة التأمين التكافلي وعلاقته بالتأمين التجاري، وبيان حقيقة التأمين في نيجيريا. وتحدّتث أيضا عن المكاسب والتحدّيات المصاحبة للنشاط التكافلي في نيجيريا, وعرضت أوّلية التأمين في نيجيريا، واستعرضت حقيقة التأمين التكافلي كونه البديل الإسلامي للتأمين التجاري التقليدي. وتوصّلت الورقة إلى مجموعة من النتائج أهمّها: أنّ النشاط التأميني قديم في نيجيريا منذ العهد الكولونيالي، وأنّ أوّليّة النشاط التأمين التكافلي في نيجيريا تعود إلى عقدين من الزمن تحديدًا، مرّ من خلالهما بعهدين – أوّلهما عهد النشاط النوافذي بين 2003 و2016، ثم عهد النشاط التكاملي بين 2016 وما بعده-. ومن أهمّ الإنجازات التي اكتسبها التأمين التكافلي: تعميق حجم الأنشطة التأمينية، ووجود إضافات نوعيّة في القطاع التأمين النيجيري وامتلاك استراتيجيات مخترقة للسوق. وفيما يتعلق بأهم التحدّيات القائمة في سبيل تطوّر التأمين التكافلي, فهي انخفاض حجم تغلغله مقارنةً بالتأمين التقليدي وقلة المنتجات الشرعية المبتكرة وقلة الموارد البشريّة مع انخفاض محو الأمية المالية الإسلامية.

الورقة متوفرة للتحميل (PDF) هنا

يُعد التأمين التكافلي البديل الإسلامي للأنظمة التأمينيّة التقليديّة، وقطاعًا متناميًا من قطاعات التمويل الإسلامي المنتشر في أقطار العالم. وتعود التجربة النيجيرية إلى عقدين من الزمن ذاق فيه المرّ والحلو، ابتداءً من مرحلة ولادة النشاط التكافلي النوافذي حتى مرحلة النشاط التكافل التكاملي التي ظهر فيها مكاسب التأمين التكافلي في نيجيريا وإنجازاته. وبما أنّ القطاع التكافلي النيجيري في مرحلة طفولته، فقد قامت أمامه معوّقات وتحدّيات أثّرت في قومتها وكادت أن تودي بها لولا رحمة الله تعالى، وفيما يلي تقرير مختصر عن التأمين التكافلي في نيجيريا: المكاسب والتحدّيات.

حقيقة التأمين

تعدّ  ثقافة التأمين ظاهرة اجتماعية ضروريّة في المجتمعات المعاصرة، خاصة في الدول المتقدّمة. حيث يشكلّ التأمين أساسًا مهمًّا من أساسيّات الحياة المعاصرة . وحقيقية التأمين قائمة على نظام تعاقدي يقوم على أساس معاوضةٍ غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بواسطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أسس وقواعد إحصائية (الزرقا، 1984)، فقد أصبحت ظاهرة ترافق الحياة العامة والنشاط الإقتصادي في أقطار العالم في جميع الشؤون ، من التأمين على الأموال ضد مختلف الاخطار، إلى التأمين على المسؤوليات من حوادث السيارات وسواها، إلى التأمين على حياة الناس المسافرين على متون الطائرات وسائر وسائط النقل الحديثة من قبل شركات النقل الجوي وسواها، ثم إلى تامين كثير من الأشخاص على حياتهم لمصلحة أسرهم وأولادهم إذا أصابتهم مصيبة الموت (الزرقا، 1984). والتأمين في العصر الحديث مؤشّر رائد في ضبط معدّل جودة الشركات الصناعيّة، ومن أفضل الوسائل التي تمكّن الإنسان من التخفيف من آثار الكواراث الواقعة بفعل الشخص أو بفعل الغير لتبرز أهميّته في دوره في الحفاظ على ممتلكات الأفراد وحمايتها من مخاطر الكوارث الطبيعيّة (هوادف، 2022)، و لتصبح وسيلة الأمان المتفقة وروح العصر الحديث في إدارة الكوارث مع كثرة الأخطار واتضاح مخاطر التطوّر فيه.

نظام التأمين التكافلي

ولا يختلف نظام التأمين التكافلي أو الإسلامي من حيث المقصد والغاية والإجراءات عن التأمين التقليدي التجاري إلاّ في خيارات العقود المستعملة وإجراءاتها ومنتجاتها التسويقيّة ليصبح النظام التأميني البديل عن نظام التأمين التقليدي الذي رأى الفقهاء والاقتصاديون المسلمون المعاصرون عدم موافقته لروح الشريعة الإسلامية لاشتمالها على عقود محرّمة في الشريعة الإسلامية مثل الربا والميسر والغرر الفاحش. فقد انتشر التأمين التكافلي في المجتمعات الإسلامية وفي مجتمعات الأقلية المسلمة فأصبح أداة رائجة من أدوات التمويل الإسلامي المعاصر ونظامًا بديلاً لنظام التأمين التقليدي أو التجاري المحرّم عند المسلمين.

أولية التأمين في نيجيريا

تعود تجربة نيجيريا التأمينية إلى ما قبل العهد الاستقلالي عن طريق شركات التامين الأوربية التي فرضتها الإدارة الكولونيالية لتنظم خدمات تأمينية بواسطة نظام اتفاقيات التجارة الإقليمية (REGIONAL TRADE SYSTEM) حيث  ترد تصاريح شركات التأمين من السلطات الخارجية. فقد انطلقت أول شركة تأمينية نيجيرية غير أهلية عام 1921 بينما انطلقت أول شركة نيجيرية أهلية – شركة “التامين التحالفي الأفريقي” (AFRICAN ALLIANCE INSURANCE) عام 1958 إلى أن استحوذت الشركات التأمينية الأهلية على القطاع التأميني النيجيري فنالت عام 1976نصيب الأسد من إجماليّ الشركات التأمينية النيجيرية  بمعدّل 80 في المئة.

وكما في القطاعات المالية الأخرى، فإنّ التديّن والمحافظة على القيم الاقتصادية الإسلامية سبب ظاهر ومهمّ من أسباب إقصاء المسلمين ماليًّا  في نيجيريا، فضعفت مشاركاتهم في منتجات شركات التأمين التقليدي لا سيّما في مجتمعات الأكثرية المسلمة حيث تنبه علماء المسلمين للفروق الجوهرية بين النظام المالي التقليدي  المعمول به في القانون النيجيري وبين النظام المالي الإسلامي. فكان من آثار ذلك وجود تحفظّ ظاهر لمسلمي نيجيريا في الشمال والجنوب حال دون مشاركات فعّالة في الأنشطة الاقتصادية التقليدية في القطاع المالي المصرفي، وفي قطاع سوق العمل النيجيري وفي القطاع التأميني التقليدي، ليصير الإقصاء المالي (FINANCIAL EXCLUSION) من أكبر مخلّفات هذه الظاهرة.

التأمين التكافلي في نيجيريا

ومع شعور المسلمين بحجم االآثار السلبية التي نجمت من نظام الإقصاء المالي في نيجيريا بسبب قلة المشاركة في الأنشطة الاقتصادية وتبعاتها على الحياة الاجتماعية العامة للمسلمين، ظهرت اهتمامات وإجراءات قانونية قام بها الكوادر الثقافية من المسلمين أسفرت عن ولادة نظام التمويل الإسلامي في تسعينات القرن الماضي عبر مرسوم البنوك والمؤسسات المالية (BOVID) والمعروف الآن بــ (BOVIA) الذي أعلنه رسميًّا “المجلس العسكري الأعلى بنيجيريا”

(Alaro & Alao,2019 ). ويعدّ هذا المرسوم العسكري نقطة انطلاق مؤثر في التحوّل الجذري في القطاع المالي النيجيري أنتج فيما بعد نظام النوافذ الإسلامية في المؤسسات المالية التقليدية بنيجيريا والذي أتاح للمؤسسات المالية الإسلامية المصغّرة فرص الانخراط داخل المؤسسات التقليدية القائمة وممارسة الأنشطة المالية الإسلامية تحت نظام النوافذ WINDOWS OPERATION SYSTEM))

في عام 2003، سجلّت  كلّ من شركة التامين الأفريقي التحالفي (AFRICAN ALLIANCE INSURANCE) وشركة النيجر للتأمين (NIGER INSURANCE PLC) و شركة كونرستون للتأمين (CORNESTONE INSURANCE PLC) نوافذ التأمين التكافلية

(ISLAMIC TAKAFUL WINDOWS)  المتخصصة في إدارة نظام الـتأمين وفق الأسس والقواعد المتبعة في العالم الإسلامي من أجل التحكّم على مشكلة الإقصاء التأميني الذي يعاني منه الأكثرية المسلمة التي تعدّ بالأغلبية الكوادر الاقتصادية النشطين في البلاد.

على وجه الخصوص، فقد زادت شركة كونرستون من حجم نافذتها التكافلية فأنشأت مكتبًا خاصّا للتكافل ذا إدارة استقلالية لم تدمج أنشطتها  ولا أموالها في أنشطة التأمين التقليدي، واعتمدت لنافذتها التكافلية اسمًا تجاريًّا رسميًّا “التكافل الحلال” (HALAL TAKAFUL) يناسب طموحات العملاء المسلمين ، فكانت هذه الجهود منطلقات أساسية لنظام التأمين التكافلي النيجيري. (Yusuf, 2012).

وبعد عشر سنين من دخول التكافل في نظام التأمين النيجيري، دشّنت اللجنة الوطنية للتأمين (NAICOM) دليل التكافل لشركات التكافل (OPERATORS’ GUIDELINES FOR TAKAFUL INSURANCE) التي تعنى بالقواعد واالمعايير الأساسية لإدارة التكافل في نيجيريا وبيان المعطيات العلمية والفنية لمؤسسات التأمين التكافلي ليسهل فيما بعد ذلك الانتقال لمرحلة النظام التكافلي التكاملي في نيجيريا، فنالت شركة النور للتكافل (NOOR TAKAFUL) الرخصة المتكاملة لإدارة التأمين التكافلي إبريل 2016، تليها شركة “جائز للتكافل” (JAIZ TAKAFUL) يونيو 2016 ليكونا شركتي التأمين التكافلي المتكاملتين الرائدتين في نيجيريا. (Jumah & Yakubu, 2019)

ولعلّ من أهمّ إنجازات القطاع التأميني النيجيري أن تمّ حتى عام 2020 تسجيل ست شركات التكافل الأهلية عند اللجنة الوطنية للتأمين (NATIONAL INSURANCE COMMISSION) وهي نور للتكافل، والجائز للتكافل، والهلال للتكافل، والسلم للتكافل، ونافذة شركة التأمين النيجيري, ونافذة شركة التامين الأفريقي التحالفي Alaro, 2021) (. فنافست بأنشتطها التكافلية شركات التأمين التقليدية وبعثت بحصائدها في وقت مبكّر أشواق الآمال في قلوب المشتركين المكتتبين كما أتاحت بمنتجاتها فرص الاستفادة والاحتواء المالي (FINANCIAL INCLUSION) للراغبين في التمويل الحلال (HALAL FINANCE ) والتمويل الأخلاقي (ETHICAL FINANCE).

وبعد تجربة دامت عشرين سنة في القطاع التكافلي النوافذي، وتجربة ست سنوات في القطاع التكافلي المتكامل الرخصة، يبقى السؤال المنطقي الواضح  :ما هي مكاسب نظام التأمين التكافلي في نيجيريا؟  ما هي آمال التكافل ومحدّداته، وما هي التحديات التي تشكّل عثرات في طريق تقدّم التكافل بنيجيريا؟ وفي السطور التالية أجوبة مقتضبة على هذه التساؤلات.

مكاسب التأمين في نيجيريا

1- تعميق حجم الأنشطة التأمينية

بعد عشرين سنة من تطبيق نظام التأمين الإسلامي في نييجريا، فقد ظهرت إنجازات بعيدة الأثر في القطاع المالي النيجيري من خلال تعميق الوعي النخبوي بأنشطة التكافل كنظام إسلامي بديل للتأمين التقليدي التجاري، فكان من مرابح التأمين التكافلي تعميق حجم النشاط التأميني في نيجيريا بسسب إيجاد فرص تمويليّة ساعدت على سد فجوات الإقصاء المالي في البلاد. وبما أنّ المسلمين يشكّلون النسبة المئوية الأعلى في نيجيريا فمن المؤسف أن تبتعد أنشطة شركات التأمين التقليدية عن أسواق بلدان الشمال النيجيري ذات الأكثرية المسلمة.! فقد أسفرت نتائج بعض البحوث بأنّه ضمن 49 شركة ضمان السندات  (UNDERWRITERS)المسجلة في نيجيريا، تقع ثلاث منها فقط  في الشمال، كما يقع فيه 62 سمسارًا  (BROKERS)  فقط من إجماليّ 510 شركات السمسرة المسجّلة في نيجيريا، بينما جميع شركات معدلي الخسارة ال37 المسجلة بنيجيريا  (LOSS ADJUSTERS)تقع بعيدة عن المحيط الجغرافي الشمالي(Yusuf, 2012)! فإنّ دلّ هذا التقرير على شيئ، فدلالته محدّدة لإشكالية ضعف حجم النشاط التأميني في مناطق شمال نيجيريا لأسباب أهمّها تحفظات الشماليين الدينينة من الانخراط في الأنشطة التأمينية التقليدية. ومع تدشين نظام التكافل الموافق للأسس الإسلاميّة والمعايير الأخلاقية، فقد تأثرت نسبة التغلغل التأميني في القطاع المالي النيجيري إيجابيًّأ، وزاد تطبيق التكافل من عمق الأنشطة التأمينية في البلاد ، وزادت ثقافة التأمين بين الفئة الذين يعانون من الإقصاء التأميني من خلال تأمين سياراتهم ومنشئاتهم ومستقبل أسرهم تأمينًا تكافليًّا إسلاميًّا.

2- الإضافات النوعيّة في القطاع التأمين النيجيري

من أوضح مكاسب التأمين التكافلي في القطاع التأميني النيجيري جدة نظام التكافل واشتمالها على منتجات إبداعية مبتكرة أضافت في أداءات القطاع التأميني عمومًا وأتاحت  للآيسين من نظام التأمين التقليدي فرص التحوّل إلى نظام تأمينيّ بديل يتوافق في غاياته وأهدافه مع التأمين التقليدي لكن بوسائل أخلاقية مستجدة تواكب المعطيات الفنية والمهنيّة للتأمين. فإذا كان التأمين التقليدي عقدًا بين طرفين المؤمِّن والمؤمَّن له يلتزم فيه الأول للثاني بأداء عوض مالي في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر، مقابل أقساط مدفوعة من قبل الطرف الثاني بواسطة شركات مساهمة يتعامل معها عدد ضخم من المستخدمين (الزرقا، 1987)، فإنّ نظام التأمين التكافلي قائم على مبدأ التعاون والتبرع والهبة ،مع نوع من التنظيم من خلال وجود شركة مساهمة تكون وكيلة ، وحساب خاص بالتأمين التعاوني.(القره داغي،2007) فلا شكّ أنّ مرونة نظام التأمين التكافلي، وبساطة إجراءاته، ووضوح شروطه ومتطلباته، وجدة عقوده  وتطبيقاته ومنتجاته في القطاع التأميني النيجيري وخصائصه الإنسانيّة والأخلاقية من أكبر الإضافات النوعيّة التي سوّقت نظام التكافل في سوق التامين النيجيرية في وقت الإياس وضعف الموثوقية بالنظام التقليديّ السائد. فإذا كانت الموثوقية وجودة المنتج لدى المستهلك تعتمد على مقدرته على الأداء المرضي لفترة زمنية محدّدة، فإنّ مقياس جودة منتجات التكافل تعتمد على مقدراتها في اختراق سوق القطاع التأميني النيجيري وإضافاتها النوعية المبتكرة في أقرب وقت ممكن، وفي مقدرتها على منافسة الأسواق التقليديّة القائمة بخطوات سريعة ومؤثرة.

3- استراتيجيات اختراق السوق

ومن مكاسب التأمين التكافلي في القطاع التأميني النيجيري صناعة استيراتيجيات  مخترقة للسوق اثرت في الإرادة السياسية لدى صنّاع القرار من الهيئات التنظيميّة وشركات التأمين والعملاء على السواء. حيث يمتلك قطاع التأمين التكافلي محرّكات جذّابة أهّلته لمنافسة شركات التأمين القائمة. كما يوجد العديد من العملاء المحتملين الذين لديهم مواصفات تأمينية لا توفّر إلا في قطاع الـتأمين التكافلي. ويمتلك قطاع التأمين التكافلي منتجات مرخصة أو قابلة للترخيص لإدارة الكوارث وتخفيف المخاطر تتوافق مع أصول الشريعة الإسلامية تلبي الاحتياجات التأمينية لدى نسبة عالية من الشعب النيجيري.

فقد أدخل نظام التكافل في سوق التأمين النيجيرية برنامجًأ متعدّد الوظائف لا يعنى فقط بإدارة المخاطر والكوارث، بل أضاف إلى ذلك جعل نظام التكافل عقد شراكة ربحيّة تدرّ على المشتركين فوائدًا ربحية مباحة بعيدة عن أكل أموال الناس ظلمًا أو التآكل على هامش مصائب الآخرين. فالعلاقة التعاقدية بين شركات التكافل والمشتركين علاقة وكالة محدّدة الوظائف، فليست شركات التكافل إلا وكلاء المشتركين لإدارة الأقساط المدفوعة في صالح المخاطر والكوارث المستقبيلة لقاء أجرة محدّدة. وفي حالة غياب الكوارث والمخاطر تقسم فوائض الأقساط التكافلية بين المشتركين، أو تقسم بين المشتركين الذين لم تسبق لهم مطالبات التأمين. ولا شك أنّ نظام  التكافل جذّاب مخترق للأسواق حتى قال القسيس بيجو أوييمادي   (PEJU OYEMADE) من كنيسة كوفيننت (COVENANT) في هامش برنامج دفع الفوائض التكافلية الذي نظمته شركة النور للتكافل يونيو 2022 : “يجب أن أقرّ بأنني لم أسمع قبل الآن بأيّة منظمة تجاريّة تدار على هذه الطريقة ،هذا شيئ مذهل جدير بالثناء، ويبدو لي شخصيًّا بأنّه سيطول زمانه”(Premium Times, 2022).

تحدّيات التأمين التكافلي في نيجيريا

ومع تعدّد المكاسب والإنجازات التي ولّدها التكافل في القطاع التأميني النيجيري فمن المتوقّع أن تقوم أمامه تحدّيات ومشاكل تعثر طريق نموّه وتقدّمه ولعلّ من أهمّ التحديّات التي تشكّل حجر عثرة تقدّم نظام التكافل في نيجيريا ما يلي:

1- انخفاض حجم التغلغل:

سجّل القطاع التكافلي انخفاضًا مزريًّا في سوق التأمين النيجيري حيث أسفرت أواخر تقارير الهيئة التنظيمية بأنّ مجموع رسملة القطاع التكافلي يقع في 0.5% من إجمالي رسملة القطاع التأميني التقليديّ!Alaro,2022)). ومع كون هذه المشكلة متوقعة بسبب قلة حجم التغلغل الـتأميني مقارنة بالقطاع المالي العام من أجل الوعي المنخفص والاختراق المنخفض وحصة سوق منخفضة إضافة إلى عدم ثقة الجمهور بأداءات القطاع التأميني ليرث القطاع التكافلي هذه العوائق مضافة إلى عوائقها الطبيعية المؤثرة في انخفاض النشاط التكافلي النيجيري. ومن أسباب هذا الاتخفاض جهل أو تجاهل العملاء المحتملين لحقيقة تطبيق التكافل فلم ير مثلاً منهم إقبالاً محمودًا لخدمات التأمين التكافلي والاستفادة من منتجاته المتنوعة، كلّ ذلك من أجل الوعي المنخفض بالخدمات التكافلية بين العملاء المحتملين. وليس بعيدًا إذا قيل إن انخفاض حجم التغلغل التكافلي يعود على درجة الوعي الجمهوري بحقيقة التكافل، وعدم معرفتهم الفروق بينها وبين التأمين التقليدي من حيث الحقيقة والتطبيق، وعدم معرفة المنتجات التكافلية التي تبعث من موثوقية الجمهور ، كل هذا -وغيره كثير- من مسؤوليات الهيئة التنظيمية، وشركات التكافل، من أجل رفع مستوى حجم الوعي العام والثقة الجمهوريّة لأداءات تطبيق النظام التكافلي بين العملاء المحتملين بنيجيريا.

2- قلة المنتجات الشرعية المبتكرة:

قد سبق القول إنّ لنظام التكافل بتطبيقاته الدولية خيارات الجدة والابتكار في المنتجات المستعملة فاقت بها النظم التقليدية، إلاّ أنّ قانون الترخيص الصادر من اللجنة الوطنية للتأمين NAICOM)) يحمل نوعًا من الصرامة والجمود، ويقيّد التحوّلات المبتكرة المواكبة للأداءات الدولية لنظام التكافل. حسب مرسوم اللجنة الوطنية للتأمين، فإنّ إدارة التكافل في نيجيريا لا تتجاوز سقف ثلاثة عقود شرعيّة :المضاربة، الإجارة والعقد المركّب بين المضاربة والإجارة بينما تقبل مرونة نظام التكافلي الإدارة وفق عقود شرعيّة أخرى  مثل الوقف والهبة  والتبرع بترتيبات معاصرة كالتمويل الجماعي وغيرها من الترتيبات  الأكثر مرونة والمحتملة للاحتياجات المعاصرة في مجال الشبكات الاجتماعية، والتقدّم الاجتماعي،والتحوّل البيئي مع تزايد خطورة الكوارث الإنسانية، وارتفاع الأهمية الاقتصادية للأسواق النامية، ومع التحولات السياسية والمخاطر الحيوسياسية والديموغرافيةPWC,2015)) وغيرها كثير من العوامل الرائدة المؤثرة في النشاط التأميني والتكافلي على السواء، والتي توجب على نظام التكافل مواكبة موجات العصر من خلال تقديم منتجات إبداعية مناسبة. ولا شكّ أن المنتجات القائمة في القطاع التكافلي النيجيري لا تفي بجميع الحاجات التأمينية المعاصرة، ومن ثم وجوب تقديم مرسوم يتسم بالمرونة من جانب الهيئة التظيمية، وتحسين الأداء التطبيقي بتنمية مهارات الإبداع وزيادة المنتجات الشرعية المبتكرة من جانب الشركات التكافلية.

3- قلة الموارد البشريّة وانخفاض محو الأمية المالية الإسلامية:

تعدّ قلة الموارد البشريّة أهمّ مشاكل التمويل الإسلامي في نيجيريا وفي القطاع التكافلي على وجه الخصوص. و تعدّ كبرى المشكلات التي تعترض نموّ التكافل، حيث تعاني سوق التكافل من نقص خطير من الطاقم الأكفاء ذوي المهارات العلميّة والتجارب الفنيّة في القطاع التكافليSolomon,2014)). كونه قطاعًأ جديدًا من حيث النظرية والتطبيق، فإنّ أكثر العاملين في القطاع التكافلي النيجيري نفس الأيدي العاملة  التي تحوّلت من التأمين التقليدي من غير سوابق مهنية وعلميّة في إدارة التأمين التكافلي فولّدت هذه المشكلة مشكلة ضعف الموثوقية الجمهوريّة لشرعيّة أداءات المؤسسات التكافلية القائمة، من أجل أنّ أغلبية الكوادر المهنية فيها لا يملكون الرصيد العلمي المتعلق بالأصول والمعايير الشرعيّة الكافية لإدارة الأسواق الإسلامية. ومع صرامة شروط اللجنة الوطنية للتأمين في المدقق الشرعيّ لأنشطة مؤسسات التكافل، من كونه عالمًا أصوليًّا متخصصَّا في الشريعة و فقه البيوع والمعاملات الإسلاميةNAICOM,2013))، فلم تستطع أكثر المؤسسات التكافلية أن توفّر بصدق هذه الشروط في أقسامها الشرعية، بله أقسامها المهنيّة التي تباشر الأنشطة التكافلية وتحتك مع العملاء المشتركين.

وبما أنّ القطاع التكافلي النيجيري في مرحلة طفولته حيث لم تتجاوز تجربته النوافذية عشرين سنة، ولم تتجاوز تجربته التكاملية ست سنوات، فمن المتوقّع أن يتغلّب في المستقبل الأقرب بقفزاته النوعيّة المؤثرة على جلّ هذه التحديات التي  تشكّل حجر عثرة أمام نموّه لتناطح بجدارة سحاب الشركات التأمينية التقليدية التي –وإن أتت عليها تجربة قرن- ما زالت تزحف وتسير سير السلاحف إذا قورن بالقطاع المالي النيجيري العام ،أو قورن بالقطاع التأميني العالمي.

خاتمة

يظهر بما سبق أنّ التأمين أداة من أدوات التخوّط ضدّ المخاطر والكوارث الطبيعيّة، وأنّ التأمين التقليدي نشط في القطاع المالي النيجيري من القرن الماضي مرّ من خلاله بمراحل أحدثها تدشين التأمين التكافلي الذي لا يختلف نظامه من حيث المقصد والغاية والإجراءات عن التأمين التقليدي التجاري إلاّ في خيارات العقود المستعملة وإجراءاتها ومنتجاتها التسويقيّة. وبما أنّ التأمين التكافلي في مرحلة الصبا،فليس من المستبعد أن تعترضه معوّقات وإن أحرزت مكاسبًا وأرباحًأ.

ولعلّ من محدّدات استدامة نظام التأمين التكافلي في سوق التأمين النيجيري صنع قرارات استيراتيجية للتحوّط ضدّ التحدّيات المتكرّرة في سوق التكافل، وامتلاك برامج تسويقية مستدامة للتغلّب على مشكلة  الوعي المنخفص، والاختراق المنخفض، وحصة السوق المنخفضة. ولا زالت أشواق الأمل متصاعدة مع أخبار تسجيل شركات التكافل الجدد في نيجيريا، وفي ظلّ هذا الوعي المتزايد بمنتجات التكافل وأنشطته، يتحدّد مسير هذا المنتج الفريد وآليات استدامته في القطاع المالي النيجيري.

ــــــــــــــ

مصادر

الزرقا، مصطفى أحمد (1984). “نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه”.ط1. مؤسسة الرسالة. بيروت.

القره داغي، علي محي الدين (2007). “حكم التعامل أو العمل في شركات التأمين خارج ديار الإسلام”. بدون مطبعة.

هوادف، عائشة (2022). “التأمين كآلية لإدارة مخاطر الكوارث الطبيعية في الجزائر بين تحديات الواقع واستراتيجيات التفعيل”. مجلة الاقتصاد والتنمية البشرية. 13(2). 85-99.

Alaro, A.A & Alao, I.I. (2019). “Challenges of the Emerging Markets of Islamic Finance in Africa: Nigeria as a Case study”. International Review of Entrepreneurial Finance.2 (1).

Alaro, A.A. (2021). “Islamic Financial Services: The Interplay of Religion, Law, and Corporate Social Responsibility, Nigeria. UniIlorin press, Ilorin.

Alaro, A.A. (2022). “Islamic Finance Experiment in Nigeria: Gains, Challenges and Prospects”.

Get Insurance (n.d). “Brief History of Insurance in Nigeria”. Retrieved from https://rb.gy/3n388

Jumah, H. A.  & Yakubu, A. (2019). “Islamic/ Takāful Insurance: the Nigerian Takāful Prospects and Challenges”. The 14th International Islamic Development Management Conference (IDMAC), University Sains Malaysia, 97-108

Premium Times (2022). “Noor Takāful distributes N109million surplus to policyholders”. Retrieved from https://rb.gy/6k6hp

PWC (2015). “Africa Insurance Trends: Strategic and Emerging Trends in Insurance Markets in Nigeria”. PricewaterhouseCoopers (PWC). Retrieved from https://rb.gy/6abir

Solomon, F. O. (2014). “Takāful (Islamic Insurance) Practices: Challenges and Prospects in Nigeria”. Journal of insurance Law and practice. 4(2).

Uche, C. U. (1999). “Government ownership of insurance companies in Nigeria: A critique”. The Geneva Papers on Risk and Insurance. Issues and Practice, 24(2), 216-227.

Yusuf, T.O. (2012). “Prospects of Takāful’s (Islamic insurance) Contributions to the Nigerian Economy”. Journal of Finance and Investment Analysis, 1 (3).

مترجم نيجيري وباحث دكتوراه مهتم بقضايا اللغة العربية والدراسات الإسلامية في نيجيريا.